المجموع : 23
هذا الخليجُ فمَرْحَبا بزمانِهِ
هذا الخليجُ فمَرْحَبا بزمانِهِ / يا حَبَّذا الآصالُ بين جِنانِهِ
فامرحْ بطَرْفِك كيف شئتَ ترى به / معنى يَفُكُّ القلبَ من أحزانه
تَسْرِى الصَّبا في جانبيه عَليلةً / فيَثور عرفُ المسكِ من ريحانه
وتَهُبّ فوقَ إهابِه فتُعيده / دُرّا يعز الطرفَ عند عِيانه
فكأنّ وسوسةَ الغصونِ أحبَّةٌ / كلٌّ يُبثُّ أخاه من ألحانه
حَنَّت دَواليبُ المياهِ وساعدتْ / شَدَواتِ لحنِ الطيرِ في أغصانه
والشمسُ في أفق الغُروبِ كراحلٍ / متأسِّفٍ بالبين عن أوطانه
ذا منظرٌ لو أنصفوه سَعَى له / كِسْرى أنو شروان من إيوانه
لله أيامي به ومُساعِدِي / من صَحَّ عِقْدُ السحرِ من أجفانه
من خَدِّه وَرْدِى ورَشْفِ رُضابه / خَمْرى ونُقْلى مَصُّ طرْفِ لسانه
يسعى بمِرِّيِّحٍ تَضمَّن قامةً / كالسَّمْهَرى ولحْظُهُ كسِنانه
فأروح في بُرْدِ الشبابِ وأغتدِي / وزمامُ أمرِي في يَدَيْ شيطانه
كأنَّ سنابلَ حبِّ الحَصيدِ
كأنَّ سنابلَ حبِّ الحَصيدِ / وقد شارفتْ حين إبّانِها
كبائسُ مصفورةٌ رُبِّعَتْ / وأُراخىَ فاضلُ خِيطانِها
دخلتُ حَمَّاما على غِرةٍ
دخلتُ حَمَّاما على غِرةٍ / لما دعاني سوءُ حَظٍّ وحَيْنْ
تَوفُّراً مني على راحةٍ / أَحظَى بها إثْرَ كَلالٍ وأَيْنْ
فنلتُ منها كلَّ ما ساءني / من همِّ نفسٍ ثم إسخانِ عين
حَرٌّ أذاب القلب غما كما / يفعل بالعشاق هجر وبين
والناسُ فيها في زحامٍ كما / يُفْرَغ في القالَبِ ذَوْبُ اللُّجَين
تحتَ دخانٍ جاء من ثغرةٍ / تفضِى لمُستوقَدِها من رُكين
وفَرْطِ نَتنٍ كامنٍ خِلْتُه / يُطالب الأنفَ بثأرٍ ودَين
فرمتُ أنْ أخرجَ من بعدِما / دخلتُ ظَنّاً أنّ ما رمتُ هَيْن
فكان ما صَوَّره خاطرِي / من ذلك الظنِّ غرورُ ومَيْن
والبابُ قد ضاع وهَبْ لم يَضِعْ / كيف سبيلٌ لخلاصي وأين
وزادَني الجهدُ إلى غايةٍ / فيها هي الموتُ وإلا دُوَيْن
فلعنةُ اللهِ على عالمٍ / أو جاهلٍ يدخُلها مَرَّتين
يا قلبُ ما فَعلتْ بك العينانِ
يا قلبُ ما فَعلتْ بك العينانِ / عَنَّتْ فمَلَّكتِ الغرامَ عِناني
يا معقلَ الحَسراتِ قد كَمُل الضَّنا / كم ذا وألسنة النُّهَى تَنْهاني
كم في حَشاك جِراحةٌ عَبَثتْ بها / حَدَقُ الظِّبا وسَوالفُ الغِزلان
من كل معتدلِ القَوام تَخالُه / مُتهادِيا غُصْنا من الريحان
يعني بمِسْواك الأَراك بمثلِه / ويُقابل الكثبانَ بالكثبان
نَشوان حُمِّل خَصْرُه من رِدْفِه / ما قد تحملَ من هواه جَنانى
يَفْتَرُّ عن شَبِم الرضاب كأنه / دُرٌّ لها صدف منَ المَرْجان
لا تَطْرفُ الألحاظُ عند لقائِه / فكأنها ليست من الحيوان
يا سالما وهَواه بين جَوانحِي / يَجرِي مَجاري الروحِ من جثماني
كم ليلةٍ أَطْلعْتُ فيها فجَرها / ويدي على كبدي منَ الخَفَقان
أخلو بذكرِك ثم يُقلقني ألأسى / فأَعَضُّ من أسفٍ عليك بناني
خذ جانبا يا صاحِ عن لَحظاتِه / حَذَرا فهن حَبائلُ الشيطان
