المجموع : 5
دَمعٌ هَوى سِلكاهُ عَن جَلدٍ وَهَى
دَمعٌ هَوى سِلكاهُ عَن جَلدٍ وَهَى / وَجَوٍ أُصيبَ فُؤادُهُ فَتَأَوَّها
نَهنَهتُ مِن دَمعي فَأَقبَلَ عاصِياً / وَالدَمعُ أَعصى ما يَكونُ مُنَهنَها
يا مودِعاً جَفني السُهادَ مُوَدِّعاً / وَمُوَلِّياً تَركَ الفُؤادَ مُوَلَّها
قَد كانَ عَيشي بِالدُنُوِّ وَخَفضِهِ / سِنَةً غَدا كَلَفي بِها مُتَنَبِّها
حَجَبوا الأَهِلَّةَ في الأَكِلَّة وَاِنثَنَوا / فَثَوى كَئيباً بِالوَداعِ مُتَوَّها
هَزَّ الدَلالُ قُدودَهُنَّ وَغِبطَةً / هَزَّ الأَراكُ غُصونَهُ مُتَشَبِّها
وَلَقَد بَعَثنَ إِلى الغُصونِ مَلامِحاً / مِنها وَمِن لَحظِ العُيونِ إِلى المَها
يَبدونَ كَالشَمسِ المُنيرَةِ حُسَّراً / وَمُلَثَّمينَ وَكَالأَهِلَّةِ أَوجُها
وَمُنَزَّهٍ عَن مُشبِهٍ في حُسنِهِ / أَصبَحتُ فيهِ عَن السُلُوِّ مُنَزَّها
مَنَحَ القِلى وَنَهى الجُفونَ عَنِ الكَرى / أَهلاً بِما مَنَحَ الحَبيبُ وَما نَهى
كَيفَ السَبيلُ إِلى القِلى وَشَفيعُهُ / وُجهٌ وَجيهُ الحُكمِ كَيفَ تَوَجَّها
أَلحاظُهُ أَسيافُهُ وَسِنانُهُ / وَسنانُهُ إِن جَدَّ فينا أَو لَها
وَلَكَم بُليتُ بِلائِمٍ في حُبِّهِ / أَضحى أَلداً في الخِصامِ مُفَوَّها
كانَ المُفَوَّهُ جاهِداً فَرَدَدتُهُ / مُثنَى العِنانِ عَنِ الملامِ مُفَهَّها
يا كَم زَجَرتُ المُستَهامَ فَما اِرعَوى / وَنَهَيتُهُ كَي يَستَفيقَ فَما اِنتَهى
إِنّي أَلَذّ وَأَشتَهي سَقَمي بِهِ / وَمِنَ الشَقاوَةِ ما يَلَذُّ وَيُشتَهى
وَتَنوفَةٍ مَجهولَةٍ جاوَرتُها / بِنَجيبَةٍ تُطوى فَتَطوي المَهمَها
فَأَرَيتُها أَوضاحَها في لَيلَةٍ / بَدرُ التَمامِ بِأُفقِها مِثلُ السُها
جَلَبَت سَحابَتَها بِلامِعِ بَرقِها / وَحياً بَكى طَرَباً لِرَعدٍ قَهقَها
تُزجى إِلى البَحرِ المُحيطِ مُحَمَّدٍ / ذاكَ الَّذي فَتَحَ اللَها بِيَدِ اللها
بِالكامِلِ بنِ العادِلِ المَنصورِ قَد / نادى النَدى لما دَعاهُ مُؤَبِّها
يا أَيُّها المَلكُ الَّذي لَولاهُ لَم / يَكُ في الوَرى لأَبيهِ خَلقٌ مُشبِها
بَجَحَت دِمَشقُ عَلى البِلادِ مُنيفَةً / بِمُحَمَّدٍ تَزهو كَأَحسَن ما زَها
كمُحمَّدٍ إذ جاءَ يَثرِبَ قادِماً / وَمُهاجِراً وَمُنَوّلاً وَمُنَوَّها
