المجموع : 8
أَظَلَّ الوُجُودَ المساءُ الحزينُ
أَظَلَّ الوُجُودَ المساءُ الحزينُ / وفي كفِّهِ معْزَفٌ لا يُبينْ
وفي ثَغرهِ بَسَماتُ الشُّجونِ / وفي طَرفِهِ حَسَراتُ السِّنينْ
وفي صدرِهِ لوعةٌ لا تَقِرُّ / وفي قلبِهِ صَعَقَاتُ المَنونْ
وقبَّلَهُ قُبَلاً صامِتاتٍ كما / يَلْثُمُ الموتُ وَرْدَ الغُصُون
وأَفضى إليه بوحْيِ النُّجُومِ / وسِرِّ الظَّلامِ ولَحْنِ السُّكونْ
وأَوْحى إليه مَزامِيرَهُ / فغنَّتْ بها في الظَّلامِ الحُزُونْ
وعَلَّمَهُ كيفَ تأسى النُّفوسُ / ويَقضي يَؤوساً لديها الحَنينْ
وأَسْمَعَهُ صَرَخاتِ القُلُوبِ / وأَنْهَلَهُ مِنْ سُلافِ الشُّؤونْ
فأَغفى على صدرِهِ المطمَئِنِّ / وفي روحِهِ حُلُمٌ مُسْتَكينْ
قويٌّ غَلُوبٌ كسِحْرِ الجُفُونِ / شجيٌّ لَعوبٌ كزهرٍ حَزينْ
ضَحوكٌ وقد بلَّلتهُ الدُّموعُ / طَرُوبٌ وقد ظَلَّلَتْهُ الشُّجُونْ
تعانِقُهُ سَكَراتُ الهَوَى / وتحضُنُهُ شَهَقَاتُ الأَنينْ
يُشابِهُ روحَ الشَّبابِ الجميلِ / إِذا مَا تأَلَّقَ بَيْنَ الجُّفونْ
أَعادَ لنفسي خَيالاً جميلاً / لَقَدْ حَجَبَتْهُ صُرُوفُ السِّنينْ
فَطَافَتْ بها هَجَسَاتُ الأَسى / وعادَتْ لها خُطُواتُ الجُنُونْ
أَظَلَّ الفضاءَ جناحُ الغروبِ / فأَلقى عليهِ جمالاً كَئيبْ
وأَلبَسَهُ حُلَّةً من جَلالٍ شجيٍّ / قويٍّ جميلٍ غَلُوبْ
فنامَتْ على العُشْبِ تِلْكَ الزُّهُورُ / لمرأَى المساءِ الحزينِ الرَّهيبْ
وآبَتْ طيورُ الفضاءِ الجميلِ / لأوكارِها فرِحاتِ القُلُوبْ
وقدْ أَضمرَتْ بأَغاريدها / خيالَ السَّماءِ الفسيح الرَّحيبْ
وَوَلَّى رُعاةُ السَّوامِ إلى الحيِّ / يُزْجُونها في صُماتِ الغُروبْ
فتَثْغُو حنيناً لحِمْلانِها / وتقطفُ زهرَ المُروجِ الخَصيبْ
وهمْ يُنشِدونَ أَهازيجَهمْ بصوتٍ / بهيجٍ فَرُوحٍ طَرُوبْ
ويَسْتَمْنِحونَ مزاميرهم / فتمنحُهُمْ كُلَّ لحنٍ عجيبْ
تطيرُ بهِ نَسَماتُ الغروبِ / إلى الشَّفقِ المُسْتَطيرِ الخَلُوبْ
وتوحي لهم نَظَرَاتُ الصَّبايا / أَناشيدَ عهدِ الشَّبابِ الرَّطيبْ
وأَقْبَلَ كُلٌّ إلى أهلِهِ / سِوَى أملي المستطارِ الغَريبْ
فقد تاهَ في مَعْسَباتِ الحَيَاة / وسُدَّتْ عليه مناجي الدُّروبْ
وظلَّ شَريداً وحيداً بعيداً / يُغالبُ عُنْفَ الحَيَاةِ العَصيبْ
