القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 6
طويتَ الحياةَ خفيَّ السُّرى
طويتَ الحياةَ خفيَّ السُّرى / كما تذهبُ النجمةُ التائهه
تُطلُّ على عالمٍ ينظرون / فتطرفك النظرةُ الشائهه
وتلحظُهم من وراءِ الحياةِ / بنفسٍ معذبةٍ والهه
شقيتَ بهم حيث ساد الغبيُّ / وخصَّوه بالسمعةِ النابهه
لقد ضلَّتِ الأرض في ليلها / فحقَّتْ بها لعْنة الآلهه
من لياليَّ التي لم يهدأ الشوق عليها
من لياليَّ التي لم يهدأ الشوق عليها /
من أمانيَّ التي كانتْ رُؤىً في ناظريها /
من أغانيَّ التي استلهمتُها من شفتيها /
من دموع مازجَتْ أدمعَها بين يديها /
كلُّ ما قد رقَّ من شعري وما راق لديها /
وهو ما ضمَّ كتابٌ هو منها وإليها /
أقسمَتْ لا يَعْصِ جبَّارٌ هواها
أقسمَتْ لا يَعْصِ جبَّارٌ هواها / أبَدَ الدهرِ وإنْ كان إلها
لا ولا أفلَتَ منها فاتنٌ / قرَّبَتْهُ واحتوتهُ قبضتاها
قِيلَ عنها إنّها ساحرةٌ / تتحدَّى سطوةَ الجنِّ سُطاها
وعجوزٌ بالصِّبا موعودةٌ / وبعمرِ الدهر موعودٌ صباها
حَذِقَتْ عِلمَ الأوالي ووعتْ / قصصَ الحبِّ ومأثورَ لغاها
قِيلَ لا يُذهِبُ عنها كيدَها / غيرُ شيطانٍ ولا يمحو رُقاها
ورووا عنها أحاديثَ هوىً / آثمٍ يُغرِبُ فيها من رواها
وأساطيرَ ليالٍ صُبِغَتْ / بدماءٍ سفكتهنَّ يداها
يذكرُ الركبانُ عنها أنّها / سرقتْ من كل حسناءَ فتاها
وقتيلٌ بين عينيْ زوجه / كلُّ معشوقٍ دَعتهُ فعصاها
كلما التذّتْ وصالاً من فتىً / سحرَتهُ وهو في حِضنِ هواها
واحتوتهُ في أصيصٍ زهرةً / يسرِقُ الأنفاسَ من طيب شذاها
زهراتٌ مثَّلتْ عشّاقها / بعيونٍ غرِقاتٍ في كراها
فإذا ما الليلُ أرخى سِتره / أطلقَتْ أشباحَهم في منتداها
مُهَجا خفّاقة ملتاعةً / وعيوناً ظامئاتٍ وشفاها
تستعيد الأمسَ في لذاتها / ولياليها وأشواقِ رُؤاها
تتلوّى بينهم مشبوبةً / شهوةً يلتهمُ الليلَ لظاها
عبرَ الشيطانُ يوماً أُفقَها / فرأى ثمَّ فنوناً ما رآها
أيُّ وادٍ رائعٍ أحجارُهُ / تحذر الرّيحُ عليهنّ سُراها
أيُّ قصرٍ باذخٍ في قمّةٍ / تحسَبُ الأنجمَ من بعض ذُراها
ودروبٍ حولها ملتفّةٍ / كأفاعٍ سُمِّرتْ في منحناها
وبروجٍ لحمامٍ زاجلٍ / هو بالأقدارِ يهفو من كُواها
ظنَّها من عبقرٍ ناحيةً / أخطأتْ عيناهُ بالأمس صُواها
فهوى من حالقٍ يرتادُها / طُرقاتٍ زخرفَ الفنُّ حصاها
ورنا حيث رنا فاهتاجه / منظرُ الزَّهر الذي زان رباها
أُصص من ذَهَبٍ تحسبُها / بعثرتْ فيها الدراريُّ سناها
كلما مَسُّتْ يداه زهرةً / عطفَتهُ لقطافٍ شفتاها
فجنَى ما شاءَ حتى لم يَدَعْ / في أصيصٍ زهرةً إلَّا جناها
وانتشى من عطرها فانتثرتْ / مثل حبَّاتٍ من الماس يراها
عجباً ما لمستْ غيرَ الثرى / أيُّ نورٍ شاعَ فيها فزهاها
نظرةٌ أو خطرةٌ واختلجتْ / فعرتهُ هِزّةٌ مما عراها
