المجموع : 15
اليومَ حَقَّ ليَ الهَنا
اليومَ حَقَّ ليَ الهَنا / بَنتِ العُلى لي مَسْكنا
أصبحتُ بالخَلَوات أع / تنقُ المكارمَ دَيْدَنا
وأَمَجُّ ثغرَ الأنسِ من / شخصِ الوِصال إِذَا دنا
وأُغازل الآياتِ مر / تاضاً بِهَا متأبِّنا
حَسْبِي بِهَا شرفاً وحَسْ / بك أن تقول أنا أنا
يا مسكَنَ العَلياءِ طِبْ / تَ وطاب فيك من اعتنى
إن دمتَ لي سَكَناً فما / أَحْلى وأَطْيَب ذا الجَنَى
ما لي سوى نفسي فإنْ / حصل المُنَى زال العَنا
ما العيشُ إِلاَّ أن ترى / طيفَ الأحبة مَوْهِنا
أَوْ أن يزورَك شخصُه / فترى الجمال مُبرْهَنا
فلئِنْ ظفِرتَ بزورةٍ / بُشراك قَدْ نِلتَ المُنْى
فَارْبَعْ ليَهْنِك مَرْبعٌ / رحبُ الجوانبِ والفِنا
ما أَطْيبَ الساعاتِ إن / زار الحبيبُ وأحسنا
فالْهَجْ بذكرِ الحِبِّ إن / تَكُ بالصبابة مُعلِنا
واشربُ أُجاجَ الصبر واكْ / حَل بالسُّهادِ الأَعْيُنا
فبِذاك تَقْتنِص العُلى / ويطيب عيشُك بالهَنا
وترى الأملاكَ فِي / مَلَكوتها مُتيمِّنا
كقِران بدرِ التِّمِّ تي / مور المَليك إذ ابْتَنى
بُشْراك يَا زمن القِرا / نِ لقد علوتَ الأَزْمُنا
زمن تودُّ بِهِ النفو / س بأن يكون هو الدُّنا
فهناك يَا زمنٌ هنا / ك لقد شفيت من الضَّنَى
أطربتَ سمعي ناطقاً / سَجْعاً بديعاً بَيِّنا
وشجوتَني طرباً وَلَيْ / سَ يُمِيلني شَدْوُ الغِنا
لكن عجبتُ بأن شدو / تَ وكنت أخرسَ أَلْكَنا
وغدوتَ مَيّاداً كما / ماد النسيمُ الأَغْصُنا
ما كنت أعهد بالجما / د يكون ناطق أَلْسُنا
بُهِت الورى لما رأو / ك تهزُّ عِطْفاً لينا
لم يحسبوا أن السرو / ر يَروض طَرْفاً أحزنا
فانعمْ بمن شاد العُلى / لَكَ والمكارم قَدْ بنى
ملك تُطأْطِئ فِي عُلا / ه ذو الصَّوامل والقَنا
ما مُدّ طرفٌ فِي علا / ه شاخِصاً إِلاَّ انْثَنى
فَطِن يرى مَا فِي النفو / س من الظنون مُبَرْهَنا
سَبّاق غاياتٍ إِذَا / مَا قيل مَكْرُمةٌ رَنا
ذو همةٍ صعبُ الأمو / رِ يراه أمراً هينا
ذو عَزْمة لو قاطعتْ / شمَّ الجبالِ لأَوْهَنا
خَطَب المَعالي كي يحْل / لَ بِهَا فصارت موطنا
عَجَباً لَهُ طفلٌ بدَسْ / ت المُلك أضحى مُحْصِنا
رسختْ بوَطْأَته المما / لك واستقرتْ مَعْدِنا
ما حلَّ ساحتَه فتى / ذو حاجة إِلاَّ اغتنى
أخَذ المكارم عن أبي / ه فجَرَّ عنه مُعَنْعَنا
كم من يدٍ فِي العالمي / ن لَهُ حَبَتْهم بالغنى
فتَطَوَّقت أعناقُهم / من فضله حَتَّى أنا
فيهم سموْتُ وبهم علو / تُ وبه رَسَخْتَ تَمكُّنا
وبهم قررتُ بمَسْقَطٍ / وبهم سلوت المُنْحَنى
وبهم تركت من الزما / ن أحبَّني والموْطِنا
وبهم حَلا مُرُّ الزما / ن وزال مَا قَدْ أَحزنا
حَتَّى غدوتُ بفضلهم / عَلماً كأسْمَى أَمْكُنا
فهمُ شموسُ الدهرِ إِنْ / بالعُسرِ جَنَّ وأَدْجَنا
قطعوا بسيف الجود من / شُحّ الزمان الأَلسنا
