المجموع : 5
شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها
شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها / إِذا خَلَت مِن حَبيبٍ لي مَغانيها
دَعِ الرَوامِسَ تَسفى كُلَّما دَرَجَت / تُرابَها وَدَعِ الأَمطارَ تُبليها
إِن كانَ فيها الَّذي أَهوى أَقَمتُ بِها / وَإِن عَداها فَما لي لا أُعَدّيها
أَحَقُّ مَنزِلَةٍ بِالتَركِ مَنزِلَةٌ / تَعَطَّلَت مِن هَوى نَفسي نَواديها
أَمكَنتُ عاذِلَتي في الخَمرِ مِن أُذُنٍ / صَمّاءَ يُعيِ صَداها مَن يُناديها
وَقُلتُ حينَ أَدارَ الكَأسَ لي قَمَرٌ / الآنَ حينَ تَعاطى القَوسَ باريها
يا أَملَحَ الناسِ كَفّاً حينَ يَمزُجُها / وَحينَ يَأخُذُها صِرفاً وَيُعطيها
قَد قُمتَ مِنها عَلى حَدٍّ يُلائِمُها / فَهَكَذا فَأَدِرها بَينَنا إِيها
إِن كانَتِ الخَمرُ لِلأَلبابِ سالِبَةً / فَإِنَّ عَينَيكَ تَجري في مَجاريها
سِيانَ كَأسٌ مِنَ الصَهباءِ أَشرَبُها / وَنَظرَةٌ مِنكَ عِندي حينَ تُصبيها
في مُقلَتَيكَ صِفاتُ السِحرِ ناطِقَةٌ / بِلَفظِ واحِدَةٍ شَتّى مَعانيها
فَاِشرَب لَعَلَّكَ أَن تَحظى بِسَكرَتِها / فَتَصدُقَ الكَأسُ نَفَساً ما تُمَنّيها
وَمُخطَفِ الخَصرِ في أَردافِهِ عَمَمٌ / يَميسُ في خامَةٍ رَقَّت حَواشيها
إِذا نَظَرتُ إِلَيهِ تاهَ عَن نَظَري / وَإِن شَكَوتُ إِلَيهِ زادَني تيها
لَولا الأَمينُ الَّذي في الأَرضِ ما اِختَلَسَت / بَناتُ لَهوي إِذا عَنَّت غَواشيها
خَليفَةُ اللَهِ قَد ذَلَّت بِطاعَتِهِ / صُعرُ الخُدودِ بِرَغمٍ مِن مَراقيها
أَحيَت يَداهُ النَدى وَالجودَ فَاِنتَشَرا / في الأَرضِ طُرّاً وَجالا في نَواحيها
عَمَّت مَكارِمُهُ الدُنيا فَأَوَّلُها / تُهدى نَداهُ إِلى أُخرى أَقاصيها
كَم مِن يَدٍ لِأَمينِ اللَهِ لَو شُكِرَت / لَقَصَّرَ النَفسُ عَن أَدنى أَدانيها
فَتىً تُهينُ رِقابَ المالِ راحَتُهُ / إِذا أَتاها مُريدُ المالِ يَبغيها
يُمنى يَدَيكَ لَنا جَدوى مُطَبَّقَةٍ / هَذا السَحابُ بِأَعلى الأُفقِ يَحكيها
حَلَّت قُرَيشُ العُلا مِن كُلِّ مَكرُمَةٍ / وَحَلَّ بَيتُكَ في أَعلى أَعاليها
فُقتَ البَرِيَّةَ مِن كَهلٍ وَمِن حَدَثٍ / وَفاقَ أَباؤُكَ الماضونَ ماضيها
شَيَّدتَ بَيتَكَ في عَلياءِ مَكرُمَةٍ / يُقَصِّرُ النَجمُ عَن أَدنى مَراقيها
ما يَسبِقُ الناسُ في غاياتِ مَكرُمَةٍ / إِلّا وَكَفُّكَ دونَ الخَلقِ تَحويها
خَليفَةُ اللَهِ لَو عُدَّت فَضائِلُهُ / إِذاً لَقَلَّ مِن الحُسّابِ مُحصيها
جارى الأَمينُ مُلوكَ الناسِ كُلَّهُمُ / فَما تُقُدِّمَ سَبقاً في مَباديها
نالَت مَكارِمُكَ العَيّوقَ فَاِتَّصَلَت / بِهِ وَقَصَّرَ عَنها مَن يُساميها
يا أَكرَمَ الناسِ إِذ تُرجى لِنائِبَةٍ / جاءَت بِها حادِثاتُ الدَهرِ تَهديها
