المجموع : 6
طويتَ الحياةَ خفيَّ السُّرى
طويتَ الحياةَ خفيَّ السُّرى / كما تذهبُ النجمةُ التائهه
تُطلُّ على عالمٍ ينظرون / فتطرفك النظرةُ الشائهه
وتلحظُهم من وراءِ الحياةِ / بنفسٍ معذبةٍ والهه
شقيتَ بهم حيث ساد الغبيُّ / وخصَّوه بالسمعةِ النابهه
لقد ضلَّتِ الأرض في ليلها / فحقَّتْ بها لعْنة الآلهه
من لياليَّ التي لم يهدأ الشوق عليها
من لياليَّ التي لم يهدأ الشوق عليها /
من أمانيَّ التي كانتْ رُؤىً في ناظريها /
من أغانيَّ التي استلهمتُها من شفتيها /
من دموع مازجَتْ أدمعَها بين يديها /
كلُّ ما قد رقَّ من شعري وما راق لديها /
وهو ما ضمَّ كتابٌ هو منها وإليها /
أقسمَتْ لا يَعْصِ جبَّارٌ هواها
أقسمَتْ لا يَعْصِ جبَّارٌ هواها / أبَدَ الدهرِ وإنْ كان إلها
لا ولا أفلَتَ منها فاتنٌ / قرَّبَتْهُ واحتوتهُ قبضتاها
قِيلَ عنها إنّها ساحرةٌ / تتحدَّى سطوةَ الجنِّ سُطاها
وعجوزٌ بالصِّبا موعودةٌ / وبعمرِ الدهر موعودٌ صباها
حَذِقَتْ عِلمَ الأوالي ووعتْ / قصصَ الحبِّ ومأثورَ لغاها
قِيلَ لا يُذهِبُ عنها كيدَها / غيرُ شيطانٍ ولا يمحو رُقاها
ورووا عنها أحاديثَ هوىً / آثمٍ يُغرِبُ فيها من رواها
وأساطيرَ ليالٍ صُبِغَتْ / بدماءٍ سفكتهنَّ يداها
يذكرُ الركبانُ عنها أنّها / سرقتْ من كل حسناءَ فتاها
وقتيلٌ بين عينيْ زوجه / كلُّ معشوقٍ دَعتهُ فعصاها
كلما التذّتْ وصالاً من فتىً / سحرَتهُ وهو في حِضنِ هواها
واحتوتهُ في أصيصٍ زهرةً / يسرِقُ الأنفاسَ من طيب شذاها
زهراتٌ مثَّلتْ عشّاقها / بعيونٍ غرِقاتٍ في كراها
فإذا ما الليلُ أرخى سِتره / أطلقَتْ أشباحَهم في منتداها
مُهَجا خفّاقة ملتاعةً / وعيوناً ظامئاتٍ وشفاها
تستعيد الأمسَ في لذاتها / ولياليها وأشواقِ رُؤاها
تتلوّى بينهم مشبوبةً / شهوةً يلتهمُ الليلَ لظاها
عبرَ الشيطانُ يوماً أُفقَها / فرأى ثمَّ فنوناً ما رآها
أيُّ وادٍ رائعٍ أحجارُهُ / تحذر الرّيحُ عليهنّ سُراها
أيُّ قصرٍ باذخٍ في قمّةٍ / تحسَبُ الأنجمَ من بعض ذُراها
ودروبٍ حولها ملتفّةٍ / كأفاعٍ سُمِّرتْ في منحناها
وبروجٍ لحمامٍ زاجلٍ / هو بالأقدارِ يهفو من كُواها
ظنَّها من عبقرٍ ناحيةً / أخطأتْ عيناهُ بالأمس صُواها
فهوى من حالقٍ يرتادُها / طُرقاتٍ زخرفَ الفنُّ حصاها
ورنا حيث رنا فاهتاجه / منظرُ الزَّهر الذي زان رباها
أُصص من ذَهَبٍ تحسبُها / بعثرتْ فيها الدراريُّ سناها
كلما مَسُّتْ يداه زهرةً / عطفَتهُ لقطافٍ شفتاها
فجنَى ما شاءَ حتى لم يَدَعْ / في أصيصٍ زهرةً إلَّا جناها
وانتشى من عطرها فانتثرتْ / مثل حبَّاتٍ من الماس يراها
عجباً ما لمستْ غيرَ الثرى / أيُّ نورٍ شاعَ فيها فزهاها
نظرةٌ أو خطرةٌ واختلجتْ / فعرتهُ هِزّةٌ مما عراها
واستحالت بين عينيه دُمىً / حيَّةً تستبقُ البابَ خطاها