وتَوَطَّنوا بدلَ القِبا / ب من المعالي مَسْكنا
هل ضَمَّت الأرضُ مليكاً مثل مَنْ
هل ضَمَّت الأرضُ مليكاً مثل مَنْ / قَدْ ضمت اليومَ بأَحْقابِ الزمَنْ
قد كَانَتْ الأرضُ رَهيناً تَحْتَه / واليوم أضحى فِي ثَراها مُرْتَهَنْ
خَلِّياني واتركاني أُبْكِهِ / جُمع الفضلُ بذَيَّاك الكَفَنْ
وابكيا عيناي مَهْمَا عشّما / واسْقيا أرضَ الفَيافي والدِّمنْ
ذهب السلوانُ عني وانبرتْ / أشجانُ خطبٍ قَدْ تَجلَّت بالحَزَن
يَا لَخَطْبٍ بالمعالي قَدْ دَهَى / لدَهاه لَمْ تذق عيني الوَسَن
قال أَرِّخ قلت أَضحى ثاوِياً / فيصلٌ تَحْتَ اللُّحود قَدْ سكن
أَلِيَ بعدَ سكانِ الفؤادِ سكونُ
أَلِيَ بعدَ سكانِ الفؤادِ سكونُ / وعيشي عَقيبَ الظاعنين سُجونُ
أناخوا رِكابَ الشوقِ فَوْقَ مَدَامعي / فثارن ودمعي كالسحاب هَتون
وكنت قَريرَ العينِ والشملُ جامعٌ / فبانوا وقلبي بالفراق يَبينُ
رَعى اللهُ ذَيَّاك التلاقي وجمعُنا / وتَبَّت يدُ التفريق أَيْنَ تكون
لقد كنت قبلَ البين أخشى من النوى / فها أنا فِي قيدِ الفراق رَهين
تناوب أشجاني همومٌ وفرقةٌ / ودهرٌ بتشتيتِ الكرام ضَنين
فدعْني وسفحَ الدمعِ والحزنِ والجَوى / تَبارِيحَ شوقٍ والفراقُ مَنون
لقد حَمَّلوني وِزْرَ مَا لا أُطيقه / فحملي الهوى والبينَ ثَمَّ مُهين
لحا اللهُ يوماً فَرَّق الدهرُ بَيْنَنا / وحَيّا ليالٍ والحبيبُ قَطين
لئن كنت أرجو للتلاقي سُويعةً / ولكنّ قلبي للفراق حزين
فما لي وخلعي يَا رَعى الله سادتي / فأَيّانَ عهدي والحديثُ شُجونُ
أُبدِّد أيامي لجمعي بشَمْلكم / فأَصبحت نِسْياً والعهودُ دُيونُ
فها مُهجتي بَيْنَ الحُمول وديعةً / وجسمي برمح الظاعنين طَعينُ
عَلَى ثَفِنات البين أجثو وإنني / أَحنُّ وهل يَشْفي المحبَّ حنين
مُشتَّتَ أفكارٍ وحقَّ لمن دُهِي / بفرقةِ خِل أن عَراهُ جنون
فلولا رجائي والحظوظُ مَقاسمٌ / لَقُرِّح مني بالبكاءِ جفونُ
ولولا بأشْطانِ الولاءِ تمسكتْ / يميني بتيمورٍ لكنتُ أُبين
ولولاه قَدْ صان المَكارِمَ لَمْ أكن / لحفظِ عهودي بالولاءِ أَصونُ
ولولا شَمولٌ من شمائلِ جودِه / لَفاضت بعينِ المُدقِعين شُجون
ولولا عيونُ الفضلِ تَرْمُق حاجتي / لسالتْ بوادي الفقر وَيْك عيون
تَملَّكَ قَهْراً والمُملَّك قاهرٌ / وَلَمْ يَعْدُ حكمَ العدلِ وهو مَكين
وعَزَّ فلا يدنو لفحشٍ ولا خَنا / ولا ينطِق العوراء وهْو مُبينُ
تسامتْ بِهِ الأيامُ فخراً وسُؤْدداً / وَشدَّت بِهِ الأَزْرَيْنِ وهو أمين
تَحدَّر سرُّ المجدِ فِيهِ تَحفُّظاً / فها هو فِي طَيِّ الحِفاظِ مَصون
فيا بهجةَ الأيامِ أصبحتِ نَيِّراً / وأفْقُ سماءِ الملكِ فيك يَزين
وأضحى لسانُ الكون يَلْهَج شاكراً / عَلَيْكَ وهوُّ الدين فيك حَصين
وأَدْبر شهرُ الصومِ يَبدِي تَولُّهاً / تحييك بالتوديع منه يَمينُ