وقد كانَ مِنْ قبلُ ذا غبطةٍ / يُرفرفُ حولَ فؤادي الخَصيبْ
ولمَّا أَظلَّ المَساءُ السَّماءَ / وأسكَرَ بالحُزْنِ روحَ الوُجُودْ
وقفتُ وساءلتُهُ هل يَؤوبُ لقلبي / رَبيعُ الحَيَاةِ الشَّرودْ
فَتَخْفُقُ فيه أَغاني الورودِ / ويخضرُّ فِرْدَوْسُ نفسي الحَصيدْ
وتختالُ فيهِ عَروسُ الصَّباحِ / وتمرَحُ نَشْوَى بذاكَ النَّشيدْ
ويَرجعُ لي مِنْ عِراصِ الجحيمِ / سلامُ الفؤادِ الجميلُ العهيدْ
فقد كبَّلَتْهُ بَناتُ الظَّلامِ / وأَلقيْنَهُ في ظلامِ اللُّحودْ
فأَصْغى إلى لَهَفي المستمرِّ / وخاطَبَني مِنْ مكانٍ بعيدْ
تَعودُ ادِّكاراتُ ذاكَ الهَوَى / ولكنَّ سِحْرَ الهَوَى لا يَعودْ
فجَاشَتْ بنفس مآسي الحَيَاةِ / وسخطُ القُنُوطِ القويِّ المُريدْ
ولمَّا طَغَتْ عَصَفاتُ القُنُوط / فمادتْ بكلِّ مَكِينٍ عَتيدْ
أَهَبْتُ بقلبي الهلوعِ الجزوعِ / وكانَ مِنْ قبلُ جَلْداً شَديدْ
تجلَّدْ ولا تَسْتَكِنْ للَّيالي / فما فازَ إلاَّ الصَّبورُ الجَليدْ
ولا تَأْسَ مِنْ حادِثاتِ الدُّهُورِ / فخَلْفَ الدَّياجيرِ فَجْرٌ جَديدْ
ولولا غيومُ الشِّتاءِ الغِضابُ / لما نَضَّدَ الرَّوضُ تِلْكَ الوُرودْ
ولولا ظَلامُ الحَيَاةِ العَبُوسُ / لما نَسَجَ الصُّبْحُ تِلْكَ البُرُودْ
كنَّا كَزَوْجَيْ طائرٍ
كنَّا كَزَوْجَيْ طائرٍ / في دَوْحَةِ الحُبِّ الأَمينْ
نَتْلو أَناشيدَ المنى / بَيْنَ الخمائلِ والغُصُونْ
مُتَغَرِّدينَ مع البَلابلِ / في السُّهولِ وفي الحزونْ
مَلأَ الهَوَى كأْسَ الحَيَاةِ لنا / وشَعْشَعَها الفُتونْ
حتَّى إِذا كِدْنا نُرَشِّفَ / خَمْرَها غَضِبَ المَنُونْ
فَتَخَطَّفَ الكأسَ الخلوبَ / وحطَّمَ الجامَ الثَّمينْ
وأَراقَ خَمْرَ الحُبِّ / في وادي الكآبَةِ والأَنينْ
وأَهابَ بالحُبِّ الوديعِ / فودَّعَ العُشَّ الأَمينْ
وشدَا بلحنِ الموتِ / في الأُفُق الحزينِ المُسْتَكينْ
ثمَّ اختفى خَلْفَ الغُيومِ / كأَنَّهُ الطَّيفُ الحَزينْ
يا أَيُّها القلبُ الشَّجيُّ / إلامَ تُخْرِسُكَ الشُّجونْ
رُحْماكَ قَدْ عَذَّبْتَني بالصَّمتِ / والدَّمعِ الهَتُونْ
ماتَ الحَبيبُ وكلُّ مَا قَدْ / كُنْتَ ترجو أَن يكونْ
فاصْبِرْ على سُخْطِ الزَّمانِ / وما تُصَرِّفُهُ الشُّؤُونْ
فلَسَوْفَ يُنْقِذُكَ المَنُونُ / ويفرحُ الرُّوحُ السَّجينْ
