المجموع : 24
يا ابنةَ السابقين من قَحْطانِ
يا ابنةَ السابقين من قَحْطانِ / وتُراثَ الأمجادِ من عَدْنانِ
أنتِ علّمْتنِي البيان فما لي / كلّما لُحْتِ حار فيكِ بياني
رُبَّ حُسْنٍ يعوق عن وَصْفِ حُسْنٍ / وَجَمالٍ يُنْسي جَمالَ المَعَاني
كنْتُ أشْدو بَيْنَ الطُّيورِ بِذِكْرا / كِ فتعلو أَلْحانَها ألحاني
وأصوغُ الشِّعرَ الذي يَفْرَعُ النَّجْمَ / وتُصْغِي لِجَرْسِه الشِّعْرَيانِ
يا ابنةَ الضادِ أنتِ سرُّ من الْحُسْنِ / تَجلَّى عَلَى بَنِي الإِنسانِ
كنتِ في الْقَفْرِ جَنَّةً ظلَّلَتْها / حالِياتٌ من الْغُصونِ دَواني
لغةُ الفنِّ أنتِ والسحْرِ والشِّعْرِ / ونُورُ الْحِجَا وَوَحْيُ الْجَنانِ
رُبَّ جَيْشٍ من الْحَديدِ تَوَلَّى / واجِفَ القلبِ مِن حَديدِ اللِّسانِ
وبيَانٍ بَنَى لِصاحِبهِ الْخُلْدَ مُطِلاً / مِنْ قِمَّةِ الأزْمانِ
وقصِيدٍ قد خَفَّ حتَّى عَجِبْنا / كَيفَ نالَتْهُ كِفَّةُ الأوْزانِ
بلغ العُرْبُ بالبلاغَةِ والإِسلامِ / أَوْجاً أعْيَا عَلَى كَيْوانِ
لَبِسوا شَمْسَ دَوْلةِ الفُرْسِ تاجاً / ومَضَوْا ف مَغافِرِ الرومان
وجَرَوْا يَنْشرون في الأرْضِ هَدْياً / مِنْ سَنا العِلْمِ أو سَنا القُرآنِ
لا تَضِلُّ الشُعُوبُ مِصْباحُها العِلْمُ / يُؤاخِيهِ راسِخُ الإيمانِ
فإِذا أُطْفِىء السِّراجُ فَمَيْنٌ / وضَلالٌ ما تُبْصِرُ العَينانِ
أَينَ آلُ العبّاسِ رَيْحانَةُ الدهْرِ / وأينَ الكِرامُ مِنْ مَرْوانِ
خَفَتَ الصَوْتُ لا البِلادُ بِلادٌ / يَوْمَ بانوا ولا المغَانِي مَغَانِي
أزهرتْ في حِماهمُ الضادُ حِيناً / وذَوَتْ بَعْدَهُمْ لِغَيْرِ أَوانِ
إِنْ أصاخَتْ فالقَوْلُ غيرُ فَصِيحٍ / أَوْرَنَتْ فالوُجوهُ غيرُ حِسانِ
فمضتْ نحوَ مِصرَ مَثْلَ قَطاةٍ / فَزَّعَتْها كَوَاسِرُ العِقْبانِ
يكدُرُ العَيْشُ مرةً ثم يَصْفو / كَمْ لِهَذِي الْحَياةِ مِنْ أَلْوانِ
ثم هَبَّت زَعازِعٌ تَرَكَتْها / بَيْنَ مُرِّ الأسَى وذُلِّ الهَوانِ
وإِذا نَهْضَةٌ تَدِبُّ بِمِصْرٍ / كَدَبيِبِ الْحَياةِ في الأبْدانِ
وإِذا اليَوْمُ باسمٌ والليالي / مُشِرِقَاتٌ والدَهْرُ مَلْقى العِنانِ
وإذا الضَادُ تَسْتَعِيدُ جَمالاً / كادَ يَقْضِي عَلَيْه رَيْبُ الزَمانِ
نزلتْ في حِمَى فُؤادٍ فأضْحَتْ / مِنْ أَياديه في أعزِّ مَكانِ
مَلِكٌ شادَ لِلْكنانةِ مَجْداً / فَسَمَتْ باسْمِهِ عَلَى البُلدانِ
كُلَّ يَوْمٍ يَمُدُّ لِلْعِلْمِ كفاً / خُلِقَتْ للْوفاءِ والإِحْسانِ
إنّ دارَ العُلُومِ بِنْيَةَ إِسما / عِيلَ تُزْهَى بِه عَلَى كلِّ بانِ
مَنْ يُسامِي أبا المواهِبِ وَالأشْبالِ / في فَيْضِ جُودِهِ أو يُداني
هي في مِصْرَ كَعْبَةٌ بَعَثَ الشَرْ / قُ إليْها طوائِفَ الرُّكْبانِ
قد أَعادتْ عَهْدَ الأعارِيبِ في مِصْرَ / إلى ناعمٍ من العَيْشِ هاني
وأظلَّتْ بِنْتَ الفَدافِدِ والبِيدِ / بأَفْياءِ دَوْحِها الفَيْنانِ
دَرَجَتْ بَيْنَ فِتْيَةٍ وشُيوخٍِ / كلُّهُمْ يَنْتَمِي إلَى سَحْبانِ
وأَطَلّتْ من الخِباءِ عَلَيْهِمْ / فَسَبتْهُمْ بِسِحْرِها الفَتّانِ
فُتِنوا بالعُذَيْبِ والسَّفْحِ والجِزْ / عِ ووادِي العَقيقِ والصمَّانِ
يتلقَّوْنَ وَحْيَها كُلَّ حِينٍ / ويناجُون طَيْفها كُلَّ آنِ
ويُغَنُّونَ باسمِها مثلَ ما غَنَّى / زُهَيْرٌ بِسِيرَةِ ابْنِ سِنانِ
نثرتْ دُرَّها الفَريدَ فكانوا / أسْرعَ الناسِ في الْتِقاطِ الجُمانِ
رُبَّ شَيْخٍ أفنَى سَوادَ الليالي / ساهِدَ العَيْنِ جاهِداً غَيْرَ واني
مِنْ بُحُوثٍ إلَى كتابةِ نَقْدٍ / ثُمَّ مِنْ مُعْجَمٍ إلَى دِيوانِ
يَقْنِصُ الآبِداتِ عَزَّتْ عَلىَ الصيَّدِ / فماسَتْ بَيْنَ الرُّبا والرِّعانِ
سارحاتٍ كأنّها قِطَعُ الوَشْيِ / يُطَرِّزْنَ سُنْدُسَ القِيعانِ
إِنْ تسمَّعْنَ نَبْأَةً غِبْنَ في الرِيحِ / كَسِرٍ يُصانُ بالكتِمانِ
فإِذا ما أَمِنَّ يَحْرجْن أَرْسا / لاً كَخْيلٍ نَشِطْن من أرْسانِ
كلُّ جُزْءٍ في جِسْمِهِنَّ له عَيْنٌ / على الشرِّ أو له أُذُنانِ
لم يَزَلْ صاحبي يُعالِجُ مِنْهُنَّ نِفارا / مُسْتَعْصِياًن ويُعانِي
في فَلاةٍ لا تَحْمِلُ الرِيحُ فيها / غَيْرَ رَنَّاتِ قَوْسِهِ المِرْنانِ
كلّما طارَ خَلفَهُنَّ تَسَرَّبْنَ / هَباءً في غَيْهَبِ النسْيانِ
فتراهُ حِيناً كما وَثبَ اللَّيْثُ / وحِيناً يَنْسابُ كالأُفْعُوانِ
وهي تلهو به فآناً تُجافِيهِ / وآناً تُمْلِي له فَتُداني
مرةً في مدَى يَدَيْهِ وأُخْرَى / ما له باقْتِناصِهِنَّ يَدانِ
لم يَقِفْ نادِماً يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ / فَعالَ الْمُجَوَّفِ الْحَيْرانِ
ثم كانتْ عَواقِبُ الصَبْرِ أَنْ ذَلَّتْ / له الشَارِداتُ بَعْدَ الحِرانِ
مَلَّكَتْهُ أعْناقَها في خُضوعٍ / وَحَبَتْه قِيادَها في لَيانِ
رُبَّ شِعْرٍ لَه يُرَدِّدُه الدهْرُ / فتُصْغِي مَسامِعُ الأكوانِ
يَتَمنََّى الربيعُ لو تَخِذَتْ مِنْهُ / حُلاها ذَوائِبُ الأغْصانِ
من بَناتِ الخيالِ لو كان يُسْقَى / لَعَدَدْناه من بَناتِ الدِّنانِ
ردّدَتْه القِيانُ يُكْسِبْنَهُ حُسْناً / فأرْبَى عَلَى جَمالِ القِيانِ
قد أثارَ الغُبارَ في وَجْهِ مَيْمُو / نٍ وَعَفَّى عَلَى فَتَى ذُبْيانِ
شيِخَةَ الدارِ أنْتُمُ خَدَمُ الفُصْحَى / وحُرَّاسُ ذلكَ البُنْيانِ
لَبِسَتْ جِدَّةَ الصِّبا في ذراكُمُ / وغَدَتْ من حُلاه في رَيْعانِ
غَيْرَ أنَّ الحياةَ تَعْدُو ولا يُدْ / رِكُ فيها طِلاَبَهُ الْمُتوانِي
سابِقوها بالدِينِ والْخُلُقِ السَّمْحِ / وصِدْقِ الوَفاءِ للإِخْوانِ
سابقوها بالْجِدِّ فالْجِدُّ والمَجْدُ / كما شاءتْ العُلا تَوْأمانِ
ذلِّلُوا للشَبابِ مُسْتَعْصِيَ الفُصْحَى / فإِنَّ الرَجَاءَ في الشبّانِ
وانثُرُوها قلائداً وعُقُوداً / تتَحدى قَلائدَ العِقْيانِ
بَسَم الدهرُ أَنْ رآكم بِناءً / عَبْقَرِيّاً مُوَطَّدَ الأركانِ
كم رَجا الدهْرُ أَنْ يُشاهدَ يَوْماً / جَمْعكم سالماً من الشَنَآنِ
إِنّما الكَفُّ بالبَنانِ ولا تُجْدِي / فَتِيلاً كَف بغير بَنانِ
جَمعتْكُمْ أَواصِرٌ وصِلاتٌ / طَهُرتْ من دخَائلِ الأضْغانِ
فاسلُكوا المَهْيعَ القَويمَ وسِيروا / في شُعاعِ الْمُنى وظِلِّ الأَماني
واشكُروا للوزير بِيضَ أيادِيهِ / ومِدْرارَ فَيْضِهِ الهَتّانِ
يَبذُلُ الْخيْرَ فِطْرَةً ليس يَثْنيه / عن الْخَيْر والصَنيعَةِ ثاني
هو ذخْرُ الطُلاّبِ كم وجدوا / فيهِ أَماناً من طَارِقِ الْحَدثانِ
يبْعَثُ الغَيْثَ والرجاءَ لقاصٍ / ويَمُدُّ اليَمينَ بِرّاً لِداني
كم له مِنَّةٌ عَلَى الضَادِ هَزَّتْ / كُلَّ لَفْظٍ فيها إلَى الشكْرانِ
سَعِدَ العِلْمَ واسْتَعَزَّ بِحلْمِي / وغَدَا دَوْحُهُ قريبَ المَجاني
سار مُسترشداً بِهدْيِ مَلِيكٍ / ما لَهُ في أصَالةِ الرَأي ثاني
مَلِكٌ تَسْعَدُ البِلادُ بِنُعْما / هُ ويُزْهَى بنورِه القَمَرانِ
عاشَ للدِينِ والمَكارِمِ / والنُّبْلِ وَبَثِّ الْحَياةِ والعِرْفانِ
ولْيَعِشْ للبِلادِ فاروقُ مِصْرٍ / قُدْوَةَ الناهِضِينَ رَمْزَ الأمَاني
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ
لُبنانُ روضُ الهوى والفنِّ لُبنانُ / الأرضُ مسكٌ وهمسُ الدوحِ الحانُ
هل الحِسانُ على العهدِ الذي زعمت / وهل رِفاقُ شبابي مثلَما كانوا
أين الصبا أين أوتاري وبهجتُها / طوت بساط لياليهنَّ أزمان
أرنو لها اليومَ والذكرى تُؤرِّقني / كما تنبَّه بعد الْحُلمِ وسنان
هبني رجعتُ إلى الأوتارِ رَّنتَها / فهل لَشرْخِ الصبا واللهوِ رُجْعان
لا الكأس كأسٌ إذا طاف الحباب بها / بعد الشبابِ ولا الريحانُ ريحان
ما للخميلةِ هل طارت بلابلُها / وصَوَّحتْ بعد طول الزَهْوِ أفنانُ
وهَل رياضُ الهوى ولَّت بشاشتُها / وغادرْت ضاحك النُوَّارِ غُدرانُ
كم مدّ غصنٌ بها عيناً مشرَّدةً / إلى قدودِ العذارى وهُو حيرانُ
لقد رأى البانَ لا تسعَى به قدمٌ / فيا لدَهْشتِه لمّا مشى البَانُ
غِيدٌ لها من شذَى لُبنانَ نفحتُه / ومن مجانيه تُفَّاحٌ ورمَّانُ
من نَبْعِه خُلِقَتْ ما بالُها صرفتْ / سِرْبَ الشفاه الحيارَى وهو ظمآنُ
عينان أسكرتا شعري فإن عَثَرَتْ / به السبيلُ فعذراً فهو نشوانُ
وطلعةٌ كخدودِ الزهرِ غازلها / من الأصائِل أطيافٌ وألوانُ
من الملائِك إلاَّ أنها بشرٌ / وأنَّ نظرتَها البَهماءِ شَيْطَانُ
للّه أيامُنا الأولَى التي سلفتْ / وللصبابةِ مَيْدانٌ ومَيدانُ
والحبُّ كالطير رَفَّافٌ على فَنَنٍ / له إلى الإِلْفِ تغريدٌ وتَحنانُ
هيمانُ والماءُ في لُبنانَ عن كَثبِ / لكنّه بسوَى الأمواهِ هيمانُ
بدت له جارةُ الوادي الخصيبِ ضُحاً / كلُّ الأحبةِ في لُبنانَ جيرانُ
فأرسل العينَ في صمتٍ بلاغتُه / بكلِّ ما قال في دنياه سَحْبانُ
وللعيُونِ أحاديثٌ بلا كلِمِ / وكم لها في الهَوى شرحٌ وتبيانُ
والحبُّ سِرٌّ من الفِرْدوسِ نَبْعَتُهُ / وخيرُ ما يحفَظُ الأسرارَ كتمانُ
رنا لها فتمادتْ في تَدلُّلها / العينُ غاضبةٌ والقلبُ جذْلانُ
وغطَّتِ الوجهَ بالمِنْديلِ في خَفَرٍ / كما تَوارَى وراءَ الشكِّ إيمانُ
وأعرضتْ وإباءُ الغِيدِ لُعْبَتُها / فكلّما اشتدّ عُنْفاً فهو إذعانُ
إنَّ العذارَى حماك اللّهُ أحْجِيَةٌ / بها النفورُ رضاًن والحقُّ نُكْرانُ
هَزَزْتُ أوتارَ شعري حول شُرْفَتِها / كما ترنّم بالأسحارِ رُعْيانُ
