القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ دَرّاج القَسْطَلّي الكل
المجموع : 12
مِنَنٌ بِأَيْسَرِ شُكْرِهَا أَعْيَيْتَنِي
مِنَنٌ بِأَيْسَرِ شُكْرِهَا أَعْيَيْتَنِي / فمتى أَقومُ بشكرِ مَا أَوْليتَنِي
أَعطيتَنِي ذُخْرَ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا / شرفَ الحياةِ وَعِزَّها أَعطيتني
لَبَيْكَ شاكرَ نعمةٍ أَنت الَّذِي / لما دعوتُ غِياثَها لَبَّيْتَنِي
فَقتلْتَ هَمّاً ذُقْتُ حَدَّ سيوفِهِ / بسيوفِ إِنعامٍ بِهَا استحيَيتَنِي
وخَطَطْتَ بالكَفِّ الكريمةِ مُلحَقِي / والفخرُ فخري منك إِذ سمَّيْتَنِي
حَسْبِي فحين ذكرتَنِي كَرَّمْتَنِي / وكفى فحين نطقتَ بي أَعييتَني
ذكراك أعظمُ نِعمةٍ أَلبستني / ورضاك أعلى خُطَّةٍ وَلَّيتَني
ففداؤك الأَملاكُ يومَ سمعتَني / لهفانَ فِي أَسرِ الأَسى ففديتَني
وسُقيتَ غيثَ النصر حين بَصُرت بي / ظَمْآنَ ملتهبَ الحشا فسقيتَني
آواك ظِلُّ اللهِ فِي سلطانِهِ / ونعِيمِهِ بجزاءِ مَا آويتَني
ورَعى لَكَ الرحمن مَا اسْتَرْعاكَهُ / من دِينِهِ أَجْراً بما راعيتَني
وشَفى سُيُوفَكَ من عِدَاكَ وَقَدْ سَطَا / هَمٌّ أَموتُ بِدَائِهِ فَشَفَيْتَنِي
وكُفيتَ مَا اسْتُكْفيتَ يومَ أَلَمَّ بِي / هَمٌّ أَناخَ بكلكلي فكفيتَني
فكأنما استيقَنْتَ مَا لَكَ فِي الحشا / من طاعةٍ ونصيحةٍ فجزيتَني
وعلمتَ أَنِّي فِي وفائك سَابِقٌ / فَسَبَقْتَ بالنعم الَّتِي وَفَّيْتَنِي
فلوَ اَنَّ آمالي بقربِكَ أَسْعَفَتْ / مَا قُلتُ بعد بلوغها يَا ليتَني
حتى أُقَبِّلَ كُلَّما قابلتُها / كفّاً بجودِ عطائها أَحْيَيْتَنِي
هَنيئاً لهذا الدَّهرِ رَوْحٌ وريْحانُ
هَنيئاً لهذا الدَّهرِ رَوْحٌ وريْحانُ / وللدِّينِ والدنيا أمانٌ وإِيمانُ
بِأَنَّ قعِيدَ الشِّرْكِ قَدْ ثُلَّ عَرْشُهُ / وأَنَّ أَميرَ المؤمنينَ سُلَيْمَانُ
سَمِيُّ الَّذِي انقادَ الأَنامُ لأَمْرِهِ / فلم يَعْصِهِ فِي الأَرضِ إِنسٌ ولا جانُ
وباني العُلا للمجدِ غَادٍ ورائحٌ / وحِلْفُ التُّقَى فِي اللهِ راضٍ وغَضْبانُ
بِهِ رُدَّ فِي جَوِّ الخلافةِ نُورُها / وَقَدْ أَظْلَمَتْ منها قصورٌ وأوطانُ
وَأَنْقَذَ دينَ اللهِ من قبضةِ العِدى / وَقَدْ قاده للشِّركِ ذلٌّ وإِذعَانُ
وقامَ فقامتْ للمَعَالي معالِمٌ / وللخيرِ أسواقٌ وللعدلِ ميزَانُ
وجدَّدَ للإسلامِ ثوبَ خلافةٍ / عليها من الرحمنِ نورٌ وبُرْهَانُ
وأَكَّدَها عهدٌ لأكرمِ من وفى / بعهدٍ زَكَتِ فِيهِ عهودٌ وأَيمانُ
بِهِ شُدَّ أَزْرُ الملكِ وابْتَهَجَ الهُدى / وفاضَ عَلَى الإسلامِ حسنٌ وإِحسانُ
فَتىً نَكَصَتْ عنهُ العيونُ مَهابَةً / فليسَ لَهُ إِلّا الرَّغَائبَ أَقْرانُ
يَهونُ عَلَيْهِ يومَ يُرْوي سيوفَهُ / دماً أَن يوَافيهِ الدُّجى وَهْوَ ظمْآنُ
سَمِيَّ النَّبيِّ المصطفى وابنُ عَمِّهِ / ووَارِثُ مَا شَادَتْ قُرَيْشٌ وعَدْنانُ
وَمَا ساقَتِ الشُّورى وأَوْجَبَتْ التُّقى / وأَوْرَثَ ذُو النُّورَيْنِ عَمُّكَ عُثْمانُ
وما حاكَمَتْ فِيهِ السيوفُ وحازهُ / إليكَ أَبو الأَملاكِ جدُّكَ مرْوانُ
مَوارِيثُ أَملاكٍ وتوكيدُ بَيْعَةٍ / جديرٌ بِهَا فتحٌ قريبٌ ورِضْوانُ
ودوحةُ مجْدٍ فِي السَّماءِ كَأَنَّمَا / كَوَاكِبُهَا منها فروعٌ وأَغصانُ
لَئِنْ عَظُمَتْ شأْناً لقد عزَّ نصرُها / بكَرَّاتِ فُرسانٍ لأَقدارِهَا شانُ
قبائلُ من أَبناءِ عادٍ وجُرْهمٍ / لَهُمْ صَفْوُ مَا تَنْمِيهِ عادٌ وَقَحْطَانُ
بَنو دُوَلِ المُلكِ الَّذِي سَلَفَتْ بِهِ / لآبائهم فِيهَا قُرونٌ وأَزْمَانُ
هُمُ عَرفُوا مثواكَ فِي هَبْوَةِ الرَّدى / وَقَدْ رَابَ معهودٌ وأَنكَرَ عِرفانُ
وللمَوْتِ فِي نَفْسِ الشُّجاع تخيُّلٌ / ولِلذُّعْرِ فِي عَيْنِ المُخاطِرِ أَلوانُ
فأَعْطَوكَ واسْتَعْصَوكَ فِي السَّلْمِ والوغى / مَوَاثِيقَ لَوْ خَانَتْكَ نفسُكَ مَا خانوا
كَأَنَّ السَّمَاءَ بدْرَها ونجومها / سُرَاكَ وَقَدْ حَفُّوكَ شِيبٌ وشُبَّانُ
وقد لَمَعَتْ حوْلَيْكَ منهمْ أَسِنَّةٌ / تُخَيِّلُ أَنَّ الحَزْنَ والسَّهْلَ نِيرانُ
أُسودُ هِياجٍ مَا تزالُ تَرَاهُمُ / تطيرُ بِهِمْ نحوَ الكريهَةِ عِقبانُ
وأقمارُ حَربٍ طالِعَاتٌ كَأَنَّمَا / عَمَائِمُهُمْ فِي موقفِ الرَّوْعِ تِيجانُ
دَلَفْتَ بِهِمْ للفتحِ تَحْتَ عَجاجَةٍ / كَأَنَّ مُثِيرَيْهَا عَلِيٌّ وهَمْدانُ
ويَومَ اقتِحامِ الحَفْرِ أَيقَنْتَ أَنَّهُمْ / يريدونَ فِيهِ أَن تعِزَّ ولو هانوا
بكُلِّ زِناتِيٍّ كَأَنَّ حُسامَهُ / وهامَةَ من لاقاهُ نارٌ وقرْبانُ
وأَبيضَ صِنْهَاجٍ كَأَنَّ سِنَانَهُ / شِهابٌ إذَا أَهوى لِقِرْنٍ وشَيطانُ
وقد عَلِمُوا يَا مُستعِينُ بأَنَّهُمْ / لرَبِّهِمُ لما أَعانوكَ أَعوانُ
ولَوْلاكَ والبيضُ الَّتِي نَهَدوا بِهَا / لما قامَ للإسلام فِي الأرض سُلطانُ
ولاستَبْدَلَتْ قَرْع النواقيسِ بالضُّحى / مَنارٌ وقامت فِي المحاريب صُلبانُ
وهم سَمِعوا داعيك لمَّا دَعَوْتَهُم / وهم أَبصَرُوا والناسُ صُمٌّ وعُمْيانُ
تصاويرَ ناسٍ مُهْطِعينَ لِصورَةٍ / يُكَلِّمُهُمْ منها سَفيهٌ ومَيَّانُ
فللهِ عَزْمٌ رَدَّ فِي الحقِّ رُوحَهُ / وأَوْدى بِهِ فِي الأرض زُورٌ وبُهتانُ
وقُلتَ لعاً للعاثِرِينَ كَأَنَّهُ / نُشورٌ لقومٍ حانَ منهم وَقَدْ حانُوا
وأصبحَ أهلُ الحَقِّ فِي دارِ حقِّهمْ / ونحنُ لهم فِي الله أهلٌ وإِخوانُ
فحَمْداً لمن رَدَّ النُّفوسَ فأَصبحَتْ / لهم كالذي كُنَّا وَهُمْ كالذي كانوا
وأُنِّسَ شَمْلٌ بالتفرُّقِ مُوحِشٌ / وحَنَّ خليطٌ بالصبابة حَنَّانُ
ورَدَّ جِماحَ الغَيِّ من غَرْبِ شَأْوِهِ / وبُرِّدَ قلبٌ بالحفيظةِ حَرَّانُ
وقد أَمِنَ التثريبَ إِخوةُ يوسُفٍ / وأدركَهُم للهِ عفوٌ وغُفْرانُ
وأَعقَبَ طَولُ الحربِ أبناءَ قَيلَةٍ / زكاةً وَرُحماً فِيهِ أَمْنٌ وإِيمانُ
وَحَنَّتْ لِدَاعِي الصُّلحِ بكْرٌ وتغلبٌ / وشَفَّعَتِ الأَرْحامَ عبسٌ وذُبيانُ
