المجموع : 10
بعد الصّباحِ الّذي ودَّعتُكُم فيهِ
بعد الصّباحِ الّذي ودَّعتُكُم فيهِ / لم أَلْقَ للدَّهْرِ صُبْحاً في لَياليهِ
قد كان أَوَّلَ صُبْحٍ بعْدَ عَهْدِكمُ / مضَى ولم تَكْتَحلْ عَيْني بثانيه
فالدَّهرُ بعْدَكمُ لَيْلٌ أُلابِسُه / والعَيشُ دُونكمُ هَمٌّ أُقاسيه
قد كِدْتُ أخْتِمُ طَرْفي وَحْشةً لكُمُ / عن كلِّ خَلْقٍ من الدُّنْيا أُلاقيه
لكنّما يتَلقّاني خيالُكمُ / في النّاسِ من كُلِّ مَنْ باللّحْظِ أَرميه
قد صَوَّر الوهْمُ في عَيْني مِثالَكمُ / من طُول ما أَنا بالذِّكْرَى أُراعيه
فكُلُّ ناظرِ إنسانٍ أُقابلُه / أَرَى خيالَكُمُ من ناظري فيه
يَلومني في هوى الأحبابِ كُلُّ فتىً / سَهْمُ الصّبابةِ يُصْميني ويُخْطيه
يَعيبُني في الهوَى بَغْياً ويَعذُلني / وإنَّما يَبْتليني مَنْ يُعافيه
تَكْليفُك الصّبَّ صَبْراً عن أَحِبّته / قولٌ يُعنّيهِ فيما ليس يَعْنيه
أَقِلَّ من عذَلٍ تَلْقَى المشَوقَ بهِ / فقَلبُه بسهامِ اللّوْمِ تَرْميه
والمرءُ مثْلُ نفوذِ السّهْمِ من يَدِه / إلى القلوبِ نُفوذُ السّهْمِ مِن فِيه
دَعْ عنك قلبي فإنَّ الحُبَّ آمِرُه / أَضعافَ ما أَنت بالتّثْريبِ ناهيه
إنّي لأشكرُ إلْفي في تَباعُدهِ / وطالما كنتُ أَشكو في تَدانيه
إذا أَعَلَّنيَ الأشواقُ عَلّلَني / منه خيالٌ يُسرّي الهَمَّ ساريه
يُزهَى على البُعدِ طَرْفي حينَ يَطْرُقه / من عندِ أَحبابهِ طَيْفٌ يُوافيه
كما زهَتْ أَصفهانٌ إذْ ألَمَّ بها / مُؤيّدُ المُلْكِ فاهتزَّتْ من التيه
كعارضِ يَسْبِقُ الإيماضَ وابلُهُ / إذا تَعرّضَ للمعروف راجيه
ويَكْشِفُ الهَوْلَ في الهَيْجا إذا شَرَعتْ / يَمينُهُ ماضياً فيها يَمانيه
ماضٍ على سَنَنِ التحقيقِ يَنْصُرُه / فلا يُرَى عنده سُوقٌ لِتَمْويه
في كَفِّه قَلمٌ تَلْقاهُ مُنْصَلتاً / يَجْري القَضاءُ مُجدّاً في مَجاريه
إذا انْثنَى ساجِداً نحْوَ الكتابِ له / يوماً فلا مَلِكٌ إلاّ ويَحكيه
وإنْ بدا غائصاً في بَحْرِ أنْمُله / ألْقَى إلى الطِّرْسِ من أسْنَى لآليه
يا مَنْ تَوحَّدَ في الدُّنْيا برُتْبتِه / منَ الجَلالِ فلا خُلْقٌ مُدانيه
سِواكَ مَنْ باتَ حَرْبُ الدَّهرِ تُقْلقُه / إذا دهَتْه وسِلْمُ الدّهرِ يُطْغيه
أنت الّذي لم يَنَلْ نَقْصاً بعُطْلَتِه / من حيثُ ما زادَهُ فَخْراً تَحلِّيه
فمَنْ يُبلِّغُها السُّلطانَ مَاْلُكَةً / يَسْعى بها مِن مَواليه مُواليه
بحيثُ يَعْقِدُ منه تاجَهُ قَسَماً / يَظلُّ في الصِّدقِ خافيهِ كباديه
لأنتَ حقّقْتَ من تَثْبيتِ دَوْلتِه / ما لم تكُنْ تَقْدِرُ الأحلامُ تَحْكيه
ما المُلْكُ يَومئذٍ لولا مؤيدهُ / إلاّ بعُرْضةِ مَن قد جاء يَبْغيه
غابٌ أُصيبَ أبو شِبلَيْهِ فاخْتلَفا / فاستأْسدَ الذّئبُ حتّى كادَ يأْويه
فلو تأخَّر عن تأييدهِ نَفَساً / لكان مِن ذاك ما أعْيا تَلافيه
برأيهِ قام يَحْميهِ ورايته / وكان عاليه أمضَى مِنْ عَواليه
حتّى إذا تَمَّ الفَتْحُ من يَدِه / للمُلْكِ أصْغَى إلى ما قالَ واشيه
وكان كالمُنتضي للحَرْبِ صارِمَه / فإذْ تقَضَّتْ رأى إغْمادَ ماضيه
إنْ نَفَّذوا دونَه أَمراً فلا عَجَبٌ / مَنْ يُعْملُ السّيفَ حيثُ السَّوطُ يَكْفيه
هذا زَمانٌ على ما فيه مِن كَدَرٍ / يَحكي انْقِلابُ لَياليه بأهْليه
غديرَ ماءٍ تَراءى في أسافِلِه / خَيالُ قَومٍ قيام في أعاليه
فالرِّجْلُ تُبصَرُ مَرْفوعاً أَخامِصُها / والرّأسُ يُوجَدُ مَنْكوساً نَواصيه
هذا على أنّ أَمراً غيْرَ مُحتَسَبٍ / كأنّنا بكَ في ذا الدَّهْرِ تُبديه
صابِرْ زمانَكَ تَعْبُرْ عنكَ شِدَّتُه / وأَمهلِ الرَّنْقَ يَخْلُصْ منه صافيه
فاللّيلُ إنْ أَنت لم تَعجَلْ وإنْ مطَلَتْ / ظَلْماؤه فلَهُ صُبْحٌ يُجلِّيه
