المجموع : 6
يدُ الدهرِ جارحةٌ آسيَهْ
يدُ الدهرِ جارحةٌ آسيَهْ / ودنْيَاكَ مُفْنِيَةٌ فانيَهْ
وربّكَ وارثُ أربابها / وَمُحيي عظامِهمُ الباليه
رأيتُ الحِمامَ يبيدُ الأنامَ / وَلَدْغَتُهُ ما لها راقيه
وأرواحنا ثَمَرَاتٌ له / يَمُدّ إليها يداً جانيَه
وكلّ امرئٍ قد رأى سمْعُهُ / ذهاباً منَ الأمَمِ الماضيه
وعاريةٌ في الفتى روحُهُ / ولا بدّ من رَدّة العاريه
سقى اللّه قبر أبي رحمةً / فسقياهُ رائحةٌ غاديه
وسيّرَ عن جِسمه روحه / إلى الرَّوْحِ والعيشة الرّاضيه
فكم فيه من خُلُقٍ طاهرٍ / ومن همّةٍ في العُلى ساميَه
ومن كَرَمٍ في العُلى أوّل / وشمسُ النّهارِ لهُ ثانيَه
ولوْ أنّ أخلاقَهُ للزّمانِ / لكانتْ مواردُهُ صافيه
أتاني بدارِ النوَى نَعْيُهُ / فيا روعةَ السمع بالداهيه
فحمّرَ ما ابيضّ من عَبرتي / وَبَيّضَ لِمّتيَ الداجيه
بدارِ اغترابٍ كأنّ الحياةَ / لذكر الغريب بها ناسيه
فمثّلتُ في خلدي شخْصَهُ / وَقَرّبْتُ تربته القاصيه
ونُحْتُ كثكلى على ماجدٍ / ولا مُسْعِدٌ لي سوى القافيه
قديمُ تراثِ العلى سَيّدٌ / على النّجْمِ خُطّتُهُ ساميه
مضى بالرّجاحةِ من حِلمِهِ / فما سَيّرَ الهضبَةَ الراسيه
وما أنْسَ لا أنْسَ يوْم الفراق / وأسرارُ أعيننَا فاشيَه
ومَرّتْ لتوديعنَا ساعةٌ / بلؤلؤ أدْمُعِنَا حَاليَه
ولي بالوقوفِ على جمرها / وإنْضاجه قَدَمٌ حافيَه
ورحتُ إلى غربةٍ مُرّةٍ / وراحَ إلى غُرْبَةً ساجيَه
وقَدْ أوْدَعَتني آراؤهُ / نجوماً طوالعُها هاديه
سمعتُ مقالَةَ شيخي النّصيحِ / وأَرضِيَ عَنْ أرضِهِ نائيه
كأنّ بأذني لها صرخةً / أرادَ بها عُمَرٌ ساريه
مَضَى سالكاً سُبْلَ آبائهِ / وأجدادِهِ الغُرَرِ الماضيه
كرامٌ تولوا بريب المنونِ / وأبقوْا مفاخرَهُمْ باقيَه
مَضَى وهو منّي أخو حَسرَةٍ / تُمازِجُ أنفاسَهُ الرّاقيَه
تجودُ بدفع الأسى والرّدى / على خدّه عينُهُ الباكيه
وإني لذو حَزَنٍ بعده / شؤونُ الدمعِ لهُ داميَه
بكيتُ أبي حقبَةً والأسى / عليّ شَواهدُهُ باديه
وما خمدتْ لوعةٌ تلتظي / ولا جَمَدَتْ عَبرةٌ جاريه
ونفسي وإن مُدّ في عُمرِها / لما لقيَتْ نفسُه لاقيه
شفائي من الآلام في الشّفَةِ اللميا
شفائي من الآلام في الشّفَةِ اللميا / بريقتها أحْيَا وإلا فلا مَحْيا
وكيفَ وريّا لا تجودُ بريقةٍ / إذا لم أجِدْ في الماءِ من ظمإ رِيّا
فتاةٌ تديرُ السحرَ من لحظ مُقلةٍ /
وتعرضُ إعراضَ المنى في صدودها / ولوْ أقبلتْ بالوَصْلِ أقبلتِ الدّنْيَا
وما بالها لم تُعْطِ مِنْ سيف جفنها / أماناً وقد أعطاه من سيفه يحيى
حمى ابنُ تميم بالظبا ملّةَ الهدى / وأضْحَى زمامُ الملك في يده العَليا