أَضحى السَعيدُ الكامِلُ الأَوصافِ مِث / لَ الشَمسِ حَلَّت أَوجَها بَل أَوجَها
مُستَيقِظٌ لِلمُلكِ رَآّبُ الثَأى / ما زالَ فيهِ مُنبِهاً وَمُنَبِّها
وافَتهُ بِاليَمَنِ الأَماني ما وَنى ال / إِقسيسُ فيما جَدَّ فيهِ وَلا وَهى
فَأَتى بِهِ فَتحُ الفُتوحِ مُبَيَّضاً / لَكِن مِنَ الأَعداءِ سَوَّدَ أَوجُها
بِمُشَتّتِ العَزَماتِ مَرهوبَ الشبا / مُتَشاغِلٌ بِالجِدِّ عَنهُ ما لَها
فَاِنهَد إِلَيهِ بِعَزمَةٍ شاذِيَّةٍ / فَبِها ينالُ مِنَ الأَعادي ما اِشتَهى
إِنَّ المَمالِكَ صِرنَ في أَيديكُمُ / وَقفاً عَلَيكُم مِثلَ آمِدَ وَالرُها
كُلُّ المَمالِكِ جَنَّةٌ بَل سِدرَةٌ / وَلَدَيكُمُ المَأوى لَها وَالمُنتَهى
أَنتُم شُموسٌ بَل بُدورٌ طُلَّعٌ / وَسِواكُمُ مِثلُ الثُرَيّا وَالسُها
صَدَقاتُكُم أَبقَت عَلَيكُم مُلكَكُم / ما فيكُمُ مَن ساعَةً عَنها لَها
ما ضَيغَمٌ في الغيلِ يكشِرُ قالِصاً / عَن ناجِذَيهِ مُهَجهِجاً وَمُجَهجِها
يَوماً بِأَعظَمَ فَتكَة مِنهُ إِذا / ما الصافِناتُ نَكَصنَ عَنهُ فُرَّها
يَعِدُ الجَوائِزَ موفِياً بِوُعودِهِ / لَم يَألُ في دَرءِ الخُطوبِ المِدرَها
خُذها مُكَمَّلَةَ الحِجى مِن أَفوَهٍ / قَد فاقَ في حُسنِ المَقالِ الأَفوَها
مَدحٌ لَوِ الحَجَرُ الأَصَمُّ غَدا لَهُ / سَمعٌ وَأُنشِدَ بَيتَها لتَدَهدَها
وَإِذا المُعيدُ شَدا بَها في مَجلِسٍ / طَرِبَ الجَمادُ فَلَو أَطاقَ لَزَهزَها
ذَراها بِسَلعٍ وَالغُوَيرِ ذَراها
ذَراها بِسَلعٍ وَالغُوَيرِ ذَراها / تَمُدُّ إِلى ماءِ العُذَيبِ خُطاها
وَلا تَثنِياها عَن ثَنِيّاتِ حاجِرٍ / وَإِن راعَها جَذبُ البُرى فَبَراها
تَحِنُّ إِلى سَلع وَنَور أَقاحِها / إِذا هاجَ أَنفاسَ العَرارِ صَباها
فَتَقطَعُ أَجوازَ الفَلا بِرَسيمِها / وَتَحصِبُ مبيَضَّ الحَصا بِبُراها
عَوائِمُ في بَحرِ السَرابِ كَأَنَّها / سَفائِنُ تَرمي بِالهَواءِ هَواها
تَطيرُ إِذا الحادي حَداها كَأنَّما / بِتَرتيلِ داوود النَّبِيِّ حَداها
فَلا تَرثِيا يا صاحِبَيَّ لَها فَفي / وَجاها إِذا سارَت شِفاءُ جَواها
عَلى السَيرِ حُثّاها الغَداةَ سَواهِماً / فَلَم يُدنِ أَوطارَ النُفوسِ سِواها