لو أَمكنَ الدّهرَ أَن يَبقَى على نَسَقٍ / ما زال باديه حتّى جاءَ تاليه
فانْهَضْ إلى الأملِ المطلوبِ مُعْتزماً / نُهوضُ مثْلك يَقْرُبْ منكَ قاصيه
ولا تَقولَنَّ إنَّ الدَّهرَ مُضْطَرِبٌ / فكيف فيه بمَقْصودٍ يُسَوّيه
فالقوسُ مُذْ لم تزَلْ في خَلْقِها عِوَجٌ / والسَّهْمُ يَمضي سديداً في مَراميه
يأبَى ضِياءُ شهابِ الدّينِ حينَ بدا / ألا يُضيءَ سَبيلَ الرُّشْدِ هَاديه
وإنّما هو نُورُ اللهِ يُشْعِلُه / أنَّى بأفواهها الحُسّادُ تُطْفِيه
فِدىً عِداهُ لعَلْياهُ وقَلَّ له / كلُّ البَرِيَّةِ طُرّاً لو تُفَدِّيه
سَعْوا على مَجْدِه من كُلِّ ذي حَسَدٍ / يَظلُّ يَنْشُرهُ بَغْياً ويَطْويه
ما كان يَخفَى عليه اليومَ مَوْضِعُه / لو كان بالأمسِ أمضَى العزْمَ مُمْضيه
إنْ كان في الدَّهْرِ خَوْفٌ من تَقلُّبِه / فما لذي الحَزْمِ يُغْضي عَن أعاديه
وإنّما مَثَلُ الباغي وصاحبِه / كالنّارِ والشّمْعِ يُبْقيها لِتُفْنيه
بَقِيتَ يا ابْنَ نظامِ المُلْكِ تَخْلُفُه / في مَجْدِه ومَعاليه فتُحيِيه
ودُمْتَ والإخوةُ الزُّهْرُ الكرامُ معاً / كالبَدْرِ والشُّهْبِ يَعْنيها وتَعْنيه
في طُولِ عُمْرٍ لكمْ مُدَّتْ أواخِرُه / وظلِّ مُلْكٍ بكمْ شُدَّتْ أواخيه
ولا عدا المَرقَد المَسْعود سَاكِنُه / وَفْدٌ من المَلأ الأعلَى يُحَييه
يَأْتيهِ من صلَواتِ اللهِ في مَدَدٍ / تَتْلو رَوائحَهُ منها غَواديه
أصبحتُمُ دَوحة المجدِ الّتي شَرُفَتْ / حقيقةً لا بتَمْثيلٍ وتَشْبيه
أنتمْ فُروعٌ سَما في الأُفْقِ ناضرها / وذاكَ أصْلٌ رَسا في التُّرْبِ زاكيه
فَدُمْتُمُ بَعْدَهُ تُوجَدْ مَكارِمُه / مَدى الزّمانِ ولا تُفْقَدْ مَعاليه
حتّى يكونَ أبوكمْ آيةً نُسِخَتْ / لَفْظاً وما نُسِجَتْ منه معانيه
عَهْدُ هوىً كنّا عَهِدْناهُ
عَهْدُ هوىً كنّا عَهِدْناهُ / يَفْنَي اصْطباري عند ذِكْراهُ
لا أنا أنْساهُ فأسْلو ولا / تَذكُرُه أنتَ فتَرعاه
لو كان يُفْدَى فيُرَى ثانياً / ماضٍ من العَيْش فَدْيناه
فَلْيَسْقِه دَمْعي بتَسْكابِه / فإنّه أوْلَى بسُقْياه
يا قاتلي ظُلْماً بهِجْرانه / هَجْرُك ما أكثرَ قَتْلاه
سنَنْثُرُ اليومَ العِتابَ الَّذي / كنّا زماناً قد طَويْناه
تَذْكُر كم لَيْلٍ لنا سالفٍ / قُرطُكَ قد كان ثُريّاه
سَهِرْتُه عندك لَهْواً وقد / خِيطَ من الغَيْرانِ جَفْناه
ثَغْرُكَ معْ خَدِّكَ في جُنْحِه / ماءُ أخي الوَجْدِ ومَرْعاه
فَبتُّ مِن وَصْلِكَ في لَذَّةٍ / حتّى جَلا الصُّبْحُ مُحيّاه
والنَّجمُ قد أطَبقَ أجفانَه / والنَّومُ قد أطْلَقَ أسْراه
واللّيلُ سَيفُ الفَجْرِ في فَرْقِهِ / يَقْتلُه والدّيكُ يَنْعاه
والحَيُّ قد حانَ انْطلاقٌ له / وقد حَدا الحادي مَطاياه
ثار وراءَ الرَّكْبِ مُستَعْجلاً / يَلُفُّ أُولاهُ بأُخراه
والإلْفُ قد عانقَني للنَّوى / فالْتَفَّ خَدّايَ وخَدَاه
كأنّه رامٍ إلى غايةٍ / تَناوَلَ السّهْمَ بيُمْناه
حتّى إذا أدناهُ من صَدْرِه / أَبْعَدَهُ ساعةَ أَدْناه
يا مَنْ عَذيري مِن هَوى شادِنٍ / ما كنتُ نَهْبَ الوَجْدِ لَوْلاه
قد ضَمَّنا يومَ غدَوْا مَوقفٌ / ما كانَ لولا البَينُ أَحْلاه
وللهوَى كانتْ غداةَ النَّوى / رسائلٌ بَلَّغْتُها فاه
حينَ بدا كالبَدْرِ بَدْرِ الدُّجَى / يَنوسُ في خَدَّيه لَيْلاه
السِّحْرُ ما تُمليه أَلحاظُه / والحُسْنُ ما يَحْويهِ بُرْداه
والدُّرُّ مِن فيهِ مدَى الدَّهرِ ما / يُسمِعْناهُ ويُريناهُ
أَفْدي الَّذي لم أسْتَجِرْ في الهَوى / إلاّ إليه منه شَكْواه
أَدْنَى المُعنَّى منه حتّى إذا / تَيَّمَهُ في الحُبِّ أَقْصاه
وكلُّ ما لاقَيْتُ من غَدْرِه / قالَتْه لي من قَبْلُ عَيْناه