وَإنْ أجْدَبَتْ آمالُنَا فهباتُهُ / حدائقُ لم تَعْدَمْ لأنملِهِ سُقْيَا
هل أقالَ الحِمامُ عَثرَةَ حَيٍّ
هل أقالَ الحِمامُ عَثرَةَ حَيٍّ / أم عدا سهمُهُ فؤادَ رَميِّ
هلْ أدامَ الزّمانُ وَصْلَ خليلٍ / فَوَفَى والزّمانُ غيرُ وفيِّ
وهو كالفكر بين غشّ عَدُوٍّ / لبنيه وبين نُصْحِ وليِّ
قد رأينا حالاً نؤولُ إليها / ووعظنا بحالنا الأوليِّ
غير أنّا نرْنو بأعينِ رشدٍ / كُحِلتْ من هوى النفوس بغيِّ
أين ما كان خَلقه من ترابٍ / لم يكنْ بدءُ خلقه من منيِّ
واغتذى عند مولد الروح فيه / من ثُديّ الحياةِ أوّلَ شيِّ
قد دُفِعْنا إلى حياةٍ وموْتٍ / ونشورٍ إلى الإلهِ العَليِّ
ودوامُ البقاءِ في دارِ أخرى / ومجازاةُ فاجرٍ وَتَقِيِّ
كم مليكٍ وسوقةٍ وشُجاعٍ / وجبانٍ وطائعٍ وَعَصِيِّ
نَشَرَتْهُمْ حياتُهُمْ أيّ نَشْرٍ / وطواهُمْ حِمامُهُمْ أيّ طيِّ
فهمُ في حشا الضريح سواءٌ / ولقد كان ذا لذا غَيْرَ سِيِّ
لك يا مَن يموتُ شخصٌ وفَيْءٌ / ثمّ شخصٌ في القبر من غير فَيِّ
أيُّ فَيءٍ لمن يصيرُ تراباً / مُحِيَتْ مِنهُ صورَةُ البَشَريِّ
كيفَ تنجو على مَطِيّةِ دُنْيَا / وهي تَشْحو بالجانبِ الوحشيِّ
تطرحُ الراكبَ الشديدَ شموساً / وركوبُ الشموس فعل غبيِّ
غُرّ مَن ظَنّ أن يصافيَ دهراً / وهو للأصفياء غيرُ صفيِّ
كلّ لاهٍ عمّا يطيل شجاهُ / يملأ العينَ من رقادِ خليِّ
والرّدى يشملُ الأنامَ ومنه / عرضيّ يجيءُ من جَوْهريِّ
ومميتُ الحراكِ منه سكونٌ / مظهرٌ فعلَهُ بسرٍّ خفيِّ
وهو يرمي قوائمَ الأعصم الضَّر / ب وَيَلْوي قَوادمَ المَضْرحيِّ
لا يهابُ الحِمامُ مَلْكاً عظيماً / يحتبي يَوم جوده بالحبِيِّ
ينطقُ الموتُ من ظباه فَيَمْضي / حُكمُهُ في الوَرَى بأمْرٍ وَحيِّ
لا ولا مُرْهَفَ المُدَى بين فَكّيْ / باطشِ البرثنَينِ وَرْدٍ جَريِّ
ومتى هابَ موقداً نارَ حَرْبٍ / فارساً في المُضَاعَفِ الفارسيِّ
للرّدينيِّ منه ريٌّ مُعَادٌ / من نجيع العدا كحرف الدّويِّ
أيّ رزءٍ جاءتْ به الرّيحُ في الما / ءِ وأفشَتْهُ من لسانِ النّعِيِّ
ومصابٍ أصابَ كلّ فؤادٍ / في ابنِ عبد العزيز عبدِ الغني
قائدٌ قادَهُ إلى الموْتِ عِزٌّ / باقتحامٍ كهلٍ وعزْمٍ فتيِّ
فارسُ الماءِ والثرى والفتى المح / ضُ وصنوُ المروءة الأريحيِّ
ورثَ العزّ من أبيه كشبلٍ / أخذَ الفتكَ عن أبيه الأبيِّ
جمرةُ البأس أخمدت عن وقود / بنفوس العداة من كلّ حيِّ
وحسامُ الجِلاد فُلّ شباهُ / بشبا الموت عن قراع الكميِّ
حاسرٌ درعه تَضَرُّمَ قلبٍ / خافقٍ في حشا فتىً شَمّريِّ
يتّقي حدّ سيفه كلّ علج / بحبيكِ الماذيّ في الآذيِّ
مقبلاً لا مولياً بالأماني / عن كفاحِ العِدا وبالسمهريِّ