إِلى أَن تَنيخاها عَلى بابِ يَثرِبٍ / فَثَمَّ مُنانا عِندَها وَمُناها
بِها خَيرُ خَلقِ اللَهِ شَرقاً وَمَغرِباً / نَبِيُّ الهُدى الثاوي بِطيبِ ثَراها
وَصاحِبُه المُختارُ أَفضَلُ مَن مَشى / عَلى تُربِها مِن بَعدِهِ وَحَصاها
وَثانيهِ في تَرتيبِهِ عُمَرُ الَّذي / حَمى قُبَّةَ الإِسلامِ حينَ بَناها
وَمِن بَعدُ عُثمانُ الشَهيدُ فَإِنَّهُ / ثَوى مِن مَقاماتِ العُلى بِذُراها
وَبَعدُ عَلِيٌّ أَشجَعُ الخَلقِ في الوَغى / إِذا حَمِيَت تَحتَ العَجاجِ لَظاها
إِمامٌ بِآياتِ الكِتابِ مَديحُهُ / وَأَوصافُهُ في الفَضلِ لا تَتَناهى
وَمِن بَعدِهِ باقي الصَحابَةِ إِنَّهُم / لَدى مِلَّةِ الإِسلامِ قُطبُ رَحاها
عَلَيهِم سَلامُ اللَهِ ما ذَرَّ شارِقٌ / وَما طَلَعَت شَمسٌ وَلاحَ سَناها
دَعا مُهجَةَ الصَبِّ لا تَردَعاها
دَعا مُهجَةَ الصَبِّ لا تَردَعاها / فَقَد لَبَّتِ الوَجدَ لَمّا دَعاها
صَبَت فَأُصيبَت بِسَهمِ اللِحاظِ / فَلِلَهِ أَجفانُ ريمٍ رَماها
شُوَيدِنُ سِربٍ رَعى ما رَعى / ذِماماً وَلَم يُبقِ إِلّا ذِماها
فَواهاً لَهُ كَم شَجٍ كُلَّما / رَنا لَحظَةً نَحوَهُ قالَ آها
ثَناها وَأَسرَفَ في ظُلمِهِ / وَعَن عِشقِهِ عاذِلٌ ما ثَناها
مَحاسِنُهُ جَلَّ رَبٌّ بَراها / فَكَم مِن قُلوبٍ بِها قَد بَراها
إِذا اِستَقبَلَ البَدرَ في التِمِّ لَم / يَدَع وَجهُهُ ثمَّ لِلبَدرِ جاها
وَيُسفِرُ وَالشَمسُ وَقتَ الضُحى / فَيَكسِفُ حُسنُ سَناهُ سَناها
فَلَو نَظَرَت وَجنَتَيهِ المَجوسُ / تَعالى الإِلَهُ اِدَّعَتهُ إِلَها
وَماءُ الحَيا لَو حَكى ريقَهُ / لأَحيا رُفاتاً طَويلاً بَلاها
عَلَيهِ مَلامِحُ حورِ الجِنانِ / مَتى ما رَآها اللَبيبُ اِشتَهاها
يَحارُ إِذا اِفتَرَّ دُرُّ المَحارِ / وَيَخجَلُ إِن فوهُ بِالنُطقِ فاها
خَميصُ الحَشا مُرتَوٍ رِدفُهُ / عَلى الخَيزُرانَةِ في الحِقفِ تاها
حَمَت عَقرَبُ الصُدغِ تُفّاحَ وَج / نَتَيهِ فَوا كَبِدي مَن حَماها
وَبَيَّضَ فَودي بِحَرِّ الفُؤادِ / فَلَو شَبَّ ناراً لَضاهى لَظاها
فَما أُمُّ خشفٍ رَأَت قانِصاً / فَرَوَّعَها وَهيَ تُزجي طلاها
ثَنَت ليتَها نَحوَهُ خيفَةً / وَلَم تَألُ تَرمُقُهُ مُقلَتاها