يومَ صَبا قلبي إلى طَرْفه / فقلتُ إيّاكَ وإيّاه
فاليومَ لو هَمَّ بتَرْكِ الهَوى / ثنَتْهُ عن ذاك ثَناياه
فما تَرى يا بدْرُ في مُدْنفٍ / طَيْفُك لو حَيّاهُ أَحْياه
بلْ يا أَخا الأزْدِ وأعني بها / أزْداً بحيثُ النَّجمُ عُلْياه
لا يُنْكرُ المجدُ إذا ما سَما / أَنّا وإيّاكمْ جَناحاه
نحن بنو ماء السّماء الّذي / يَخْلُفُه في المَحْلِ جَدواه
إن حُبِسَ القَطْرُ على مُجْذِبٍ / كَفاه أَن تُطلَقَ كَفّاه
ما الأزْدُ إلاّ جِذْمُ كلِّ العُلا / ونحن يَومَ الفَخْرِ فَرْعاه
لمّا دعا والنّاسُ أَتباعُنا / داعٍ إلى الحقِّ تَبِعْناه
فالمُلْكُ ما نحنُ سَبقْنا بهِ / والدِّينُ ما نحنُ نَصَرْناه
والعُرْبُ قد سارَتْ إثْرنا / فأدركَتْ سُؤْراً تَركْناه
أما كَفانا أنَّهمْ قَدَّموا / مَجْداً وطاروا بِقُداماه
وأنّ صدْرَ الدِّينِ في عَصْره / قد نصَر الدِّينَ وآواه
نَصْراً بهم ثُمَّ بهِ ثانياً / أَعادَه اللهُ وأَبْداه
فقد غدا النّصْرُ لدينِ الهُدَى / أُخْراه منّا بَعْدُ أُولاه
جَدَّدَهُ ذو كرَمٍ غامرٍ / لا يَستَحِقُّ المَدْحَ إلاّه
عبدُ اللَّطيفِ المُجتلَى مَجْدُه / عن أَن يُرَى في النّاسِ شَرْواه
قَرْمٌ إذا عَنَّ لمَسْعاتهِ / أَعْشارُ حَمْدٍ فازَ سَهْماه
ذو هِمّةٍ تُضْحي وتَمْسي عُلاً / والعِلْمُ والحِلْمُ خَليلاه
فالدِّينُ في ظلِّ عُلاهُ حِمىً / يَحوطُ أَدْناهُ وأَقْصاه
والدَّهرُ قد راحَ له خادماً / يأمُرُه صُغْراً ويَنْهاه
واليُمنُ واليُسرُ طَريقاهُما / للخَلْقِ يُمْناه ويُسْراه
يا راحِلاً يَطلُبُ مَعْروفَه / فُزْ بالغِنَى أوّلَ لُقْياه
ما عنده عنك إذا جِئْتَه / يُذخَرُ لا مالٌ ولا جاه
ما بَرِحَتْ تَتْرى على حالةٍ / في اليَسْرِ والعُسْر عَطاياه
قُلْ للإمامِ ابْنِ الإمام الَّذي / نَرجوه في الدَّهرِ ونَخْشاه
يا مَن عَلا مِنْ مَجْدِه باذخاً / مُهلَّبُ العَلْياءِ وَطّاه
جَدُّك ما اخْتَارَ لأبنائهِ / غيرَ ثلاث مِن وَصاياه
منهنّ أنْ قالَ اعْلَموا أنّكمْ / والفَضلَ لا تَرضَوْا بأَدْناه
ثيابُكمْ أحسَنُ ما أصبحَتْ / على سِواكمْ حينَ يُكساه
مَخْلوعةً منكمْ على كُلُّ مَنْ / يَلبسُ شُكْراً طال ثَوْباه
رُؤيتُه فيهنَّ مَدْحٌ لكمْ / فَسمْعُه للخَلْقِ مَرآه
وسَحبُه الأذيالَ سَحبانُكمْ / يَرتجِلُ الخُطبةَ مُمْساه
يَتْلو ثناءً سابغاً حَشْوُها / إذ يتَثنَّى فيه عِطْفاه
كأنّها لَفْظٌ غدا رائقاً / للمَدْحِ واللآبسُ مَعْناه
وقال قولاً لهمُ ثانياً / ليَحْمَدوا في الدَّهر عُقْباه
لن تَبلُغوا السُّؤدَدَ أَو تَصْبِروا / إذا أطالَ الحَيُّ نَجْواه
على الشُّيوخِ القُلْحِ إن قُرِّبَتْ / منهم إلى الآذان أفواه
وثالثُ الأقوالِ ما قالَهُ / في آخِرِ العَهْدِ بدُنْياه
ألْقىَ لهمْ نَبْلاً وقال اكْسِروا / وما دَرَوْا مِن ذاك مَغْزاه
فلم يُطِيقوا كسْرَ مَجْموعه / واحْتقَروا كسْرَ فُراداه
وقال أنتمْ للعدا هكذا / فاجْتَمِعوا والنّاسُ أشْباه
فالجُودُ والصّبرُ وجَمعُ الفتَى / شَمْلَ بني الجِنْسِ بنُعْماه
ثلاثةٌ هُنَّ إذا عُدّدَتْ / من شَرَفِ الأخلاقِ أَعْلاه
وأنتَ لا تُدفَعُ عنها وقد / نَماكَ مَنْ هُنَّ سَجاياه
يا أيهّا الصّدْرُ الّذي عنده / سِرُّ عُلاً أَوْدَعه الله
أوّلُ ظُلْم الدّهرِ لي أنّه / قد عاقَني عنك جَناياه
من سَقَمَيْ جِسمٍ وحالٍ معاً / واصلَ تَعْويقي ووالاه
وسادَةُ العَصْرِ جُفاةٌ لنا / من غَيْرِ ما جُرْمٍ جَنَيْناه
إلاّ قريضٌ رائقٌ رُبَّما / في نَفَرٍ منهمْ نَظَمْناه
قومٌ مديحي لهمُ ضائع / لكنَّ طَبْعي يَتَقاضاه
والسِّلْكُ يُكْسَى الدُّرُّ معْ أنّه / يَجهَلُ ما أصبَح يُكْساه
وليس صَدْرُ الدِّينِ من شَكْلِهم / فَيقْتَضي قَوْليَ حاشاه