وفازَتْ قِداحُ المُشتَري بسُعُودِها / وسالم بَهرَامٌ وأَعتبَ كِيوانُ
وعُرِّفَ معروفٌ وأُنكِرَ مُنْكَرٌ / وطارَ مع العَنْقَاءِ ظُلْمٌ وعُدوانُ
وأُغْمِدَ سيفُ البَغْيِ عنَّا وعُطِّلَتْ / قُيودٌ وأَغلالٌ وسِجنٌ وسُجَّانُ
وما كَانَ منَّا الحَيُّ فِي ثوبِ ذُلِّهِ / بأَنهضَ مِمَّنْ ضَمَّ قبرٌ وأَكْفَانُ
ومُنَّ عَلَى المُسْتَضعَفِينَ وأُنْجِزَتْ / مواعيدُ تمكينٍ وآذَنَ إِمكانُ
بيُمْنِ الإِمامِ الظَّافِرِ الغافر الَّذِي / صفا منهُ للإسلامِ سِرٌّ وإِعلانُ
مجَرِّدُ سيفِ الانتقام لِمَن عتَا / فمالَ بِهِ فِي الدِّينِ زَيغ وإِدهانُ
فَمن سَرَّهُ المَحْيا فسمع وطاعةٌ / ومن يَحْسُدِ المَوتى فكُفْرٌ وعِصيانُ
لَكَ الخَيْرُ قَدْ أَوْفى بعَهْدِكَ خَيْرانُ
لَكَ الخَيْرُ قَدْ أَوْفى بعَهْدِكَ خَيْرانُ / وبُشراكَ قَدْ آواكَ عِزٌّ وسُلطانُ
هو النُّجْحُ لا يُدْعى إِلَى الصُّبح شاهِدٌ / هو النور لا يُبغى عَلَى الشَّمْسِ بُرْهَانُ
إِليكَ شَحَنَّا الفُلكَ تَهْوي كَأَنَّها / وَقَدْ ذُعِرَتْ عن مَغْرِبِ الشَّمْسِ غِرْبانُ
عَلى لُجَجٍ خُضْرٍ إذَا هَبَّتِ الصَّبا / ترامى بنا فِيهَا ثَبيرٌ وثَهْلانُ
مَوائِلَ تَرْعى فِي ذُراها مَوَائِلاً / كما عُبدَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَوْثَانُ
وفِي طَيِّ أَسْمَالِ الغَرِيبِ غَرَائِبٌ / سَكَنَّ شَغافَ القلبِ شيبٌ وَوِلْدانُ
يُرَدِّدْنَ فِي الأَحشاءِ حَزَّ مصائِبٍ / تزيدُ ظَلاماً لَيْلَها وَهْيَ نِيرانُ
إِذا غِيضَ ماءُ البَحرِ منها مَدَدْنَهُ / بِدَمْعِ عيونٍ يَمْتَرِيهنَّ أَشْجَانُ
وإِنْ سَكَنَتْ عنَّا الرياحُ جرى بنا / زَفيرٌ إِلَى ذِكْرِ الأَحِبَّةِ حنَّانُ
يقُلْنَ ومَوْج البحْرِ والهَمِّ والدُّجى / تموجُ بنا فِيهَا عُيونٌ وآذانُ
ألا هَلْ إِلَى الدُّنيا مَعادٌ وهلْ لَنا / سِوى البحْرِ قَبْرٌ أَوْ سِوى الماءِ أَكْفانُ
وهَبنا رأينا مَعْلَمَ الأَرْضِ هلْ لنا / مِن الأَرْضِ مأْوىً أَوْ من الإِنسِ عِرْفانُ
وصَرْفُ الرَّدى من دونِ أَدْنَى منازِلٍ / تَباهى إِلينا بالسُّرورِ وتَزدانُ
تَقَسَّمَهُنَّ السيفُ والحَيفُ والبِلى / وشَطَّتْ بنا عنها عصورٌ وأَزْمانُ
كما اقْتَسَمَتْ أَخْدانَهُنَّ يدُ النَّوى / فَهُمْ للرَّدى والبَرِّ والبحرِ أَخْدانُ
ظعائِنُ عُمْرانُ المعاهِدِ مُقفِرٌ / بهنَّ وقَفْرُ الأَرْضِ منهُنَّ عُمْرانُ
هَوَتْ أُمُّهُمْ مَاذَا هَوَتْ بِرِحالِهمْ / إِلَى نازِحِ الآفاقِ سُفْنٌ وأَظْعَانُ
كوَاكِبُ إِلّا أنَّ أفلاكَ سَيْرها / زمامٌ ورَحْلٌ أَوْ شِرَاعٌ وسُكَّانُ
فَإِنْ غَرَّبَتْ أرض المغاربِ مَوئِلي / وأَنْكَرَنِي فِيهَا خَليطٌ وخِلّانُ
فكَمْ رَحَّبَتْ أَرْضُ العِراقِ بمقدمي / وأَجْزَلَتِ البُشْرى عَليَّ خُراسانُ
وإِنَّ بلاداً أَخرجَتنِي لَعُطَّلٌ / وإِنَّ زَماناً خان عَهدي لَخَوَّانُ
سَلامٌ عَلَى الإِخوانِ تَسليمَ آيسٍ / وسُقياً لِدَهْرٍ كَانَ لِي فِيهِ إِخْوانُ
ولا عَرَّفَتْ بي خَلَّةً دارُ خُلَّةٍ / عَفا رَسمَها منها جفاءٌ ونِسيانُ
وَغَرَّتْ ببَرْقِ المُزْنِ من ذكْرِ صَفقِهِ / ومن ذكْر رَبٍّ كُلَّ يَومٍ لَهُ شانُ
ويا رُبَّ يومٍ بانَ صدْعُ سلامِهِ / بصَدْعِ النَّوى أَفْلاذُ قَلْبيَ إِذْ بانوا
نُوَدِّعُهُمْ شَجْواً بشَجوٍ كَمِثلِما / أَجابت حفيفَ السَّهْمِ عوْجاءُ مِرْنانُ
ويَصْدَعُ مَا ضَمَّ الوَدَاعُ تفرُّقٌ / كما انشَعَبَتْ تَحْتَ العواصِفِ أَغصانُ
إِذا شَرَّقَ الحادي بِهِمْ غَرَّبَتْ بنا / نوىً يوْمُها يومانِ والحِينُ أَحيانُ
فلا مُؤْنِسٌ إِلّا شهيقٌ وزَفْرةٌ / ولا مُسعِدٌ إِلّا دُموعٌ وأَجفانُ
وما كَانَ ذَاكَ البَيْنُ بَيْنَ أَحِبَّةٍ / ولكنْ قلوبٌ فارَقَتْهُنَّ أَبدَانُ
فيا عَجَباً للصَّبرِ مِنَّا كَأَنَّنَا / لهمْ غَيرُ مَن كنَّا وهم غَيرُ من كانوا
قَضى عَيشُهُمْ بَعْدِي وعيشيَ بَعْدَهُمْ / بأَنِّيَ قَدْ خُنتُ الوَفاءَ وَقَدْ خانُوا
وأَفجِع بمنْ آوى صَفيحٌ وَجَلْمَدٌ / وَوَارَتْ رِمالٌ بالفَلاةِ وكُثْبانُ
وُجوهٌ تَنَاءَتْ فِي البِلادِ قُبورُها / وإِنَّهُمُ فِي القلْبِ مِنِّي لَسُكَّانُ
وَمَا بَلِيَتْ فِي التُّرْبِ إِلّا تَجدَّدَتْ / عَلَيْها مِنَ القَلْبِ المُفَجَّع أَحْزانُ
هُمُ اسْتَخْلَفُوا الأَحبابَ أَمْوَاجَ لُجَّةٍ / هِيَ المَوْتُ أَوْ فِي المَوْتِ عَنْهُنَّ سُلْوَانُ
بَقايا نُفُوسٍ منْ بَقِيَّةِ أَنْفُسٍ / يُمِيتونَ أَحْزانِي فدينوا بما دَانُوا
أَقُولُ لَهُمْ صَبْراً لَكُمْ أَوْ عَلَيْكُمُ / عَسى العيشُ مَحمودٌ أَوِ المَوْتُ عَجلانُ
وَلا قَنَطٌ واليُسرُ لِلعُسرِ غالِبٌ / وَفِي العرْشِ رَبٌّ بالخَلائِقِ رَحْمانُ
ولا يَأْسَ مِنْ رَوْحٍ وَفِي اللهِ مَطمَعٌ / وَلا بُعدَ مِن خَيْر وَفِي الأَرْض خَيْرانُ
سَتَنْسَوْنَ أَهوالَ العذَابِ ومالِكاً / إذَا ضَمَّكُمْ فِي جَنَّةِ الفَوْزِ رِضْوَانُ
مَتى تَلحَظُوا قَصْرَ المَرِيَّةِ تظفرُوا / بِبَحْرٍ حَصى يُمناهُ دُرٌّ ومَرْجَانُ
وتَسْتَبْدِلُوا مِن مَوْجِ بَحْرٍ شَجاكُمُ / ببحْرٍ لَكمْ مِنهُ لُجَيْنٌ وعِقْيانُ
فَتىً سَيفُهُ لِلدِّينِ أَمْنٌ وإِيمانُ / ويُمناهُ لِلآمالِ رَوْحٌ ورَيْحَانُ
تَقلَّدَ سَيفَ اللهِ فينا بحَقِّهِ / فَبَرَّتْ عُهودٌ بالوفاءِ وَأَيْمَانُ
وحَلَّى بتاجِ العِزِّ مَفرِقَ مُخبتٍ / يُقَلِّبُهُ داعٍ إِلَى اللهِ دَيَّانُ
وبالخيْرِ فَتَّاحٌ وبالخَيْرِ عائدٌ / وبالخَيْلِ ظَعَّانٌ ولِلخَيلِ طَعَّانُ
فقُضَّتْ سُيوفٌ حارَبَتْهُ وأَيْمنٌ / وشاهَتْ وُجُوهٌ فاخَرَتْهُ وتيجانُ
لَهُ الكَرَّةُ الغَرَّاءُ عنْ كُلِّ شَارِدٍ / أَضَاءَتْ لَهُمْ منها دِيارٌ وأَوْطَانُ
وَرَدَّ بِهَا يَوْمَ اللِّقاء زِنانَةً / كما انْقَلَبَتْ يَومَ الهَباءةِ ذُبيانُ
بِكُلِّ كَمِيٍّ عامِرِيٍّ يسوقُهُ / لحرِّ الوَغى قَلبٌ عَلَى الدِّينِ حَرَّانُ
