القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو القاسم الشابي الكل
المجموع : 8
أَظَلَّ الوُجُودَ المساءُ الحزينُ
أَظَلَّ الوُجُودَ المساءُ الحزينُ / وفي كفِّهِ معْزَفٌ لا يُبينْ
وفي ثَغرهِ بَسَماتُ الشُّجونِ / وفي طَرفِهِ حَسَراتُ السِّنينْ
وفي صدرِهِ لوعةٌ لا تَقِرُّ / وفي قلبِهِ صَعَقَاتُ المَنونْ
وقبَّلَهُ قُبَلاً صامِتاتٍ كما / يَلْثُمُ الموتُ وَرْدَ الغُصُون
وأَفضى إليه بوحْيِ النُّجُومِ / وسِرِّ الظَّلامِ ولَحْنِ السُّكونْ
وأَوْحى إليه مَزامِيرَهُ / فغنَّتْ بها في الظَّلامِ الحُزُونْ
وعَلَّمَهُ كيفَ تأسى النُّفوسُ / ويَقضي يَؤوساً لديها الحَنينْ
وأَسْمَعَهُ صَرَخاتِ القُلُوبِ / وأَنْهَلَهُ مِنْ سُلافِ الشُّؤونْ
فأَغفى على صدرِهِ المطمَئِنِّ / وفي روحِهِ حُلُمٌ مُسْتَكينْ
قويٌّ غَلُوبٌ كسِحْرِ الجُفُونِ / شجيٌّ لَعوبٌ كزهرٍ حَزينْ
ضَحوكٌ وقد بلَّلتهُ الدُّموعُ / طَرُوبٌ وقد ظَلَّلَتْهُ الشُّجُونْ
تعانِقُهُ سَكَراتُ الهَوَى / وتحضُنُهُ شَهَقَاتُ الأَنينْ
يُشابِهُ روحَ الشَّبابِ الجميلِ / إِذا مَا تأَلَّقَ بَيْنَ الجُّفونْ
أَعادَ لنفسي خَيالاً جميلاً / لَقَدْ حَجَبَتْهُ صُرُوفُ السِّنينْ
فَطَافَتْ بها هَجَسَاتُ الأَسى / وعادَتْ لها خُطُواتُ الجُنُونْ
أَظَلَّ الفضاءَ جناحُ الغروبِ / فأَلقى عليهِ جمالاً كَئيبْ
وأَلبَسَهُ حُلَّةً من جَلالٍ شجيٍّ / قويٍّ جميلٍ غَلُوبْ
فنامَتْ على العُشْبِ تِلْكَ الزُّهُورُ / لمرأَى المساءِ الحزينِ الرَّهيبْ
وآبَتْ طيورُ الفضاءِ الجميلِ / لأوكارِها فرِحاتِ القُلُوبْ
وقدْ أَضمرَتْ بأَغاريدها / خيالَ السَّماءِ الفسيح الرَّحيبْ
وَوَلَّى رُعاةُ السَّوامِ إلى الحيِّ / يُزْجُونها في صُماتِ الغُروبْ
فتَثْغُو حنيناً لحِمْلانِها / وتقطفُ زهرَ المُروجِ الخَصيبْ
وهمْ يُنشِدونَ أَهازيجَهمْ بصوتٍ / بهيجٍ فَرُوحٍ طَرُوبْ
ويَسْتَمْنِحونَ مزاميرهم / فتمنحُهُمْ كُلَّ لحنٍ عجيبْ
تطيرُ بهِ نَسَماتُ الغروبِ / إلى الشَّفقِ المُسْتَطيرِ الخَلُوبْ
وتوحي لهم نَظَرَاتُ الصَّبايا / أَناشيدَ عهدِ الشَّبابِ الرَّطيبْ
وأَقْبَلَ كُلٌّ إلى أهلِهِ / سِوَى أملي المستطارِ الغَريبْ
فقد تاهَ في مَعْسَباتِ الحَيَاة / وسُدَّتْ عليه مناجي الدُّروبْ