وكيف يُسْتَثنى نَهارٌ إذا / ما ذُمَّ لَيْلٌ طالَ جُنْحاه
دُمْ للمعالي ما همَتْ دِيمةٌ / رِيّاً لرَوْضٍ فاحَ رَيّاه
وخُذْ ثناءً كأزاهيرِه / حُسْناً إذا ما الوُدُّ أمْلاه
حيّتْكَ من بُعْدٍ وقُرْبٍ معاً / شاقا فؤادي واسْتَحثّاه
بُعْدُ ديارٍ كان لكنّنا / بقُرْبِ أسْرارٍ خَلَطْناه
فلم أزَلْ أسحَبُ ذَيْلَ الدُّجَى / على بَعيرٍ مادَ ضَبْعاه
أطْوي الفلا طَيَّ امرئٍ واصل / مُصْبِحَه سَيْراً بمُمْساه
فلم يَزَلْ بي طائشاً خَطْوُه / نِضْوِيَ حتّى حُلَّ نِسْعاه
إلى فتىً آمُلُ من عِنْدِه / عَوْداً على ما أَتَمنّاه
وكيف لا يَحْوي المُنَى مَنْ غدا / مثْلُكَ يا مَوْلايَ مَوْلاه
نِثارُ مِثْلي إذا ما جاءَ يُهْديهِ
نِثارُ مِثْلي إذا ما جاءَ يُهْديهِ / فألْفُ راوٍ له في القومِ يَرْويهِ
إن لم يكُنْ هو نَثْر الدُّر من يدِه / فإنّما هو نَثْرُ الدُّرِّ مِن فيه
دُرٌّ له الدَّهْرَ أَسماعُ الوَرى صَدَفٌ / والفكْرُ منّي له بَحْرٌ يُرَبيّه
مكنونُ يَمٍّ إذا ما مجَّه طَفِقتْ / تجلو الدُّجى بتلاليها لآليه
واللَّيلُ يَشْهَدُ أَنّ الغُرَّ من دُرَري / أَغْلَى وأَسْرَى وأَهْدَى مِن دَراريه
لمّا همَمْتُ بنَظْمٍ ما دَرى قَلَمي / في الكَفِّ ماذا على القِرطاسِ أُمْليه
وقال دُرّي لِمَنْ أَصبَحْتَ تَقْصِدُ بي / غداً وماذا الذي أمسَيْتَ تَنْويه
فقلتُ مْجِلِسَ عزِّ الدّينِ فاستَبَقَتْ / شَوقاً إلى مَدْحِ عُلْياهُ قَوافيه
فما رأَيتُ ولا قَبْلي رأَى أَحَدٌ / كحُسْنها وهْيَ تَبْهَى وَسْطَ نَاديه
وما على خاطري من مَدْحِه كَلَفٌ / ما دام ناظمُ أَلفاظي مَعانيه
لمّا تَنظَّم عِقْدٌ منه نِيطَ عُلاً / يجِيدِ مَجْدٍ تُحَلِّيهِ مَساعيه
العِقْدُ حَلاّهُ فَضْلاً جِيدُ لابسِه / لا الجِيدُ حلاّهُ حُسْناً عِقْدُ مُهْديه
مَجْدٌ لدولةِ مَولَى النّاسِ قاطبة / أَدناهُ منه لصِدْقِ النُّصحِ مُدْنيه
كُلٌّ من النّاس قد أَضحَى مُهنِّئَهُ / بما مِنَ المُلْكِ وَلاّه مُوليّه
بُشرَى لإقْليمنا أَن قد غدا وإلى / أقلامِنا مُسْنداً عِزّاً تُواليه
أَقلامُه السُّودُ آثاراً إذا سطَرَتْ / في الطِّرْسِ والبيضُ آثاراً تُجاريه
وَقَلَّ أعمالُ خُوزِسْتانَ مَنزلةً / عن أَنْ يكونَ بها تُهدي تَهانيه
لكنّنا إنّنا نَعْني بتَهْنئةٍ / نُفوسَنا حيثُ أَقْبَلْنا نُهنِّيه
فمُؤْذِنٌ بصلاحِ النّاسِ قد عَلِموا / إذا همُ أَصبحوا ممّن يُراعيه
ما الخُوزُ إلاّ كغاب غابَ ضَيْغَمُه / فثارَ شِبْلٌ له غَضْبانُ يَحْميه
عَرينُ مُلْكٍ مَنيعاً كان آوِنةً / عِزّاً بكَوْنِ أَبي أَشبالِه فيه
فقام شِبْلٌ له مُستأسِدٌ حَمِسٌ / أَضحَى مكانَ أَبيه اليومَ يَأْويه
غَضَنْفَرٌ ظَفِرٌ أَضحَى له ظُفُرٌ / بَراهُ من نابتِ الآجامِ باريه
ما غابَ عن غابِه يوماً لصَيْدِ عُلاً / وناب عن نابِه سَيفٌ يُعَرّيه
إلاّ وصادَ به حَمْداً وشاد به / مَجداً وزاد به عَدّاً مَساعيه
يا مَن زِمامُ الزّمانِ الصّعْبِ في يَدِه / فكيف ما شاء أَنْ يَمْشي يُمشِّيه
ما النّاسُ إلاّ رميمٌ أنت باعِثُه / والمُلْكُ إلاّ ذَماءٌ أنت مُبْقيه
كَنَّوْا أباك أبا عيسى فأنت إذَن / عيسى إذا حقّقَ المَعْنَى مُكَنّيه
واليومَ سُكّانُ خُوزِسْتانَ كلُّهمُ / مَوْتَى يَقيناً وكُلٌّ أنت مُحييه
كَعازَرٍ ألْفُ ألْفٍ مَيّتون بها / كُلٌّ يُؤَمِّلُ عَدْلاً منك يُحْييه
فصَدِّقِ الجِدَّ في مَعْنىً رآك له / أهْلاً وحَقِّقْ له ما كان يَعْنيه
تُعَدُّ إعجازَ دينٍ قد دُعيتَ له / عزّاً فأوسَعْتَ إعزازاً لأَهْليه
يا مَنْ نَداهُ إلى الإفْضالِ أسْبَقُ من / سُؤالِ عافيهِ أو تَأميلِ راجيه
قَرينُه الجُودُ حتّى ما يُفارِقُه / كأنّما جُودُه ظِلٌّ يُماشيه
