المجموع : 6
ربعٌ وقفتُ عليه بعدَ أهليهِ
ربعٌ وقفتُ عليه بعدَ أهليهِ / أسقيهِ مِنْ عَبَراتي ما يُروِّيهِ
كانوا معانيهِ فَهْوَ اليومَ بعدَهمُ / جسمٌ ولا روحَ يَلفى في مغانيهِ
شكا النوى بلسانِ الحالِ فابتدرتْ / مدامعي فوقَ سُحمٍ مِن أثافيهِ
كلُّ شكا بثَّهُ فيه وما أحدٌ / في الناسِ إلا له شانٌ يعانيهِ
ربعٌ كانتِ الليلاتُ وهي ضحًى / بطيبِ عيشٍ قطعنا في ضواحيهِ
وقفتُ فيه فكم مِن وحشةٍ نزلتْ / بي فيه مِن بعدِ أنسٍ كانَ لي فيهِ
مأوى الحسانِ غدا عَنْ وصلهنَّ كما / قد كانَ بينٌ أظلَّتنا عواديهِ
معالمٌ للهوى زادَ البكاءُ على / رسمٍ عهدتُ بِواديهِ بَواديهِ
ربعٌ نُواحي عليه قبلَ بينهمُ / قد كان قالَ نواهمْ في نواحيهِ
وقفتُ عنسي به والعيشُ ظالِعَةٌ / مِنَ الكَلالِ أناديهِ بِناديهِ
فلم تُجبني رسومٌ منه دراسةٌ / حتى رثى الركبُ مِن شوقي وحاديهِ
يا أدمعي هذه اِلأطلالُ ماثلةٌ / فأين دمعٌ يُروِّي السُّحبَ هاميهِ
اِيهٍ فلي مِن لظى الأشواقِ نارُ جوِّى / تزدادُ وقداً إذا سَحَّبْ غواديهِ
هذا الفراقُ وكم عندَِ اللقِّاءِ لنا / صبحٌ إذا ما تغشَّتنا لياليهِ
ومغرمٍ باتَ والأحشاءُ في لَهَبٍ / مِنَ الغرامِ الذى زادتْ دواعيهِ
تأبى المنامَ مِنَ الذكرى لواحظُه / ويشتهيهِ لعلَّ الطيفَ يأتيهِ
بكى العدوُّ عليه مِن صبابتهِ / وحسبٌ ذي الشوقِ أن تبكي أعاديهِ
وشادنٍ بتُّ أجلو دَّر مبسَمِهِ / ووجهِهِ والدجى زُهْرٌ دراريهِ
فما رضيتُ بها عَنْ ثغرِه بَدَلاً / وما تَنظَّمَ فيه مِن لآليهِ
بدرٌ يدُيرُ عيوناً منه ساجيةً / في كَسْرِ جفنِ مريضِ اللحظِ ساجيهِ
يضمُّ مِن قدَّهِ الميادِ غصنَ نقاً / يَغارُ كلُّ قضيبٍ مِنَ تَثنِّيهِ
وردٌ بأجفانهِ الوسنى وأسهمُها / تبيتُ عن مُجْتَنٍ باللحظِ تحميهِ
يصدُّ ظلماً ويحمي ظلَمه عَنتَاً / عن مستهامٍ معنِّى القلبِ صاديهِ
لم يدعُني منه حُسْنٌ مِن محاسنهِ / اِلاّ وباردَةٌ وجَدي يُلَبيِّهِ
تكادُ تُعْقَدُ مِن لينٍ معاطفُهُ / على ضعيفِ مدارِ الخَصْرِ واهيهِ
يُغري العيونَ به ما فيه مِن مُلَحٍ / ومِن دلالٍ ومِن عُجْبٍ ومِن تيهِ
لاحتْ لنا في نِفارٍ منه بارقةٌ / مِنَ المنى والمنايا في أمانيهِ
وشيمةٌ منه ما يعتادُ أبداً / مِنَ التجنَّي ويُغريني تَجنَّيهِ
اِذا بدا محارَ بدرُ التمَّ فيه ومَنْ / للبيدرِ في الحسنِ لو أمسى يُدانيهِ
فالشمسُ والبدرُ هذى لا أُصانِعُها / وذاكَ وهو تمامٌ لا أُحاشيهِ
عندي مِنَ الوجدِ داءٌ لا دواءَ له / لم يدرِ كيف يُداويِه مُداويهِ
لو أن مَنْ سلبَ الأجفانَ رقدتَها / بهجرِه لم يُطِلْ فيه تَماديهِ
لكانَ يرجو إذا ما الغُمْضُ عاودَهُ / منه خيالاً يُحييَّهِ فيُحْييهِ
وربَّ دوحٍ بديعِ النَّورِ قابلَني / مثلَ الثغورِ نضيداً مِن أقاحيهِ