شعرٌ من اللّه تلحيناً وتهْيئَةً / لا النَّايُ نايٌ ولا العِيدانُ عِيدانُ
إذا شدا أنصتتْ أُذْنُ الوجودِ له / وللوجودِ كما للناس آذانُ
شدا لها فرأى ليلُ الهوى عَجَباً / ولْهى يجاذبُها الأشواقَ ولهانُ
رَيّا حوت فتنةَ الدنيا غلائلُها / يضمُّها شاعرٌ للغِيد صَدْيَانُ
لانتْ لشعري كما لانتْ معاطفُها / والشعرُ سحرٌ له بحرٌ وأوزانُ
فتنتُها حينما همّتْ لتفتِنَني / والشعرُ للخفراتِ البِيضِ فتّانُ
سلاحُها لحظُها الماضي وأسلحتي / فَنٌّ يجرِّدُه للغزوِ فَنّانُ
كان الشبابُ شفيعي في نضارتِه / الزهرُ مؤتلِقٌ والعودُ فَيْنان
ماذا إذا لمحتني اليومَ في كِبرى / ومِلءُ بُرْدَيَّ أسقامٌ وأَشجانُ
طويتُ من صَفَحاتِ الدهرِ أكثرَها / وَعرَّقتني تصاريفٌ وحِدْثانُ
إني كتابٌ إلى الأجيال تقرؤهُ / له التغنِّي بمجدِ العُرْبِ عُنوانُ
مجدٌ على الدهرِ مذ كانت أوائلُه / ودولةٌ لبني الفُصحى وسُلطَانُ
صَوَارِمٌ ريعت الدنيا لوثبتِها / وحطِّمتْ صَوْلَجاناتٌ وتيجانُ
الناسُ عندهُمُ أبناءُ واحدةٍ / فليس في الأرض ساداتٌ وعُبْدانُ
تراكضوا فوقَ خيلٍ من عزائمهم / لهم من الحقِّ أَسْيافٌ وخُرْصانُ
وكلّما هدموا لِلشركِ باذخةً / أُقيم للدينِ والقِسْطاسِ بُنيانُ
في السلم إن حكموا كانوا ملائكةً / وفي لَظى الحرب تحتَ النقْعِ جِنَّانُ
أقلامُهم سايرتْ أَسيافَ صولتهِم / للسيفِ فتحٌ وللأقلامِ عِرفانُ
فأين مِن شرعِهم روما وما تركت / وأين من علمهم فُرْسٌ ويونانُ
كانوا أساتذةَ الآفاقِ كم نهِلتْ / من فيضِهم أممٌ ظَمْأَى وبُلدانُ
كانوا يداً ضمّت الدنيا أصابُعها / ففرّقتْها حَزازاتٌ وأضغان
تنمرّ الغربُ واحمَّرت مخالبُه / وأرهفت نابَها للفتكِ ذُؤبانُ
ثاراتُ طارقٍ الأولى تُؤَرِّقُهم / وما لما تتركُ الثاراتُ نسيانُ
تيقّظ الليثُ ليثُ الشرقِ محتدماً / فارتجَّ منه الشرى واهتزَّ خَفَّانُ
غضبانَ ردَّ إلى اليافوخِ عُفْرَتَه / وَمَنْ يصاولُ ليثاً وهو غضبانُ
لقد حَميْنا أُباةَ الضيمِ حَوْزَتَنا / من أن تُباحَن ودِنَّاهُم كما دانُوا
بني العروبةِ إنَّ اللّه يجمعُنا / فلا يفرِّقُنا في الأرضِ إنسانُ
لنا بها وطنٌ حرٌّ نلوذُ به / إذا تناءتْ مسافاتٌ وأوْطَانُ
غدا الصليبُ هلالاً في توحُّدِنا / وجمّع القومَ إنجيلٌ وقرآنُ
ولم نبالِ فُروقاً شَتَّتْ أُمماً / عدنانُ غسّانُ أو غسّانُ عدنان
أواصرُ الدَّمِ والتاريخِ تَجمعُنا / وكلُّنا في رِحابِ الشرقِ إخوانُ
قلبي وفيضُ دموعي كلّما خطرتْ / ذكرىَ فِلَسْطين خَفَّاقٌ وهتَّانُ
لقد أعاد بها التاريخُ أنْدلُساً / أخرى وطاف بها للشرِّ طوفانُ
ميراثُنا في فتى حِطّينَ أين مضى / وهل نهايتُنا يُتْمٌ وحِرمانُ
ردّوا تراثَ أبينا ما لكم صِلَةٌ / به ولا لكمُ في أمرِنا شانُ
مصيبةٌ برمِ الصبرُ الجميلُ بها / وعزّ فيها على السُلْوانِ سلوَانُ
بني فلسطين كونوا أُمَّةً ويداً / قد يختفي في ظِلالِ الوردِ ثُعبانُ
وكيف يأمَنُ رُعيانٌ وإن جَهِدوا / إذا تردَّى ثيابَ الشَاءِ سِرْحانُ
ومصرُ والنيلُ ماذا اليوْمَ خطبُهما / فقد سَرى بحديثِ النيلِ رُكْبانُ
كنانةُ اللّه حصنُ الشرقِ تحرسُهُ / شِيبٌ خِفافٌ إلى الْجُلَّى وشُبَّانُ
أَبَوْا على القسر أن يرضَوْا معاهدةً / بكل حرفٍ بها قيدٌ وسَجَانُ
وكم مَشَوْا للقاء الموتِ في جَذَلٍ / والموتُ منكمشُ الأظفارِ خَزْيانُ
لكل جسمٍ شرايينٌ يعيشُ بها / ومصرُ للشرقِ والإسلامِ شِرْيانُ
بني العروبة مدّوا للعلوم يداً / فلن تُقامَ بغيرِ العلمِ أركانُ
جمعتُمُ لشبابِ الشرقِ مؤتمراً / بمثله تزدهي الفصحى وتزدانُ
فقرِّبوا نهجَهم فالروحُ واحدةٌ / وكلُّهم في مجالِ السبقِ أقرانُ
لا تبتغوا غيرَ إتقانِ وتجربةٍ / فقيمةُ الناسِ تجريبٌ وإتقانُ
وحبِّبوا لغةَ العُرْبِ الفصاحِ لهم / فإنّ خِذْلانَها للشرقِ خِذْلانُ
قولوا لهم إنّها عُنوانُ وَحْدَتِهمْ / وإنَّهم حولَها جندٌ وأعوانُ
وكمِّلوهم بأخلاقٍ ومَرْحَمةٍ / فإنّما المرءُ أخلاقٌ ووِجْدانُ
اكْشفوا التُرْبَ عن الكَنْز الدفينْ
اكْشفوا التُرْبَ عن الكَنْز الدفينْ / وارفعوا الستْرَ عن الصبح المبينْ
وابعثوه عَسْجداً مُؤْتلِقاً / زاد في لألائه طولُ السنينْ
وانتضوا من غمدِه سيفغَ وَغىً / كان إن صال يَقُدُّ الدارعين
وقناةً جَلَّ من ثَقَّفها / للحِفاظِ المُرِّ والعزم المكين
لوتِ الدهرَ على باطله / وهي كالحقِّ صَفاةٌ لا تلين
هزمت جيشَ الأباطيلِ فما / غادرتْ غير جَريح أو طعين
كتب اللّه على عامِلها / إنما الْخُلْدُ جزاءُ العاملين
جدت ضمَّ سناء وسنا / ومصاص الطهر في دنيا ودين
طاعة الأملاك فيه امتزجت / في السموات بعز المالكين
فتشوا في الترب عن عزمته / وعن الإقدام والرأي الرصين
واخفضوا بالصمت في محرابه / أفصح الألسن صمت الخاشعين
وانتحوا من قبره ناحيةً / واحذروا أن تزحموا الروح الأمين
وحنانا بضريحٍ طالما / صقلته قبلات الطائفين
وجثت مصر به خاشعة / تذرف الدمع على خير البنين
صَيْحَةٌ قدْسِيَّةٌ إن سكتتْ / فلها في مِصْرَ رَجْعٌ ورَنينْ
وعَرينٌ حَلَّ فيه ضَيْغَمٌ / رحمةُ اللّه على لَيْثِ العرين
ومضاءٌ عَرَفَتْ مِصْرُ به / أنَّ للحقِّ يميناً لا تمين
لا أرَى قَبْراً ولكني أرَى / صفحةً من صَفحاتِ الخالدين
أو أراه قَصَبَ المجدِ الذي / دونه ينفَقُ جُهْدُ السابقين
أو أراه عَلَماً في فَدْفَدٍ / لمعتْ أضواؤُه للحائرين
أو أراه روضةً إنْ نَفَحتْ / خَجِلَ الوردُ وأغْضَى الياسَمين
أو أراه دَوْحَةً وارفةً / نَشَرَتْ أفياءَها للاجئين
أو أراه قلبَ مصرٍ نابضاً / بِمُنىً تمحو من القلبِ الأنينْ
نَقَلوا التابوتَ تَحْتَفُّ به / رَحَماتٌ من شِمالٍ ويمين
ذاك بَعْثٌ حَيِيَتْ مصرُ به / من جديدٍ تلك عُقبى الصابرين
هل علمتم أنَّ مَنْ واريتُمُ / في حَنايا كلِّ مصريٍ دفين
ما لِسعدٍ حُفْرةٌ واحدةٌ / هو مِلءُ القلبِ ملءُ الأرَضين
كلُّ بيتٍ فيه سعدٌ ماثلٌ / في إطارِ من حَانٍ وحنين
نظرةُ الرئْبالِ في نظرته / وانبلاجُ الحقِّ في ضَوْءِ الجبين
وضعتْ مصرُ به آمالَها / فاستقرَّتْ منه في حِصْنٍ حصين
هو للأَبناءِ عمٌّ وأبٌ / وهو للآباءِ خِلٌّ وخَدينْ
كان سعدٌ عَلَماً منفرداً / هل يُرَى للشمس في الأفْقِ تَنين
إنّ أمَّ المجدِ مِقْلاتٌ فكم / سَوَّفَتْ بين جَنينٍ وجَنين
تبخَل الدنيا بآسادِ الشرَى / أيّها الدنيا إلى كم تَبْخَلين
أنتِ قد أنجبت سعداً بطلاً / وقليلٌ مثلَه مَنْ تلدين
وجدتْ مصرُ به واحدَها / ربَّ فَرْدٍ بأُلوفٍ ومئين
ومن الناسِ نضارٌ خالصٌ / ومن الناس غُثاءٌ وغَرين
ومن الناس أسودٌ خُدَّرٌ / ومن الناس ذُبابٌ وطنينْ
قاد للمجد مناجيد الحمى / كلُّهم أرْوَعُ مُنْبَتُّ القَرينْ
تقرأُ الإقدامَ في صفحتهِ / مثلَما تقرأُ خطَّ الكاتبين
كلّما مرّتْ به عاصفةٌ / زَعزَعٌ مرَّت على طَوْدٍ رَكين
تقرَعُ الأقدارُ منه عَزْمَةً / أنِفَتْ صخرتُها أنْ تستكين
يا بني الرُبّانِ لا تستيئسوا / إنْ مضى الموتُ برُبانِ السفين
إنّ سعداً أخضع الريح لكم / والبقيَّاتُ على اللّه المعين
لاحتِ الفرصةُ في إبّانِها / إنها لا تُرْتَجَى في كلِّ حين
فهلمّوا فاقْنِصوا طائرَها / كلّكُمْ بالسبق والنصر قمين
صَدَقَ اللّه تعالَى وعدَه / إنما الفوزُ ثواب المخلصين
لَبِسْتُ الآنَ قُبَّعَةً بَعيداً
لَبِسْتُ الآنَ قُبَّعَةً بَعيداً / عن الأوطانِ مُعتادَ الشُّجونِ
فإنْ هِيَ غَيَّرَتْ شكلي فإنِّي / متى أضع العِمامةَ تعرفوني
يا نَسْمَة رنّحتْ أعطافَ وادينا
يا نَسْمَة رنّحتْ أعطافَ وادينا / قِفي نُحيِّيك أو عوجي فحيِّينا
مرَّتْ مع الصبح نَشْوَى في تكسُّرها / كأنَّما سُقِيتْ من كفِّ ساقينا
أرختْ غدائرَها أخلاطَ نافِجةٍ / وأرسلتْ ذيلَها ورداً ونِسْرينا
كأنّها روضةٌ في الأفقِ سابحةٌ / تمجُّ أنفاسُ مَسْراها الرياحينا
هبَّتْ بنا من جنوبِ النيلِ ضاحكةً / فيها من الشوقِ والآمالِ ما فينا
إنّا على العهدِ لا بعدٌ يحوِّلنا / عن الودادِن ولا الأيامُ تُنْسينا
أثرتِ يا نسمَة السودانِ لاعجةً / وهِجْتِ عُشَّ الهَوى لو كنتِ تدرينا
وسرت كالحلم في أجفان غانية / ونشوة الشوق في نجوى المحبينا
ويحي على خافقٍ في الصدر محتبسٍ / يكاد يطفر شوْقاً حين تسرينا
مرّت به سنواتٌ ما بها أَرَجٌ / من المُنَى فتمنّى لو تمرّينا
نبّهتِ في مصرَ قُمْريَّاً بِمُعشبةٍ / من الرياض كوجهِ البِكْر تلوينا
فراح في دَوْحِهِ والعودُ في يده / يردّد الصوتَ قُدْسيا فيشْجينا
صوتٌ من اللّه تأليفاً وتهيئةً / ومن حفيفِ غصونِ الروْضِ تلحينا
يَطيرُ من فَنَنٍ ناءٍ إلى فَنَنٍ / ويبعَثُ الشدْوَ والنجوَى أفانينا
يا شاديَ الدَوْحِ هل وعدٌ يقربُنا / من الحبيبِ فإنَّ البعدَ يُقْصينا
تشابهت نَزَعاتٌ من طبائعنا / لما التقتْ خَطَراتٌ من أمانينا
فجَاءَ شعريَ أنّاتٍ مُنَغَّمةً / وجاء شعرُك غَمْرَ الدمع محزونا
شعرٌ صَدَحنا به طبعاً وموهِبَةً / وجاشَ بالصدرِ إلهاماً وتلقينا
والنَّفسُ إنْ لم تكنْ بالشعرِ شاعرةً / ظنَّتْه كلَّ كلامٍ جاء موزونا
تعزّ يا طيرُ فالأيامُ مقبلةٌ / ما أضيقَ العيشَ لو عزّ المُعَزّونا
خُذِ الحياةَ بإيمانٍ وفلسفةٍ / فربّ شرٍّ غدا بالخيرِ مقرونا
فَكمْ وزنّا فما أجدتْ موازنةٌ / في صَفْحةِ الغيبِ ما يُعْيي الموازينا
