المجموع : 4
بما أودَعتُه فيها
بما أودَعتُه فيها / إلى ليلايَ أهديها
إلى تلكَ التي في أضلُ / عي قلبي يُناجيها
وترشفُ روحي العطشى / رواها من مآقيها
وفي مهدِ الهوى العذري / ما فَتِئَت تُناغيها
وأحلامي إذا ما عَربَدَت / كأسي تُغَنّيها
فهذا الشعر ألهَمَنيهُ / حاضِرُها وماضيها
ولهان ذو خافق رقّت حواشيه
ولهان ذو خافق رقّت حواشيه / يصبو فتنشره الذكرى وتطويه
كأنّه وهو فوق الغصن مضطرب / قلب المشوق وقد جدّ الهوى فيه
رأى الربيع وقد أودى الخريف به / بين الطيور كميت بين أهليه
فراح يرسلها أنّات محتضر / إلى السماء ويشكو ما يعانيه
لا الروض زاه ولا الاكمام باسمة / ولا عرائسه سكرى فتلهيه
يجيل ناظره فيه ويطرق في / صمت فيجيه مرآه ويبكيه
ماذا رأى غير أعوادٍ مبعثرة / على هشيم به وأرى أمانيه
فللخريف صراخ فيه يذعره / والريح تزفر في شتى نواحيه
حيران ما انفك مذهولا كمتهم / لم يجن ذنبا ولم ينجح محاميه
تطل من كوّة الماضي عليه وقد / أشجاه حاضره أطياف ماضيه
يرنو إليها كما يرنو المريض وما / أبلّ بعد إلى عيني مداويه
فيستمرّ نواحاً كالفطيم رأى / نديا فصاح وأين الثدي من فيه
وإن غفا راحت الأحلام عابثة / به فتدنيه أحيانا وتقصيه
وكم تراءت له من خلفها صور / يختال فيها الربيع البكر في تبه
فيستفيق فلا الأغصان مورقة / كلا ولا السامر الشادي يناجيه
فيسكب اللحن أنّاتٍ بغصّ بها / ويح الشتاء فما أقسى لياليه
ولّى الشتاء فوافى الدوح بلبله / وجاء آذار بالبثرى يهنيه
وأقبلت سحرا نشوى نسائمه / تهفو وتلثمه شوقا فتشفيه
واستقبل الروض بالأطياب شاعره / وهبّت الطير أسراباً تحبيه
فأين داوود من أثغام مطربه / وأين معبد من ألحان شاديه
جذلان يظفر من غصن إلى غصن / وبسمة الصبح بالإنشاد تغريه
فيورد الشعر آيات يرتلها / من وحي نيسان والأوتار ترويه
الروح تهفو لموسيقاه في مرح / والقلب يرشف أحلاما معانيه
تكاد تسمع فيه حين يرسله / دقات خافقه والوجد يكويه
وتلمح الفنّ في دنيا ترنمه / وتشرب السحر خمرا في تغنيّه
سكران يرقص فوق الدوح مبتهجا / والورق راد الضحى ولهى تصابيه
الفجر خماره يبدو فيصبحه / والروض معشوقه والأيك ناديه
رفّت على الورد والريحان شادية / أحلامه وبها خفّت أغانيه
حنا الربيع عليه وهو في جذل / كالطفل حين يناغيه مربيه
ذر الطبيعة يا هذا تدلله / ذره بأحضانها يشدو وتسقيه
ذرة وأفراخه في العش مغتبطا / بقربها ناعما دعها تناغيه
غادة حطّم الفؤاد بكاها
غادة حطّم الفؤاد بكاها / ليت شعري ما بالها ما دهاها
قد حباها اللَه الجمال ولكن / لم يصنه يا ليته ما حباها
وقفت حول ذلك الشاطيء / الرملي ليلا تبثّه شكواها
واستحال الإعوال فيها أنينا / حين جفّت من فرطه مقلتاها
تلطم الصدر تارة وتشق / الجيب أخرى حتى إذا أعياها
سامرت أنجم السماء وناجت / بسكون الدجى الهلال أخاها
ملأ اليأس قلبها يا لحزني / والآسى شفّ روحها وبراها
وتنادي والناس لاهون عنها / يا إلهي هلا أجبت نداها
لا قريب حنا عليها ولا / خل شفيق بحزنها واساها
فتح الليل صدره لثريا / وبكى الموج رحمة لصباها
أدهاها من الهوى ما دهاني / فقلاها حبيبها واجتواها
