المجموع : 26
نظري إِلى لمع الوميضِ حنينُ
نظري إِلى لمع الوميضِ حنينُ / وتنفُّسِي لصَبا الأصيلِ أنينُ
ما كنتُ أعلمُ قبلَ نازلةِ الحِمَى / أنَّ الحبائلَ والسهامَ عيونُ
ركزوا بأبوابِ القبَابِ رماحَهمْ / ووراءَهُنَّ أهِلَّةٌ وغصونُ
آسادُ ملحمةٍ وأُدْمُ صريمةٍ / تحت الأكِلَّةِ فالكناسُ عرينُ
ومضَوا يَشيمونَ الوميضَ وقد هَفَا / بخفوقِه خَضلُ الربابِ هتونُ
إِلّا يكنْ نَعَبَ الغرابُ ببينهمْ / أُصُلاً فقد نَعَبَتْ سحائبُ جُونُ
باتوا ونجوى البين بينَ رِحالهمْ / فوضَى ومُستَرَقُ الحديثِ شجونُ
وتحمَّلوا سَحَراً وحشوُ حُدوجِهمْ / صُوَرُ الجَآذرِ والظِباءُ العِينُ
ووراءَ أصدافِ الحُدوجِ يهزُّهَا / هُوجُ الركائبِ لؤلؤٌ مكنونُ
إِنّ الأُلى أقوتْ ربوعُهمُ لهم / بين الأضالعِ منزلٌ مسكونُ
نُشِرَتْ ربوعُهمُ بعَودِ قَطينها / ونشورُ ربعٍ أن يعودَ قطينُ
وَمَليحةٍ بكرتْ عليَّ مُليحةً / سَحَراً وقد صبغَ الخدودَ جفونُ
قالت عهِدتُكَ لا تُراعُ لحادثٍ / وحصاةُ قلبكَ لا تكادُ تلينُ
فاليومَ مالك مستكيناً يمتري / مخزونَ دمعكَ قلبُكَ المحزونُ
تبغي سُلُوِّي وهو أعوزُ مطلبٍ / وطِلابُ ما لا يُستطاعُ جنونُ
فأجبتُها كُفِّي الملامَ وأقصري / كلٌّ بما كسبتْ يداهُ رهينُ
لم يُبقِ عندي للتجلُّدِ موضعاً / بينٌ بتفريقِ الجميعِ قمينُ
ولقد أثرتُ العيسَ ما لظهورها / مما أضرَّ بها السِّفارُ بطونُ
مشَقَ السهوبُ لحومَهُنَّ وعرَّقَتْ / أشلاءَهُنَّ فكلُّ حرفٍ نونُ
يرسُفْنَ في قيدِ الكَلالِ كأنما / حركاتُهنَّ وقد جَهِدنَ سكونُ
ولقد تَرى والريحُ راسفةٌ إِذا / قِيستْ إليها والوميض حَرُونُ
وكأنّها والليلُ وَحْفٌ فاحمٌ / عوجُ المدارى والظلامُ قرونُ
يرمي بهنَّ نياطَ كلِّ تنوفةٍ / همٌّ وهمٌّ في الضلوعِ كمينُ
هممٌ تعاورُها الهمومُ وعزمةٌ / عذراءُ شيَّبَها الخطوبُ العونُ
وإِذا طغَى بحرُ الزِماع فما لهُ / إِلّا القِلاصَ اليعملاتِ سَفِينُ
وإِذا نبا الوطنُ العسوفُ بأهلهِ / فظهورُهنَّ لمن حملنَ حُصونُ
يَخبِطنَ أحشاءَ الدياجي أو يُرَى / للصبحِ خدٌّ واضحٌ وجبينُ
ولقد سلبتُ مِراحَهنَّ إِلى حمَى / ملكٍ له ربُّ السماءِ مُعينُ
مسعودٍ الميمونِ طائرهُ الذي / جَدُّ المُنيخ ببابِه ميمونُ
ملكِ الملوك ابنِ السلاطين الألى / ملكوا رقابَ العالمينَ ودَينُوا
ركزوا ببرقةَ والصعيدِ رماحَهمْ / والهندُ مربطُ خيلِهم والصينُ
ملكوا الأعنَّةَ والأسنَّةَ والظُبَى / والخيلُ تنزو في الوغى وتلينُ
فكأنَّها تحتَ الفوارس والظُبَى / تحتَ العجاجِ بوارقٌ ودجونُ
مجدٌ تُوُورِثَ كابراً عن كابرٍ / والدهرُ مقتَبلٌ وآدمُ طِينُ
فالعزُّ أقعسُ والجنابُ ممنَّعٌ / والمجدُ أتلعُ والفِناءُ حصينُ
شُغِفتْ بدعوَتِهِ المنابرُ يافعاً / وصبا إِليهِ المُلكُ وهو جنينُ
شَرِقُ البنانِ بجوده غَدِقُ الندَى / كلتا يديهِ للعُفَاةِ يمينُ
للملكِ مأوى في ظِلالِ لوائهِ / يأوي إِليه النصرُ والتمكينُ
طرِبُ الشمائل حين تنآدُ القنا / ثمِلاً ويَشْرَقُ بالدماء وتينُ
ينجابُ عنه النقعُ وهو كأنَّهُ / قَمرٌ له سعدُ السُّعودِ قرينُ
