القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد شَوقي الكل
المجموع : 24
بُشرى البَرِيَّةِ قاصيها وَدانيها
بُشرى البَرِيَّةِ قاصيها وَدانيها / حاطَ الخِلافَةَ بِالدُستورِ حاميها
لَمّا رَآها بِلا رُكنٍ تَدارَكَها / بَعدَ الخَليفَةِ بِالشورى وَناديها
وَبِالأَبِيّينَ مِن قَومٍ أَماتَهُمُ / بُعدُ الدِيارِ وَأَحياهُم تَدانيها
حَنّوا إِلَيها كَما حَنَّت لَهُم زَمَناً / وَأَوشَكَ البَينُ يُبليهُم وَيُبليها
مُشَتَّتينَ عَلى الغَبراءِ تَحسَبُهُم / رَحّالَةَ البَدوِ هاموا في فَيافيها
لا يَقرُبُ اليَأسُ في البَأساءِ أَنفُسَهُم / وَالنَفسُ إِن قَنَطَت فَاليَأسُ مُرديها
أَسدى إِلَينا أَميرَ المُؤمِنينَ يَداً / جَلَّت كَما جَلَّ في الأَملاكِ مُسديها
بَيضاءَ ما شابَها لِلأَبرِياءِ دَمٌ / وَلا تَكَدَّرَ بِالآثامِ صافيها
وَلَيسَ مُستَعظَماً فَضلٌ وَلا كَرَمٌ / مِن صاحِبِ السِكَّةِ الكُبرى وَمُنشيها
إِنَّ النَدى وَالرِضى فيهِ وَأُسرَتِهِ / وَاللَهُ لِلخَيرِ هاديهِ وَهاديها
قَومٌ عَلى الحُبِّ وَالإِخلاصِ قَد مَلَكوا / وَحَسبُ نَفسِكَ إِخلاصٌ يُزَكّيها
إِذا الخَلائِفُ مِن بَيتِ الهُدى حُمِدَت / أَعلى الخَواقينَ مِن عُثمانَ ماضيها
خِلافَةُ اللَهِ في أَحضانِ دَولَتِهِم / شابَ الزَمانُ وَما شابَت نَواصيها
دُروعُها تَحتَمي في النائِباتِ بِهِم / مِن رُمحِ طاعِنِها أَو سَهمِ راميها
الرَأيُ رَأيُ أَميرِ المُؤمِنينَ إِذا / حارَت رِجالٌ وَضَلَّت في مَرائيها
وَإِنَّما هِيَ شورى اللَهِ جاءَ بِها / كِتابُهُ الحَقُّ يُعليها وَيُغليها
حَقَنتَ عِندَ مُناداةِ الجُيوشِ بِها / دَمَ البَرِيَّةِ إِرضاءً لِباريها
وَلَو مُنِعَت أُريقَت لِلعِبادِ دِماً / وَطاحَ مِن مُهَجِ الأَجنادِ غاليها
وَمَن يَسُس دَولَةً قَد سُستَها زَمَناً / تَهُن عَلَيهِ مِنَ الدُنيا عَواديها
أَتى ثَلاثونَ حَولاً لَم تَذُق سِنَةً / وَلا اِستَخَفَّكَ لِلَذّاتِ داعيها
مُسَهَّدَ الجَفنِ مَكدودَ الفُؤادِ بِما / يُضني القُلوبَ شَجِيَّ النَفسِ عانيها
تَكادُ مِن صُحبَةِ الدُنيا وَخِبرَتِها / تُسيءُ ظَنَّكَ بِالدُنيا وَما فيها
أَما تَرى المُلكَ في عُرسٍ وَفي فَرَحٍ / بِدَولَةِ الرَأيِ وَالشورى وَأَهليها
لَمّا اِستَعَدَّ لَها الأَقوامُ جِئتَ بِها / كَالماءِ عِندَ غَليلِ النَفسِ صاديها
فَضلٌ لِذاتِكَ في أَعناقِنا وَيَدٌ / عِندَ الرَعِيَّةِ مِن أَسنى أَياديها
خِلافَةُ اللَهِ جَرَّ الذَيلَ حاضِرُها / بِما مَنَحتَ وَهَزَّ العِطفَ باديها
طارَت قَناها سُروراً عَن مَراكِزِها / وَأَلقَتِ الغِمدَ إِعجاباً مَواضيها
هَبَّ النَسيمُ عَلى مَقدونيا بَرداً / مِن بَعدِ ما عَصَفَت جَمراً سَوافيها
تَغلي بِساكِنِها ضِغناً وَنائِرَةً / عَلى الصُدورِ إِذا ثارَت دَواعيها
عاثَت عَصائِبُ فيها كَالذِئابِ عَدَت / عَلى الأَقاطيعِ لَمّا نامَ راعيها
خَلا لَها مِن رُسومِ الحُكمِ دارِسُها / وَغَرَّها مِن طُلولِ المُلكِ باليها
فَسامَرَ الشَرَّ في الأَجبالِ رائِحُها / وَصَبَّحَ السَهلَ بِالعِدوانِ غاديها
مَظلومَةٌ في جِوارِ الخَوفِ ظالِمَةٌ / وَالنَفسُ مُؤذِيَةٌ مَن راحَ يُؤذيها
رَثَت لَها وَبَكَت مِن رِقَّةٍ فُوَلٌ / كَالبومِ يَبكي رُبوعاً عَزَّ باكيها
أَعلامُ مَملَكَةٍ في الغَربِ خائِفَةٌ / لِآلِ عُثمانَ كادَ الدَهرُ يَطويها
لَمّا مُلِئنا قُنوطاً مِن سَلامَتِها / تَوَثَّبَت أُسُدُ الآجامِ تَحميها
مِن كُلِّ مُستَبسِلٍ يَرمي بِمُهجَتِهِ / في الهَولِ إِن هِيَ جاشَت لا يُراعيها
كَأَنَّها وَسَلامُ المُلكِ يَطلُبُها / أَمانَةٌ عِندَ ذي عَهدٍ يُؤَدّيها