بِأَحسَنَ مِنهُ وَقَد أَتلَعَت / إِلَيهِ وَلا خشفَها إِذ تَلاها
وَلَيلَةَ باتَ يُعاطي المُدامَ / نَدامى بِعَينَيهِ أَوهى قُواها
إِذا شَجَّها خَجَلاً وَاِنثَنى / ظَنَنّاهُ مِن وَجنَتَيهِ اِجتَناها
صَفَت فَهيَ ياقوتَةٌ مَزجُها / بِدُرِّ الحَبابِ نَظيماً حَباها
وَإِن لَثَمَ الكَأسَ قُلنا انظُروا / إِلى الشَمسِ حَلَّت عَلَيهِ رِداها
لَدى رَوضَةٍ جادَ نَوّارَها / نِطافُ غُيومٍ سَجومٍ حَياها
فَعُطَّت عَلَيها برودُ الغَمامِ / وَعَينُ السَماءِ شَديدٌ بُكاها
وَشَوَّسَ طُرَّةَ حَوذانِها / نَسيمُ النُعامى فَأَبدى شَذاها
فَأَحداقُ نَرجِسِها رانِياتٌ / إِلى العاشِقينَ بِقُصوى مُناها
وَحَلَّ البَنَفسَجُ أَصداغَهُ / وَقَد عَقَدَ النَدُّ فيها نَداها
كَأَنَّ الأَقاحي ثُغورُ المِلاحِ / بَسَمنَ لِعاشِقِها عَن رِضاها
وَدَبَّ عَلى الوَردِ مَرُّ النَسيمِ / بِرِفق سُحَيراً فَهَبَّ اِنتِباها
فَأَبدى خُدودَ الغَواني وَقَد / ثَمِلنَ فَمِلنَ على مُشتَهاها
تَشُقُّ الشَقائِقُ أَردانَها / وَتَنحَلُّ مِن بَعدِ عَقدٍ حُباها
وَقَد غادَرَ السَيلُ فيها غَديراً / يَروقُ العُيونَ وَيَجلو قَذاها
يُخالُ الصَبا نَسَجَت مَتنَهُ / دُروعاً صِفاقاً دِقاقاً عُراها
لَدى شَجَراتٍ قِيانُ الطُيورِ / مَغَرِّدَةٌ طَرَباً في ذُراها
غَدَت دونَها الشَمسُ مَحجوبَةً / وَكَم أَذِنَت لِنَسيمٍ أَتاها
زَهَت بِجِوارٍ سَواقٍ لَدى / سَواقٍ حَوال كُؤوسُ طِلاها
فَكَم حاسِدٍ لِرُؤوسِ الكُؤوسِ / إِذا هُنَّ شافَهنَ تِلكَ الشِفاها
رِياضٌ كَفاراتِ مِسكٍ ذُبِحنَ / فَلِلَهِ دَرُّ نَسيمٍ فَراها
كَأَنَّ شَذاها صِفاتُ المَليكِ ال / مُعَظَّمِ في الناسِ تورانَ شاها
مَليكٌ لَهُ هِمَّةٌ في السماءِ / تَطَأطَأَ كيوانُ عَن مُنتَهاها
هُوَ الشَمسُ لِلمُلكِ وسطَ السَماءِ / وَلا مَلِكٌ بَعدُ إِلّا سُهاها
تَهابُ الجُيوشُ مَقاماتِهِ / إِذا الحَربُ جاشَت فَدارَت رَحاها
وَأَطلَعَتِ الشَمسُ شُهبَ النُجومِ / وَكانَ السَماءُ عجاجاً عَلاها
فَكَم خَضَبَت مِن دِماءِ النّحورِ / غَداةَ الوَغى من عداهُ لحاها
وَتَضحَكُ في حَدِّ أَسيافِهِ / ثُغورُ المَنونِ إِذا ما اِنتَضاها