والمشرفيّةُ في العجاج لوامعٌ / والأعوجيةُ في الصفوفِ صُفونُ
وعليه نشرُ مظلةٍ مكنونةٍ / بالدرِّ والياقوتِ وهو ثمينُ
سوداءُ حمراءُ الحِفاف كأنَّها / زهرُ الشقائقِ في الرياض تبينُ
رُفعتُ تردُّ الشمسَ عن شمسٍ لها / نورٌ إِذا اعتكرَ الظلامُ مبينُ
شمسان يكتنفانها من فوقِها / شمسٌ وآخرُ تحتها مدجونُ
فبنورِ تلك أضاءتِ الدنيا إِذا / ضاءتْ به الدنيا وعزَّ الدينُ
فلكٌ يدورُ على ذؤابةِ تاجهِ / ويكون أنَّى دار حيثُ يكونُ
تمشي الملوكُ الصِيدُ تحت ركابِه / ويُظِلُّه بجناحِه جِبرينُ
والجردُ مثقلةُ الرِقابِ يؤُودُها / حَمْلُ النُّضارِ بكدِّها ويرينُ
سبقتْ حوافرُها النواظرَ فاستوى / سبقٌ إِلى غاياتِها وشفونُ
لولا ترامي الغايتينِ لأقسمَ ال / راؤونَ أنَّ حَراكَها تسكينُ
قد كادَ يُشبهها البُروقُ لَوَ اَنَّها / لم يعتلقْها أعينٌ وظنونُ
من كل جيَّاشِ العِنان إِذا جَرى / يومَ الرِّهانِ فسبقُه مضمونُ
إِن يفرعِ الطودَ الأشمَّ فأجدلٌ / أو يركبِ البحرَ الخِضَمَّ فنونُ
بأخيهِ شدَّ اللّهُ أزرَ جلالهِ / ووزيرُه من أهلِه هارونُ
قِدحانِ قد نَبَتِ الحوادثُ عنهما / فالعودُ صُلْبٌ والغِرارُ سنينُ
جُمعا على رغم العدَى وتسانَدا / فكلاهما صَدقُ القناةِ متينُ
سبق المجلِّي والمصلِّي دونه / ووراءهُ كلُّ البريةِ دونُ
يا أيها الملِكُ الذي بجلالِه / قُضِيَ القضاءُ وكُوِّنَ التكوينُ
مرضاتُهُ تُحْيِي ويُرْدِي سُخْطُه / فهما حياةٌ للورى ومَنُونُ
عاثت ذؤالةُ في القطيع ومَا له / راعٍ وأضحى اللصُّ وهو أمينُ
وتنازعَ الملكَ الشَّعاعَ عِصابةٌ / لم يُدْرَ أيهُّمُ به المفتونُ
وتناهبوا ما لم يكنْ من قبلُ ذو ال / قرنين يملِكُه ولا قارونُ
فبكلِ أرضٍ رايةٌ وعصابةٌ / جُمعتْ وحربٌ لا تُطاقُ زبونُ
جرِّدْ عزيمتَك المتينةَ إنّها / فتنٌ ركَدنَ سهولهُنَّ حُزونُ
فبغاثُها مستنسِرٌ وشرارُهَا / نارٌ تُشَبُّ ودودُهَا تِنِّينُ
وكأنما الدينا وقد شُحِنتْ بها / بحرٌ تَكَفَّأَ فُلكُهُ المشحونُ
وارم الصفوفَ بمثلهنَّ وشُنَّها / شعواءَ يُنسَى عندَها صِفِّينُ
واشدُدْ يديكَ بحبلِ عمِّكَ إِنَّهُ / مولاكَ فهو بما تحبُّ ضمينُ
واطلَعْ عليه برايةٍ منصورةٍ / إِقبالُه بطلوعِها مقرونُ
أبَني الملوكِ الصيدِ إنَّ وراءكمْ / خطباً إِذا دبَّرْتُموهُ يهونُ
من قبل ذا خانَ الأمين شقيقه / فأُديل منه لبغيه المأمونُ
غلب العبيدُ على مقرِّ سريرِكم / والعبدُ خَوَّارُ القناةِ مهينُ
هي جولةُ الضْحَّاكِ عمَّ بلاؤُها / كلَّ الأنامِ فأين أفْرِيدُونُ
فانهضْ لها بالعزم تكنفُه الظُبَى / والسابغيّةُ نسجُها موضونُ
واعصِفْ عليهم بالقواضبِ عصفةً / تذرُ الرِقابَ الغُلْبَ وهي درينُ
كايلْهُمُ بالصاعِ صاعاً واجزِهمْ / بِتراتِهم إنّ التِراتِ ديونُ
إِنَّ الهَوى والرأيَ مالا نحوكمْ / بركائبي وهوى الرجالِ فنونُ
أبغي نهاياتِ العُلى وسجيتي / تأبى التوسُّطَ فالتوسطُ هونُ
فاسلمْ لأدركَ فيك ما أمَّلْتُهُ / ظنَّاً وظنُّ الألمعيِّ يقينُ
أيا بانتَيْ وادي الأراكِ وُقيتُما