الدينُ لِلَّهِ مَن شاءَ الإِلَهُ هَدى / لِكُلِّ نَفسٍ هَوىً في الدينِ داعيها
ما كانَ مُختَلِفُ الأَديانِ داعِيَةً / إِلى اِختِلافِ البَرايا أَو تَعاديها
الكُتبُ وَالرُسلُ وَالأَديانُ قاطِبَةً / خَزائِنُ الحِكمَةِ الكُبرى لِواعيها
مَحَبَّةُ اللَهِ أَصلٌ في مَراشِدِها / وَخَشيَةُ اللَهِ أُسٌّ في مَبانيها
وَكُلُّ خَيرٍ يُلَقّى في أَوامِرِها / وَكُلُّ شَرٍّ يُوَقّى في نَواهيها
تَسامُحُ النَفسِ مَعنىً مِن مُروءَتِها / بَلِ المُروءَةُ في أَسمى مَعانيها
تَخَلَّقِ الصَفحَ تَسعَد في الحَياةِ بِهِ / فَالنَفسُ يُسعِدُها خُلقٌ وَيُشقيها
اللَهُ يَعلَمُ ما نَفسي بِجاهِلَةٍ / مَن أَهلُ خِلَّتِها مِمَّن يُعاديها
لَئِن غَدَوتُ إِلى الإِحسانِ أَصرُفُها / فَإِنَّ ذَلِكَ أَجرى مِن مَعاليها
وَالنَفسُ إِن كَبُرَت رَقَّت لِحاسِدِها / وَاِستَغفَرَت كَرَماً مِنها لِشانيها
يا شَعبَ عُثمانَ مِن تُركٍ وَمِن عَرَبٍ / حَيّاكَ مَن يَبعَثُ المَوتى وَيُحييها
صَبَرتَ لِلحَقِّ حينَ النَفسُ جازِعَةٌ / وَاللَهُ بِالصَبرِ عِندَ الحَقِّ موصيها
نِلتَ الَّذي لَم يَنَلهُ بِالقَنا أَحَدٌ / فَاِهتِف لِأَنوَرِها وَاِحمِد نَيازيها
ما بَينَ آمالِكَ اللائي ظَفِرتَ بِها / وَبَينَ مِصرَ مَعانٍ أَنتَ تَدريها
جِبريلُ أَنتَ هُدى السَما
جِبريلُ أَنتَ هُدى السَما / ءِ وَأَنتَ بُرهانُ العِنايَه
اُبسُط جَناحَيكَ اللَذَي / نِ هُما الطَهارَةُ وَالهِدايَه
وَزِدِ الهِلالَ مِنَ الكَرا / مَةِ وَالصَليبَ مِنَ الرِعايَه
فَهُما لِرَبِّكَ رايَةٌ / وَالحَربُ لِلشَيطانِ رايَه
لَم يَخلِقِ الرَحمَنُ أَك / بَرَ مِنهُما في البَرِّ آيَه
الأَحمَرانِ عَنِ الدَمِ ال / غالي وَحُرمَتِهِ كِنايَه
الغادِيانِ لِنَجدَةٍ / الرائِحانِ إِلى وِقايَه
يَتَأَلَّقانِ عَلى الوَغى / رَشَداً تَبَيَّنَ مِن غِوايَه
يَقِفانِ في جَنبِ الدِما / كَالعُذرِ في جَنَبِ الجِنايَه
لَو خَيَّما في كَربُلا / لَم يُمنَعِ السِبطُ السِقايَه
أَو أَدرَكا يَومَ المَسي / حِ لَعاوَناهُ عَلى النِكايَه
وَلَنا وَلاهُ الشَهدَ لا ال / خَلَّ الَّذي تَصِفُ الرِوايَه
ياأَيُّها اللادي الَّتي / أَلقَت عَلى الجَرحى حِمايَه
أَبلَيتِ في نَزعِ السِها / مِ بَلاءَ دَهرِكِ في الرِمايَه
وَمَرَرتِ بِالأَسرى فَكُن / تِ نَسيمَ واديهِم سِرايَه
وَبَناتُ جِنسِكِ إِن بَنَي / نَ البِرَّ أَحسَنَّ البِنايَه
بِالأَمسِ لادى لوثَرٍ / لَم تَألُ جيرَتَها عِنايَه
أَسدَت إِلى أَهلِ الجُنو / دِ يَداً وَغالَت في الحِفايَه
وَمُحَجَّباتٍ هُنَّ أَط / هَرُ عِندَ نائِبَةٍ كِفايَه
يُسعِفنَ رِيّاً أَو قِرىً / كَنِساءِ طَيٍّ في البِدايَه
إِن لَم يَكُنَّ مَلائِكَ الر / رَحمَنِ كُنَّ هُمُ حِكايَه
لَبَّينَ دَعوَتَكِ الكَري / مَةِ وَاِستَبَقنَ البَرَّ غايَه
المُحسِنونَ هُمُ اللُبا / بُ وَسائِرُ الناسِ النِفايَه
يا أَيُّها الباغونَ رُك / كابَ الجَهالَةِ وَالعِمايَه
الباعِثونَ الحَربَ حُب / باً لِلتَوَسُّعِ في الوِلايَه
المُدَّعونَ عَلى الوَرى / حَقَّ القِيامَةِ وَالوِصايَه
المُثكِلونَ الموتِمو / نَ الهادِمونَ بِلا نِهايَه
كُلُّ الجِراحِ لَها اِلتِئا / مٌ مِن عَزاءٍ أَو نِسايَه
إِلّا جِراحُ الحَقِّ في / عَصرِ الحَصافَةِ وَالدِرايَه
سَتَظَلُّ دامِيَةً إِلى / يَومِ الخُصومَةِ وَالشِكايَه
رَزَقَ اللَهُ أَهلَ باريسَ خَيراً
رَزَقَ اللَهُ أَهلَ باريسَ خَيراً / وَأَرى العَقلَ خَيرَ ما رُزِقوهُ
عِندَهُم لِلثِمارِ وَالزَهرِ مِمّا / تُنجِبُ الأَرضُ مَعرِضٌ نَسَقوهُ
جَنَّةٌ تَخلِبُ العُقولَ وَرَوضٌ / تَجمَعُ العَينُ مِنهُ ما فَرَقوهُ
مَن رَآهُ يَقولُ قَد حُرِموا الفِر / دَوسَ لَكِن بِسِحرِهِم سَرَقوهُ