وظلَّ شَريداً وحيداً بعيداً / يُغالبُ عُنْفَ الحَيَاةِ العَصيبْ
وقد كانَ مِنْ قبلُ ذا غبطةٍ / يُرفرفُ حولَ فؤادي الخَصيبْ
ولمَّا أَظلَّ المَساءُ السَّماءَ / وأسكَرَ بالحُزْنِ روحَ الوُجُودْ
وقفتُ وساءلتُهُ هل يَؤوبُ لقلبي / رَبيعُ الحَيَاةِ الشَّرودْ
فَتَخْفُقُ فيه أَغاني الورودِ / ويخضرُّ فِرْدَوْسُ نفسي الحَصيدْ
وتختالُ فيهِ عَروسُ الصَّباحِ / وتمرَحُ نَشْوَى بذاكَ النَّشيدْ
ويَرجعُ لي مِنْ عِراصِ الجحيمِ / سلامُ الفؤادِ الجميلُ العهيدْ
فقد كبَّلَتْهُ بَناتُ الظَّلامِ / وأَلقيْنَهُ في ظلامِ اللُّحودْ
فأَصْغى إلى لَهَفي المستمرِّ / وخاطَبَني مِنْ مكانٍ بعيدْ
تَعودُ ادِّكاراتُ ذاكَ الهَوَى / ولكنَّ سِحْرَ الهَوَى لا يَعودْ
فجَاشَتْ بنفس مآسي الحَيَاةِ / وسخطُ القُنُوطِ القويِّ المُريدْ
ولمَّا طَغَتْ عَصَفاتُ القُنُوط / فمادتْ بكلِّ مَكِينٍ عَتيدْ
أَهَبْتُ بقلبي الهلوعِ الجزوعِ / وكانَ مِنْ قبلُ جَلْداً شَديدْ
تجلَّدْ ولا تَسْتَكِنْ للَّيالي / فما فازَ إلاَّ الصَّبورُ الجَليدْ
ولا تَأْسَ مِنْ حادِثاتِ الدُّهُورِ / فخَلْفَ الدَّياجيرِ فَجْرٌ جَديدْ
ولولا غيومُ الشِّتاءِ الغِضابُ / لما نَضَّدَ الرَّوضُ تِلْكَ الوُرودْ
ولولا ظَلامُ الحَيَاةِ العَبُوسُ / لما نَسَجَ الصُّبْحُ تِلْكَ البُرُودْ
كنَّا كَزَوْجَيْ طائرٍ
كنَّا كَزَوْجَيْ طائرٍ / في دَوْحَةِ الحُبِّ الأَمينْ
نَتْلو أَناشيدَ المنى / بَيْنَ الخمائلِ والغُصُونْ
مُتَغَرِّدينَ مع البَلابلِ / في السُّهولِ وفي الحزونْ
مَلأَ الهَوَى كأْسَ الحَيَاةِ لنا / وشَعْشَعَها الفُتونْ
حتَّى إِذا كِدْنا نُرَشِّفَ / خَمْرَها غَضِبَ المَنُونْ
فَتَخَطَّفَ الكأسَ الخلوبَ / وحطَّمَ الجامَ الثَّمينْ
وأَراقَ خَمْرَ الحُبِّ / في وادي الكآبَةِ والأَنينْ
وأَهابَ بالحُبِّ الوديعِ / فودَّعَ العُشَّ الأَمينْ
وشدَا بلحنِ الموتِ / في الأُفُق الحزينِ المُسْتَكينْ
ثمَّ اختفى خَلْفَ الغُيومِ / كأَنَّهُ الطَّيفُ الحَزينْ
يا أَيُّها القلبُ الشَّجيُّ / إلامَ تُخْرِسُكَ الشُّجونْ
رُحْماكَ قَدْ عَذَّبْتَني بالصَّمتِ / والدَّمعِ الهَتُونْ
ماتَ الحَبيبُ وكلُّ مَا قَدْ / كُنْتَ ترجو أَن يكونْ
فاصْبِرْ على سُخْطِ الزَّمانِ / وما تُصَرِّفُهُ الشُّؤُونْ