يعود عَلَيْكَ الدهرُ مَا ذَرَّ شارِق / وَمَا حَنَّ قُمْرِيٌّ وشدَّ ظُعون
وما عاد بالبشرى يُهنِّيك عائداً / زمانٌ بَعوْدِ العيد منك ضَمينُ
فصحتُ وصوتي للرحيل مؤرخاً / بشوال حُلَّت كالسيول شئون
بَيْنَ المَرابعِ لي هوى وشئونُ
بَيْنَ المَرابعِ لي هوى وشئونُ / إن الغرامَ صبابةٌ وشُجونُ
قَسما بكم يَا سادتي وبحبِّكم / مَا خنتُ فِي عهدي ولستُ أخون
إِن تُطلِقُوني فِي الهوى فأنا الَّذِي / يهواكمُ طالتْ عليَّ سُجون
ولئن وَفيتُم بالصدود مَطالبي / بقيتْ عليَّ من الوفاءِ ديون
فهَواي فيكم والفؤادُ ومُهْجتي / كيْفَ الخلاصُ وكلُّهن رُهون
إِن صَدَّكم عني الجَفاء عن الوفا / فأنا الَّذِي فِي الحب لست أخون
ما حُلتُ عن نَهْجِ الهوى لَوْ صَدَّني / عن قَطْعه وَعْرُ الجفا وحُزون
يا سادتي رِقُّوا عليَّ تَعطُّفاً / فالصبرُ صابٌ والعذابُ مُهين
ناديتموني فِي الهوى وقعدتمُ / هَذَا لعمرِي فِي الغرام لَهُون
لا والهوى العُذْرِيّ إني لَمْ اَحُل / لَوْ متّ فيكم فالممات يهون
غَرس الهوى فِي مهجتي زَرْعَ الوفا / فلِذاك عهدي ثابتٌ ومَكين
أَيحول صبٌّ لا يزال مُتيَّماً / بهواكمُ والدمعُ منه هَتون
يُمسي رَقيباً للنجوم مُسامِراً / أبداً ويُصبح لا يكاد يَبينُ
بالليلِ يفترش السُّهاد وإن بدا / وجهُ الصباحِ فللهمومِ قَرين
فإِلَى متى ذا البعدُ يَا لَمودتي / فالهجرُ قتلٌ والبعادُ مَنون
لا ترقُبون لمؤمنٍ إِلاَّ ولا / ذِمَماً ولا عهدُ الغرامِ مَصون
أَثْخَنتموني بالصدودِ وقلتمُ / صبٌّ عَراه من الغرام جنون
أوَ مَا طَعِمتم مَا الهوى وعلمتمُ / أن الهوى مثلَ الجنون فنون
لو ذقتمُ طعم الصَّبابةِ والجوى / لعلمتُم كيْفَ الغرام يكون
آهاً عَلَى زمنِ الوصال فإنه / زمن لَهُ تبكي الدماءَ عيون
يَا دهرًُ مَا لَكَ بالفراقِ مُولَّعاً / نرجو وَفاك وللعهود تخونُ
هل لي بذاك العيشِ عَوْدٌ يا تُرى / أم أنت بالتفريق وَيْك ضَنين
أدباً فليس تدوم منك مودةٌ / إِن الزمان قَلاقِلٌ وشُجون
لا تأتينَّ بحالةٍ محمودةٍ / إِلاَّ ستُعقِبها بما سيَشين
إني سئمتُ من الزمان وأهلِه / مَا فيهمُ من للذِّمام يصون
وخَبرتُ كلَّ العالمين فلم أجد / من فِي الزمان عَلَى الزمان يُعين
فأدرت طَرْفي بالسماء مُفتشاً / أَفلاكها فعسى السماءُ تُبين
فرأيتُ فِي فَلك السعادة طالعاً / تيمورُ من هو للزمان أَمين
قد أعربتْ بالفضلِ أيةُ مجدِه / فلِذا إِلَيْهِ العالَمون تَدين
طلعتْ شموسُ المجدِ فِي هالاتِهِ / فعليه من شمسِ الجلالِ يقين
وترنَّمتْ وُرْقُ المَكارمِ سُجَّعاً / فلهنّ فِيهِ تفنُّن وفنونُ
بزغتْ عَلَى عرش الخلافة شمسُه / ولها إذن قبلَ البزوغِ حنين
يختال دستُ الملكِ منه إِذَا بدا / وتَميد منه أَسِرَّةٌ وحُصون
تَتهلَّل الآفاقُ من بَهَجائه / والدهرُ يَبْسم والعدوُّ حَزون