فَيا مَلِكَ الأَرضِ لا زِلتَ في / سُعودٍ تَوَقَّلُ أَعلا رُباها
فَبَأسُكَ في الحَربِ يُردي الأُسودَ / وَوَجهُكَ كَالشَمسِ وافَت ضُحاها
وَكَم قُمتَ في نَصرِ دينِ النبيِّ / بِصِدق مُقاوِم تُرضي الإِلَها
فَعَزمُكَ اِسكَندَرِيُّ المضاءِ / كُلومُ غِرارَيهِ أَعيَت أُساها
لَكَ اللَهُ مِن مَلِكٍ ماجِدٍ / سَجاياهُ في فَضلِها لا تَناهى
وَبيدٍ قِفارٍ نَواصي فِلاها / بِأَرساغِ شُعثِ النَواصي فَلاها
عَلى كُلِّ عَبلِ الشَوى سابِحٍ / وَصَهوَةِ جَرداءَ عَبلٍ شَواها
يُباري أَسِنَّةَ فُرسانِها / إِذا أُشرِعَت لِطِعانٍ فَناها
سَوابٍ سَوابِحُ بَحرِ الوَغى / ظَوامٍ ضَوامِرُ تَشكو وَجاها
عَلَيها بُزاةٌ مِنَ التُركِ لا / يُشَكُّ بِأَنَّ الأَعادي قَطاها
وَقَد لَبِسوا غُدراً وَاِنتَضَوا / جَداوِلَ وِردُ الرَدى في لَظاها
كَأَنَّ التَرائِكَ وَسطَ العَجاجِ / وَلا شَمسَ تَبدو شُموسٌ تراها
إِذا اِستَسقَتِ الأَرضُ أَسيافَهُم / سَقَتها دِماءً تُرَوّي ثَراها
وَقَد أَعمَلَ السَيرُ بِاليَعمَلاتِ / نَواشِر نافِحَةً في بُراها
أَقامَ صُدورَ المَطايا بِها / وَلَم تَنجُ غيلانها مِن نجاها
بِهاجِرَةٍ مِثل نارِ الجَحيمِ / إِذا ما اِنتِصافُ النَهارِ اِصطَلاها
يُقَلِّبُ حِرباؤُها في لَظىً / إِذا ما تَسَنَّمَ تِلكَ العِضاها
دِماغُ الضبابِ بِها ذائِبٌ / لَهُ غَليانٌ لَدى ذا مَعاها
نَصَبتَ لَها وَجهَكَ المُستَنيرَ / إِذا ظُلَمُ الخَطبِ وافَت دُجاها
تَحُلُّ مَعاقِلَ أَرسانِها / إِذا ما أَشاحَت بَعيدٌ مَداها
تَبيدُ الأَوابِدُ في بيدِها / إِذا هِيَ مَدَّت لِبُعدٍ خُطاها
إِذا اِدَّرَعَت بِمُلآءِ السَرابِ / فَوَيلٌ لِظِلمانِها أَو مَهاها
وَأَحمَقَ باغٍ بَغى خُطَّةً / عَلى الدينِ شَنعاءَ مُرّاً جَناها
وَأَبدى أَكاذيبَهُ ضَلَّةً / وَزورَ الدَّعاوى اللَواتي اِفتَراها
فَخافَ اليَمانونَ مِن بَأسِهِ / فَراغَ إِلَيهِ رَعاعٌ سَفاها
فَما زِلتَ تَقتَصُّ آثارَهُ / بِحَدِّ ظُبىً لَيسَ يَنبو شَباها
نَواهٍ نَواهِبُ عُمرِ العِدا / فَوارٍ فَوارِسُ جَمٌّ سُطاها
مَلَكتَ حُصونَهُم عُنوَةً / وَما رَدَّ بِأسَكَ عَنهُم ذارها
دَلَفتَ إِلَيهِم بِبيضِ السُيوفِ / وَأَغمَدتَها وَهيَ حُمرٌ ظُباها