فلَسَوْفَ يُنْقِذُكَ المَنُونُ / ويفرحُ الرُّوحُ السَّجينْ
وردُ الحَيَاةِ مُرَنَّقٌ / والموتُ مَوْرِدُهُ مَعينْ
ولرُبَّما شاقَ الرَّدى الدَّاجي / وأعماقُ المنونْ
قلباً تُرَوِّعُهُ الحَيَاةُ / ولا تُهادِنُهُ السُّنُونْ
ومَشَاعِراً حَسْرى يسيرُ بها / القُنُوطُ إلى الجُنونْ
اسْكُني يا جِراحْ
اسْكُني يا جِراحْ / واسْكُتي يا شُجُونْ
ماتَ عَهْدُ النُّواحْ / وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطَلَّ الصَّبَاحْ / مِنْ وراءِ القُرُونْ
في فِجاجِ الرَّدى / قَدْ دفنتُ الأَلمْ
ونثرتُ الدُّموعْ / لرِيَاحِ العَدَمْ
واتَّخذتُ الحَيَاةْ / معزفاً للنَّغَمْ
أَتغنَّى عليهْ / في رِحابِ الزَّمانْ
وأَذبتُ الأَسَى / في جمالِ الوُجُودْ
ودَحَوْتُ الفؤادْ / واحةً للنَّشيدْ
والضِّيا والظِّلالْ / والشَّذَى والورودْ
والهوى والشَّبابْ / والمنى والحَنانْ
اسكُني يا جراحْ / واسكُتي يا شُجونْ
ماتَ عَهْدُ النُّواحْ / وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطَلَّ الصَّبَاحْ / مِنْ وراءِ القُرُونْ
في فؤادي الرَّحيبْ / مَعْبَدٌ للجَمَالْ
شيَّدتْهُ الحَيَاةْ / بالرُّؤى والخَيالْ
فَتَلَوْتُ الصَّلاةْ / في خشوعِ الظِّلالْ
وحَرَقْتُ البُخُورْ / وأَضَأْتُ الشُّمُوعْ
إنَّ سِحْرَ الحَيَاةْ / خَالدٌ لا يزولْ
فَعَلامَ الشَّكَاةْ / مِنْ ظَلامٍ يَحُولْ
ثمَّ يأتي الصَّباحْ / وتَمُرُّ الفُصُولْ
سوف يأتي رَبيعْ / إن تقضَّى رَبيعْ
اسكُني يا جراحْ / واسكُتي يا شُجونْ
ماتَ عَهْدُ النُّواحْ / وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطَلَّ الصَّبَاحْ / مِنْ وراءِ القُرُونْ
مِنْ وراءِ الظَّلامْ / وهديرِ المياهْ
قَدْ دعاني الصَّباحْ / ورَبيعُ الحَيَاهْ
يا لهُ مِنْ دُعاءْ / هزَّ قلبي صَداهْ
لمْ يَعُدْ لي بقاءْ / فَوْقَ هذي البقاعْ
الْوَداعَ الوَداعْ / يا جِبَالَ الهُمومْ
يا ضَبابَ الأَسى / يا فِجاجَ الجحيمْ
قَدْ جرى زَوْرَقي / في الخِضَّمِ العَظيمْ
ونشرتُ القلاعْ / فالوَداعْ الوداعْ
هَهُنا في خمائل الغابِ تَحْتَ الزَّا
هَهُنا في خمائل الغابِ تَحْتَ الزَّا / نِ والسِّنديان والزَّيتونِ
أَنتِ أَشهى من الحَيَاةِ وأَبهى / من جمالِ الطَّبيعَةِ الميمونِ
مَا أَرقَّ الشَّبابَ في جسمِكِ الغَضِّ / وفي جيدكِ البديعِ الثَّمينِ