لمّا أظلَّتْ ديارَ الخُوزِ رأيتَه / قُرباً ونَبأهم عنه مُنَبِّيه
تَوقّفَ العارِضُ الهَطّالُ مُنتظراً / وُرُودَ موكبه العالي مَراقيه
حتّى إذا عَمّتِ البُشْرى وقيل لقد / حَلّتْ مَواكبُه حَلَّتْ عَزاليه
قال السّحابُ وما حَقٌّ لذي كرَمٍ / إلاّ وذو كَرَمٍ في الخَلْقِ يَقْضيه
هو الّذي عَلَّمتْني الجودَ أنملُه / فكيف مَعْ قُرْبِه أرضَى بسَبْقيه
ما إنْ أرى أدَباً منّي تَقَدَّمَه / وقد بدا لي وَميضٌ مِن تَدانيه
بلْ لم أُرِدْ وَصلَكمْ من بَعْدِ هَجْرِكمُ / لمّا حدا شَطْرَ خُوزِستانَ حاديه
إلاّ لأَقصِدَ إكراماً لمَوْرِده / لَثْمي ثرىً طَرْفُه بالنَّعلِ واطيه
والِ الجميلَ إذا أَوْلَيْتَ تَحْظَ به / فليس تُوليهِ إلاّ مَن تُواليه
كم ظَهْرِ أَرْضٍ منَ التقّبيل أُحْرَمُه / بظَهْرِ كَفٍّ منَ الوُفّادِ يُدْنيه
تُبدي التَّواضُعَ للزّوّارِ من كرَمٍ / طَبْعاً فتَزْدَادُ عُظْماً حينَ تُبديه
ولو رأَى في الكَرى ما نِلّتُه أَحَدٌ / لَهَزَّ ما عاشَ عِطْفُيْهِ منَ التِّيه
يا ماجداً نال غاياتِ العُلا وقَضَى / باريه أَلاّ يُرَى خَلْقٌ يُباريه
لمّا أَبَى اللهُ إلاّ أَن يُمَلِّكَه / ما قَصَّر النّاسُ طُرّاً عن تَمَنّيه
قال العِدا حَسَداً هذا نهايتُه / فقلتُ لا تَغْلَطوا هذا مَباديه
مَلِكٌ أَغَرُّ من الأملاكِ ذو هِمَمٍ / إلى المَحامدِ يَدعو الدَّهْرَ داعيه
قد أصبحَ اليومَ خُوزِسْتانُ جِيدَ عُلاً / بِعِقْدِ أَيّامهِ أَضحَى يُحَلّيه
من أَجلِ نومِ الرَّعايا آمنينَ به / لا يَكْحَلُ العَيْنَ غُمْضاً في لياليه
راعٍ لنا العَدْلُ والإحسانُ سيرتُه / لذلكَ اللهُ طولَ الدَّهرِ راعيه
ومُشْتري الشُّكْرِ بالإنعامِ نائلُه / والشُّكرُ أَشْرفُ ما الإنسانُ يَشْريه
فأعطِ يا صَدْرُ إدراري وخُذْ دُرَري / يا خَيْرَ آخذِ مَرْضيٍّ ومُعْطيه
واسْمَعْ جَميلَ ثناءٍ عن خُلوصِ هَوىً / على لسانِ جَناني فيكَ يُلْقيه
ألا فَقلِّدْ حُساماً مَن تُصادِقُه / منها وطَوِّقْ حُساماً مَنْ تُعاديه
لازلْتَ تَلْبَسُ أَعياداً وتَخْلَعُها / وتَنْشُرُ الدَّهْرَ في النُّعْمَى وتَطْويه
حتّى يَصِحَّ اعْتقادُ النّاسِ كُلِّهمُ / أَنّ الزّمانَ جَديدٌ أَنت مُبْلِيه
مُصاحِباً إخوةً أَصبحتَ مجدَهمُ / كُلٌّ بكلٍّ يَهُزُّ العِطْفَ من تِيه
ودام ظلُّ أَثيرِ الدّينِ يَجْمَعُكمْ / فما رأَتْ مَلِكاً عيَنْي تُساميه
بدْرٌ وأَنجمُ لَيْلٍ حوله زُهُرٌ / يَجْرونُ في فَلَكٍ جَمٍ معاليه
في نعمةٍ ونعيمٍ وادِعينَ معاً / ما دام لَيْلٌ له صُبْحٌ يُجَلِّيه
وما بدا فَرقَدٌ في الأُفْقِ مُشْتَهرٌ / لفَرقدٍ آخَرٍ كُفْؤاً يُواخيه
شِبْتُ أَنا والتحَى حبيبي
شِبْتُ أَنا والتحَى حبيبي / حتّى برَغْمي سلَوْتُ عنْهُ
فابيضَّ ذاك السّوادُ منّي / واسودَّ ذاك البياضُ مِنْه
ما أَنسَ لا أَنسَ له مَوْقفاً
ما أَنسَ لا أَنسَ له مَوْقفاً / والعِيسُ قد ثَورهُنَّ الحُداهْ
لمّا تجلَّى وجهُه طالعاً / وقد تَرامَتْ نَظَراتُ الوُشاه
قابلَني حتّى بدَتْ أَدمُعي / في خَدِّه المصقولِ مِثْلَ المِراه
يُوهِمُ صَحْبي أَنّه مُسْعِدي / بأدْمُعٍ لم تُذْرِها مُقْلتاه
وإنّما قلَّدني مِنّةً / بدَمْعِ عَينٍ من جُفوني مَراه
ولم تقَعْ في خَدِّه قَطرةً / إلاّ خَيالاتُ دُموعِ البُكاه
وُقّيتَ ما فيكَ أَتَّقيهِ
وُقّيتَ ما فيكَ أَتَّقيهِ / ونِلْتَ ما النَّفْسُ تَرتَجيهِ
وأُعْمِيَتْ عنك عَيْنُ دَهرٍ / خُطوبُه تَنْتقي بَنيه
وزادكَ اللهُ كُلَّ فَضْلٍ / يَفُتُّ أَكبادَ حاسديه
ونِلْتَ من صَفْوِ كُلِّ عِزٍّ / ما مثْلُ عُلْياكَ يَقْتَضيه
ولا تَزلْ حيث كنتَ غَيْثاً / يَمْطُرُ بالسّعْدِ شائميه
يا راحلاً والفؤادُ منّي / يَظلُّ أَدْنَى مُسايريه