كالسيف يَخْترِم النفوس غرارُه / ورُواهُ يُعجِب ناظرَ الإنسان
لا أستميحُ الوصلَ منك لأنه / لو ناله غيرِي لكنتُ الثاني
لو أن ما أرجوه منك وجدتُه / وأراده غيرِي لكان مكاني
لو جدتَ لي بالوصل ثم بعثتَ لي / منك الخيال مُواصِلا لَكفانِي
زدني قِلىً واهجرْ فذلك بُغْيَتي / من بعدِ كونِى والورى سِيّان
أنا للعود لسان
أنا للعود لسان / حين تُبدْيه القيانَ
فإذا استفهمه السم / عُ فإني تَرْجُمان
مالِكِي الواهبُ ما يَحْ / ويه كيسٌ وعِنان
طُلْ وافتخرْ أيها العِنانُ
طُلْ وافتخرْ أيها العِنانُ / ما فوقَ ما حُزْتَه مكانُ
حَوَتْك خمسٌ لهن حُسْنٌ / للفضلِ في نظمِها افْتِنان
الأمرُ والنهى في البرايا / والجود والخوف والأمان
تَسابقَ الناسُ للمَعالي / فصَحَّ للأفضلِ الرِّهان
وغانيةٍ سِرْتُ عنها لكي
وغانيةٍ سِرْتُ عنها لكي / أَعودَ بكَسْبٍ يُريها المُنَى
فغِبْتُ إلى أنْ عَلانِي المَشيبُ / وعُدْتُ بأَنفَسِ ما يُقْتَنَى
فقالت أَشابَك ماذا فقلت / ركوبُ البحارِ وطولُ العَنا
فقالت لعَمْرى أَراك افتقرْتَ / بلا شكَّ من حيثُ رُمتْ الغِنى
وما قام إحسانُ أضعاف ما / كسبتَ بأيْسر ما قد جَنَى
إذا كنتَ قارونَ عند المشيبِ / وكَشّفتْ عن مُفْلِس قل أنا
المالُ والجاهُ ضائعانِ
المالُ والجاهُ ضائعانِ / إلا لجودٍ وفَكِّ عانِ
كم باخلٍ غَصَّصاه لما / عاد إلى الذل والهوان
نالَهما برهةً وزالا / بلا اصطناعٍ ولا امْتِنان
كالسيف والرمح حين يَخفَى / فعلهما في يدِ الجبانِ
فكنْ على يَقْظةٍ إذا ما / مُكِّنتَ من هذه المعاني
فهذه التُّرَّهاتُ تفنَى / والأجرُ والشكر باقيان
وأحزمُ العالمين من لا / يحتقر الذمَّ من لسان
بجلالِ قدرِك تفخر الأزمانُ
بجلالِ قدرِك تفخر الأزمانُ / وأشدُّ مُفتَخِرٍ به رمضانُ
لو كان ينطق قال هَنوني به / لكنْ يُخلُّ به فمٌ ولسان
لولا سيوفُك ما استقرَّ لنا به / صومٌ ولا نُسكٌ ولا قرآن
بركاتُك اشتملتْ عليه فما خَلا / منهن لا شهرٌ ولا إنسان
ما حلَّ حتى حل فضُلك فوقَه / فله بذلك في المعالي شان
يا أيُّها الملكُ الذي تَحيا به / الأزمانُ والأذهان والأبدان
أنتَ الغريبُ الفضلِ معْ ما أنه / لولاك لم يَتعرَّفِ العِرفان
فضلٌ يَجِلُّ عن الدليلِ وهل على / شمسِ الظَّهيرةِ يُطْلَب البرهان
عَظُمَتْ صِفاتُك في السماعِ لغائب / ورُؤِيتَ فاحتقرَ السَّماعَ عيانُ
أبدتْ جمالا في جميل صَنائعٍ / فافترَّ فيها الْحُسنُ والإِحسان
عَمَّت مَواهُبك الأنام كأنما / من جودِ كفِّك يُرْزَق الحيوان
وأمرتَ فامتثلَ الملوكُ كأَنهم / أعضاء مُقْتدِر وأنت جَبان
ونهيتَ فارتاع الزمانُ تَهيُّبا / فكأنك الهيجاء وهْو جنان
وعزمت فالفَلك الأثير كأنما / يتلوك أو بيديك منه عنان
وكأنما سابْقتَه فسَبقْتَه / وجميعُ موجودٍ حَواهُ رِهان
عَزْمٌ أَتمُّ مَدىً وأطولُ مدةٍ / في كل شاسعةٍ نَواها الآنُ
راضتْ سياستُك البلادَ وأهلَها / فكأنها أُمٌّ وهم إخوان
وأَخفْتَ شاسعةَ العِدَا فقبورُهم / أوطانهم وثيابهم أكفان