وأَدقَّ الجمالَ في طرفكِ السَّاهي / وفي ثغرِكِ الجميلِ الحَزينِ
وأَلذَّ الحَيَاةَ حينَ تغنِّي / نَ فأُصْغي لصوتِكِ المحزونِ
وأَرى روحكِ الجميلَةَ عِطراً / ضايعاً في حلاوةِ التَّلحينِ
قَدْ تَغَنَّيْتِ منذُ حينٍ بصوتٍ / ناعمٍ حالمٍ شجيٍّ حنونِ
نغماً كالحَيَاةِ عذباً عميقاً / في حَنَانٍ ورقَّةٍ وحنينِ
فإذا الكونُ قطعةٌ من نشيدٍ / علويٍّ منغَّمٍ موزونِ
فلِمَنْ كنتِ تنشدين فقالتْ / للضياءِ البنفسجيِّ الحزينِ
للضَّبابِ المورّد المتلاشي / كخيالاتِ حالمٍ مفتونِ
للمساءِ المطلِّ للشَّفَقِ السَّا / جي لسِحْرِ الأَسى وسِحْرِ السُّكونِ
للعبيرِ الَّذي يرفرفُ في الأفْ / قِ ويفنى مِثْلَ المنى في سكونِ
للأغاني التي يُرَدِّدُها الرَّا / عي بمزمارِهِ الصَّغيرِ الأَمينِ
للرَّبيعِ الَّذي يؤجِّجُ في الدُّ / نيا حياةَ الهَوَى وروحَ الحنينِ
ويوشِّي الوُجُودَ بالسِّحْرِ والأَحلا / مِ والزَّهْرِ والشَّذى واللُّحونِ
للحياةِ التي تغنِّي حوالَيَّ / على السَّهْلِ والرُّبى والحُزُونِ
للينابيعِ للعصافيرِ للظِّلِّ / لهذا الثَّرى لتلكَ الغُصونِ
للنَّسيمِ الَّذي يضمِّخُ أَحلا / مي بعِطْرِ الأَقاحِ واللَّيمونِ
للجَمالِ الَّذي يفيضُ على الدُّ / نيا لأشواقِ قلبيَ المشجونِ
للزَّمانِ الَّذي يوشِّحُ أَيَّا / مي بضَوءِ المنى وظلِّ الشُّجونِ
للشَّبابِ السَّكرانِ للأَمَلِ المع / بود لليأْسِ للأَسى للمَنُونِ
فَتَنَهَّدْتُ ثمَّ قلتُ وقلبي / مَنْ يغنِّيهِ مَنْ يُبيدُ شُجوني
قالتِ الحُبُّ ثمَّ غنَّتْ لقلبي / قُبَلاً عبقريَّةَ التَّلحينِ
قُبَلاً علَّمتْ فؤادي الأغاني / وأَنارتْ لهُ ظلامَ السِّنينِ
قُبَلاً تَرقُصُ السَّعادَةُ والحبُّ / على لحنِها العميقِ الرَّصينِ
وأَفَقْنا فقلتُ كالحالمِ المس / حورِ قولي تَكَلَّمي خَبِّريني
أَيُّ دُنيا مسحورةٍ أَيُّ رؤيا / طالَعَتْني في ضوءِ هذا العيونِ
زُمَرٌ من ملائكِ الملأ الأع / لى يُغنُّونَ في حُنُوٍّ حَنُونِ
وصبايا رواقصٌ يتراشقْ / نَ بزهرِ التُّفَّاحِ والياسَمينِ
في فضاءٍ موَرَّدٍ حالمٍ سَا / هٍ أَطافتْ بهِ عَذارى الفُنونِ
وجحيمٍ تَؤُجُّ تَحْتَ فَرادِي / سَ كأَحلامِ شاعرٍ مجنونِ
أَيُّ خمرٍ مُؤَجَّجٍ ولهيبٍ / مُسكرٍ أَيُّ نشوَةٍ وجنونِ
