المجموع : 6
نظرَ البدرُ وجهَها فتَلاها
نظرَ البدرُ وجهَها فتَلاها / فسَلوهُ عن أُختِها هل حكاها
وتراءَتْ للبَدرِ يوماً فأبقَتْ / خجَلاً فوقَ وجهِه وجنتَاها
وتجلّتْ على النّجومِ فولّتْ / واِستقلّتْ بصدرِها فرقَداها
وأضافَتْ قُرونَها للّيالي / فأطالَتْ على المَشوقِ دُجاها
فُتِنَتْ في جمالِها الشُّهْبُ حتّى / شاركَتْنا ونازعَتْ في هَواها
علِقَتْ شَمسُنا بها فلهذا / عينُها في الرّواحِ تُجري دِماها
لم تحُلْ من فِراقِها كلَّ يومٍ / فهْي صَفراءُ خشيةً من نَواها
قد يرى حُبُّها الأهلّةَ وجْداً / فأطالت على الضّلوعِ اِنحِناها
ذاتُ حُسنٍ لو تُحسِنُ النُّطْقَ يوماً / سبعةُ الشُّهْبِ أقسَمَتْ بضُحاها
ومُحيّاً لو اِنّه قابلَتْهُ / آيةُ الليلِ بالنّهارِ مَحاها
كم لها بالجَمالِ آياتِ سِحرٍ / قد أضلّتْ عُقولَنا عن هُداها
أثبتَتْ في الخيالِ حيّاتِ تِبْرٍ / تنفُثُ النّارَ من خيالِ سَناها
غُرّةٌ ذاتُ عزّةٍ ضاعَ عُمري / بالمُنى بينَ صُبحِها ومَساها
خالُها في الخُدودِ في الحالِ مِثلي / حائِرٌ بين ثلجِها ولَظاها
هي لولا ملابسُ الوَشي غُصنٌ / وغزالُ الصّريمِ لولا شَواها
وجهُها جنّةٌ وعذْبُ لَماها / سَلسَبيلٌ وحُورُها مُقلتَاها
يتمنّى الرّحيقُ لو كان يحكي / ريقَها والكؤوسُ تغبِطُ فاها
وإلى إلفِها تحنّ القَماري / فهي تشكو إلى الغُصونِ جَفاها
دوحةٌ حُلوةُ الجَناءِ ولكنْ / مُرُّ خَرْطِ القَتادِ حولَ خِباها
جمعَتْ في صِفاتِها كلَّ حُسْنٍ / فهي كنزٌ مرصودةٌ في حِماها
ضُرِبَتْ دونَها سُرادِقُ عِزٍّ / طنّبَتْها حُماتُها في قَناها
كم ترى حولَها بُدورَ كَمالٍ / برزَتْ في أهلّةٍ من ظُباها
وأُسوداً تهبّ مثلَ النّعامى / في ظُهورِ النّعامِ يومَ وَغاها
وبُدوراً تدرّعَتْ بسَرابٍ / تلتَظي نارُها ويجري نَداها
سُقْمُ جِسمي وصحّتي وفنائي / ووجودي في سُخطِها ورِضاها
حبّذا رامةٌ وليلاتُ وصلٍ / بيضُهنّ اِنقضَتْ بخُضرِ رُباها
وعهودٌ بها لنا مُحكماتٌ / حكمَ الدّهرُ باِنفصامِ عُراها
يا رَعى اللّهُ رامةً وسَقاها / ضاحِكاتُ البُروقِ دمعَ حَباها
وتحامى الخُسوفُ أقمارَ تِمٍّ / تتثنّى على غُصونِ نَقاها
دارُ أنسٍ بها شُموسُ العذارى / تتمشّى على نجومِ حَصاها
قرّبَتْ أرضَها الكواعِبُ فيما / بين أرحامِ أرضِها وسَماها
خضبَتْ في دم القلوبِ أكُفّاً / وخدوداً رجالُها ونساها
بقعةٌ زُيّنَتْ بكلّ عجيبٍ / جلَّ مَنْ علّم الكلامَ مهاها
وعلى مُنشئ اليواقيتِ فيها / واللآلي مَباسِماً وشِفاها
جنّةٌ أشبهَتْ يَمينَ عليٍّ / حيثُ فيها لكلّ نَفسٍ مُناها
