المجموع : 9
إنّ الكريم لكالربيع
إنّ الكريم لكالربيع / تحبّه للحسن فيه
و تهشّ عند لقائه / و يغيب عنك فتشتهيه
لا يرضي أبدا لصا / حبه الذي لا يرتضيه
و إذا اللّيالي ساعفتـ / ـه لا يدلّ و لا يتيه
و تراه يبسم هازئا / في غمرة الخطب الكريه
و إذا تحرّق حاسدوه / بكى ورقّ لحاسديه
كالورد ينفح بالشّذى / حتّى أنوف السارقيه
ربّ ليل نجومه ضاحكات
ربّ ليل نجومه ضاحكات / مثل أحلام غادة في صباها
لمست إصبع السكينه أشوا / في فهبّت مذعورة من كراها
كطيور في الأسر تبغي انعتاقا / قبل أن يفسد الإسار لغاها
أبق النوم فانطلقت إلى النّهر / بنفس كادت تسيل دماها
و معي صاحب رقيق الحواشي / تجد النّفس في رؤاه رؤاها
إن دجت ليلة أراك ضحاها / أو ذوت زهرة أراك شذاها
قال : ما أجمل الكواكب ! ما / أحلى سناها ! فقلت : ما أحلاها !
قال : لا شوق لا صبابة لولا / ها ! فتمتمت قائلا : لولاها !
قال : هل تشتهي الوصول إليها ؟ / قلت : إنّي لا أشتهي إلاّها !
كان طرفي يجول في العالم الأ / على وروحي تجول في مغناها
و جليسي يظنّ في الشهب قصدي / و أنا أحسب الجليس عناها
قال : و النهر كم طوى من صبابا / ت ! فأطرقت أستشفّ المياها
فإذا النهر فيه رعشة روحي / حين يدوّي فيها صدى ذكراها
قال : و اللّيل ... قلت : حسبك إعنا / ت لنفسي و حسب نفسي دجاها
فانقطعنا عن الكلام و بتنا / كلّ نفس لذاتها نجواها
خلت أنّي إذا بعدت سأنسا / ها و يطوي الزّمان سفر هواها
و توهّمت أنّني سوف ألقى / ألف ليلى و ألف هند سواها
فإذا الحبّ كالفضاء و قلبي / طائر في الفضاء ضلّ وتاها
قد نشقت الأزهار في كلّ أرض / يا شذاهنّ لست مثل شذاها !
كيف أنسى و أينما سرت في الد / نيا أراني أسير في دنياها
و إذا ما لمحت في الأرض حسنا / فكأنّي لمحتها إيّاها
و إذا داعب النسيم ردائي / قلت : قد علّمته هذا يداها !
هي أدنى من الأماني إلى قل / بي و قلبي يصيح : ما أقصاها !
لست أشكو النّوى ملالا و لكن / طرب الرّوح أن تذيع جواها
قال قوم : إنّ المحبّة إثم ! / ويح بعض النفوس ما أغباها
إنّ نفسا لم يشرق الحبّ فيها / هي نفس لم تدر ما معناها
خوّفوني جهنّما و لظاها / أيّ شيء جهنّم و لظاها ؟
ليس عند الإله نار لذي حبّ / و نار الإنسان لا أخشاها !
أنا بالحبّ قد وصلت إلى نفسي / و بالحبّ قد عرفت الله !
اسألوها أو فاسألوا مضناها
اسألوها أو فاسألوا مضناها / أيّ شيء قالت له عيناها ؟
فهو في نشوة و ما ذاق خمرا / نشوة الحبّ هذه إيّاها
ذاهل الطرف شارد الفكر / لا يلمح حسنا في الأرض إلاّ رآها
ألسواقي لكي تحدّث عنها / و الأقاحي لكي تذيع شذاها
و حفيف النسيم في مسمع / الأوراق نجوى تبثّها شفتاها
يحسب الفجر قبسه من سناها / و نجوم السماء بعض حلاها
و كذلك الهوى إذا حلّ في الأرواح / سارت في موكب من رؤاها
كان ينهى عن الهوى نفسه الظمأى / فأمسى يلوم من ينهاها
لمس الحبّ قلبه فهو نار / تتلظّى و يستلذّ لظاها !