أَيُّ خمرٍ رشفتُ بل أَيُّ نارٍ / في شفاهٍ بديعَةِ التَّكوينِ
وَرَّدتْها الحَيَاةُ في لَهَبِ السِّح / رِ ونُور الهَوَى وظلِّ الشُّجونِ
أَيُّ إثْمٍ مقدَّسٍ قَدْ لبسنا / بُرْدَهُ في مسائنا الميمونِ
فَبَدَا طيفُ بسمةٍ سَاحِرٌ عَذْ / بٌ على ثَغرِها قوِيُّ الفتونِ
وأَجابتْ وكلّها فتنةٌ تُغ / وي وتُغري بالحبِّ بلْ بالجنونِ
أَبداً أَنْتَ حالمٌ فاسألِ اللَّيْ / لَ فعندَ الظَّلامِ عِلْمُ اليقينِ
وسكتنا وغرَّدَ الحبُّ في الغا / بِ فأصغى حتَّى حَفيفُ الغُصونِ
وبنى اللَّيلُ والرَّبيعُ حوالي / نا من السِّحْرِ والرُّؤى والسُّكُونِ
معبداً للجمالِ والحبِّ شِعْرِيًّا / مَشيداً على فِجاجِ السِّنينِ
تَحْتَهُ يزخرُ الزَّمانُ ويجري / صامتاً في مَسيلهِ المحزونِ
وتمرُّ الأَيَّامُ والحُزْنُ والمو / تُ بعيداً عن ظلِّهِ المأمونِ
معبداً ساحراً مباخِرُهُ الزَّه / رُ على الصَّخرِ والثَّرى والغُصونِ
كلُّ زهرٍ يَضُوعُ منهُ أَريجٌ / من بخُورِ الرَّبيعِ جَمُّ الفُتونِ
ونجومُ السَّماءِ فيهِ شموعٌ / أَوْقَدَتْها للحُبِّ روحُ القُرونِ
ومضتْ نسْمةٌ تُوَسْوِسُ للغا / بِ وتشدو في عمقِ ذاكَ السُّكونِ
وطغى السِّحْرُ والغرامُ بقلبي / فتوسَّلْتُ ضارعاً بجفوني
طهِّري يا شقيقَةَ الرُّوحِ ثَغري / بلهيبِ الحَيَاةِ بلْ قَبِّليني
إنَّ نارَ الحَيَاةِ والكوثرَ المن / شودَ في ثغرِكِ الشَّهيِّ الحزينِ
فهو كأسٌ سِحْرِيَّةٌ لرحيقِ ال / خُلْدِ قَدْ صاغَها إلهُ الفنونِ
قبِّليني وأَسْكِري ثغريَ الصَّا / دي وقلبي وفِتنتي وجنوني
علَّني أَستطيعُ أَنْ أَتغنَّى / لجمالِ الدُّجى بوحيِ العُيونِ
آه مَا أَجملَ الظَّلامَ وأَقوى / وحيَهُ في فؤاديَ المفتونِ
انظري اللَّيلَ فهو حلَّة الأَح / لامِ يمشي على الذُّرى والحُزُونِ
واسمعي الغابَ فهو قيثارَةُ الكو / نِ تغنِّي لحبّنا الميمونِ
إنَّ سِحْرَ الضَّبابِ واللَّيلِ والغا / بِ بعيدُ المدى قويُّ الفُتونِ
وجمالَ الظَّلامِ يعبقُ بالأَح / لامِ والحُبِّ فابْسِمِي والثُمِيني
آهِ مَا أَعذبَ الغَرامَ وأَحلى / رنَّةَ اللَّثْمِ في خُشوعِ السُّكونِ
وسَكِرْنا هناكَ في عالمِ الأَح / لامِ تَحْتَ السَّماءِ تَحْتَ الغصونِ
وتوارى الوُجُودُ عنَّا بما في / هِ وغبنا في عالمٍ مفتونِ