هبَّ النسيمُ به تندى نوافحُه / عليَّ والليلُ قد رقَّتْ حواشيهِ
دوحٌ تقامرَني لُبيَّ وقد صدحتْ / في كلَّ ناحيةٍ منهُ قَماريهِ
باتَ الحمامُ يغننَّي في جوانبهِ / وبتُّ مِن حَزَنٍ بالدمعِ أسقيهِ
أرتاحُ طوراً إلى ترجيعهِ طرباً / وأذكرُ العهدَ أحياناً فأبكيهِ
وقائلٍ والنوى قد طالَ موعدُها / هذا ادَّكاركَ طولُ البعدِ يُنسيهِ
فقلت من لم يكن مثلي ومثلهم / في الوجد والحسن فالتفريق يسليه
فكيف أسلوه ولي مِن قُربهمُ أملٌ / اِمّا مِنَ الطيفِ أو منهم ارجَّيهِ
أمّا الشبابُ فشيءٌ عزَّ مطلبُه
أمّا الشبابُ فشيءٌ عزَّ مطلبُه / قد بان مذ بانَ مِن ذا العمرِ مُذْهَبهُ
لم يبقَ مِن بعدِما قد فاتَ رَيَّقُه شيءٌ / اِذا حلَّ أخشاه وأرهَبُهُ
نأى الأحبَّةُ لمّا أن رأوا شَعَراً / في الرأسِ رِيعَ بصبحِ الشيبِ غيهبُهُ
وكلُّ ما نالَ قلبي مِن صدودِهمُ / قد كنتُ مِن قبلِ هذا اليومِ أحسبُهُ
للهِ ذا القلبُ كم يشكو لوازمَه / مِنَ الغرامِ ويُشجيهِ معذَّبُه
قلبٌ له بالهوى أُنسٌ تعوَّدَهُ / فلو نأى عنه أمسى وهو يطلبُه
وشادنٍ باتَ يُعييني تعنُّتُهُ / فظَلْتُ طوراً أحيَّيهِ وأعتِبُه
فما ارعوى لي وذاكَ الصُّدغُ منعطِفٌ / مِن بعدِما لَسَبتْ ذا القلبُ عقربُه
ما زالَ فرطُ تجنَّيهِ يُهَدَّدُني / بكلَّ ما نالَ مِن قلبي تجنُّبُه
وصرتُ مِن بعدِ قربٍ كان يجمعُنا / زمانُه كهلالِ الفطرِ أرقُبُه
وعادَ جظَّي عذاباً لا انقضاءَ له / بعدَ الوصالِ الذي قد بانَ أعذَبُه
وصارَ يُبعِدني مَنْ لم أزلْ أبداً / على ازديادِ تجنَّيهِ أُقرَّبُه
يا برقُ قد باتَ قلبي كلَّما لمعتْ / منكَ الشرارةُ يحكيها تلهبُّهُ
وصرتُ مغرًى بدمعي في ديارهمُ / بعد الأحبَّةِ أُذريهِ وأسكبُهُ
اِذا وقفتُ بها والدمعُ منهملٌ / فاِنَّني بدمِ الأجفانِ أقطبُه
فويحَ دمعٍ إذا ناحَ الحمامُ على / باناتِ سَلْعٍ رأيتُ التربَ تشربُه
مدامعٌ في سبيلِ الحبَّ ما برحتْ / عوناً على كل خطبٍ بتُّ أركبُه
سِيّانِ أسهلُه عندي ولي مُقَلٌ / بالدمعِ تُنْجِدُني فيه وأَصْعَبُه
هذا فؤادٌ أُراني أنَّني رجلٌ / في الحبَّ أتبعُ ما يختارُ مَذْهَبُه
وربَّ روحٍ إذا غنّى الحمامُ به / بين الخمائلِ أشجاني تطرُّبُه
ذكرتُ ربعَ هوًى لم أنسَ قاطنَهُ / طيبُ الوصالِ به قد كنتُ أنهبُه
بانتْ أوانسُه عنه وأنكرني / مِن بعدِ عرفانهِ في الحبَّ ملعبُه
بكيتُ فيه ونوحُ الوُرْقِ يُسعدني / على النوى ولسانُ الدمعِ يَندبُه
شوقاً إلى موردٍ ما شابَهُ كدرٌ / كم راقَ قبلَ نوى الأحبابِ مشربُه
بطيبِ عيشٍ قطعناهُ مُعاوَضَةً / قد كان يَصحَبُني حيناً وأصحَبُه
إِنْ فارقَتْني على رَغْمٍ لذاذاتُه / قَسْراً وباتتْ يدُ التفريقِ تسلُبُه