وردُ الحَيَاةِ مُرَنَّقٌ / والموتُ مَوْرِدُهُ مَعينْ
ولرُبَّما شاقَ الرَّدى الدَّاجي / وأعماقُ المنونْ
قلباً تُرَوِّعُهُ الحَيَاةُ / ولا تُهادِنُهُ السُّنُونْ
ومَشَاعِراً حَسْرى يسيرُ بها / القُنُوطُ إلى الجُنونْ
اسْكُني يا جِراحْ
اسْكُني يا جِراحْ / واسْكُتي يا شُجُونْ
ماتَ عَهْدُ النُّواحْ / وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطَلَّ الصَّبَاحْ / مِنْ وراءِ القُرُونْ
في فِجاجِ الرَّدى / قَدْ دفنتُ الأَلمْ
ونثرتُ الدُّموعْ / لرِيَاحِ العَدَمْ
واتَّخذتُ الحَيَاةْ / معزفاً للنَّغَمْ
أَتغنَّى عليهْ / في رِحابِ الزَّمانْ
وأَذبتُ الأَسَى / في جمالِ الوُجُودْ
ودَحَوْتُ الفؤادْ / واحةً للنَّشيدْ
والضِّيا والظِّلالْ / والشَّذَى والورودْ
والهوى والشَّبابْ / والمنى والحَنانْ
اسكُني يا جراحْ / واسكُتي يا شُجونْ
ماتَ عَهْدُ النُّواحْ / وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطَلَّ الصَّبَاحْ / مِنْ وراءِ القُرُونْ
في فؤادي الرَّحيبْ / مَعْبَدٌ للجَمَالْ
شيَّدتْهُ الحَيَاةْ / بالرُّؤى والخَيالْ
فَتَلَوْتُ الصَّلاةْ / في خشوعِ الظِّلالْ
وحَرَقْتُ البُخُورْ / وأَضَأْتُ الشُّمُوعْ
إنَّ سِحْرَ الحَيَاةْ / خَالدٌ لا يزولْ
فَعَلامَ الشَّكَاةْ / مِنْ ظَلامٍ يَحُولْ
ثمَّ يأتي الصَّباحْ / وتَمُرُّ الفُصُولْ
سوف يأتي رَبيعْ / إن تقضَّى رَبيعْ
اسكُني يا جراحْ / واسكُتي يا شُجونْ
ماتَ عَهْدُ النُّواحْ / وزَمَانُ الجُنُونْ
وأَطَلَّ الصَّبَاحْ / مِنْ وراءِ القُرُونْ
مِنْ وراءِ الظَّلامْ / وهديرِ المياهْ
قَدْ دعاني الصَّباحْ / ورَبيعُ الحَيَاهْ
يا لهُ مِنْ دُعاءْ / هزَّ قلبي صَداهْ
لمْ يَعُدْ لي بقاءْ / فَوْقَ هذي البقاعْ
الْوَداعَ الوَداعْ / يا جِبَالَ الهُمومْ
يا ضَبابَ الأَسى / يا فِجاجَ الجحيمْ
قَدْ جرى زَوْرَقي / في الخِضَّمِ العَظيمْ
ونشرتُ القلاعْ / فالوَداعْ الوداعْ
هَهُنا في خمائل الغابِ تَحْتَ الزَّا
هَهُنا في خمائل الغابِ تَحْتَ الزَّا / نِ والسِّنديان والزَّيتونِ
أَنتِ أَشهى من الحَيَاةِ وأَبهى / من جمالِ الطَّبيعَةِ الميمونِ
مَا أَرقَّ الشَّبابَ في جسمِكِ الغَضِّ / وفي جيدكِ البديعِ الثَّمينِ