وكأنّ الإتاءَ مال عَلَيه / يوم مَدّوا إليه سُمرَ القنيِّ
سلبُوا سَيْفَهُ وفيه نجيعٌ / منهمُ كالشقيق فوق الأتيِّ
ورأوْا كلّ مُهْجَةٍ منهمُ سا / لتْ على صَدر رُمْحِه الزاعبيِّ
زُوّدوا كل ضربةٍ منه كالأخدو / دِ تُرْدي وطعنةٍ كالطويِّ
كلّ نارٍ كانتْ من الغزو تذكى / خمِدتْ في حسامهِ المَشْرَفيِّ
صافحَ الموتَ والصفائحُ غَضْبَى / وَلَغَتْ منه في دماءِ رَضيِّ
مُشْعَراً بالسيوفِ كالهْديِ تُهْدى / كلّ حوريّةٍ إليه هَدِيِّ
فهو نعم العَرُوسُ حَشْوَ ثيابٍ / قانئاتٍ من كلّ عِرْقٍ ضَرِيِّ
طيبُهُ من نجيعه وهو مسكٌ / في عِذارَيْ مُهَذَّبٍ لَوْذَعِيِّ
يا شهيداً في مشهد الحربِ مُلقى / وسعيداً بكلّ علجٍ شقيِّ
وَسخيّاً بنَفسِهِ للعوالي / في رِضى اللّهِ فعلُ ذاكَ السخيِّ
كَمْ ضَرُوبٍ ضارَبْتَه وَجَليدٍ / وَقريبٍ طاعَنْتَهُ وَقَصيِّ
وأخي وَفْضَةٍ كأمٍّ ولودٍ / ما أصابتكَ من بنات القسيِّ
كَمْ صَديقٍ بكاكَ مثلي بدَمعٍ / طائعٍ من شؤونه لا عصيِّ
تذرف العينُ منه جريةَ ماءٍ / تطأُ الخدّ وهي جمرةُ كيِّ
وثكالى يَنْدُبْنَ منك بحزْنٍ / خَيْرَ نَدْبٍ مُهَذَّبٍ ألمَعِيِّ
حاسراتٍ يَنُحْنَ في كلّ صُبْحٍ / بلّه دمعها وكلّ عشيِّ
ليس يدري امرؤ أجَزّ نواصٍ / كانَ منهنّ أم حَصَادُ نَصِيِّ
سُوّدَتْ بالمدادِ بيضُ وجوه / فهي في كلّ برقعٍ حبَشيِّ
ولبسنَ المسوحَ بعد حريرٍ / شرّ زيٍّ أرتكَ من خيرِ زِيِّ
كلّ نوّاحةٍ عليكَ حشاها / حَشْوُهُ منك كلّ داءٍ دَويِّ
يتلقّى بنفسجُ اللطمِ منها / ذابلَ الوَرد فوْق وردٍ جنيِّ
يا خليلاً أخلّ بي فيه دهرٌ / لوفاءِ الأحرار غير وفيِّ
أنْتَ بالموْت غائبٌ ومثالٌ / في ضمير الفُؤادِ منك نجيِّ
إنّ أرضاً غودرتَ فيها لتهدي / ريحُها منك عَرْفَ مسكٍ ذكيِّ
فَسَقَى شلوَك الممزَّق فيها / خيرُ وسميّ رحمةٍ وَوَليِّ
لم أكنْ إذ نَظَمْتُ تأبينَ مَيْتٍ / لك أختارُهُ على مَدْحِ حَيِّ
أنا أبكي عليكَ ما طال عمري / شَرِقَ العين من دموع بِرِيِّ
وستبكيكَ بعد موتي القوافي / في نياح من لفظها معنويِّ
غَزَوْتَ عدوّكَ في أرضهِ
غَزَوْتَ عدوّكَ في أرضهِ / ففرّ إلى طرَفِ الناحيه
فَعَاجَلْتَهُ ثَمّ بالمهلكاتِ / كما يُقْتَلُ الشاهُ في الزاويه
كيفَ ترجو أنْ تكونَ سعيداً
كيفَ ترجو أنْ تكونَ سعيداً / وأرى فعلك فعلَ شَقِيِّ
فاسْألِ الرحمةَ ربّاً عظيماً / وَسِعَتْ رحمتُه كلّ شيِّ
أبادَ حياتي الموْتُ إن كنتُ ساليا
أبادَ حياتي الموْتُ إن كنتُ ساليا / وأنتَ مقيمٌ في قيودكَ عانيا
وإنْ لمْ أُبارِ المُزْنَ قطراً بأدمعٍ / عليكَ فلا سُقّيتُ منها الغواديا
