المجموع : 43
طالَ النَوى حتى تقطَّعتِ المُنى
طالَ النَوى حتى تقطَّعتِ المُنى / وضَنيتُ حتى رقَّ لي قلبُ الضَّنى
والقلبُ ضاقَ بوَجدِهِ عن صبرِهِ / حتى يَرُودُ ولا يُصادِفُ مَسكِنا
دُمْ والْقَنا كالبَدرِ يا شبهاً لهُ / في البُعدِ عنَّا والتَنَقُّلِ والسَّنَى
إني على الحالَينِ لا أنساكَ في / عُمري ولو أوشكْتُ أنسى مَن أنا
ولقد ذكرتُكَ فاضطربتُ مهابةً / وطَرِبتُ فاشتُقَّ النُواحُ من الغِنا
فبكيتُ حتَّى ما بكيتُ لِفاقةٍ / من أدمُعي والدَّمعُ يُدرِكُهُ الفَنا
وَوَدِدْتُ لو أبكي البُكاء لأنَّهُ / يشفي القلوبَ ولو أضرَّ الأعيُنا
ولقدْ رَكِبتُ الشِعرَ حتى مَلَّني / ومَلِلتُهُ فأسأْتُ فيهِ وأحسَنا
وخَلائقُ الرُّوح الأمينِ تقودُني / كَرْهاً وتَظلِمُني بإِنشادِ الثَّنا
صِفَةٌ يضيقُ بها الزَّمانُ وهِمَّةٌ / تَرَكتْ بها الأيامُ داءً مُزمِنا
ما كلُ من قالَ القصائدَ شاعرٌ / هيهاتِ يَطعنُ كلُّ من حَمَلَ القَنا
عَزمَ الشِهابُ على النزولِ بموطِنٍ / يوماً فكانَ البُرجُ يَصلُحُ مَوْطِنا
قد صارَ ساحلُ بحرِنا بحراً بهِ / ها مَجمَعُ البحرينِ أصبحَ عِندَنا
لا تحسُدوا مِصراً لفائِضِ نيلها / أَلنيلُ في مِصرٍ وراحتُهُ هُنا
تحيا البلادُ بهِ فلو هنَّأْتَهُ / يوماً بها قالَتْ لنا ولكَ الهنا
شهمٌ إذا أخنى الزَّمانُ بأهلهِ / عَصَمتْهُ نفسٌ لا يُراوِدها الخَنا
وإذا حَوَى الأموالَ كان كتاجرٍ / يبغي النَّفاقَ مُعجَّلاً ما أمكَنا
شَرَفٌ على كَبِدِ الوَدَاعةِ نازِلٌ / ذَهَبَتْ إليهِ مَذَهباً مُستحسنا
ولَطائِفٌ وُصِف النسيمُ بمِثلها / في ظِلِ بأْسٍ قد أرَدنَ تحَصُّنا
يا رُكنَ دَوْلةِ آلَ قيسصٍ قد صَبَت / قَيسٌ على يمنٍ إليكَ تَيَمُّنا
كانت تنُوخُ لها ذِرَاعاً أيسَراً / قِدَماً وكُنتَ لها الذّرَاعَ الأَيمنا
لاذَتْ بساحتِكَ الوُفودُ وأطبَقَتْ / مثلَ ازدِحامِ الحجِّ في وادي مِنَى
فيكَ الرَّجاءُ ومنكَ كلُّ كرامةٍ / وعليكَ كلُّ مُعَوَّلٍ وبكَ الغِنى
لِمَنِ الدَّمعَ بعدَ هذا تَصوُنُ
لِمَنِ الدَّمعَ بعدَ هذا تَصوُنُ / وعلامَ الصبرُ الجميلُ يكونُ
كلُّ حُزنٍ بحَسْبِ كلِّ فقيدٍ / وبحَسْبِ الأحزان يبكي الحزِينُ
وبحسبِ البلاءِ صبرٌ بهِ القلْ / بُ على حَمْل ما بهِ يستعينُ
يُخلَقُ النَّاسُ للشَّقاءِ فما أسْ / عَدَ من لم يُخْلقْ فذاك أمينُ
طالما جَدَّتِ الرّجالُ على الدُّن / يا فغارَت ضِحْكاً عليهِ المَنُونُ
قد أعدّتْ لدهرِها وهْيَ لا تطْ / معُ في يومها فبئِسَ الجُنونُ
كلُّ حَيٍّ يرجو الحياةَ ولو في ال / موتِ وهماً فماتَ وهْوَ ضنينُ
قد أطالت فينا الظُنونُ الأمانيْ / يَ وعندَ القضاءِ صحَّ اليقينُ
عِلّةُ الموتِ لا تُداوى ولا تَح / مِي الرُّقَى منهُ والقنا والحُصونُ
ولَعلّ الدواءَ منهُ سَقامٌ / ولَعلَّ الفِرارَ منهُ كمينُ
ما تُرَى من حِماهُ شَرْبةُ ماءٍ / يَتّقي مَن قَضاهُ كافٌ ونُونُ
