المجموع : 5
يحبّ قلبي خباياه و يعبدها
يحبّ قلبي خباياه و يعبدها / إذا تبرّأ قلب من خباياه
طفولة الروح أغلى ما أدلّ به / و الحبّ أعنفه عندي وأوفاه
قلبي الذي لوّن الدنيا بجذوته / أحلى من النور نعماه وبؤساه
غرّ و أرفع ما فيه غرارته / و أنذل الحبّ جلّ الحبّ أدهاه
ما الحسن إلاّ لبينات منمّقة / لكن يؤلهه أناّ عشقناه
لم يرده ألف جرح من فواجعه / حتّى أصيب بسهم منك أرداه
آمنت باللّهب القدسيّ مضرمه / أذكى الألوهة فينا حين أذكاه
نزيّن الروح قربانا لفتنته / و قد يضنّ فتستجدى مناياه
و لو أقام الضحايا من مصارعها / لآثرت موتها فيه ضحاياه
ألعبقرّيات وهج من لوافحه / و الشمس مجلوّة إحدى هداياه
و تلئهين بهدي من عقولهم / لو يمّموا اللّهب القدسيّ ما تاهوا
ما راعنا الدهر بالبلوى و غمرتها / لكنّنا بالإباء المرّ رعناه
إن نحمل الحزن لا شكوى و لا ملل / غدر الأحبّة حزن ما احتملناه
و ما رعانا على عصف الخطوب بنا / هوى حبيب رعيناه و نرعاه
ليت الذين و هبناهم سرائرنا / في زحمة الخطب أغلوا ما وهبناه
و لا وفاء لقلب حين نؤثره / حتى تكون رزايانا رزاياه
أشامت عند جلاّنا و ما نزلت / إلاّ على الحبّ و الإيثار جلاّه
هان و محنتي العصماء دامية / راو و من لوعتي الشمّاء سقياه
ما ضجّ في قلبه جرح فكابده / و لا ألمّ به وجد فعاناه
تضنّ باللّهفة الحرّى جوانحه / و القلب أخضبه بالنور أسخاه
فما ترشّفت إيمانا بمعبده / و لا شممت طيوبا في مصلاّه
ناء عن النّار لو طاف اللّهيب به / لوهّجت هذه الدّنيا شظاياه
قد هان حتّى سمت عنه ضغينتنا / فما حقدنا عليه بل رحمناه
يرضيه أن يتشفّى من مدامعنا / لم نبك منه و لكنّا بكيناه
حسب الأحبّة ذلاّ عار غدرهم / و حسبنا عزّة أنّا غفرناه
يهنيك أنّك في نعمى لمحنته / و أنّ غدرك قبل الدهر أشقاه
جاه خلقناه من ألوان قدرتنا / فكيف بكفر فينا من خلقناه
لو رفّ حبك في بيداء لاهبة / على الظماء رحيقا ما وردناه
حلوت طيفك عن عيني فأسلمه / إلى الدجى و إلى الإعصار مأواه
فيا لكنز شكت منه جواهره / و ضاع عن نفسه لمّا أضعناه
صحا الفؤاد الذي قطّعته مزقا / حرّى الجراح و لملمنا بقاياه
حنا السراب على قلبي يخادعه
حنا السراب على قلبي يخادعه / بالوهم من نشوة السقيا و يغريه
فكيف رحت و لي علم ببطاله / أهوى السراب و أرجوه و أغليه
ويح السراب على الصحراء تسلمه / رمالها السمر من تيه إلى تيه
يزوّر الماء للسقيا و لهفته / حرّى إلى منهل يحنو فيسقيه
جلا النمير و ما ابتلّت جوانحه / من النمير و لا ابتّلت مآقيه
أيّامه خدع الركب ضاحكة / سخرا و للعدم القاسي لياليه
صرعاه لو عرفوا الأسرار ما جزعوا / ممّا يعانون بل ممّا يعانيه
ألا يملّ السراب الغمر وحدته / ألا يحنّ إلى نعمى تندّيه
هيمان لهفان لا مأوى لوحشته / قلبي الذي وسع الأكوان يؤويه
أبكي لبلواه تحنانا و مغفرة / روح الألوهة روحي حين أبكيه
إذا خدعت فقد جازيت خدعته / بالعذر أبسطه و الذنب أطويه
ادعو السراب إلى روحي فقد حليت / بها اللبانات ترضيه و تغويه
لهفي عليه أسيرا في يدي قدر / يميته كلّ يوم ثمّ يحييه
يغيض قبل رفيف الجفن زاخرة / أقلبه جفّ أم جفّت سواقيه
ماء و لا ريّ يندي في شمائله / كأنّه القول فاتته معانيه
يزوّق الحسن ألوانا و ما عصفت / بروحه سورة للحسن تصيبه