فاطميٌّ سليلُ فخرٍ أبوهُ / خلَفُ الطّاهرينَ من آلِ طَهَ
ماءُ عينِ الحياةِ نارُ المَنايا / صَرْصَرُ الحادثاتِ حَرُّ بَلاها
مِخلَبُ الحربِ نابُها حين يَسطو / ساقُها إذ تقومُ قُطْبُ رَحاها
سمِحٌ للنّدى يمدُّ يَميناً / تعلَمُ المُزْنُ أنّه أنواها
ذو أيادٍ ترى لهنّ اِلتباساً / بالغَوادي وبالبُحورِ اِشتِباها
سائراتٍ لا تستقرّ بمِصْرٍ / دون مصرٍ ولا يحِلُّ نَواها
وأكُفٍّ تَدري البريّة حقّاً / أنّ فيها نعيمَها وشقاها
طلسَمَ البأسُ فوقهُنّ خُطوطاً / ليسَ للمُسلمينَ حِرزٌ سِواها
ونصالٍ تدُبُّ فيها نِمالٌ / ترهَبُ الأُسْدُ خشيةً من لَقاها
قُضب حُمرها تُظنُّ سريحاً / وهي بالنار بالنّجيعِ سقاها
كجراحِ الهوى لهُنّ جِراحٌ / ليس تُرقى ولا يُصابُ دَواها
كتبَ الموتُ بالغُبارِ عليها / إنّ للضّربِ لا غيرَهُ إلاها
وخِصالٍ تودُّهُنّ الغَواني / بدَلاً من عُقودِها وحُلاها
غُررٌ كالجُمانِ مُستَحْسَناتٌ / جَلَّ باري النّجومِ حيثُ بَراها
كلُّ معشوقةٍ إلى النّفس أشهى / من ثَنايا الحِسان دونَ ثَناها
لو حوَتْ بعضَها سَجايا اللّيالي / بدّلَتْ غَدْرَها بحُسْنِ وَفاها
شِيَمٌ عطّرتْ جُيوبَ المعالي / واِنطوى بالنّسيمِ نشْرُ شَذاها
مُنعِمٌ فاز بالثّناءِ فأضحى / شُكرُه بالسّجودِ يدعو الجِباها
صقلَتْ ذِهنَهُ التّجاربُ حتّى / صُوَرُ الكائِناتِ فيهِ رآها
ذاتُ قُدْسٍ تكوّنَتْ فيه نفْسٌ / قد نَهاها من كلِّ رِجْسٍ نُهاها
مثلُ ماءِ السّماءِ يوشِكُ يَبدو / كالدّرارِي صفاتُه في صَفاها
تمّ إيجادُها وللّه فيها / حكمةٌ بانَ فيهِ وجهُ خَفاها
عظُمَتْ هيبةً وعمّت نَوالاً / فالوَرى بين خوفِها ورَجاها
كم له في القَريضِ من بنتِ فكرٍ / يبتَغي البدرُ أن يكون أخاها
قد ترقّتْ حُسْناً ورقّت كمالاً / فاِستفزّتْ قُلوبَنا في رُقاها
صاغَها عسجَداً ورصّع دُرّاً / في حَشاها وبالحَريرِ كَساها
أصبحَتْ بينَنا اليتيمةَ تُدعى / متّع اللّه بالحياةِ أباها
جملةٌ من كواكبٍ كالثّريّا / وقعَتْ في كلامِه فحَكاها
مُوسَويٌّ أزكى الملوكِ نِجاراً / خيرُها قُدرةً وقَدْراً وجَاها
زينةُ الأكرمين في كلّ مِصرٍ / تاجُها عِقدُها سِوارُ عُلاها
ليثُها في النِّزالِ غيثُ نَداها / زَنْدُ نيرانِ حربِها وقِراها
ربّما وقعةٌ تُشيبُ النّواصي / قد ألمّت به فكان فَتاها
وقعةٌ وقعُها يهدُّ الرّواسي / ويُذيبُ الحديدَ حَرُّ صَلاها
جورُها أسودُ الجبينِ ولكنْ / بيضُها ورّدَتْ خُدودَ ثَراها
خضّب النّقعُ فودَها فرمَتْهُ / بنُصولٍ نُصولُه إذ نَضاها