وَدِدْتُ لو كنتُ حيثُ قلبي / فكنتُ من بَعْضِ حَاضريه
وأين مِمّا أَوَدُّ دَهْري / وأَين ما الحُرُّ يَشْتَهيه
أَقْعدَني عن ذُراكَ حتّى / حُرِمْتُ ما عَمَّ زائريه
صَومٌ أتاني وفِيَّ ضَعْفٌ / من مَرَضٍ كنتُ أَشْتَكيه
والصّومُ يُرخي القَوِيَّ أَيضاً / فكيف حالُ الضَّعيفِ فيه
كان المُنَى إذ تَقَضَّى ما عَهِدْناهُ
كان المُنَى إذ تَقَضَّى ما عَهِدْناهُ / لو كنتَ تَذكُرُهُ أو كنتَ تَنْساهُ
فلو تَذكَّرتَه ناجَيْتَ صاحبَه / ولو تَناسَيْتَه ما ذُقتَ بَلْواهُ
وكيف يَنْسى هوَى الأحبابِ ذو كَلَفٍ / لم يَطْرِفِ العَيْنَ إلاّ هاجَ ذِكْراه
مُغرَى الجفونِ بطَيْفِ الغادرين به / فلو سلا قَلْبُه لم تَسْلُ عَيْناه
هو الخيالُ الّذي يَسْري لموعدِه / فيُقْمرُ اللّيلُ للسّاري بمَسْراه
في البِيِد بُعْدٌ وفي أحبابِنا بَخَلٌ / فمَن هَداهُ ومَن يا قومُ أهْداه
سَرَى إلى سرِّ ليلٍ في جَوانحه / إذا ابتغَتْهُ عُيونُ القوم أخْفاه
أمالَهُ النّوم في ثِنْيَيْ حمائلهِ / ووسَّدَتْه يداً إحْدى مَطاياه
من بَعْدِ كُلِّ يَمانٍ كان يَشْهَرهُ / بما يشاءُ مَن بعَيْنَيْه ويُمْناه
وقَلَّ في حَرْبِ مَنْ تَلْقاهُ فكْرتُه / فيما به من هوَى مَن ليس يَلْقاه
لو كان بالدَّهرِ ما بيَ منه أعجَزَني / حتّى تَسُدَّ به الأسماعَ شَكْواه
وإنّما من رزايا الدَّهرِ واحدةٌ / أنْ يأنفِ الحُرُّ من شَكْوى رزاياه
لعلّ أُخْرَى اللّيالي أن تُساعِفَنا / فليس كُلُّ صُبابِ النَّيْل أُولاه
إنَّ الزّمانَ على ما فيهِ من نُوَبٍ / تَمُرُّ مَرّاً على الإنسانِ حالاه
فكم يَخافُ الفتى مَن كان يَأْملُه / وكم يُرجّي الفتَى مَن كان يَخْشاه
ما فاتَني قَطُّ أَدْنَى الأمرِ أَقْصدُه / إلاّ وأَدركتُ بعدَ الصّبْرِ أَعْلاه
مَخائلُ المجدِ فيما سرْتُ أَطْلُبُه / بها سلا القلْبُ عمّا بِتُّ أَهْواه
وبالأميرِ ولَثْمي للعُلا يَدَهُ / عن الحبيبِ ولَثْمي للهوَى فاه
لم يُبْقِ في القلبِ تَقْبيلي أَناملَه / هَوًى لثَغْرٍ وإن طابَتْ ثَناياه
ذاك البَنانُ الّذي أدنَى مَواهِبه / يُطبِّقُ الدّينَ والدُّنيا بنُعْماه
لثَمْتُه ونظَمْتُ القولَ أَمدَحُه / ولم أَكنْ لأُجيدَ المَدْحَ لَولاه
وإنّما هو بحرٌ غاصَ فيه فَمي / فجاء بالدُّرِّ منه ثُمَّ أَهْداه
للهِ أَنت بهاءَ المُلْكِ مِن مَلكٍ / له من الفخرِ أَقْصاهُ وأَدْناه
لو لم يَرِثْ كُلَّ هذا المجدِ أَوَّلُه / كَفاه من ذاك ما نالَتْه كَفّاه
واليُمنُ أَجمَعُ موصولٌ بيُمْناهُ / واليُسرُ أَجمَعُ مأمولٌ بيُسْراه
والدّهرُ ثُلْمتُه في أَخْذِ مُدَّتِه / والمُلْكُ مَفْخرُه في خَطِّ طُغْراه
يأتي الكتابُ به والعِزُّ طَيَّبَه / حتّى كأنَّ الّذي أَملاهُ أَعْداه
إذا بدا من بَعيدٍ فالخُطا قُبَلٌ / إليه في الأرضِ والأقدامُ أَفواه
لابُدَّ مِن أَن تَخِرَّ الهامُ ساجدةً / إن لم تكُنْ مِن مُطيعيهِ فقَتْلاه
لمّا دُعيتَ بهاءَ المُلْكِ كنتَ له / فَخْراً على كُلِّ مَلْكٍ كان باهاه
ومُذْ دُعيتَ ظهيرَ الدّينِ صار حِمىً / إذا تَعرَّضَ للباغي تَحاشاه
ومُذْ دُعيتَ كمالَ الدّولةِ اعتدلَتْ / برَأْيكَ المُنْتَضَى في الخَطْبِ سَيْفاه
ومُذْ دُعيتَ جمالَ الملّةِ ابْتَهَجَتْ / بوَجْهِك المُدَّعي للبَدْرِ مَرْآه
أَلقابُ مَجدٍ كسَتْ عُلياكَ مَنْطقَها / صدْقاً فجاء كأَنَّ اللهَ أَوْحاه
وحُسْنُ لَفْظٍ على ما لا خفاءَ به / لكنَّ أَحسنَ منه حُسْنُ مَعْناه
لقد حلَلْتَ من السُّلطانِ مَنزلةً / تَناولتْ من رفيعِ المَجْدِ أَقْصاه
حمَيْتَ دولتَه فاعتزَّ جانبُها / وذُدْتَ عن مُلْكه فاشتدَّ رُكْناه
وبَركَيارُقُ فيك اليومَ مُلْتَمِسٌ / ما في أَبيكَ رأَى قِدْماً مَلِكْشاه