فَأَلقَت إِلَيكَ مَقاليدَها ال / أَعاريبُ لما نَهاها نُهاها
رَأَت مِلكاً سَبَقَت جَيشَه / جُيوشٌ مِنَ الرُعبِ تَفري كُلاها
فَما مَنَعَت بيضُها بيضَها / وَلا سُمرُها سُمرَها إِذ سَباها
وَأَخلَت مَعاقِلَها خيفَةً / وَوَلَّت كَأَنَّ ثُماماً قَناها
وَتِلكَ عَرائِسُ بيضٌ جُلينَ / بِسُمرِ العَوالي لَهُ فَاِجتَلاها
كَسا اليَمَنَ اليُمنَ إِذ حازَهُ / وَفيهِ الأَمانِيُّ أَلقَت عَصاها
فَهَل عَدَنٌ بَعضُ جَنّاتِ عَدنٍ / فَبُشرى لِمَن أَمَّها وَاِنتَحاها
وَما بَرحَ الشامُ سوقاً يَشيمُ / بُروقاً يَمانِيَةً إِذ يَراها
فَجاءَ البِلادَ عَلى غُلَّةٍ / مَجيءَ العِهادِ فَرَوّى صَداها
وَأَصبَحَتِ الأَرضُ بَعدَ الجُدوبِ / تَبَختَرُ في كِلَلٍ مِن كَلاها
وَأَرعى الرَعِيَّةَ عَدلاً إِلى ال / دُعاءِ لَهُ كُلَّ وَقتٍ دَعاها
وَكَم عَزمَةٍ لَكَ شاذِيَّةٍ / إِلى المَجدِ تَأويبُها أَو سُراها
مَنَحتَ بِها الدينَ فَتحاً مُبيناً / فَكَم مِن بِلاد أَعادٍ دَهاها
وَصُنتَ بِها حَرَمَ اللهِ وال / حِجازَ وَكَعبَتَهُ عَن أَذاها
أَياديكَ غُرٌّ فَوَبلُ الصَبيرِ / تَلا الطَل عِندَ تَوالي نَداها
فَلَم نَكُ نَقصِدُ يَوماً سِواها / وَلَم تَكُ تَعرِفُ يَوماً سِوى ها
حَنانَيكَ أَنتَ المَليكُ اللُبابُ / مَلَكتَ المَعالي بِأَقصى مَداها
فَكُلُّ المُلوكِ عَبيدٌ لَدَيكَ / وَأَنتَ فَسيدها عَن رِضاها
وَلِم لا تَكون عَبيداً لِمَن / مَتى اِفتَخَرَت بِالمَعالي شَآها
تقَبّلُ بُسطَكَ أَفواهُها / مُعفِرَةً في التُرابِ الجِباها
فَكَم ساغِبٍ ثَمَّ بَوَّأتَهُ / ضُروعَ المُنى حُفَّلاً فَاِمتَراها
فَيُمناكَ يُمنٌ وَيُسراكَ يُسرٌ / وَكَفّاكَ إِذ ذاكَ كَفّا أَذاها
أَرانا نَداكَ أَتِيَّ الفُراتِ / ثِماداً غَدا طامِياً جانِباها
حَوَيتَ كُنوزاً مِنَ المالِ لَم / يَكُن قَبل قارونُ يَوماً حَواها
وَأَفنَيتَها بِيَدٍ لَم تَكُن / تُخَيِّبُ مَن بِسُؤالٍ عَراها
أَقَلُّ عَبيدِكَ في جودِهِ / فَتى طَييءٍ حاتِم إِن تَباهى
فَأَبناءُ أَيّوبَ قَد أَصبَحَت / كَأَسباطِ يَعقوبَ إِذ لا تُضاهى
رُعاةُ الأَنامِ إِذا ما السَوامُ / رَعى سِربَهُم قَبلَها مَن رَعاها
مُلوكٌ أَجاروا عَلى دَهرِهِم / وَبَذَّت أَياديهِمُ مَن سِواها