خُلُق لَهُ مثلُ النسيم إِذَا شَذا / وبحورُ فكرٍ مَا لهنّ سَفين
ملكٌ تشدُّ بِهِ الخلافةُ أَزْرَها / فلها إِلَيْهِ تحنُّن وحنين
قد سُلَّ سيفاً من أبيه مُهنَّداً / يسطو بِهِ وَعَلَى الزمان عَوين
سيفٌ نَضَتْه يدُ الزمانِ غِرارُه / عَضْب وَلَيْسَ المتنُ منه يَلين
فاشددْ بِهِ عَضُدَ الخلافةِ إنه / يَا فيصلٌ رَحْبُ الذراعِ مَتين
فلأَنتَ روحٌ والخلافةُ هيكلٌ / وشِمالك التوفيقُ وهْو يمين
فبه افترِسْ أُسْد البُغاةِ فإنه / أَسَدٌ لَهُ النصرُ المُبين عَرين
للهِ من أصلٍ تَفَرَّعَ فيكمُ / مُدَّت إِلَى العَلياء منه غصون
من آل أحمدَ للمكارم والندى / وُلِدوا فنِعْم عناصرٌ وبطونُ
ولَنِعْم مولودٌ ونِعْم بوالدٍ / فكلاهما للمَكرمات خَدين
دُوما مَلاذاً للأَنام وملجأً / مَا بالزمانِ تَحرُّك وسكون
يَا جِيرةَ الحيِّ أَيْنَ الحيُّ قَدْ بانُوا
يَا جِيرةَ الحيِّ أَيْنَ الحيُّ قَدْ بانُوا / أين الذين لهم فِي القلب أَشْجانُ
أَيْنَ الهَوادجُ إِذ زُمَّت رَكائبُها / قَدْ حازَ دونَنا وَعْرٌ وكُثْبان
أَيْنَ الَّذِين بنَوا فِي القلبِ مسكنَهم / بَيْنَ الجَوانحِ والأضلاعِ قَدْ كانوا
يا جِيرتي يَا أُباةَ الضَّيم أَيْنَ همُ / وهل أنا بعدهم فِي الناسِ إِنسان
بانوا فبانتْ شجوني والهوى نَصَبٌ / فكيف لي وفراقُ الحيِّ خُسران
زَمّوا ركائبَهم والقلبُ عندهمُ / فها أنا اليومَ جسمٌ مَا لَهُ شان
زَوَّدتُهم نظرةً والشوقُ مُحْتَدم / وعارضُ الدمعِ فِي الخدين هَتّان
وخَلَّفوني أُراعِي النجمَ مرتقِباً / مُدلَّهاً فِي عِراكِ البين وَلْهان
يا ليتيم أخذوني والفؤادَ معاً / لَمْ يبقَ لي بعدهم هَمٌّ وأحزان
بالله يَا جِيرتي أَيْنَ الحُدوج سَرَتْ / فأنتُم جيرتي للحيِّ جيران
لا تكتموا بالهوى أقسمتُ أن لكم / سِرّاً لَهُ فِي فؤادي اليومَ كتمان
هم أَنْجَدوا وفؤادي ضاع بَيْنَهمُ / أم أَتْهَموا إنني بالحيِّ حَيْران
لله وا أسفي إن الهوى أَسَفٌ / قَدْ كَانَ قلبي وفيه الحيُّ سُكان
والآن لما غدَوا أصبحتُ منطرِحاً / وهل يقوم بغير الرُّوح جُثْمان
قَدْ كَلَّفوني لحاقَ الرَّكْبِ واظَمَئي / وكيف يَلحق إِثْرَ الركب ظمآنُ
فقمتُ أَخبِط بالوَعْساءِ مُلتمِساً / وناقتي وسَرابُ البيد سِيّان
وكلما قَطعتْ وهْداً سلكتُ بِهَا / مَجاهِلاً حَقَّها سَهْل وأَحْزان
وَجْناً شَمّرْدَلة مثلُ الظَّليم لَهَا / صدرٌ أُعِدَّ بِهِ للسَّبْق مَيْدان
لا تستقر عَلَى الخُفَّين داميةٌ / من الذَّميل ولا الضَّبُعَين قِرِدان
لا أَمترِي ناقتِي بالساق من تعبٍ / إِذ لَمْ يَؤُدْها الوَنَى وَهْدٌ وقِيعان
ولا السِّياط لَهَا فِي دَمِّها أَثَرٌ / قَدْ ساقنا من سياطِ الشوقِ عِيدان
رَنّاحةٌ إِن مشتْ مثلُ الهُيام بِهَا / كالبحر من رَهَج يَعْلوه طُوفان