فسوف أُثني على أيامِ صُحْبَتِه / بخاطرٍ طالَ مِن شعري تعجُّبُه
ومِقولٍ كلَّما جدَّ الكلامُ به / قد هالَهُ بمعانيهِ تلعُّبُه
فأيُّ قلبٍ مشوق لم أزدْهُ هوًى / وأيُّ عقلٍ به ما بِتُّ أخلُبُه
شعرٌ إذا أمسيتِ الأشعارُ قاطبةً / دعيَّةً فإلى عدنانَ أنسبُه
مضنًى يهيمُ بذاتِ الخالِ مِن وَلَهٍ
مضنًى يهيمُ بذاتِ الخالِ مِن وَلَهٍ / يعتادُه وضناهُ مِن علائمهِ
لمّا توشّحَتِ الخِلخالَ مِن هَيَفٍ / بها تَمَنْطَقَ مِنْ سُقْمِ بخاتمهِ
قد أورثتْ خاطرَ المشتاقِ يومَ نأتْ
قد أورثتْ خاطرَ المشتاقِ يومَ نأتْ / سعادُ أَثَلاثِ المنحنى ولَها
قلبي واِنْ كنتُ لا أنفكُّ أُعتِبُه / قد صارَ طوعاً وكرهاً ملكَها ولَها
لا تحسبِ الصبَّ مذ زُمَّتْ أيانِقُها / الىالعقيقِ تناسى عهدَها ولَها
لو شاءِ قصَّرَ مِن أيامِ كاظمةٍ / بالوصلِ مَنْ كان بالهجرانِ طوَّلها
فليت آخرَ أيامِ الحِمى بهمُ / كانتْ على غِرَّةِ الواشينَ أوَّلَها
تمنَّى فكنتُمْ جُلَّ ما يتمناهُ
تمنَّى فكنتُمْ جُلَّ ما يتمناهُ / أخو وَلَهٍ مضنى الفؤادِ مُعنّاهُ
دعا لُبَّهُ داعي الغرامِ ودونكمْ / مفاوزُ تَعني الناجياتِ فلبّاهُ
مشوقٌ إذا ما الليلُ جُنَّ ظلامهُ / تضاعفَ فيه بالأحبَّةِ بلواهُ
دعاهُ اليهم قائدُ الشوقِ عَنْوَةً / ودونهمُ رملُ العُذَيبِ ومَرْماهُ
موامٍ تَكِلُّ النُّجبُ في جنباتِها / وخَرْقٌ يهولُ الأرحبيَّةَ مسراهُ
وهَجْلٌ إذا ما قلتُ للعيسِ هذه / أواخرُه كانتْ مِن البعدِ أُولاهُ
يحاذرُه الخِرَّيتُ مِن بعدِ خرقهِ / اِذا ما طمى لُجُّ السَّرابِ ويخشاهُ
كأنَّ عتاقَ النُّجبِ فيه سفائنٌ / وموّارَ آذيَّ العساقيلِ أمواهُ
أحبَّتَنا بِنتمْ فلي بعد بينكمْ / فؤادٌ أَجَدَّ الوجدُ لي فيه ذِكراهُ
نأيتمْ فلي قلبٌ شديدٌ خُفُوقُه / وبِنتمْ فلي طرفٌ جفا النومَ جفناهُ
أُسائلُ عنكمْ كلَّ ربعٍ رأيتُه / لكم مُقْفِراً قد أنهجَ الدهرُ مغناهُ
وأبكي بجفنٍ مِن أليمِ نواكمُ / قريحٍ ألحَّ الدمعُ فيه فادماهُ
تُجدَّدُ لي ربّاهُ كلُّ صبابةٍ / وتُذْكِرُني عهداً تقادمَ رؤياهُ
وتُسعِدُني عينايَ فيه بدمعِها / فيا ويحَ مَنْ أمسى وعيناهُ عوناهُ
لقد قلَّ أنصارُ الذي قد غدتْ له / على البينِ عوناً في المحبَّةِ عيناهُ
وأرخصَ في يومِ التفرُّقِ دمعَهُ / بحكمِ النوى والهجرِ ما كانَ أغلاهُ
وأبدى عليه مِن سرائرِ حبَّهِ / بما فاضَ منه كلُّ ما كانَ أخفاهُ
حنيناً على بعدِ الديارِ وقربِها / الى جيرةٍ بالمنحنى يتقاضاهُ
وشوقاً إلى أهلِ العقيقِ كثيرُه / يذودُ الكرى عن مقلتيِه وأدناهُ
أمِنْ بعدِ ما شابَ في الوجدِ فَودُهُ / وأبلى الشبابَ الغضَّ فيهم وأفناهُ
تناءوا وأمسى قانعاً بسلامِهم / على النأي أو طيفٍ إذا نامَ يغشاه
وما كانَ في ظنَّ المحبَّ بأنَّه / تخيبُ أمانيهِ ويُخفِقُ مسعاهُ