واستحالت بين عينيه دُمىً / حيَّةً تستبقُ البابَ خطاها
فُكَّ عنها السحرُ فارتدتْ إلى / عالم الحسِّ وخفّتْ قدماها
ورنا الشيطانُ في آثارها / سابحاً في دهشةٍ طال مداها
يا لها كيف استقرت ثم فرّت / لحظة مرت ولكن ما وعاها
ودنا الليلُ ورنّتْ صدحةٌ / نبّهته حين لا يبغي انتباها
فإذا مائدةٌ حافلةٌ / بالأباريقِ ترامى طرفاها
ملؤها الخمرةُ نوراً وشذاً / نَسَمَتْ وائتلقتْ فخَّارتاها
وصحافٍ كتهاويلِ الرؤى / تجد الأنفسُ فيها مُشتهاها
وإذا مقصورةٌ من حوله / خالها تَنبضُ بالرُّوح دُماها
وقفت غانيةٌ في بابها / قد تعرَّت غيرَ فضلٍ من حُلاها
يا لها من فتنةٍ قد صُوّرَتْ / في قوام امرأةٍ راع صباها
طلعتْ في هالةٍ من خُضرةٍ / وعيونٍ يترقرقن مياها
ثم نادتْ يا أحبَّايَ انهضوا / واغنموا الليلةَ حتى منتهاها
وتلاشى الصوتُ لا رجعَ صدىً / لا ولا ثمَّ مُجيبٌ لنداها
فعرتها رِعدةٌ فالتفتتْ / فرأتْهُ فتلقّاها وِجاها
أبصرتْ وجهاً كوجه المسْخِ لم / يَتَقنَّعْ شاهَ هذا الوجهُ شاها
ورأت كفَّيهِ يَندى منهما / أرَجُ الزَّهر فأجَّتْ نظرتاها
عرفتْ ما اجترحتهُ يدُهُ / أو لا يعرفُ من داسَ حماها
يا لهذا المسخ دَوّتْ ومَشَتْ / صيحةٌ ينذر بالويل صداها
فانثنى الشيطانُ عنها صارخاً / أتراها تتحدَّى من تُراها
فبَدتْ في شفتيها آيةٌ / من مُبين السِّحر أو ما فمحاها
فَدَنَتْ ترمقهُ فاختلجتْ / عينهُ حين أشارتْ بعصاها
بُدِّلتْ تلك العصا جمجمةً / رِيعَ لمّا شرَعتها فاتقاها
هيَ من مَلْكةِ جِنٍّ من تُصِبْ / يخترمهُ بالمنايا محجراها
فتنحّى غاضباً مبتئساً / وتنحَّتْ والأسى يُلجِمُ فاها
وسجى بينهما الصمتُ الذي / يتغَشّى الأرضَ إن حان رداها
والتقتْ عيناهما فاستروحا / راحةً من قبلها ما عرفاها
عرفتْ من هو فاستخذتْ له / ورأى من هي فاستحيا قُواها
قال أختاهُ اغفري لي نظرةً / إشتهتْ كلَّ جمالٍ واشتهاها
واغفري لي شِرَّةً عارمةً / في دمي لو أتأبَّى ما أباها
يا لهذا الدم ما عنصرُهُ / كلُّ ما في النار من وَقْدِ لظاها
فأجابتْ زهراتي رُدَّها / إنْ تَقُلْ حقاً ولا تبغ أذاها
قال لا أذكر إلا حُلُماً / لحظةً ضلَّ بها عقلي وتاها
أهيَ جِسمٌ أهي روحٌ إن تكنْ / لا يَردُّ الروحَ إلا من براها
فأحسَّتْ هول ما يجهلهُ / فاستحت منه وأغضَى ناظراها
صاحَ غفرانُكِ لا تبتئسي / أطلبي ما شئتِ منِّي ما خلاها
أأنا من تتخَطّى قدَمي / مَسبحَ الشمس فيربدُّ ضحاها
أأنا من يطفئُ النجمَ فمي / وأردُّ الأرضَ غرقى في دُجاها
وتمسُّ القممَ الشمَّ يدي / فيُرى منحدِراً لي مُرتقاها
وأجيءُ الأرضَ من محورها / فإذا بي يتدانى قطباها
وأصدُّ الريحَ عن وجهتها / فتجوبُ الكونَ لا تدري اتّجاها
أأراني عاجزاً عن دركِ ما / تتمنَّى امرأةٌ عزّت مناها
آهِ ما أضعفَ سلطاني وما / كنتُ إلَّا بغروري أتباهى