تنسابُ فِي جَرْيها أَوْسعتُها عَنَقاً / كَأَنَّها بالفَلاةِ القَفْرِ ثعبان
في جَرْيها رَمَلٌ فِي مشيها وَجَل / لانتْ مَعاطِفُها والركبُ جَذلان
فقلت يَا ناقتي والرَّحْلُ مُختضِب / من أَدمُعي مَا لهذا الحيِّ تِبيان
إِن السَّرَى يَا رعاك اللهُ أَجْهَدني / وَقَدْ كفاكِ النوى نَصٌّ ووِخْدانُ
فَنَهْنَهنِي ناقتي أن الزمانَ لَهُ / فِي خطة البين تَطْنيب وأوطان
كنا لَفي سِنةٍ والدهرُ مُنتيِه / حَتَّى انتبهنا وَطَرْفُ الدهرِ وسْنان
إن الزمان أخو الأشجانِ من قِدَمٍ / لا تستقر لعينِ الدهر أَجفان
لا زال ذا الدهرُ مَغْروماً بِنَا كَلِفاً / مُشتِّتاً شملَنا فالدهرُ خَوّان
رُحماك يَا دهرَنا لَمْ أَجْنِ فاحشةً / بذلتُ نُصْحي أعُقْبَى النصح حرمان
أَوّاهِ منك تُريني وَجْه عارِفةٍ / أًَحنو إِلَيْكَ وَمَا للوجهِ برهانُ
خَوَّلَتني جَنةً راق النعيمُ بِهَا / أبعدَ ذَاكَ النعيمِ اليومَ نيران
أَقصَيتني عن كرامٍ كنت أَعهدُهم / لَمْ يبقَ لي بعدَهم يَا دهرُ سُلوان
أهكذا صحبةُ الأشرافِ يَا زمني / يكون من قربِهم للمرءِ خسران
إِلَى متى أحتسِي كأسَ الهموم وكم / أُقاسي زماناً لَهُ بالرأس عُنوان
أمَا كفَى أنني بالشيبِ مُلتثِمٌ / حَتَّى علا مثلَه بالفَوْد تِيجان
قد راعني والصِّبا تَنْدو غَوارِبُه / وشِرَّتي والشبابُ الغَضُّ رَيْعَانُ
فقمت والهمُّ يَلْحوني بشَفْرته / وللفَوادحِ فِي جنبيَّ أَفْنانُ
فلم أزل أَكْدح الأيامَ ملتمِساً / كَنْفاً ألوذ بِهِ إِن عوزَّ إمكان
فبتُّ أرصد عينَ النجمِ مرتقِباً / من ذا هو اليومَ لِلاّجِين مِعْوان
فلم أجد وَزَراً مما أًُكابِده / من الزمانِ فعَزَّ اليومَ وِجْدان
وَلَمْ أجد ف الورى إِلاَّ مخادَعةً / من الخَدينِ فما للحقِّ أَخْذان
أرى للمحبِّ يراني دونَه قَدْراً / وَلَيْسَ يعلم أَنَّ الكِبْرَ نُقْصان
إن الفتى نَعست عيناه عن سَفهٍ / فِي طبعه ولطبعِ الغيرِ يَقْظان
جِبِلَّةٌ فِي طباعِ الناسِ لازمةٌ / لو أنهم أنصفوا فِي الحكم مَا شانوا
كم ذا أُقضِّي حياةً مَا نَعِمتُ بِهَا / كَيْفَ النعيمُ وكلُّ الدهر أَشْجان
ضاق الخِناقُ وضاقت بالثراء يدي / فليس لي بسِوى الرحمنِ حِسْبان
وَلَيْسَ لي ملجأٌ كيما أَلوذ بِهِ / سوى أبي طارقٍ للعِرْضِ صَوّان
مُملَّك إن رأى المهمومُ سَحْنته / لَمْ يبرحَ الأرضَ إِلاَّ وهْو جَذْلان
خلائقٌ يَتنامَى المرءُ غُرْبَته / فلُطفُها عِوَضُ الأوطانِ أَوْطانُ
مملك لا يرى الدِّينارَ ناظرُه / فما لَهُ لاجتماعِ المالِ خُزّان
لو أنما حَلَّت الدنيا براحتِه / لَمْ يبقَ يوماً بوجهِ الأرض جَوْعان
ما قام فِي بلدٍ إِلاَّ وسال بِهَا / من فَيْضِه ببقاعِ الأرضِ وِدْيان
فكم لَهُ من تُراثِ المجدِ أَوْرَثه / أُولو المَكارِمِ سُلطان وسلطان