أَكُفُّهُمُ السُحبُ يَهمي جَداها / وَفيها الصَواعِقُ تُصمي عِداها
إِذا غَطَشَ البَأسُ كانوا مَنايا / وَإِن عَطِشَ الناسُ كانوا مِياها
مُلوكٌ بَنَوا شَرَفاً باذِخاً / فَقَد شُيِّدَت بِالمَعالي بُناها
فَكَم مَعشَرٍ فيكَ لَم يَشعُروا / فَقَد فُتِحت بِلُهاها لَهاها
هُمُ القَومُ ما حارَبوا أُمَّةً / مِنَ الناسِ إِلّا وَتَبَّت يَداها
فَلَو نازَعَتهُم نُجومُ السَماءِ / لَما فاتَ عَزمَهُمُ شِعرَياها
فَدامَت عَلى الدَهرِ أَيّامُهُم / دَواماً تُطاوِلُهُ مِرزَماها
إِلمامُ طَيفٍ شَنيبِ الثَغرِ أَلماهُ
إِلمامُ طَيفٍ شَنيبِ الثَغرِ أَلماهُ / أَحيا قَتيلَ هَواهُ حينَ حَيّاهُ
طَيفٌ أَلَمَّ وَلَمّا يَدرِ صاحِبُهُ / أَحسِن بِهِ وَبِمُهديهِ وَمُهداهُ
سَرى إِلى الشامِ مِن بَغدادَ مُعتَسِفاً / وَاللَيلُ مُعتَكِرٌ بُعداً لِمَسراهُ
داسَ الأَفاحيصَ وَالأُدحِيَّ مُبتَسِماً / لَم يَشكُ أَيناً وَلَم يَسهَم مُحَيّاهُ
صافَحتهُ وَلَثَمتُ الثَغرَ مُرتَشِفاً / فَفي يَدي وَفَمي كَالمِسكِ رَيّاهُ
مُذ سارَ أَسأَرَ ما بَينَ الضُلوعِ أَسىً / وَأَودَعَ القَلبَ بِالتَوديعِ بَلواهُ
وَأَحمَرُ الخَدِّ مَعسولُ المَراشِفِ مَع / شوقُ المَعاطِفِ لَم يَنبُت عِذاراهُ
حَيّا بِراحٍ وَما الناجودُ غَيرَ فَمٍ / مِنهُ وَعاصِرُ تِلكَ الراحِ خَدّاهُ
وَماجَ كالغُصنِ فَوقَ الدعصِ قامَتُهُ / ولاحَ نَورُ أَقاحٍ من ثَناياهُ
مجَرَّحُ الخَدِّ بِاللَحظِ الخَفِيِّ فَما / يوسى وَأَنّى وَوَحيُ اللَحظِ أَدماهُ
تَكادُ تَنهَبُهُ الأَلحاظُ لَو قَدَرَت / لَكِن لِهَيبَةِ مَرآهُ تَحاماهُ
كَذَلِكَ الشَمسُ تُعشي عَينَ ناظِرِها / وَالطَرفُ مُغضٍ وَفي الإِغضاءِ إِكراهُ
لِلغُصنِ هزَّتُهُ وَالشَمسِ طَلعَتُهُ / وَالمِسكِ نَكهَتُهُ وَالريمِ عَيناهُ
كَذاكَ لَم يُلفَ مَولىً سَيِّدٌ يَقِظٌ / إِلّا وَمَولايَ مُحيي الدينِ مَولاهُ
فَتىً رَقى مِنبَرَ العَلياءِ مُنذُ نَشا / فَأَدرَكَ المَجدَ أَدناهُ وَأَقصاهُ
وَلَم يَغِض ماءُ بِشرٍ مِن أَسِرَّتِهِ / وَكَم خِطابِ اِمرِئٍ أَبداهُ فَحواهُ
فَلِلمُعادينَ وَالحُسّادِ بُؤساهُ / وَلِلمُوالينَ وَالقُصّادِ نُعماهُ