وشوَتْ نارُها اللّحومَ فأمْسى / يُكرِمُ اللُّدْنَ في ضَعيفِ شَواها
بطلٌ تضحَكُ الظُّبا بيدَيْهِ / فتُطيلُ الرِّقابَ حُزْناً بُكاها
مرضَتْ قبلَه صُدورُ العَوالي / فسَقاها دمَ الطُّلا فَشفاها
كلّما خاضَ في دُجنّةِ نَقْعٍ / فلَقَ الفجرَ سيفُهُ فجَلاها
عشِقَتْ نفسُه السّماحَ فعدّتْ / ما عَدا قوتَ يومِها من عِداها
يا بَني الوحي والنّبوّةِ أنتم / رهْطُها والخَواص من أقرِباها
ولَدَتْكُم كرائِمٌ من كِرامٍ / عِترةٌ مَفخَرُ العَباءِ حَواها
كم لكُم في الكِتابِ آياتِ مَدْحٍ / بيّن اللّهُ فضلَها وتَلاها
تعلَمُ الأرضُ إنّكم لعلَيها / شُمُّ أوتادِها وخطُّ اِستِواها
قَد نشرْتُم موتى البِقاع فكنتم / روحَ سكّانها وعصرَ صِباها
وَحَكمتم على الليالي فَخِلنا / ملّكَتْكُم يدُ الزّمانِ إماها
وصرَفْتُم صُروفَها للأعادي / فأسرْتُم نُفوسَها في عَناها
وهزَزتُم على الخُطوبِ رِماحاً / فشكَكْتُم صُدورَها في شَباها
سيّدي ليستِ المكارمُ إلّا / لفظةً أنتَ واضِعٌ معناها
أنتمُ للنّفوسِ داءٌ وطبٌّ / قد قضَيتُم بموتِها وبَقاها
يا نَصيري على العِداءِ وعَوْني / ومَعاذي إذا خشيتُ أذاها
أقبلَ العيدُ فلنُهنّيهِ فيكُم / إذ بكُم زادَ قدرُه وتَباهى
لكُمُ العيدُ في الحقيقة عبدٌ / صُفِّحَتْ باؤهُ بِياءٍ سَفاها
حُزْتَ أجرَ الصّيامِ مولاي فاِغنَمْ / لذّةَ الفِطر واِبتهِجْ في هَناها
واِبقَ في نِعمةٍ وعزّة مُلْكٍ / يحملُ النّصر والفُتوح لِواها
واِسْمُ واِسْلَم واِسْتَجْلِ بِكرَ قَريضٍ / ختَمَتْ مَدحَكُم بخيرِ دُعاها
قد بَراها للسُرى جذْبُ بُراها
قد بَراها للسُرى جذْبُ بُراها / فذَراها يأكلُ السّيرُ ذُراها
ودَعاها للحِمى داعي الهَوى / فدعاها فالهوى حيثُ دعاها
واِسقِياها من صَفا ذِكرِ الصّفا / وصِفا الخَيْفَ لها كي تُسكِراها
يا لها من أحرُفٍ مسطورةٍ / تسبِقُ الوَحيَ إذا الحادي تَلاها
ترتَمي شوقاً فلولا ثِقْلُ ما / في صُدورِ الرّكْبِ طارَتْ في سُراها
سُحْبُ صيفٍ قدْحُ أيديها الحصى / برقُها والرّعدُ أصواتُ رُغاها
كلّما حنّتْ لأرضِ المُنحنى / وكَلاها أقرحَ السَّوْقُ كُلاها
كم ترى من خلفِها من مروةٍ / وردَتْ أخفافُها بيضَ حصاها
سفنٌ تجري بأشباحٍ غدَتْ / معها غَرقى بطوفانِ بُكاها
ذاتُ أنفاسٍ حِرارٍ صيّرتْ / فحمةَ الظّلماءِ جَمراً في لَظاها
كلُّ ذي قلبٍ مَشوقٍ لم يزلْ / للمطايا زَجْرُهُ أوْهاً وآها
أسهُمٌ فوقَ سِهامٍ مثلها / لا يُصيبُ النُّجْحُ إلّا في خُطاها
تبتغي نَجماً بأطرافِ الحِمى / وهمُ همُّهُمُ بدرُ سَماها