أم رماها كما رماني زماني / بعواديه ليته ما رماها
فحداني إلى الفتاة شعور / لاقت الروح منه ما أضناها
فحثثت الخطى إليها بجنح / الليل والناس نوّم لأراها
فإذا بي أمام عذراء تحكي / الورس من فرط حزنها وجنتاها
فدعتني إلى الدنوّ إليها / بعد لأي واغرورقت عيناها
حيث شاهدت هيكلا من عظام / حطّمته الأقدار ما أقساها
نظرة قطّعت نياط فؤادي / إن تسلني يا صاح عن عقباها
جرّعتها الأيّام صابا مريرا / وسقتني فكيف لا أرعاها
ونسى قلبي الحزين أساه / بعد ما شاطر الفتاة أساها
كفكفت دمعها وكفكفت دمعي / وسألت العذراء عما دهاها
فشكت ظلم أمها وأبيها / قاتل اللَه أمها وأباها
حمّلاها ويلاه عبئا ثقيلا / رزحت تحته فلم حمّلاها
أرغماها على الزواج بشيخ / ذي ثراء من أجل ذا أرغماها
حدّدا موعد الزفاف فجاءت / تندب الحظ حين خاب رجاها
وجه ذاك الشيخ المجعد ألقى / الرعب في قلبها وأطفا سناها
أمن العدل أن تزفّ ثريّا / لعجوز فأين أين فتاها
فمن الظلم أن تشاطره العي / ش وقد كان مصدرا لشقاها
ومن الظلم أن تساق إلى من / صوته لا تطيقه أذناها
ومن الغبن أن تلامس خدّاً / ذا غضون كخده خدّاها
ومن الغبن أن يداعب في كفّ / نحيل ككفّه نهداها
ومن الغبن أن تقبل ثغرا / خاويا مثل ثغره شفتاها
ومن الغبن أن ترفّ على فودي / عجوز كحامد خصلتاها
ومن الغبن أن يطوّق جيدا / معرقا مثل جيده ساعداها
هل رأيتم ورقاء هامت بنسر / وسمعتم بوكره نجواها
أو رأيتم غزالة عشقت يا / قوم ذئبا وطوّقته يداها
هيّا الشيخ يا إلهي نعشا / من حنايا ضلوعه لصباها
ثم راح العجوز ينسج أكفان / ثريا من لحية أرخاها
ومن أحضانه أعدّ لها قب / راً وهذا ما اختاره أبواها
ربّ رحماك بالفتاة ورفقا / فكفاها ما حمّلاها كفاها
أنهك الذلّ جسمها وهي في مق / تبل العمر لم تحقّق مناها
خسرت خالدا رفيق صباها / وعلى نبذ خالد أكرهاها
عاهدته على الزواج فلم تهو / سواه وما أحبّ سواها
هي لولاه لم يلذّ بها العيش وما / عاش خالد لولاها
خالد ذلك الفتى الطيب القل / ب النبيل الشعور لا ينساها
كيف ينسى تلك الفتاة التي كم / أعربت عن إخلاصها ووفاها
كيف ينسى تلك الفتاة التي لم / ير في هذه الدنيا إلّاها
كيف ينسى تلك التي ودّعته / ببكاها وأودعته حشاها
كيف ينسى تلك التي يذرف الدم / ع إذا ما مرّت به ذكراها
كيف ينسى تلك التي كم وكم ضاهى / بإخلاصها العظيم وباهى
كيف ينسى تلك التي تترامى / بين أحضانه وتشكو هواها
كيف ينسى تلك التي كم وكم بل / كم وروّى غليله من لماها
هيَ بالأمس غادةٌ ذات دلّ / يملأ النفس غبطة مرآها
هي بالأمس وردةٌ تنعش الأرواح / بل يسكر القلوب شذاها
هي بالأمس دمية تبعث الإيمان / بالقلب جلّ من سوّاها
وهي اليوم هيكل من عظام / قاتل اللَه أمّها وآباها
طلع الفجر وافترقنا ولم أد / ر أتسطيع حملها قدماها
أرغمتني على التخلف عنها / إي وربّي وخلّفتني وراها
بأبي غادة تسير الهوينا / حول ذاك الشاطي تجرّ رداها
وبأمّي عذراء حطّمت الأوصاب / في ميعة الشباب قواها
وبروحي هيفاء تهتزّ لا تيها / ولكن من فرط ما قد عراها