كلّ نفس لم يشرق الحبّ فيها / هي نفس لم تدر ما معناها
عاد للأرض مع الصيف صباها
عاد للأرض مع الصيف صباها / فهي كالخود التي تمّت حلاها
صور من خضرة في نضرةٍ / ما رآها أحد إلاّ اشتهاها
ذهب الشمس على آفاقها / و سواد اللّيل مسك في ثراها
و نسيم في أشجارها / و شوشات يطرب النهر صداها
و السّواقي فتن راقصة / ضحكها شدو و تهليل بكاها
و الأقاحي صور خلّابة / و أغاني الطير شعر لا يضاهى
إنّها الجنة لامريء / هو فيها و قليلا ما يراها
أيّها المعرض عن أزهارها / لك لو تعلم يا هذا شذاها
أيّها النائم عن أنجمها / خلق الله لعينيك سناها
أيّها الكابح عن لذّاتها / نفسه هيهات لن تعطى سواها
لا تؤجّل لغد ليس غد / غير يوم كالّذي ضاع و تاها
و إذا لم تبصر النفس المنى / في الضحى كيف تراها في مساها
هذه الجنّة فاسرح في رباها / و اشهد السّحر زهورا و مياها
و استمع للشّعر من بلبلها / فهو الشعر الذي ليس يضاهى
ما أحيلى الصيف ما أكرمه / ملأ الدنيا رخاء ورفاها
عندما ردّ إلى الأرض الصّبا / ردّ أحلامي التي الدهر طواها
كنت أشكو مثلما تشكو الضّنى / فشفى آلام نفسي وشفاها
إثنان أعيا الدهر أن يبليهما
إثنان أعيا الدهر أن يبليهما / لبنان والأمل الذي لذويه
نشتاقه و الصيف فوق هضابه / و نحبّه و الثلج في واديه
و إذا تمدّ له ذكاء حبالها / بقلائد العقيان تستغويه
و إذا تنقّطه السماء عشيّة / بالأنجم الزهراء تسترضيه
و إذا الصّبايا في الحقول كزهرها / يضحكن ضحكا لا تكلّف فيه
هنّ اللّواتي قد خلقن لي الهوى / و سقيتني السحر الذي أسقيه
هذا الذي صان الشّباب من البلى / و أبى على الأيّام أن تطويه
و لربّما جبل أشبّهه به / مسترسلا مع روعة التشبيه
فأقول يحكيه و أعلم أنّه / مهما سما هيهات أن يحكيه
يا لذّة مكذوبة يلهو بها / قلبي و يعرف أنّها تؤذيه
إنّي أذكّره بذيّاك الحمى / و جماله و إخالني أنسيه
و إذا الحقائق أحرجت صدر الفتى / ألقى مقالده إلى التمويه
وطني ستبقى الأرض عندي كلّها / حتّى أعوذ إليه أرض التيه
سألوه الجمال فقال : هذا هيكلي / و الشعر قال : بنيت عرشي فيه
الأرض تستجدّي الخضمّ مياهه / و كنوزه و البحر يستجديه
يمسي و يصبح و هو منطرح على / أقدامه طمعا بما يحويه
أعطاه بعض وقاره حتّى إذا / استجداه ثانية سخا ببنيه
لبنان صن كنز العزائم واقتصد / أخشى مع الإسراف أن تفنيه
غيري يراه سياسة وطوائفا / و يظلّ يزعم أنّه رائيه
و يروح من إشفاقه يبكي له / لبنان أنت أحقّ أن تبكيه
لا يسفر الحسن النزيه لناظر / ما دام منه الطّرف غير نزيه
قل للألى رفعوا التخوم / ضيّقتم الدّنيا على أهليه
و لمن يقولون الفرنج حماته / الله قبل سيوفهم حاميه
يا صاحبي يهنيك أنّك في غد / ستعانق الأحباب في ناديه
و تلذّ بالأرواح تعبق بالشّذى / و تهزّك الأنغام من شاديه
إن حدّثوك عن النعيم فأطنبوا / فاشتقته لا تنس أنّك فيه !