فبابُه يلْتَجي حَتَّى البقاعِ بِهِ / وَقَدْ شكى من ظفار الخوفَ عُريان
أتاهم ناصِرٌ والأمرُ مرتبِك / والخوفُ مَا بَيْنَهم يُزْجِيه طُغيان
لا يخرجون عَلَى الأبواب من حذَرٍ / خوفَ القتالِ وهم فِي الحرب شجعان
في ثامنٍ حَلَّ والعشرين ساحتَهم / من شهرِ شعبانَ نِعْمَ الشهر شعبانُ
فأصبحوا عُزَّلاً من دونِ أسلحةٍ / والوعرُ من أَمْنِه والسهلُ ملآنُ
والبَهْمُ تَرْعَى الحيا فِي القفرِ سائمةً / مَا راعَها بالفَلا والدَّوِّ ذِئْبان
والأرضُ تَرْجِف من خوفٍ ومن فرحٍ / والإنس والجنّ فِي الحالين صِنْوان
أمست ظفار بأمنِ اللهِ فِي حَرَم / ووجهُها بمليك الأرضِ رَيَّان
تَهْمِي بِهَا من سَحابِ الفخرِ غاديةٌ / يَخْضرُّ من وَدْقها للمجد أغصان
واستمطرتْ تَذْرِف العينين من فرحٍ / إن الكريم لَيَبْكي وهْو فرحان
وغَيَّم الأَفْقُ وانهلَّت مَدامعُه / كَأَنَّما قَدْ عرا عينيه هَمْلانُ
واخضرَّتِ الأرضُ مثلَ الروضِ ضاحكةً / وَقَدْ كستْها ثيابَ الزَّهر ألوانُ
وزَمْجَر البحرُ مسروراً وهاج بِهِ / عَواصفٌ فكأن البحر غضبان
فيا لَهُ من خريفٍ زادني كَلَفاً / مَا أَبْهَج الأُنسَ أن لو طال إِدمان
طابتْ لَنَا سَكَناً حَتَّى غَدت وطناً / فها إذن نحن بالجريب رُكْبانُ
في أرضِ يعبوبَ تَخْدي اليَعْملات بِنَا / يَحفُّنا من زهور الروضِ أغصانُ
بنفسجٌ وشَميمُ الجُلَّنارِ بِهَا / وزِمْبقٌ وكبارُ الدَّوح ميطان
والياسَمين كمثلِ الدوحِ مُشتبِكٌ / وَقَدْ كُسِي من ثيابِ الزهر أَكفان
تمشي بِنَا والحَيا يعلو كَواهِلَها / وفَرْشُنا نَفْحُها ورد ورَيْحَان
تَرْقَى سَنابِكها فَوْقَ السما حُبُكاً / كَأَنَّما نحن فَوْقَ العرشِ سُكّان
ظَلّتْ بِنَا ترتمي بالبيدِ جافلةً / كَأَنَّما نحن بالبيداء قُطّان
جُبْنا بِهَا فَدْفَداً راقتْ نضارتُه / كالبحرِ خُضرتُه حَفَّته غِيطانُ
حَتَّى ارتحلْنا لأرضٍ راقَ منظرُها / أرضٍ لَهَا من صنوفِ الحسن ألوان
سكانُها من كشوب زان مسكنَهم / يحمون أرضَهُم شِيبٌ وشُبان
أرض لَهَا فِي تبوكٍ قِسْمَةٌ مُزِجت / بحسنِ بهجتها والحسنُ فَتّان
ثُمَّ انتهى سيرُنا والأُنسُ يَخْفِرُنا / أرض لَهَا قُطُنٌ للجودِ أخدان
راقتْ بساتينُها روضاً بِهَا سَكَنٌ / مثلُ الدُّمَى ظَبَياتُ الإِنسِ غِزْلانُ
ناختْ ركائبُنا والطيرُ تهتف مَا / بَيْنَ الغصونِ لَهَا بالسَّجْعِ ألحان
والريحُ تَخْفق والأعلامُ قَدْ نُشِرت / وأُنْسُنا كم لَهُ بالنُّطق إِعلانُ
وبيننا الملك الميمون ذو خُلْقٍ / طَلْق المُحَيا فصيح النطق سَحْبان
مُدرَّع بفنون المجد مُتَّزِر / بوجهه من طُروسِ الفضل عنوان
لا زال فِي فَلك الإسعادِ طالعُه / يَنْهَلُّ من كفه بالجود فَيْضان
تِيهي ظفار فأنتِ اليومَ في شرفٍ / تَقاصرتْ دونَه مصرُ ونَعمان
أتاك من مَدد الرحمنِ ذو كرمٍ / أَمدَّه بجيوشِ النصر رَحْمَن