فُكَّ عنها السحرُ فارتدتْ إلى / عالم الحسِّ وخفّتْ قدماها
ورنا الشيطانُ في آثارها / سابحاً في دهشةٍ طال مداها
يا لها كيف استقرت ثم فرّت / لحظة مرت ولكن ما وعاها
ودنا الليلُ ورنّتْ صدحةٌ / نبّهته حين لا يبغي انتباها
فإذا مائدةٌ حافلةٌ / بالأباريقِ ترامى طرفاها
ملؤها الخمرةُ نوراً وشذاً / نَسَمَتْ وائتلقتْ فخَّارتاها
وصحافٍ كتهاويلِ الرؤى / تجد الأنفسُ فيها مُشتهاها
وإذا مقصورةٌ من حوله / خالها تَنبضُ بالرُّوح دُماها
وقفت غانيةٌ في بابها / قد تعرَّت غيرَ فضلٍ من حُلاها
يا لها من فتنةٍ قد صُوّرَتْ / في قوام امرأةٍ راع صباها
طلعتْ في هالةٍ من خُضرةٍ / وعيونٍ يترقرقن مياها
ثم نادتْ يا أحبَّايَ انهضوا / واغنموا الليلةَ حتى منتهاها
وتلاشى الصوتُ لا رجعَ صدىً / لا ولا ثمَّ مُجيبٌ لنداها
فعرتها رِعدةٌ فالتفتتْ / فرأتْهُ فتلقّاها وِجاها
أبصرتْ وجهاً كوجه المسْخِ لم / يَتَقنَّعْ شاهَ هذا الوجهُ شاها
ورأت كفَّيهِ يَندى منهما / أرَجُ الزَّهر فأجَّتْ نظرتاها
عرفتْ ما اجترحتهُ يدُهُ / أو لا يعرفُ من داسَ حماها
يا لهذا المسخ دَوّتْ ومَشَتْ / صيحةٌ ينذر بالويل صداها
فانثنى الشيطانُ عنها صارخاً / أتراها تتحدَّى من تُراها
فبَدتْ في شفتيها آيةٌ / من مُبين السِّحر أو ما فمحاها
فَدَنَتْ ترمقهُ فاختلجتْ / عينهُ حين أشارتْ بعصاها
بُدِّلتْ تلك العصا جمجمةً / رِيعَ لمّا شرَعتها فاتقاها
هيَ من مَلْكةِ جِنٍّ من تُصِبْ / يخترمهُ بالمنايا محجراها
فتنحّى غاضباً مبتئساً / وتنحَّتْ والأسى يُلجِمُ فاها
وسجى بينهما الصمتُ الذي / يتغَشّى الأرضَ إن حان رداها
والتقتْ عيناهما فاستروحا / راحةً من قبلها ما عرفاها
عرفتْ من هو فاستخذتْ له / ورأى من هي فاستحيا قُواها
قال أختاهُ اغفري لي نظرةً / إشتهتْ كلَّ جمالٍ واشتهاها
واغفري لي شِرَّةً عارمةً / في دمي لو أتأبَّى ما أباها
يا لهذا الدم ما عنصرُهُ / كلُّ ما في النار من وَقْدِ لظاها
فأجابتْ زهراتي رُدَّها / إنْ تَقُلْ حقاً ولا تبغ أذاها
قال لا أذكر إلا حُلُماً / لحظةً ضلَّ بها عقلي وتاها
أهيَ جِسمٌ أهي روحٌ إن تكنْ / لا يَردُّ الروحَ إلا من براها
فأحسَّتْ هول ما يجهلهُ / فاستحت منه وأغضَى ناظراها
صاحَ غفرانُكِ لا تبتئسي / أطلبي ما شئتِ منِّي ما خلاها
أأنا من تتخَطّى قدَمي / مَسبحَ الشمس فيربدُّ ضحاها
أأنا من يطفئُ النجمَ فمي / وأردُّ الأرضَ غرقى في دُجاها
وتمسُّ القممَ الشمَّ يدي / فيُرى منحدِراً لي مُرتقاها
وأجيءُ الأرضَ من محورها / فإذا بي يتدانى قطباها
وأصدُّ الريحَ عن وجهتها / فتجوبُ الكونَ لا تدري اتّجاها
أأراني عاجزاً عن دركِ ما / تتمنَّى امرأةٌ عزّت مناها
آهِ ما أضعفَ سلطاني وما / كنتُ إلَّا بغروري أتباهى