ما تَرى الكَرمَ قَد تَشاكَلَ حَتّى / لَو رَآهُ السُقاةُ ما حَقَّقوهُ
يُسكِرُ الناظِرينَ كَرماً وَلَمّا / تَعتَصِرهُ يَدٌ وَلا عَتَّقوهُ
صَوَّروهُ كَما يَشاؤونَ حَتّى / عَجِبَ الناسُ كَيفَ لَم يُنطِقوهُ
يَجِدُ المُتَّقي يَدَ اللَهِ فيهِ / وَيَقولُ الجَحودُ قَد خَلَقوهُ
رَأَيتُ عَلى لَوحِ الخَيالِ يَتيمَةً
رَأَيتُ عَلى لَوحِ الخَيالِ يَتيمَةً / قَضى يَومَ لوسيتانيا أَبَواها
فَيا لَكَ مِن حاكٍ أَمينٍ مُصَدَّقٍ / وَإِن هاجَ لِلنَفسِ البُكا وَشَجاها
فَواهاً عَلَيها ذاقَتِ اليُتمَ طِفلَةً / وَقُوِّضَ رُكناها وَذَلَّ صِباها
وَلَيتَ الَّذي قاسَت مِنَ المَوتِ ساعَةً / كَما راحَ يَطوي الوالِدَينِ طَواها
كَفَرخٍ رَمى الرامي أَباهُ فَغالَهُ / فَقامَت إِلَيهِ أُمُّهُ فَرَماها
فَلا أَبَ يَستَذري بِظِلِّ جَناحِهِ / وَلا أُمَّ يَبغي ظِلَّها وَذَراها
وَدَبّابَةٍ تَحتَ العُبابِ بِمَكمَنٍ / أَمينٍ تَرى الساري وَلَيسَ يَراها
هِيَ الحوتُ أَو في الحوتِ مِنها مَشابِهٌ / فَلَو كانَ فولاذاً لَكانَ أَخاها
أَبَثُّ لِأَصحابِ السَفينِ غَوائِلاً / وَأَلأَمُ ناباً حينَ تَفغَرُ فاها
خَئونٌ إِذا غاصَت غَدورٌ إِذا طَفَت / مُلَعَّنَةٌ في سَبحِها وَسُراها
تُبَيِّتُ سُفنَ الأَبرِياءِ مِنَ الوَغى / وَتَجني عَلى مَن لا يَخوضُ رَحاها
فَلَو أَدرَكَت تابوتُ موسى لَسَلَّطَت / عَلَيهِ زُباناها وَحَرَّ حُماها
وَلَو لَم تُغَيَّب فُلكُ نوحٍ وَتَحتَجِب / لَما أَمِنَت مَقذوفَها وَلَظاها
فَلا كانَ بانيها وَلا كانَ رَكبُها / وَلا كانَ بَحرٌ ضَمَّها وَحَواها
وَأُفٍّ عَلى العِلمِ الَّذي تَدَّعونَهُ / إِذا كانَ في عِلمِ النُفوسِ رَداها
أَميرَ المُؤمِنينَ رَأَيتُ جِسراً
أَميرَ المُؤمِنينَ رَأَيتُ جِسراً / أَمُرُّ عَلى الصِراطِ وَلا عَلَيهِ
لَهُ خَشَبٌ يَجوعُ السوسُ فيهِ / وَتَمضي الفَأرُ لا تَأوي إِلَيهِ
وَلا يَتَكَلَّفُ المِنشارُ فيهِ / سِوى مَرِّ الفَطيمِ بِساعِدَيهِ
وَكَم قَد جاهَدَ الحَيوانُ فيهِ / وَخَلَّفَ في الهَزيمَةِ حافِرَيهِ
وَأَسمَجُ مِنهُ في عَيني جُباةٌ / تَراهُم وَسطَهُ وَبِجانِبَيهِ
إِذا لاقَيتَ واحِدَهُم تَصَدّى / كَعِفريتٍ يُشيرُ بِراحَتَيهِ
وَيَمشي الصَدرُ فيهِ كُلَّ يَومٍ / بِمَوكِبِهِ السَنِيِّ وَحارِسَيهِ
وَلَكِن لا يَمُرُّ عَلَيهِ إِلّا / كَما مَرَّت يَداهُ بِعارِضَيهِ
وَمِن عَجَبٍ هُوَ الجِسرُ المُعَلّى / عَلى البُسفورِ يَجمَعُ شاطِئَيهِ
يُفيدُ حُكومَةَ السُلطانِ مالاً / وَيُعطيها الغِنى مِن مَعدِنَيهِ
يَجودُ العالَمونَ عَلَيهِ هَذا / بِعَشرَتِهِ وَذاكَ بِعَشرَتَيهِ
وَغايَةُ أَمرِهِ أَنّا سَمِعنا / لِسانَ الحالِ يُنشِدُنا لَدَيهِ
أَلَيسَ مِنَ العَجائِبِ أَنَّ مِثلي / يَرى ما قَلَّ مُمتَنِعاً عَلَيهِ
وَتُؤخَذُ بِاِسمِهِ الدُنيا جَميعاً / وَما مِن ذاكَ شَيءٌ في يَدَيهِ
قالوا لَهُ روحي فِداهُ
قالوا لَهُ روحي فِداهُ / هَذا التَجَنّي ما مَداهُ
أَنا لَم أَقُم بِصُدودِهِ / حَتّى يُحَمِّلُني نَواهُ
تَجري الأُمورُ لِغايَةٍ / إِلّا عَذابي في هَواهُ
سَمَّيتُهُ بَدرَ الدُجى / وَمِنَ العَجائِبِ لا أَراهُ
وَدَعَوتُهُ غُصنَ الرِيا / ضِ فَلَم أَجِد رَوضاً حَواهُ
وَأَقولُ عَنهُ أَخو الغَزا / لِ وَلا أَرى إِلّا أَخاهُ
قالَ العَواذِلُ قَد جَفا / ما بالُ قَلبِكَ ما جَفاهُ
أَنا لَو أَطَعتُ القَلبَ في / هِ لَم أَزِدهِ عَلى جَواهُ
وَالنُصحُ مُتَّهَمٌ وَإِن / نَثَرَتهُ كَالدُرِّ الشِفاهُ
أُذُنُ الفَتى في قَلبِهِ / حيناً وَحيناً في نُهاهُ
يا قَلبُ وَيحَكَ وَالمَوَدَّةُ ذِمَّةٌ
يا قَلبُ وَيحَكَ وَالمَوَدَّةُ ذِمَّةٌ / ماذا صَنَعتَ بِعَهدِ عَبدِ اللَهِ