سموتِ من شرفٍ فَوْقَ النجوم عُلىً / يَنْحطُّ عنك السُّها قَدْراً وكِيوان
حَلِيت بالمجدِ عِقْداً زانَه شرفٌ / إن البقاعَ بشَرعِ العدل تَزْدان
أصبحتِ فِي حُلَل النُّعْمَى مَزَمَّلةً / تُضْفِي عَلَيْكَ من التوفيق أرْدان
إِذ صرتِ بالملك الميمون آمنةً / وجندُه لَكَ أنصارٌ وأعوان
فلْيَهْنِك الشرفُ المخفورُ من ملك / يدور بالسعدِ مَهْمَا دار أزمان
أرَّحتُه زمناً حَلَّ الأمانُ بِهِ / نصرٌ وبرٌّ وتوفيقٌ فإمكان
بَيْنَ السُّهَا والفَرْقَدَين زَبونُ
بَيْنَ السُّهَا والفَرْقَدَين زَبونُ / ولكلّ جِذْر بالفَخارِ غُصونُ
ملكٌ لَهُ بالنِّيِّرَين سكون / يَا بدرُ إنك والحديث شُجون
مَا لَمْ يكن لمثاله تَكوين /
أنت الأمينُ وَفِي سواك خيانة / وعليك من سِمَة الجلالِ علامة
نسبُ الملوكِ إِلَى عُلاك قُلامة / لَعُظمتَ حَتَّى لو تكون أمانة
مَا كَانَ مؤتَمَناً بِهَا جِبْرِينُ /
وجريتَ فِي فَلك الغَزالة راقياً / حَتَّى تركت البدر دونَك وافيا
يأبى سموُّك أن يُرَى متناهياً / بعضُ البرية دونَ بَعضٍ خاليا
فإذا حضرتَ فكلُّ فوقٍ دونُ /
كنتُ فِي الأُفق حافظاً تركوني
كنتُ فِي الأُفق حافظاً تركوني / إِن تَرَوني بالأرض لا تُنكروني
إن أهلي عَلَى الثرى نبَذوني / أنا درٌّ من السما نَثَروني
يوم تزويجِ والدِ السِّبْطَيْنِ /
كنت أقوى من النجومِ انقِضاضاً / عَوَّضوني فِي الأرضِ عنه انقِباضا
وسقَوني من الدماء حِياضاً / كنت أصفَى من اللُّجين بياضا
صبغتني دماءُ نحرِ الحسينِ /
أَتَحْسَبُني الأيامُ عنها سأَنثَنِي
أَتَحْسَبُني الأيامُ عنها سأَنثَنِي / وعزمي بأفْق الشمسِ للمجدِ يَبْتَني
ومن يطلبِ العلياءَ بالصبر يَقْتَني / تَنَكَّر لي دهري وَلَمْ يَدْرِ أنني
أَعَزُّ وأحدثُ الزمان تهونُ /
زماني عَلَى الأحرارِ جَلَّ بَلاؤُهُ / ومن أفضلِ الأقوامِ عَزَّ وَلاؤُهُ
طفقتُ أُعانيه فطال عَنَاؤُهُ / فظل يُريني الخَطْبَ كيْفَ اعتداؤه
وبتُّ أريه الصبرَ كيْفَ يكونُ /
أبي الدهرُ إِلاَّ أن يُفرِّق بَيْنَنا
أبي الدهرُ إِلاَّ أن يُفرِّق بَيْنَنا / ويُبعِد أحباباً كي يقربَ بَيْنَنا
فراقُك يومَ البينِ كدَّر عيشَنا / فقدناك فقدان الربيع وليتنا
فديناك من غلماننا بألوف /
خليليَّ إِني للمُحبِّ وإِنْ جَنى
خليليَّ إِني للمُحبِّ وإِنْ جَنى / حريصٌ عَلَيْهِ إن تباعد أَوْ دنا
لَهُ مسكنٌ وَسْط الحشاشة قَدْ بنَى / جَزى الله خيراً من أُحبّ وإِنْ نأى
لقولِ عَذولٍ ل لقَصْد جفاءِ /
عَلَى الحِبِّ مني مَا حييتُ تحيةٌ / فإن وفائي فِي الغرام سَجيةٌ
طُبعت عَلَيْهَا والطِّباعُ جِبِلَّةٌ / فبالقلبِ منى لا تزال مودةٌ
لَهُ أبداً موصولةٌ بوفاءِ /
نصحتُك والعلى تُنْبِيك عني
نصحتُك والعلى تُنْبِيك عني / باني فيك أُرْمَى بظَنِّ