حيلةٌ أعيتِ الأنامَ فمات ال / شيخُ عجزاً كما يموتُ الجنينُ
نشتكي شِدّةَ الحياةِ ولا نر / ضى كما لا يرضى الخَلاصَ السجينُ
كلُّنا في الحياةِ يطلبُ أرضاً / شاكَلَتهُ فنحنُ ماءٌ وطينُ
أيها العمرُ طُلْ أوِ اقصُرْ فإني / للمنايا مهما أطلتَ رَهينُ
كلُّ أمرٍ لا بُدَّ منهُ أراهُ / كان قبلاً فلم أخَفْ إذ يكونُ
راحةُ المرءِ تركُ دُنياهُ طَوعاً / فَهْوَ كُرْهاً لتركها سَيَدينُ
خَبّرينا يا أرضُ كيفَ سُلَيما / نُ وعادٌ وأينَ تلكَ القُرونُ
كنتِ مِلكاً لهم فصاروا تُراباً / منكِ ملْكاً لنا بهِ نستهينُ
إِلْفُ هذِي الحياةِ جَدّدَ في الأن / فُسِ أُنساً بها فطالَ الحنينُ
وأنِسْنا بعضاً ببعضٍ فكانت / وَحْشةٌ في القلوبِ حين نَبِينُ
أيها الرَّاحلُ الذي زادُهُ التق / وَى إلى اللهِ والعَفافُ هَجينُ
أنتَ في التُرْب قد دُفِنتَ ولكن / لكَ طيَّ القُلوبِ شخصٌ دفينُ
إن تكن نمتَ نومةَ الدهرِ فالنو / مُ علينا قد حرَّمتهُ الجُفُونُ
ولئن كُنتَ قد بَليتَ فلا يَب / لَى اشتياقٌ ولا تَرِثُّ شُجونُ
يا لكَ اللهُ هل سمعتَ نُواحاً / في الليالي لهُ الصَفاةُ تَلينُ
إن يكن لم تُصب ثَراكَ الغوادي / كُلَّ يومٍ فقد سقَتْهُ العُيونُ
كنتَ لا تُخلِفُ الرَّجاءَ كريماً / وكريماً خابت لَدَيكَ الظنونُ
نحنُ نَبغي لكَ الحياةَ فهل تَر / ضى بدُونٍ وكيفَ يُرضِيكَ دُونُ
كنت في الأرض زاهداً مطمئناً / لم تَبِعْ دارَها وأنتَ غبينُ
لا يُبالي بأُرجُوانٍ وخَزٍّ / من كَسَاهُ عقلٌ وعِرضٌ ودِينُ
قد جمعتَ الدَّارَينِ هذِهْ تولَّت / ها بنانُ اليُسرَى وتلكَ اليمينُ
ومِنَ الناسِ جاهلٌ وحكيمٌ / ومِنَ الدارِ ناصحٌ وخَؤونُ
أتَتْنا وهْيَ سافرةُ الجَبينِ
أتَتْنا وهْيَ سافرةُ الجَبينِ / فلاحَ الوَرْدُ تحتَ اليَاسَمينِ
وحَيَّتْ بالبَنانِ فسالَ دَمعي / فأرسَلها مُخضَّبةَ اليَمينِ
لَعُوبٌ بالقُلُوبِ تَحِلُّ فيها / فَتنزلُ مَنزلَ السِرِّ المَصُونِ
أُشَبِّهُ خالَ وَجْنتِها بنَقْطٍ / وقد شبَّهتُ حاجِبَها بنُونِ
مُمنَّعةٌ تَرُدُّ الكَفَّ عنها / وتَخدَعُ بالمَعاطفِ والعُيونِ
تَدُورُ على النُدامَى من يَديَها / أباريقٌ وكأسٌ من مَعينِ
فَدَيتُكِ غادةً نَخشَى سُيوفاً / لأُسْرَتها فنُقَتلُ بالجُفُونِ
حَسِبنا واوَ صُدغِكِ حرفَ عَطفٍ / على ألفٍ نَراها حرفَ لينِ
رَدَدتِ الشاهدَ المجروحَ قَلْبي / وما تَرضَينَ منّي باليمينِ
رُوَيدَكِ ما وَقَفتِ على إمامٍ / ولا شاهَدتِ دِيوانَ الأمينِ
أمينِ الدَولةِ الغرَّاءِ في ما / يُؤيّدُ رايةَ الحَقِّ المُبينِ
يُدَبّرُ كلَّ قُطرِ الشأمِ حَزْماً / بأوسَعَ منهُ قُطراً في الفُنونِ
لقد ألقى الرَصانةَ فيهِ حَتَّى / تهَابُ الريحُ إقلاقَ الغُصونِ
وهَذَّبَ كُلَّ نفسٍ فاستقامَتْ / على قَدَمِ الوَداعةِ والسُكونِ
رَسولٌ من بني الأتراكِ ظَلَّت / بهِ الأعرابُ تُوَعدُ مُنذُ حينِ