لَسنا نَخافُ صُروفَ الدَهرِ ما عَلِقَت / أَكُفُّنا بِحِبالٍ مِنكَ تَمريها
كافى الإِمامُ الوَرى طُرّاً بِأَجمَعِها / وَفاقَهُم بِبُيوتِ المَجدِ يَبنيها
رَآكَ رَبُّكَ أَهلاً إِذ حَباكَ بِها / فَاِبقَ وَدُم بِسُرورٍ ناعِماً فيها
أَحيا المَكارِمَ هارونٌ وَأَثبَتَها / وَأَنتَ في الناسِ يا اِبنَ الغُرِّ تُمضيها
يا مُثبِتَ المُلكِ إِذا زالَت دَعائِمُهُ / وَثارَ بِالفِتنَةِ العَمياءِ باغيها
كَم طَعنَةٍ لَكَ في الأَعداءِ مُهلِكَةٍ / نَجلاءَ تُعجِلُهُم عَن نَفثِ راقيها
لَمّا غَدَوتَ إِلى الأَعداءِ مُطَّلِعاً / غَيرَ الجَبانِ عَلَيها لا تُباليها
قَسَمتَ فيها مَنايا غَيرَ مُبقِيَةٍ / وَقُمتَ عِندَ نُفوسِ الحَقِّ تُحيِيها
أَخَمَدتَ بِالشَرقِ نيراناً مُؤَجَّجَةً / قَد كانَ عَزَّ عَلى الإِسلامِ مُخبيها
حَتّى بُعِثتَ عَلَيها رَحمَةً فَخَبَت / نيرانُها بِكَ فَاِنفَتَّت أَفاعيها
ما ضَيَّعَ اللَهُ قَوماً صِرتَ تَملِكُهُم / وَلا أَضاعَ بِلاداً أَنتَ واليها
سَبَقتَ بِمَعروفٍ وَصَلّى ثَنائِيا
سَبَقتَ بِمَعروفٍ وَصَلّى ثَنائِيا / فَلَمّا تَمادى جَريُنا صِرتَ تالِيا
فَأَقسَمتُ لا أَجزيكَ بِالسوءِ مِثلَهُ / كَفى بِالَّذي جازَيتَني لَكَ جازِيا
أَبا حَسَنٍ قَد كُنت قَدَّمت نِعمَةً / وَأَلحَقتَ شُكراً ثُمَّ أَمسَكتَ عانِيا
فَلا ضَيرَ لَم تَلحَقكَ مِنّي مَلامَةٌ / أَسَأتَ بِنا عوداً وَأَحسَنتَ بادِيا
فَمِ الآنَ لا تَغدو عَلَيكَ مَدائِحي / حَواريَ نُعمى قَد مَضَت وَرَواجِيا
وَلَن أَجِدَ الشُكرَ الَّذي فُتَّنى بِهِ / وَإِن كانَ مَحمولاً عَلى الرُخصِ غالِيا
لَعَلَّكَ يَوماً أَن تُسيءَ بِصاحِبٍ / فَتَذكُرَ إِحساني بِهِ وَبَلائِيا
ذَهِلتُ فَلَم أَنقَع غَليلاً بِعَبرَةٍ
ذَهِلتُ فَلَم أَنقَع غَليلاً بِعَبرَةٍ / وَأَكبَرتُ أَن أَلقى بِيَومِكَ ناعِيا
فَلَمّا بَدا لي أَنَّهُ لاعِجُ الأَسى / وَأَن لَيسَ إِلّا الدَمعُ لِلحُزنِ شافِيا
أَقَمتُ لَكَ الأَنواحَ تَرتَدُّ بَينَها / مَآتِمُ يَندُبنَ النَدى وَالمَعالِيا
وَما كانَ مَنعى الفَضلِ مَنعى وَحادَةٍ / وَلَكِنَّ مَنعى الفَضلِ كانَ مَناعِيا
أَلِلبَأسِ أَم لِلجودِ أَم لِمُقاوِمٍ / مِنَ المُلكِ يَزحَمنَ الجِبالَ الرَواسِيا
عَفَت بَعدَكَ الأَيّامُ لا بَل تَبَدَّلَت / وَكُنَّ كَأَعيادٍ فَعُدنَ مَباكِيا
فَلَم أَرَ إِلّا قَبلَ يَومِكَ ضاحِكاً / وَلَم أَرى إِلّا بَعدَ يَومِكَ باكِيا
أَخٌ لِيَ يُعطيني إِذا ما سَأَلتُهُ
أَخٌ لِيَ يُعطيني إِذا ما سَأَلتُهُ / وَلَو لَم أُعَرِّض بِالسُؤالِ اِبتَدانِيا
ما قَصَّرَ السَعيُ وَلا عَلَّلَت
ما قَصَّرَ السَعيُ وَلا عَلَّلَت / عَن مَطلَبٍ نَفسي أَمانيها
بَل خانَها الدَهرُ وَأَزرى بِها / عَثرَةُ جَدٍّ لا تُواتيها