أوشكَتْ تَعرُجُ فيها للسّما / إذ درَتْ قصدَهُم شمسُ ضُحاها
حيِّ أكنافَ الحِمى من أربُعٍ / ما سقَتْ أحياءَها المُزنُ حَياها
عرَصاتٌ عطّرَتْ أرجاءَها / بأريجِ المِسكِ أنفاسُ دماها
وبِقاعٌ قُدِّسَتْ لكنّها / نجّسَتْها الأُسْدُ في طَمْثِ ظُباها
ومغانٍ بالغواني لم تزل / غانياتٍ عن مصابيحِ دُجاها
سمكَ العزُّ بها أبنيةً / أفصحُ الأعرابِ ما ضمّ بِناها
كم ثَنايا في ثناياها دُجىً / مَبعَثُ الفجرِ إلَينا من كواها
جنّةٌ فيها اللآلي فُصِّلَتْ / واليواقيتُ ثُغورٌ أو شِفاها
ماؤها شهدٌ هَواها قرقَفٌ / طينُها العنبرُ والمِسْكُ ثَراها
كم بهِ بيتٍ غَدا مضمونُه / درّةً بيضاءَ من بيضِ ثَناها
وقَطوفٍ من جُمانٍ ذُلِّلَتْ / عزَّ كلَّ العزِّ مُستَحلي جَناها
يا بَني فهر سَلوا بَلقيسَكُم / كيف تَسبي مُهجَتي وهي سباها
واِسألوا أجفانَكُم عن صحّتي / فهي عنّا عوّضَتْ جِسمي ضَناها
وُرْقُ نجدٍ بعدَكم لي رحمةً / ندبَتْ شجواً ورقّتْ في ضَناها
وبكتْ لي وحشها حتّى محَتْ / كُحْلَها بالدّمعِ أحداقُ مَهاها
تلِفَتْ نفسي بكم إلّا شَفاً / والشِفاهُ اللُّعسُ لم يُمنَحْ شِفاها
هي تدري ما بها من نَبلِكُم / والعيونُ السّودُ تدري مَن رَماها
ويحَها كم تتّقي بأسَ الهوى / وعليٌّ كلَّ محذورٍ كَفاها
كفُّها كافِلُها عِصمَتُها / من أذى الدّهرِ إذا الدّهرُ دَهاها
كنزُها جوهرُها ياقوتُها / قوتُها قوّتُها خمسُ قَواها
زينةُ الدُنيا وأهلِيها معاً / طوقُها دُملُجها تاجُ عُلاها
ساعِدُ الهيجاءِ مُوري زندِها / سيفُها عاملُها قُطْبُ رَحاها
موسويٌّ عنده إذ لم تجدْ / نارَ موسى فيه إذ لاحَ هُداها
قد حكاها في اليدِ البيضا وفي / رُمحِه عن عزمِه سرُّ عَصاها
حيدريٌّ أوشكَتْ راحاتُه / تلتَظي نيرانُها لولا نَداها
غيثُ جودٍ لو أصابَتْ قطرةٌ / منه رَضْوى كان يخضرُّ صَفاها
ليثُ حربٍ أشفقَتْ أُسْدُ الشّرى / منه حتّى بايعَتْهُ في شراها
خائِضُ الحربِ الّتي نيرانُها / في التّلاقي تنزعُ الأُسْدَ شَواها
فالقُ الهاماتِ بالقُضبِ الّتي / حين تُنضى يفلِقُ اللّيلَ سناها
يحسَبُ البيضَ ثنايا خُرّدٍ / وعليها الدّم معسولَ لِماها
حازَتِ النّصرَ لها ألويةٌ / جعلت معكوسهُ حظَّ عِداها
كلّما كبّر في حَشْرِ وغىً / سبّح الصّفُّ لآياتٍ يَراها
سورةُ الرّحمن في صورته / كُتبَتْ بالنّورِ في لوحِ صَفاها
ملكٌ قد شرُفَ المُلكُ به / واِزدهى المنصِبُ والمجدُ تَناهى
طيّبٌ لو لم تصِلْ أخبارُه / شجرَ الكافورِ ما طابَ شَذاها