مرّت ليال و قلبي حائر قلق
مرّت ليال و قلبي حائر قلق / كالفلك في النهر هاج النوء مجراه
أو كالمسافر في قفر على ظمإ / أضنى المسير مطاياه و أضناه
لاأدرك الأمر أهواه و أطلبه / و أبلغ الأمر نفسي ليس تهواه
عجبت من قائل إنّي نسيتكم / من كان في القلب كيف القلب ينساه ؟
إن كنت بالأمس لم أهبط مربعكم / فالطير يقعد موثوقا جناه
فلا يقرّبه شوق إلى نهر / و ليس تنقله في الرّوض عيناه
و ليس يشكو و لا يبكي مخافة أن / تؤذي مسامع من يهوى شكاواه
إنّي لأعجب منّا كيف تخدعنا / عن الحقائق أمثال و أشباه
إذا بنى رجل قصرا وزخرفه / سقنا إليه التهاني و امتدحناه
و ما بنى قصره إلاّ ليحجب عن / أبصارنا في زواياه خطاياه
و نمدح المرء من خزّ ملابسه / و ذلك الخزّ لم تنسجه كفّاه
و إن أتانا أخو مال يكاثرنا / بالتّبر تيها رجوناه و خفناه
و قد يكون نضار في خزائنه / دما سفكناه أو جهدا بذلناه
لا تحسب المجد ما عيناك أبصرتا / أو ما ملكت هو السلطان و الجاه
ألمال مولاك ما أمسكته طمعا / فانفقه في الخير تصبح أنت مولاه
ما دام قلبك فيه رحمة لأخ / عان فأنت امرؤ في قلبك الله
ثكل الشّرق فتاه
ثكل الشّرق فتاه / ليتني كنت فداه
ليتني كنت أصمّا / عندما النّاعي نعاه
قد نعى النّاعون / زيدانا إلى البدر سناه
و إلى التاريخ و العلم / أباه و أخاه
سرى نعيه في الدمع في كلّ محجر / كأنّ قلوب الناس خلف المحاجر
و للطير في اجنان إرنان ثاكل / و للماء أنّاتُ الغريب المسافر
و للنجم و هو النجم مشية ظالع / و للأرض و هي الأرض وقفة حائر
و ما كاهن فيه الأسى غير كامن / و لا ظاهر فيه الأسى غير ظاهر
و هي " البرق " ممّا حملوه فلم يطق / يحدّثنا عنه بغير الأشائر
فيا خبرا ألقى الفجيعة بيننا / لأنت علينا اليوم أشأم طائر
و يا ناقل الأنباء يجهل كنهها / كرهناك حتّى قادما بالبشائر
أقام الأسى بين العزاء و مهجتي / و باعد ما بين القريض و خاطري
فأمسيت لا أدري أستر من الدّجى / على الشّمس أم ضيّعت أسود ناظري
و بات فؤادي يتّقي نزواته / كما يتّقي العصفور بأس الكواسر
كأنّ بقلبي شاعرا ينظّم الأسى / كأنّي مدمعي كلّ ناثر
ألا ليت شعري بعدما طار نعيه / أفي أرض مصر نائم غير ساهر
و هل في سماء النّيل غير دياجر / و هل في مياه النيل غير مجامر
و هل في ضفاف النيل بين نخليه / مغرّدة أو آنس غير نافر
بم سمر الإخوان في كلّ ليلة / و صاحبهم في اللّحد غير مسامر
لبّيكعليه المسلمون فإنّهم / أضاعوا به محبّي العصور الدّوائر
و تبك النّصارى فخرها و عميدها / فما بعده من حجّة لمفاخر
فما جادت الدنيا عليهم بمثله / و غير يسير أن تجود بآخر
أيا جبل العلم الذي ماد هاويا / عزيز علينا أن ترى في الحفائر
عليك يودّ الغرب لو كان مشرقا / و فيك يحبّ الحيّ أهل المقابر
و يغبط تبر الأرض فيك ترابها / و يحسد ماء الجفن ماء المحابر
و ما عادة خفض الرّجال رؤوسها / و لكنّما في الأرض كنز الجواهر
لتفخر على الشّهب و الحصى / ففيها هلال العلم شمس المحاضر
شأوت الأوالي جامعا و مؤلّفا / وزدت بأن أحرزت فضل الأواخر
تخيّر أحداث اللّيالي كبارنا / كأنّ المنايا صبّة بالأكابر
و نضحك للآمال ضحكة وامق / فيضحك منّا الدّهر ضحكة ساخر
رضينا بأن الغزاة بلادنا / و نمنا و ما نامت عيون المعاشر