ونسينا الحياة والموتَ والسُّكو / نَ وما فيهِ مِنْ مُنًى ومَنُونِ
يا ربَّةَ الشِّعرِ والأَحلام غنِّيني
يا ربَّةَ الشِّعرِ والأَحلام غنِّيني / فقد سَئِمْتُ وُجومَ الكونِ مِنْ حينِ
إنَّ اللَّيالي اللَّواتي ضمَّختْ كَبِدِي / بالسِّحْرِ أَضْحتْ مع الأَيَّامِ ترميني
نَاختْ بنفسي مآسيها وما وَجَدَتْ / قلباً عطوفاً يُسَلِّيها فَعَزِّيني
وهدَّ مِنْ خَلَدِي نَوْحٌ تُرَجِّعُهُ / بَلْوَى الحَيَاةِ وأَحزانُ المَسَاكينِ
على الحَيَاةِ أَنا أَبكي لشَقْوَتِها / فمنْ إِذا مُتُّ يبكيها ويبكيني
يا رَبَّةَ الشِّعْرِ غنِّيني فقد ضَجِرَتْ / نفسي منَ النَّاسِ أبناءِ الشَّياطينِ
تَبَرَّمَتْ بينيَ الدُّنيا وأَعوَزَها / في مِعزفِ الدَّهرِ غرِّيدُ الأَرانينِ
وراحَةُ اللَّيلِ ملأَى مِنْ مدامِعِهِ / وغادَةُ الحبِّ ثَكْلى لا تغنِّيني
فهلْ إِذا لُذْتُ بالظَّلماءِ مُنْتَحِباً / أَسلو وما نَفْعُ محْزونٍ لمحزونِ
يا ربَّةَ الشِّعرِ إنِّي بائسٌ تَعِسٌ / عَدِمْتُ مَا أَرتجي في العالمِ الدُّونِ
وفي يديكِ مزاميرٌ يُخالِجُها / وَحْيُ السَّماءِ فهاتيها وغَنِّيني
ورتِّلي حولَ بيتِ الحُزْنِ أُغنيةً / تجلُو عن النَّفسِ أَحوانَ الأَحايينِ
فإنَّ قلبيَ قبرٌ مُظلمٌ قُبِرَتْ / فيهِ الأَماني فما عادتْ تناغيني
لولاكِ في هذه الدُّنيا لمَا لَمَسَتْ / أَوتارُ روحِيَ أَصواتَ الأَفانينِ
ولا تَغَنَّيْتُ مأخوذاً ولا عَذُبَتْ / ليَ الحَيَاةُ لدى غَضِّ الرَّياحينِ
ولا ازدهى النَّفْسَ في أَشْجانها شَفَقٌ / يُلوِّنُ الغَيْمَ لهواً أَيَّ تلوينِ
ولا استخفَّ حياتي وهيَ هائمةٌ / فجرُ الهَوَى في جفونِ الخُرَّدِ العِينِ
مَا كنتُ أَحْسَبُ بعدَ موتكَ يا أَبي
مَا كنتُ أَحْسَبُ بعدَ موتكَ يا أَبي / ومشاعري عمياءُ بالأَحزانِ
أَنِّي سأَظمأُ للحياةِ وأَحتسي / مِنْ نهْرِها المتوهِّجِ النَّشوانِ
وأَعودُ للدُّنيا بقلبٍ خافقٍ / للحبِّ والأَفراحِ والأَلحانِ
ولكلِّ مَا في الكونِ من صُوَرِ المنى / وغرائِبِ الأَهواءِ والأَشْجانِ
حتَّى تَحَرَّكَتِ السُّنونُ وأَقبلتْ / فِتَنُ الحَيَاةِ بسِحْرِها الفتَّانِ
فإذا أَنا مَا زلتُ طفلاً مُولَعاً / بتعقُّبِ الأَضواءِ والأَلوانِ
وإذا التَّشاؤُمُ بالحَيَاةِ ورفضُها / ضرْبٌ من البُهْتانِ والهَذَيانِ
إنَّ ابنَ آدمَ في قرارَةِ نفسِهِ / عبدُ الحَيَاةِ الصَّادقُ الإِيمانِ