حُلُيُّهُمُ بيضُ الصَّوارِمِ والْقنا / لَهَا وحُلاها سابغاتٌ وأَبْدَانُ
تَراءاكَ حزْبُ البغْي منهُم فأَقبَلوا / وَفِي كُلِّ أَنْف للغِوَايَةِ شَيطانُ
فأَيُّ صُقورٍ قَلَّبَتْ أَيَّ أَعْيُنٍ / إِلَى أَيِّ لَيثٍ ردَّهَا وَهْيَ خِلْدَانُ
عُيوناً بِهَا كادُوا الهُدى فَفَقَأْتَها / فَهمْ فِي شِعابِ الغيِّ والرُّشْدِ عُمْيانُ
وَمَا لَهُمُ فِي ظُلمَةٍ بَعدُ كَوكَبٌ / وَمَا لَهُمْ فِي مُقْلَةٍ بَعدُ إِنسانُ
يَضيقُ بِهِمْ رَحْبُ القُصورُ وَوُدُّهُمُ / لَوِ احتازَهُم عَنها كُهوفٌ وغِيرانُ
وأَنْسَيْتَهمْ حَمْلَ القنا فَسِلاحُهمُ / عَلَيْكَ إذَا لاقَوْكَ ذُلٌّ وإِذْعانُ
وأَنَّى لِفَلّ القِبطِ فِي مِصْرَ مَوْئلٌ / وَقَدْ غِيلَ فِرْعَونٌ وأُهْلِكَ هامانُ
فَيا ذُلَّ أَعلامِ الهُدى يَوْمَ عِزِّهِمْ / ويا عِزَّ أَعْلامِ الهُدى بِكَ إِذْ هانُوا
حَفَرْتَ لَهُمْ فِي يَوْمِ قَبْرَةَ بالقَنا / قُبوراً هَواءُ الجَوِّ مِنهنَّ ملآنُ
يَطيرُ بِهَا هامٌ ونسْرٌ وناعِبٌ / ويعدُو بِهَا ذيبٌ وذيخٌ وسِرْحانُ
فلَوْ شَهدَ الأَملاكُ يَومَكَ فِيهِمُ / لألقى إِليكَ التَّاجَ كِسْرى وخَاقانُ
ولَوْ رُدَّ فِي المنصور روحُ حياتِهِ / غداةَ لقيتَ الموتَ والموتُ عُرْيانُ
وَنادَيْتَ لِلهَيجَاءِ أَبناءَ مُلْكِهِ / فَلَبَّاكَ آسادٌ عَبيدٌ وفتيانُ
جبالٌ إذَا أَرْسَيْتَها حَوْمَةَ الوَغى / وإِنْ تَدْعُهُمْ يوماً إِليكَ فعقبانُ
يقودُهُمُ داعٍ إِلَى الحقِّ مُجْلبٌ / عَلَى البغي يُرضي ربَّه وهو غضبانُ
كَتائبُ بلْ كتبٌ بنَصْرِكَ سُطِّرَتْ / وَوَجْهُكَ باسمِ اللهِ والسَّيفُ عُنوانُ
هو السَّيفُ لا يَرْتَابُ أَنَّكَ سَيفُهُ / إذَا نازَلَ الأَقرَانَ فِي الحَرْبِ أَقرَانُ
كَأَنَّ العِدى لَمَّا اصْطَلَوا حرَّ نارِهِ / أَصابَ هواديهمْ مِنَ الجَوِّ حُسبانُ
وأَسمَرُ يسرِي فِي بحارٍ من النَّدى / بيُمناكَ لكنْ يَغْتدي وهوَ ظَمْآنُ
تَلألأَ نوراً من سناكَ سِنانُهُ / وَقَدْ دَعَتِ الفُرْسَانَ لِلحَرْبِ فُرْسانُ
لَحَيَّاكَ من أَحْيَيْتَ منهُ شمائلاً / يموتُ بِهَا فِي الأَرْضِ ظُلْمٌ وعُدوَانُ
وناجاكَ إِسرَاراً وناداكَ مُعلناً / وَحسبُ العُلى مِنه سِرَارٌ وإِعلانُ
أَلا هكذا فَلْيَحْفَظِ العَهْدَ حافِظٌ / أَلا هكذا فَلْيَخْلُفِ المُلكَ سُلْطَانُ
فَلِلَّهِ مَاذَا أَنْجَبَتْ منكَ عامِرٌ / وللهِ مَاذَا ناسَبتْ مِنكَ قَحطانُ
وللهِ مِنَّا أَهلَ بَيتٍ رَمَتْهُمُ / إِلَى يَدِكَ العُليا بُحورٌ وبُلدانُ
وكلَّهُمْ يُزْهى عَلَى الشَّمْسِ فِي الضُّحى / وبَدرِ الدَّياجِي أَنَّهم لَكَ جيرانُ
وَقَدْ زَادَ أَبناءُ السَّبيلِ وَسِيلَةً / وحَلُّوا فَزَادُوا أَنَّهم لَكَ ضِيفانُ
فما قَصَّرَتْ بي عن عُلاكَ شفاعَةٌ / ولا بِكَ عن مِثلي جَزَاءٌ وإَِحسانُ
بُشراكِ أَيَّتُها الدُّنيا وبُشرانا
بُشراكِ أَيَّتُها الدُّنيا وبُشرانا / أَحياكِ بالعدْلِ منْ بالأَمْنِ أَحْيانا
لعَلَّ آمالنا فِي اللهِ قَدْ صدَقَتْ / وصِدْقَ موعِدِهِ بالفتحِ قَدْ آنا
وعودةً تمتري عفواً وعافيةً / ودعوةً تقتضي صفحاً وغفرانا
تنسَّمي ريحَ رَوْحِ اللهِ مُنشِئةً / غُيوثَ رحمتِهِ سَحّاً وتَهتانا
واستَقبِلي زَهْرَةَ العقبى مُنوِّرَةً / بالنُّورِ فِي رَوْضَةٍ تَهتزُّ رِضْوانا
لَتورِقَنْ شجرُ الدُّنيا لَنَا وَرِقاً / بسعدِها وتُريقُ الأرْضُ عِقيانا
وتعبقُ الأَرْضُ من مسكٍ وغاليةٍ / وتُمطرُ المُزْنُ ياقوتاً ومرجانا
وقُلْ لِمنْ قَدْ أَضَلَّ الشمسَ طالِعةً / لا تَسْرِ من بعدِها فِي لَيلِ حَيرانا
ويا غريباً شريداً عن مواطنِهِ / لِتَهنكَ الأرضُ أُلّافاً وأَوْطانا
ويا مَرُوعَ الضُّحى يُزْجي ظَعائِنَهُ / عَرِّسْ بجوَزِ الفلا أمْناً وإِيمانا
هاتِيكَ شَمسُ الهُدى فِي بُرْجِ أَسعُدِها / وَدِينُنا مُشرِقٌ فِي عِزِّ دُنيانا
ودَوْحَةُ اللهِ زَكَّى غَرْسَها فزَكَتْ / أُكْلاً وظِلّاً وأَشْجاراً وأَغصانا
أوشِكْ بِهَا نِعمةً راقَتْ لِتُحييَنا / نُعمى ويُثمِرَ ذَاكَ الحُسنُ إِحسانا
خلافَةُ اللهِ فِي مثوى نُبوَّتِهِ / وحِفظهُ قَدْ تَولَّى من تَولّانا
ودَولةٌ سبقتْ آمالَنا كَرَماً / كَأَنَّ مَا قَدْ تمنَّينا تمنَّانا
ودَعوةٌ أعلنَ الدَّاعي فأَسْمعَها / من قَصْرِ قُرْطُبةٍ أَقصى خُراسانا
وبَيعةٌ عَرَفَ الإِسلامُ آيتَها / فلم يَخِرُّوا لَهَا صُمّاً وعُميانا
كادَتْ تُحرِّكُ للأَشجارِ ألسِنةً / تَدْعو وتَخرِقُ للأَحجارِ آذانا
للقاسِمِ القائِمِ الهادي الَّذِي هُديَتْ / إِلَيْهِ طاعتُنا سِرّاً وَإِعْلانا
وابن الَّذِي كُتِبتْ فِي اللَّوْحِ طاعَتُهُ / وَوُدُّ قرباهُ عندَ اللهِ قُربانا
إِمامُنا وابنُ مَنْ أَمَّ الإِلهُ بِهِ / أَهلَ السماءِ ومَنْ فِي أَرْضِهِ دانا
تِلْكَ المَنابِرُ لَمْ تثْبتْ قواعِدُها / حَتَّى تحلَّينَ مِنْ ذكراهُ تيجانا
بلِ الكتائِبُ لم تُنشرْ صحائفُها / حَتَّى رأَتْهُ لِفتحِ اللهِ عُنوانا
مقلَّداً نصلَ هَذَا السيفِ مِنْ يَمَنٍ / فِي السَّلمِ والحَرْبِ تمكيناً وإِمكانا
نصيحةٌ عَمَّتِ الدُّنيا وَساكِنَها / نُوراً وأَضرمَتِ الأَعداءُ نِيرانا
فأَصبحَ المُنذِرُ المَنصورُ واليَنا / والقاسِمُ المَلكُ المأْمونُ مَولانا
من بعدِ فترَةِ أَزْمَانٍ مَطَلْنَ بِهِ / وَدِدْنَ أَلّا نُسمِّيهنَّ أَزْمانا
يُمناهُ فِي قائِمِ السيفِ المُقامِ لَهُ / فِي العَدْلِ والقِسطِ عندَ اللهِ ميزانا
رَدَّ الإِلهُ إِلَيْهِ حقَّ والدِهِ / فكُلُّ حَقٍّ بِهِ ردٌّ لمَنْ كَانَا
أَحْيا بِهِ لابنِ يَحيى حَقَّ أَوَّلِهِ / فِي نُصْرَةِ الحَقِّ إِقراراً وإِذْعانا
حُكماً بما نطقت فِيهِ وَمَا صدقت / شهادة الله تنزيلاً وفرقانا
وَأُسْوَةً برَسُولِ اللهِ والِدِهِ / فيمنْ تخَيَّرَ أنصاراً وجيرانا
فَحَسْبُ مُؤْثِرِ هَذَا الحُكمِ مَعدِلَةً / وَحَسبُ ناصِرِ هَذَا الدِّينِ بُرْهانا
فَتى نَماهُ إِلَى نَصرِ الهُدى نَسبٌ / لَوْ قُدِّرَ البدْرُ ليلَ التِّمِّ لازدانا