الكون كوَّنه الرحمنُ من قِدَمٍ / فهل تريدُ له يا طيرُ تكوينا
إن المْنَى لا تُواتى من يهيمُ بها / كالغيدِ ما هجَرتْ إلاّ الملحّينا
تبكي وبينَ يديْكَ الزهرُ من عَجَبٍ / والأرضُ تبراً وروْضاتُ الهَوى غِينا
والماءُ يسبَحُ جذْلانَ الغديرِ إلى / منابتِ العُشْبِ يُحييها فيُحيينا
والزهرُ ينظرُ مفتوناً إلى قَبَسٍ / يُطِلُّ بين ثنايا السحْبِ مفتونا
قد حزْتَ مُلْكَ سليمانٍ ودولتَه / لكَ الرياحُ بما تختارُ يجرينا
ما أجملَ الكونَ لو صحّتْ بصائرُنا / وكيف نُبْصِرُ حُسْنَ الشيءِ باكينا
اللّه قد خلق الدنيا ليُسعدنا / ونحن نملؤُها حُزناً وتأبينا
إن جُزْتَ يوماً إلى السودانِ فارْع له / مودّةً كصفاءِ الدرِّ مكنونا
عهدٌ له قد رَعَيْنَاهُ بأعيُنِنا / وعُرْوةٌ قد عقدناها بأيدينا
ظِلُّ العُروبةِ والقرآنِ يجَمعُنا / وسَلْسَلُ النيل يُرويهم ويُروينا
أشعّ في غَلَسِ الأيام حاضرُنا / وضاء في ظُلْمةِ التاريخِ ماضينا
مجدٌ على الدهر فاسألْ مَن تشاءُ به / عَمْراً إذا شئتَ أو إنْ شئتَ آمونا
تركتُ مِصْرَ وفي قلبي وقاطرتي / مراجلٌ بلهيبِ النار يَغْلينا
سِرْنا معا فُبخارُ النار يدفَعُها / إلى اللقاء ونارُ الشوقِ تُزجينا
تَشقُّ جامحةً غُلْبَ الرياضِ بنا / كالبرقِ شقَّ السحاب الحُفَّلَ الجونا
وللخمائِل في ثوب الدجَى حَذَرٌ / كأنّها تتوقَّى عينَ رائينا
كأنهنّ العَذارَى خِفْن عاذلةً / فما تعرّضْنَ إلاَّ حيثُ يمضينا
وللقُرَى بين أضْغاثِ الكَرَى شَبَحٌ / كالسرِّ بين حنايا الليلِ مدفونا
نستبعدُ القُرْبَ من شوقٍ ومن كَلَفِ / ونستحث وإنْ كنَّا مُجدّينا
وكم سألْنا وفي الأفْواهِ جَابتُنا / وفي السؤالِ عَزاءٌ للمشوقينا
وكم وكم ملَّ حادينا لجاجتنا / وما علينا إذا ما ملَّ حادينا
حتَّى إذا ما بدتْ أَسْوانُ عن كَثبٍ / غنّى بحمدِ السُّرَى والليلُ سارينا
وما شجانيَّ إلاّ صوتُ باخرةٍ / تستعجلُ الركبَ إِيذانا وتأذينا
لها ترانيمُ إنْ سارتْ مُهَمْهَمةً / كالشعرِ يُتْبعُ بالتحريكِ تسكينا
يا حسنَها جنَّةً في الماء سابحةً / تلقى النَّعيمَ بها والحورَ والعينا
مرَّتْ تهادَى فأمواجٌ تُعانقها / حيناًن وتلثِمُ من أذيالها حينا
والنَّخلُ قد غَيبتْ في اليمِّ أكثرَها / وأظهرتْ سَعَفاًَ أحْوى وعُرْجونا
ما لابنةِ القَفْرِ والأمواه تسكُنُها / وهل يجاورُ ضَبُّ الحرَّة النونا
سِرْ أيُّها النيلُ في أمْنٍ وفي دَعَةٍ / وزادك اللّه إعزازاً وتمكينا
أنْتَ الكتابُ كتابُ الدهر أسطرُهُ / وَعَتْ حوادثَ هذا الكون تدوينا
فكم مُلوكٍ على الشَطْينِ قد نزلوا / كانوا فراعينَ أو كانوا سلاطينا
فُنونُهم كنّ للأيام مُعْجِزةً / وحُكمهم كان للدنيا قوانينا
مرّوا كأشرطةِ السّيما وما تركوا / إلا حُطاماً من الذكرى يُؤَسِّينا
إنا قرأنا الليالي من عواقِبها / فصار ما يُضحكُ الأغْرارَ يُبكينا
ثم انتقلنا إلى الصحراءِ تُوسِعُنا / بُعْداً ونُوسعُها صبراً وتهوينا
كأنّها أملُ المأفون أطلقهُ / فراح يخترق الأجواءَ مأفونا
والرملُ يزخَرُ في هَوْلٍ وفي سَعَةٍ / كالبحرِ يزخَرُ بالأمواج مشحونا
تُطلُّ من حَوْلها الكُثبانُ ناعسةً / يمدُدْنَ طَرْفاً كليلاً سفينا
وكم سَرابٍ بعيدٍ راح يخدَعُنا / فقلت حتى هُنا نلقى المُرائينا
أرضٌ من النوم والأحلام قد خُلِقتْ / فهل لها نبأٌ عند ابن سيرينا
كأنما بسط الرحمنُ رُقْعتَها / من قبل أن يخلُقَ الأمواهَ والطينا
تسلَّبَتْ من حُلِيِّ النَبْتِ آنفةً / وزُيِّنت بجلالِ اللّه تزيينا
صمْتٌ وسحرٌ وإرهابٌ وبعدُ مدىً / ماذا تكونين قولي ما تكونينا
صحراءُ فيكِ خَبيئاً سرُّ عِزَّتِنا / فأفصحي عن مكانِ السرِّ واهدينا
إنّا بنو العُربِ يا صحراءُ كم نَحتت / من صخركِ الصلْدِ أخلاقاً أوالينا
عزّوا وعزتّ بهم أخلاقُ أمّتهِم / في الأرضِن لمّا أعزّوا الْخُلقَ والدّينا
مِنَصّة الحكم زانوها ملائكة / وجَذْوَة الحرب شبّوها شياطينا
كانوا رُعاةَ جِمالٍ قبلَ نهضتِهم / وبعدها مَلأوا الآفاق تمدينا
إن كَبّرتْ بأقاصي الصين مِئْذَنةٌ / سمعتَ في الغربِ تهليلَ المصلّينَا
قف يا قِطارُ فقد أوهى تصبُّرنا / طولُ السفارِ وقد أكْدَتْ قوافينا
وقد بدتْ صفحةُ الْخُرْطوم مُشْرقةً / كما تجلَّى جلالُ النورِ في سينا
جئنا إليها وفي أكبادنا ظمأٌ / يكاد يقتُلُنا لولا تلاقينا
جئنا إليها فمن دار إلى وطنٍ / ومن منازِل أهلينا لأهلينا
يا ساقيَ الحيِّ جدّد نَشْوَةً سلفتْ / وأنت بالجَنَباتِ الحُمُرِ تسقينا
واصدَحْ بنونيةٍ لما هتفتُ بها / تشرّق السمع شوقي وابنُ زيدونا
وأحْكِم اللحنَ يا ساقي وغنِّ لنا / إنَّا محيّوكِ يا سلمى فحيينا
قد قرأنا الحياةَ سَطْراً فسطراً
قد قرأنا الحياةَ سَطْراً فسطراً / وشهِدنْا صروفَها ألوانَا
ورأينا المِقْدامَ يسمو إلى الع / زِّ ولا يرتضي النجومَ مكانا
ولمحنا بجانبيه أُناساً / قُتِلوا ذِلَةً وماتوا هوانا
إنَّما المَنْصِبُ الكريمُ بمن في / ه وليس القنَاةُ إلاَ سِنانا
قد حبَسْنا المديحَ عن كلِّ مُسْتا / مٍ وأجْدِرْ بشعرنا أنْ يُصانا
لا تَزينُ العقودُ جِيداً إذا لم / يَكُ بالحسن قبلَها مُزدانا
رُبَّ دُرٍ لاقَى من الصدرِ دُرَاً / وجُمانٍ في النَحْرِ لاقى جُمَانَا
لو مدحنا من لا يَحِقُّ له المد / حُ لوَى الشعرُ رأَسه فهجانا
الرسولُ الكريمُ أنطق حَسَا / ناً ولولاه لم يكنْ حَسَانا
وابنُ حَمْدانَ لقَّنَ المتنبِّي / غُرَرَ المدحِ في بني حَمْدَانا
يصدُق الشعرُ حينما يصدُق النا / سُ فيشدو بمدحِهم نَشْوانا
وإذا عزَتِ المكارمُ ولَى / مُطرِقَ الرأسِ واجماً خَزْيانا
ومضَى يشتكي الزمانَ ويبكي / دارساتِ الطُلولِ والأْظعانا
فإذا شئتَ أن أكونَ زُهَيْراً / فأَعِنِّي وهاتِ لي ابنَ سِنانا
بَسَمَتْ لِمقْدمكَ الأماني
بَسَمَتْ لِمقْدمكَ الأماني / وشَدَتْ لطَلْعَتِكَ الأَغَانِي
ونَزَلْتَ أَحْنَاءَ القُلُو / بِ فكنْتَ في أَوْفَى مَكَانِ
كَمْ نِعْمَةٍ أَسْدَيْتَها / ما لِلزَّمَان بها يَدَان
اليومَ تلْبَسُ تاجَ مِصْ / رَ مُمَلَّكاً مِلْءَ الزَمان
تاجُ أَضاءَ كأنَّهُ / مِنْ صُنْعِ أَيْدِيكَ الْحِسان
مَجْدٌ أَنافَ عَلَى السَما / ءِ فَمَنْ يُقارِبُ أَوْ يُداني
فارُوقُ يا نَجْمَ الهُدَى دُمْ لِلْعُلا /
أَدْرَكْتَ غاياتِ المُنَى مُتَمَهِّلا /
الشَعْبُ يلْمَحُ نُورَكُمْ مُتَفائِلا /
مجد أثيلْ دَهْرٌ مُنِيلْ مَلِكٌ نَبِيلْ /
زَيْنُ الْحِمَى سَبْطُ البَنانِ /
للَهِ تَاجُكَ إنَّما / لَمَحَاتُهُ بِشْرُ الأَماني
قَدْ صِيغَ مِنْ حَبِّ القُلُو / ب فَجَلَّ عَنْ حَبِّ الْجُمانِ
بَهَر العُيُونَ الخَاشِعا / تِ جَلاَلةً وعُلُوَّ شانِ
وَزَهَأ وَعَزَّ بِجَبْهَةٍ / هِيَ أوَّلٌ والبَدْرُ ثَاني
شَذَرَاتُهُ صَفْوُ الولا / ءِ وَدُرُّهُ صِدْقُ التَّهاني
كَمْ رَحْمَةٍ ضَمَّتْ لأ / لِئُهُ لمِصْرَ وَكَمْ حَنانِ
اليوم عِيدٌ بَاسِمٌ عِيدُ الأَمَلْ /
تُزْهَى بِهِ مِصْرٌ عَلَى كُلِّ الدُوَلْ /
مَنْ كَالْمَليكِ بِنُبْلِهِ ضُرِبَ الْمَثَلْ /
نَفَحَاتُهُ وَصِفاتُهُ وَهِباتُهُ /
قد أعْجَزَتْ وَحْيَ الْبَيانِ /
حَصَّنْتُهُ بِفَواتِحِ الْقُرْآنِ / والسَّبْعِ المَثَاني
نَالَتْ بِه مِصْرُ المُنَى / وتَفَيَّأَتْ ظِلَّ الأمانِ
مَلِكٌ مَشَى الدَهْرُ الْجمو / حُ إلَيْهِ مَرْخِيَّ العِنان
أعْلَى أَبُوكَ بِناءَ مِصْ / رَ وكانَ جَدُّكَ خَيْرَ باني
الخَيْرُ أسْبَقُ لِلْبقَا / ءِ مِنَ السَوابِقِ في الرِّهانِ
والبِرُّ في آنٍ يُفا / دُ وَذِكْرُهُ في كلِّ آنِ
فَاهْنَأْ بِمُلْكِكَ إنَّهُ بِكَ يَحْتَمِي /
واسْعَدْ فَكُلُّ مَجادَةٍ لكَ تَنْتَمِي /
واسْلَمْ لِمِصْرَ عمِادَها في المُعْظِم /
عاشَ الملِكْ عاشَ المَلِكْ عاشَ المَلِكْ /
بالقَلْبِ يُحْمَدُ والِّلسانِ /
محوتِ الليلَ ناصعةَ الْجَبينِ
محوتِ الليلَ ناصعةَ الْجَبينِ / فكنتِ بشائِرَ الصبحِ المبينِ
وأرسلتِ الصحائفُ منك نوراً / ففرَ الشكُ من وَضَحِ اليقين
وكان الحقُّ مذءوماً سجيناً / فحطَمتِ القيودَ عن السجين
وكنتِ صحيفةَ الأبرارِ حقَاً / تلقَّتكِ الكنانةُ باليمين
سوادُ مِدادك اللمَّاحِ سحرٌ / تمنَت مثْلَه سودُ العيون
أثيري التربَ عن حقٍ مُضاعٍ / فقد طال المُقامُ على الدفين
ومُدَي الصوتَ صخَاباً جريئاً / فمعنى الموتِ من معنى السكُون
وذودي عن حمَى الوطن المفدَى / وردَي حرمةَ الحقِّ المصون
وصولي صولةَ الرئبالِ يعدو / على من حام من حوْل العرين
فنحن الآنَ نحيا في زمانٍ / تنكَّر للضعيفِ المستكين
تألَّقَ النصْرُ فاهتزّتْ عَوَالينا
تألَّقَ النصْرُ فاهتزّتْ عَوَالينا / واستَقْبَلتْ مَوْكِبَ البُشْرَى قَوافِينَا
غَنّى لَنا السَّيْفُ في الأعناقِ أغْنيةً / عَزَّتْ على الأيكِ إيقاعاً وتلْحِينَا
هَزَّتْهُ كَفٌّ من الفُولاذِ قَبْضتُهَا / في الهَوْلِ ما عَرَفَتْ رِفْقاً ولا لِينَا
من صَخْرِ خُوفُو لها دُونَ الْوَرى عَضَلٌ / جرى به دَمُ عَدْنانٍ شَرايينا
نفسي فِدَى الفارِسِ المصرِيّ إن خطَرَتْ / به المواكِبُ أو خَاضَ الميادينَا
تلقَاهُ في السِلْمِ ماءً رفَّ سلسَلُهُ / وفي الحُروبِ إذا ما ثَارَ أَتُّونَا
يرى الدِّماءَ عقيقاً سَالَ جَامِدُهُ / ويحسَبُ النقْعَ فيها مِسْكَ دارِينا
ما بَيْنِ عمرو ومينا زانَهُ نَسَبٌ / فمن كآبائِهِ عُرْباً فَراعِينَا