فدُمْتُما مثلما داما على نَسَقٍ / ولا تَزولا كما زالا بعُقْباه
ولا سعَى فيكما بالبَغْيِ ذو حَسدٍ / إلاّ وردَّ عليه اللهُ مَسْعاه
ولا عدا المَرْقَدَ المَغْبوطَ ساكنُه / مُضاعفٌ من صَلاةِ اللهِ يَغْشاه
وأَنت أحيَيْتَ من أَخلاقِ سُؤْدَدِه / وقد مضَى ما على التَّحقيقِ أَحْياه
لقد فقَدْناهُ مَعْدوماً مُقارِنُه / وجئْتَنا فكأنّا ما فَقدْناه
نازعْتَه الشَّبْهَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ / حتّى لَما زِدْتَنا لو كنتَ إيّاه
ولا يُعَدُّ نظامُ المُلكِ مُنْقَطِعاً / ما دام مثْلُك فينا من بَقاياه
خُلقْتَ بينَ بَنيهِ الغُرِّ واسطةً / من حَوْلها الدُّرُّ ملْءَ العِقْدِ يَزْهاه
كلٌّ نَفيسٌ فليس الفَرقُ بينكما / إلاّ بأنّك فَرْدٌ وهْيَ أَشْباه
ونَسألُ اللهَ جَمْعَ الشَّمْلِ بينكمُ / فذاك أَشْرَفُ شَمْلٍ يَجْمَعُ الله
فزاد نعمةَ مَوْلانا وضاعفَها / لدينِ كُلِّ فتىً منّا ودُنْياه
وَلْيَهْنِه العِيدُ أَعني الدّهْرَ أَجمعَهُ / وقد تَساوى به في الحُسْن وَقْتاه
ولم نَخُصَّ له يوماً بتَهْنئةٍ / أَيّامُه كلُّها مِمّا نُهنّاه
أَعيادُ عامكَ يا عبد الرّحيم أَتَتْ / بعِدَّةِ اسْمِك فيما قد حَسِبْناه
أَمّا وقد سَعدت عَيْني بطَلْعتهِ / وأدركَ القَلْبُ منها ما تَمنّاه
فلا طلبْتَ سواه بعدَ رُؤْيته / لا يَحْسُنُ العَبْدُ إلاّ عند مَوْلاه
تَنفّس الرّوضُ وهْو بُشراهُ
تَنفّس الرّوضُ وهْو بُشراهُ / وأقمرَ اللّيلُ وهْو مَسْراهُ
واجتمعَتْ في الظّلامِ فاتّحدَتْ / ثلاثةٌ لَيْلُه وصَدْغاه
كما التقتْ في الظّلام وافترقَتْ / ثلاثةٌ نَجمُه وقُرْطاه
وليس ذاك النِّظامُ مُنقطِعاً / وأنت للمُلْكِ من بقاياه
الدّهرُ لَغْوٌ والمجدُ أجمعُهُ / منك بدا لَفْظُه ومَعْناه
خُلقْتَ في العِقْدِ منه واسطةٍ / إخوتُك الأكرمون عِطْفاه
جواهرٌ بينهنّ جَوهرةٌ / تَزينُ سِلْكَ العُلا وتَزْهاه
كُلٌّ نفيسٌ وفرقُ بَينكُما / أنّك فَرْدٌ وتلك أشْباه
سِهامُ نَواظرٍ تُصْمي الرَّمايا
سِهامُ نَواظرٍ تُصْمي الرَّمايا / وهُنَّ منَ الجوانحِ في الحَنايا
ومن عجَبٍ سهامٌ لم تُفارِقْ / حَناياها وقد أصْمَتْ حشايا
نَهيْتُك أن تُناضِلَها فإنّي / رمَيْتُ فلم يُصِبْ سَهْمي سِوايا
جعَلْتُ طليعتي طَرْفي سَفاهاً / فَدُلَّ على مَقاتِليَ الخَفايا
وهل يُحمَى حَريمٌ من عَدُوٍّ / إذا ما الجيشُ خانَتْه الرَّبايا
ويومَ عَرضتُ جيشَ الصَّبْرِ حتّى / أَشُنَّ به على وَجْدي سَرايا
هزَزْنَ من القُدودِ لنا رِماحاً / فخَلَّينا القلوبَ لها دَرايا
وأَبكَى البَيْنُ شَتّى مِن عُيونٍ / وكان سِوَى مَدامِعيَ البَكايا
ولي نَفَسٌ إذا ما امتدَّ شَوقاً / أطار القلبُ من حُرْقٍ شَظايا
ودمعٌ يَنصرُ الواشِين ظُلْماً / ويُظهرُ من سَرائريَ الخبايا
ومُحتكِمٍ على العُشّاقِ جَوْراً / وأينَ منَ الدُّمَى عَدْلُ القَضايا
يُرِيكَ بوَجْنَتَيْهِ الوَرْدَ غَضّاً / ونَورَ الأُقْحُوانِ منَ الثّنايا
تأمَّلْ منه تحت الصُّدْغِ خالاً / لتَعلمَ كم خَبايا في الزَّوايا
ولا تَلُمِ المُتيَّمَ في هواهُ / فعَذْلُ العاشِقينَ من الخَطايا
خَطبْتُ نوالَه المَمنوعَ حتّى / أَثَرْتُ به على نَفْسي بَلايا
فأرَّقَ مقلتي وجْداً وشَوقاً / وعذَّب مهجتي هَجراً ونايا
وأَتعبَ سائري أن رقَّ قلبي / وفي ضَعْفِ الملوكِ أذَى الرّعايا
غَريمُ الدّهرِ ليس له وفاءٌ / فلا تَدْفعْ نُقودَك بالنَّسايا
تَغنَّمْ صُحبتي يا صاحِ إنّي / نَزعْتُ عنِ الصِّبا إلاّ بَقايا
وخالفْ مَن تَنسَّك مِن رجالٍ / لَقُوكَ بأكبُدِ الإبِلِ الأَبايا
ولا تسلُكْ سِوى طُرُقي فإنّي / أنا ابْنُ جَلا وطَلاّع الثّنايا