جاذَبتَني جَنبي عَشِيَّةَ نَعيِهِ / وَخَفَقتَ خَفقَةَ موجَعٍ أَوّاهِ
وَلَوَ اَنَّ قَلباً ذابَ إِثرَ حَبيبِهِ / لَهَوى بِكَ الرُكنُ الضَعيفُ الواهي
فَعَلَيكَ مِن حُسنِ المُروءَةِ آمِرٌ / وَعَلَيكَ مِن حُسنِ التَجَلُّدِ ناهِ
نَزَلَ الطُوَيِّرُ في التُرابِ مَنازِلاً / تَهوي المَكارِمُ نَحوَها بِشِفاهِ
عَرَصاتُها مَمطورَةٌ بِمَدامِعٍ / مَوطوءَةٌ بِمَفارِقٍ وَجِباهِ
لَولا يَمينُ المَوتِ فَوقَ يَمينِهِ / فيها لَفاضَت مِن جَنىً وَمِياهِ
يا كابِراً مِن كابِرينَ وَطاهِراً / مِن آلِ طُهرٍ عارِفٍ بِاللَهِ
وَمُحَكِّماً عَلِمَ القَضاءُ مَكانَهُ / في المُقسِطينَ الجِلَّةِ الأَنزاهِ
وَحَكيماً اِستَعصَت أَعِنَّتُهُ عَلى / كَذِبِ النَعيمِ وَتُرَّهاتِ الجاهِ
وَأَخاً سَقى الإِخوانَ مِن رَاوقِهِ / بِوِدادِ لا صَلِفٍ وَلا تَيّاهِ
قَد كانَ شِعري شُغلَ نَفسِكَ فَاِقتَرِح / مِن كُلِّ جائِلَةٍ عَلى الأَفواهِ
أُنزِلتَ مِنهُ حينَ فاتَكَ جَمعُهُ / في مَنزِلٍ بَهِجٍ بِنورِكَ زاهِ
فَاِقرَأ عَلى حَسّانَ مِنهُ لَعَلَّهُ / بِفَتاهُ في مَدحِ الرَسولِ مُباهِ
وَاِنزِل بِنورِ الخُلدِ جَدَّكَ وَاِتَّصِل / بِمَلائِكٍ مِن آلِهِ أَشباهِ
ناعيكَ ناعي حاتَمٍ أَو جَعفَرٍ / فَالناسُ بَينَ نَوازِلٍ وَدَواهِ
شَيَّعوا الشَمسَ وَمالوا بِضُحاها
شَيَّعوا الشَمسَ وَمالوا بِضُحاها / وَاِنحَنى الشَرقُ عَلَيها فَبَكاها
لَيتَني في الرَكبِ لَمّا أَفَلَت / يوشَعٌ هَمَّت فَنادى فَثَناها
جَلَّلَ الصُبحَ سَواداً يَومُها / فَكَأَنَّ الأَرضَ لَم تَخلَع دُجاها
اِنظُروا تَلقَوا عَلَيها شَفَقاً / مِن جِراحاتِ الضَحايا وَدِماها
وَتَرَوا بَينَ يَدَيها عَبرَةً / مِن شَهيدٍ يَقطُرُ الوَردَ شَذاها
آذَنَ الحَقُّ ضَحاياها بِها / وَيحَهُ حَتّى إِلى المَوتى نَعاها
كَفَّنوها حُرَّةً عُلوِيَّةً / كَسَتِ المَوتَ جَلالاً وَكَساها
مِصرُ في أَكفانِها إِلّا الهُدى / لُحمَةُ الأَكفانِ حَقٌّ وَسُداها
خَطَرَ النَعشُ عَلى الأَرضِ بِها / يَحسِرُ الأَبصارَ في النَعشِ سَناها
جاءَها الحَقُّ وَمِن عادَتِها / تُؤثِرُ الحَقَّ سَبيلاً وَاِتِّجاها
ما دَرَت مِصرٌ بِدَفنٍ صُبِّحَت / أَم عَلى البَعثِ أَفاقَت مِن كَراها
صَرَخَت تَحسَبُها بِنتَ الشَرى / طَلَبَت مِن مِخلَبِ المَوتِ أَباها
وَكَأَنَّ الناسَ لَمّا نَسَلوا / شُعَبُ السَيلِ طَغَت في مُلتَقاها
وَضَعوا الراحَ عَلى النَعشِ كَما / يَلمَسونَ الرُكنَ فَاِرتَدَّت نَزاها
خَفَضوا في يَومِ سَعدٍ هامَهُم / وَبِسَعدٍ رَفَعوا أَمسِ الجِباها
سائِلوا زَحلَةً عَن أَعراسِها / هَل مَشى الناعي عَلَيها فَمَحاها
عَطَّلَ المُصطافَ مِن سُمّارِهِ / وَجَلا عَن ضِفَّةِ الوادي دُماها
فَتَحَ الأَبوابَ لَيلاً دَيرُها / وَإِلى الناقوسِ قامَت بيعَتاها
صَدَعَ البَرقُ الدُجى تَنشُرُهُ / أَرضُ سورِيّا وَتَطويهِ سَماها
يَحمِلُ الأَنباءَ تَسري موهِناً / كَعَوادي الثُكلِ في حَرِّ سُراها
عَرَضَ الشَكُّ لَها فَاِضطَرَبَت / تَطَأُ الآذانَ هَمساً وَالشِفاها
قُلتُ يا قَومُ اِجمَعوا أَحلامَكُم / كُلُّ نَفسٍ في وَريدَيها رَداها
يا عَدُوَّ القَيدِ لَم يَلمَح لَهُ / شَبَحاً في خُطَّةٍ إِلّا أَباها
لا يَضِق ذَرعُكَ بِالقَيدِ الَّذي / حَزَّ في سوقِ الأَوالي وَبَراها
وَقَعَ الرُسلُ عَلَيهِ وَاِلتَوَت / أَرجُلُ الأَحرارِ فيهِ فَعَفاها
يا رُفاتاً مِثلَ رَيحانِ الضُحى / كَلَّلَت عَدنٌ بِها هامَ رُباها
وَبَقايا هَيكَلٍ مِن كَرمٍ / وَحَياةٍ أَترَعَ الأَرضَ حَياها
وَدَّعَ العَدلُ بِها أَعلامَهُ / وَبَكَت أَنظِمَةُ الشورى صُواها
