تَرى حَيثُ أَعلامُ العُيونِ تَراها
تَرى حَيثُ أَعلامُ العُيونِ تَراها / فَخَلّوا لِأَعناقِ المَطِيِّ بُراها
وَلا تُعجِلُوها عَن إِناخَةِ ساعَةٍ / فَقَد شَفَّها تَهجِيرُها وَسُراها
وَيا حادِيَيها مِن زَوِيِّ بنِ مالِكٍ / ذَراها تَرِد ماءَ الوَقيبِ ذَراها
وَلا تَجذِباها بِالبُرى وَاِرخِيا لَها / فَجَذبُ البُرى وَالإِنجِذابُ بَراها
فَما خُلِقَت مِن طَبعِ حَيني خِفافُها / وَلا مِن ذُرى هُضبِ السَراةِ ذُراها
وَلا تُنكِرا إِرزامَها وَحَنِينَها / فَكُلُّ هَوىً تَحنُو عَلَيهِ وَراها
بِعَيني أَرى ماوَيكُما غافَةَ النَقا / نَقا العَينِ ذاتِ الرَملِ فَاِبتَدِراها
لَعَلَّ مَقِيلاً تَحتَها وَاِضطِجاعَةً / تَرُدُّ عَلى عَينِ المَشُوقِ كَراها
وَبِيتا وَظلّا بِالدِيارِ وَذَكِّرا / لَيالِيَنا بِالقَصرِ وَاِذَّكِراها
فَكَم لَيلَةٍ بِتنا بِها لَو يُباعُها / أَريبٌ بِشطرَي عُمرِهِ لَشَراها
يَلُومُ قَلُوصِي صاحِبايَ عَلى الوَنى / وَلَو عَرَفا ما فَوقَها عَذَراها
لَقَد حَمَلَت بَحراً وَبَدراً وَهَضبَةً / وَما كُلُّ ذا يَقوى عَلَيهِ قَراها
وَلا تَلحَياها إِنَّها خَيرُ عُدَّةٍ / لِنَفسٍ إِذا بَعضُ الهُمومِ عَراها
بِها يَتَلَهّى ذُو الشُجُونِ إِذا لَهَت / تِجارُ القُرى في بَيعِها وَشِراها
وَلا تَنظُراها وَاِنظُرَا طَودَ سُؤددٍ / عَلَيها وَبَعدَ العامِ فَاِنتَظِراها
سَتَأتي بِما يُشجي الحَسُودَ سَماعُهُ / وَيُنسي خصالاتِ الرِجالِ مِراها
فَإِن مَنَعَت سَعدانُ رَوضَ بِلادِها / وَقِيلَ اِكتَفى مِن عَذبِها بِصَراها
وَهَرَّت كِلابٌ دُونَها وَهَريرُها / أَثارَ عَلَيها بِالنِباحِ ضِراها
فَبِالبَصرَةِ الفَيحاءِ ماءٌ وَرَوضَةٌ / حَبيبٌ إِلَيها نَبتُها وَثَراها
وَلَيثٌ مِنَ العِيصِ بنِ إِسحاقَ عِيصُهُ / يَراها بِعَينِ الوُدِّ حينَ يَراها
يُسَرُّ بِمَلقى رَحلِها عِندَ بابِهِ / فَلَو شَرِبَت ذَوبَ اللُجَينِ قَراها
هُمامٌ تَرى في كُلِّ حَيٍّ لَهُ يَداً / بِبُؤسَى وَنُعمى بَيِّناً أَثَراها
جَوادٌ يَرى الدُنيا مَتاعاً وَبُلغَةً / فَأَهوَنُ شَيءٍ عِندَهُ حَجَراها
تُقِرُّ العِراقُ أَنَّهُ خَيرُ أَهلِها / وَبَحرُ عَطاياها وَلَيثُ شَراها
وَعِصمَةُ جانِيها وَمَأوى طَريدِها / وَمُطلِقُ أَسراها وَكَهفُ ذُراها
وَبَدرُ مَعاليها وَشَمسُ فَخارِها / وَمِصباحُ ناديها وَنَجمُ سُراها
وَمارِن عِرنينِ العُلا مِن مُلوكها / وَدُرَّةُ تاجِ العِزِّ مِن أُمَراها
إِذا خَدَمُ الأَموالِ باعَت حُظُوظَها / مِنَ الباقياتِ الصالِحاتِ شَراها
وَإِن هِبتَ مَسرى لَيلَةٍ في صَباحِها / طِعانٌ كَتغطاطِ المَزادِ سُراها
سَلوا عَن مَواضِيهِ مَنيعاً وَعَمَّهُ / فَقَد خَبَراها بَعدَما اِختَبَرَاها
أَلَم يُخلِ أَرضَ السَيبِ بِالسَيفِ مِنهُما / وَكانا بِغَيرِ الحَقِّ قَد عَمَراها
أَرادا يَكِيدانِ الخِلافَةَ ضلَّةً / فَيا لَكِ رُؤيا ضِدَّ ما عَبَراها
وَهَل ضَرَّ قَرنَ الشَمسِ عِندَ ذُرُورِها / عُواءُ كِلابٍ أَو نُباحُ جِراها
أَحَلَّهُما بِالسَيفِ في أَرضِ عامِرٍ / وَلَولا سِطامُ السَيفِ ما اِعتَمَراها
إِلى هَجَرٍ ساقا المَطايا بِهجرَةٍ / وَغَير اِختيارٍ مِنهُمُ اِهتَجَراها
وَأُقسِمُ لَولا حَملُهُ وَاِحتِقارُهُ / لِشَأنِهما جِدّاً لَما حَضَراها
وَمِن قَبلُ كَم أَولاهُما مِن صَنيعَةٍ / وَنُعمى تَفُوتُ الشُكرَ لَو شَكَراها
لَعَمري لَقَد نالَ المعادي إِذا اِعتَدَت / بِساعَةِ سُوءٍ أَخرَسَت شُعَراها
أَسالَ مَجاري سَيلِها مِن دِمائِها / وَأَوهى إِلى يَومِ المَعادِ عُراها
لَقَد جَرَّدَت مِنهُ الخِلافَةُ صارِماً / لَوَ اِنَّ الرَواسي أَرؤُسٌ لَفَراها
أَنام بَني الأَسفارِ أَمناً فَأَصبَحَت / سَواءً عَلَيها قَفرُها وَقُراها
تَسيرُ إِلى الأَهوازِ مِن أَرضِ بابِلٍ / وَلَيسَ سِوى أَسيافِهِ خُفَراها
تَبِيتُ عَلى ظَهرِ الطَريقِ عِيابُها / وَعَينُ اِبنِ غَبراءِ السُحُوقِ تَراها
وَيا طالما قَد نزّعَت مِن رِقابِها / مَدارِعُها شَدَّ الضُحى وَفِراها
لَعَمري لَقَد أَحيا لِأُمَّةِ أَحمَدٍ / مِنَ العَدلِ ما أَوصى بِهِ عُمَراها
فَلا عَدِمَتهُ ما أَنارَت نُجُومُها / وَما سارَ في أَبراجِها قَمَراها
وَلا بَرِحَت أَعداؤُهُ وَزَمانُها / بِعَينِ القِلى وَالإِمتِهانِ يَراها