وقُمْ نأخُذْ من الَّلذّاتِ حَظّاً / فإنّا سوف تُدرِكُنا المنايا
وساعِدْ زُمرةً ركَضوا إليها / فآبُوا بالنِّهابِ وبالسَّبايا
وأَهْدِ إلى الوزيرِ المدْحَ يَجْعَلْ / لكَ المِرباعَ منها والصَّفايا
وقُلْ للرّاحِلينَ إلى ذُراهُ / ألستمْ خيرَ مَن رَكِبَ المَطايا
بيُمْنِ مُعينِ دينِ اللهِ أضحَتْ / ديارُ المُلْكِ عاليةَ البِنايا
هو الفلَكُ المُطِلُّ عُلاً ولكنْ / كواكبُه إذا طلَع السَّجايا
هو المَلِكُ الّذي يُضْحي ويُمْسي / زِنادُ المُلكِ مِن يَدِه وَرايا
أجلُّ الناسِ إن فخَروا نِصاباً / وأكرمُهمْ إذا اخْتُبِروا سجايا
أبَى إلاّ السُّموَّ إلى المعالي / وقد دنَتِ النُّفوسُ من الدَّنايا
وصَدِّقْ كُلَّ ظنٍّ فيه جُوداً / وقد طُوِيتْ على البُخْلِ الطَّوايا
فتىً لو جادَ بالدّنيا لفَرْدٍ / توَهَّم أنّها أدنَى العَطايا
ولو وهَب النُّجومَ لسائليهِ / رآها من مَواهبِه نفايا
وحُسنُ الذّكْرِ في الدُّنيا غِراسٌ / تَنالُ ثمارَها الأيدي السَّخايا
إليك أَثَرْتُ من بُعُدٍ خُطاها / فجاءتْ وهْي ضامرةٌ رَذايا
وهُنّ وقد أَتَتْكَ بنا خِفافاً / بأنْ يَرجِعْنَ مُثقلَةً حَرايا
قِسِيُّ سُرًى وأَرْكَبَها سِهامٌ / رَميْنَ بِهنَّ أغراضاً قَصايا
لِيَهْنِكَ ما تَجدَّد من جَلالٍ / بما أَولاك سُلطانُ البَرايا
فقد غَدَتِ المَمالكُ وهْي تُزْهَى / بعَدْلك من خَلائقِك الوَضايا
وعَسكرُ مُكرَمٍ عَرِيَتْ رُباها / لِما صنَعتْ بها العُصَبُ الغَوايا
ولم تَرَ في بلادِ اللهِ طُرّاً / كسُوق الجَسْرِ سُوقاً مُقلتايا
ولا كتدفُّقِ الدُّولابِ فيها / رأتْ عينايَ واغترَفَتْ يَدايا
فهاهيَ قد خلَتْ تلك المَغاني / بها وتَقوَّضتْ تلكَ البنايا
فَجرِّدْ للمَصالحِ منك عَزْماً / ألا يا أيمنَ الوزراءِ رايا
تَنالُ به لَواحِقَ حُسنِ صيتٍ / لَهُنَّ على سَوابقه مَزايا
يَعُدْ فَلكاً يدورُ وفيه شُهْبٌ / تَقاذَفُ من جوانبهِ القَضايا
وباكيةٍ تَحِنُّ لغَيْرِ وَجْدٍ / وتَندُبُ في الغُدُوِّ وفي العَشايا
وكان بكاؤها ضَحِكاً لقومٍ / فلمّا أَن رقَتْ بكَتِ البَرايا
وليس من البدائعِ حينَ تُمْحَى / بجُودِ يَديْكَ آثارُ الرّزايا
ولو أنّي مَلكتُ عنانَ أمري / وأجراني الزّمانُ على هَوايا
لسِرْتُ إذَنْ على بَصَري إليكمْ / وما ألِمَ المَسيرَ ولا تَعايا
أَطَلْتُ ببابِكَ العالي مُقامي / مُصاحِبَ هذهِ الشِّيَمِ الرَّضايا
ولكنْ لا أزالُ كأنّ دَهْري / يُبِرُّ من الإساءةِ بي ألايا
وما هذا الزّمانُ وأنت فيه / بأهْلٍ أن يؤاخَذَ بالجَنايا
وأَيّة بَلْدةٍ حَلّتْ رِكابي / تَلَوْتُ بها لشُكرِ نَداكَ آيا
وليس الشِّعْرُ لي شَرفاً ولكنْ / أُحبِّرُ للكرامِ به تَحايا
وأحوِي منه للكُبَراء ودّاً / تَقطَّعُ للحسودِ به الحَوايا
ولولا شكرُ مثْلِك بالقوافي / لَما عَلِقتْ أعِنّتَها يَدايا
فلا بَرِحَتْ بك الأيّامُ غُرّاً / ولا بلَغتْ لك الحُسّادُ غَايا
فدُمْ في أنعُمٍ للخَلْقِ تَبْقَى / على مَرِّ السِّنينَ بها فَتايا
وعيِّدْ في السّعادةِ ألفَ عامٍ / وعشْ ما شئتَ في نِعَمٍ سَنايا
وخُذْها فهْيَ والمهدونَ شَتّى / نَفيسةُ ما مَلكْتُ من الهدايا
إذا القاضي كمالُ المُلكِ يوماً / عليك جلا مَعانيَها الجَلايا
لِمَنْ صُغْتُ المديحَ ومَن رَواهُ / شَهْدتُ لقد تَعالَى مُرْتقايا
مُنظَّمةً من الدُّرِّ الغَوالي / مُحَبّرةً من الكَلِمِ العَلايا
رجَتْ منك القَبولَ لها فتاهَتْ / وما كُلُّ الملائحِ بالحَظايا
قل لزينِ الورى أبي الفضلِ عنا
قل لزينِ الورى أبي الفضلِ عنا / قولَ صدقٍ وللجميلِ وجوهُ
إن يكنْ قد تعذر اليومَ فينا / سببٌ يدُركُ الأماني بنوهُ
فارعَ فينا قرابةَ الفضلِ إنّا / نحنُ أبناؤه وأنت أبوهُ