سَلْ مِصْرَ عنهم سَلِ التاريخَ إنَّ بهِ / سِرّاً من المجدِ لا يَنْفَكُّ مكْنُونَا
سُيُوفُهم كُنَّ للطغيَانِ ماحِقَةً / وعدْلُهُمْ كانَ للدنيا مَوازِينَا
وجيْشُهُمْ هزَّتِ الدُّنيا كتائِبُهُ / وحكمهُمْ مَلأَ الآفاقَ تمدِينَا
إنَّا بَني الأُسْدِ أمضَى مِخْلباً ويداً / لَدَى الصِّراعِ وأحْمَى الناسِ عِرْنينَا
إذا دَعَا الحقُّ لبَّتْهُ جحافِلُنا / وإن سَطَا الجَوْرُ ردَّتهُ مَواضِينا
عِشْنَا أعِزَّاءَ مِلءَ الأرضِ ما لمسَتْ / جِبَاهُنَا تُرْبَهَا إلاَّ مُصِلّينَا
لا ينْزِلُ النصرُ إلاَّ فوْقَ رايتنا / ولا تمسُّ الظُّبَا إلاّ نَواصِينَا
ألَيْسَ من أُحْجِياتِ الدَّهْرِ قُبَّرةٌ / رَعْنَاءُ تَزْحَمُ في الوَكْرِ الشَواهينَا
وتائِهٌ مالَهُ دَارٌ ولاَ وطنٌ / يسْطُو على دارِنا قَسْراً ويُقْصِينَا
فيا جبالُ اقذفي الأحجارَ من حُمَمٍ / ويا سَمَاءُ امْطِري مُهْلاً وغِسْلينَا
ويا كواكبُ آنَ الرَّجْمُ فانطلقي / ما أنتِ إنْ أنتِ لم تَرْمِ الشياطينا
ويا بحارُ اجْعَلي الماءَ الأُجَاجَ دَماً / إذا عَلَتْ رَايةٌ يَوْماً لصهيونَا
العَهْدُ عِنْدهُمُ خُلْفٌ ومجحدَةٌ / فما رأيناهُمُ إلاّ مُرَائينَا
ما ذَلِكَ السمُّ في الآبارِ ويْلكُمُ / وَمَنْ نُحارِبُ جُنْداً أم ثَعابينَا
مَرْحَى بدولتهِمْ ماتت لمولدِها / فكانَ ميلادُها حُزْناً وتأبينَا
جاءوا مُهَنِّينَ أرْسالاً على عَجلٍ / فحينمَا نطَقُوا كانُوا مُعزِّينا
وآضَ تَصفِيقُهُمْ نَوْحاً ومندَبةً / وأصبحَ البِشْرُ تقطيباً وتَغْصِينَا
رِوايةٌ ما أقامُوا سَبْكَ حَبْكَتِها / ولا أجَادُوا لها لَفْظاً وتلقِينَا
قد حيَّرتْنَا أمأساةٌ أَمهزلَةٌ / فالسُّخْفُ يُضْحِكُنا والجهلُ يُبكينَا
أهْلاً بِها دوْلةً ضاقَ الفضاءُ بها / فَتْحاً وغَزْواً وإِعْزازاً وتمكينَا
لها قوانينُ من عَدْلٍ ومَرْحَمَةٍ / قد نَفَّذُوا بعْضَها في دَيْرِ يا سينَا
أسْطُولُها يملأُ البحر المحيطَ دَماً / وجيشُهَا يملأُ الآطَامَ تَحصينَا
نفسي فِدَاءُ فلسطينٍ وما لَقِيتْ / وهل يناجي الهوى إلاّ فِلسْطينا
نفسي فِدَاءٌ لأُولَى القبلتين غدتْ / نَهْباً يُزاحِمُ فيه الذئبُ تِنِّينَا
قلبُ العروبَةِ إن تَطعنْهُ زِعنِفَةٌ / كُنَّا لها ولأشقاهَا طَواعينَا
وقلعَةُ الشرقِ إن مُسَّتْ جوانِبُها / خُضْنَا لها جُثثَ القتْلَى مَجَانينَا
وأسْطُرٌ من تَواريخٍ مُخَلَّدةٍ / كانت لمجدِ بَني الفُصْحَى عَنَاوينَا
فقبِّلُوا تُرْبَ حطِّينٍ فإنَّ بهِ / دَمَ البُطُولةِ مِنْ أيام حطينَا
أرْضٌ بذَلْنَا بهَا الأرواحَ غاليةً / داعين للّهِ فيها أو مُلَبّينَا
ومسجِدٌ نزلَ المختارُ ساحتَه / نمُوتُ فيه ونحْيَا مُسْتميتينَا
أنرتَضِي أنْ نَرى مِيراثَنا بَدَداً / وتكتفي بدموعٍ في مآقِينَا
ما قيمةُ النَّفسِ إن هانَتْ لطائفةٍ / اللّه صَوَّرَ فيها الذُّلَّ والهُونَا
وما نقولُ لأبطالٍ لنا سَلَفوا / إذا تَهدَّم ما كانُوا يَشيدونَا
وما نقولُ لعمرٍو حينَ يسأَلُنا / إن لم نُجِبْ قبلَهُ بالسيفِ غازِينَا
أتلكَ أندَلُسٌ أُخْرى فقد نبشَتْ / من حقدِ ساداتِهمْ ما كان مدفُونَا
سُحْقاً لسكِّينِ فرديناند كم ذَبحتْ / واليومَ تشحَذُ أمريكا السكاكينَا
قد شرَّدُوا العُرْبَ واستاقُوا حرائِرَهُمْ / فأينَ فِتيانُنا أيْنَ المحامُونا
من كُلِّ عَادٍ له في الشرِّ فلسفةٌ / أسرارُها عند مُوشَى وابن غُرْيونا
لا يَعْرِفُ الرُّزْءَ في أهلٍ ولا ولدٍ / ولا يرى غيرَ جمعِ المالِ قانونَا
الألفُ تصبِحُ في كفَّيهِ بين رِباً / وبينَ ما لستُ أدريهِ ملايينَا
إن كان يحميهمُ المالُ الذي جمعُوا / فإنَّ خالقَ هذا المال يَحمينَا
قالوا أسُودٌ فقُلنَا في الجحورِ نَعَمْ / فإن خرجتُمْ يَعُدْ كُوهينُ كُوهينَا
بني العُرُوبة هذا اليومُ يومُكُمُ / سيرُوا إلى الموتِ إنّ الموتَ يُحيينَا
وخلفُوا للعُلا والمجدِ خالدةً / تبقى حديثَ اللَّيالي في ذَرَارينا
لقد صَدِئْنا ودُون الغِمدِ منفسَحٌ / فجرِّدُوا حَدَّ مَاضينا لآتينَا
وقَرِّبُوهُمْ قرابيناً مُحَوَّرةً / للسيفِ إن يَرْضَ هاتيكَ القرابينَا
ماذا إذا مَا فَقدنا إرْثَ أُمَّتِنَا / وما الذي بعدَهُ يبقى بأيْدِينَا
ذُودُوا كما يدفَعُ الضِّرغَامُ في غضبٍ / عن العرينِ أُبَاةً شَمريينَا
لا ترهَبُوا القومَ في مالٍ وفي عددٍ / إن الفقاقيعَ تطْفُو ثم يَمْضينَا
إن لم تَصونُوا فَلِسْطِيناً وجبهتها / ضاعت عُرُوبتُنا وانفضَّ نَادينَا
فإنَّ للشرقِ أعْدَاءً ذوِي إحَنٍ / اللّهُ يكفيهِ نجواهُمْ ويكفينَا
لهُمْ سِهامٌ خفياتٌ مسممةٌ / من السياسة تَرْميهِ وتَرْمينَا
كم نمقوا صُوَراً شتَّى وكَمْ خلَقُوا / للغدْرِ والفتكِ أشكالاً أفَانينَا
يا جَيْش مِصْرَ ولا آلوكَ تهنئةً / حققْتَ ظَنَّ الليالي والمُنَى فينَا
وصَلْتَ آخِرَ عُلْيانا بأوَّلِهَا / فما أواخِرُنَا إلاَّ أوالينَا
أعَدْتَها وثبةً بدريَّةً صرعَتْ / دُهَاةَ جيشِ يهوذا والدَّهاقينَا
شجاعَةٌ مزَّقتْ أحلامَ ساستِهمْ / وعلَّمتْ مُترفيهِم كيفَ يصْحُونَا
تسيرُ من ظَفَرٍ حُلْوٍ إلى ظفرٍ / مُبَارَكَ الفتحِ والرّاياتِ ميمُونَا
فيكَ الملائِكُ أجْنَأدٌ مُسوَّمَةٌ / أعْلامُها تتهادَى حَوْلَ جِبْرينَا
وفيكَ من مُهجَاتِ النيلِ ناشئَةٌ / فيها مَطامِحُنا فيها أَمَانينَا
يمشون للموتِ في شوقٍ وفي جَذَلٍ / لأنَّهُمْ في ظِلال اللّهِ يمشُونَا
إن شَكَّ في عَزمةِ المضرِيّ مُخْتَبَلٌ / فبيْن فِتْيانِنا يلْقى البَراهينَا
لا يستطيعُ خَيالٌ وصْفَ جُرْأتِهمْ / ويعجزُ الشعرُ تصويراً وتَلْوينَا
هُمُ رياحينُ مصرٍ نَضْرَةً وشذاً / لا أذْبَلَ اللّهُ هاتيكَ الرياحينَا
صانَ الإلَهُ لجيشِ الشرقِ عزَّتَهُ / وصَانَ أبطالَهُ الغُرَّ الميامينا
هَلْ نَعَيْتُم لِلْبُحْتُرِيِّ بَيَانَهْ
هَلْ نَعَيْتُم لِلْبُحْتُرِيِّ بَيَانَهْ / أوْ بَكَيْتُم لِمَعْبَدٍ أَلْحَانَهْ
أوْ رَأَيتُم رَوْضَ الْقَريضِ هَشِيماً / بعْدَ مَا قَصَّف الرَّدَى ريحانَه
فُزِّعَتْ طَيْرُه فَحَوَّمْنَ يَبكِينَ / ذُبُولَ الْخَمِيلَةِ الْفيْنَانَهَ
كُنَّ في ظِلِّهَا يُغَنِّينَ لِلشَّرْ / قِ وَيُنْهِضْنَ لِلْعُلاَ شُبَّانَه
كُنَّ في ظلِّها يُحَيِّينَ مَجْداً / صَاعِداً ضَلَّتِ النُّجُومُ مَكَانَه
كُنَّ في ظِلِّها يُنَاغِينَ آما / لاً ويَبْعَثْنَ هِمَّةً وَهْنَانَهْ
أَيُّهَا الطَّيْرُ ضَنَّ مَاءُ الْقَوافِي / فَبذَلْنَا دُمُوعَنَا الهَتَّانَهْ
مَاتَ يَا طَيْرُ صَادحٌ تَسْجُدُ الطَّيْرُ / إِذَا رَجَّعَ الصَّدَى تَحْنَانَهْ
نَبَرَاتٌ تَخَالُهَا صَوْتَ دَاوُ / دَ بِلَفْظٍ تَخَالُهُ تِبْيَانَهْ
عَلَّمَتْ الابْتِسَامَ زنْبَقَةَ الْوَا / دِي وَأوْحَتْ لِغُصْنِهِ مَيَلانَهْ
مَاتَ شَوْقي وَكانَ أنفَذَ سَهْمٍ / صَائِبِ الرَّمْيِ مِنْ سِهَامِ الكِنَانَهْ
اِبْكِ لِلشَّمْسِ في السَّماءِ أَخَاهَا / وَابْكِ لِلدَّهْرِ قَلْبَهُ وَلِسَانَهْ
وَابْكِهِ لِلنُّجُوم كَم سَامَرتْهُ / مَالِئاتٍ بِوَحْيها آذَانَهْ
وَابْكِ لِلرَّوْضِ وَاصِفاً يَخْجَلُ الرَّوْ / ضُ إذَا هَزَّ بِالْيَرَاعِ بَنَانَهْ
وَابْكِهِ لِلْخَيالِ صَفْواً نَقِيّاً / إنَّهُ كانَ في الْوَرَى تَرْجُمَانَه
مَلأَ الشَّرْقَ مَوْتُ مَنْ مَلأَ الشَّرْ / قَ حَيَاةً وَقُوَّةً وَزَكانَهْ
كَمْ يَتِيمٍِ مِنَ الْمعَانِي غَرِيبٍ / مَسَحَتْ كَفُّهُ عَلَيْهِ فَصَانَه
وَشَمُوسٍ رَنَا إلَيْهِ فَأَلْقَى / رَأْسَهُ خَاضِعاً وَأعْطَى عنَانَهْ
ونَفُورٍ أزْرَى بصَيَّادِهِ الطبِ / وأَعْيَا قِسِيَّهُ وَسِنَانَهْ
نَظْرَةٌ تَلْتَقي بِهِ يَنْهَبُ الْوَا / دِي وأُخْرَى تَراهُ يطْوِي رِعَانَهْ
تَسْبِقُ السَّهْمَ عينُهُ فَتَرَاهُ / يَتَلَوَّى تَلوِّيَ الخَيْزُرانَه
ثمَّ يَخْفَى فَلاَ تَرَاهُ عُيُونٌ / ثُمَّ يَبْدُو فَلاَ تَشُكَّ عِيَانَه
أَجْهَدَ الْفَارِسَ المُلِحَّ وَأفْنَى / نَبْلَهُ حَوْلَهُ وَأضْنَى حِصَانَه
وَهْوَ يَعْدُو لاَ الرَّأْسُ مَالَ مِنَ الأَيْنِ / وَلا قَلْبُهُ شَكَا خَفَقَانَهْ
مَدَّ شَوْقي إِلَيْهِ نَظْرَةَ سِحْرٍ / عَوَّقَتْ دُونَ شَوْطِهِ جَريَانَه
فَأَتَى مِشْيَةَ المُقَيَّدِ يَسْعَى / بَيْنَ هَوْلٍ وَذِلَّةٍ وَاسْتِكَانَه
غَزَلٌ كالشَّبَابِ ينْضَحُ آما / لاً ويهْتزُّ في حلىً فَتَّانَهْ
تَسْمعُ الْحُبَّ في نَواحِيهِ هَمْساً / يتَناجَى ويَشْتَكي أشْجَانَه
وتُحِسُّ الْهَوَى يرِفُّ حناناً / شَرَكُ الحُبِّ أنْ تُحِسَّ حَنَانَه
وإِذَا جَالَ وَاصِفاً رَاعَك الْحُسنُ / وَأكْبَرْتَ فنَّهُ وافْتِنَانَه
صُوَرٌ زَيْتُها بَيَانٌ سَرِيُّ / مَزَجَ اللّهُ وَحْدَهُ أَلْوَانَه
لَوْ رُفَائِيلُ راءها غَالَهُ الْبَهْرُ / وَأَلْقَى ألْوَاحَهُ وَدِهَانَه
عالِمٌ بِالنُّفُوسِ ما غَاصَ مِيلٌ / في خَفَايَا النُّفُوسِ حتَّى أبَانَه
أَوْدَعَ الدَّهْرُ مِسْمَعَيْهِ عَنِ الكَوْ / نِ حَدِيثاً فلَمْ يُطِقْ كِتْمَانَهْ
ذَأكَ سِرُّ الإِلَه يختَصُّ مَنْ شَا / ءَ بآثارِ فَضْلِهِ سُبْحَانَه
وَرِثَاءٌ لوْ كَان يَسْمَعُهُ المَيْتُ / لأَحْيَا بِسِحْرِهِ جُثْمَانَه
عَرَفَ المَوْتَ والْحَياةَ جَميعاً / ورَأى بَعْدَ حَيْرَةٍ بُرْهانَه