قالت الآن سلاماً زائري / ورِضى نفسي إن رُمْتَ رضاها
أيها الشيطانُ ما أعظم ما / قُلْتَهُ ما قُلتَ لغواً أو سفاها
زهراتي تلك ما كانت سوى / شهواتٍ جسميَ الطاغي نماها
قهرتني واستذلّتني بها / غيرَةٌ ينهشُ قلبي عقرباها
وأنانيةُ أنثى لم تُطِقْ / فاتناً تملكهُ أنثى سواها
قد صَنَعْت الحقَّ قد عاقبتني / فارحمِ المرأةَ في ذُلِّ هواها
فدنا منها فألفتْ وجههُ / غير ما كانَ لقد ألفَتْ أخاها
قرّبتْ بينهما روحُ الأسى / فاجتبتهُ بعدَ حِقد واجتباها
واستهلّت دمعةٌ منْ عينها / دمعةٌ رفّتْ وشفّتْ قطرتاها
ضُمِّنتْ كلّ عذاب وضنىً / كلَّ ما في النفس من بثِّ أساها
ورآها فتندّتْ عينهُ / رحمةً فاحتال يُخفي من بُكاها
وبكى الشيطانُ يا لامرأةٍ / أبكتِ الشيطانَ لمَّا أنْ رآها
وحيدةٌ ويحي بلا راحةٍ
وحيدةٌ ويحي بلا راحةٍ / ما بَين موجٍ طاغياتٍ قُواه
تجري بيَ الفُلك كأرجوحةٍ / حَيرى بأقيانوس هذي الحياه
أبحثُ عنه وسُدىً ما أرى / أين حبيبي أين سارت خُطاه
لم يَهْدِني نجمٌ إليهِ ولم / يَبسِمْ ليَ الحظُّ فألقى سَناه
وليس لي من موجةٍ بَرَّةٍ / تحملني في إثرهِ كي أراه
من شاطئِ الراحة لم يَدنُ بي / إليه أُفقٌ لا يُرى منتهاه
هناك في الشاطئِ وافرحتا / أعزُّ إنسان صفا لي هواه
منتظراً لي شاخصاً باسماً / تُشِيرُ بالآمال لي راحتاه
لكنَّما هيهات كيف السُّرى / وأين من عصفِ الرياح النجاه
أصار حتماً أن يُرى زورقي / محطَّماً قد مال بي جانباه
وهل فضاءُ البحر أو غَوْره / مهما تناءَى وارتمتْ لجتاه
يكفي مداه أن تُوارى به / جميعُ آلامي أيكفي مداه
نمَتْ زهرةٌ في غصون الخريف / كحُلمٍ من الماءِ والخضرةِ
كزنبَقةٍ في زُهَى حُلَّةٍ / ربيعيةِ الوشْي محمرَّةِ
تبثُّ المراعيَ نوراً يشفُّ / ويجلو الطهارةَ في النظرةِ
كأني بها قدحاً مُترَعاً / به مُزِجَ السمُّ بالخمرةِ
لها وهَجُ الحبِّ في قُبلةٍ / على شَفةٍ شِبهِ مُفترَّةِ
ألا إنها هي بُقيا الهوى / وآخرُ ما فيه من نضرَةِ
ألا إنها هيَ صَهْبَاؤهُ / وآخرُ ما فيه من قطْرَةِ
تميتُ وتُحْيي فيا للحياةِ / والموتِ إلفَينِ في زهرةِ
إن أنا قاومتُ هياج العبابْ / مصطرعاً والأفقُ داجي السحابْ
ولم تدَع كفِّي إلى زورقي / زمامَهُ حُراً وخضتُ الصعابْ
فسوف يُلقيه خفيُّ القضا / مُحطّما فوق الصخور الصلابْ
وإنَّ أقوَى ساعدٍ عاجزٌ / أن يُمسكَ المجدافَ دون اضطرابْ
إنْ عاند الأمواجَ فهو الذي / يحفرُ في اليم حَفِيرَ التَّبابْ
وهو الذي يسعى إلى حتفهِ / في هوَّة مفغُورة في العبابْ
فليُلقِ بالمجداف من كفِّهِ / وليتركِ الموجَ طليقَ الرِّغابْ
وليَمْضِ بالزورق ما يشتهي / إلى القضاءِ الحتْم دون ارتيابْ
وليبتلعهُ الموجُ في جوفهِ / فلا مفرَّ اليوم مما أصابْ
طال كفاحي ويح نفسي فما / طولُ كفاحي غيرُ طولِ العذابْ