أيا بانتَيْ وادي الأراكِ وُقيتُما / بنفسي وأهلي طارقَ الحدَثَانِ
أُحِبُّكما حُبَّ الجبانِ ذِماءَهُا / وإِنْ لم أكنْ يومَ الوغَى بجبانِ
ويُعجبُني أن تُسقيَا باكرَ الحَيَا / بأبطحَ وسمِيٍّ تراه هجانِ
فهل فيكما أنْ تُسعدانِي ساعةً / لأنشُدَ قلباً ضَلَّ منذُ زمان
تعرَّضَ لي في السِّربِ من ساحتيكما / غزالٌ رآني خُلسةً فرماني
وإِن عادَ ذاك السربُ يوماً بعينهِ / أخذتُ بحقي من أصابَ جناني
ألا مَنْ لصَبٍّ بالعراق يشوقه / تخلُّجُ برقٍ بالعُذَيبِ يماني
يغارُ عليه أن يشيم وميضَه / غرائرُ من أُدْم به وغَوانِي
ملكنَ على قلبي طريقَ سُلوِّهِ / ومَلَّكْنَ برحَ الوجدِ ثنيَ عناني
قضيتُ لُباناتِ الهَوى غيرَ لذةٍ / يُرابُ لها ذو غيرةٍ بحَصانِ
تعفُّ يدي ما بينَها وسريرتي / ويفسُقُ طرفي دونَها ولساني
وأخلو وقد رابَ الغيورُ بأمرِنَا / بريئين بُردَا يُمنةٍ عَطِرَانِ
ضمنتُ لصحبي أن أُفيقَ وقد أبتْ / ضمانةُ قلبي أن أفي بضماني
فمن لامني فليَطعَمِ الحبَّ قلبُهُ / ليعلمَ هل لي بالسُلوِّ يدانِ
أحِنُّ إِلى أرض الحجاز وفيهمُ / غريمٌ مُلِطٌّ لو يشاء قضاني
وآسى على تشييعهم حيثُ يممَّوا / تأَسُّفَ مقصوصٍ على الطيرانِ
همُ نزعوا عن طاعةِ الصبرِ بعدَهُم / يديَّ وأغروا ناجذي ببناني
وكيف أُرجِّي أن أُفَكَّ وهيِّنٌ / على طُلَقاء الحيّ أنّيَ عاني
ذخرتُكما يا صاحبيَّ لشدةٍ / فإِن لم تُعينا فاذهَبا ودعاني
نصحتُكما والنصحُ ما دام هاجماً / على ظنَّةٍ ضربٌ من الهَذَيانِ
وقلت أجيزا ساحةَ الحيّ واحذرا / هنالك طعنَيْ مقلةٍ وسنانِ
وهل تأمنانِ الفتكَ من فتياتِهم / وإن سمَحت فتيانُهم بأمانِ
وكم سالمٍ من طعنهمْ وهو عُرضَةٌ / لرشقَةِ عينٍ أو لطعنِ بَنَان
لَأَمنَعُ من نفسي عشيّةَ تنتهي / إِلى الحيّ بالبطحاء قعبُ لِبانِ
ستغدو وفي الأحشاءِ منا نوافذٌ / بغيرِ رماءٍ بيننا وطِعَانِ
أيكيَّةٌ صدحتْ شَجْواً على فَنَنٍ
أيكيَّةٌ صدحتْ شَجْواً على فَنَنٍ / فأشعلتْ ما خبا من نارِ أشجاني
ناحتْ وما فقدت إِلفاً ولا فُجِعَتْ / فذكّرتنيَ أوطاري وأوطاني
طليقةٌ من إِسارِ الهمِّ ناعمةٌ / أضحتْ تجددُ وجدَ الموثَقِ العاني
تشَّبهتْ بيَ في وجدي وفي طربي / هيهاتَ ما نحنُ في الحالينِ سِيانِ
ما في حَشاها ولا في جَفْنِهَا أثرٌ / من نارِ قلبي ولا من ماءِ أجفاني
يا ربَّةَ البانةِ الغنَّاءِ تحضنُها / خضراءُ تلتفُّ أغصاناً بأغصانِ
إِنْ كان نَوْحُكِ إسعاداً لمغتربٍ / ناءٍ عن الأهلِ ممنوٍّ بهجرانِ
فقارضيني إِذا ما اعتادني طَرَبٌ / وجداً بوجدٍ وسُلواناً بسلوانِ
أو لا فَقَصْرَكِ حتى أستعينَ بمنْ / يَعْنِيهِ شاني ويأسُو كَلْمَ أحزاني
ما أنتِ مني ولا يعنيكِ ما أخذتْ / مني الهمومُ وما تدرينَ ما شاني
كِلي إِلى الغيمِ إِسعادي فإِنّ لهُ / دمعاً كدمعي وإِرناناً كإِرناني
أجيرتنا بالجِزع كيف خلصتُمُ
أجيرتنا بالجِزع كيف خلصتُمُ / نَجيَّاً وأخفيتمْ حديثَكُمُ عنِّي
وقد سَمِعتْ أذنايَ نجوى فِراقِكمْ / فلا أبصرتْ عيني ولا سَمِعتْ أُذنِي
أُحَذِّرُكمْ طُوفانَ دمعي فبدِّلُوا / إِذا أزِفَ البينُ الركائبَ بالسُّفْنِ