والرّوَايَاتُ أدْهَشَتْ كلَّ لُبٍ / ثُمَّ أَرْبَتْ فَأَدْهَشَتْ شَيْطَانَه
يُغْمِضُ الْعَيْنَ في اضْطِرَابٍ إذَأ حَسَّ / طُروقَ الإلْهَام أَوْ غِشْيَانَه
ثُمَّ يُمْلي كَأَنهُ مِنْ كِتابٍ / قَارِىءٌ في سُهولَةٍ ومَرَانَهْ
جَوْهَرِيٌّ وَدَّ الكَواعِبُ لَوْ يَشْرِينَ / يوماً بِحُسْنِهنَّ جُمَانَه
زَانَ مِصْراً بلؤلىءٍ يَبْهَرُ الْعَيْنَ / وَأوْلَى تَارِيخَهَا عِقْبَانَهْ
كَانَ صَبّاً بِمِصْرَ كَمْ هَامَ شَوْقاً / بِرُبَاهَا وَبَثَّهَا أَحْزانَهْ
دَفَنَ اللَّهْوَ وَالصِّبا في ثَرَاهَا / وَطَوَى مِنْ شَبابِه عُنْفُوَانَه
هِيَ بُسْتَانهُ فَغَرَّدَ فِيهِ / وحَبَا كُلَّ قَلْبِهِ بُسْتانَه
يحْرُسُ الْفَنَّ في ظِلالِ نَوَاحِيهِ / وَيَرْمِي عَنْ دَوْحِهِ غِرْبَانَه
يَعْشَقُ النِّيلَ والْخَمَائِلُ تَهْتَزُّ / بِشَطَّيْه خُضْرَةً وَلَدَانَهْ
يَعْشَقُ النِّيلَ وَالْجزِيرةُ تُغْرِيهِ / وَقَدْ لَفَّ حَوْلَهَا أرْدانَهْ
يَعْشَقُ الْجسْرَ والسَّفَائِنُ تَهْفُو / حَوْلَهُ كَالْحَمائِم الظَّمْآنهْ
وَيُحِبُّ السَّوَادَ مِنْ عَيْنِ شَمْسٍ / مَالِئاً مِنْ رُوَائِهِ أَجْفَانَه
كُلُّ شَيءٍ بِمِصْرَ يَبْهَرُ عَيْنَيْهِ / جَمَالاً ويَسْتَثِيرُ جَنَانَه
كُلَّمَا هَزَّهُ إِلَى الشِّعْرِ شَوْقٌ / جَذَبَ الْحُبُّ نَحْوَهَا وِجْدَانَه
فَشَدَا بِاسْمِهَا كَمَا تَصْدحُ الطَّيْرُ / وَقَدْ شمَّرَ الدُّجَى طَيْلَسَانَه
وَجَلا مَجْدَهَا الْقَدِيمَ جَدِيداً / بَعْدَ مَا هَدَّمَ الْبِلَى أَرْكَانَهْ
في خُشُوعٍ يُشِيدُ باسمْ فُؤَادٍ / مِثْلَمَا رَدَّدَ المُصَلِّي أَذَانَهْ
مَلِكٌ مَدَّ لِلْفُنُونِ يَمِيناً / عَلَّمَتْ كُلَّ مُحْسِنٍ إِحْسَانَهْ
نَظْرَةٌ مِنْهُ زَادَت الشِّعْرَ زَهْواً / وَأعَادَتْ لِعَهْدِهِ رَيْعَانَه
نَحْنُ في ظِلِّ تَاجِهِ في زَمَانٍ / وَدَّ هَارُونُ أَنْ يَكُونَ زَمَانَه
أَوَّلُ السَّابِقينَ شَوْقِي إذَا جَا / لَ ذَوُو السَّبْقِ يَبْتغونَ رِهَانَه
شِعْرهُ حِكْمَةٌ وَصِدْقُ خَيَالٍ / وَجَمَالٌ وَرَوْعَةٌ وَرَصَانَه
وَمَعَانٍ شَوْقِيَّةٌ في سِيَاقٍ / بُحْتُرِيٍ وَرِقَّةٌ في مَتَانَهْ
يَا مُجِيرَ الْفُصْحَى وَقَدْ عَقّهَا / الدَّهْرُ وأَغْرَى بِقَوْمِها حِدْثَانَه
نَزَلَتْ في ذَرَاكَ رَوْضاً مَرِيعاً / هَدَلَ النَّوْرُ والْجَنَى أَغْصَانَه
واستَعادَتْ حُسْن الشَّبَابِ وَكَانَتْ / رَمَقاً بَيْنَ كَبْرَةٍ وَزَمَانَهْ
وَحَمَتْهَا يَدَاكَ مِنْ شَرِّ باغٍ / في زَمَانٍ طَغَتْ عَلَيْهِ الرَّطَانَه
ذَكَّرَتْهَا رَنَّاتُ صَوْتِكَ قَوْماً / سَلَفُوا مِنْ هَوَازِنٍ وَكِنَانَهْ
رَفَعَتْ مِصْرُ رَايَةَ الشِّعْرِ في الشَّرْ / قِ وَأوْلَتْ أَمِيرَهُ صَوْلَجَانَهْ
وَمَشَى الدَّهْرُ في الْوُفُودِ إِلَى / الْبَيْعَةِ يَحْتَثُّ نَحْوَهُ رُكْبَانَه
وَرَأَيْنَا بِكُلِّ أُفْقٍ رَنِيناً / رَدَّدَتْه الْقَصَائِدُ الرَّنَّانَه
هَكَذَا كُلُّ مَنْ يُرِيدُ خُلُوداً / يَجْعَلُ الْكَوْنَ كلَّهُ مَيْدَانَهْ
هَكَذَا فَلْيَسِرْ إِلَى الْمَجْدِ مَنْ شَا / ءَ وَيَرْفَعْ بِذِكْرِهِ أَوْطَانَه
خُلُقٌ كَالنَّدَى وَقَدْ نَقَّطَ الزَّهْرَ / فحَلَّى وَشْيَ الرِّياضِ وَزَانَه
وَصِباً يَمْلأُ الزَّمَانَ ابْتِسَاماً / وَحِجاً يَمْلأُ الزَّمَانَ رَزَانَه
وَسَمَاحٌ يَلْقَى الصَّرِيخَ بِوَجْهٍ / تَحْسُدُ الشَّمْسُ في الضُّحَا لَمَعَانَه
شَمَمٌ في تَوَاضُعٍ وَحَياءٌ / في وَقَار وفِطْنَةٌ في لَقَانَه
وَحَدِيثٌ حُلْوٌ لَهُ رَوْعَةُ الشِّعْرِ / فَلَوْ كَانَ ذَا قَوَافٍ لَكَانَهْ
وَيَقِينٌ باللّه ما مَسَّهُ الضَّعْفُ / وَلاَ طَائِفٌ مِنَ الشَّكِّ شَانَه
هُوَ في الشَّمْسِ والْكَوَاكِب نُورٌ / وَهْوَ في الأَرْض وَالْجِبَالِ رَكَانَه
مَلَكَ الدِّينُ قَلْبَهُ وَهَوَاهُ / وَجَلاَ الشِّعْرُ سَاطِعاً إِيمَانَه
يَمْدَحُ الْمُصْطَفَى فَتَلْمَحُ حُبّاً / عَاصِفاً آخِذاً عَلَيْهِ كِيَانَه
وَتَرَاهُ يَذُودُ عَنْ آلِهِ الْغُرِّ / وَفَاءً لِحُبِّهِمْ وَصِيانَهْ
حَسْبُهُ أَنْ يَجِيءَ في مَوْقِفِ الْحَشْرِ / فَيَلْقَاهُ مَالِئاً مِيزَانَه
طَوَّفَتْ حَوْلَهُ الْمَلاَئِكةُ الطُّهْرُ / وَمَسَّتْ بِطِيبِها أَكْفَانَهْ
إنَّ مَعْنَى الْحَيَاةِ فِيهِ مِنَ الْمَوْ / تِ مَعَأنٍ لَوْ يَفْهَمُ الْمَرءُ شانهْ
يُهْدَمُ الْمَرْءُ كُلَّ يومٍ وَيُبْنَى / ثم يَهْوِي فَلاَ تَرَى بُنْيَانَه
نَحْنُ حَبٌّ في قَبْضَةِ الدَّهْرِ يُلقيهِ / وَيَجْنِيه مُدْرِكاً إِبَّانَه
نَحْنُ في دَوْحَةِ الأَمَاني زَهْرٌ / يَهْصِرُ الْمَوتُ لِلْبِلَى أَفْنَانَه
إِن هَذِي الْحَيَاةَ بَحْرٌ وَكُلٌّ / بالِغٌ بَعْدَ سَبْحِهِ شُطْآنه
قَدْ قَضَى اللّهُ أَنْ نَكُونَ فَكُنَّا / وَقَضَينَا وَمَا قَضَيْنَا لُبَانَه
أَيُّهَا الرَّاحِلُ الْكَرِيمُ لَقَدْ كُنْتَ / سَوَادَ الْعُيُونِ أَوْ إِنْسَانَه
نَمْ قَرِيراً في جَنَّةِ الْخُلْدِ وَانْعَمْ / بِرِضَا اللّه وَاغْتَنِمْ غُفْرَانَهْ
وَالْتَمِسْ نَفْحَةَ الرَّسُولِ وَطَارِحْ / في أَفَانِينِ مَدْحِهِ حَسَّانَه
كَيْفَ يُوفي الشِّعْرُ الَّذِي مَلَك / الشِّعْرَ وألْقَى لِغَيْرِهِ أَوْزَانَه
وَرِثَاءُ الْبَيَانِ جُهْدُ مُقِلٍ / لِلَّذِي خَلَّدَ الزَّمَانُ بَيَانَه
يا قبرَ حفني أَجبْني
يا قبرَ حفني أَجبْني / ماذا صنعتَ بحفني
ماذا صنعتَ بعلْمٍ / وما صنعتَ بفَنّ
وما صنعتَ بفكرٍ / ماضي الشَباةِ وذِهْن
طويتَ خيرَ مَثابٍ / للطائفين ورُكْن
في كلِّ يومٍ رِثاءٌ / لصاحبٍ أو لخِدْن
حتَّى لقد كاد شعري / يبكي لضعفي ووهْني
فإنّما أنا منه / وإنّما هو مني
الوزنُ من نَبْضِ قلبي / والبحرُ من ماءِ جَفني
رحا المنايا رويداً / خلطت طِحْناً بِطِحن
وإنَّما الناس ظَعْنٌ / يسيرُ في إثْرِ ظعْنِ
فما حديدٌ بباقٍ / ولا حِذارٌ بمُغْني
وكلُّ عقلٍ مُضِيءٍ / إلى خمودٍ وأَفْن
يكادُ إن مال غصنٌ / يشكو الزمانَ لغصن
تعساً له كم نُعزِّي / حيناً وحيناً نُهَنِّي
من إجتماعٍ لعُرْسٍ / إلى إجتماعٍ لدفن
والمرءُ يُحيي الأماني / والدهرُ يُبْلي ويُفني
فكم تمنّيتُ لكن / ماذا أفاد التمنِّي
دعني أقلِّبُ طَرْفي / في ظلمَةِ الليِ دعني
حيرانَ أضرِبُ كفي / أسىً وأقرَعُ سِنّي
قد خانني الدهرُ يوماً / يا ليته لم يَخُنِّي
أكلَّما مرّ نعْش / أو طاف نَعْيٌ بأُذْني
طار الفؤادُ فلولا / بقيةٌ ندَّ عني
لولا التُّقَى لم أجدْه / بجانبِي أو يجدْنِي
قالوا أجدتَ المراثي / فقلتُ إنَّ وإنِّي
دُموعُ عيني قَريضي / وزَفْرةُ الوجدِ لحني
عَلِّي أداوِي حَزيناً / فالحزنُ يُمْحَيى بحزن
أو يشتفي ببكاءٍ / مَن شأنُه مثلُ شأني
أين النُبوغُ توارَى / يا قبرَ حفني أجبني
أكلَّما لاح بدرٌ / رمتهُ ريحٌ بدَجْن
وخلّف الأرضَ حَيْرى / سهلٌ يموج بحَزْن
وربّ زهرٍ شَذاه / يُزْري بأرواحِ عَدْنِ
كأَنّما منحتْه / ألوانَها ذاتُ حُسْن
جمالُه الغضُّ أغرَى / أغصانَه بالتّثني
غذتْه أَطْبَاءُ طَلٍ / حيناً وأثْداءُ مُزْن
تسري به الريحُ رفقاً / في خشيةٍ وتأنّي
كأنَّها فَمُ أُمٍ / يَمُرُّ في وجنةِ ابْن
النحلُ ترشُفُ منه / رحيقه وتُغَنِّي
تجني ولم تدرِ يوْماً / أنّ الردَى سوف يجني
طغت عليه سَمومٌ / حرَّى كأنفاسِ جِنِّ
فغادرتْهُ رُكاماً / أجفَّ من عودِ تِبن
والدهر أحرَى رفيقٍ / بأن يخونَ ويُخني
يا قبرَ حفني أجبني / وارحم بقيّةَ سنّي
قد راعني منك صَمْتٌ / بحقِّه لا تَرُعْني
ففيكَ أمضَى جَناناً / من كلِّ فُصْحٍ ولُسْن
وفيكَ شِعْرٌ نقيٌّ / من كلِّ وَقْصٍ وخَبن
كأَنَّه بَسَماتٌ / للوصلِ بعد التجنّي
أو نفحةٌ من جميلٍ / طافتْ بأحلام بُثْنِ
أو رَغْوةٌ من سُلافٍ / تفيضُ من رأس دَنّ
كم نكتَة فيه كادت / تخفَى على كُلِّ ظن
مصريةٍ جالَ فيها / ذوقُ الأديبِ المفنِّ
لو كنتَ تعرفُ حفني / لقلتَ زدني وزدني
نحوٌ يصُكُّ الكِسائي / ويزدرِي بابن جِنّي
وإنْ أُثيرَ جِدالٌ / رأيتَه خيرَ قِرْن
العلمُ أمضَى سلاح / له وأوْقَى مِجَنّ
قد كان ضخماً جَسيماً / يبدو كشامخِ حِصْنِ
اللحمُ رِخْوٌ بدين / له نعومةُ قُطن
والصدرُ رَحْبٌ فسيحٌ / ما جاش يوماً بضغْن
في وجهه الجهم حسنٌ / من روحهِ المتسكنّ
قد زارني ذاتَ يومٍ / في وقتِ قَيْظٍ وكِنّ
فكان أُنْساً تدانتْ / به المُنَى بعد ضَنّ
فاض الحديثُ زُلالاً / عذْباً وما قال قَطْني
فُكاهةٌ من لَدُنْه / ونكتةٌ من لدُنّي
في الأُذن قهوْةَ كَرْمٍ / والكف قهوةُ بُنِ
أروِي ويَرْوِي القوافي / كالدرِّ وزناً بوزن
يا مجلساً عاد وجْداً / يُذْكي الفؤادَ ويُضْني
ضاع الصبا ورجَعْنا / منه بصَفْقةِ غَبْن
حفني سلاَمٌ ونورٌ / لقلبكَ المطمئن
فارقتَ أهلاً وسَكْناً / لخيرِ أهْلٍ وسَكن
تَثْني إليكَ القوافي / أعناقَها حين تُثني
طائِرٌ يَشْدُو عَلَى فَنَنِ
طائِرٌ يَشْدُو عَلَى فَنَنِ / جَدَّدَ الذِّكْرَى لِذِي شَجَنِ
قامَ والأكْوانُ صامِتَةٌ / ونَسيمُ الصُّبْحِ في وَهَنِ
هاجَ في نَفْسِي وقد هَدَأَتْ / لَوْعَةٌ لَوْلاهُ لم تَكُن
هَزَّهُ شَوْقٌ إِلى سَكَنٍ / فَبَكَى للأَهْلِ والسَّكَن
وَيْكَ لا تَجْزَعْ لِنازِلَةٍ / ما لِطَيْرِ الْجَوِّ مِنْ وَطَن
قد يَراكَ الصُّبْحُ في حَلَبٍ / ويَراكَ اللَّيْلُ في عَدَن