والخوفُ هاجِرةٌ وسيفُك مَورِدٌ / فَرْدٌ وكلٌّ منهمُ ظمآن
يا مُجْتَدى الكرماءِ حَسْبُك قد طَما / بحرُ النوالِ فهانتِ الغُدران
ها كفُّ شاهِنْشاهَ تَزْخَرُ بالندى / غدِقا وظَنِّى أنه الطوفان
لا تَدَّخِرَّ لغدٍ فإنَّ نواله / أبداً بكلِّ نَفيسةٍ يَهْتان
دِيَمٌ تجود مدى الزمانِ على الورى / طُرّا فلم يُخْصَص بهن مكان
فكأنها في كل أرضٍ شكرُها / ولكلِّ ذي لغةٍ به إدمان
تتكرر الأنفاسُ وهْو أمامها / أبدا فمَجْراها له ميدان
هيهاتَ ليس يَزينُ وصفَك مادحٌ / لكنْ مَدائحُه به تَزْدان
منك استفدْنا ما نقول وإنما / تزداد في أوصافك الأوزان
لك في خفيّاتِ المَعالي خاطرٌ / يقظان مهما نامتِ الأجفان
وبديهةٌ في صائبِ الرأي الذي / يُغنِي إذا أُرْوِى به لُقْمان
للسيفِ والقلمِ افتخارٌ كلما / لَمستْها لك راحةٌ وبَنان
تغدو المنايا والآماني منهما / تجرى فذي نفْسٌ وتلك سِنان
يامن تَنزَّهَ أنْ يُقاسَ بمن مَضَى / أين الأعاجم منك والعربان
مَن أَحْنَفٌ من حاتم من يَعْرُب / من عنتر من قُسُّ من سَحْبان
من أَرْسَطاطاليسُ من إسكندر / من قيصر أم من أنوشِرْوان
هيهاتَ جزءٌ من كمالك عاجزٌ / عنه الخليفةُ إنْسُها والجان
يا دوحةَ الفضلِ التي في ظِلَّها / للخَلْقِ من جَوْرِ الزمانِ أمان
قد طاب أصُلك في المَكارمِ مَغْرِسا / وتَفنَّنتْ لك في العُلى أَفْنان
وروى ثَراك سحابُ كلِّ فضيلةٍ / وعلاهُ روضُ نوالِك الرَّيان
وغَدتْ لك الآمالُ وهْي من الطَّوى / هَزْلَى وراحت عنك وهْي سِمان
تتنافس الآمالُ فيك فما أَتَى / فَرِحٌ وما فارقتَه أَسْيان
كسرورِ شهرِ الصومِ إذ قابلتَه / وتأسُّفٌ وَلَّى به شعبان
فبقيتَ ما بقي الزمان مُهنَّأً / بيديك يَقْوَى الأمنُ والإيمان
هَناؤُك ليس يَعْدَمُه زمانُ
هَناؤُك ليس يَعْدَمُه زمانُ / كشكْرِك لا يُخِلُّ به لِسانُ
وجدك للسعادة في اشتهار / يُنزِّهه عن الخَبرِ العِيان
إذا البشرى أُتتْك بكلِّ معنى / تُسَرُّ به فما ابتدع الزمان
لِتَهْنَ بك الخلافةُ حين أَضحتْ / وأنت لها الكَفيل المُستعان
وأنك سيفُها العَضْب المُحلَّى / تُزان بحُسْنِه وبه تُصان
فرأيُك في مُواليها مِجَنٌّ / وعَزْمُك في مُعادِيها سِنان
وأنت لها إذا ضَرَبتْ يَمينٌ / وأنت لها إذا عَزمتْ جَنان
قد اعتمدتْ عليك لكلِّ أمرٍ / كما اعتمدتْ على الكفِّ البَنان
وذللتَ الزمانَ لها ولولا / ساستُك استمرَّ به الحِران
فصار إذا نَحْوتَ به مُرادا / فأَسْبقُ ما تُجاريه الرِّهان
لقد سرَّتْ مَسرَّتك الليالي / كما سَرَّت أخا الطربِ القِيان
بنورٍ للخلافةِ لاح حتى / له في كلِّ خافقةٍ بيان
تَفاخرتِ البلادُ به جَلالا / وللأيامِ في الشرق افْتِتان
سلالةُ من أتى بالحق حتى / تَيقَّنَ صِدْقَه إنسٌ وجان
وعِتْرة صفْوَةِ اللهِ المُسمَّى / إذا بَدتِ الإقامة والأذان
لقد نَظمتْ محاسنَك الليالي / كما نُظم الزمرد والجُمان
تَتيه بمُلْكِك الدنيا افتخارا / كما تاهتْ بزينتها الحسانُ