مِنَ الَّذِينَ وَفتْ للهِ بَيْعَتُهُمْ / فأَخلصوا العهدَ إِيماناً وأَيمانا
باعوا نُفوسَهُمُ من ربِّهِمْ فَجُزُوا / خُلْدَ الثَّناءِ وخُلدَ الفوزِ أَثْمَانا
فأَشرَقَتْ سُبُلُ الدنيا بهدْيِهِمُ / والأَرْضُ قَدْ شَرِقَت كُفراً وأَوْثانا
تَلقى شبابَهُمُ فِي السَّلمِ إِنْ نَطقوا / شِيباً وشيبَهُمُ فِي الحَرْبِ شُبَّانا
همُ المُلبُّونَ والأَبصارُ ناكِصَةٌ / نَبِيَّهُمْ يَومَ نادى يَا لَقَحطانا
والمُطْلِعُونَ نُجومَ المُلكِ إِذْ أفلتْ / والكافِلونَ بعِزِّ الحقِّ إِذْ هانا
لَهم مَدى السبقِ فِي بَدْرٍ وَفِي أُحُدِ / وَآلِ حَرْبٍ وحِزْبَيْ قَيسِ عَيلانا
وفي تَبوكَ و أَوْطاسٍ و مُصطَلقٍ / ومَنْ عَصى اللهَ من أَبناءِ عَدْنانا
لهُم بَرَاءةُ والأَنفالُ إِذ خُتِمَتْ / والنِّصفُ قِسمُهُمُ من آلِ عِمْرانا
ويومَ صِفِّينَ لَمْ تَخْذُلْ سُيوفُكُمُ / آلَ الرَّسُولِ بِهِ يَا آلَ هَمْدانا
فَليَهْنِكُمْ نصرُ من أَهْدى الهُدى لكمُ / ونَصرُ أبنائِهِ منْ بعدِهِ الآنا
سَعيَ الَّذِينَ هُمُ آوَوْا وهُم نصروا / وأَنجبوا ناصِراً للدِّينِ آوانا
أَسْرى إِلَى الرَّوْعِ فِي تأْمين رَوْعَتنا / وساوَرَ المَوتَ فِي تمهيدِ مَحيانا
وأَتعبَ الخَيلَ إِيثاراً لِرَاحَتِنا / وفرَّقَ المالَ إِكْراماً لمَثوانا
كَأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الوَغى وَطَناً / وَلا سِوانا لما يَحوِيهِ خُزَّانا
سَيفاً ولَكنْ عَلَى الأَعداءِ مُحتكِماً / بَحراً ولكن إِلَى الظَّمآنِ ظَمآنا
أعطى الرَّغائِبَ حَتَّى كادَ يُوهِمُنا / لَوْ سائِلٌ سَالنا منه لأعطانا
وساجَلَ الدَّهْرَ حَتَّى لَمْ تَدَعْ يدُهُ / فِي الجودِ كُفءاً ولا فِي الحرْبِ أقرانا
إِذا المراتِبُ جالت فِي أَعِنَّتِها / وجَرَّرَتْ خُطَطُ العلياءِ أَرسانا
فاضْمُمْ إِليكَ أَقاصِيهِنَّ مُذْعِنةً / حقّاً لِسَعيِكَ لا بغياً وعُدوَانا
فَكم ضَربْتَ عليها من قِداحِ وغىً / بالبيضِ والسُّمرِ ضَرَّاباً وطَعَّانا
وكم سَبقتَ إِليها واحتوَيتَ لَهَا / مَدىً جَعلتَ إِليها الصِّدْقَ ميدانا
رياسَتينِ كَمِثلِ الشعرَيَينِ سَناً / وكالرَّبيعَيْنِ روحاناً وريحانا
وتاجَ نصرٍ وإِعظامٍ وتكرِمَةٍ / حَلّاكَها من بأَمْنِ الأَرْضِ حَلّانا
فإِن ولَدْتَ لَهَا أَقمارَ مَمْلَكَةٍ / أَسباطَ مَلحمَةٍ أُسْداً وفُرْسانا
فقد خَلعْتَ عَلَى يحيى حِجابَتها / مَحفوفَةً منكَ إِعْزازاً وسُلطانا
ثُمَّ احتوى حَكَمٌ مثنى وَزارَتِها / فَفُزْتُمُ بالعلا مثنىً وَوِحْدانا
كلٌّ حَباكُم أَميرُ المؤمنين بِهِ / كما بقربكُمُ الرَّحْمنُ حابانا
مَزِيَّةٌ جالتِ الدُّنيا فما وَجَدَتْ / سِواكُمُ لِنفوسِ المُلكِ أَبدانا
وهِمَّةٌ لَكَ يَا منصورُ مَا هَدَأَتْ / حَتَّى رأَتْكَ لِعَينِ الدِّينِ إِنسانا
فَهدَّمَتْ بك بُنيانَ العِدى فَرَقاً / وشيَّدَتْ لَكَ فَوْقَ النجمِ بُنيانا
يُنسي بناءَكمُ صَنعَاءَ بلْ إِرَماً / ذاتَ العِمادِ وسِنداداً وغُمْدانا
والأَبْلقَ الفرْدَ والأَبْراجَ من أَجَأٍ / والسَّيلَحِينَ وسدّاً كَانَ مَا كَانَا
بنِسبةٍ من رسولِ اللهِ شدَّ بِهَا / ربُّ العُلا للهدى والدِّين أَرْكانا
صِهراً يكادُ وَقَدْ لاحَتْ معالِمُهُ / يَشدُو بِهِ الدَّهْرُ إِفصاحاً وتِبيانا
جزاءُ رَبِّكَ بالحُسنى لذي حُرَمٍ / أَضْحى عَلَى حُرَم الإِسلامِ غَيرانا
وحفظُ مَنْ لَمْ يَزَلْ بالعدلِ يحفظنا / ورَعْيُ من لَمْ يزل بالبرِّ يَرعانا
وَصِدْقُ مَا قَدْ عهدْتُم فِي كَرائِمكمْ / إِنْ لَمْ يُمَلَّكْنَ أَكْفاءً فأَكفانا
فَلْتَهْنِكمْ نِعمةٌ يحيا السُّرورُ بِهَا / وغبطةٌ حانَ فِيهَا يومُ مَنْ حانا
ففازَ بالعِزِّ من نادى بِبَيْعَتِكُمْ / وبَاءَ بالخِزْيِ هَيَّانُ بنُ بَيَّانا
ثنائي عَلَيْكَ ونُعماكَ فينا
ثنائي عَلَيْكَ ونُعماكَ فينا / كواكِبُ تشرقُ للعالَميِنا
تَلأْلأَ بالجودِ مِمَّا يَليكَ / عَلَيْهِمْ وبالحمد مِمَّا يَلِينا
جواهِرُ فصَّلْتَها فِي سُلُوكٍ / ملأْنَ الصدورَ ورُقْنَ العيونا
مُبَرِّزَةُ السَّبْقِ فِي الأَوَّلِينا / ومأْثُورَةُ الذِّكْرِ في الآخِرينا
كَسبْقِكَ فِي كلِّ علياءَ حَتَّى / أَضَرَّ غبارُكَ بالسابقِينا
فيا بُعْدَ مَسْرَاكَ للمُدْلِجِينا / ويا قُرْبَ مأْوَاكَ للرائِحينا
فحقّاً إِلَيْكَ رحلْنا المهاري / تُقاسِمُنا جهدَ مَا قَدْ لَقِينا
أَهِلَّةَ سَفْرٍ وقَفْرٍ قَطَعْنا / إِلَيْكَ الشهورَ بِهَا والسِّنِينا
نُلاقِي السُّيوفَ إذا مَا فَزِعْنا / ونُسْقى الحتوفَ إذَا مَا ظمِينا
فطوراً نرى العَيْشَ ظَنّاً كَذُوباً / وطوراً نرى الموت حَقّاً يَقِينا
وحقاً إِلَيْكَ رَكِبْنا الرياحَ / مطايا رحلنا عليها السَّفينا
كَأَنَّ عَلَى لُجَجِ البحرِ منها / هوادِجَ تخفُقُ بالظَّاعِنينا
وللهِ من أُمَّهاتٍ حَنَيْنَ / علينا الظهور وجُبْنَ البطونا
تقودُ المنايا بِهَا حَيْثُ شاءَتْ / وتثني كلاكِلَها حَيْثُ شِينا
خطوباً تباذَلْنَ منَّا نفوساً / جَلَبْنَ لَكَ الحمدَ غَضّاً مَصُونا
فغادَرْنَ أَوْطانَنا عافِياتٍ / وجئْنَ إِلَيْكَ بِنا مُعْتَفِينا
دياراً تسُحُّ عَلَيْها الدُّموعَ / وَفِيهَا قُتِلْنا وَفِيهَا سُبِينا
وَفِيهَا صدقْنا إِلَيْكَ الرَّجاءَ / وهُنَّ يُرَجِّمْنَ فينا الظُّنونا
أَهِمْنا بِغُرْبَتِنا أَم هُدينا / ومُتْنا بكُرْبَتِنا أَم حَيِينا
فإِن يعجَبِ الدهرُ أَنَّا صَبَرْنا / فأَعجَب من ذاكَ أَنَّا بَقِينا
فهَلْ بُلِّغَتْ عن ركابٍ أَجَرْتَ / بأَنْ قَدْ سَعِدْنَ بما قَدْ شقِينا
وأَنَّى انتحَيْنا إِلَيْكَ المَطِيَّ / كما قصفَ العاصِفاتُ الغصونا
دأَبْنَ كجِدِّكَ حزماً وعزماً / وعُدْنَ كَحِلمِكَ عطْفاً ولِينا
وأَنَّكَ حيَّيْتَها بالحياةِ / وأَمَّنتها فِي ذَرَاكَ المنونا
وأَوطَأْتَها البِرَّ حَتَّى سكَنَّ / وسَقَّيْتَها الجودَ حَتَّى رَوِينا
