المجموع : 11
الجيشُ يُملي نَصْرَهُ المَلَوانِ
الجيشُ يُملي نَصْرَهُ المَلَوانِ / فافتكْ بكلِّ مهنَّدٍ وسِنانِ
واجنبْ إلى الهيجاءِ كلَّ كتيبةٍ / واخفضْ إلى الهيجاءِ كلَّ عنان
وارجمْ شياطينَ الوغى بكواكبٍ / تمحو الضلالَ إذا التقى الجمعان
إن عسعستْ ظُلَمُ القَتام فما لها / إلاَّ طُلى الأعداءِ من قُربان
دلفوا كما دلفتْ أسودُ خفيّةٍ / والتفَّتِ الأقرانُ بالأقران
حتى إذا ما النقعُ أظلمَ أجفلوا / خوفَ انتقامكَ فيه كالظُّلمان
فرقوا لطيفك في المنام ففرَّقوا / بين الكرى المعهودِ والأجفان
ولقد تروعهمُ الكواكبُ هَبَّةً / لما حكين أَسِنَّةَ المرَّان
ولربَّما عطشوا فحلأَّهمْ عن ال / غُدُر اشتباهُ البيضِ بالغدران
أيّ الغوائلِ آمنوها بعدما / عركتْ كماتَهمُ رحى الميدان
خاضت دماءَهمُ السوابحُ فاستوتْ / منها عتاقُ الخيلِ في الألوان
والجوُّ يرفلُ في مُلاءِ قَساطلٍ / رفعتْ بها ظلا على الفرسان
والسيفُ دامى المضربين كجدولٍ / في ضفَّتيه شقائقُ النعمان
يقضي بيمنك دائماً منه على / يمناك ماضي الشفرتين يماني
أَلْبَسْتَ أعطاف الجيادِ لدى الوغى / حُلَلَ الدماءِ بمرهفٍ عريان
والمُلك محميُّ الذمارِ محجَّبٌ / فالمُنْتَضى ومن انتضى سيفان
وعجاجةٍ كالليلِ إلاَّ أنها / ينقضُّ فيها نجمُ كلِّ سنان
نشأتْ كما نشأتْ سحابةُ عارضٍ / يتلوه غيمٌ وَدْقُهُ مُتَدان
وبدتْ صواديها فقلتُ بوارقٌ / لمَّا اختطفنَ الهامَ باللمعان
زاحمتَها والشهبُ دهمٌ والقنا / متقصفٌ والموت أحمر قاني
في جحفلٍ ملء الملا شَرِقَتْ به / شُمُّ الربى وسباسبُ الغيطان
آجامُ أَشْبُلِهِ القضابُ من القنا / ويروجُ أنجمِهِ من الخرصان
ما أن تني الخضراءُ في رَهَجٍ به / يسمو ولا الغبراءُ في رَجَفَان
راياتُهُ والنصرُ معقود بها / كقلوب أهلِ الشركِ في الخفقان
وجنوده كالأُسدِ مألفُها الشرى / والصافناتُ الجردُ كالعقبان
تمشي الونى تحت الفوارس في الوغى / متبختراتٍ مِشْيَةَ النَّشْوان
تطأُ الجماجمَ تحتهمْ فكأنما / قد أَنعلوا بالهامِ كلَّ حصان
بيضٌ يرونَ البيضَ أو سُمْرَ القنا / أَوْلَى من الأرواح والأبدان
لا تَثْبُتُ الأقدامُ عند لقائهمْ / ولو أنَّهم حُملوا على ثهلان
وإذا المنايا استحوذتْ فمناهمُ / بيعُ النفوسِ بكلِّ سوق طعان
يا أيها الملكُ الذي هنديُّهُ / يومَ الطِّعان كشعلة النيران
كم جبتَ فيه بعزمةٍ أرضَ العدا / فتركتها قفراً بلا عمران
وهدمتَ من بِيَعٍ لهم وكنائسٍ / وكسرتَ من صُلُبٍ ومن أوثان
وجررتَ أذيال الكتائبِ رافلاً / بين الصوارمِ والقنا الريَّان
فالدينُ موقوفٌ عليكَ رجاؤُهُ / أَنْ يُسْتباحَ الشركُ بالإيمانن
ما لاحَ في الهيجاءِ نجمُ مُثَقَّفٍ / وهلالُ كلِّ حنيَّةٍ مِرْنان
خليليَّ ما لي كلما هبَّ بارقٌ
خليليَّ ما لي كلما هبَّ بارقٌ / جَرَتْ عَبَرَاتُ العينِ سَحَّاً وتَهْتانا
فمن مقلةٍ عبرى تصوبُ صبابةً / ومن كبدٍ حرَّى تُكابِدُ أَحزانا
وما ذاك إلا أنني جدُّ هائمٍ / أَروحُ وأغدو دون صهباءَ نشوانا