علوتَ ملوك أهلِ الأرض فَضْلا / ولا عُجْبٌ لديك ولا افتتان
وأعطيْتَ السياسة حالتيها / بما قَضت الشَّراسة واللِّيان
فسِلْمٌ تُسْلِم الأموالَ فيه / يمينٌ لا يُكَدِّرها امْتِنان
وحربٌ راعَ أفئدةَ الليالي / فأَشجعُها لِخيفتِه جبان
يُزعزع خوفك ألأبطالَ فيه / فأهونُ ما يمر بها الطِّعان
عَظُمتَ فما تُقابلك الأعادي / فَحَرْبُك ما يقالُ له عَوان
يَذلُّ لك الكَمِىُّ بلا قتالٍ / كأن على الحِصان به حَصان
كأنّ الأرضَ من عدلٍ وأمنٍ / وإنعامٍ تُواصله جِنان
لقد ابكاهمُ ضَحِكي وأبدى / هُزالَهمُ مَنائحُك السِّمان
لقد ظَفِرتْ يداىَ بما توالتْ / به من فضِلك النعم المِنان
ولستُ مكافئا بجميع مدحى / عطاءَك بل اقول عسى أُعان
لا أظلمُ البينَ حالي كالذي كانا
لا أظلمُ البينَ حالي كالذي كانا / سِيّانِ إنْ غاب من أهوى وإن دانا
ما زادني القرب عما كنتُ أعرفه / إلا أسى وتَباريحا وأشجانا
والبعد أهونُ من قربٍ يُجدِّد لي / معْ ما أُكابده صدا وهجرانا
مللتمُ وادعيتم أنّ ذاك لكم / طبعا صدقتُم فمَلُّوا هجريَ الآنا
والله ما حُلْتمُ عن عادةٍ عُرِفت / منكم ولكنه صبري الذي خانا
بَقُّوا من الصبر عندي ما أصون به / سرَّ الغرام وإلا صار إعلانا
مالي بُليت بقاسٍ مُعجَب صَلِف / يرضى إذا بِتُّ بالهجران غضبانا
لولا تَعلُّقُ عينيه لما تركتْ / أخلاقُه بالقِلى والصد إنسانا
يا مُسقِمِى بجفونٍ تَدَّعى سَقَما / لا أَدَّعى مثَلها زُورا وبهتانا
بي مابخصرِك من سُقْمٍ وموجِبهُ / صَدٌّ كرِدفك تعنيفا وعدوانا
قصدتَ ظلمي بلا ذنبٍ كما ظَلمت / كَفّاك ثغرَك بالمِسواك أحيانا
يا أوحدَ الناسِ في خَلْقٍ وفي خُلُق / هَلاّ أضفتَ لذاك الحسنِ إحسانا
بلِ الكمالُ لَعمري رتبةٌ بَعُدتْ / فلم يَنْلها امروٌّ إلا ابنَ عثمانا
شيخُ الرياسة كهل المكرمات فتى ال / إحسان تِرْب العَطايا كن كما كانا
إذا دعوتُ تُلبِّيني عَزائمه / كما دعا المرءُ آباء وإخوانا
كم رام مدحى مكافاةً لنائله / فينثنِى عنه للتقصيرِ خجلانا
يا من حُسِدتُ على أُولى عَزائمِه / جَدِّدْ علي حاسِدي أمرِي فقد خَانا
أنت الغمامُ وروضى زاهر فإذا / أَغبَّه فكنْ باب سَعْدِي عند مولانا
فإن أصِل فهْي عاداتٌ عُرِفت بها / أو لا فلم تبقِ للإِحسان إمكانا
سارت فضائُله في الْخَلْقِ واشتهرتْ / فكلُّ قلبٍ حَوَى منهن ديوانا
عجزتُ عنها وعن وصفِى ولو ظَهرتْ / فيما مضى أعجزتْ قُسا وسَحْبانا
ذو همةٍ ساعدتْها نخوةٌ عَظُمت / لو أنها ماءُ بحرٍ كان طوفانا
تُعطِي فتَحِقر ما تعطي ولو وهبتْ / كقَدْرِها وهبتْ أضعافَ دُنيانا
لا يلبث الفقرُ في أرضٍ وراحُته / مما يجود فيغني الإنس والجانا
يُفرِّق المالَ في جمعِ الثناء له / جودٌ ويَعْتَدُّ جمعَ المالِ حرمانا
فما حَوتْ كفُّه عينا ولا عَرَضا / إلا ليجعله للحمد أثمانا
له على كلِّ حُرٍّ مِنَّةٌ كَتبت / في وجهه لجميل الذِّكْرِ عنوانا