إنَّ هذي الحَيَاةَ قيثارَةُ اللهِ
إنَّ هذي الحَيَاةَ قيثارَةُ اللهِ / وأَهْلُ الحَيَاةِ مِثْلُ اللًّحُونِ
نَغَمٌ يَسْتَبي المَشاعِرَ كالسِّحْرِ / وصَوْتٌ يُخِلُّ بالتَّلْحينِ
واللَّيالي مَغَاوِرٌ تُلْحِدُ اللَّحْنَ / وتَقْضي على الصَّدى المِسْكِينِ
أَيُّ ناسٍ هذا الوَرَى مَا رأى
أَيُّ ناسٍ هذا الوَرَى مَا رأى / إلاَّ برايا شقيَّةً مجنونَهْ
جبَّلتْها الحَيَاةُ في ثورة اليأ / سِ من الشَّرِّ كيْ تُجِنُّ جُنُونَهْ
فأَقامتْ لهُ المعابدَ في الكو / نِ وصَلَّتْ لهُ وشَادَتْ حُصُونَهْ
كم فتاةٍ جميلةٍ مدحوها / وتغنَّوْا بها لكيْ يُسْقِطوها
فإذا صانَتِ الفَضيلَةَ عابو / ها وإنْ باعتِ الخَنَا عبدوها
أَصْبَحَ الحسنُ لعنةً تهبط الأَر / ضَ ليَغْوى أَبناؤُها وذووها
وشقيٍّ طافَ المدينَةَ يستج / دي ليَحْيَا فخيَّبوه احتقارا
أيقظوا فيهِ نزْعَةَ الشَّرِّ فانْقَضَّ / على النَّاسِ فاتكاً جبَّارا
يبذُرَ الرُّعبَ في القُلُوبِ ويُذكي / حيثما حلَّ في الجوانحِ نارا
ونبيٍّ قَدْ جاءَ للنَّاسِ بالحَقِّ / فكالوا لهُ الشَّتائمَ كَيْلا
وتنادَوْا بهِ إلى النَّارِ فالنَّا / رُ بِرُوحِ الخبيثِ أَحْرى وأَوْلى
ثمَّ ألقوْهُ في اللَّهيبِ وظلُّوا / يَملأون الوُجُودَ رُعباً وهوْلا
وَشُعوبٍ ضعيفةٍ تتلظَّى / في جحيمِ الآلامِ عاماً فعاما
والقويُّ الظَّلومُ يَعْصِرُ مِنْ / آلامها السُّودِ لَذَّةً ومُدَاما
يتحسَّاهُ ضاحكاً لا يراها / خُلِقَتْ في الوُجُودِ طعاما
وفتاةً حسبتَها معْبَدَ الحبِّ / فأَلفيتَ قلبَها ماخُورا
ونبيلٍ وجدتَهُ في ضياءِ الفَجْ / رِ قلباً مدَبَّساً شرِّيرا
وزعيمٍ أجلَّهُ النَّاسُ حتَّى / ظنَّ في نفسِهِ إلهاً صغيرا
وخبيثٍ يعيشُ كالفأسِ هدَّا / ماً ليُعْلي بَيْنَ الخَرابِ بناءهْ
وقميءٍ يُطاوِلُ الجَبَلَ العا / لي فللّه مَا أَشَدَّ غَبَاءهْ
ودنيءٍ تاريخُهُ في سِجِلِّ / الشَّرِّ إِفْكٌ وقِحَّةٌ ودَنَاءهْ
كانَ ظنِّي أنَّ النُّفوسَ كبارٌ / فوجدتُ النُّفوس شيئاً حقيرا
لوَّثَتْهُ الحَيَاةُ ثمَّ استمرَّتْ / تبذُرُ العالَمَ العَريضَ شُرورا
فاحصدوا الشَّوْكَ يا بنيها وضِجُّوا / وامْلأوا الأَرضَ والسَّماءَ حُبورا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025