أَنْت في خَضْرَاءَ ضاحِكةٍ / مِنْ بُكَاءِ العارِضِ الْهَتِن
أنْتَ في شَجْرَاءَ وَارِفَةٍ / تارِكٌ غُصْناً إلى غُصُنِ
عابِثٌ بالزَّهْرِ مُغْتَبِطٌ / ناعِمٌ في الْحلِّ والظَّعَن
في ظِلاَلٍ حَوْلهَا نَهَرٌ / غَيْرُ مَسْنُونٍ ولا أُسِن
في يَدَيْكَ الرِّيحُ تُرْسِلُها / كَيْفَما تَهْوَى بلا رَسَن
يا سُلَيْمانَ الزَّمانِ أَفِقْ / لَيْسَ لِلَّذّاتِ مِنْ ثَمَن
وابْعَثِ الأَلْحانَ مُطْرِبَةً / يا حَياةَ الْعيْنِ والأُذُن
غَنِّ بالدُّنْيَا وزينَتِها / ونظَامِ الْكَوْنِ والسُّنَن
وبِقِيعَانٍ هَبَطْتَ بِها / وبما شَاهَدْتَ مِنْ مُدُن
وبأَزْهِار الصَّباحِ وقَدْ / نَهَضَتْ مِنْ غَفْوَةِ الوَسَنِ
وبِقَلْبٍ شَفَّهُ وَلَهٌ / حافِظٍ لِلْعَهْدِ لم يَخُن
كُلُّ شَيءٍ في الدُّنَا حَسَنٌ / أَيُّ شَيءٍ لَيْسَ بالْحَسَن
خالِقُ الأَكْوَانِ كَالئُها / وَاسِعُ الإِحْسَانِ وَالْمِنَن
كانَ لِي إلْفٌ فَأَبْعَدَهُ / قَدَرٌ عَنِّي وأَبْعدَني
أنا مَدَّ الدَّهْرِ أَذْكُرُهُ / وَهْوَ مَدَّ الدَّهْرِ يَذْكُرُني
قد بَنَيْنا الْعُشَّ مِنْ مُهَجٍ / غُسِلَتْ مِنْ حَوْبَةِ الدَرَن
مِنْ لَدُنْهُ الْوُدُّ أَخْلَصُهُ / والْوَفا والطُّهْرُ مِنْ لَدُنِي
كانَتِ الأَطْيَارُ تَحْسُدُه / جَنَّةَ الْمَأْوَى وتَحْسُدُني
وظَنَنَّا أنْ نَعيِشَ بِهِ / عِيشَةَ الْمسْتَعْصِمِ الأَمِن
فَرَمَتْ كَفُّ الزَّمَانِ بِهِ / فَكأَنَّ الْعُشَّ لم يَكُن
طارَ مِنْ حَوْلِي وَخَلَّفَنِي / لِلْجَوَى والْبَثِّ والْحزَن
ونَأَى عَنِّي وما بَرِحَتْ / نَازِعاتُ الشَّوْقِ تَطْرُقُني
وَمَضَى والْوَجْدُ يَسْبِقُهُ / وَدمُوعُ الْعَيْنِ تَسْبقُني
إنْ تَزُرْ يا طَيْرُ دَوْحَتَهُ / بَيْنَ زَهْرٍ ناضِرٍ وجَنِي
وَشَهِدْتَ التِّمْسَ مُضْطَرِباً / واثِباً كالصافِنِ الأَرِن
عَبِثَتْ رِيحُ الشَّمالِ بِه / فَطَغَى غَيْظاً على السفُنِ
فَانْشُدِ الأَطْيَارَ واحِدَها / في الْحُلَى والْحُسْنِ والْجَدَن
وَتَرَيَّثْ في الْمَقَالِ لَهُ / قد يَكُونُ الْمَوْتُ في اللَّسَن
صِفْ لَهُ يا طَيْرُ ما لَقِيَتْ / مُهْجَتي في الْحُبِّ مِنْ غَبَن
صِفْ لَهُ رُوحاً مُعَذَّبَةً / ضاقَ عن آلامِها بَدَنِي
صِفْ لَهُ عَيْناً مُقَرَّحَةً / لأَبِيِّ الدَمعِ لَمْ تَصُن
يا خَلِيلِي والْهَوَى إِحَنٌ / لا رَماكَ اللّهُ بالإحَن
إِنْ رَأَيتَ الْعَيْنَ ناعِسَةً / فَتَرَقَّبْ يَقْظَةَ الْفِتَنِ
أوْ رَأيتَ الْقَدَّ في هَيَفٍ / فاتَّخِذْ ما شِئْتَ مِنْ جُنَن
قد نَعِمْنا بِالْهَوَى زَمَناً / وشَقِينا آخشرَ الزَّمَنِ
ضلّ شعري وندّ عني بياني
ضلّ شعري وندّ عني بياني / ما على الشاعرين لو أرشداني
ضاع في ظلمةِ المشيبِ أنيناً / وبكى في الصبا بياضَ الأماني
مِزْهَرٌ أنَّ في قِفارِ فلاةِ / وابنُ غصنٍ شدا بلا أغصان
بين قومٍ ما رَنَّ في سمعِهم أح / لَى نشيداً من أصفرٍ رنّان
صدَفتهم عن خالدِ الفنِّ أضغا / ثٌ وزَهْوٌ من كاذبِ العيش فاني
هاتِ سمعاً أُسْمِعْكَ رائعَ أَنغا / مي وإلاَّ فاذهبْ ودعني وشاني
أنا في أمةٍ بها جدولُ الضر / بِ طغَى سيلُه على الأذهَانِ
إن رأَوْا صفحةً بها بيتُ شعرٍ / تركوه يبكي على كلِّ باني
صِحْتُ فيهم فعاد صوتي مع الري / حِ وعادت حزينةً ألحاني
في كسادِ القريضِ أخفيتُ دُرِّي / وخَزنتُ الغريبَ من مَرْجاني
وتمنّيتُ كلَّ شيءٍ على الل / هِ سوى أن أعيشَ من أوزاني
كلُّ شِبْرٍ بمصر خِصْبٌ على الهرَّا / جِ جدبُ الثرى على الفنّان
سكت العندليبُ في وحشةِ الدَّوْ / حِ وغنَّتْ نواعقُ الغِرْبان
فسمعنا من النشوز أفاني / نَ يروِّعْنَ صادحَ الأفنان
أسمَعونا برغمنا فصبرنا / ثم ثُرْنا غيْظاً على الآذَانِ
جلبوا للقريضِ ثوباً من الغَر / بِ ولم يجلِبوا سوى الأكفان
ثم قالوا مجدِّدون فأهلاً / بصناديدِ أخرياتِ الزمان
لا تثوروا على تُراثِ امرىء القيْ / سِ وصونوا ديباجةَ الذُبياني
واتركوا هذه المعاولَ باللّ / هِ فإني أخشى على البنيان
واحفظوا اللفظَ والأساليبَ والذو / قَ وهاتوا ما شئتُمُ من معاني
ما لسانُ القريضِ من عربيٍ / كلسانِ القريضِ من طُمْطُماني
إنّما الشعرُ قطعةٌ منكَ ليست / من دماءِ اللاتين واليونان
كلُّ فنٍّ له مكانٌ وأهلٌ / إن غَدا العلمُ ما له من مَكانِ
إن رأيتم أُخُوّةَ العودِ للجز / بنِد فابكوا سُلالةَ العيدان
لا يهُزُّ النخيلَ إلاّ حَنانُ الن / ايِ في صمتِ ليلةٍ من حنان
وِجْهَةُ الشرقِ غيرُها وجهةُ الغ / ربِ فأَنَّى وكيف يلتقيان
أين عهدُ الشباب واللّهوِ يا شع / رُ وأين الهَوى وأين المغاني
ذبُل الوردُ وانقضى مَوْسِمُ الريح / انِ واحسرتا على الريحان
وانطوَى مجلسُ الصحابِ بمن في / ه وما فيه من أمانٍ لِدان
كان أشهى للنفسِ من حَسْوَة الكأ / سِ وأحلَى من صادحاتِ الأغاني
لم تَدُرْ كأسُه على واغلٍ فَدْ / مٍ ولا واكلٍ عن المجدِ وانِي
يُنْثَرُ الشعرُ فيه كالزهرِ ريّا / نَ بلحنٍ من الصبا ريّان
كان فيه شوقي وكان أبو الحف / ظِ وحفنى وجملةُ الإخوان
وإمامُ العبدِ الذي كان رمزاً / لتآخي المصريِّ والسوداني
كان شوقي يُصْغِي وما كان يُصْغِي / هو في عالَمٍ من الفنِّ ثاني
كلّما مدّ رأسَه يرقُبُ الوح / يَ رأيتَ العينينِ تختلجان
ثم يُغْضي مُهمهِماً مثلما جرّ / بتَ بالْجَسِّ شادياتِ المثاني
ينظِمُ الشعرَ وهو يلقى الأحادي / ثَ فيأتي بآبداتِ البيان
رُوحُه في السماءِ وهو على الأر / ضِ كلا العَالمَيْنِ مختلفانِ
هو شوقي جسماً يُرَى ويُناجي / وهو في الشعرِ طائفٌ نوراني
شركسيٌّ أعيا على العُرْبِ مَأْتا / هُ فَحسّانُ ليس بالْحسّان
وله في المديح ما لم يُداني / ه ابنُ عَبْدانَ في بني حَمْدان
حكمةٌ مَشْرِقيّةٌ في خيالٍ / فارسيّ في منطقٍ عدناني
ينثُرُ الدرَّ عبقريّاً عجيباً / ليس من مَسْقَطِ ولا من عُمان
أنا بالدرِّ أخبرُ الناسِ لكن / ذلك النوعُ ندّ عن إمكاني
فاسألا كلَّ جوهرِيّ فإن قا / ل لديهِ مِثْلٌ له فاسألاني
يا خليلي لا تَهيجا لي الذك / رَى فقد نالني الذي قد كفَاني
ناولاني باللّه ديوانَ شوقي / لأراه كعهده ويراني
ثم سيرا على الأصابع في صمْ / تٍ وفي حضرةِ الأميرِ دعاني
مَرّةً أَلتقِي به أملدَ الع / ودِ نضيرَ الصبا طليق العِنان
بين راحٍ وروضةٍ وغدير / وحِسانٍ مضَى زمانُ الْحِسان
ووجوهُ الآمالِ أزهَى من الزهْ / رِ وغصنُ الشبابِ في رَيْعان
غَزَلٌ أذهل الغواني عن الحس / نِ ومن أين مثلُه للغواني
حين يشدو يُصغِي له الطيرُ حيرا / نَ مغيظاً مسائلاً مَن حكاني
ذاك صوتٌ به خُصِصْتُ من الل / هِ فمن أين جاء للإنسانِ
يصِفُ الجسر والجزيرةُ تهت / زُّ حَواليْهِ هِزَّةَ النشوان
في ثيابٍ من الطبيعة وشّا / ها كما شاء مُبدِعُ الألوان
ويَرى حبّه للدولةِ عثما / نَ شعاراً لصادقِ الإيمان
ذاك شعرُ الشبابِ والدارُ دارٌ / وأيادي العباسِ بيضٌ دواني
ثم ألقاه وهو في الأسرِ يشكو / فيُثير الكمينَ من أشجاني
ويناجِي شعره نائح الطَلْ / حِ فيُبكيه مثلَما أبكاني
زُحِمتْ مصرُ بالبُغاثِ من الطي / رِ وعِيقَ الشادي عن الطيران
أسروه ليحبسوا صوتَه العا / لي فنادَى بصوته الخافِقَانِ
احبسوا السيلَ إن قدرتم وسُدّوا / إن أردتم منافذَ البركان
ودعوا الشعرَ فهو طيرٌ من الفِرْ / دوسِ يأبَى مَسيسَه بالبنان
ثم طار الهَزَارُ للعُش غِرِّي / داً وعاد الغريبُ للأوطان
عاد زِريابُ بعد أن زاد أوتا / راً لأوتارِ عوده المِرْنان
فتغنّى بمصرُ في موكبِ الشر / قِ وعزِّ التاجيْنِ والصوْلجان
وشدا بالشموسِ من عبدِ شمسٍ / والغطاريفِ من بني مَرْوان
ألهب العزم في بني مصرَ ناراً / أيُّ خيرٍ في هذه النيران
ودعا بالشبابِ فابتدروا السبْ / قَ وآمَالُ مصرَ في الشبّانِ
والرواياتُ أعجزتْ كلّ شيطا / نٍ وأعيت في وصفِها شيطاني
حكمةُ الشَّيْبِ في مِراس التجاري / بِ وفكرٌ أمضى شَباً من سِنان
جَنتِ السِّنُّ ما جنت غير عقلٍ / زاد بالسِّنِّ صَوْلةً ولسان
كلما هدّتِ الليالي قُواه / بلغ الشعرُ قِمّة العُنفوان
شعرُ شوقي وديعةُ الزمنِ البا / قي وشوقي وديعةُ الرحمن
قد شُغِلْنا عن حافظٍ بأمير الشع / ر ويلي لو كان يدري لحاني
كان يجري على أعنّة شوقي / ويُعاني من رَكْضه ما يُعاني
لا الجوادانِ في النجار سواءٌ / حين تبلوهما ولا الفارسَانِ
يُلْهبُ الشعرَ حافظٌ أرعنَ السو / طِ وشوقي في آخرِ الميدان
ليت شعرَ القريضِ أيُّ سِباق / بين شعريْهما وأيُّ رِهان
حافظٌ زيَّن القريضَ بفنٍّ / بُحْتُرِيّ عذبٍ رشيق المباني
لفظُه في يديه يختار منه / صَحْفةُ الدرِّ في يَدَيْ دِهْقَان
ولكم قد أعاد بيتاً مراراً / باحثاً عن فريدةٍ من جُمان
يتقَرّى في الشعر مَيل الجم / اهيرِ ليحظَى بصيحةِ استحسان
جال في حَوْمةِ السياسة وثَّا / باً فأذكَى حماسةَ الفِتيان
ورمَى الاحتلالَ حرّاً جريئاً / وتحدَّى العميدَ ثَبْتَ الْجَنانِ
في زمانٍ قد ذلَّ كلُّ إباءٍ / فيه وانقاد كلُّ صعبِ الْحِران
وظّفوه فأسكتوه فألقَى / شعْرَهُ في مَهامِه النِّسيان
ويحَ هذا الكِرْوانِ هل راقه الحب / سُ وأغراه عسجدُ القضبان
هَشّموا نابَي ابن بُرْدٍ وحالوا / بين كاس الطلا وبين ابنِ هاني
كان شوقي وحافظٌ إن دجَى الخط / بُ شعاعيْنِ في الدُّجَى يلمعان
فهما في أواخرِ الليلِ فجرا / نِ وفي أُولَياتِه شَفَقان
