القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 4
إن العراق بعَرضِه وبطوله
إن العراق بعَرضِه وبطوله / وبرافديه وباسقات نخليه
يهتزّ مبتهجاً بمَقدم ضَيفه / ويبشّ مبتسماً بوجه نزيله
ومرحباً والشكر في ترحيبه / ومؤهلاً والحمد في تأهليه
بربيب لبنان بريحانِّيه / بكبير معشره بفخر قبيله
بالعبقري بفيلسوف زمانه / بأديب أمته بداهي جِيله
بأصح أحرار الأنام تحرُّراً / في فكره وبفعله وبقيله
إنا نُبجِّل خير مبجَّل / تبجيلُ كل الفضل في تبجيله
أ أمين جئت إلى العراق لكي ترى / ما فيه من غُرَر العلا وحُجوله
عفواً فذاك النجم أصبح آفلاً / والقوم محتربون بعد أفوله
أوَ ما ترى قطر العراق بحسنه / قد فاق مُقِفره على مَأهوله
أما الحَيا فيه فذيّاك الحيا / لكن مسيل الماء غير مسيله
وربيعه ذاك الربيع وإن شكا / من جهل ساكنه اشتداد مُحوله
فأقم به ولك الغنى بفراته / عن قطر مصر وعن موارده نيله
وانزل على وادي السلام مُمَتَّعاً / برغيد عيش تحت ظلّ نخيله
والثِم به ثغر الطبيعة باسماً / يَشفي من المشتاق حَرَ غليله
وترقَبن اسحاره حتى إذا / هبّ النسيم فجسّ نبض عليله
وانظر محاسن أرضه وسمائه / وانشَق أريج شَماله وقَبوله
فالجوّ فيه منيرة أوضاحه / والحسن فيه دقيقه كجليله
والليل فيه مكلَّل بمرصَّع / وكواكب الأكليل من أكليله
وترى النهار به كذهنك واقداً / بالشمس تُشرق في وجوه سهوله
وترى ضياء الشمس فيه مغلفاً / بنظيره ومسلسلاً بمثيبه
وإذا وقفت بدارس من مجده / فكوقفة الباكين بين طلوله
وانحَبْ كما نحب الحزين مكفكفاً / غَرب الدموع بجانبَيْ مِنديله
فلقد عفا المجد القديم بأرضه / وعليه جرّ الدهر ذيل خُمُوله
وإذا نظرت إلى قلوب رجاله / فانظر حديد الطرف غير كليله
نجد الرجال قلوبها شتى الهوى / مدّ الشِقاق بها حِبالة غُوله
متناكرين لدى الخطوب تناكراً / يعيا لسان الشعر عن تمثيله
فالجار ليس بآمن من جاره / والخِلّ ليس بواثق بخليله
والدين فيه يقول ذو قرءانه / قولاً يحاذر منه ذو إنجيله
وإذا تأوّل قولَهم متأوِّل / صرفوه بالتفكير عن تأويله
وإذا تكلّم عالم في أمرهم / خَفروا ذِمام العلم في تجهيله
حال لو افتكر الحكيم بكُنهه / طول الزمان لعَيّ عن تعليله
من ذا يبدّله فإن قَوارعي / يئست لعمر الله من تبديله
والجهل لا يُبقي على أربابه / كالسيف ليس براحم لقتيله
أ أمين لا تغضب عليّ فإنني / لا أدّعي شيئاً بغير دليله
من أين يُرجى للعراق تقدّم / وسبيل مُمتلِكيه غيرُ سبيله
لا خير في وطن يكون السيف عن / د جبانه والمال عند بخيله
والرأي عند طريده والعلم عن / د غريبه والحكم عند دخيله
وقد استبدّ قليله بكثيره / ظلماً وذَلّ كثيره لقليله
إني إذا جَد المقال بموقف / فضّلت مُجمَله على تفصيله
وإذا المخاطب كان مثلك واعياً / أغنَى اختصار القول عن تطويله
يا مَن يكتّم فضله متواضعاً / والناس مجمِعة على تفضيله
شكواي بُحت بها إليك وليس في / شكوى الزميل غَضاضةٌ لزميله
إن المريض ليستريح إذا اشتكى / ما به لطبيبه وخليله
وكذا الحزين إذا تهيّج حزنه / يبكي فيسكن حزنه بعويله
إني لآنَف أن أبوح بمُضمَري / إلاّ لمقتدر على تحصيله
ولديّ إن وصل الحبيب تمسّك / بالعزّ يمنع فايَ من تقبيله
يا بني الرافدين مالي أراكم
يا بني الرافدين مالي أراكم / في أباطيلَ كلكم مبغضوها
فعل الإنكَليز فيكم فِعالاً / قد رضُوها لكم ولم ترتضوها
تتشكَّون في السياسة منها / ثم أنتم تأبَون أن تَرفُضوها
وعدوكم من قبل مملكة العُرْ / ب اجتلَوْها بالمَيْن وافترضوها
قبّة زخرفت لكم بالأماني / هم بَنوْها لكم وهم قوّضوها
حرّكوا للقتال منكم عروقاً / بأكاذيب وعدهم أنبضوها
يوم هجتم على ذويكم لضرب / بسيوف ما جاز أن تنتضوها
فلماذا لا تنقضُون عهوداً / بعهودٍ هم قبلكم نقضوها
ما أصحُّوا بلادكم بالمواعي / د ولكن بخُلْفهم أمرضوها
أخسروها بمكرهم كلّ حق / وبغير الوعود ما عوّضوها