وأَدقَّ الجمالَ في طرفكِ السَّاهي / وفي ثغرِكِ الجميلِ الحَزينِ
وأَلذَّ الحَيَاةَ حينَ تغنِّي / نَ فأُصْغي لصوتِكِ المحزونِ
وأَرى روحكِ الجميلَةَ عِطراً / ضايعاً في حلاوةِ التَّلحينِ
قَدْ تَغَنَّيْتِ منذُ حينٍ بصوتٍ / ناعمٍ حالمٍ شجيٍّ حنونِ
نغماً كالحَيَاةِ عذباً عميقاً / في حَنَانٍ ورقَّةٍ وحنينِ
فإذا الكونُ قطعةٌ من نشيدٍ / علويٍّ منغَّمٍ موزونِ
فلِمَنْ كنتِ تنشدين فقالتْ / للضياءِ البنفسجيِّ الحزينِ
للضَّبابِ المورّد المتلاشي / كخيالاتِ حالمٍ مفتونِ
للمساءِ المطلِّ للشَّفَقِ السَّا / جي لسِحْرِ الأَسى وسِحْرِ السُّكونِ
للعبيرِ الَّذي يرفرفُ في الأفْ / قِ ويفنى مِثْلَ المنى في سكونِ
للأغاني التي يُرَدِّدُها الرَّا / عي بمزمارِهِ الصَّغيرِ الأَمينِ
للرَّبيعِ الَّذي يؤجِّجُ في الدُّ / نيا حياةَ الهَوَى وروحَ الحنينِ
ويوشِّي الوُجُودَ بالسِّحْرِ والأَحلا / مِ والزَّهْرِ والشَّذى واللُّحونِ
للحياةِ التي تغنِّي حوالَيَّ / على السَّهْلِ والرُّبى والحُزُونِ
للينابيعِ للعصافيرِ للظِّلِّ / لهذا الثَّرى لتلكَ الغُصونِ
للنَّسيمِ الَّذي يضمِّخُ أَحلا / مي بعِطْرِ الأَقاحِ واللَّيمونِ
للجَمالِ الَّذي يفيضُ على الدُّ / نيا لأشواقِ قلبيَ المشجونِ
للزَّمانِ الَّذي يوشِّحُ أَيَّا / مي بضَوءِ المنى وظلِّ الشُّجونِ
للشَّبابِ السَّكرانِ للأَمَلِ المع / بود لليأْسِ للأَسى للمَنُونِ
فَتَنَهَّدْتُ ثمَّ قلتُ وقلبي / مَنْ يغنِّيهِ مَنْ يُبيدُ شُجوني
قالتِ الحُبُّ ثمَّ غنَّتْ لقلبي / قُبَلاً عبقريَّةَ التَّلحينِ
قُبَلاً علَّمتْ فؤادي الأغاني / وأَنارتْ لهُ ظلامَ السِّنينِ
قُبَلاً تَرقُصُ السَّعادَةُ والحبُّ / على لحنِها العميقِ الرَّصينِ
وأَفَقْنا فقلتُ كالحالمِ المس / حورِ قولي تَكَلَّمي خَبِّريني
أَيُّ دُنيا مسحورةٍ أَيُّ رؤيا / طالَعَتْني في ضوءِ هذا العيونِ
زُمَرٌ من ملائكِ الملأ الأع / لى يُغنُّونَ في حُنُوٍّ حَنُونِ
وصبايا رواقصٌ يتراشقْ / نَ بزهرِ التُّفَّاحِ والياسَمينِ
في فضاءٍ موَرَّدٍ حالمٍ سَا / هٍ أَطافتْ بهِ عَذارى الفُنونِ
وجحيمٍ تَؤُجُّ تَحْتَ فَرادِي / سَ كأَحلامِ شاعرٍ مجنونِ
أَيُّ خمرٍ مُؤَجَّجٍ ولهيبٍ / مُسكرٍ أَيُّ نشوَةٍ وجنونِ