حَضَنَت نَعشَكَ وَاِلتَفَّت بِهِ / رايَةٌ كُنتَ مِنَ الذُلِّ فِداها
ضَمَّتِ الصَدرَ الَّذي قَد ضَمَّها / وَتَلَقّى السَهمَ عَنها فَوَقاها
عَجَبي مِنها وَمِن قائِدِها / كَيفَ يَحمي الأَعزَلُ الشَيخُ حِماها
مِنبَرُ الوادي ذَوَت أَعوادُهُ / مِن أَواسيها وَجَفَّت مِن ذُراها
مَن رَمى الفارِسَ عَن صَهوَتِها / وَدَها الفُصحى بِما أَلجَمَ فاها
قَدَرٌ بِالمُدنِ أَلوى وَالقُرى / وَدَها الأَجبالَ مِنهُ ما دَهاها
غالَ بَسطورا وَأَردى عُصبَةً / لَمَسَت جُرثومَةَ المَوتِ يَداها
طافَتِ الكَأسُ بِساقي أُمَّةٍ / مِن رَحيقِ الوَطَنِيّاتِ سَقاها
عَطِلَت آذانُها مِن وَتَرٍ / ساحِرٍ رَنَّ مَلِيّاً فَشَجاها
أَرغُنٌ هامَ بِهِ وِجدانُها / وَأَذانٌ عَشِقَتهُ أُذُناها
كُلَّ يَومٍ خُطبَةٌ روحِيَّةٌ / كَالمَزاميرِ وَأَنغامِ لُغاها
دَلَّهَت مِصراً وَلَو أَنَّ بِها / فَلَواتٍ دَلَّهَت وَحشَ فَلاها
ذائِدُ الحَقِّ وَحامي حَوضِهِ / أَنفَذَت فيهِ المَقاديرُ مُناها
أَخَذَت سَعداً مِنَ البَيتِ يَدٌ / تَأخُذُ الآسادَ مِن أَصلِ شَراها
لَو أَصابَت غَيرَ ذي روحٍ لَما / سَلِمَت مِنها الثُرَيّا وَسُهاها
تَتَحَدّى الطِبَّ في قُفّازِها / عِلَّةُ الدَهرِ الَّتي أَعيا دَواها
مِن وَراءِ الإِذنِ نالَت ضَيغَماً / لَم يَنَل أَقرانَهُ إِلّا وِجاها
اِسأَلوها وَاِسأَلوا شائِنَها / لِمَ لَم يَنفِ مِنَ الدُرِّ سِواها
وَلَدَ الثَورَةَ سَعدٌ حُرَّةً / بِحَياتَي ماجِدٍ حُرٍّ نَماها
ما تَمَنّى غَيرُها نَسلاً وَمَن / يَلِدِ الزَهراءَ يَزهَد في سِواها
سالَتِ الغابَةُ مِن أَشبالِها / بَينَ عَينَيهِ وَماجَت بِلَباها
بارَكَ اللَهُ لَها في فَرعِها / وَقَضى الخَيرَ لِمِصرٍ في جَناها
أَوَ لَم يَكتُب لَها دُستورَها / بِالدَمِ الحُرِّ وَيَرفَعُ مُنتَداها
قَد كَتَبناها فَكانَت صورَةً / صَدرُها حَقٌّ وَحَقٌّ مُنتَهاها
رَقَدَ الثائِرُ إِلّا ثَورَةً / في سَبيلِ الحَقِّ لَم تَخمُد جُذاها
قَد تَوَلّاها صَبِيّاً فَكَوَت / راحَتَيهِ وَفَتِيّاً فَرعاها
جالَ فيها قَلَماً مُستَنهِضاً / وَلِساناً كُلَّما أَعيَت حَداها
وَرَمى بِالنَفسِ في بُركانِها / فَتَلَقّى أَوَّلَ الناسِ لَظاها
أَعَلِمتُم بَعدَ موسى مِن يَدٍ / قَذَفَت في وَجهِ فِرعَونَ عَصاها
وَطِأَت نادِبَةً صارِخَةً / شاهَ وَجهُ الرِقِّ يا قَومُ وَشاها
ظَفِرَت بِالكِبرِ مِن مُستَكبِرٍ / ظافِرِ الأَيّامِ مَنصورِ لِواها
القَنا الصُمُّ نَشاوى حَولَهُ / وَسُيوفُ الهِندِ لَم تَصحُ ظُباها
أَينَ مِن عَينَيَّ نَفسٌ حُرَّةٌ / كُنتُ بِالأَمسِ بِعَينَيَّ أَراها
كُلَّما أَقبَلتُ هَزَّت نَفسَها / وَتَواصى بِشرُها بي وَنَداها
وَجَرى الماضي فَماذا اِدَّكَرَت / وَاِدِّكارُ النَفسِ شَيءٌ مِن وَفاها
أَلمَحُ الأَيّامَ فيها وَأَرى / مِن وَراءِ السِنِّ تِمثالَ صِباها
لَستُ أَدري حينَ تَندى نَضرَةً / عَلَتِ الشَيبَ أَمِ الشَيبُ عَلاها
حَلَّتِ السَبعونَ في هَيكَلِها / فَتَداعى وَهيَ مَوفورٌ بِناها
رَوعَةُ النادي إِذا جَدَّت فَإِن / مَزَحَت لَم يُذهِبِ المَزحُ بَهاها
يَظفَرُ العُذرُ بِأَقصى سُخطِها / وَيَنالُ الوُدُّ غاياتِ رِضاها
وَلَها صَبرٌ عَلى حُسّادِها / يُشبِهُ الصَفحَ وَحِلمٌ عَن عِداها
لَستُ أَنسى صَفحَةً ضاحِكَةً / تَأخُذُ النَفسَ وَتَجري في هَواها
وَحَديثاً كَرِواياتِ الهَوى / جَدَّ لِلصَبِّ حَنينٌ فَرواها
وَقَناةً صَعدَةٌ لَو وُهِبَت / لِلسِماكِ الأَعزَلِ اِختالَ وَتاها
أَينَ مِنّي قَلَمٌ كُنتُ إِذا / سُمتُهُ أَن يَرثِيَ الشَمسَ رَثاها
خانَني في يَومِ سَعدٍ وَجَرى / في المَراثي فَكَبا دونَ مَداها
في نَعيمِ اللَهِ نَفسٌ أوتِيَت / أَنعُمَ الدُنيا فَلَم تَنسَ تُقاها