لو صَبا نجدٍ تلتْ في مدحِه / بَيتَ شِعرٍ لحكى العود غضاها
أو تغنّت وُرقُها في شِعرِه / هزّتِ الأعطافَ بالرّقْصِ رُباها
لسِنٌ كلُّ لآلٍ يدُه / فرّقَتْها هو في النُطْقِ حَواها
بحرُ عِلمٍ لجُّهُ من جعفَرٍ / قبَسٌ شُعلتُه من نُور طهَ
كم بروضاتِ القراطيسِ له / كلماتٌ تشبهُ الزّهرَ رَواها
علمُه نورٌ مُبينٌ للهُدى / ظلُماتُ النُّصْبِ بالنّصِّ جَلاها
جادَ في خَيرِ مَقالٍ صِدقُه / شُبهَ الباطلِ بالحقِّ مَحاها
طاهرٌ لو سبقَ الدّهرُ به / جاذبَ العِترةَ في فضلِ كِساها
سمِحٌ يبسُطُ للوفدِ يداً / تمّ معنى الجودِ فيها وتناهى
راحةٌ مبسوطةٌ لو مدّها / للسّما أمكنَها قبْضُ سُهاها
نارُها مشبوبةٌ في لجِّها / تقذِفُ العسجدَ أمواجُ لُهاها
ظُلِّلَتْ علياؤهُ في رايةٍ / تنسِفُ الأعلامَ في خفْقِ لِواها
رايةٌ منصوبةٌ في رفعِها / تنصبُ الأعداءُ في كيِّ جَواها
حائزٌ غُرَّ خِصالٍ زيّنَتْ / عطلَ الأيّامِ في حُسْنِ حُلاها
غبَطَتْها أنجُمُ الأفْقِ فَها / هيَ في الإشراقِ فيها لا تُضاهى
لو بأفكارِ اللّيالي خطرَتْ / بيّضَتْ أنوارُها سودَ إماها
يا عليَّ المجدِ لا زالَتْ بكُم / تشرقُ الدُنيا ولا زِلتُم ضِياها
ولدَتْكُم والنّواصي شُعلةٌ / فجرى في عودِها ماءُ صِباها
كانتِ الأيّامُ مرضى قبلَكُم / فاِستفادَتْ من معانيكُم دَواها
حسُنَتْ أوقاتُها فيكُم فلا / زلتُمُ يا رونَقَ الدّهرِ بَهاها
كلُّ أخبارِ المعالي والنّدى / عنكمُ صحّتْ ومنكُم مُبتداها
عِترةٌ قد صحّ عندي أنّها / ليس للأيّامِ أرواحٌ سِواها
سيّدي هُنّيتَ بالصّومِ وفي / بهجةِ الإفطارِ واِنعَمْ في هَناها
وتلقَّ العيدَ بالبِشْرِ فقد / جاءَ منكُم يجتدي قَدراً وجاها
سلْ ضاحِكَ البرقِ يوماً عن ثناياها
سلْ ضاحِكَ البرقِ يوماً عن ثناياها / فقد حَكاها فهل يروي حَكاياها
وهل درى كيفَ ربُّ الحُسن رتّلها / والجوهرُ الفردُ منه كيفَ جزّاها
وهل سُقاةُ الطِّلا تدري إذا اِبتسَمتْ / أيُّ الحَيا بانَ عند الشّرْبِ أشهاها
وسلْ أراكَ الحِمى عن طعمِ ريقَتها / فليسَ يَدري سِواهُ في محيّاها
وهل رياضُ الرُّبا تدري شقائِقُها / في خدِّها أيُّ خال في سُويْداها
وإنْ رأيتَ بُدورَ الحيِّ وهي بهِم / فحيِّ بالسّرّ عنّي وجهَ أحياها
واِقصِدْ لُباناتِ نُعمانٍ وجيرتَها / واِذكُر لُباناتِ قلبي عند لُبْناها
عرّجْ عليها عن الألباب ننشدُها / فإنّنا منذُ أيّامٍ فقدْناها
وقِفْ على منزلٍ بالخيفِ نسألُه / عن أنفُسٍ وقُلوبٍ ثمّ مَثواها
معاهدٌ كلّما أمسَيْتُ عامرَها / ليلاً وأصبحتُ مجنوناً بلَيلاها