هذا على أنه يُخفِي صَنائعَه / فينا ويأبَى لما أَخْفاه إعلانا
تخالُ في كل نادٍ من مَدائحه / راحا تَرَقْرَق في النادي وريحانا
يُدبرها فيهم الراوي فيُطربهم / حتى يَظلَّ الحليمُ اللُّبّ نشوانا
أتيتُه وصروفُ الدهرِ تَعْرِقني / عَضّاً وأَحسبُها أُسْدا وغِيلانا
فكَفَّ كَفَّ عوادِيها وأَمَّنَنى / منها وصَيَّرَ لي في ظله شانا
شهرُ الصيام بك المُهَنَّا
شهرُ الصيام بك المُهَنَّا / إذ كان يُشبِه منك فَنّا
ما سار حَولا كاملا / إلا ليسرقَ منك معنى
وينالَ منك كما ننا / لُ ويستفيدَ كما استفدنا
فرأَى مَحلَّك من محل / هِلاله أعلا وأَسْنَى
بَهرتْ مَحاسُنك الورى / فأعادتِ الفُصحاءَ لُكنا
فإذا مَدحْناك احتقر / نا ما نقول وإِن أَجَدْنا
والفضلُ أجمعُ بعضُ وص / فِك وهْو غايةُ ما وَجَدْنا
إن الذي صَدَح الحما / مُ به ثناؤُك حين غَنَّى
وأظنُّ ذلك مُوجِبا / طَرَبَ القضيبِ إذا تَثَنَّى
فتَهَنَّ شهرَك واسْتزِدْ / بقدومه سعدا ويُمْنا
فمكانُه من علمِهِ / كمكانك المحروسِ مِنّا
لا يسكن اللفظَ البديعَ حلاوةٌ
لا يسكن اللفظَ البديعَ حلاوةٌ / حتى يكون ثَناك من أركانِهِ
ويظلُّ بيتُ الشعرِ قَفْرا خاليا / ما لم تكن بالمدح من سُكّانه
قدٌّ تُقَدُّ به القلوبُ إذا انْثَنَى
قدٌّ تُقَدُّ به القلوبُ إذا انْثَنَى / يُنْبِيك كيفَ تَأَوَّدُ الأغصانُ
كالصَّعْدةِ السمراء قد أَوْفَى بها / من لحظِ مُقْلِته الضعيفِ سِنان
ما خِلْتُ أن النار في وَجَناتِه / حتى بدا في عارضيه دخان
لا يكشفُ المرءُ في الحَمّامِ عَوْرتَه
لا يكشفُ المرءُ في الحَمّامِ عَوْرتَه / إلا لحالَيْن فَقْدِ العقلِ والدينِ
لو رام ذلك منه أمرُ مُغتصِبٍ / في السوق بالقَهْر والتهديد والهُون
لَكان يبذل عن إظهار عورتِه / ما حاز لو أنها أموالُ قارون
وحالة السوقِ والحمامِ واحدةٌ / والفرقُ في ذاك معدوم البراهين
فما له في انهتاكِ السترِ قد نَقَض ال / حالين ما بين تقبيحٍ وتحسين
فسا على القوم فقالوا له
فسا على القوم فقالوا له / إنْ لم تقم من بيننِا قُمْنا
فقال لا عُدْتُ فقالوا له / من نَتْنِ فيه ذا كما كنا
ألا ليتَ شِعْرِى والأَماني تَعلُّلٌ
ألا ليتَ شِعْرِى والأَماني تَعلُّلٌ / وللقلبِ فيها راحةٌ وسُكونُ
أَيُقْضَي لنفسٍ غالَها الشوقُ حاجةٌ / ويسمحُ دهرٌ بالوصال ضَنين
فتَرجِعَ أيام مَضَيْن كأنما / يُعاودني من ذكرِهنَّ جنون
وهل تجمعُ الأَيامُ شملى بشادنٍ / رَحلتُ وقلبي في يديه رَهين
مريضُ جُفونِ الطَّرْفِ لولا جفونُه / لما كنتُ أدري السُّقْم كيف يكون
هذا الفراقُ وهذه الأَظعانُ
هذا الفراقُ وهذه الأَظعانُ / هل غيرَ وقِتك للدموعِ أَوانُ
إيهٍ دموعَك إنما سُنَن الهوى / جسم يذوب ومَدْمَعٌ هَتّان
إنْ لم تفِضْها كالعقيقِ فكلُّ ما / تدعوه من جهد الهوى بُهتْان
إن كنتَ تَدَّخر الدموعَ لبَينِهم / فالآنَ قد وقع الفراقُ وبانوا
قد حلَّ ما قد كنتَ تحذر كونَه / فلقُرْبِ شأنك أنْ تُؤخّر شان