هذي مراعيه عطل من بشاشتها / حنّت لشبّابة الراعي مراعيه
لو صعّد القصب الولهان زفرته / لنوّرت بيده و اخضلّ واديه
ما للسّراب دنا حتّى إذا اكتحلت / بسحر دنياه عيني شطّ دانيه
أنت السراب و لكني على ظمأي / بأنهر الخمر في الفردوس أفديه
محوت من قلبي الدنيا فما سلمت / إلاّ طيوف هوانا وحدها فيه
أتسألين عن الخمسين ما فعلت
أتسألين عن الخمسين ما فعلت / يبلى الشباب و لا تبلى سجاياه
في القلب كنز شباب لا نفاد له / يعطي و يزداد ما ازدادت عطاياه
فما انطوى واحد من زهو صبوته / إلاّ تفجّر ألف في حناياه
هل في زواياه من راح الصبا عبق / كلّ الرحيق المندّى في زواياه
يبقى الشباب نديّا في شمائله / فلم يشب قلبه إن شاب فوداه
تزيّن الورد ألوانا ليفتننا / أيحلف الورد أنّا ما فتنّاه
صادي الجوانح في مطلول أيكته / فما ارتوى بالندى حتّى قطفناه
هذا السلاف أدام الله سكرته / من الشفاه البخيلات اعتصرناه
جلّ الذي خلق الدنيا و زيّنها / يالشعر أصفى المصفّى من مزاياه
نحن الذين اصطفانا من أحبّته / فلو تدار الطلى كنّا نداماه
و شرّف الشعر لما صاغه ترفا / فكنت نعمته النشوى و معناه
و راح ينشدنا عصماء شفّة / و مقلة و جننّا فاستعدناه
روحي فدى و ثن ما كان أفقرنا / إليه في عزّة النعمى و أغناه
إن كان يذكر أو ينسى فلا سلمت / عيني و لا كبدي إن كنت أنساه
يا من سقانا كؤوس الهجر مترعة / بكى بساط الهوى لما طويناه
تأنّق الدوح يرضر بلبلا غردا
تأنّق الدوح يرضر بلبلا غردا / من جنّة الله قلبانا جناحاه
يطير ما انسجما حتّى إذا اختلفا / هوى و لم تغن عن يسراه يمناه
ألخافقان معا فالنجم أيكهما / و سدرة المنتهى و الحبّ : أشباه
أسمى العبادة ربّ لي يعذّبني / بلا رجاء و أرضاه و أهواه
و أين من ذلّة الشكوى و نشوتها / عند المحبّين عزّ الملك و الجاه
تقسّم الناس دنياهم و فتنتها / و قد نفرّد من يهوى بدنياه
ما فارق الريّ قلبا أنت جذوته / و لا النعيم محبّا أنت بلواه
غمرت قلبي بأسرار معطّرة / و الحبّ أملكه للروح أخفاه
و ما امتحنت خفاياه لأجلوها / و لا تمنّيت أن تجلى خفاياه
الخافقان _ و فوق العقل سرّهما / كلاهما للغيوب : الحبّ و الله
كلاهما انسكبت فيه سرائرنا / و ما شهدناه لكنّا عبدناه
أرخصت للدمع جفني ثم باكره / في هدأة الفجر طيف منك أغلاه
و أسكرتني دموعي بعد زورته / أطيف ثغرك ساقاها حميّاه
طيف لشقراء كاس من متارفه / لو لم أصنه طغى وجدي فعرّاه
حمنا مع العطر ورّادا على شفة / فلم نغر منه لكنّا أغرناه
تهدّلت بالجنى المعسول و اكتنزت / و الثغر أملؤه للثغر أشهاه
نعبّ منه بلا رفق و يظمؤنا / فنحن أصدى إليه ما ارتشفناه
في مقلتيك سماوات يهدهدها / من أشقر النور أصفاه و أحلاه
و رنوة لك راح النجم يرشفها / حتّى ترنّح سكر في محيّاه
أطلّ خلف الجفون الوطف موطنه / بعد الفراق فحيّاه و فدّاه
يضيع عنّي وسيم من كواكبها / فحين أرنو إلى عينيك ألقاه
قلبي و للشقرة المغناج لهفته / ليت الحنين الذي أضناه أفناه
تضفّر الحور غارا من مواجعه / و تستعير روءاها من خطاياه
أغفين فيه لماما ثمّ عدن إلى / جنّاتهنّ و قد لملمن ريّاه
يسألن باللهفة الغيرى على خجل / : من فجّر العطر منه حين أدماه ؟
لم تعرف الحور أشهى من سلافتنا / رفّ الهجير ندى لما سقيناه
مدلّه فيك ما فجر و نجمته / ! مولّه فيك ما قيس و ليلاه !