فأَرضَيْتَ رَبَّكَ فِي ابْنِ السَّبيلِ / وَفِي العائِلِينَ من المسلمينا
وأَحيَيْتَ فِي الأَرضِ فَضْلاً وعدلاً / وعطفاً وعُرفاً ودُنيا ودِينا
ودائِعُ للهِ فِي الرَّوْضِ ضاعَتْ / وكُنتَ عليها القويَّ الأَمينا
فوَفَّاكَ عنَّا الجزاءَ الجزيلَ / ولقَّاكَ مِنَّا الثناءَ الثمينا
وبوَّأَنا منك جنَّاتِ عطْفٍ / جزاكَ بِهَا جَنَّةَ الفائِزِينا
حدائقُ من غَرْسِ يمناكَ وَقْفاً / عَلَى الرائِحينَ أَوِ الطَّارِقِينا
كفيلٌ بأَثْمارِها كلَّ حينٍ / غيوثُ سمائِكَ حِيناً فَحِينا
وأَزْهَرُها منكَ للناظرينا / وأَبهَرُها عنكَ للسَّامعينا
نُفَجِّرُها نَهَراً حَيْثُ كنَّا / ونأْكلها رَغَداً حَيْثُ شِينا
ذرَا جنَّةٍ كَتَبَ اللهُ فِيهَا / لِمَنْ شَرَّدَ الخوفُ حظَّاً مُبِينا
وزادَتْ بِعَدْلِكَ أُكْلاً وظِلّاً / فزادَتْ عَلَى أَمَلِ الآمِلينا
رأَيْتَ لنا موضِعَ الحقِّ فِيهَا / بما قَدْ أَرَتْكَ المقادِيرُ فِينا
فنادى نَدَاكَ بِهَا نَحْوَها / سلامٌ لكُمْ فادْخُلُوا آمنينا
لكُمْ ذمَّةُ اللهِ فِي صدقِ عَهْدِي / فلا خائِفِينَ ولا مُخْرَجِينا
فظلَّتْ تُنَفِّسُ عن رُوحِها / غريباً سليباً ونِضْواً حزينا
وتُبْرِدُ من حَرِّ نار السيوفِ / ونارِ الهواجِرِ مَا قَدْ صَلِينا
فنَسْلى بِهَا عن ديارٍ نَأَيْنَ / ونَغْنى بِهَا عن مَغانٍ غَنينا
وبُلْغَةُ عيشٍ لمن قَدْ سَتَرْتَ / ضعافَ البناتِ وشُعْثَ البَنِينا
نُعَلِّلُهمْ بِجَنى روضِها / إذَا أَوْحَشَتْهُمْ عطاياكَ حِينا
ونشفِي بِهَا بَثَّ مَا قَدْ أَصَبْنا / ونأْسُو بِهَا جُرْحَ مَا قَدْ رُزِينا
وفخراً لنا منكَ سارَتْ بِهِ / رِكابُ التِّهامِينَ والمُنْجدِينا
وبُشْرَى أَخْلَّ بِهَا الشاكرونَ / إِلَى من فُجِعْنا من الأَقْرَبِينا
فما راعَنا غيرُ قولِ الخبيرِ / يُذَكِّرُنا أُسْوَةَ المؤْتَسِينا
بآدَمَ إِذ أَخرجَتْهُ الغُوا / ةُ من جَنَّةِ الخلدِ مُسْتَظْهِرينا
ببَغيِ حَسودٍ لَهُ طالِبٍ / كما قَدْ لَقينا من الحاسِدِينا
فها نَحْنُ أَقْعَدُ هَذَا الأَنامِ / بِمِيرَاثِها مِثْلَها عن أَبينا
وهاتِيكَ جَنَّتُنا والتي / حَبانا بِهَا سيِّدُ المنعمينا
وأَبْيَنُ آياتِنا أَنَّنا / حلَلْنا لديهِ المكانَ المكينا
ومن شَكَّ فِي حظِّنا من رِضاهُ / فَتِلْكَ لنا أَعْدَلُ الشاهدينا
قِفوا فاسْمَعُوا هَدَّةَ الأَرْضِ رَجْلاً / ورَكْباً إِلَى نُصْبِها يُوفِضُونَا
وداعي الزِّيادَةِ فِيهَا سميعٌ / مُصِيخٌ إِلَى أَلْسُنِ الزائدِينا
يُجَمْجِمُ فِيهِمْ بأَنْ قَدْ سَخِطْتَ / علينا وأَنَّا من المُبْعَدِينا
لِيَجْلُوَ أَستارَكَ الخُضْرَ عنَّا / ويمحُوَ آثارَكَ الغُرَّ فِينا
وَقَدْ أَسْمَعَ الصُّمَّ فِيهَا مُنادٍ / يؤذِّنُ حَيّ عَلَى الشامِتِينا
فمن هاتِفٍ زائدٍ بالأُلوفِ / لِبَغْيٍ أَراهُ احتقارَ المِئِينا
ومن كاشِحٍ كاشِرٍ قَدْ أَرَتْهُ / أَمانِيهِ مَا ظَنَّ أَنْ لن يكونا
بذي حُرْمَةٍ منكَ أَلْبَسْتَهُ / كرامَةَ أَضيافِكَ المُكْرَمينا
ومن حَلَّ سِتْرَكَ فِي أَهْلِ بيتٍ / بحبلِ وفائِكَ مستمسكِينا
فيا مشهداً سامَني تَحْتَ ظِلِّ / كَ خسفاً وخِزْياً وذلّاً وهُونا
بكُلِّ مُفِيضٍ عَلَيَّ القِداحَ / لِيَقْسِمَ لَحْمِيَ فِي الآكلينا
وكلِّ مُبيحٍ حماكَ العزيزَ / علينا لعاديَة المعتدينا
فَمَدُّوا حبالَهُمُ طامعينَ / وأَلْقَوْا عِصِيَّهُمُ واثِقِينا
ليَهْنِ لَكَ العيدُ الَّذِي بِكَ يَهْنِينا
ليَهْنِ لَكَ العيدُ الَّذِي بِكَ يَهْنِينا / سلاماً وإِسلاماً وأَمناً وتأْمِينا
ولا أُعْدِمَتْ أَسماؤُكُمُ وسماؤكُمْ / نجومَ السُّعودِ والطُّيُورَ الميامِينا
بِمَنْ يَمُنَتْ أَيامُنا وتلأْلأَتْ / بنُور المُنى والمكْرُمَاتِ ليالينا
دعانا وسقَّانا سِجالَ يمينِهِ / فسَقْياً لساقِينا ورعْياً لراعينا
ومُلْكاً وتمْلِيكاً وفَلْجاً وغبطَةً / وعزّاً وإِعزازاً ونصراً وتمكينا
دعاءٌ لمن عَزَّتْ بِهِ دعوةُ الهُدى / يقُولُ لَهُ الإِسلامُ آمِينَ آمينا
فتىً مَلَكَ الدنيا فَمَلَّكَنا بِهَا / وجاهدَ عنَّا ينصُرُ المُلْكَ والدينا
فقلَّدَ أَعناقَ الأُسودِ أَساوِداً / وحلَّى أَكُفَّ الدَّارِعينَ ثعابينا
وخلَّى القصورَ البيضَ والبِيضَ كالدُّمى / لِبِيضٍ يُكَشِّفْنَ العَمى ويُجَلِّينا
إِذَا مَا كساها من دماءِ عُدَاتِهِ / سَلَبْنَ هواهُ الغيدَ والخُرَّدَ العِينا
وعطَّلَ أَشجارَ البساتينِ واكْتفى / بمُشْتَجِرِ الأَرماحِ منها بساتينا
ليَسْتَفْتِحَ الوردَ الجنيَّ من الطُّلى / ويَشْتَمَّ أرواحَ العُداةِ رياحينا
ويَسْمَعَ من وَقْعِ القَنا فِي نحورِها / حمائِمَ فِي أَغْصانِها وشَفانِينا
يسيرٌ عَلَيْهِ أَنْ يَسيرَ إِذَا الدُّجى / كسا بالجِلالِ البيضِ أَفْراسَهُ الجُونا
سرى ليلَ كانونَينِ لَمْ يَدَّخِرْ لَهُ / سوى الجَوِّ كِنَّاً والنجومِ كوانينا
قريبٌ وَمَا أَدناهُ من صارِخِ الوغى / بعيدٌ وَمَا أَدْنى لَهُ صوتَ داعِينا
وإِن شئتَ لَمْ تعدمْكَ غُرَّةُ وجهِهِ / أَناسِيَّ من أَحداقِنا ومآقِينا
ومثواهُ فِي الأَرواحِ وسطَ صدورِنا / ومجراهُ فِي الأَنفاسِ بَيْنَ تراقِينا
ونعم كفيلُ الشَّمْسِ حاجِبُها الَّذِي / يشيِّعُنا فِيهَا ويَخْلُفُها فينا
يطالعنا فِي نورِها فيعُمُّنا / ويسمو لَنَا فِي شِبْهِهَا فَيُسَلِّيِنا
وصدَّقَ فينا ظَنَّها حينَ صدَّقَتْ / سحابُ نداهُ مَا النفوسُ تُمَنِّينا
وَقَدْ أَثمرَتْ فينا يداهُ بأَنْعُمٍ / تساقَطُ فِي أَفواهِنا قبلَ أَيدينا
وذكَّرَ منه الصومُ والفطرُ هَدْيَهُ / وجمعُ المصلَّى وابتهالُ المصلِّينا
ومقعدُهُ فِي تاجِهِ وسريرِهِ / ليومِ السَّلامِ وازدحامِ المُحَيِّينا
فَمُلِّيتُمُوها آلَ يَحْيى تَحِيَّةً / تُحَيَّوْنَ بالملكِ التَّليدِ وتُحيُونَا
وتُرْجَوْنَ للجُلَّى فنِعْمَ المُجَلُّونَا / وتُدْعَوْنَ للنُّعمى فنعمَ المُجِيبونا
تُشَرِّدُ آفاقُ البلادِ فتُؤْوونا / وتَجْرَحُ أَيدِي النائِباتِ فتَأْسُونا