أَيُّ خمرٍ رشفتُ بل أَيُّ نارٍ / في شفاهٍ بديعَةِ التَّكوينِ
وَرَّدتْها الحَيَاةُ في لَهَبِ السِّح / رِ ونُور الهَوَى وظلِّ الشُّجونِ
أَيُّ إثْمٍ مقدَّسٍ قَدْ لبسنا / بُرْدَهُ في مسائنا الميمونِ
فَبَدَا طيفُ بسمةٍ سَاحِرٌ عَذْ / بٌ على ثَغرِها قوِيُّ الفتونِ
وأَجابتْ وكلّها فتنةٌ تُغ / وي وتُغري بالحبِّ بلْ بالجنونِ
أَبداً أَنْتَ حالمٌ فاسألِ اللَّيْ / لَ فعندَ الظَّلامِ عِلْمُ اليقينِ
وسكتنا وغرَّدَ الحبُّ في الغا / بِ فأصغى حتَّى حَفيفُ الغُصونِ
وبنى اللَّيلُ والرَّبيعُ حوالي / نا من السِّحْرِ والرُّؤى والسُّكُونِ
معبداً للجمالِ والحبِّ شِعْرِيًّا / مَشيداً على فِجاجِ السِّنينِ
تَحْتَهُ يزخرُ الزَّمانُ ويجري / صامتاً في مَسيلهِ المحزونِ
وتمرُّ الأَيَّامُ والحُزْنُ والمو / تُ بعيداً عن ظلِّهِ المأمونِ
معبداً ساحراً مباخِرُهُ الزَّه / رُ على الصَّخرِ والثَّرى والغُصونِ
كلُّ زهرٍ يَضُوعُ منهُ أَريجٌ / من بخُورِ الرَّبيعِ جَمُّ الفُتونِ
ونجومُ السَّماءِ فيهِ شموعٌ / أَوْقَدَتْها للحُبِّ روحُ القُرونِ
ومضتْ نسْمةٌ تُوَسْوِسُ للغا / بِ وتشدو في عمقِ ذاكَ السُّكونِ
وطغى السِّحْرُ والغرامُ بقلبي / فتوسَّلْتُ ضارعاً بجفوني
طهِّري يا شقيقَةَ الرُّوحِ ثَغري / بلهيبِ الحَيَاةِ بلْ قَبِّليني
إنَّ نارَ الحَيَاةِ والكوثرَ المن / شودَ في ثغرِكِ الشَّهيِّ الحزينِ
فهو كأسٌ سِحْرِيَّةٌ لرحيقِ ال / خُلْدِ قَدْ صاغَها إلهُ الفنونِ
قبِّليني وأَسْكِري ثغريَ الصَّا / دي وقلبي وفِتنتي وجنوني
علَّني أَستطيعُ أَنْ أَتغنَّى / لجمالِ الدُّجى بوحيِ العُيونِ
آه مَا أَجملَ الظَّلامَ وأَقوى / وحيَهُ في فؤاديَ المفتونِ
انظري اللَّيلَ فهو حلَّة الأَح / لامِ يمشي على الذُّرى والحُزُونِ
واسمعي الغابَ فهو قيثارَةُ الكو / نِ تغنِّي لحبّنا الميمونِ
إنَّ سِحْرَ الضَّبابِ واللَّيلِ والغا / بِ بعيدُ المدى قويُّ الفُتونِ
وجمالَ الظَّلامِ يعبقُ بالأَح / لامِ والحُبِّ فابْسِمِي والثُمِيني
آهِ مَا أَعذبَ الغَرامَ وأَحلى / رنَّةَ اللَّثْمِ في خُشوعِ السُّكونِ
وسَكِرْنا هناكَ في عالمِ الأَح / لامِ تَحْتَ السَّماءِ تَحْتَ الغصونِ
وتوارى الوُجُودُ عنَّا بما في / هِ وغبنا في عالمٍ مفتونِ