وقد كانَ لا يرضى على قربِ دارِهمْ / بما كانَ يرجوه وما يتوخّاهُ
ولمّا نأى ذاكَ الفريقُ عنِ الحِمى / وسارتْ تؤمُّ المازِمَيْنِ مطاياهُ
وسارَ غزالٌ كانَ يَهدي مع الصبَّا / اِذا منعوه مِن وصالي تحاياهُ
وأصبحَ قلبي وهو في الحبَّ مُوثَقٌ / يروحُ ويغدو وهو مِن بعضِ أسراهُ
سَمَحتُ بدمعي والسحابُ بدمعهِ / ضنينٌ على الربعِ المُحيلِ فرّواهُ
وأجريتُ دمعاً في الطلولِ مورَّداً / غزيرَ الحيا لا يبلغُ القطرُ شرواهُ
وقلتُ لقلبي طالَ عهدُكَ باللَّوى / فأين لياليهِ ومَنْ كنتَ تهواهُ
وقلتُ لِمَنْ قد كانَ يَعذِلُني على / غرامي به دعْ عنكَ ما لستُ أرضاهُ
فما لجَّ بالمشتاقِ في مذهبِ الهوى / على ما أراه العَذْلُ إلا وأغراهُ
وما كنتُ قبلَ البينِ والشمل جامعٌ / أرى العيشَ مخضرَّ الجنابِ بلقياهُ
حميداً إذا ما ربعُه عادَ مُكِثباً / شهيّاً إذا لم تفقدِ العينُ مرآهُ
فما كانَ أصفى ذلكَ العيشَ برهةً / وقد غابَ واشيه وما كانَ أسناهُ
وليلةَ وافاني على غيرِ موعدٍ / يجوبُ الدجى لا أصغرَ اللهُ ممشاهُ
وباتَ وذاكَ الحسنُ يجلوه طائعاً / على ناظري في الليلِ نورُ محيّاهُ
فبتُّ ولي ضوءانِ ضوءُ جبينهِ / على غرَّةِ الواشي وضوءُ ثناياهُ
أُعاطيهِ كأساً مِن مُدامٍ كأنَّما / عصارةُ خدَّيهِ الذي يتعاطاهُ
مُدامٌ إذا راقتْ ورقَّتْ حسبتَها / جنى ظَلْمِه مقطوبةً وسجاياهُ
وحيّاً بها صبّاً أماتَ سرورَهُ / تطاولُ أيامِ البعادِ فأحياهُ
وروَّحَ قلباً طالَ بالبينِ هَمُّهُ / وصبّاً به طولُ التفرُّقِ أضناهُ
ومضنًى يُراعي النيَّراتِ لأجلِه / غراماً فهلاّ في المحبَّةِ يرعاهُ
وما كانَ يدري ما الفراقُ ولا الهوى / ولا مؤلماتُ الصدَّ والبينِ لولاهُ
وما الروضُ سقّاهُ الغمامُ بمائهِ / فطرَّزهُ دمعُ السحابُ ووشّاهُ
تأرَّجَ طيباً عندما هبَّتِ الصبَّا / على جانبيهِ نَوْرُه وخُزماهُ
وأطلعَ فيه الزهرَ أخلافُ دَرَّهِ / كشعري إذا ما دبَّجَ الفكرُ معناهُ
يصوغُ له اللفظَ الصحيحَ فيغتدي / جلياً على الفَهمِ السقيمِ مُعمّاهُ
له نشواتٌ في العقولِ كأنَّما / أُديرتْ على الأذهانِ منه حُميّاهُ
ويلعبُ بالألبابِ سِحْرُ كلامِه / متى أوردتْهُ في المحافلِ أفواهُ
قريضٌ إذا فصَّلتُ جوهرَ لفظهِ / وبينَّتُ معناهُ وأحكمتُ مبناهُ
دنا جيدُ هذا الدهرِ منه وطالما / غدا عاطلاً مِن قبلِ شعري فحلاّهُ
اِنّا لتُتحِفُنا بالأُنسِ كتبكمُ
اِنّا لتُتحِفُنا بالأُنسِ كتبكمُ / واِنْ بعدتُمْ فاِنَّ الشوقَ يُدنيها
وكيف نضجرُ منها وهي مُذْهِبَةٌ / مِن وحشةِ البينِ لوعاتٍ نُعانيها
فاِنْ وصفتُمْ لنا فيها اشتياقَكُمُ / فعندنا منكمُ أضعافُ ما فيها
سلوا نسيمَ الصبَّا تُهدي تحيَّتنا / إليكمُ فهي تدري كيف نُهديها