عذرُ المتيَّمِ أن يكون بقلبه / نارٌ وبين جفونه الطوفان
أفصِحْ بما ضَمِنت دموعك من أسى / فعليكَ من أمر الهوى برهان
هذا السَّقامُ على ضميرِك شاهد / عَدْلٌ فماذا ينفع الكتمان
تَتناهبُ الزَّفراتُ قلبَك كلما / غنى على فَنَنِ الغَضا حَنَّان
ويَهيج شوقَك للأحبةِ شكلُها / كُثبٌ تَميس على ذُراها البان
قد كان حَسْبُك أنْ تَكلَّمَ مُقْلةٌ / يومَ التَّرحُّلِ أو يُشير بَنان
لكنْ عَداكَ عن الأحبة مِثلُها / قَدٌّ ولحظٌ ذابلٌ وسِنان
للبيضِ دونَ البيضِ ضربٌ مثلما / للسُمْرِ دونَ السمر عنك طِعان
من كلِّ مُعتِقلِ القَناةِ تَخالُه / أَسدا يلوذ بكفِّه ثعبان
يسطو وقائمُ سيفهِ في كفِّه / فكأن راحتُه له أوطان
للهِ دَرُّكِ يا أُثيلاتِ الحِمى / سَقْيا لعيشك والزمانُ زمان
كم قد نَثَرْنا فيكِ من أَفواهِنا / دُرّا صَفا أصدافُه الآذان
سِرٌّ ولولا شُحُّ أَلْسُنِنا به / رَقَصت به طَرَبا لها كثبان
وفؤادِ مُظلمةٍ قطعتُ نِياطَه / سَعْيا وطَرْفُ جِماحها وَسْنان
لا تُقدم القَدَمان فيه بخطوة / جَرْيا ولا للعينِ فيه عيان
ومُصاحِبي شختُ الغِرارُ مُذَرَّب / للموت في جَنباته هيجان
حتى سموتُ إلى رفيعٍ يبصر ال / إنسانَ في صَفحاته الإنسان
سامٍ يَزَلُّ الذَّرُّ عن جَنباته / ويَكلُّ دونَ سمائه العِقْبان
وبكتْ حذارَ الكاشِحين فخِلتُ ما / في الجيدِ ما جادت به الأجفان
ورشفتُ معسولَ الرضاب كأنما / فُضَّت عليه لَطيمةٌ ودِنان
كم قَدْرُ ما أُخفِي الهون وأَصونُ
كم قَدْرُ ما أُخفِي الهون وأَصونُ / والدمعُ يُعْرِب والسَّقام يُبينُ
قد كنتُ مُعتضِدا بحبل تجَلُّدى / ألقَى به الأهوالَ وهْو مَتين
وإذا الفتى عَبَث الغرامُ بقلبه / فالصبرُ شكٌّ والغرامُ يَقين
يا قلبُ كنت أَدِلُّ منك بعزمةٍ / حتى دَهَتْك سَوالفٌ وعيون
فسَبَتْك لَمْحةُ شادنٍ من بُرْقُعٍ / وتَصرَّفتْ بك في الفنون فنون
ووفيتَ لي لما صَحِبتُك في الوَغَى / فإذا التمسْتُك بالسلوِّ تَخُون
إن الهوى لَهُوَ الهوانُ وإنما اخ / تصروه تَخْفيفا فزال النون
لا تَغبِطنَّ أخا الغرام فلو غَدا / ملكَ الملوك فقلبُه مسكين
يا صاحِ لا يَغْرُرْكَ ظبيٌ كانِسٌ / فالظبي لَيْث والكِناس عَرين
من كلِّ أَهيفَ ينثنِي لقَوامِه / نَعمانُ ثم لرِدْفِه يَبْرِين
كالرمحِ قَدّا غيرَ أنّ سِنانَه / لَحْظٌ له قلبُ الكَمِيِّ طعين
لا تُقْدِمنَّ إذا العيونُ تَعرضتْ / فالسحرْ بين جفونِهن كَمين
هي مصرعُ الألبابِ تخدع ذا النُّهَى / فيروح وهْو رَهينُها المفتون
يا رُبَّ لائمةٍ شَجاها أنني / سَمْحٌ بمالي والزمانُ ضَنين
قالت أضعتَ المالَ هل لك عنه / ما تَعتْاض قلتُ الحمدُ وهْو ثمين
قالت غنيتَ فقلت حسبُك فاعلمي / أن البخيل بما له المغبون
قالت فإن الفقر هُون قلت لم / يَهنِ الكريمُ بل اللئيمُ يهون
قالت فإن المال نِعْمَ معونةُ ال / إنسانِ قلتُ لها الإلهُ مُعين
قالت فإن الوَفْرزيْنٌ قلتُ كس / بُ الحمدِ يَرْفَع أهلَه ويَزين