لَم يَشكُ عُدوانَ صَرفِ الدَهرِ مِن أَحَدٍ / إِلّا إِلَيهِ وَأَشكاهُ وَأَعداهُ
وَلَم يَلُذ خامِلٌ إِلّا بِعَقوَتِهِ / إِلّا وَعافاهُ مِمّا كانَ عَفّاهُ
وَلا دَعاهُ أَخو حاجٍ يُؤَمِّلُهُ / إِلّا بِما يَرتَجيهِ مِنهُ لَبّاهُ
لَولاهُ لَم تَكُنِ الآدابُ نافِقَةً / وَلا أَتى أَهلَها مالٌ وَلا جاهُ
غَذاهُ ثَديُ العُلى طِفلاً لِبانَ نَدىً / فَصارَ طَبعاً وَحَجرُ المُلكِ رَبّاهُ
يا مُحييَ الدينِ وَالآدابِ لا جَرَتِ ال / أَفلاكُ إِلّا بِما تَهوى وَتَرضاهُ
إِنَّ الرَحيلَ الَّذي أَصبَحتَ تُزمِعُهُ / هُوَ الَّذي كُنتُ عِندَ القُربِ أَخشاهُ
وَكُلُّ مَن سَرَّهُ ذاكَ القُدومُ عَلى / شَوقٍ إِلَيكَ فَذا التَوديعُ أَبكاهُ
وَهَكَذا الدَهرُ ما أَصفى مَشارِبَهُ / إِلّا وَكَدَّرَ ما قَد كانَ أَصفاهُ
أَنتَ الحَيا فَمَتى ما حَلَّ في بَلَدٍ / أَماتَهُ الجَدبُ أَحياهُ بِجَدواهُ
لا تَأمَنُ العُلَماءُ الخَوضَ في خَطَأٍ / إِلّا إِذا ما تَوَخَّوا ما تَوَخّاهُ
وَلا يُطيقونَ أَن يَأتوا بِنادِرَةٍ / بَديعَةِ الوَصفِ إِلّا وَهيَ إِنشاهُ
فَلا مَحامِدَ إِلّا مِن مَكارِمِهِ / ولا مَحاسِنَ إِلّا عَن سَجاياهُ
وَلا فَرائِدَ إِلّا مِن عِبارَتِهِ / وَلا فَوائِدَ إِلّا مِن عَطاياهُ
وَلا جَدى المُزنِ إِلّا فَيضُ نائِلِهِ / وَلا شَذا المِسكِ إِلّا طيبُ رَيّاهُ
لا زالَ نَيلُ أَمانيهِ مُحالِفُ يُم / ناهُ وَكالِئُهُ أَنّى ثَوى اللَهُ
بِاللَهِ رَبّكُما سَلاها
بِاللَهِ رَبّكُما سَلاها / رِفقاً بِقَلبٍ ما سَلاها
بِأَبي فَتاةٌ وَجهُها / لَم يُبقِ لِلقَمَرَينِ جاها
ما الغُصنُ إِلّا قَدُّها / ما الوَردُ إِلّا وَجنَتاها
جَحَدَت دَمي ظُلماً وَلَ / كِن ناظِراها ناظَراها
لَو أَنَّها بَرَزَت لِقَر / نِ الشَمسِ أَخجَلَهُ سَناها
بَل لَو رَأى فاها عَذو / لي لَم يَكُن بِالعذلِ فاها
ما ظَبيَةٌ في رَوضَةٍ / بِالحَزنِ ناشِدَةً طَلاها
ريعَت لِنَبأَةِ قانِصٍ / أَهوى إِلَيها وَاِنتَحاها
يَوماً بِأَحسَنَ مَنظَراً / مِنها وَلا خشفٌ تَلاها
كَالجيدِ مِنها جيدُها / وَكَمُقلَتَيهِ مُقلَتاها
ما شاقَ أَنفُسَنا إِلى / ذُلِّ الهَوانِ سِوى هَواها
بَينا أَقولُ لِعَيشِنا / واهاً لَهُ إِذ قُلتُ آها