ورُبّ ليلٍ به خُضْتُ الظّلامَ كما / يخوضُ في مَفرق العذراءِ مِدراها
جَوْن كحظٍّ به الآفاقُ قد خضَبَتْ / بياضَها وجرى بالقارِ جِرْياها
تبدو النجومُ فلم تَصْبِرْ لظُلمتِه / مثلَ الشَّرارِ بجوفِ الزَّندِ أخفاها
هوَتْ بنا فيهِ عيسٌ كالجبالِ سمَتْ / نحو السّماءِ ولو شِئْنا مَسسناها
ركائِبٌ كحُروفٍ رُكِّبتْ جُمَلاً / أكرِمْ بها من حُروفٍ قد سطَرْناها
أنعامُ هُجنٍ حكَتْ روحَ النّعامِ إذا / مرّتْ بها الريحُ ظنّتْها نُعاماها
حتّى نزَلْنا على الدّارِ الّتي شرُفَتْ / بمَنْ بها ولثَمْنا دُرَّ حَصباها
فعاوَضَتْنا بُدورٌ من فوارسِها / تحمي خُدورَ شُموسٍ من عذاراها
ضيفانُهم غيرَ أنّا لا نُريد قِرىً / إلّا قُلوباً إليهم قد أضفْناها
ما كان يُجدي ولا يُغني السُّرى دنِفاً / لكنّ حاجةَ نفسٍ قد قضَيناها
مَنْ لي بوصلِ فتاةٍ دون مطلَبِها / طعْنٌ يصوّرُ بالأجسامِ أفواها
عزيزةٌ هي شفْعُ الكيمياءِ لها / نَدري وُجوداً ولكنْ ما وجَدْناها
فيها منَ الحُسْنِ كنزٌ لا يُرى وكذا / تُخفي الكُنوزُ المَنايا في زواياها
تكادُ ترشَحُ نوراً كلّما خطرَتْ / بالمَشْيِ لا عَرَقاً من كلِّ أعضاها
كأنّما الفجرُ ربّاها فأرضَعَها / حليبَهُ وبقُرْصِ الشّمسِ غذّاها
قد صاغَها اللّهُ من نورٍ فأبرزَها / حتّى ثراها الورى يوماً وواراها
محجوبةٌ لا ينالُ الوهمُ رؤيتَها / ولا تَصيدُ شِراكَ النّومِ رُؤياها
قد منّعَتْها أسودٌ مثلُ أعيُنِها / سُيوفُهم لا تنالُ البُرءَ جَرحاها
لو تُمسِكُ الريقَ كادوا حين تقطُرُها / أن يلعَقوها فلم ترحَل بريّاها
إذا على حيّهم مُزنُ الحَيا وقعَتْ / لفّتْ على زَفَراتِ الرّعدِ أحشاها
وإنْ تنفّسَ صُبْحٌ عن لظى شفَقٍ / قاموا غِضاباً وظنّوا الصُبحَ يهواها
حرصاً عليهم نواحُ الوُرْقِ يُسخِطُهُم / توهُّماً أنّ داءَ الحُبِّ أشجاها
تهوى الفراشُ إليها كلّما سفرَتْ / فيستُرونَ غَياراها محيّاها
بين القُلوبِ وعينَيْها مضى قسَمٌ / أن لا تُصحَّ ولا تصحو سُكاراها
وبالجَمالِ على أهلِ الهَوى حلفَتْ / أن لا تموتَ ولا تحْيا أُساراها
للّه أيّامُ لهوٍ بالعقيقِ وإن / كانت قِصاراً وساءَتْني قُصاراها
أوقاتُ أُنْس كأنّ الدهرَ أغفلَها / أو من صُروفِ الليالي ما عرَفْناها
لم نشْكُ من محَنِ الدُنيا إلى أحدٍ / من البريّة إلّا كان إحداها
أُعيذُ نفسي من الشّكوى إلى بشَر / باللّه والقائِم المهديّ مولاها
اِبنِ النّبيّ أبي الفضلِ الأبيّ أخي ال / معروفِ خيرِ بَني الدُّنيا وأزْكاها
نورُ الزُجاجةِ مِصباحٌ توقّدَ مِنْ / نارِ الكَليمِ الّتي في الطُّورِ ناجاها