لا الحِجى لَمّا تَناهى غَرَّها / بِالمَقاديرِ وَلا العِلمُ زَهاها
ذَهَبَت أَوّابَةً مُؤمِنَةً / خالِصاً مِن حَيرَةِ الشَكِّ هُداها
آنَسَت خَلقاً ضَعيفاً وَرَأَت / مِن وَراءِ العالَمِ الفاني إِلَها
ما دَعاها الحَقُّ إِلّا سارَعَت / لَيتَهُ يَومَ وَصيفٍ ما دَعاها
فَتى العَقلِ وَالنَغمَةِ العالِيَه
فَتى العَقلِ وَالنَغمَةِ العالِيَه / مَضى وَمَحاسِنَهُ باقِيَه
فَلا سوقَةٌ لَم تَكُن أُنسَهُ / وَلا مَلِكٌ لَم تَزِن نادِيَه
وَلَم تَخلُ مِن طيبِها بَلدَةٌ / وَلَم تَخلُ مِن ذِكرِها ناحِيَه
يَكادُ إِذا هُوَ غَنّى الوَرى / بِقافِيَةٍ يُنطِقُ القافِيَه
يَتيهُ عَلى الماسِ بَعضُ النُحاسِ / إِذا ضَمَّ أَلحانَهُ الغالِيَه
وَتَحكُمُ في النَفسِ أَوتارُهُ / عَلى العودِ ناطِقَةً حاكِيَه
وَتَبلُغُ مَوضِعَ أَوطارِها / وَتُفشي سَريرَتَها الخافِيَه
وَكَم آيَةٍ في الأَغاني لَهُ / هِيَ الشَمسُ لَيسَ لَها ثانِيَه
إِذا ما تَنادى بِها العارِفونَ / قُلِ البَرقُ وَالرَعدُ مِن غادِيَه
فَإِن هَمَسوا بَعدَ جَهرٍ بِها / فَخَفقُ الحُلِيِّ عَلى الغانِيَه
لَقَد شابَ فَردي وَجازَ المَشيبَ / وَعَيدا شَبيبَتُها زاهِيَه
تُمَثِّلُ مِصرَ لِهَذا الزَمانِ / كَما هِيَ في الأَعصُرِ الخالِيَه
وَنَذكُرُ تِلكَ اللَيالي بِها / وَنَنشُدُ تِلكَ الرُؤى السارِيَه
وَنَبكي عَلى عِزِّنا المُنقَضي / وَنَندُبُ أَيّامَنا الماضِيَه
فَيا آلَ فَردي نُعَزّيكُمُ / وَنَبكي مَعَ الأُسرَةِ الباكِيَه
فَقَدنا بِمَفقودِكُم شاعِراً / يَقِلُّ الزَمانُ لَهُ راوِيَه
قِف حَيِّ شُبّانَ الحِمى
قِف حَيِّ شُبّانَ الحِمى / قَبلَ الرَحيلِ بِقافِيَه
عَوَّدتُهُم أَمثالَها / في الصالِحاتِ الباقِيَه
مِن كُلِّ ذاتِ إِشارَةٍ / لَيسَت عَلَيهِم خافِيَه
قُل يا شَبابُ نَصيحَة / مِمّا يُزَوَّدُ غالِيَه
هَل راعَكُم أَنَّ المَدا / رِسَ في الكِنانَةِ خاوِيَه
هُجِرَت فَكُلُّ خَلِيَّةٍ / مِن كُلِّ شَهدٍ خالِيَه
وَتَعَطَّلَت هالاتُها / مِنكُم وَكانَت حالِيَه
غَدَتِ السِياسَةُ وَهيَ آ / مِرَةٌ عَلَيها ناهِيَه
فَهَجَرتُمو الوَطَنَ العَزي / زَ إِلى البِلادِ القاصِيَه
أَنتُم غَداً في عالَمٍ / هُوَ وَالحَضارَةُ ناحِيَه
وارَيتُ فيهِ شَبيبَتي / وَقَضَيتُ فيهِ ثَمانِيَه
ما كُنتُ ذا القَلبِ الغَلي / ظِ وَلا الطِباعِ الجافِيَه
سيروا بِهِ تَتَعَلَّموا / سِرَّ الحَياةِ العالِيَه
وَتَأَمَّلوا البُنيانَ وَاد / دَكِروا الجُهودَ البانِيَه
ذوقوا الثِمارَ جَنِيَّةً / وَرِدوا المَناهِلَ صافِيَه
وَاِقضوا الشَبابَ فَإِنَّ سا / عَتَهُ القَصيرَةَ فانِيَه
وَاللَهِ لا حَرَجٌ عَلَي / كُم في حَديثِ الغانِيَه
أَو في اِشتِهاءِ السِحرِ مِن / لَحظِ العُيونِ الساجِيَه
أَو في المَسارِحِ فَهيَ بِالن / نَفسِ اللَطيفَةِ راقِيَه
يا حَبَّذا أَمينَةٌ وَكَلبُها
يا حَبَّذا أَمينَةٌ وَكَلبُها / تُحِبُّهُ جِدّاً كَما يُحِبُّها
أَمينَتي تَحبو إِلى الحَولَينِ / وَكَلبُها يُناهِزُ الشَهرَينِ
لَكِنَّها بَيضاءُ مِثلُ العاجِ / وَعَبدُها أَسوَدُ كَالدَياجي
يَلزَمُها نَهارَها وَتَلزَمُه / وَمِثلَما يُكرِمُها لا تُكرِمُهُ
فَعِندَها مِن شِدَّةِ الإِشفاقِ / أَن تَأخُذَ الصَغيرَ بِالخِناقِ
في كُلِّ ساعَةٍ لَهُ صِياحُ / وَقَلَّما يَنعَمُ أَو يَرتاحُ
وَهَذِهِ حادِثَةٌ لَها مَعَه / تُنبيكَ كَيفَ اِستَأثَرَت بِالمَنفَعَه
جاءَت بِهِ إِلَيَّ ذاتَ مَرَّه / تَحمِلُهُ وَهيَ بِهِ كَالبَرَّه
فَقُلتُ أَهلا بِالعَروسِ وَاِبنِها / ماذا يَكونُ يا تُرى مِن شَأنِها
قالَت غُلامي يا أَبي جَوعانُ / وَما لَهُ كَما لَنا لِسانُ