تعريتُ من قلبي الذي كان ضاحكاً / فما ألْبَسُ الأجفْانَ إلا بواكيا
وما فَرحي يْومَ المَسَرّةِ طائعاً / ولا حَزَني يْومَ المساءَةِ عاصيا
وهل أنا إلّا سائلٌ عنك سامعٌ / أحاديثَ تَبْكي بالنّجيع المعاليا
قيودُكَ صيغتْ من حديدٍ ولم تكنْ / لأهلِ الخطايا منك إلا أياديا
تعينك من غير اقتراحك نعمةٌ / فتقطعُ بالإبراقِ فينا اللياليا
كشفتَ لها ساقاً وكنتَ لكشفها / تَحزّ الهوادي أو تجزّ النواصيا
وقفْنَ ثقالاً لم تُتِحْ لك مشيةً / كأنّك لم تُجرِ الخفاف المذاكيا
قعاقعُ دُهْمٍ أسهرَتْكَ وطالما / أنامتْكَ بِيضٌ أسْمَرَتْكَ الأغانيا
وما كنتُ أخشى أن يقالَ محمدٌ / يميلُ عليه صائبُ الدهر قاسيا
حسامُ كفاحٍ باتَ في السجن مغمَداً / وأصْبَحَ من حَلْيِ الرياسةِ عاريا
وليث حروب فيه أعدوا برقِّه / وقد كان مقداماً على الليث عاديا
فيا جَبَلاً هَدّ الزمانُ هضابَهُ / أما كنتَ بالتمكين في العزّ راسيا
قُصرْتَ ولمّا تقضِ حاجتكَ التي / جرى الدهر فيها راجلاً لك حافيا
وقد يعقلُ الأبطالَ خوْفُ صيالها / ويُحكمُ تثقيفَ الأسودِ ضواريا
أقولُ وإِنّي مُهْطِعٌ خوْفَ صَيْحَةٍ / يُجيبُ بها كلٌّ إلى اللَّه داعيا
أسَيْرَ جبالٍ وانْتشارَ كواكبٍ / دنا من شرُوطِ الحشرِ ما كان آتيا
كأنّكَ لم تجعل قناكَ مَراوداً / تَشُقّ من الليل البهيم مآقيا
ولم تزد الإظلام بالنقع ظلمةً / إذا بَيّضَ الإصباحُ منه حواشيا
ولم تثن ماء البيض بالضرب آجناً / إذا صُبّ في الهيجا على الهام صافيا
ولم تُصْدِرِ الزّرقَ الإلالَ نواهلاً / إذا وَرَدَتْ ماءَ النحور صوافيا
وخيلٍ عليها كلّ رامٍ بنفسه / رضاكَ إذا ما كنتَ بالموت راضيا
وقد لبسوا الغدْرانَ وهي تموّجتْ / دروعاً وسلُّوا المرهفاتِ سواقيا
وكم من طغاةٍ قد أخذْتَ نفوسهمْ / وأبقيتَ منهم في الصدور العواليا
بمعترك بالضرب والطَّعن جُرْدهُ / تمرّ على صرْعى العوادي عواديا
مضى ذاك أيام السرور وأقبلتْ / مناقِضَةً من بعده هي ما هيا
إذِ المُلكُ يمضي فيه أمرك بالهدى / كما أعلمت يمناك في الضرب ماضيا
وإذ أنْتَ محجوبُ السرادق لم يكن / له كلماتُ الدهر إلّا تهانيا
أمرُّ بأبوابِ القصور وأغتدي / لمن بانَ عنها في الضمير مناجيا
وأنشد لا ما كنت فيهنَّ منشداً / ألا حيّ بالزُّرْق الرسوم الخواليا
وأدعو بنيها سّيداً بعد سيّدٍ / ومن بعدهم أصبحتُ همّاً مواليا
وأحداث آثار إذا ما غشيتُها / فَجَرْتُ عليها أدمعي والقوافيا
مضيتَ حميداً كالغمامةِ أقشعَتْ / وقد ألبَسَتْ وَشْيَ الربيع المغانيا
سأُدمي جفوني بالسهاد عقوبةً / إذا وقفت عنك الدموعَ الجواريا
وأمنعُ نفسي من حياةٍ هنيئةٍ / لأنَّكَ حيٌّ تستحقُّ المراثيا