لها كلّ يوم حكم جائر / وإقدام موتور و فتكة ثائر
على أنّها من غير مذنب / و تأخذ بالأوتار من غير واتر
فيا ويح هذا الشوق كيف اغتباطه / و أمضى مواضيه مليل الأظافر ؟
جلل في مصر لكن / في العراقين صداه
ماد لبنان و ماد / الشّام لمّا سمعاه
كاد أن يخذل فيه / كلّ طود منكباه
أيّها الرّاحل عنّا / بلّغ الحزن مداه
قد بكاك الأفق حتّى / فرقداه و سهاه
يا خليليّ أعينا / من عصاه مسعداه
خانت النّفس قواها / خانت البين قواه
قد مضى من تتمنّى / كلّ عين أن تراه
فتمنّى كلّ قبر / حين أودى لو حواه
مات زيدان / أبو التاريخ فليحي فتاه
الحشد ملء الدّار لكن
الحشد ملء الدّار لكن / ما رأى أحدا سواها
فتّانة خلّابة / كالياسمينة في شذاها
أوفى عليها و هي تخطر / كالفراشة فاشتهاها
شكت الصّبابة مقلتا / ه فجاوبته مقلتاها
حتّى إذا ما اختار كلُّ / فتى رفيقته اصطفاها
و رأت به من تبتغي / و كما رأته كذا رآها
و تقدّما للرّقص يقرأ / ناظريه ناظراها
متلاصقي الجسمين / يسند ساعديه ساعداها
و تكاد لولا الخوف تلمس / وجنتيه و جنتاها
متدافعين كموجتين / خطاه تتبعها خطاها
يمشي فتمشي و هي / تحسبه يسير على حشاها
هي في لثام كالدّجى / محلولك و كذا فتاها
لكنّما الألحاظ تخترق / السّتور و ما وراها
فاض الغرام فقال آه / و قالت الحسناء آها
فانسل من أصحابه / سرّا و أغضت جارتاها
و مشى بها في روضة / قد نام عنها حارساها
حتّى إذا أمنا الورى / و شكا الهوى و شكت هواها
طارت ببرقعها و بر / قعه على عجل يداها
كيما تقبّل ثغره / و يقبّل المعشوق فاها
فرأى المتيّم بنته / ورأت مليحتنا أباها
هذه " ملفرد " قد لاحت رباها
هذه " ملفرد " قد لاحت رباها / فانس يا قلب اللّيالي و أذاها
واشهد الفنّ سفوحا و ذرى / و الهوى الصافي أريجا و مياها
ههنا أودعت أحلام الصبا / أفما تلمح نورا في ثراها ؟
أتلقى الوحي عن بلبلها / و هو و لهان يغني لرباها
و تحسّ الوحي روحي هابطا / من سماها في ضحاها و مساها
ذهبت عشرون في فرقتها / ليتها فيها انقضت لا في سواها
كم جلسنا تحت صفصافتها / أشتكي وجدي و تشكو لي هواها
و السّواقي استترت إلاّ غناها / و الرّوابي هجعت إلاّ شذاها
و الصدى في الغاب لم ننبس معا / نسبة إلاّ وعاها و حكاها
نتناجى ويدي في يدها / فإذا لاح خيال نتلاهى
أنا دنيا من شباب و هوى / و هي كالروضة قد تمت حلاها
أحسن الأيّام في العصر انقضت / آه لو ينشرها من قد طواها
صرت في نيويورك طيفا شاردا / مع طيوف حائرات في سراها
طرحت عنها رؤاها و مضت / ننشد المجد الذي فيه شقاها
كنعاج عميت أبصارها / ووهت في طلب العشب قواها
كلّما جدّت لكي تدركه / وجدته صار في الأرض وراها !
أين في نفسي رؤى تسعدها ؟ / سرقت نيويورك من نفسي رؤاها
في يدي أمري و لا أملكه / و معي ذاتي و أخشى أن أراها !
هذه " أمّ القرى " قف في حماها / تسترح نفسي من بعض جواها
ههنا الإنسان يلقى ذاته / ههنا لا يحجب المال الإلها
لا تقل لي جئتها عارية / فقرها عندي جميل كغناها
لم يزل للصيف فيها عبق / و سماء الصيف ما زالت سماها
لا يزال الحبّ في شلالها / و بواديها حديثا وانتباها
لم يجردها الشتا من وشيها / بل كساها روعة فوق بهاها
فهي في ديباجة من صبغه / ما رآها أحد إلاّ اشتهاها