فَمُرهُموا يَأتوا بِخُبزٍ وَلَبَن / وَيُحضِروا آنِيَةً ذاتَ ثَمَن
فَقُمتُ كَالعادَةِ بِالمَطلوبِ / وَجِئتُها أَنظُرُ مِن قَريبِ
فَعَجَنَت في اللَبَنِ اللُبابا / كَما تَرانا نُطعِمُ الكِلابا
ثُمَّ أَرادَت أَن تَذوقَ قَبلَهُ / فَاِستَطعَمَت بِنتُ الكِرامِ أَكلَهُ
هُناكَ أَلقَت بِالصَغيرِ لِلوَرا / وَاِندَفَعَت تَبكي بُكاءً مُفتَرى
تَقولُ بابا أَنا دَحّا وَهوَ كُخّ / مَعناهُ بابا لِيَ وَحدي ما طُبِخ
فَقُل لِمَن يَجهَل خَطبَ الآنِيَه / قَد فُطِرَ الطِفلُ عَلى الأَنانِيَه
هَذِهِ أَوَّلُ خُطوَه
هَذِهِ أَوَّلُ خُطوَه / هَذِهِ أَوَّلُ كَبوَه
في طَريقي لِعَلِيٍّ / عَنهُ لَو يَعقِلُ غُنوَه
يَأخُذُ العيشَةَ فيهِ / مُرَّةً آناً وَحُلوَه
يا عَلي إِن أَنتَ أَوفَي / تَ عَلى سِنِّ الفُتُوَّه
دافِعِ الناسَ وَزاحِم / وَخُذِ العَيشَ بِقُوَّه
لا تَقُل كانَ أَبي إِيّا / كَ أَن تَحذُوَ حَذوَه
أَنا لَم أَغنَم مِنَ النا / سِ سِوى فنجانِ قَهوَه
أَنا لَم أُجزَ عَنِ المَد / حِ مِنَ الأَملاكِ فَروَه
أَنا لَم أُجزَ عَنِ الكُت / بِ مِنَ القُرّاءِ حُظوَه
ضَيَّعَ الكُلُّ حَيائي / وَعَفافي وَالمُرُوَّه
حِكايَةُ الصَيّادِ وَالعُصفورَه
حِكايَةُ الصَيّادِ وَالعُصفورَه / صارَت لِبَعضِ الزاهِدينَ صورَه
ما هَزَأوا فيها بِمُستَحِقِّ / وَلا أَرادوا أَولِياءَ الحَقِّ
ما كُلُّ أَهلِ الزُهدِ أَهلُ اللَهِ / كَم لاعِبٍ في الزاهِدينَ لاهِ
جَعَلتُها شِعراً لِتَلفِتَ الفِطَن / وَالشِعرُ لِلحِكمَةِ مُذ كانَ وَطَن
وَخَيرُ ما يُنظَمُ لِلأَديبِ / ما نَطَقَتهُ أَلسُنُ التَجريبِ
أَلقى غُلامٌ شَرَكاً يَصطادُ / وَكُلُّ مَن فَوقَ الثَرى صَيّادُ
فَاِنحَدَرَت عُصفورَةٌ مِنَ الشَجَر / لَم يَنهَها النَهيُ وَلا الحَزمُ زَجَر
قالَت سَلامٌ أَيُّها الغُلامُ / قالَ عَلى العُصفورَةِ السَلامُ
قالَت صَبِيُّ مُنحَني القَناةِ / قالَ حَنَتها كَثرَةُ الصَلاةِ
قالَت أَراكَ بادِيَ العِظامِ / قالَ بَرَتها كَثرَةُ الصِيامِ
قالَت فَما يَكونُ هَذا الصوفُ / قالَ لِباسُ الزاهِدِ المَوصوفُ
سَلي إِذا جَهِلتِ عارِفيهِ / فَاِبنُ عُبَيدٍ وَالفُضَيلُ فيهِ
قالَت فَما هَذي العَصا الطَويلَه / قالَ لِهاتيكِ العَصا سَليلَه
أَهُشُّ في المَرعى بِها وَأَتَّكي / وَلا أَرُدُّ الناسَ عَن تَبَرُّكِ
قالَت أَرى فَوقَ التُرابِ حَبّا / مِما اِشتَهى الطَيرُ وَما أَحَبّا
قالَ تَشَبهتُ بِأَهلِ الخَيرِ / وَقُلتُ أَقري بائِساتِ الطَيرِ
فَإِن هَدى اللَهُ إِلَيهِ جائِعاً / لَم يَكُ قُرباني القَليلُ ضائِعا
قالَت فَجُد لي يا أَخا التَنَسُّكِ / قالَ اِلقُطيهِ بارَكَ اللَهُ لَكِ
فَصَلِيَت في الفَخِّ نارَ القاري / وَمَصرَعُ العُصفورِ في المِنقارِ
وَهَتَفَت تَقولُ لِلأَغرارِ / مَقالَةَ العارِفِ بِالأَسرارِ
إِيّاكَ أَن تَغتَرَّ بِالزُهّادِ / كَم تَحتَ ثَوبِ الزُهدِ مِن صَيادِ
أُنبِئتُ أَنَّ سُلَيمانَ الزَمانِ وَمَن
أُنبِئتُ أَنَّ سُلَيمانَ الزَمانِ وَمَن / أَصبى الطُيورَ فَناجَتهُ وَناجاها
أَعطى بَلابِلَهُ يَوماً يُؤَدِّبُها / لِحُرمَةٍ عِندَهُ لِلبومِ يَرعاها
وَاِشتاقَ يَوماً مِنَ الأَيّامِ رُؤيَتَها / فَأَقبَلَت وَهيَ أَعصى الطَيرِ أَفواها
أَصابَها العِيُّ حَتّى لا اِقتِدارَ لَها / بِأَن تَبُثَّ نَبِيَّ اللَهِ شَكواها
فَنالَ سَيِّدَها مِن دائِها غَضَبٌ / وَوَدَّ لَو أَنَّهُ بِالذَبحِ داواها
فَجاءَهُ الهُدهُدُ المَعهودُ مُعتَذِراً / عَنها يَقولُ لِمَولاهُ وَمَولاها
بَلابِلُ اللَهِ لا تَخرَس وَلا وُلِدَت / خُرساً وَلَكِنَّ بومَ الشُؤمِ رَبّاها
سَمِعتُ أَنَّ فَأرَةً أَتاها