ونسينا الحياة والموتَ والسُّكو / نَ وما فيهِ مِنْ مُنًى ومَنُونِ
يا ربَّةَ الشِّعرِ والأَحلام غنِّيني
يا ربَّةَ الشِّعرِ والأَحلام غنِّيني / فقد سَئِمْتُ وُجومَ الكونِ مِنْ حينِ
إنَّ اللَّيالي اللَّواتي ضمَّختْ كَبِدِي / بالسِّحْرِ أَضْحتْ مع الأَيَّامِ ترميني
نَاختْ بنفسي مآسيها وما وَجَدَتْ / قلباً عطوفاً يُسَلِّيها فَعَزِّيني
وهدَّ مِنْ خَلَدِي نَوْحٌ تُرَجِّعُهُ / بَلْوَى الحَيَاةِ وأَحزانُ المَسَاكينِ
على الحَيَاةِ أَنا أَبكي لشَقْوَتِها / فمنْ إِذا مُتُّ يبكيها ويبكيني
يا رَبَّةَ الشِّعْرِ غنِّيني فقد ضَجِرَتْ / نفسي منَ النَّاسِ أبناءِ الشَّياطينِ
تَبَرَّمَتْ بينيَ الدُّنيا وأَعوَزَها / في مِعزفِ الدَّهرِ غرِّيدُ الأَرانينِ
وراحَةُ اللَّيلِ ملأَى مِنْ مدامِعِهِ / وغادَةُ الحبِّ ثَكْلى لا تغنِّيني
فهلْ إِذا لُذْتُ بالظَّلماءِ مُنْتَحِباً / أَسلو وما نَفْعُ محْزونٍ لمحزونِ
يا ربَّةَ الشِّعرِ إنِّي بائسٌ تَعِسٌ / عَدِمْتُ مَا أَرتجي في العالمِ الدُّونِ
وفي يديكِ مزاميرٌ يُخالِجُها / وَحْيُ السَّماءِ فهاتيها وغَنِّيني
ورتِّلي حولَ بيتِ الحُزْنِ أُغنيةً / تجلُو عن النَّفسِ أَحوانَ الأَحايينِ
فإنَّ قلبيَ قبرٌ مُظلمٌ قُبِرَتْ / فيهِ الأَماني فما عادتْ تناغيني
لولاكِ في هذه الدُّنيا لمَا لَمَسَتْ / أَوتارُ روحِيَ أَصواتَ الأَفانينِ
ولا تَغَنَّيْتُ مأخوذاً ولا عَذُبَتْ / ليَ الحَيَاةُ لدى غَضِّ الرَّياحينِ
ولا ازدهى النَّفْسَ في أَشْجانها شَفَقٌ / يُلوِّنُ الغَيْمَ لهواً أَيَّ تلوينِ
ولا استخفَّ حياتي وهيَ هائمةٌ / فجرُ الهَوَى في جفونِ الخُرَّدِ العِينِ
مَا كنتُ أَحْسَبُ بعدَ موتكَ يا أَبي
مَا كنتُ أَحْسَبُ بعدَ موتكَ يا أَبي / ومشاعري عمياءُ بالأَحزانِ
أَنِّي سأَظمأُ للحياةِ وأَحتسي / مِنْ نهْرِها المتوهِّجِ النَّشوانِ
وأَعودُ للدُّنيا بقلبٍ خافقٍ / للحبِّ والأَفراحِ والأَلحانِ
ولكلِّ مَا في الكونِ من صُوَرِ المنى / وغرائِبِ الأَهواءِ والأَشْجانِ
حتَّى تَحَرَّكَتِ السُّنونُ وأَقبلتْ / فِتَنُ الحَيَاةِ بسِحْرِها الفتَّانِ
فإذا أَنا مَا زلتُ طفلاً مُولَعاً / بتعقُّبِ الأَضواءِ والأَلوانِ
وإذا التَّشاؤُمُ بالحَيَاةِ ورفضُها / ضرْبٌ من البُهْتانِ والهَذَيانِ