تتخطّى الصخور حتى إذا ما / خار عزم الفتاة ألقت عصاها
وقفت حول ذلك الصخر كالتمثال / فاهتزّ هزّة من بكاها
ظمئت روحها ولم تر كأسا / غير كاس الردى تبلّ صداها
سكنت روحها إلى خاطر مرّ / بها رغم أنّه أدماها
ثمّ صاحت لبّيك والبحر ساجٍ / ليت شعري من الذي ناداها
أدعاها الردى فلبّت نداه / أم دعته يا ليته ما دعاها
رفعت وجهها ونادت إلهي / قد دعتك العذراء فاقبل دعاها
رأت العيش في جوارك أمنا / فاجعل الخلد يا إلهي قراها
حست الكاس وهي صاب مرير / لا تلمها فكم محبّ حساها
إيه يا مذبح الهوى ها هي الرو / ح فخذها من بائس أهداها
ووداعا يا سؤل قلبي وداعا / من فتاة لم ترو منك ظماها
من فتاة فدتك بالروح فاحفظ / عهدها وانتظر فسوف تراها
أرسلت نظرة إلى البحر لم يعرف / سوى البحر ويحه مغزاها
أعقبتها بصرخة ردّد الأفق / وقد خيّم السكون صداها
نكثَت شعرها فراح نسيم / الفجر يلهو به ويلثم فاها
حملته إلى رفيق صباها / قبلاً لو سمعت موسيقاها
حجبت وجهها بكلتا يديها / لا عن الموت حينما وافاها
بل عن الشمس أختها إذ أطلّت / لو رأت وجهها هوت من سماها
فتح البحر والشوطيء باك / لثريّا أحضانه فاحتواها
يا ثريا قضوا عليك فواها / يا ثريا على شبابك واها
أعف يا ربّ عن ثريّا فهذا / ما جنوه لا ما جنته يداها
قتلوها أب وأمّ وزوج / آه لو مات هؤلاء فداها
ربّ رحماك بالحبيب إذا ما / عاد والشوق شفّه للقاها
كم فتاة ربّ اسعدها / الحسن وهذي جمالها أشقاها
طاف السقاة بها ما كان أشهاها
طاف السقاة بها ما كان أشهاها / فيا ندامى أراح أم حمياها
فقد تضوّع في الكاسات ريّاها / سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها
واستخبروا الراح هل مسّت ثناياها /
هيهات أنسى وما ليلى بناسيةٍ / سويعة جمعتنا فوق رابية
حتى إذا سمعت ترجيع شادية / باتت على الروض تسقيني بصافية
لا للسلاف ولا للورد رياها /
وكاشفتني ولم تملك عواطفها / بحبها فنفت نفسي مخاوفها
والكأس من غلة لم تغن راشفها / ما ضرّ لو جعلت كأسي مراشفها
ولو سقَتني بصاف من حميّاها /
فيا للوعة قلبي من تبرّمها / ويا لحرقة روحي من تجنّبها
فهل لها مأرب من لي بمأربها / هيفاء كالبان يلتفّ النسيم بها
ويلفت الطير تحت الوشي عطفاها /
تغزو القلوب ولا خوف ولا ندم / وكم هناك جرى دمع وسال دم
حوراء عذراء ما زلّت بها قدم / حديثها السحر إلا أنّه نغم
جرت على فم داود فغنّاها /
وذات طوق شكت والقلب طارحها / وقطّعت كبدي اللَه سامحها
يا ليل قل لي فصعب أن أفاتحها / حمامة الأيك من بالشجو طارحها
ومن وراء الدجى بالشوق ناجاها /
بكت لها اللَه واستبكت وما كتمت / ووقدةُ الوجد في أعماقها اضطرمت
واستعرضت صور الماضي ومذ وجمت / مدّت إلى الليل جيدا نافرا ورمت
إليه أذنا فحارت فيه عيناها /
يا ليل رفقا بها رفقا فما نكثت / عهدا لأحبابها كلا ولا حنثت
فكم بجنحك عن أحلامها بحثت / وعادها الشوق للأحباب فانبعثت
تبكي وتهتف أحيانا بشكواها /
يا ساقي الراح أحشائي قد التهبت / يا ضارب العود أفكاري قد اضطربت
إني لفي مأتم والساعة اقتربت / يا زهرة الأيك أيّام الهوى ذهبت
كالحلم واها لأيّام الهوى واها /