قالت الآن سلاماً زائري / ورِضى نفسي إن رُمْتَ رضاها
أيها الشيطانُ ما أعظم ما / قُلْتَهُ ما قُلتَ لغواً أو سفاها
زهراتي تلك ما كانت سوى / شهواتٍ جسميَ الطاغي نماها
قهرتني واستذلّتني بها / غيرَةٌ ينهشُ قلبي عقرباها
وأنانيةُ أنثى لم تُطِقْ / فاتناً تملكهُ أنثى سواها
قد صَنَعْت الحقَّ قد عاقبتني / فارحمِ المرأةَ في ذُلِّ هواها
فدنا منها فألفتْ وجههُ / غير ما كانَ لقد ألفَتْ أخاها
قرّبتْ بينهما روحُ الأسى / فاجتبتهُ بعدَ حِقد واجتباها
واستهلّت دمعةٌ منْ عينها / دمعةٌ رفّتْ وشفّتْ قطرتاها
ضُمِّنتْ كلّ عذاب وضنىً / كلَّ ما في النفس من بثِّ أساها
ورآها فتندّتْ عينهُ / رحمةً فاحتال يُخفي من بُكاها
وبكى الشيطانُ يا لامرأةٍ / أبكتِ الشيطانَ لمَّا أنْ رآها
وحيدةٌ ويحي بلا راحةٍ
وحيدةٌ ويحي بلا راحةٍ / ما بَين موجٍ طاغياتٍ قُواه
تجري بيَ الفُلك كأرجوحةٍ / حَيرى بأقيانوس هذي الحياه
أبحثُ عنه وسُدىً ما أرى / أين حبيبي أين سارت خُطاه
لم يَهْدِني نجمٌ إليهِ ولم / يَبسِمْ ليَ الحظُّ فألقى سَناه
وليس لي من موجةٍ بَرَّةٍ / تحملني في إثرهِ كي أراه
من شاطئِ الراحة لم يَدنُ بي / إليه أُفقٌ لا يُرى منتهاه
هناك في الشاطئِ وافرحتا / أعزُّ إنسان صفا لي هواه
منتظراً لي شاخصاً باسماً / تُشِيرُ بالآمال لي راحتاه
لكنَّما هيهات كيف السُّرى / وأين من عصفِ الرياح النجاه
أصار حتماً أن يُرى زورقي / محطَّماً قد مال بي جانباه
وهل فضاءُ البحر أو غَوْره / مهما تناءَى وارتمتْ لجتاه
يكفي مداه أن تُوارى به / جميعُ آلامي أيكفي مداه
نمَتْ زهرةٌ في غصون الخريف / كحُلمٍ من الماءِ والخضرةِ
كزنبَقةٍ في زُهَى حُلَّةٍ / ربيعيةِ الوشْي محمرَّةِ
تبثُّ المراعيَ نوراً يشفُّ / ويجلو الطهارةَ في النظرةِ
كأني بها قدحاً مُترَعاً / به مُزِجَ السمُّ بالخمرةِ
لها وهَجُ الحبِّ في قُبلةٍ / على شَفةٍ شِبهِ مُفترَّةِ
ألا إنها هي بُقيا الهوى / وآخرُ ما فيه من نضرَةِ
ألا إنها هيَ صَهْبَاؤهُ / وآخرُ ما فيه من قطْرَةِ
تميتُ وتُحْيي فيا للحياةِ / والموتِ إلفَينِ في زهرةِ
إن أنا قاومتُ هياج العبابْ / مصطرعاً والأفقُ داجي السحابْ
ولم تدَع كفِّي إلى زورقي / زمامَهُ حُراً وخضتُ الصعابْ
فسوف يُلقيه خفيُّ القضا / مُحطّما فوق الصخور الصلابْ
وإنَّ أقوَى ساعدٍ عاجزٌ / أن يُمسكَ المجدافَ دون اضطرابْ
إنْ عاند الأمواجَ فهو الذي / يحفرُ في اليم حَفِيرَ التَّبابْ
وهو الذي يسعى إلى حتفهِ / في هوَّة مفغُورة في العبابْ
فليُلقِ بالمجداف من كفِّهِ / وليتركِ الموجَ طليقَ الرِّغابْ
وليَمْضِ بالزورق ما يشتهي / إلى القضاءِ الحتْم دون ارتيابْ
وليبتلعهُ الموجُ في جوفهِ / فلا مفرَّ اليوم مما أصابْ
طال كفاحي ويح نفسي فما / طولُ كفاحي غيرُ طولِ العذابْ
أطلَّ الخريفُ بأعقاب ليل