تُدَاوونَ من ريبِ الزمانِ فتَشْفَوْنا / وتسقُونَ من كَأْسِ الحياةِ فتُرْوونا
حُفاةُ المحزِّ فِي عظامِ عُدَاتِكُمْ / ولكِنْ عَلَى الإِسلامِ هَيْنُونَ لَيْنُونا
فلَوْ لَمْ تَلُونا مالِكينَ لكنتُمُ / بأَخْلاقِكُم ساداتنا وموالينا
ولم لَمْ نكُنْ فِي حمدِكم كَيْفَ شئتُمُ / لكنتُمْ لَنَا فِي الصَّفْحِ عنَّا كَمَا شِينا
وحُبُّكُمُ فِي اللهِ أَزكى فعالنا / وطاعتكم فِي اللهِ أَعلى مساعينا
عِيدٌ ووعدٌ صادقٌ لَكَ بالمُنى
عِيدٌ ووعدٌ صادقٌ لَكَ بالمُنى / ولمن شِنِئْتَ وعيدُ صدقٍ بالقَنا
ومُبَشِّرُ الأَيامِ أن تبقى لَهَا / ومبشّرُ الإِسلامِ أن تبقى لَنَا
ولمن مُناهُ أَنء تعيشَ مؤيِّداً / ومؤَيَّداً ومؤمِّناً ومؤمَّنا
ومعظَّماً ومكرَّماً ومحكَّماً / ومسلَّماً ومغنَّماً وممكَّنا
ولعِزِّ مُلْكٍ أنت أكرمُ من نَمى / ولضَنِّ دهرٍ أَنت أَنْفَسُ مَا اقْتَنى
ممَّا نَمى قحطانُ أَكرَمِ نبعَةٍ / مهتزَّةِ الأَغصانِ دانيةِ الجَنى
غنَّاءَ تشدُو من خلائِقِها بِهَا / طيْرٌ تَغَنَّى لِلخَلائِقِ بالغِنى
ولربَّما كانت فروعُ غصونِها / قُضباً مِنَ الهِنْديِّ أَوْ لَدْنَ القنا
أهوى إِلَى الأَعداءِ من عَلَقِ الهوى / وأَدَبُّ فِي مُهَجِ الضَّلالِ من الضنى
لفتىً لَهُ فِي كِسْفِ كل عَجاجَةٍ / قُبَبٌ عَلَى عَمَدِ الخوافِق تبتنى
واختالَ فِي لبسِ الوغى حَتَّى غَدا / منه السناءُ يميس فِي حُلَلِ السَّنا
أَعْدى إِلَى الأَعداءِ من سَهْمٍ رَمَى / عن ملكِهِ وأَحَنُّ من قوسٍ حَنى
حَذِرٌ عَلَى الإِسلامِ أَيْسَرَ مَا اتَّقَى / هَدَرٌ لَهُ فِي الشِّرْكِ أَعظمُ مَا جَنى
بمناقِبٍ نُظِمَتْ جواهِرَ للوَرى / مَا أَجْمَلَ الدنيا بِهِنَّ وأَزينا
ومقادِمٍ فِي يومِ كلِّ كرِيهةٍ / مَا أَقربَ الدنيا لَهُنَّ وأمكنا
حَفِظَ الحياةَ فكانَ أَوْلى باسْمِها / وسَما إِلَى الظَّفَرِ المُعَلَّى فاكتنى
واجتابَ أَثْوابَ النُّهى حَتَّى غَدَتْ / شِيَمُ المكارِمِ كُلُهُنَّ لَهُ كُنى
وسعى إِلَى نيلِ المنى فكأنما / كانت مساعيهِ أَمانِيَ للمُنى
ودَنَتْ لَهُ الآمالُ حَتَّى خيَّلَتْ / أَنَّ النجومَ لَهُ ثمارٌ تُجْتَنى
وتَوالَتِ الأَعيادُ من نعمائِهِ / مَا ينقضي عيد لَنَا إِلّا انثنى
فكأَنَّ هَذَا العيدَ عادَ مُشَكِّكاً / أَنَّا عنِ الأَعيادِ غَيْرَكَ فِي غِنى
أَو غارَ من أَعيادِنا بِكَ فالْتَوَى / بمداهُ حَتَّى كادَ يلحَقُهُ الوَنى
فلَيهْنِ عيدَكَ يَا مُظَفَّرُ شيمةٌ / من عطفِكَ الْتَأَمَتْ بِهِ حَتَّى دنا
وليهنِنا هَذَا وتِلْكَ وبعدَها / ورضاكَ فِي الأَيامِ أَهنأُ مَا هَنا
واسعَدْ بعيدٍ طالما أَعْدَيْتَهُ / عَوْداً بإِحسانٍ فعادَ فأَحسنا
أهدى إِلَيْكَ سلامَ مَكَّةَ فالصَّفَا / فمعالِمِ الحَرَمِ الأَقاصِي فالدُّنا
فمواقِفِ الحجَّاجِ من عَرَفاتِها / فالمَنْحَرِ المشهودِ من شِعْبَيْ مِنى
ومناسِكٍ شاقَتْ مساعِيكَ الَّتِي / أَحْذَيْتَها منها المِثالَ الأَبْيَنا
فَغَدَا نداكَ يُهِلُّ فِي شَرَفِ العلا / لَهِجاً يُلَبِّي ليتَنا ولعلَّنا
وخَلَفْتَ سعْيَ المروتَيْنِ مُعاقِباً / بَيْنَ الندى والبأْسُ سعياً مَا وَنى
ورميتَ بالجَمَراتِ من بَدْرِ اللُّهى / ونَحَرْتَ بُدْنَ العُرْفِ كُوماً بُدَّنا
وغدوتَ تُهدِي للمصلَّى جحفلاً / لسيوفه خَضَعَ الصليبُ وأَذعنا
تهوِي عليها للبنودِ سحائبٌ / بخفوقِها سكنَ الشقاقُ وأَسْكَنا
جُنُحاً إِلَى أَرضِ العداةِ تغيُّظاً / وجوانِحاً للمسلمينَ تَحَنُّنا
فأَرَيْتَ هَذَا العيدَ عِزَّةَ مالكٍ / متذلِّلاً لإِلهِهِ مُتَدَيِّنا
ورآكَ فِي هَدْيِ الصَّلاةِ مُكَبِّراً / ومهلِّلاً وبحمدِ ربِّكَ مُعلِنَا
فرآك وسْطَ الخيل أحسن مَا رأى / حسناً ووسطَ الخيرِ منه أَحْسَنا
ورأَى جبينَكَ للرِّياسَةِ فِتَنْةً / ورأَى يمينَكَ بالمحامِدِ أَفْتَنا
ثُمَّ انصرفْتَ عن الصلاةِ مشيَّعاً / ومقدَّراً فيكَ الهدى ومُكَوَّنا
والأرضُ تُشْرِقُ دارِعاً ومُغَفَّراً / والسُّبْلُ تَشْرَقُ داعِياً ومُؤَمِّنا
فثنيتَ أَجيادَ الجيادِ مُعَرِّجاً / وثَنَيْتَ سَمْعَكَ نحوَ أَلسِنَةِ الثَّنا
في مشهدٍ أَنْدى نَدِيٍّ بالنَّدى / وأَحقَّ بالمِنَنِ الجزيلةِ لِلْمُنى
والعِيدُ يُقْسِمُ مَا رأى أَهْدى الهُدى / والمُلْكَ جامِعَ شمْلِهِ إِلّا هُنا
فلئِنْ رأَى فِي الدهرِ جَوْهَرَ سؤْدُدٍ / من بعدِها فقدِ اسْتَبانَ المَعْدِنا
وليَعْمُرَنَّ بذكرِ مجدِكَ أَعصُراً / ويُبَشِّرَنَّ بطولِ عمرِكَ أزمنا
يا مُدْنِيَ الأملِ البعيدِ وإِنْ نَأَى / ومُبَعِّدَ الخطبِ الجليلِ وإِن دَنا
ومُسَلِّيَ الغرباءِ عن أَوْطانِهِمْ / حَتَّى تَبَوَّأَ كلَّ قلبٍ موطِنا
ومنِ احْتَذَى من كلِّ بانٍ للعُلا / مَثَلاً وَلَمْ يُغْفِلْ عِمارَةَ مَا بَنى
حسبي رسولُ اللهِ فيكم أُسْوَةً / إِذ عاد من مُضَرِيِّكُمْ فَتَيَمَّنا
قَلِقَتْ بِهِ أَوْطانُهُ من ظاعِنٍ / لَمْ يُلْفِ فِي عدنانَ عنكمْ مَظْعَنا
فاختارَكُمْ ربُّ السماءِ لحِرْزِهِ / ولِعِزِّهِ ولِحِزْبِهِ أن يُفْتَنا
ولرَحْلِهِ ولأَهلِهِ أَحْبِبْ بِهِ / سكناً لكُمْ وبكمْ إِلَيْهِ مَسْكَنا
فوفيتمُ ورعيتمُ وسعيتمُ / وحميتمُ الإِسلامَ حَتَّى استَيْقَنا
وبذلتمُ عنه نفوساً حُرَّةً / لإِبائِها دانَ الضلالُ ودُيِّنا
وسللْتُمُ منها سيوفاً بَرَّةً / بمضائِها بانَ اليقينُ وبَيَّنا
فبها ضَرَبْتُمْ كلَّ موهوبٍ عَتا / وبها فَكَكْتُمْ كلَّ مَرْهَونٍ عَنا
وبها شَفَيْتُمْ قَرْحَ دهرٍ عَضَّنا / وبها جَلَوْتُمْ خطبَ ضَرٍّ مَسَّنا
وبها بلغْتُكَ يَا مُظَفَّرُ مُسْهِلاً / فِي كلِّ لامعةِ السرابِ ومُحزِنا
وبها وَصَلْتُ ظلامَ ليلٍ هادياً / بسناكَ لي وصباحَ هَمٍّ مُدْجِنا
ظُلَمٌ كَأَنَّ نجومَها وبدورها / بعثَتْ علينا للحوادِثِ أَعْيُنا
وطوارِقٌ كانت أَضاليلُ الفلا / والبحرِ فِي الظلماءِ منها أَهونا
حَتَّى بلغتُ بك المُنى إِلّا الحَصى / إِذ لَمْ تُقَيَّضْ لي بشكرِكَ أَلْسُنا