والمالُ يذهب والثناءُ مُخَلد / يَحيا به الإنسانُ وهْو دَفين
يا هذه ماذا أفاد بملكه / فرعونُ أو بثَرائه قارون
قالت فهل لك من يُعوِّضك الغِنى / قلت الأجلُّ السيدُ المأمون
مَلكٌ لوِ اقتدتِ البحارُ بجودِه / لم يَنْجُ من تيارِهنَّ سَفين
أَبدا يُسابق جودُه أنفاسَه / بالمكرمات فما لهن سكون
غمَر البريةَ نائلاً فكأنه / بجميع أرزاق العباد ضَمين
قاضِي القضاة ومن يُشيد بعد له / هادي الدُّعاةِ ومن إليه يَدين
نَصَح الخلافةَ فهْي شاكرة له / حَزْما تميد الأرضُ وهْو رزين
ساس الأمورَ لها برأيٍ صائبٍ / إنْ كان منه شَراسةٌ أو لِين
لا يخرج التوفيقُ عن عَزماتِه / بل صاحبٌ وأخٌ لها ومُعين
شَكرتْه حتى الطيرُ في أوكارِها / فلها بطِيبِ ثَنائِه تَلْحين
للحربِ والمِحْرابِ منه مَواقفٌ / عَمِرت بها الدنيا وعزَّ الدين
للسيفِ والقلمِ النحيفِ بكَفِّه / فعلٌ يكون به مُنىً ومَنون
نظر الإِمامُ له بعينِ حقيقةٍ / لم تَرْمِها بين الشكوك ظنون
فرآه عينا للزمان بصيرةً / والناسُ هُدْبٌ حولها وجفون
لو ضَلّتِ الثَّقلانِ كان على الهدى / أو خان أهلُ الأرض فهْو أمين
فرَعاه واسْتَرْعاه سائرَ أمرِه / فكَفاه معْ ما كان ما سيكون
إنْ هَمَّ فهْو جَنانُه أو قال فهْ / و لسانُه أو صال فهْو يَمين
وكَفاك من يُثنِي عليه خليفةٌ / أحدُ الرواةِ لمدحِه جِبرين
أصبحتَ سيفا للخلافةِ حاليا / حيث ازدهى بك عاتقٌ وجبين
فافخرْ فأنتَ وزيرُها ومُشيرُها / وأمينُها وظَهيرها الميمون
غَرستْك في النَّعَمِ الغزيرةِ ناشئا / فتفرَّعتْ لك في العَلاء غصون
فجَنَتْ لها منك التجاربُ مُجْتَنىً / كلُّ الأَطايبِ حين تُذْكَر دون
فتَهَنَّ عيدَ الفطرِ والسعدِ الذي / لك فيه فهْو بكَوْنِه مقرون
قد حَثَّه شوقٌ لفضلك مُقِلقٌ / وله إليك صَبابةٌ وحنين
لقد كان هذا العيدُ شخصا ناطِقا / هَنَّى بك الحُضّار حين تبين
فاسلمْ له مُستقبِلا ومُشيِّعا / وقَدْرُك في العَلاء مكين
والآمرُ المنصورُ يُوِليك الذي / يغتاظ منه حسودُك المحزون
لا غَرْوَ أنْ رَحَل الشبابُ وبانا
لا غَرْوَ أنْ رَحَل الشبابُ وبانا / ما كان أولَ من صَحِبتُ فخانا
فكذا عَهِدتُ الدهرَ منذ عرفتُه / والمالَ والإِخوان والْخُلاّنا
ما كنتُ أَحسَبُ ياشباب زيادتي / بالشيبِ تُوجِب بعدَك النقصانا
أحسنتَ مبتدِئاً وسُؤْت مُعقِّبا / ببياض شيبٍ ليتَه ما كانا
قد كنتُ أستجفِي النوائبَ آنفا / والآن أَصعبُها بقربك هانا
ما الشيبُ للإِنسان إلا غايةٌ / فيها يَزُمّ اللهوُ عنه عنانا
كم قد جريتُ مع الصِّبا في حَلْبةٍ / ولزمتُ فيها ذلك الميدانا
حتى سبقتُ السابقين لشَأوِها / وحويت أوطارا وحُزْتُ رِهانا
وقَنَصتُ مُقْتَنِصِى بمثل نبالِه / حتى تَساوى في الهوى قلبانا
غصنٌ على حِقْفٍ فهذا مُخْجِلٌ / يَبْرِينَ حين بدا وذا نَعْمانا
إنْ ماج أسفُله حَقَرْتَ له النَّقا / أو ماس أعلاه حَقَرْتَ البانا
فكأنما هو صَعْدَةٌ مهزوزة / حَملت من الطرف الضعيفِ سِنانا