تذكرتُ مملوكاً على شَحَطِ النَّوى / فهاجَ شجىً بالمستهامِ وأَشجانا
وما أنا إلا مِلْكُ مملوكي الذي / جَفا النومُ عني مذ تباعد أجفانا
أساءَ ولكنِّي أقولُ علاقةً / جزى اللهُ ذاك الظَبي عنِّيَ إحسانا
لي سَكَنٌ شَطَّتْ به غُرْبَةٌ
لي سَكَنٌ شَطَّتْ به غُرْبَةٌ / جادتْ لها عينايَ بالمُزْنِ
ما حَسُنَ الصبحُ ولا راقني / بياضُهُ مذ بانَ في الظَّعن
كأنما الصُّبْحُ لنا بعدَهُ / عينٌ قد ابْيَضَّتْ من الحزن
طُرَّةُ ليلٍ فوقَ صُبْحٍ مُبينْ
طُرَّةُ ليلٍ فوقَ صُبْحٍ مُبينْ / أم حَلَكُ اللَّمةِ فوقَ الجبينْ
وابِأبي مَنْ أرتضي حُكْمَهُ / في مُهْجَتي وهو من الظالمين
أَغْيَدُ في وَجْنَتِهِ رَوْضَةٌ / يجري بها ماءُ الشباب المعين
قلتُ وقد أقبل يختالُ في / بُرْدَتِهِ يَسْبِي نُهى الناظرين
هذا هو البدرُ وغصنُ النَّقا / فلا تكنْ فيه من الممترين
عُلِّقْتُهُ أحوى حَوى بهجةً / تَمَثَّلَ السحرُ بها في العيون
مطرَّزُ الخدِّ بماءِ الصِّبا / ناهيكَ مِنْ وردٍ ومن ياسمين
أطعتُ فيه نَزَعَات الهوى / ولم أزلْ أعصي به العاذلين
وصنتُ نفسي عن هوى غيرِهِ / من روضِ خَدَّيْهِ بوشيٍ مَصون
ولو سِوَى مَنْظَرِهِ راقني / لألاؤُهُ كنتُ من الخاسرين
يا غُصُناً أزرى بِسُمْرِ القنا / وشادناً أودى بأُسْدِ العرين
طلعتَ منْ قَوْمِكَ في أنجمٍ / أَوْضَحَتِ الظلماءَ للمدلجين
أمسيتَ فيهم قمراً زاهراً / يُعشي سناهُ أعينَ الناظرين
يا لَهَنا المجدِ الذي حُزْتهُ / إنَّكَ منهُ في أي مكانٍ مكين
وليهنأ النبلُ سماتٍ بدت / عليك من فهمك للسامعين
ما لمحيَّاك يروقُ الضحى / وما لأعطافكَ تَسْبي الغصون
هل أنتَ إلا قِبْلَةٌ للورى / قد وقعوا طُرَّاً لها ساجدين
أبا الوليد انتضِ سيفَ الهوى / واخضبْ ظُباه بدما العاشقين
قد نمَّق الحسادُ في وصلنا / زخارفَ الخالين والحاسدين
راموا انقلابَ الودِّ فلْترْمِهِمْ / بردهم ينقلبوا صاغرين
تَطَلَّعَ مثلَ البدرِ في غَسَقِ الدجى
تَطَلَّعَ مثلَ البدرِ في غَسَقِ الدجى / فحنَّتْ قلوبٌ حائماتٌ وأجفان
تودُّ سويدا الوالهين لو انها / إذا ما بدا في صحنِ خَدَّيْهِ خيلان
وأغرَّ مصقولِ الأديمِ تخالُهُ
وأغرَّ مصقولِ الأديمِ تخالُهُ / بَرْقَاً إذا جَمَعَ العتاقَ رهانُ
يطأ الثرى متبختراً فكأنَّه / من لحظِهِ في متنه نشوان
فكأنَّ بدرَ التِّمِّ فوقَ سَراته / حُسْناً وبين جفونِهِ كيوان
يا عالمَ السِّرِّ منِّي
يا عالمَ السِّرِّ منِّي / اصْفَحْ بفضلكَ عنِّي
مَنَّيْتُ نفسي بعفوٍ / مولايَ منكَ ومني
وكان ظنِّي جميلاً / فكنْ إذاً عندَ ظني
وساق يحثُّ الكاسَ وَهْيَ كأنما
وساق يحثُّ الكاسَ وَهْيَ كأنما / تلألأ منها مثلُ ضوءِ جبينهِ
سقاني بها صِرْفَ الحميَّا عشيَّةً / وثنَّى بأُخْرى من رحيقِ جفونه
هضيم الحشا ذو وجنةٍ عَنْدَمِيَّةٍ / تريكَ قِطافَ الوردِ في غير حينه
فأشْرَبُ منْ يُمناهُ ما فوقَ خدِّهِ / وألثُمُ من خَدَّيْهِ ما في يمينه