إنَّ ابنَ آدمَ في قرارَةِ نفسِهِ / عبدُ الحَيَاةِ الصَّادقُ الإِيمانِ
إنَّ هذي الحَيَاةَ قيثارَةُ اللهِ
إنَّ هذي الحَيَاةَ قيثارَةُ اللهِ / وأَهْلُ الحَيَاةِ مِثْلُ اللًّحُونِ
نَغَمٌ يَسْتَبي المَشاعِرَ كالسِّحْرِ / وصَوْتٌ يُخِلُّ بالتَّلْحينِ
واللَّيالي مَغَاوِرٌ تُلْحِدُ اللَّحْنَ / وتَقْضي على الصَّدى المِسْكِينِ
أَيُّ ناسٍ هذا الوَرَى مَا رأى
أَيُّ ناسٍ هذا الوَرَى مَا رأى / إلاَّ برايا شقيَّةً مجنونَهْ
جبَّلتْها الحَيَاةُ في ثورة اليأ / سِ من الشَّرِّ كيْ تُجِنُّ جُنُونَهْ
فأَقامتْ لهُ المعابدَ في الكو / نِ وصَلَّتْ لهُ وشَادَتْ حُصُونَهْ
كم فتاةٍ جميلةٍ مدحوها / وتغنَّوْا بها لكيْ يُسْقِطوها
فإذا صانَتِ الفَضيلَةَ عابو / ها وإنْ باعتِ الخَنَا عبدوها
أَصْبَحَ الحسنُ لعنةً تهبط الأَر / ضَ ليَغْوى أَبناؤُها وذووها
وشقيٍّ طافَ المدينَةَ يستج / دي ليَحْيَا فخيَّبوه احتقارا
أيقظوا فيهِ نزْعَةَ الشَّرِّ فانْقَضَّ / على النَّاسِ فاتكاً جبَّارا
يبذُرَ الرُّعبَ في القُلُوبِ ويُذكي / حيثما حلَّ في الجوانحِ نارا
ونبيٍّ قَدْ جاءَ للنَّاسِ بالحَقِّ / فكالوا لهُ الشَّتائمَ كَيْلا
وتنادَوْا بهِ إلى النَّارِ فالنَّا / رُ بِرُوحِ الخبيثِ أَحْرى وأَوْلى
ثمَّ ألقوْهُ في اللَّهيبِ وظلُّوا / يَملأون الوُجُودَ رُعباً وهوْلا
وَشُعوبٍ ضعيفةٍ تتلظَّى / في جحيمِ الآلامِ عاماً فعاما
والقويُّ الظَّلومُ يَعْصِرُ مِنْ / آلامها السُّودِ لَذَّةً ومُدَاما
يتحسَّاهُ ضاحكاً لا يراها / خُلِقَتْ في الوُجُودِ طعاما
وفتاةً حسبتَها معْبَدَ الحبِّ / فأَلفيتَ قلبَها ماخُورا
ونبيلٍ وجدتَهُ في ضياءِ الفَجْ / رِ قلباً مدَبَّساً شرِّيرا
وزعيمٍ أجلَّهُ النَّاسُ حتَّى / ظنَّ في نفسِهِ إلهاً صغيرا
وخبيثٍ يعيشُ كالفأسِ هدَّا / ماً ليُعْلي بَيْنَ الخَرابِ بناءهْ
وقميءٍ يُطاوِلُ الجَبَلَ العا / لي فللّه مَا أَشَدَّ غَبَاءهْ
ودنيءٍ تاريخُهُ في سِجِلِّ / الشَّرِّ إِفْكٌ وقِحَّةٌ ودَنَاءهْ
كانَ ظنِّي أنَّ النُّفوسَ كبارٌ / فوجدتُ النُّفوس شيئاً حقيرا
لوَّثَتْهُ الحَيَاةُ ثمَّ استمرَّتْ / تبذُرُ العالَمَ العَريضَ شُرورا
فاحصدوا الشَّوْكَ يا بنيها وضِجُّوا / وامْلأوا الأَرضَ والسَّماءَ حُبورا