ولسبعةٍ مع مثلِهِمْ أَنا كَلُّهُمْ / فِي النَّائِباتِ وَلَيْسَ كُلُّهُمُ أَنا
فاسلَمْ لهمْ وليَهْنِهِمْ منكَ الرِّضا / ولْيَهْنِكَ الأَملُ البعيدُ ويَهْنِنا
ولتَفْدِ نفسَكَ يَا مُظَفَّرُ أَنفُسٌ / مِنَّا متى تَغْلِقْ بِرَهْنٍ تفدِنا
بنَدىً إِذَا غَصَّ الغمامُ يَعُمُّنا / ويدٍ إِذَا شعِثَ الزمانُ تلُمُّنا
فالله يعصِمُها ويعصِمُنا بِهَا / ويقِي البلادَ بِهَا ويفديها بِنا
شَوْقٌ شديدٌ ووصلٌ من حَبيبَيْنِ
شَوْقٌ شديدٌ ووصلٌ من حَبيبَيْنِ / فلَيْتَ شِعْرِيَ مَا خَطْبُ العَذُولَيْنِ
وليت شِعْرِيَ إِذْ لاما وشِعْرَهُما / أَفِي السُّوَيدَاءُ من قَلْبِي ومن عَيْنِي
وهل أُمَكّنُ من أُذْنَيَّ عَذْلَهُما / فِيهَا إِذَا قامَ عُذْرِي فِي العِذارَيْنِ
وَقَدْ تَعَبَّدَنِي ربُّ الهوى فَبِهِ / أَعوذُ من مُشْرِكٍ فِيهِ إِلهَيْنِ
وَلَيْسَ ذنبِيَ عندَ العاذِلينَ سِوى / أَنِّي أُرى فِي رِضاهُ ثانيَ اثْنَيْنِ
وكم طَلَبْتُ بِهَا الأَيَّامَ مجتهداً / طِلابَ ربِّ نَفيسِ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ
وكم بَذَلْتُ لَهَا فِي الشَّوْقِ مكتئِباً / غُروبَ جفنَيْنِ مَا تشكُو من الأَيْنِ
بدمعِ عينٍ أَبى مَا فِي الضميرِ لَهُ / حَتَّى يُصَيِّرَهُ دمعاً بلا عَيْنِ
لَكَ البُشْرَى ودُمْتَ قريرَ عَيْنِ
لَكَ البُشْرَى ودُمْتَ قريرَ عَيْنِ / بشأْوَيْ كوكَبَيْكَ النَّاقِبَيْنِ
مليكَيْ حِمْيَرٍ نَشَآ وشَبَّا / بتيجانِ السَّناءِ مُتَوَّجَيْنِ
صَفِيَّي مَا نَمَتْ عُلْيَا مَعَدٍّ / وسِبطَيْ يَعْرُبٍ فِي الذِّرْوَتَيْنِ
وسَيْفَيْ عاتِقَيْكَ الصَّارِمَيْنِ / وطودَيْ مفخَرَيْكَ الشامِخَيْنِ
هُما للدينِ والدنيا مَحَلّاً / سُوَيْدَاوَاهُما فِي المُقْلَتَيْنِ
نَذَرْتَهُما لدينِ اللهِ نَصْراً / فَقَدْ قاما لنَذْرِكَ وَافِيَيْنِ
وَمَا زالا لَدَيْكَ ولَنْ يَزَالا / بأَعباءِ الخلافَةِ ناهِضَيْنِ
شَرَائِعُ كُنْتَ مُبْدِعَها وَكَانَا / عَلَى مسعاكَ فِيهَا دائِبَيْنِ
وقاما فِي سماءِ عُلاكَ نُوراً / وإِشْرَاقاً مقامَ النَّيِّرَيْنِ
فحاطَ الملكَ أَكْلأُ حائِطَيْنِ / وحَلَّ الدينُ أَمنَعَ مَعْقِلَيْنِ
بحاجِبِ شَمْسِ دَوْلَةِ عبدِ شَمْسٍ / وسيفِ اللهِ منها فِي اليَدَيْنِ
وناصِرِها الَّذِي ضَمِنَتْ ظُباهُ / حِمى الثَّغْرَيْنِ منها الأَعْلَيَيْنِ
غَذَوْتَهُما لِبانَ الحربِ حَتَّى / تَرَكْتَهُما إِلَيْها آنِسَيْنِ
وَمَا زالا رَضِيعَيْها عَوَاناً / وبِكْراً ناشئَيْنِ ويافِعَيْنِ
فما كَذَبَتْ ظنونُكَ يومَ جاءا / إِلَى أَمَدِ المكارِمِ سابقَيْنِ
ولا خابَتْ مُناكَ وَقَدْ أَنافا / عَلَى رُتَبِ المعالي سامِيَيْنِ
ولا نُسِيَتْ عهودُ الحارِثَيْنِ / ولا ضَاعَتْ وصايا المُنْذِرَيْنِ
ولا خَزِيَتْ مآثِرُ ذِي كَلاعٍ / ولا أَخْوَتْ كواعِبُ ذِي رُعَيْنِ
ولمَّا اسْتَصرَخَ الإِسلامُ طاعا / إِلَى العاداتِ منكَ مُلَبِّيَيْنِ
كما لَبَّيْتَهُ أَيَّامَ تلقَى / سيوفَ عُداتِهِ بالرَّاحَتَيْنِ
تراثٌ حزتَ مفخَرَهُ نِزاعاً / إِلَى أَبناءِ عَمِّكَ فِي حُنَيْنِ
وقدتَ زمامَهُ حِفْظاً ورَعْياً / إِلَى سِبْطَيْ عُلاكَ الأَوَّلَيْنِ
فيا عِزَّ الهُدى يومَ اسْتَقَلّا / لحزبِ اللهِ غَيْرَ مُوَاكِلَيْنِ
ويا خِزْيَ العدى لما استَتَمَّا / إِلَيْهِمْ بالكتائِبِ قائِدَيْنِ
وَقَدْ نَهَدَا بأَيمَنِ طائِرَيْنِ / وَقَدْ طَلَعَا بأَسْعَدِ طالِعَيْنِ
وَقَدْ جاءَتْ جُنودُ النصرِ زحفاً / تلوذُ بظلِّ أَكرمِ رايتَيْنِ
كتائِبُ مثل جُنحِ الليلِ تَبْأَى / عَلَى بدرِ الظلامِ بِغُرَّتَيْنِ
بكُلِّ مُقَضْقِضِ الأَقرانِ ماضٍ / كَأَنَّ بثوبِهِ ذا لِبْدَتَيْنِ
فتىً وَلَدَتْهُ أَطرافُ العَوَالِي / ومُقْعِصَةُ المنايا تَوْأَمَيْنِ
كَأَنَّ سِنَانَهُ شِيعيُّ بَغْيٍ / تَقَحَّمَ ثائِراً بِدَمِ الحُسَيْنِ
وكُلِّ أَصَمَّ عَرَّاصِ التَّثَنِّي / وذِي شُطَبٍ رقيقِ الشَّفْرَتَيْنِ
كَأَنَّهُما وليلُ الحربِ داجٍ / سَنا بَرْقَيْنِ فِيهَا خاطِفَيْنِ
أَمَا وسَناهُما يومَ اسْتَنارا / بنورِ الأَبلَجَيْنِ الأَزهرينِ
وراحَا بالمنايا فاسْتَباحا / ديارَ لَمِيقُ غيرَ مُعَرِّدَيْنِ
وَقَدْ جاشَتْ جُيوشُ الموتِ فِيهَا / بأَهْوَلَ من توافي الأَيْهَمَيْنِ
كَأَنَّ مَجَرَّةَ الأَفلاكِ حَفَّتْ / بِهَا محفوفَةً بالشِّعْرَيَيْنِ
وَقَدْ زُمَّتْ رِكابُ الشِّرْكِ منها / إِلَى سَفَرٍ وَكَانَا الحادِيَيْنِ
وناءا بالدماءِ عَلَى رُباها / حَياً للدِّينِ نَوْءَ المِرْزَمَيْنِ
لعزم موفَّقين مسدَّدَيْنِ / وبأس مؤيدين مظفَّرَيْنِ
وَقَدْ خَسَفا كُرُنَّةَ بالعَوَالِي / و بُوغَةَ بادِئَيْنِ وعائِدَيْنِ
لقد زَجَرَ الهُدى يومَ استطارا / إِلَى الأَعداءِ أَيْمَنَ سانِحَيْنِ
وشامَ الكفرُ يومَ تَيَمَّمَاهُ / بجندِ الحَقِّ أَشْأَمَ بارِقَيْنِ
فتلكَ مصانِعُ الأَمنِ اسْتَحالَتْ / مصارِعَ كُلِّ ذي خَتْرٍ ومَيْنِ
لغاوٍ سَلَّ سيفَ النَّكْثُ فِيهَا / كما نَعَبَ الغرابُ بيومِ بَيْنِ
فأَضْحَتْ منه ثانِيَةً لِحَزْوى / ووَلَّى ثالِثاً للقارِظَيْنِ
تنادِيهِ المعاهِدُ لَيْتَ بَيْنِي / وبينَكَ قَبْلُ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ
لئِنْ وَجَدَتْهُ أَشْأَمَ من قُدارٍ / لقد عَدِمَتْهُ أَخْيَبَ من حُنَيْنِ
سَليبَ المُلْكِ مُنْبَتَّ الأَمانِي / وفَقْدُ العِزِّ إِحْدى المِيتَتَيْنِ
طريدَ الرَّوْعِ لَوْ حَسِبَ الزُّبانى / تلاحِظُهُ لَغارَ مع البُطَيْنِ
وكلُّ مُخادِعٍ لَكَ لم يُخَادِعْ / حُسامَكَ منه حَسْمُ الأَخْدَعَيْنِ
هَوَتْ بِهِمُ مَوَاطِئُ كُلِّ غَدْرٍ / إِلَى أَخْزى موارِدِ كُلِّ حَيْنِ
لسيفٍ لا تَقِي حَدَّاهُ نَفْساً / تَرَاءى من وراءِ الصَّفْحَتَيْنِ
فباءَ عِداكَ من خُلفِ الأَمانِي / ومن فَقْدِ الحياةِ بِخَيْبَتَيْنِ