وفي الحيّ مرهومُ الإِزارينِ بالبُكا / وآخرُ مرقومُ العِذارين بالحُسنِ
إِذا ما التقى خداهما وتقاربَا / بدتْ لك شمسُ الصحوِ في ليلة الدّجنِ
وزائرةٍ والليلُ قد زُرَّ جيبُه / على الصُبحِ والظلماءُ مسبلةُ الرُّدْنِ
أتتْ وهي أحلى في فؤادي من المُنَى / وأطيبُ من تهويمةِ الفجرِ في جَفْني
إِذا انفتلتْ أبصرتُ غصناً على نقَا / وإِن سَفَرتْ أبصرتُ بدراً على غُصْنِ
فرشتُ لها خدِّي وقبَّلْتُ كفَّها / خضوعاً ولا تقبيلَ مستلمِ الرُّكْنِ
ولما تطارحنَا الأحاديثَ بيننَا / وبُحْنَا بأسرارِ القلوب ولم نكْنَ
حلفتُ لها بالبُدْنِ تدمَى نحورُها / أليَّةَ بَرٍّ صادقٍ ليس يستثنى
لأنتِ صميمُ القلبِ والنفسِ والذي / إِذا رُمتُ حُبَّاً غيرَهُ فهو ما أعني
وما اقتسمَ العُشَّاقُ مُذْ صِرْتُ فيهِمُ / سوى سُؤْرِ وجدي والبقيَّةِ من حزني
هَنَاكَ الكرى يا راقدَ الليلِ إِنَّني
هَنَاكَ الكرى يا راقدَ الليلِ إِنَّني / ألِفْتُ سُهاداً طابَ لي وهَنانِي
طردتُ سَوامَ النومِ عنّي تشوقاً / لخفقةِ برقٍ بالعُذَيْبِ يمانِ
وكم عند برقٍ لاح من أيمن الحِمَى / عَنِيٍّ مَطولٍ لو يَشَاءُ قَضانِي
وآخرُ مرهومُ الإزارِ بواكفٍ / من الدمعِ جودٍ لجَّ في الهملانِ
ومجدولةٍ جدلَ العنانِ بكفّها / عنانُ فؤادي في الهَوى وعِناني
إِذا سمتُ قلبي الغيَّ فيها أطاعني / وإنْ سمتهُ فيها الرشادَ عَصاني
ضمِنتُ لصحبي الصبر عنها وقد أبتْ / ضمانةُ قلبي أن أفي بضماني
فيا صاحبَيْ سرّي وجهريَ أسعدا / فلمْ يبقَ منِّي غيرَ ما تَرياني
خذا خبري عن نار قلبيَ واسْألا / تحلُّبَ شاني عن تَقلُّبِ شاني
فإن قُلتما والحقُّ ما تَريانهِ / تداوَ بصبرٍ فاذهبا ودَعاني
هو النصحُ إلّا أنّه غيرُ نافعٍ / إِذا لم يكُنْ لي بالسُّلُوِّ يدانِ
فديتُكِ أقوالُ الوشاةِ كثيرةٌ
فديتُكِ أقوالُ الوشاةِ كثيرةٌ / وهنَّ ظهورٌ مالهنَّ بُطونُ
فلا تقبلي ما قيلَ عني لديكمُ / فان تخاليطَ الوُشاةِ فُنونُ
وما كلُّ قولِ قيلَ عنِّيَ صادقٌ / ولا كلُّ ذي نُصْحٍ أتاكِ أمينُ
همُ أرجفوا بالوصلِ بيني وبينكمْ / وظُنَّ بنا فيما حكوهُ ظنونُ
فليتَ أراجيفَ الوُشاةِ حقيقةٌ / وليت ظنونَ الكاشحينَ يقين
ومشمِّرِ الأصداغِ يُهدي ريقَهُ
ومشمِّرِ الأصداغِ يُهدي ريقَهُ / من خمرِهِ سُكراً إِلى أجفانِهِ
نَمَّتْ سلاسلُ صُدغهِ بعِذارِه / حَسداً فعذَّبَهُ بقطعِ لسانهِ
أخاكَ أخاكَ فهو أجَلُّ ذُخْرٍ
أخاكَ أخاكَ فهو أجَلُّ ذُخْرٍ / إِذا نابَتْكَ نائبةُ الزمانِ
وإن رابتْ إساءتُه فَهبْهَا / لما فيه من الشِّيَمِ الحِسَانِ
تُريدُ مهذَّباً لا عَيْبَ فيهِ / وهل عُودٌ يفوحُ بلا دُخَانِ
أما الوفاءُ فقد ضَمِنْتُ نِجَازَهُ
أما الوفاءُ فقد ضَمِنْتُ نِجَازَهُ / ولمحتُ نَورَ النُجْحِ في أغصانِهِ
وكذا ضمِنْتُ الشكرَ منه تكلُّفَاً / حقٌّ عليه لمن يفِي بضَمانِهِ
لقياكَ من غِيَرِ الزمانِ أمَانُ
لقياكَ من غِيَرِ الزمانِ أمَانُ / من أينَ يعرفُ جارَك الحدثانُ
إنّ الأُلَى طلبُوا مداكَ تأخَّرُوا / عن غايةٍ فيها السباقُ رِهَانُ