أيها الشاعرانِ قد صَوّح الدوْ / حُ وولّت بشاشةُ البستان
وخلا الربْعُ لا قراعُ كئوسِ / ضاحكات ولا رنين قِيَانِ
وتولَّى القُطّانُ لم يبق إلاَّ / حسراتٌ لفُرقةِ القُطّان
ومضَى الرَّكْب بالرفاقِ وخلاَّ / نِي وحيداً أبكي على خُلاّني
أيها الشاعران في جنّةِ الْخُلْ / دِ هَناءً بالْخُلْدِ والرِّضوان
مهِّدا لي إلى جِواركما مَثْ / وىً إذا آن للرحيلِ أواني
يا ساريَ الشِّعْرِ يَطْوِي الْجَوَّ في آنِ
يا ساريَ الشِّعْرِ يَطْوِي الْجَوَّ في آنِ / وَيَمْلأُ الأُفْقَ تَغْريداً بأَلْحاني
يَخْتالُ في بُرْدَةِ الفُصْحَى وتُسْعِدُهُ / بَدَائِعُ الْحُسْنِ من آياتِ عَدْنان
سِرْ أَيُّها الشِّعرُ واركَبْ كلَّ ناجيَةٍ / من الرِّياحِ فقد أُلْقَتْ بأَرْسَان
سِرْ بالرِّياضِ وخُذ مِنْها نَضارَتها / ونَاغ ما شِئْتَ مِنْ وَرْدٍ ورَيْحان
الكَوْنُ أُذْنٌ لِمَا تُلْقِيه وَاعِيةٌ / فامْلأْ مَدَاهُ بصَوْتٍ مِنْكَ رَنَّان
وَبَلِّغِ الأَرْضَ أنَّا في حِمَى مَلِكٍ / صَوْبُ الْحَيَا ونَدَى كَفَّيْهِ سِيّان
وَإِنْ تَزُرْ كَعْبَةَ الآمالِ مُشْرِقَةً / مِنْ عابِدينَ فطُفء مِنها بأَرْكان
وقِفْ وأَطْرِقْ خُشُوعاً أنتَ في قُدُسٍ / ضافي المَهَابةِ عالي الشَّأْوِ وَالشَّانِ
قَصْرٌ بَناهُ بُناةُ المَجْدِ مِن هِمَمٍ / فَلَمْ يُطاوِلْ عُلاهُ أَيُّ بُنْيان
فأَيْنَ كِسْرَى وَما أَعْلَى مَشَارِفَهُ / في بُهْرَة المُلْكِ مِنْ صَرْحٍ وإِيوان
أَساسُهُ عَزَماتٌ جَلَّ خالِقُهَا / لا ما يَرَى الناسُ من صَخْرٍ وصَوّان
يُطِلّ مِنْهُ عَلَى آمالنا مَلِكٌ / يُزْهَى به الشعْبُ في سِرّ وإعْلان
في وَجْهِهِ قَسَمات قَدْ دَلَلْنَ عَلَى / ما ضَمَّهُ القَلْبُ مِنْ نُبْلٍ وإِيمان
يابْنَ الأُلَى بَعَثُوا مِصْراً لِنَهْضتِها / وَأيقَظوا من بَنيها كُلَّ وَسْنان
وأرْسَلُوها إِلَى العَلْياءِ فانْطَلَقتْ / تَعْدُو إِلَى الْمَجْدِ في جدٍّ وإمْعانِ
كأنَّها تَبتغِي في الشَّمْسِ حاجَتَها / أو أنّها أوْدِعَتْ سِرّاً لكَيْوان
آثارُهُمْ في ضِفافِ النِّيلِ ماثِلةٌ / أبْقَى عَلى الدَّهْرِ مِنْ رَضْوَى وثَهلان
كأنَّها وهْيَ في الوَادِي قد انْتَثَرتْ / عِقْدٌ تَنَاثَرَ عَنْ دُرٍّ وَعِقْيان
جاءُوا بما عَزَّ في الآذانِ مَسْمَعُهُ / عَنِ المُلوكِ ولم تُبْصِرْهُ عَينان
في باحَةِ السِّلْمِ كانُوا رَحْمةً وهدىً / وفي الكَريهةِ كانوا أُسْدَ خَفّان
قد حاوَلُوا الصَّعْبَ حَتَّى ذَلَّ شامِسُهُ / ومالَ بالرَّأْسِ عَنْ يُسْرٍ وإمْكان
غَفْراً فُؤَادُ أَبا الفارُوقِ إِن عَجَزَتْ / عَنْ عَدِّ آلائِكَ الغَرَّاءِ أوْزاني
حَاولْتُ تَصْوِيرَها جُهْدِي فما اتَّسَعَتْ / لِبَعْضِ ذلكَ أَلْواحي وأَلْواني
والبحرُ تُبْصِرُ جُزْءَا حَوْلَ ساحِلِهِ / ولَيْسَ في دَرْكِهِ طَوْقٌ لإِنسان
في كُلِّ يَوْمٍ لكُمْ في مِصْر عارِفَةٌ / في طَيِّها مِنْ نَدَاكُمْ أَلْفُ بُرْهان
نَشَرْتَ فيها رُبُوعَ العِلْمِ زاهِرةً / جَلاَلَةُ المُلْكِ في عِلْمٍ وعِرْفان
غرَسْتَهُ دَوْحَةً غَنَّاءَ وَارِفَةً / قَريبَةَ المُتَمَنَّى ذَاتَ أَفْنان
وساسَنا منكَ رأْيٌ زانَهُ خُلُقٌ / قد صاغَهُ اللّهُ من رِفْقٍ وإِحْسان
الدِّين زاهٍ وَوَجْهُ المُلْكِ مُؤْتَلِقٌ / كالرَّوْضِ جادَ ثَراهُ صَوْرُ هَتَّانِ
رَدَدتَ لِلُّغَةِ الفُصْحى بَشَاشَتَها / مِن بَعْدِ أَنْ هَجَرتها مُنْذُ أَزْمان
قد ذَكَّرَتْها أيادِيكَ التي عَظُمَتْ / مَنَازِلَ العِزِّ في دَاراتِ قَحْطان
أَوْلَيْتَها مَجْمَعاً طابَتْ مَشارِعُهُ / وَبَلَّ منهُ صَداهُ كلُّ صَدْيان
أعادَ في مِصْرَ عَهْداً للرَّشيدِ مضَى / أيامَ أشْرَقَتِ الدُّنْيا بِبَغْدان
سَعَتْ لِساحَتِكَ الدُّنْيا ويَمَّمَها / جَهابِذُ القَوْمِ مِنْ قاصٍ ومِنْ داني
هَذِي الإِذاعَةُ يا مولايَ قد نَطَقَتْ / بما بَذَلْتَ بإِفْصَاحٍ وتِبْيان
مِنْ قَبْلها سارَ سَيْرَ الشمسِ ذكْرُكمُ / يَطْوِي الْجِواءَ بأقْطارٍ وبُلْدانِ
أنشَأْتَها جَنةً غَنَّتْ بلاَبِلُها / وغَرّدَتْ بين أوراقٍ وأَغْصانِ
فيها الثَّقافاتُ ألوانٌ مُنَوَّعَةٌ / تُزْجَى إِلى الشَّعبِ من آنٍ إلى آن
قد أصْبَحَتْ مَنْهلاً يَسْعَى لِطالِبِه / فاعجبْ إِلى مَنْهلٍ يَسْعَى لِظَمْآن
عِشْ لِلْبِلادِ أبا الفَارُوق نُورَ هُدىً / وأَعْلِ رايَتَها في كُلِّ مَيْدان
وعاشَ فاروقُ للدنْيا يُجَمِّلُها / ويَزْدَهِي بمُحَيَّاهُ الْجديدان
لما دَعوْهُ أَمِيراً للصعِيدِ سَمَا / بِهِ الصَّعيد وأضْحَى جِدَّ جَذْلان
لا زالَ زِينَةَ عَهْدٍ طابَ مَوْرِدُهُ / مُجَمَّلٍ بِجَلاَلِ المُلْكِ مُزْدَان
تبّاً له من ثقيلٍ
تبّاً له من ثقيلٍ / دَماً ورُوحاً وطِينهْ
لو كان من قوم نُوحٍ / لَما ركِبْتُ السفينه
حَنّ شِعري إلى اللّقاءِ وأنَّا
حَنّ شِعري إلى اللّقاءِ وأنَّا / أَينَ ألقاكَ ليتَ شعري وأنَّى
ضَربتْ بينَنا المنونُ بِسُورٍ / حَجبتهُ العقُول عَنْها وعَنَّا
تتلاقَى بِه الدموعُ حَيارَى / وتَغُوصُ الظنونُ فيه فَتضنى
كم حوَى مِن ورائه زَهراتٍ / وغُصُوناً رَيّا المَعاطفِ لُدنَا
كم حوى من ورائِه عبقري / اتٍ ورأياً عَضْبَ الشباةِ وذهْنَا
كم حَوى مِن صحائفٍ لم تُتمَّمْ / وأناشيدَ لم تَعِشْ لتُغَنَّى
وأمانٍ زُغبٍ تطير إلى القَب / ر خِمَاص الحشى فُرادى ومَثْنَى
حَجَبَ السورُ خلفَه لي رجاءً / خانَه الدهرُ في صِباهُ وأخْنَى
أسكتَتهُ قوارعُ الموتِ لحناً / ولوتْهُ زَعازعُ الموتِ غُصنَا
هُو في البدرِ حينما يطلعُ البد / رُ وفي الروضِ حينَما يتَثَنَّى
ما بُكاءُ الأطفالِ أجدى عليهِ / لاَ ولاَ الصبرُ والتجلُّدُ أغنَى
فيه أسْعدتُ كلَّ باكٍ بِدَمعي / وأعرتُ الثكلى الحزينَةَ جفْنَا
كلَّما مرّت النوادبُ صُبحاً / ضربَ القَلبُ بالجَناحِ وحنَّا
يا شباباً فقدتُ فيه شَبابي / أدْركِ الوالهَ الشجي المُغنَّى
قد وأدتُ الرجاءَ في هذه الدنيا / فلا أرتجِي ولا أتَمنّى
وخنقتُ السنينَ أو ما علاها / فرأيتُ الميلادَ مَوْتاً ودَفْنا
مَنْ يُعمر يجد أخلاّءَهُ في الأر / ضِ أوفَى مِمَّن عليها وأحنَى
يذهب الأمسُ بالرجال فيُنسَوْن / وتَمضِي القُرون قرنا فقرنا
رِيشَةٌ في مهامهِ البيد طارَت / أيْنَ طارت اللّهُ أعلمُ مِنّا
وخضَمُّ الماضِي يَعُجُّ بمن في / ه ويغْشى قوْماً ويغمرُ مُدنَا
وظُعونُ المنونِ منذُ سليل الطي / نِ تَطوي الصحراءَ ظعنا فظعنَا
سُفن تلتقِي على شاطىء الغي / بِ لتَلقي هُناكَ سُفناً وسفنَا
ما لنا غيرَ أن نقولَ حيارى / بلسان الدموع كانُوا وكُنَّا
لا تقل إنّ صالحَ الذكرِ يبقى / كل شيءٍ في الدهرِ يبقى ليفْنَى
ما غنائي بالذكر يبقى جميلاً / حين أمسى تحت الصفائح رَهْنَا
ما رجائي والسيف أضحى حُطاماً / أن أرى بعده نِجاداً وجَفنَا
قد فقدنا أنطونَ بالأمس والحز / ن على فقده يُجدِّدُ حُزنَا
أخذته فُجاءةُ الموتِ أخذاً / رِيعَ مِن هولهِ الصباحُ وجُنَّا
ما حنى الرأسَ مرةً لِعظيمٍ / فأبى أن يراهُ لِلسِّنّ يُحنَى
أنجمٌ أشرقت فأطفأها المو / تُ كما تُطفأ المصابيح وهْنَا
ما على الدهر لو تريّث حِيناً / أو على الدهرِ مَرّةً لو تأنَّى
كلّ يوم نرثي ونندبُ حتّى / صار ندب الرجال في مصر فنا
ورحا الموتِ لا تني تملأ الأر / ضَ ضجيجاً وتنثر الناس طحْنَا
نَسي الشعرُ في صراع الرزايا / رنّةَ الكاسِ والغزالَ الأغَنَّا
شغَلته مآتمٌ ونعوشٌ / عَنْ هَوى زَينبٍ وعَن وَعد لُبنى
كم سلَوْنا عَن صاحبٍ بحبيبٍ / فإذا بالحبيبِ يُخلفُ ظنَّا
نتداوى مِن لاعجِ الشوقِ بالش / وقِ ونطوي أسى لننشر شجنا
ماتَ أنطونُ وانقَضت دولةُ المج / دِ وكانت به تعزّ وتغنَى
وغدا عَبْقرٌ وواديه أضغا / ثاً وعادت رَجاجة العقْلِ أفنَا
ورأينا الأقلامَ يَشققن صدراً / بعده حَسرةً ويقرعْنَ سِنَّا
نندبُ الكاتبَ الذي يرسل القو / لَ قويَّ الأداءِ معنى ومَبنَى
لا ترى لفتةً به تجبهُ الذو / قَ ولا لَفظةً تخدش أذْنَا
موجِزٌ زاده الوُضوحُ جمالاً / والتخلِّي عن الفَضالاتِ وزْنَا
أين ذاكَ الخلق المسيحَ كأن لم / يكُ بالأمسِ يملأ الأرضَ حُسنَا
والبشاشات أينَ مِنِّي سناها / والأفاكيهُ مِنْ هُناك وهنا
والسياسات والدهاء الذي كا / نَ سِلاحاً حيناً وحيناً مِجَنّا
أينَ ذاكَ الصدر الذي يحملُ الع / بءَ عظيماًن وليس يحملُ ضِغْنَا
كم غزتْهُ الخُطوبُ دُهمَ النواصي / وهو أصفى من الصباح وأسنَى
يا أخي هَلْ يليقُ أن تدخلَ البا / بَ أمامي وأنت أصغرُ سنَّا
قِفْ تأخّر قد كنت تُعلي مكانِي / ما جَرى ما الذي نَبا بك عنَّا
كنتَ بالأمس كنت بالأمسِ رُوحاً / مَرحاً ضاحِكاً وصَوْتاً مُرِنّا
كنت مَعنىً من الشباب وإن / شاخَ وعزْماً لم يعرف الدهر وهنَا
تملأُ الأرضَ والزمانَ حياةً / هادىءَ النفسِ وادِعاً مطمئنا
تبذلُ الخيرَ لم يُكدَّر بمنٍّ / وكثيرُ مِنّا إذا مَنَّ مَنَّا
مجمعُ الضادِ كنتَ للضادِ فيه / عَلَماً يُحسِر العيونَ ورُكنَا
كنتَ مِصباحَنا المنيرَ إذا غمّ / ت سبيلٌ وطالَ ليلٌ وجَنَّا
كنتَ يومَ الجِدالِ بالحجةِ البيضا / ءِ تمحو سحائبَ الشكِّ وكنّا
عِفّةٌ في اللّسانِ صَيّرت الأي / امَ تشدو بمدحِك اليومَ لُسْنَا
تبلغُ الغايةَ القصيّةَ ما أدْ / مَيتَ جُرحاً ولا تعمدتَ طَعنَا