هل نسيتم جيوشهم يوم جاءوا / فعثَوْا في البلاد واستنفضوها
تلك والله حالةٌ حار فكراً / في عماها البعيد مستعرضوها
وخرساءَ لم ينطق بحرفٍ لسانها
وخرساءَ لم ينطق بحرفٍ لسانها / سوى صوت عرق نابض بحشاها
حكت لهجة التمام لفظاً ولم تكن / لتفصح إلا بالزمان لغاها
لها ضربان في الحشا قد حكت به / فؤاداً تغشَاه الهوى وحكاها
جرت حركات الدهر في ضرباتها / وبانت مواقيت الورى بعماها
على وجهها خطّت علائم تهتدي / بها الناس في أوقاتها لمناها
مشت بين آنات الزمان تقيسه / وما هو إلاّ مشيها وخطاها
بها يتقاضى الناس ما يوعدونه / ويُرشد ضلاّل الزمان هداها
غدت كأخي الإيمان تأكل في معيً / وما أكل إلاّ التواء معاها
تدور عليها عقرب دور حائر / بتَيهاء غمّت في الظلام صواها
تريك مكان الشمس في دورانها / إذا حجبت عنك الغيوم ضياها
فأعجب بها مصحوبةًجاء صنعها / نتيجة أفكار الورى وحجاها
بنتها النهى في الغابرين بسيطةً / فتمّ على مرّ الزمان بناها
تنادي بني الأيام في نقراتها / أن اسعوا بجدٍ بالغين مداها
ولا تهملوا الأوقات فهي بواترٌ / تقطع أوصال الحياة شباها
لقيتها ليتني ما كنت القاها
لقيتها ليتني ما كنت القاها / تمشي وقد أثقل الأملاق ممشاها
أثوابها رثّةٌ والرجل حافية / والدمع تذرفه في الخدّ عيناها
بكت من الفقر فاحمرّت مدامعها / واصفرّ كالورس من جوع محيّاها
مات الذي كان يحميها ويسعدها / فالدهر من بعده بالفقر أشقاها
الموت أفجعها والفقر أوجعها / والهمّ أنحلها والغمّ أضناها
فمنظر الحزن مشهود بمنظرها / والبؤس مرآه مقرون بمرآها
كرّ الجديدين قد ابلى عباءتها / فانشقّ أسفلها وانشق أعلاها
ومزّق الدهر ويل الدهر مئزرها / حتى بدا من شقوق الثوب جنباها
تمشي بأطمارها والبرد يلسعها / كأنه عقرب شالت زباناها
حتى غدا جسمها بالبرد مرتجفا / كالغصن في الريح واصطكّت ثناياها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها / حملاً على الصدر مدعوماً بيمناها
قد قمّطتها بأهدام ممزّقة / في العين منثرها سمبحٌ ومطواها
ما أنس لا أنس أنيّ كنت أسمعها / تشكو إلى ربّها أوصاب دنياها
تقول يا ربّ لا تترك بلا لبن / هذي الرضيعة وارحمني وإياها
ما تصنع الأم في تربيب طفلتها / أن مسّها الضرّ حتى جفّ ثدياها
يا ربّ ما حيلتي فيها وقد ذبلت / كزهرة الروض فقد الغيث أظماها
ما بالها وهي طول الليل باكية / والأم ساهرة تبكي لمبكاها
يكاد ينقدّ قلبي حين أنظرها / تبكي وتفتح لي من جوعها فاها
ويلمّها طفلة باتت مروّعةً / وبتّ من حولها في الليل ارعاها
تبكي لتشكوَ من داءٍ ألم بها / ولست أفهم منها كنه شكواها
قد فاتها النطق كالعجماء أرحمها / ولست أعلم أيّ السقم آذاها
ويح ابنتي أن ريب الدهر روّعها / بالفقر واليتم آها منهما آها
كانت مصيبتها بالفقر واحدة / وموت والدها باليتم ثنّاها
هذا الذي في طريقي كنت أسمعه / منها فأثرّ في نفسي وأشجاها
حتى دنَوت إليها وهي ماشية / وادمعي أوسعت في الخد مجراها
وقلت يا أخت مهلاً أنني رجل / أشارك الناس طرّاً في بلا ياها
سمعت يا أخت شكوىً تهمسين بها / في قالة أوجعت قلبي بفحواها
هل تسمح الأخت لي أني أشاطرها / ما في يدي الآن استرضي به اللها
ثم اجتذبت لها من جيب ملحفتي / دراهماً كنت استبقي بقاياها
وقلت يا أخت أرجو منك تكرِمتي / بأخذها دون ما منٍّ تغشاها
فأرسلت نظرةً رعشاءَ راجفةً / ترمي السهام وقلبي من رماياها
وأخرجت زفرات من جوانحها / كالنار تصعد من أعماق أحشاها
وأجشهت ثم قالت وهي باكية / واهاً لمثلك من ذي رقة واها
لو عمّ في الناس حسَنٌ مثل حسّك لي / ماتاه في فلوات الفقر من تاها
أو كان في الناس انصاف ومرحمة / لم تشك أرملة ضنكاً بدنياها
هذي حكاية حال جئت أذكرها / وليس يخفي على الأحرار مغزاها
أولى الأنام بعطف الناس أرملةٌ / وأشرف الناس من في المال واساها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025