فإن قال الحسود ونال مني / فأبلغْ حاسدي عني بأني
كَبا برقٌ يحاول بي لَحاقا /
إذَا مَا كنتَ شهماً ذا سُمُوِّ / فلا تدعِ الأعادي فِي هُدُوِّ
فزَعزِعهم ولا تكُ ذا حُنُوِّ / وهل تُعنى الرسائلُ فِي عدو
إذَا هي لَمْ تكن بِيضاً رِقاقا /
إذَا اختبر الأنامَ أخٌ أديبُ / فإني حاذق بهمُ طبيبُ
عَراني من تجاربهم مَشيب / إذَا مَا الناسُ جربهم لبيب
فإني قَدْ أكلتهمُ ذَواقا /
لقد نَشَرُوا النِّفاقَ لهم شِراعاً / وَقَدْ مَدّوا من التزويق باعا
فما أرجو الخَلْقَ انتفاعاً / فلم أر ودهم إِلاَّ خداعا
ولم أر دينَهم إِلاَّ نفاقا /
واهاً لدهرٍ جرى والخيرُ فِي قَرَنِ
واهاً لدهرٍ جرى والخيرُ فِي قَرَنِ / جررتُ فِيهِ بميدان العُلَى رَسَني
مضى بدولته الغَرَّا وخَلَّفني / كا كنتُ أُوتر أَنْ يمتدَّ لي زمني
حَتَّى أرى دولةَ الأوغادِ والسِّفَلِ /
ما لي وَمَا لهمُ خُلِّفت عندهمُ / وصحبةُ الضِّدِّ قرحٌ كلُّه أَلَمُ
أما دَرَى الدهرُ مَا وَقْعي وحَطِّهمُ / تَقدمتْني أناسٌ كَانَ شوطُهُمُ
وراءَ خَطْوِي ولو أمشي عَلَى مَهَل /
قَضوا حقوقَ العُلى لما بهم / وأَسلموني بقومٍ وُدُّهم سَمِجُ
كذا قضى الدهرُ أن يَسْتأسد الهَمَج / كذا جزاءُ امرئٍ أقرانُه دَرَجوا
من قبلِه فتمنَّى فُسحةَ الأَجَلِ /
تَصَدَّروا وتَدَلَّت لي بهم رُتَبُ / والذنبُ لي أنني رأسٌ وهم ذَنَبُ
عَلَوا عليَّ وهم دوني فلا رِيَبُ / وإن علاني من دوميَ فلا عَجَب
لي أُسوةٌ بانحطاط الشمسِ عن زُحَل /
تُصوِّب نحوِي الرماية عَيْنَها
تُصوِّب نحوِي الرماية عَيْنَها / كأني غَريم جئتُ أطلب دَيْنَها
فلما دنتْ مني وأَبدت لُجَينها / رمتْني وسترُ اللهِ بيني وبينها
عشيةَ أرام الكِناس رَميمُ /
إِذَا أنت لَمْ تسمع بِهَا وبصيتِها / وَلَمْ تدرِ من صَرْعَى العيون وميتِها
هدتْك بقَتْلاها مصابيحُ زيتها / رَميمُ الَّتِي قالت لجيران بيتها
ضمنتُ لكم ألا يزال يَهيمُ /
لقد صار حبي للمكَارِم دَيْدَناً
لقد صار حبي للمكَارِم دَيْدَناً / وقَطْعِي حُزونَ المجدِ أَشْهَى وأحسنا
ولستُ أُبالي شَطَّ حبي أدونا / وللخَوْد مني ساعةٌ ثُمَّ بَيْنَنا
فلاةٌ إِلَى غير اللقاءِ تُجاب /
ونفسي وإِن هانتْ عليَّ أَبيَّة / وصحبةُ أهلِ الفضلِ عندي شَهية
وبذلُ عزيزِ المالِ فيَّ سجية / وغير فؤادي للغواني رَميَّة
وغير بناني للزِّجاج رِكابُ /
إِذَا مُزعِجاتُ الدهرِ يوماً أَصبْننِي
إِذَا مُزعِجاتُ الدهرِ يوماً أَصبْننِي / وليلاتُ سوءٍ للبَلايا نَصَبنني
وسودُ الليالي بالرَّزايا أَشَبْنني / فلا تسألَنِّ كَيْفَ أنت فإنني
صبورٌ عَلَى رَيْبِ الزمان صَليبُ /
تجلدتُ كيما أن تُرى بي صَلابة / وأصبو وَمَا بي نَشْوَةٌ أَوْ صَبابة
وطِبتُ ونفسي بالزمانِ مُصابة / حريصٌ عَلَى أن لا يُرَى بي كآية
ويشمتَ عادٍ أَوْ يُساءَ حبيبُ /