أطلَّ الخريفُ بأعقاب ليل
أطلَّ الخريفُ بأعقاب ليل / دجيِّ الظلام بكيِّ السُّحبْ
وآخرُ ما في الرُّبى زهرةٌ / عداها من الصيف وقدُ اللهبْ
غدَتْ وحدها في أديمٍ عفا / من النّور والورَقاتِ القُشُبْ
كحارسةِ الميْتِ ليسَت ترِيمُ / مكاناً به وقفَتْ تضطربْ
تُساقِطُ من حولها أدمعاً / غصونٌ تطالعها عن كثَبْ
جرى الغيثُ من ورقاتٍ بها / إلى أُخَرٍ شاحباتٍ صبَبْ
تحدَّرَ مختنِقاً فوقها / بلا نبأةٍ قطرُهُ المنسكبْ
فيا مَنْ لها زهرةُ الجورجين / مَنِ الزائرُ الحائرُ المقترِبْ
جَناحٌ لآخرِ ما في الفراش / من رحمةٍ بقِيَتْ أو حدبْ
مضى الصيفُ وانقطعت إثرَه / أغاريدُ كنَّ مَثارَ الطربْ
نأى طيرُها عانياً واختفى / غرامٌ أتى وغرامٌ ذهبْ
وثَبنَ في موكب الطبيعَه
وثَبنَ في موكب الطبيعَه / وثوب غزلانها الوديعه
منشّراتٍ ومرسلاتٍ / غلائل الفتنة الرصيعَه
أثار دفءُ النسيم روحا / فيهنّ مشبوبة وليعه
وهاج عطر الصباح فيها / ما هاج في النحلة الرضيعه
فرحنَ يمرحن في غناءٍ / تصغي وتتلو الربى رجيعَه
يحملن وردا بها لوردٍ / ينثال بالحمرة الينيعَه
كأنما الروض قلب صبّ / اسلن فوق الثرى نجيعَه
هذا الربيع الجميل يجلو / فنون إبداعه الرفيعَه
مشي تحيّي الرياض منه / خطى على صدرها سريعَه
وديعة الخلد في يدَيهِ / وبوركت فيهما الوديعه
انتشت الأرض من شذاه / وأترعت كأنها الرصيعه
ولي فم ناضبٌ وقلبٌ / فارغةٌ كأسهُ صديعَه
عرائس الحسن لاتدعنَ الم / حبّ للهجر والقطيعَه
فإنه شاعرٌ يغنّي / أحلامهُ الحلوة البديعه
لكن يحي صبا الليالي / شدواً ويغني الهوى دموعَه
عاد ربيع الثرى وعادت / صوادح الدوحة الوشيعَه
هفت بجوقاتها إليه / مفشيةً سرّهُ مذيعَه
وزفّهُ بلبل لعوبٌ / في حضنه وردة خليعَه
وحدّقَ الزهر واشرأبت / كمائم حوله سميعَه
شريعة الغاب ما أراها / دما ولا ميتةً ذريعَه
لكنّه الحبّ فوضويا / يقتحم الذروة المنيعَه
تدعو له الكائنات طرا / وقدّس الحب من شريعَه
فيا عروس الربيع هاتي / من وحيه وانشري صنيعه
أنت شباب الحياة أنت / الجمال في موكب الطليعه
وأنت أنت الربيع لا ما / تبدعه ريشة الطبيعة
خدّاك نهداك من جناه / فاكهة الجنّة المضيعه
ثغرك ريّان من رحيق / ألحب يحيى به صريعَه
شعرك من نور ناظريه / يقبس منه السّنى سطوعَه
وقيت لمح العيون إمّا / رمتك بالنظرة الجميعَه
وقيت لقح الشفاه إمّا / هفت بها قبلة الخديعَه
وقيت فحّ الصدور إمّا / غلت بها الشهوة الوضيعه
فأرجعي يا عروس فنّي / صبا يودّ الهوى رجوعَه
أيام كلّ الطريق زهرٌ / وكلّ حافاته مريعَه
أيام كلّ الحياة فجرٌ / ترقبُ عين الفتى طلوعه
وليله مهرجان عرسٍ / قد أوقدوا حوله شموعَه
إن أنت لم تحسني إليه / قتلتِ في صدره نزوعه
ومن لقلبٍ أضاع بين اله / وى وبين الصبا ربيعه