سَمِعتُ أَنَّ فَأرَةً أَتاها / شَقيقُها يَنعى لَها فَتاها
يَصيحُ يا لي مِن نُحوسِ بَختي / مَن سَلَّط القِطَّ عَلى اِبنِ أُختي
فَوَلوَلَت وَعَضَّتِ التُرابا / وَجَمَعَت لِلمَأتَمِ الأَترابا
وَقالَتِ اليَومَ اِنقَضَت لَذّاتي / لا خَيرَ لي بَعدَكَ في الحَياةِ
مَن لي بِهِرٍّ مِثلِ ذاكَ الهِرِّ / يُريحُني مِن ذا العَذابِ المُرِّ
وَكانَ بِالقُربِ الَّذي تُريدُ / يَسمَعُ ما تُبدي وَما تُعيدُ
فَجاءَها يَقولُ يا بُشراكِ / إِنَّ الَّذي دَعَوتِ قَد لَبّاكِ
فَفَزِعَت لَمّا رَأَتهُ الفارَه / وَاِعتَصَمَت مِنهُ بِبَيتِ الجارَه
وَأَشرَفَت تَقولُ لِلسَفيهِ / إِن متُّ بَعدَ اِبني فَمَن يَبكيهِ
أَعطى البَرِيَّةَ إِذ أَعطاكَ باريها
أَعطى البَرِيَّةَ إِذ أَعطاكَ باريها / فَهَل يُهَنّيكَ شِعري أَم يُهَنّيها
أَنتَ البَرِيَّةُ فَاِهنَأ وَهيَ أَنتَ فَمَن / دَعاكَ يَوماً لِتَهنا فَهوَ داعيها
عيدُ السَماءِ وَعيدُ الأَرضِ بَينَهُما / عيدُ الخَلائِقِ قاصيها وَدانيها
فَبارَكَ اللَهُ فيها يَومَ مَولِدِها / وَيَومَ يَرجو بِها الآمالَ راجيها
وَيَومَ تُشرِقُ حَولَ العَرشِ صِبيَتُها / كَهالَةٍ زانَتِ الدُنيا دَراريها
إِنَّ العِنايَةَ لَمّا جامَلَت وَعَدَت / أَلّا تَكُفَّ وَأَن تَترى أَياديها
بِكُلِّ عالٍ مِنَ الأَنجالِ تَحسَبُهُ / مِنَ الفَراقِدِ لَو هَشَّت لِرائيها
يَقومُ بِالعَهدِ عَن أَوفى الجُدودِ بِهِ / عَن والِدٍ أَبلَجِ الذِمّاتِ عاليها
وَيَأخُذُ المَجدَ عَن مِصرٍ وَصاحِبِها / عَنِ السَراةِ الأَعالي مِن مَواليها
الناهِضينَ عَلى كُرسِيِّ سُؤدُدِها / وَالقابِضينَ عَلى تاجَي مَعاليها
وَالساهِرينَ عَلى النيلِ الحَفِيِّ بِها / وَكَأسها وَحُمَيّاها وَساقَيها
مَولايَ لِلنَفسِ أَن تُبدي بَشائِرَها / بِما رُزِقتَ وَأَن تَهدي تَهانيها
الشَمسُ قَدراً بَلِ الجَوزاءُ مَنزِلَةً / بَلِ الثُرَيّا بَلِ الدُنيا وَما فيها
أُمُّ البَنينَ إِذا الأَوطانُ أَعوَزَها / مُدَبِّرٌ حازِمٌ أَو قَلَّ حاميها
مِنَ الإِناثِ سِوى أَنَّ الزَمانَ لَها / عَبدٌ وَأَنَّ المَلا خُدّامُ ناديها
وَأَنَّها سِرُّ عَبّاسٍ وَبِضعَتُهُ / فَهيَ الفَضيلَةُ مالي لا أُسَمّيها
أَغَرُّ يَستَقبِلُ العَصرُ السَلامَ بِهِ / وَتُشرِقُ الأَرضُ ما شاءَت لَياليها
عالي الأَريكَةِ بَينَ الجالِسينَ لَهُ / مِنَ المَفاخِرِ عاليها وَغاليها
عَبّاسُ عِش لِنُفوسٍ أَنتَ طِلبَتُها / وَأَنتَ كُلُّ مُرادٍ مِن تَناجيها
تُبدي الرَجاءَ وَتَدعوهُ لِيَصدُقَها / وَاللَهُ أَصدَقُ وَعداً وَهوَ كافيها
رأيت قومي يذم بعض
رأيت قومي يذم بعض / بعضا إذا غابت الوجوه
وإن تلاقوا ففي تصاف / كأن هذا لذا أخوه
كريمهم لا يسُدُّ سمعا / ووغدهم لا يُسدّ فوه
وكلهم عاقل حكيم / وغيره الجاهل السفيه
وذا ابن من مات عن كثير / وذا ابن من قد سما أبوه
وذا بإسلامه مدل / وذا بعصيانه يتيه
وكلهم قائم بمبدا / ومبدأ الكل ضيعوه
فمذ بدا لي أن قد تساوى / في ذلك الغمر والنبيه
وليس من بينهم نزيه / ولا أنا الواحد النزيه
جعلت هذا مرآة هذا / أنظر فيها ولا أفوه
يا أيها الرجل المغتاب صاحبه
يا أيها الرجل المغتاب صاحبه / لم ينس فضلى ولكن قد تناساه
تسبني حسدا والحلم من شيمي / فلا أسبك لكن سبك الله
ولا أسميك خوفا من مقالتهم / قد ظنه في الورى شيئا فسماه
قالوا نرى شعراءكم
قالوا نرى شعراءكم / يتمرنون على قفاه
فأجبتهم لا تعجبوا / هذا الكلام على هواه
هو يعشق اللفظ الرقي / ق وإن جرحت به أباه
أنا والله أصلح للمخازى
أنا والله أصلح للمخازى / وأفعل فعلتي وأتيه تيها
أمكن صاحبي من صحن خدي / وأعطى ذمتي من يشتريها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025