جُزءٌ من العالَمِ القُدسيّ هِمّتُه / ينوءُ بالعالَمِ الكلّيِّ أدناها
تاجُ الوزارةِ طوقُ المجدِ خاتَمُهُ / إنسانُ عينِ المعالي زَندُ يُمناها
حليفُ فضلٍ به تدري الوزارة إذ / فيها تجلّى بأيّ الفضلِ حلّاها
طِيبُ النّبوّةِ فيه عنهُ يُخبِرُنا / بأنه ثمرٌ من دوحِ طُوباها
كريمُ نفسٍ من الإحسانِ قد جُبِلَتْ / منه الطِباعُ فعمّ الناسَ جَدواها
ذاتٌ من اللُطْفِ صاغَ اللّهُ عنصُرَها / ورحمةً لجميعِ الناسِ سوّاها
عظيمةٌ يتّقي الجبّارُ سطوَتَها / زكيّةٌ تعرفُ العُبّادُ تَقواها
تقضي بسعدٍ ونحسٍ في الورى فلها / حُكمُ النّجومِ الدّراري في قضاياها
للطّالبينَ كُنوزٌ في أنامِلها / وللزّمانِ عُقودٌ من سجاياها
في أصفهانَ ديارِ العزّ منزلُه / ونفْسُهُ فوقَ هامِ النّجمِ مَسعاها
يرمي الغيوبَ بآراءٍ مسدّدةٍ / مثلِ السّهامِ فلا تُخطي رَماياها
عزّتْ به الدولةُ العلياءُ واِعتدلَتْ / حتّى ملا الأرضَ قِسطاً عدلُ كِسراها
عِمادُها العلمُ والمعروفُ نائِبُها / إكسيرُها مومِياها بُرْءُ أدواها
لم يترُكَنْ ظالماً غيرَ العُيونِ بها / إذ لا تُجازى بما تَجنيهِ مرضاها
أفديهِ من عالِمٍ تشْفي براعتُه / مرضى قلوبِ الورى في نفْثِ أفعاها
للفاضلينَ سُجودٌ حين يُمسِكُها / كأنّ سرَّ العصا فيها فألقاها
كأنّما ليلُنا تُطوى غياهبُه / إذا صحائِفُه فيها نشرْناها
سُطورُها عن صُفوفِ الجيشِ مغنيةٌ / وأيُّ جيشِ وغىً بالرّدّ يَلقاها
كأنّما ألِفاتٌ فوقَها رُقِمَتْ / على الأعادي رِماحاً قد هزَزْناها
نسطو بهنّ على الخصمِ المُلمِّ بنا / كأنّ راءَاتِها قُضْبٌ سلَلْناها
إذا رأينا الحُروفَ المُهمَلاتِ بها / فودُّنا بالأناسي لو لقَطْناها
قومٌ تنالُ الأماني والأمانَ بها / وآخرونَ بها تَلقى مناياها
لم يظفَرِ الفهمُ يوماً في تصوّرها / ولا يَزورُ خيالُ الوهمِ مَغناها
وبِنتِ فكرٍ سحابُ الشّكِّ حجّبَها / عنِ العُقولِ وليلُ الغَيِّ غشّاها
جرَتْ فأجْرَتْ لها من عينِ حِكمتِه / ما لو يَفيضُ على الأمواتِ أحياها
فزالَ عنها نِقابُ الرّيبِ واِنكشفَت / أسرارُها وتجلّى وجهُ معناها
قُلْ للّذينَ اِدّعوا في الفضلِ فلسفةً / قد أبطلَ الحجّة المَهديُّ دَعواها
من طُورِ سيناءَ هذا نورُ فِطنتِه / فمَنْ أرسطو ومن طورُ اِبن سيناها
فليفخرِ الفُرسُ وليزْهوا بسؤدُدِهم / على جميع الوَرى وليَحمَدوا اللّهَ
بمَنْ يُقاسون في الدنيا ودولتُهم / وزيرُها من بَني طهَ ومولاها
من مالِكٍ أصبحَ المهديُّ آصفَها / وقام فيها سُليمانُ الورى شاها