أقدمتَ إقدامَ المُدِلِّ ببأسِهِ / وتناكصُوا إنَّ اللئيمَ جَبَانُ
وفطِنتَ للعلياءِ حين تحيَّرتْ / فيها العقولُ وضلَّتِ الأذهانُ
تاجَرْتَهُم فربِحتَ أثمانَ العُلَى / إنّ المحامدَ للعُلَى أثمانُ
وجعلتَ عُنْوانَ السماحِ طلاقةً / وكذا لكلِّ صحيفةٍ عُنوانُ
قالوا وقد لمحوكَ فوقَ عيونِهمْ / ما هكذا تتفاوتُ الفِتيانُ
من معشرِ راضُوا الخطُوبَ ومارسوا ال / دنيا ودِينوا في الزمانِ ودانُوا
وتقيَّلتْ أبناؤُهم أسلافَهمْ / فتشابَه الأعراقُ والأغصانُ
أصلحتَ لي زمني ورُضتَ صعابَهُ / والناسُ ناسٌ والزمانُ زمانُ
وكفلتَ لي بالنُّجْحِ منذ وعدتَني / وكذاكَ ميعادُ الكريمِ ضَمانُ
وكفيتَني منَّ اللئيمِ بجاهِه / إنَّ اللئيمَ بجاهِه منَّانُ
وأريت حظّي أين مطرَحُ رحلِهِ / فأناخَ لي وتحوَّلَ الحِرْمانُ
من حيثُ جادَ المعتفي فجَداؤهُ / وجهٌ أغرُّ وراحةٌ هتَّانُ
وخلائقٌ طُبِعتْ على شكل الهدى / بيضُ الوجوهِ نواصعٌ غُرَّانُ
هي حاجةٌ بِكرٌ قضيت وراءَها / أخرى على طَرفِ النجاحِ عَوانُ
لمعُ المكارمِ والثناءِ تقارنَا / فيها كما ضَمَّ السُّعودَ قِرانُ
فَصِلِ الأوائلَ بالأواخرِ إنَّها ال / أرواحُ قد قامت بها الأبدانُ
واربَأْ بعُرفِكَ من شريكٍ يدَّعي / فيه النصيبَ وما له بُرهانُ
إن يُنْتَجِ النُعمَى سواك فإنَّه / بجميلِ فعلِك لُقِّحَ الإحسانُ
أوْ أُسقَ سجْلاً من نداهُ فإنّما / من عندك الأوزامُ والأشطانُ
عوائدُ برِّكَ المشكورِ عندي
عوائدُ برِّكَ المشكورِ عندي / بما أرجوهُ من نُعْمَى ضمينُ
بدأتَ بهِ فأرجو منك عَوداً / وأنتَ بما أؤمِّلُهُ قمينُ
إِذا أسدَى الكريمُ إليكَ عُرْفاً / فأوَّلُهُ بآخرهِ رهينُ
نغدُو إليكَ إِذا اعترتْنَا حاجةٌ
نغدُو إليكَ إِذا اعترتْنَا حاجةٌ / ونصُدُّ عنكَ إِذا توسَّمْنَا الغِنَى
فإِذا انقطعنا كان حلمُكَ نائِباً / وإِذا حضَرنا كان عطفُكَ لَيِّنَا
ترعَى لمن غابَ الذمامَ مجاملاً / وتُنيلُ من حضَر الرغائبَ مُحسنا
يا حاديَ الظعنِ رفقَاً إنَّك الجانِي
يا حاديَ الظعنِ رفقَاً إنَّك الجانِي / قتلي إِذا زِلْتَ عن جَيٍّ بأظعانِ
يا أريحيَّةَ شوقٍ هيَّجتْ طربي / واسترقصتني وأصحابي وكيراني
مالت برأسي فلم آمنْ يديِّ لها / على جُيوبي وأذيالي وأرداني
كتمْتُها الركب حتى نَمَّ بي طربي / تأثيرُه شاعَ في أثناءِ كتماني
أنشوةُ الخمرِ أم ذِكرى تُهَيِّجني / من أهل ودِّي وإخواني وأوطاني
باللّهِ رِفقاً بقلبي لا يَطِرْ فرحاً / وبالهوى لا يَبُح ما بين جيراني
ولي ديونٌ على الأيامِ يضمَنُ لي / قضاءَها عن قريب بعد لَيَّانِ
ويا نسيمَ الصَّبا في الطِيب منغمِسَاً / أنفاسُه ونسيمُ المِسْكِ والبانِ
أُمْرُرْ على الروضةِ الغنَّاءِ مرتكِضَاً / منها على الطِيب من رَوْحٍ وريحانِ
وغازلِ الوردَ قد بلَّتْ معاطفَهُ / مدامعُ الغيمِ تهمي ذاتَ تهنانِ
حتى إِذا حزتَ من طِيبٍ ومن أرَجٍ / لطيمةً ذاتَ أنواعٍ وألوانٍ
فالثمْ ثرى جَيَّ إنْ وافيتَها سَحَراً / واقْرَأْ سلامي على أهلي وجيراني
وقلْ لهم إنَّ طِيبَ العيشِ بعدَكُمُ / بُدِّلت منهُ جَوى همٍّ وأحزانِ