والحبُّ يأمر والصَّبابةُ بالذي / عنه المروءةُ والتقى تَنْهانا
إلا حديثاً مثلَ ما سَرتِ الصَّبا / سَحَرا تُنبِّه زاهِرا رَياّنا
والطيرُ مُطْرِبةٌ كأنّ حنينَها / سَلَبَ الغَريضَ ومَعْبدَ الألحانا
يا من مضى فاعتضْتُ عن أيامه / أَوْفى نظامِ المدحِ في مولانا
الحافظُ الدينَ الذي غَمَر الورى / عدلا وعَمَّ جميعَهم إحسانا
هو رحمةُ اللهِ التي أحيا بها الْ / ثَقَليْنِ حتى الجودَ والإيمانا
إنْ قالتِ الشعراءُ فيه فأَفْصحتْ / فالله أنزل مدحَه قرآنا
ولئن أطال المادحون فلم يَدَعْ / لهمُ كلامُ اللهِ فيه مكانا
يا حجةَ اللهِ التي أبدتْ لنا / بكمالها الآياتِ والبرهانا
من كان يلتمس الدليلَ فقد بدتْ / حُجَجٌ مَلأَنَ مَسامِعا وعِيانا
أنتَ ابنُ من ركب البُراق إلى العُلا / ليلا يَؤمُّ عيانُها الأعيانا
وأمامه جبريلُ حتى استفتحا / بابَ السماءِ فجاوزاه وبانا
حتى حَوى أقصى مقامٍ ما حَوى / من قبله ملكا ولا إنسانا
ودَنا فكان كقاب قوسَيْ حاجبٍ / في القربِ بل أدنَى هناك قِرانا
يا أهلَ بيتِ الوحيِ أما مدحُكم / معْ فرطِ دُرْبتنا فقد أعيانا
تتنافسُ الفصحاءُ فيه وفضلُكم / أَحْلى وأفصحُ مِقْوَلا ولسانا
سِيما أبو الميمون إنّ صفاتِه / أَعْيَيْنَ قُسَّ وأفحمتْ سَحْبانا
أخلاقُه نبوية عَلَويّة / حُسَنِيّة أعظِمْ بها مِن شانا
حسناتُ منظرِه كمَخْبرِه فقد / ساوتْ مَحاسنُ سِرِّه الإعلانا
يا بْنَ البَتولِ لقد سَما بك منصبٌ / في المجد فاق تُرابُه كَيْوانا
وَدَّ النجومُ على مَعاليها بأنْ / تَضْحَى لأخْفِض رِجْلِه جيرانا
أغليتَ سعرَ الشعرِ بل أَعليتَه / لما بذلتَ لأهله الأثمانا
أَجرتْ لُهاك بفَيْضِها لهَواتِنا / مدحا فكلٌّ قد حَوى طوفانا
وكأنّ جودَك دِيمةٌ ومديحنا / نَشْر ونحن الزَّهْر حين سقانا
من فضل مدحى فيك أنّ مَقالتي / يُذْكِي العقول وتَفْتح الأذهانا
لو لم نَقُلْه لَقام فضلُك ناظما / يكسو القوافي حكمةً وبيانا
يا شمسَ أفلاكِ الجلالِ لقد جَلَتْ / أنوارُك الظلماتِ والأشجانا
وبدتْ كواكبُك المُنيرةُ في العُلى / والبدرُ يملأ ناظِرا وعيانا
ودعوتَه بوَليَّ عهدِك فاغتدَى / قلبُ العدو يُكابد الخَفَقانا
واستسلمتْ صِيدُ الملوكِ وأيقنتْ / إنْ لم تُطِعْه أطاعَت الخِرصانا
واهتزتِ البيضُ الرِّقاق لكفه / شوقا فكادت ترفض الأجفانا
وتَأطَّرتْ سُمْرُ العَوالي واغتدتْ / جُرْدُ المَذاكِي تَجذِب الأرسانا
لا زلتَ أصلا وهْو فرع يستِقي / منك الحياةَ ومنكما سُقْيانا
حتى يعمَّ الأرضَ مُلْككُما فلا / يبقَى عليها موضعٌ ما دانا
ها قد مضى رجبٌ وودّع وجهَك ال / باقي وقد هَنّى به شعبانا
شهرٌ له ولنا الهَناءُ بنظرةٍ / لضياءِ غُرَّتك الذي يَغْشانا
في موقفِ فَخَر الملوكُ بأنها / أبدا تُعَفرِّ عندَه التِّيجانا
فاسلمْ وعِشْ مسقبِلا ومُودِّعا / والدهرُ يطلب من يديك أمانا
أنت الحياةُ وفي يديك مَقرُّها / ونَداك يُحْيِي منهما الحيوانا