أطلَّ الخريفُ بأعقاب ليل / دجيِّ الظلام بكيِّ السُّحبْ
وآخرُ ما في الرُّبى زهرةٌ / عداها من الصيف وقدُ اللهبْ
غدَتْ وحدها في أديمٍ عفا / من النّور والورَقاتِ القُشُبْ
كحارسةِ الميْتِ ليسَت ترِيمُ / مكاناً به وقفَتْ تضطربْ
تُساقِطُ من حولها أدمعاً / غصونٌ تطالعها عن كثَبْ
جرى الغيثُ من ورقاتٍ بها / إلى أُخَرٍ شاحباتٍ صبَبْ
تحدَّرَ مختنِقاً فوقها / بلا نبأةٍ قطرُهُ المنسكبْ
فيا مَنْ لها زهرةُ الجورجين / مَنِ الزائرُ الحائرُ المقترِبْ
جَناحٌ لآخرِ ما في الفراش / من رحمةٍ بقِيَتْ أو حدبْ
مضى الصيفُ وانقطعت إثرَه / أغاريدُ كنَّ مَثارَ الطربْ
نأى طيرُها عانياً واختفى / غرامٌ أتى وغرامٌ ذهبْ
وثَبنَ في موكب الطبيعَه
وثَبنَ في موكب الطبيعَه / وثوب غزلانها الوديعه
منشّراتٍ ومرسلاتٍ / غلائل الفتنة الرصيعَه
أثار دفءُ النسيم روحا / فيهنّ مشبوبة وليعه
وهاج عطر الصباح فيها / ما هاج في النحلة الرضيعه
فرحنَ يمرحن في غناءٍ / تصغي وتتلو الربى رجيعَه
يحملن وردا بها لوردٍ / ينثال بالحمرة الينيعَه
كأنما الروض قلب صبّ / اسلن فوق الثرى نجيعَه
هذا الربيع الجميل يجلو / فنون إبداعه الرفيعَه
مشي تحيّي الرياض منه / خطى على صدرها سريعَه
وديعة الخلد في يدَيهِ / وبوركت فيهما الوديعه
انتشت الأرض من شذاه / وأترعت كأنها الرصيعه
ولي فم ناضبٌ وقلبٌ / فارغةٌ كأسهُ صديعَه
عرائس الحسن لاتدعنَ الم / حبّ للهجر والقطيعَه
فإنه شاعرٌ يغنّي / أحلامهُ الحلوة البديعه
لكن يحي صبا الليالي / شدواً ويغني الهوى دموعَه
عاد ربيع الثرى وعادت / صوادح الدوحة الوشيعَه
هفت بجوقاتها إليه / مفشيةً سرّهُ مذيعَه
وزفّهُ بلبل لعوبٌ / في حضنه وردة خليعَه
وحدّقَ الزهر واشرأبت / كمائم حوله سميعَه
شريعة الغاب ما أراها / دما ولا ميتةً ذريعَه
لكنّه الحبّ فوضويا / يقتحم الذروة المنيعَه
تدعو له الكائنات طرا / وقدّس الحب من شريعَه
فيا عروس الربيع هاتي / من وحيه وانشري صنيعه
أنت شباب الحياة أنت / الجمال في موكب الطليعه
وأنت أنت الربيع لا ما / تبدعه ريشة الطبيعة
خدّاك نهداك من جناه / فاكهة الجنّة المضيعه
ثغرك ريّان من رحيق / ألحب يحيى به صريعَه
شعرك من نور ناظريه / يقبس منه السّنى سطوعَه
وقيت لمح العيون إمّا / رمتك بالنظرة الجميعَه
وقيت لقح الشفاه إمّا / هفت بها قبلة الخديعَه
وقيت فحّ الصدور إمّا / غلت بها الشهوة الوضيعه
فأرجعي يا عروس فنّي / صبا يودّ الهوى رجوعَه
أيام كلّ الطريق زهرٌ / وكلّ حافاته مريعَه
أيام كلّ الحياة فجرٌ / ترقبُ عين الفتى طلوعه
وليله مهرجان عرسٍ / قد أوقدوا حوله شموعَه
إن أنت لم تحسني إليه / قتلتِ في صدره نزوعه
ومن لقلبٍ أضاع بين اله / وى وبين الصبا ربيعه

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025