وقد جفَا مقلتِي نومي جفاءَكم / فما يذوقُ حثاثَ النوم أجفاني
أبيتُ مستنجداً عوناً على زمني / وليس إلّا دموعَ العينِ أعواني
أشتاقُ من شِعبِ بوَّانٍ إِلى وطنٍ / وأينَ من شِعبِ جَيٍّ شِعبُ بَوَّانِ
وكم بجَيٍّ شريدُ النوم مقلتُه / يراقبُ البرقَ من أطرافِ كرمانِ
إِذا تغنَّى حمامُ الأيكتينِ هفا / بلُبِّه سجعُ بادي الشجوِ مِرنَانِ
وآنساتٍ إِذا لاح الوميضُ لها / نصَّتْ إِلى لمعِها أجيادَ غِزلانِ
يرقُبْنَ أوبةَ عصَّاءٍ عواذِلَهُ / في طاعةِ المجدِ محلالٍ ومظعانِ
حانٍ على الوجدِ أضلاعاً تُثَقِّفُها / أنفاسُهُ إنْ علتْ تثقيفَ مُرَّانِ
يطاردُ النومَ طولَ الليلِ عن مُقَلٍ / إنسانهُنَّ غريقٌ بين طُوفانِ
تعرَّقتْهُ الليالِي غيرَ عَزْمتِه / ولوَّحتْه الفيافي غيرَ عُنوانِ
كأنه في رداء الليل منصلتاً / عن طيِّه بِسُراه رجمُ شيطانِ
لم يُنْسِه الحبُّ قطعَ البِيدِ عن عُرُضٍ / ولا رمَى الخوفُ ذِكراهُ بنسيانِ
كأن طيبَ هواكمْ في حماطتِهِ / ترنيقَةُ النومِ في أجفانِ وسنانِ
يا صاحبيَّ أجيزا الكأسَ عن ثَمِلٍ / معاقِرٍ لكؤوسِ الهمِّ نشوانِ
وأيقِنِا أنَّ قلبي ضَلَّ بينَكُما / فساعِداني ولو قولاً بنشدانِ
وأقرضانيَ دمعاً أستريحُ به / إنْ لم تجودَا بإسعافٍ وإحسانِ
وبلِّغا ظبيةً في جَيَّ مسكنُها / ظِلُّ النعيمِ وتأبَى ظِلَّ أفنانِ
تأبَى مراتعُ روضِ القاعِ معرضةً / إلّا جوانِحَ آسادٍ وفُرسانِ
لمّا توهَّمْتُ أني صِدتُها شردتْ / فقطَّعتْ عقدَ أشراكِي وأرساني
واستصحبتْ من فؤادي قطعةً نفرتْ / وحشيّةً بين آجالٍ وصِيرانِ
ألا بعثتِ لنا طيفاً يُلِمُّ على / شُعْثٍ نشاوَى من الإدلاجِ خُمصانِ
أَخِفْتِ أنْ تلجِي غُدْرانَ أدمُعِنا / فما جشمتِ وُلوجاً بين غُدرانِ
أم عاق مسراكِ بيدٌ بات أرحُلُنا / يخفقنَ منهنَّ فيما بينَ أحضانِ
وليلةٍ باللوى باتتْ تُضاجعُني / ما بينَ بُردَيْ عَفافٍ بات يَنْهانِي
تمحو خِضابَ يديها مقلتي وأرى / أن ليسَ لثمُ لآلي الثغرِ من شاني
وكم وراءَ لآلِي الثغرِ من كُرَعٍ / عذبِ المشارعِ فيه ريُّ ظمآنِ
بِتنا وباتَ نسيمُ الحيِّ يجذِبُنَا / إِذا التزمنا عناقاً جَذبَ غيرانِ
فلم نزلْ تحتَ جُنْحِ الليلِ في عُلَقٍ / من العِناقِ ولم نَهْمُمْ بعدوانِ
حتى وشى الصبحُ والطيبُ النَّمُومُ بنا / وصدَّقَ الحَلْيُ ما قالا بتِبيانِ
البس عزاءً على العزَّاء إنَّ بها / تبَدُّلَ الصعبِ إذعانا بعصيانِ
ولا تبالِ بصرفِ الدهر كيفَ جرى / فإنما الدهرُ غُولٌ ذاتُ ألوانِ
يومٌ سرورٌ ويومٌ بعدَهُ تُرَحٌ / كلاهُما مضمحلٌّ ظِلُّهُ فاني
لنا شيمةٌ لا ترتضي الغدرَ صاحباً
لنا شيمةٌ لا ترتضي الغدرَ صاحباً / وآيٌ على الأيامِ لا تقبل الوهْنَا
إِذا ما تخذنا صاحباً لم نُجازِهِ / بسوءٍ وأحسنَّا بأفعالِه الظَنَّا
فمن تُنقصُ الأيامُ مِرَّةَ عهدِهِ / فإنَّا على العهدِ القديم كما كُنَّا
وما رَبِحتْ في الودِّ صفقةُ كَارهٍ / مجاملةَ الإخوانِ يعتدُّها غبنا
إلامَ التجنِّي والإساءةُ منكمُ / عتبتمْ وأعتَبْنَا وخُنْتُم وما خُنَّا