فللإِشراكِ كِلْتا الخِزْيَتَيْنِ / وللإِسلامِ إِحْدى الحُسْنَيَيْنِ
مغانِمُ لا يُحيطُ بِهِنَّ إِلّا / حسابُ الكاتِبَيْنِ الحافِظَيْنِ
كَأَنَّ الأَرضَ جاءَتْنَا تَهادى / بِوَجْرَةَ أَوْ بِشِعْبَيْ رَامَتَيْنِ
بكُلِّ أَغَرَّ سامِي الطَّرْفِ غُلَّتْ / يداهُ للإِسارِ بيارِقَيْنِ
وأَغْيَدَ أَذْهَلَتْ سَيفاكَ عَنهُ / هَرِيتَ الشِّدْقِ عَبْلَ السَّاعِدَيْنِ
فيا سُمْرَ القَنا زَهْواً وفخراً / بَيْنَ الجَحْفَلَيْنِ
ويا قُضُبَ الحديدِ خَلاَكِ ذَمٌّ / بما أَحْرَزْتِ من قَصَبِ اللُّجَيْنِ
بطَعْنِ الأَكرَمَيْنِ الأَجْوَدَيْنِ / وضربِ الأَمجَدَيْنِ الأَنْجَدَيْنِ
فلِلَّهِ المنابِرُ يومَ تَبأَى / بفتحٍ جاءَ يتلُو البُشْرَيَيْنِ
لئِنْ كَانَ اسمُهُ فِي الأَرضِ فَتْحاً / فَكُنْيَتُهُ تمامُ النِّعمتَيْنِ
فتوحٌ عَمَّتِ الدنيا وذَلَّتْ / لَهُنَّ رقابُ أَهلِ الخافِقَيْنِ
وخَرَّ لَهَا الصليبُ بكلِّ أَرضٍ / صريعاً للجبينِ ولِلْيَدَيْنِ
مآثِرُ عامِرِيَّينِ اسْتَبَدَّا / لساحاتِ المكارِمِ عامِرَيْنِ
وهِمَّاتٌ تَنازَعُ سابِقاتٍ / إِلَى ميراثِ مُلْكِ التُّبَّعَيْنِ
هما شمسا مفارِقِ كلِّ فخْرٍ / فَخَلِّ سَناهُما والمَغْرِبَيْنِ
وبحرَا الجودِ ليثا كلِّ غابٍ / فَكِلْ عَدْوَيْهِمَا بالعُدْوَتَيْنِ
ويا قُطْبَ العُلا مُلِّيتَ نُعْمى / تَمَلّاها بقُرْبِ الفَرْقَدَيْنِ
فَقُرَّةُ أَعيُنِ الإِسلامِ أَلّا / تزالَ بمَنْ وَلَدْتَ قَريرَ عَيْنِ
لِتَهْنَئْ سلامتُكَ المسلمينا
لِتَهْنَئْ سلامتُكَ المسلمينا / وتَفْدِكَ أَنْفُسُهُمْ أَجمعينا
فقد صَدَّقَ اللهُ مَا يرغبونا / وَقَدْ حقَّقَ الله مَا يأْمَلُونا
غَزَوْتَ فأُعطِيت نَصْراً عزيزاً / وصُلْتَ فَوُفِّيتَ فتحاً مُبينا
بسيفٍ ضربتَ بِهِ فِي الإِلَهِ / فأَعْزَزْتَ ملكاً ودُنيا ودِينا
وبَلْدَةِ شِرْكٍ تَيَمَّمْتَها / فغادَرْتَها آيَةَ السَّائِلِينا
ودائِعُ مجدٍ تَقَلَّدْتَها / فكُنتَ عليها القوِيَّ الأَمينا
نهضتَ فأَرْضَيْتَ مِنَّا النفوسَ / وأُبْتَ فأَقْرَرْتَ مِنَّا العُيُونا
فما خَيَّبَ اللهُ فيكَ الرجاءَ / وَلا كذَّبَ الله فيك الظُّنونا
فأُبقِيتَ حِصناً منيعاً رفيعاً / ودُمْتَ كريماً عزيزاً مَكينا
هَرَبْنا إِليكمْ فآوَيْتُمُونَا
هَرَبْنا إِليكمْ فآوَيْتُمُونَا / وخفْنا الحُتُوفَ فأَمَّنْتُمُونا
وشَرَّدَنا السَّيْفُ من أَرْضِنا / سِراعاً إِلَيْكمْ فَآسَيْتُمُونا
وهَوَّنَ أَقْدارَنا الإِغْتِرابُ / عَلَى كُلِّ خَلْقٍ فأَكْرَمْتُمُونا
وأَوْحَشَنا الدَّهْرُ فِي كُلِّ بَرٍّ / وَفِي كل بحرٍ فأَنَّسْتُمونَا
وكم قَدْ دَعَوْنا قريبَ الدِّيارِ / وأَنتُمْ عَلَى البُعْدِ لَبَّيْتُمونا
وقابَلْتُمُ دُونَنا المُعتَدِينَ / ونحنُ بأَسوارِكُمْ عائِذُونا
ولاقَيْتُمُ البيضَ والسُّمْرَ عَنَّا / ونحنُ بِعَقْوَتِكُمْ آمِنُونا
فأَسْرَيْتُمُ الليلَ حِفْظاً لنا / ونحنُ عَلَى فُرْشِكُمْ نائِمُونا
وبالأَمسِ وَدَّعتُمونا كِراماً / وأُبْتُمْ إِلَيْها فَبَشَّرْتُمونا
بأَفْرَحِ بُشْرَى تَسُرُّ النُّفوسَ / وأَعْظَمِ فَضْلٍ يُقِرُّ العُيونا
بأَنَّا نَعودُ لأَوطانِنا / وَقَدْ كَانَ يُحسَبُ أَلّا يَكونا
فجازَاكمُ اللهُ عن سَتْرِنا / بأَفْضَلِ مَا جُوزِيَ المُحْسِنُونا
وآواكُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ / مُقارَضَةً حِينَ آوَيْتُمونَا
ما كُفْرُ نُعْماكَ من شأْني فَيَثْنِيني
ما كُفْرُ نُعْماكَ من شأْني فَيَثْنِيني / عَمَّنْ توالى لنصرِ الملكِ والدّينِ
ولا ثنائي وشُكري بالوفاءِ بما / أولَيْتَني دونَ بذْلِ النفسِ يكفيني
حَقٌّ على النَّفْسِ أن تَبْلى ولو فَنِيتْ / في شكرِ أيسرِ ما أضحيتَ تُوليني
ها إنَّها نعمةٌ ما زالَ كوكَبُها / إليكَ في ظُلُماتِ الخطبِ يَهْدِيني
تَبْأَى بجوهَرِ وُدٍّ غيرِ مُبْتذَلٍ / عِندي وجوهرِ حَمْدٍ غيرِ مكنونِ
وحبذا النأي عن أهلي وعن وطني / من كل بر وبحر منك يُدنيني
وموقفٍ للنَّوى أغلَيْتُ مُتَّأَدِي / فيه وأرخَصْتُ دمعَ الأَعينِ العِينِ
من كلِّ نافِرةٍ ذَلَّتْ لِقَودِ يَدِي / في ثِنْي ما يَدُكَ العلياءُ تَحْبُوني
والحِذْرُ يخفقُ في أحشاءِ والهةٍ / تُرَدِّدُ الشَجوَ في أحشاءِ مَحزونِ
أجاهِدُ الصَّبْرَ عنها وَهيَ غافِلةٌ / عن لَوْعَةٍ في الحشا منها تُناجِيني
يا هَذِهِ كيفَ أُعْطِي الشَّوقَ طاعَتَهُ / وهذهِ طاعَةُ المَنصُورِ تَدْعُوني
شُدِيّ عَلَيَّ نِجادَ السيفِ أجْعَلُهُ / ضجيعَ جنبٍ نبا عن مَضْجَعِ الهُونِ
رَضِيتُ منها وشيكَ الشَّوقِ لي عِوَضاً / وقُلْتُ فيها للَوْعاتِ الأسى بِيني
فإن تَشُجَّ تباريحُ الهوى كَبِدِي / فقد تَعَوَّضتُ قُرْباً منكَ يأْسُرني
وإن يُمِتْ موقفُ التوديعِ مُصْطَبَرِي / فَأَحْرِ لي بدُنُوٍّ منك يُحْيِيِني
أو أفْرَطَ الحَظُّ من نُعماكَ منقلَبٌ / من الوفاءِ بحَظٍّ فيكَ مغْبونِ
وخازنٌ عنكَ نفِسي في هواجِرها / وليس جُودُكَ عن كَفِّي بمخزونِ
وأيُّ ظِلٍّ سوى نعماكَ يُلْحِفُني / أو وِردِ ماء سوى جدواكَ يُرْوِيني
وحاشَ للخيلِ أن تُزْهى عَلَيَّ بها / والبِيضِ والسُّمْرِ أن تَحظى بها دُوني
ورُبَّما كنتُ أمضى في مكارِهِها / قدماً وأثْبَتَ في أهوالِها الجُونِ
من كلِّ أبيضَ ماضي الَغربِ ذي شطبٍ / وكلِّ لَدْنٍ طرير الخد مسنونِ
كذاك شأوي مُفدَّىً في رضاك إذا / سَعَيْتُ فيهِ فلا ساعٍ يُبارِيني
لكن سهامٌ من الأقدارِ ما بَرِحَتْ / على مَراصِدِ ذاك الماء تَرْميني
يَحْمِلنَ للرَّوْعِ أُسداً في فوارِسِها / تَمْدُّ للطَّعْنِ أمثالَ الثَّعابِينِ
والبِيضُ تحت ظِلالِ النَّقْعِ لامعَةٌ / تَغَلغُلَ الماء في ظِلِّ الرَّياحِينِ
حتَّى يَجُوزوا لكَ الأرض التي اعترفتْ / بمُلكِ آبائكَ الشُّمِّ العَرانِينَ
حيثُ اسْتَبَوْا فارِساً والرُّوم واعْتَورُوا / رِقَّ الأساوِرِ منهم والدَّهاقِينِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025