إنّ الرعايةَ لا تُعزى إلى شرفٍ / إلّا إذا كانتِ الأشرافُ تَرعاها
يا اِبْنَ النُبوّةِ حقّاً أنت عِترَتُها / فقد حوَيْتَ كثيراً من مَزاياها
حافظْتَ فيها على التّقوى ودُمتَ على / عهدِ المودّةِ والحُسنى بقُرباها
كم في ثناياكَ منّا نفحةً عبقَتْ / إليكَ فيها اِهتدَينا إذ شَممناها
من كلِّ منقبَةٍ بالفضلِ معجزةٍ / آياتُها من سِواكُم ما عرَفْناها
مفاخِرٌ قبلَ تشريفي برؤيتكُم / آمنتُ بالغَيبِ فيها إذ سمعناها
عنها ثِقاتُ بني المَهديّ قد نقَلوا / لنا روايات صِدقٍ فاِعتَقَدْناها
كانت كنَثْرِ اللآلي في مسامِعِنا / واليومَ فيكَ عُقودٌ قد نَظَمْناها
شُكراً لصُنعِكَ من حُرٍّ لسادَتِنا / بعدَ الإياسِ وهَبْتَ المُلكَ والجاها
تزلزَلَتْ في بَني المهديِّ دولتُهم / لكنّ فيكَ إله العرشِ أرساها
تطلّبَ الفُرْسُ والأعرابُ خُطبَتَها / فما سمحْتَ بها إلّا لأولاها
زوّجْتَها بكريم النفسِ أطهرِها / فرجاً وأوفرها عِلماً وأتقاها
لولا وُجودُك يا اِبنَ المصطفى غُصِبَتْ / منّا حُقوقُ معالٍ قد ورِثْناها
عنّا رفعتَ زمانَ السّوءِ فاِنقمعَتْ / بالكّرهِ شوكتُه حتّى وطِئْناها
مولايَ دعوةَ مُشتاقٍ حُشاشتُه / لولا الرّجاءُ أُوارُ المجدِ أوراها
إليكَ قد بعثَتهُ رغبةٌ غلبَتْ / لم يهجُرِ الأهلَ والأوطانَ لولاها
لعلّ عزْمةَ نشْطٍ فيكَ قد رحلتْ / إليكَ نحمَدُ غِبَّ السّيرِ عُقباها
أتاكَ يطوي الفَلا يوماً وآونةً / يَرقى الجِبالَ ليَلقى طورَ سِيناها
فحلّ بُقعةَ قُدْسٍ حين شارفَها / ما شكّ أنّكَ نارٌ أنتَ مُوسَاها
توهّمَ النورَ ناراً إذ رآكَ وكم / نفْسٍ تُغالِطُها في الصدقِ عَيناها
دَنا ليقبِسَ ناراً أو يُصيبَ هُدىً / إلى مَدارِكِ غاياتٍ تمنّاها
حاشا عن الرؤية العُظمى تجابُ بلَنْ / فكلُّ قصدِ كَليمِ الشّوقِ إيّاها
إن لم يعُدْ باليدِ البيضاءِ منك إلى / ديارِ مصرٍ أتى منها فقد تاها
عسى بكُمْ يُنجح الرحمنُ مطلبَه / فقد توسّلَ فيكُم يا بَني طهَ
النوم بعدك على عينيَّ رد نقاه
النوم بعدك على عينيَّ رد نقاه / والصبر عن مهجتي سافر وعز لقاه
لا تحسب الصبّ بعدك حب طول بقاه / لكن موت الشقي يبطى لطول شقاه
الحمد لِلّه ارهب عنك ما تخشاه
الحمد لِلّه ارهب عنك ما تخشاه / وردّ عنك العدو وحسرته باحشاه
نصرٌ من اللَه أتاك وبيتك منشاه / لا نصرةً من عرب كانت ولا من شاه
كم صاحب لوفد رحولك تدور رحاه
كم صاحب لوفد رحولك تدور رحاه / سوّاك مثل الطحين وعلك برحاه
يبدي المودة ويخفي بالحشى برحاه / بالوجه مثل المراه وفي القفا مسحاه