فإن تُنصِفُونَا في القضيّةِ تشهدوا / بأن الذي جِئناهُ أشبَهُ بالحُسْنَى
فإنْ عُدْتُمُ عُدْنَا وإن تُظهروا الغِنى / عن الودِّ كنَّا عن وِدادكمُ أغنَى
فقد يُكرَمُ العِلْقُ الرخيصُ وإن غَلا / وزاد غَلاءً يُسْلَ عنه ويُستغنى
ولا تستودِعَنَّ السِرَّ إلّا
ولا تستودِعَنَّ السِرَّ إلّا / فؤادَك فهو موضِعُه الأمينُ
إِذا حُفَّاظُ سِرِّك زيدَ فيهم / فذاك السرُّ أضيعُ ما يكونُ
خفقُ الطبولِ وزمرةُ النّدمانِ
خفقُ الطبولِ وزمرةُ النّدمانِ / وهتوفُ أطيارٍ وعزفُ قِيانِ
وتسَحُّبُ الأَذيالِ في طَرَبِ الصِّبَا / وخلاعةٌ في طاعةِ الشيطانِ
وتهتُّكٌ وترفرفٌ وتماجُنٌ / ورقى مخادَعةٍ على الغزلانِ
وعرائسُ الأقداحِ تُجْلَى في الدُّجَى / في جيدهنَّ مخانقُ المرجانِ
والصبحُ في كأسِ الظلام مرقرقٌ / وتنفُّسُ الريح العليلةِ واني
أشهَى إِلى قلبي وألطفُ موقعاً / من أن أُلمَّ بملتقَى الأقرانِ
والآن أغرقُ في النعيم وأجتنِي / ثمرَ السرور ومجتناهُ داني
خيرٌ وأحسنُ من مقارعةِ العِدَى / ومن التَّشَحُّطِ في دمِ الفُرسَانِ
ومساحبُ الزقِّ اللجوجِ على الثَّرى / أحرى بنا من مسحبِ الفتيانِ
وألذُّ من عَلَقٍ يَدُرُّ وشخبُه / ثرٌّ عُقارٌ ذاتُها متفاني
وأحبُّ من طعنِ الوريدِ وشكِّه / شكِّي بمبزالٍ وريد دِنَانِ
وألذُّ من رشقِ النِبَالِ لدَى الوغَى / رَمْيِي بتفاحٍ نحورَ غَواني
كم بينَ طرَّةِ شادنِ قد صُفِّفَتْ / وتَصفُّفِ الأقرانِ يومَ طِعَانِ
هل قيسَ أوتارُ المزاهرِ غرَّدت / بالمنجنيق تُشدُّ بالأرسانِ
وقِرانُ مضرابٍ وزيرٍ ناطقٍ / بقرانِ لَأْمَةِ فارسٍ وسنانِ
وعناقُ حوراءِ المدامعِ غضَّةٍ / بعناقِ مقدامٍ من الشُجعانِ
وطرادُ ميَّاسِ القوام مُهفهفٍ / بطرادِ خطَّارِ السنانِ هِجانِ
ورفيفُ أجنحةِ السرور تحُثُّها / برفيفِ أسرابٍ من العقبانِ
وقضيبُ ريحان يَهُزُّ قوامَه / طَرَباً بهزِّ أسنَّةِ المُرَّانِ
إنّي أميلُ إِلى قسيِّ حواجبٍ / عن عطفِ كلِّ حنيَّةٍ مرنانِ
وأحبُّ أجفانَ الحِسانِ ومحتَوى / قلبي الْتِمَاعُ ودائعِ الأجفانِ
أرقالُ أقداحٍ وأرمالُ الغِنى / أشهى من الإرقالِ والذَّملانِ
وإِذا شِرِبْتُ من المعتَّقِ أربعاً / أعرضت عن ذِكْرِ النجيعِ القاني
وإِذا ظفرتُ من المَنى برغائبي / فيها فقحطانٌ على عدنانِ
أأخافُ أحداثَ الزمان وإنَّما / سيفي وكنزي مُهجتي وبناني
وإِذا افتكرتُ أضاء فكريَ إنَّما / عُسْرُ الزمانِ ويُسْرُهُ سِيَّانِ
والمرءُ همَّته غناهُ وفقرُهُ / وبقدرِها يحظَى من الأزمانِ
وبجدِّهِ يوري الزنادَ وكدِّهِ / يُكبي إِذا ما كان غيرَ مُعانِ
وغُبارُ أحداثِ الخُطوبِ بلمتِي / وسهامُها في جُنَّتِي وجَناني
يُنْبِي ويصدعُ لي بحقٍّ أنّني / فردٌ كنجمِ الصبحِ قرنُ زماني
لا تُنكري يا سَلْمَ لينيَ ربَّما / يعتاقُ عيرٌ هَمَّ بالنَّزَوانِ
أعلقتني ظَنَّ الظنينِ وإنِّما / بعد التكافُحِ يعرفُ السيغانِ
قد يشبهُ الماءَ السرابَ ويستوي / بَرَدٌ ودُرّ العِقدِ عند عيانِ
جسمي طليقٌ غيرَ أنَّ عزِيمتي / مغلولةٌ قَهراً وقلبي عاني