كلُّ قِرْنٍ لدى النضال يرى في / كَ لمعنى الوفاءِ للحق قِرنَا
حَسْرتَا للفتى إذا قارَب الشوْ / طَ طوتْهُ المنونُ غَدْراً وغبْنَا
كلّما مدّ للكمالِ يديهِ / صَدّ عنهُ الكمالُ كِبراً وضَنَّا
إنْ قوِينا عَقْلاً ضعُفنا جُسوماً / ورأينا في الموتِ بُرءاً وأمْنَا
وشئونُ الحياةِ شتّى ولكنْ / حُبُّنا للحياةِ أعظمُ شأنَا
لو يعيشُ الإنسانُ عُمْرَ السُلحفا / ةِ لأغنَى هذا الوجودَ وأقنَى
ما الذي نرتجيه والعُمْرُ طَيفٌ / إنْ فتحنَا العينين بانَ وبنّا
نحنُ في هذه الحياة ثِمارٌ / كُلُّ شيءٍ إن أدْرَكَ النضْجَ يُجْنَى
يا أخي هل تُجيبُ إن هتف الش / وقُ حبيباً صدْقَ الوفَاءِ وخِدْنَا
إن أكنْ فيكَ داني القلبِ بالأم / سِ فروحي لروحِك اليوم أدْنَى
أتراني إنْ حان حَيْني قَميناً / أن أرى في ذَراك ظِلاً وسَكْنَا
نَمْ قريراً فإنَّ في ضجعةِ القب / رِ سَلاماً للعاملين ويُمْنَا
وجَدَ الساهرُ المجدُّ وِساداً / ورأى الطائرُ المحلِّقُ وَكْنَا
إنْ يكنْ في الحياةِ مَعنىً مِن الصفْ / وِ فَما للحياةِ بَعْدَكَ معْنَى
لَمحَ البِشْرُ باسماً بالأماني
لَمحَ البِشْرُ باسماً بالأماني / وشدا الصفوُ صادحاً بالأغاني
طَرَبٌ هزَّ كلَّ عِطْفٍ وجيدٍ / فكأنّ الوُجودَ من ألحان
إزْدَهِي مصرُ وامْلئي الكون تيهاً / بالأمير النبيل من إيران
أمةٌ مجدُها أطلَّ على الشم / س فحيّا سناءَه الفَرْقدان
قَهَرَتْ صَوْلَةَ الزمان وكانتْ / قَبَسَ النور في شبابِ الزمان
إنّ مصراً وإنّ إيرانَ في المج / د تليداً وطارفاً أَخَوان
أكبرَ ابنُ الحُسين أهرامَ مصرٍ / وشَدا البُحْتُرِيُّ بالإيوانِ
سَعِدا بالقِران في عزَّة الملْ / ك وفي ظلِّ دوْحِه الفَيْنان
فالتقَى بالرضا وبالفوز تاجا / ن وبالوُدِّ والصفا أُمتانِ
دُرّةٌ من كنوز مصرَ أضاءتْ / فوق تاج الملوك من ساسان
ونباتٌ زَكا بروض فؤادٍ / بين ظلين من ندى وحنان
إنّ عهدَ الفاروق عهدُ سُعودٍ / باسمُ الثغْرِ ناضرُ الأفنان
ملِك زانه الجلال وطافتْ / حوْله هالةٌ من الإيمان
قد سَرَى حُبُّه إلى كلِّ قلبٍ / وجرَى حمدُه بكلِّ لسان
لستِ من شأنه ولا بعضِ شانِهْ
لستِ من شأنه ولا بعضِ شانِهْ / كبح الشيْبُ والنُهى من عنانِهْ
فاذهبي ما سلا الفؤادُ ولكن / ساقه يأسُه إلى سُلوانه
وبدار الفِردوسِ من جانبوا الإث / مَ لعجز النفوسِ عن إتيانه
قد تولى الشبابُ ريحانةُ الح / بِّ فمن لي بالحبِّ أو ريحانه
آه من حَيْرةِ المشيبِ سواءٌ / هو في بَوْحِه وفي كتمانه
إن كتمناهُ قهقه الدهرُ جذلا / نَ ومدّ الخبيثُ طرفَ لسانه
أو أبحناهُ راعنا كلَّ يوْمٍ / شُرُفاتٌ يهوين من بنيانه
ورأيْنا الغِيدَ الأماليدَ حُلْماً / ضنّ بالملتقَى على وسنانه
كلُّ شيءٍ له أوانٌ يوفِّي / ه وفوْتُ الشباب قبل أوانه
كم نعمنا به زماناً فلمّا / طاح عشنا في ذكريات زمانِهْ
طائرٌ كان إن تغنَّى إلى الرو / ضِ شجا الحالياتِ من أغصانه
عسجديُّ الجناحِ ودّ العذارَى / لو خضبن البَنانَ من ألوانه
وتمنَّى الأصيلُ لو نال يوماً / لمحةَ الحسن من سنا لمعانه
أين تصفيقُه وأين مجالي / ه وأين الرخيمُ من ألحانه
جالَ في الأفْق جوْلةً ثم ولَّى / هل يعود الشادي إلى جَوْلانهْ
ومضى خافقَ الْجَناح ولم يت / رُكْ لقلبي منه سوى خفقانه
وحواه الماضي الْخِضمُّ وأبقَى / ذكرياتٍ تطفو على شُطْئانه
مرّةً نستريح شوْقاً لذِكرا / ه وحيناً نَجِدُّ في نسيانه
أنا عزمي من آل صخرٍ ورأسي / لقي الويلَ من بني شَيْبانه
ولنفسي مُنى الشبابِ وإن أد / رج وجهي الشبابَ في أغصانه
ما أُحَيْلَى الصبا فهل لمحةٌ من / هُ ومن زهْوهِ ومن ريعانه
بان بالأمس ركبُه فتطلّع / تُ أعُدُّ الطيوفَ من أظعانه
وبدا في طليعة الركب طيْفٌ / لجَّ منه الفؤَاد في تحنانهْ
هاج ذِكرَى دارِ المعارف والغص / نُ رطيبٌ والعمرُ في عنفوانِهْ
جمعتنا روْضاً جَنىً وظلالاً / تتدانى القطوفُ من أفنانه
فشدوْنا عنادلاً هزّت الده / رَ وكادت تُلهيه عن حَدثانه
وصحا الشرق ناشطاً يجبَه الدن / يا وينفي النعاسَ عن أجفانه
وكتَبنا في رْوعةٍ وبيانٍ / يُقسمُ السحرُ إنه من بيانه
من إمامٍ وشاعرٍ وأديبٍ / معجزاتُ الفنونِ طوْعُ بنانه
جمعتنا دارُ المعارف أحرا / راً فكنَّا للعلم من عُبْدانه
إنّ عُنوانَها جهابذُ مصرٍ / وجلالُ الكتابِ في عنوانهْ
مصنعٌ من ثقافةٍ وضياءٍ / كلُّ قطرٍ يعشو إلى نيرانه
يُنضج الخبزَ للعقول نقيّاً / لم يُروَّع بالبخسِ في ميزانه
كلّما دار دورةً نهض العق / لُ وألقى العتيقَ من أكفانه
طَبَعاتٌ فيها من الحسن طبعٌ / قيمةُ المرءِ في مدَى إحسانه
وإذا راعك الجمالُ لفنٍ / عبقري فاسألهُ عن فنَّانه
نجمع الدرَّ توْأماً وفريداً / ثم نأتي به إلى دَهْقانه
قُلْ كما شئت في مديح شفيقٍ / والكرام الثقاتِ من أعوانه
باعثُ الفِكر مثلهُ ناشرُ الفك / رِ له فضلُه ورفعةُ شانِهْ
أيُّ نفع للمسك في حُقّةِ المس / كِ وللمال في يَدَيْ خزّانِهْ
ينشَطُ الفكرُ بالذيوع ويزكو / وزكاء اليَنبوعِ في جريانه
يا ابن متري بلغتَ مدحي وهذا / منزلُ النجمِ أو قريبُ مكانه
صنتُ شعري عن أن يهونَ وبعضُ الش / عِر يسعى لذلِّه بهوانه
يصغرُ الفنُّ حينما تصغُر النف / سُ وينحطُّ من رفيع قِنانه
إن شعري أجرُ النبوغِ فما ب / ضَ لغير المُجيدِ في مَيْدانه
أشفيقٌ سِرْ بالشبابِ حثيثاً / أملُ الشرقِ في يَدَيْ شُبّانه
قد قرأنا في اقرأ صحائفَ أبدت / صفحاتِ الربيع في إبّانِهْ
نهضت بالشريفِ من لغة الضا / دِ وجاءت بالسحر من تبيانه
فهناءً دار المعارف لا زِلْ / تِ منارَ الحِجا ومجلَى افتتانه
لقِيَ الشرقُ في ذَراكِ ملاذاً / مُذْ بعثتِ الحياة في أوطانه
هزّتِ البُشْرَى جَناحَ الخافقيْنْ
هزّتِ البُشْرَى جَناحَ الخافقيْنْ / ومضتْ تخطِرُ بين المشرقيْنْ
وتهادَى النيلُ نشوانَ الهوىَ / ينثرُ الأزهارَ فوْق الشاطئينْ
كَمْ وكم للّهِ في الناسِ يَدٌ / يعجِزُ الشكرُ عليها باليدينْ
دُرّةٌ من سُؤدَدٍ لامعةٌ / ضمّها العرشُ لأغلى دُرَّتينْ
دُرّةٌ للمُلْكِ ما ماثلها / كَرَمُ التبْرِ ولا صَفْوُ اللجينْ
وشعاعٌ زاد في لأْلائِهِ / أنّه من لَمحاتِ النيِّرينْ
وشذىً من زهرةٍ ناضرةٍ / جمّلتْ في مصرَ أزهَى زهرتينْ
شرفُ الدوْحَة لاقَى شرفاً / فنما الفرعُ شريفَ المبِتَيْنْ
قرّتِ الأعْيُنُ لمَّا أنجبتْ / مصرُ للدنيا بها قرّةَ عَيْنْ
ونجا فاروقُها فاستبشرت / وصفا الدهر فكانت بُشْرَيَيْنْ
فاجتلت مصرُ مناها مرّةً / ثم عادت فاجتلتها مرَّتينْ
كم وقفنا نرتجي البُشْرَى كما / يُرْتَجَى بدرُ الدجَى في ليل غَيْنْ
واتجهنا نحو عابدين التي / أصبحتْ ثالثةً للقبلتينْ
صورةٌ للحبِّ ما أصدَقَها / ومن التصوير تزييفٌ ومَيْنْ
ومشى أجدادُها في مَوْكِبٍ / زاحم الدهرُ به بالمنكِبَينْ
مَوْكِبٌ قد خفَقَت أعلامهُ / وعلت فوقَ مَناطِ الفرقديْنْ
لم تَرَ العينُ له مثلاً ولا / خطرتْ أوصافُه في أذنينْ
يخْطِرُ التاريخُ فيه مثلَما / يخطِرُ الفارسُ بين الجحفَلَيْنْ
فيه مُحْيي مصرَ في أبنائه / زينةِ الدنيا وفخرِ المَلَوينْ
من كإسماعيلَ في آلائِهِ / أو كإبراهيم حامي الْحَرَميْنْ
جذوةُ الحربِ إذا ما اشتعلتْ / وبدا الشرُّ وأبدَى الناجذين
جمع الضادَ إلى رايته / مذ رآها أثَراً من بعدِ عَيْنْ
بدّدَت دُهْمُ الليالي شملَها / والليالي كلُّها من أبَوَيْنْ
فحباها وَحْدَةً ما عرفتْ / في الهَوى حدّاً لأقصى بلدينْ
وصلتْ رضوَى بلُبْنانَ كما / مزجت بالنيل ماءَ الرافدينْ
عجباً من آيةٍ كانتْ له / أصحتْ بابنِ فؤادٍ آيتيْنْ
ليس للعُرْبِ سواه عاهلٌ / يبهرُ الدنيا بعدلِ العُمَرينْ
زيّنتْه نشأةٌ طاهرةٌ / وهو للطهْرِ وللنشأةِ زَيْنْ
قانتٌ للّه في محرابِهِ / لم يَشُبْ آمالَه في اللّه رَيْنْ
مَلِكٌ يجتابُ ثوبيْ مَلكٍ / أينَ مَنْ يُشبهُه في الناس أينْ
سرَقَ النيلُ الندَى من كفِّه / فأسَالَ التِبْرَ فوق الواديينْ
حُبُّه دَيْنٌ وَدِينٌ للورَى / يَا لهُ في الحبِّ من دِينٍ ودَيْنْ
وبنى الملكَ أبوهُ جاهداً / فسَما فوق بناءِ الهَرَمينْ
عَلَوِيُّ العزم إنْ رام العلا / لم يضِقْ ذَرْعاً ولم يمَسْه أيْنْ
رفع الشعرَ إلى منزلةٍ / لم ينلْها في زمان ابن الْحُسَينْ
دَوْلةٌ قامتْ تناغِي دوْلةً / فنعِمْنا في ظِلال الدولتينْ
ربَّما في الشعرِ قامتْ صَفْحةٌ / بالذي يَعْيا به ذو الصفْحتينْ
إنّما الشعرُ على كثرتهِ / لا تَرى فيه سوى إحدى اثنتينْ
نفحةٌ قُدْسِيَّةٌ أو هَذَرٌ / ليس في الشعر كلامٌ بَيْنَ بَينْ
سلِمَتْ للتاجِ أصفَى دُرّةٍ / وأقرَّ اللّهُ عيْنَ الوالدينْ
جمعَ اللّهُ لها الْخيرَ كما / جمعَ الدنيا لنا في مَلِكَينْ
رُدّا شَبَابِي وَرُدّا عهدَ زيدانِ
رُدّا شَبَابِي وَرُدّا عهدَ زيدانِ / ومِنْ روَائعِ ما أَمْلاَهُ زيداني
قرأتهُ ورياضُ العُمْرِ وارفةً / فكانَ منهُ ومن سنِّي شبابَان
في ضوءِ خافقةٍ في الريف شعلتها / كالسِّر ما بينَ إعلانٍ وكِتْمَانِ
بدت بها زُمُرُ الأبطالِ ماثلةً / تطوي القرونَ لألقاهَا وتلقاني
من كلِّ ما شَادَ للإسلام مملكةً / أبقى على الدهرِ من رضوى وثهْلانِ
للعرب بالضادِ إيمانٌ يوحّدهم / كانوا لعدنانِ أو كانُوا لغسّانِ
ما خطّ زيدانُ أسطاراً على صحفٍ / لكن جلا صُوَراً من صُنْعِ فَنّانِ
قد كانَ أوّل مرتادٍ لأمته / والخلدُ في هذه الدنيا لَهُ ثَانِي