وغزالين دنا وَصْلُهُما
وغزالين دنا وَصْلُهُما / بعد ما كانَ قصيَّاً غيرَ دانِ
وَصَلا حَبْلَ ودادي فهما / عنْ يميني وشمالي ختلان
يا طائرَ البانِ إنْ آنَسْتَ مُؤْتَمناً
يا طائرَ البانِ إنْ آنَسْتَ مُؤْتَمناً / سرَّ الغرام فلا يعلمْ به البانُ
إنَّ الأوانسَ أغصانٌ مهيمنةٌ / وقد أغارَ على الأغصانِ أغصان
شجوي وشجوُكَ مقرونان في قَرَنٍ / إلا جفوني لها سحٌّ وتهتان
أبكي العقيقَ وأياماً به سَلَفَتْ / سَقَى العقيقَ مُلِثُّ الودقِ حَنَّان
فكلما زادَ دمعي زادني عطشاً / فالقلبُ ظام وجفنُ العين ريَّان
ألا عظةٌ إنَّ الزمانَ خؤونُ
ألا عظةٌ إنَّ الزمانَ خؤونُ / وإنَّ ملمَّاتِ الزمانِ فنونُ
لقد آن أن تُجلى الخطوبُ عن العمى / وتُلْفى شكوكٌ للمنى وظنون
فكم قد مَضَتْ من أُمَّةٍ إثْرَ أُمَّةٍ / وقَرْنٌ يليه بعد ذاك قرون
وقد أبصرَتْ عيني وأَصغتْ مسامعي / لو انَّ صفاةً للفؤادِ تلين
فلم أرَ إلاَّ وافداً قد تحللت / عُرى رَحْلِهِ حتَّى يُقالَ ظعين
ولا غابراً إلا على إثْرِ سالفٍ / أَوائِلُهُمْ للآخرينَ رُهون
ولا فرحاً إلا وأَعقبَ يَوْمَهُ / من الدهر نَوْحٌ دائمٌ وشجون
فَبُؤْسَى لصرفِ الدهر كم مرَّ عنده / تراثٌ لنا لا ينقضي وديون
وقد كان يُنْبي عن نصيحةِ مُشْفقٍ / علينا ولكنَّ النصيحَ ظنين
وبالأمسِ قد رُوِّعتُ ملءَ جوانحي / بنعيٍ يَسُدُّ الأفْقَ منه طنين
أتاني فلم يُمْهِلْ لأفزعَ عنده / إلى كذبٍ حتى استفاضَ يقين
ووافى كمثلِ الصبحِ عُرْيان كلَّما / تُكذِّبه عينُ البصيرِ يَبين
فيا حسرتا أن مالَ للبين والنوى / وأقفرَ من ليثِ المجالِ عرين
وصوَّحَ غصنٌ من ذرى المجدِ ناضرٌ / وأَقوى من القصرِ الرفيع مكين
فما للرُّبى لا جادها بارقُ الحيا / ترفُّ أزاهيرٌ لها وغصون
وما للجبالِ الصمِّ لم تنصدعْ أَسىً / وللزهرِ خَفْقٌ بَعْدَهُ وسكون
وما للظُّبا لم تنبُ منها مضاربٌ / وللسمرِ لم تُقْصَفْ لهنَّ متون
كذا يُكْسَفُ البدرُ المنيرُ متمماً / كذا يَعْقُبُ الصبحَ المنيرَ دُجون
كذا يُسْتَضامُ المجدُ وهو مؤثَّلٌ / كذا يُسْتَخَفُّ الطَّوْدُ وهو رصين
كذا يذهبُ الجود الحَلالُ وترتمي / نوىً بالسجايا العاطراتِ شَطونُ
كأن لم تكنْ تلك الصوارمُ والقنا / بطاعتِهِ يومَ الهياجِ تدين
كأنْ لم يكنْ للدهرِ عِلْقَ مَضِنَّةٍ / تَحَلَّى به أيامُهُ فيَزين
كأنْ لك يكنْ في رمحِهِ وسنانِهِ / منايا العدا تدنو به وتحين
أما خجلتْ من كرِّهِ وجِلادِه / فوارسُ كَفَّتْ عنه وهي صُفُون
ألم تكترثْ للمجدِ والجودِ والعلا / صوارمُ ما اهتزَّتْ بهنَّ يمين
وقد كان بالسمر الذوابلِ في الوغى / مصوناً كما صانَ العيون جفونُ
فهلاَّ وقد خاضَ المكارةَ لُجَّةً / وقاهُ من الجُرْدِ العِتاقِ صَفين
وإذ كان لا يهوى الفرار من الردى / حماهُ من المجدِ الأثيلِ مكين
وهلاَّ به ضنَّ الزمانُ فإنَّه / على أنْ يرينا مثلَهُ لضنيني
فإن يكُ قد ولَّى حميداً فإنما / له اللهُ بالذخرِ الجسيمِ ضمين