وإِذا التفتُّ إِلى وِدَادِكَ لم أُبِلْ / بسهامِ صرفِ الدهرِ كيف رماني
أنت الذي طابتْ مغارسُ مجدِه / حتى تقاصَرَ دونَهُ الثَّقَلانِ
أجررتَ ألسنةَ العدوِّ بفيصلٍ / ماضِي الغِرارِ إِذا نطقتَ يماني
وشققتَ شأوَ الحاسدينَ ففي المدَى / تجري وهُمْ نُظَّارةُ الميدانِ
متلثّمينَ بنقعِ شأوكَ وُقَّفاً / عُقلوا بقيدَيْ حَيْرةٍ وحِرانِ
أنّى يناقِلُكَ العلاءَ مفاخِرٌ / ولقد عنَا لعلائِك القَمرانِ
لله درُّ الفضلِ حلَّى جيدَهُ / إِذا زارَ ربعَكَ ضارباً بجرَانِ
قد زُفَّ منك إِلى الكَفِيِّ وإنّه / لأعَزُّ زَوْرٍ في أعزِّ مكانِ
وإِذا أجلتَ يديكَ فوقَ مهارقٍ / فهُناك مسقطُ لؤلؤٍ وجُمانِ
وإِذا نطقتَ بمحفِلٍ متحدّثاً / فهناك أَنْبَأُ من شَباةِ سِنانِ
بدا الحركات ثم انفكّ عنها
بدا الحركات ثم انفكّ عنها / وزايلها لخفتها السكونُ
وكوّن هذه الأكوان حر / وبرد منهما يبس ولين
ولما كانت الحركات دوراً / وتحت الدور مركزها الأمينُ
ودار الحر فوق البرد حيناً / تولد منهما لين متين
فلما استل منه الحر ليناً / بدا في الجوهر اليبس الكمين
وتم لها طبائع مفرادات / خفيات لأظهرها بطونُ
لأعلاها بأسفلها اتصال / وآخرها بأولها رهينُ
فافلاك تدبرها نجوم / تدور كما يدور المنجنونُ
وقد تبعت مزاجات المبادي / تراكيب تفرُ بها العيونُ
وحين تفاوت التركيب فيها / تغايرت الاسامي والفنونُ
فهذا سرنا المكتوم فطن / لما قلناه والعلم المصونُ
ولا تستودع الاسرار إلا / فؤادك فهو موضعها الأمينُ
إذا حُفّاظ سرك زيد فيهم / فذاك السر أضيعُ مايكونُ
قرينك لا يكونُ قرين سوء / فإنَّ السر يسلبه القرينُ
تركنا البرية في حيرة
تركنا البرية في حيرة / فلم يعرفوا وجه تدبيرنا
فتكليسهم غير تكليسنا / وتطهيرهم غير تطهيرنا
وتصعيدهم غير تصعيدنا / وتقطيرهم غير تقطيرنا
وزئبقهم والرصاص الخبي / ث لا يصلحان لاكسيرنا
لهم معدن ولنا معدن / يليق بلطف تدابيرنا
ومن لم يكن عارفاً بالرمو / زِ فلا يهلكنَّ بتعبيرِنا
وإن الأولى جهلوا علمنا / ولم يفطنوا لتفاسيرِنا
مقاديرهم وموازينهم / جميعاً خلافُ موازينِنا
وليس علينا ملام وقد / لقيناهمُ بمعاذيرِنا
في الماء سر عظيم لا يحسّ به
في الماء سر عظيم لا يحسّ به / إلا الحكيم العليم الماهر الفطنُ
فتارة في تجاويف العروق دم / وتارة في الثدايا ناصعاً لبنُ
وهو الذي صار في الزيتون يانعه / زيتاً وفي الكرم خمرا فيه يختزن
وهو الذي جذب الترب الغليظ إلى / أعلى النبات وفيه أثمر الغصن
فيه الحياة لما فيه الحياة من ال / أشياء وهو حقير ما له ثمنُ
رباطه ببخار الأرض منعقد / وبعض جوهره بالبعض مرتهنُ
بسيطه غير ذي لون ولا ثخن / وفي تراكيبه التلوين والثخنُ
قسطاسه مستقيم غير ذي سبل / والقدر معتدل والوزن متزنُ
حل وعقد وأثال وأوزان
حل وعقد وأثال وأوزان / كذب وزر وتضليل وبهتانٌ
بيّض وحمّر بتدبير واينه / لا خلف فيه إلى أن يكمل الشانُ
فأمرنا واحد والسحق يصلحه / فافطن فما بعد هذا الشرح تبيان
إلا قلائل من أسرارنا كتمت / منها أداة وأيام ونيران
فكد فكرا وأسرع في التجارب إن / أتقنت علمك فالتقصير حرمان