من كان يسكب عينيه و نورهما / لتستحمّ روءاك الشقر لولاه
سما بحسنك عن شكواه تكرمة / و راح يسمو عن الدنيا بشكواه
يريد بدعا من الأحزان مؤتلقا / و من شقاء الهوى يختار أقساه
سكبت قلبك في وجدانه فرأت / يا عزّ ما شئت لا ما شاء عيناه
أنت السراب عذاب و قده و ردى / و تؤنس العين أفياء و أمواه
شجاها من عهودك ما شجاها
شجاها من عهودك ما شجاها / وجنّ الليل فأدركت أساها
هفت لشبابها و صبت إليه / ورقّ لها النصيح فما لحاها
و هيهات الشباب و أين منه / منى للنّفس تعثر في وجاها
كبا و ركائب الأعوام فيه / من العشرين لم تنقل خطاها
أيخذلني الشباب ضنى و سقما / أفول الشمس تغرب في ضحاها
و ما عذر الشباب كبرت فيه / و لي نفس فتيّات مناها
سقاها من سلافته كؤوسا / و حنّت للمزيد فما سقاها
يراخي بالعنان لها وريدا / فإن وثبت لغايتها ثناها
و تدعوها الفتون و هنّ سحر / فتطرق لا تلبّي من دعاها
تريد و لا يرد و كلّ نفس / يجاريها الشباب على هواها
يريها للمنى صورا ملاحا / فما همّت بها إلاّ أباها
فبا ظلّ الشباب أتتك غرثى / فكان أذى القطيعة من قراها
أطلّت هوانها فاذهب حبيبا / رعته على المغيب و ما رعاها
و ضمّ إليك عقدك و هو درّ / لأزين من سوارك معصماها
معذّبة إذا لمحت جمالا / هفت و جدا و عاودها ضناها
و تنشد حبّها الأسمى و تأوي / إذا عيي السهاد إلى كراها
فتلمح في الرؤى حسنا طريفا / و جلّ الحسن تخلقه روءاها
تبّنته فجاء يهزّ عطفا / ببردتها و يخطر في حلاها
و كدت و سحره سحر خفيّ / أرى فيه المحبّب من صباها
هداها الله من حيرى أضاعت / لبانتها و بارك من هداها
نسائل عن أخيها من تلاقي / و كلّ أخيّة وجدت أخاها
و أحسب أنّه أغفى كلالا / و مرّت في الظلام فما رآها
أأخت الدّوح حسبك لا تغنّي / فأخت السّرب قد فقدت طلاها
و يا نفسي عبدتك عن يقين / و حسبي قد عبدت بك الإلها
أحبّ الحسن في الحدق الرّواني / و في ثغر الفتاة و في لماها
و في عطف يثير هوى ملحّا / إذا رفّت عليه ذوءابتاها
و في نهدي منعّمة لعوب / و في ماء الخدود و في لظاها
و في ضحك الطفولة و هو سحر / و في مرح الصّغار و في دماها
أعانق قامة فيه و غصنا / و ألثم فيه سالفة وفاها
برئت إلى الحقيقة من غواة / تفرّ من الصباح إلى دجاها
تريد رضاك تقييدا و أسرا / و أين رضاك ربّي من رضاها
و أنكر قدرة الخلاّق روح / رأى صور الجمال و ما اشتهاها
لمن جليت بزينتها عروسا / و فيم أحبّها و لمن براها
عبدتك في الجمال و لا أبالي / ضلال النفس ذلك أم هداها
ففي نفسي جحيمك من سيصلى / بها لشقائه و من اصطلاها
و في نفسي السماء و فرقداها / و من سمك السماء و من رقاها
و هل من أنّة خفيت و دقّت / أسى إلاّ و في نفسي صداها
فيا لك من عمى و سلمت عينا / لو اختارت لما تركت عماها
و يا لك حيرة عرضت لموسى / فضلّ سبيل غايتها و تاها
أراد جلاءها نفر كريم / فجلّلها الغموض و ما جلاها
فتحت سريرتي صفحات نور / و قد خبر الصحيفة من تلاها
و زحزحت الحجاب عن الخفايا / و قلنا شقوة بلغت مداها