لهُ في مُعجِزاتِ الرأي فَيضٌ / كوَحْيٍ هابطٍ في طُورِ سِينِ
يُقيّدُ كُلَّ آبدةٍ ويَرمي / بِسهْمِ الظَنِّ في كَبِدِ اليَقينِ
إذا ما اعتَلَّتِ الدُّنيا شَفاهَا / طبيبٌ منهُ ذو عقلٍ ودِينِ
أيَا بحراً أتانا فَوقَ بَحْرٍ / مَتَى أبصَرتَ بحراً في سفينِ
صَفَوتَ فلم تُكدِّرْكَ اللّيالي / كأنَّكَ لَسْتَ من ماءٍ وطِينِ
قد أشرقَ النُورُ أكنافِ لُبنانِ
قد أشرقَ النُورُ أكنافِ لُبنانِ / إذ حَلَّ فيها العزيزُ الباذخُ الشانِ
هو السعيدُ الذي ألطافُهُ اشتَهَرتْ / كالصُّبحِ مُستغنِياً عن كلِّ بُرهانِ
مُهذَّبٌ فاقَ في خَلْقٍ وفي خُلُقٍ / كأنهُ مَلَكٌ في جِسمِ إنسانِ
لهُ يليقُ بِساطُ الرِّيحِ في سَفَرٍ / لأنَّهُ ليسَ أدنى من سُليمانِ
يَبيتُ كلُّ وزيرٍ تحتَ رايتهِ / طَوعاً ويَصبُو إليهِ كلُّ سُلطانِ
وحيثُما حلَّ حامتْ حولَهُ زُمَرٌ / كالماءِ حامَ عليهِ كلُّ عَطشانِ
يا زائراً ثغرَ بيروتَ الذي ابتَسَمتْ / لكم ثناياهُ عن أزهار بُستانِ
لو تَقدِرُ الأرضُ لمَّا زُرتَها فَرَشَتْ / قُدَّامكَ الطُرْقَ من دُرٍّ ومَرْجانِ
لِهذا الفَرْقِ دانَ الفَرْقدانِ
لِهذا الفَرْقِ دانَ الفَرْقدانِ / على خَجَلٍ فليسَ الفَرْقُ داني
وهذا القَدُّ تَحسُدُهُ العَوالي / على طَعنٍ يَشُقُّ بلا سِنانِ
بِرُوحي وجَنةٌ لاحَتْ وفاحَتْ / فكانَتْ وَردةً مِثلَ الدِّهانِ
عليها الخالُ قامَ كتاجِ مُلكٍ / فكانَ لها العِذارُ كَصَوْلجَانِ
عِذارٌ خَطَّ بالرَّيحانِ سَطراً / يَشُقُّ على لِسانِ التَرْجُمانِ
كساها سُندُساً خُضراً فألقَى / عَلَيَّ الدَمعُ ثَوبَ الأُرجُوانِ
أقولُ لعاذلي مَهلاً فإنِّي / أرَى الإحسانَ في حُبِّ الحِسانِ
فلَستُ نَظِيرَ صاحِبكُمْ أُوَيسٍ / ولَسْتُ لِصاحبي العُمَريِّ ثاني
شِهابُ الدِّينِ في الدُنيا غنيٌّ / بحُبِّ العِلم عن حُبِّ الغَواني
شِهابُ الدِّينِ في الزَوراءِ نُورٌ / يُضِئُ على أقاصي المَغْرِبانِ
ثوَى أَرضَ العراقِ فكانَ غَيثاً / بهِ تُروَى الأَباعِدُ والأَداني
فغَنَّتْ وُرْقُ لُبنانَ ابتِهاجاً / وقد بَسَمَتْ ثُغورُ الأُقُحوَانِ
أَتاني منهُ تَقريظٌ بديعٌ / تَفَنَّنَ في المعاني والبَيانِ
حَكَى عِقْدَ الجُمانِ وليس كلٌّ / يَلِيقُ بِجِيدِهِ عِقدُ الجُمانِ
على بَلَدِ السَّلامِ وساكِنيِها / سَلامُ اللهِ من غُرَفِ الجُنانِ
أَتوقُ على السَّماعِ إلى حِماها / كما اشتاقَ المُحبُّ على العِيانِ
تُرَى عيني تَرَى مَن لا أَراهُ / كما حَكَمَ القَضاءُ ولا يَراني
لَئِنْ سَمَحَ الزَّمانُ لنا بيومٍ / فذاكَ اليَومُ يَومُ المِهْرَجانِ
مَتَى نرجو الثَباتَ مِنَ الزَّمانِ
مَتَى نرجو الثَباتَ مِنَ الزَّمانِ / وشَطراهُ كأَفراسِ الرِهانِ
يُطارِدُنا بلا قَدَمٍ ويغزُو / بلا سَيف يُسَلُّ ولا سِنانِ
يقودُ الجَيشَ والساعاتُ فِيهِ / هِيَ الأَعوانُ للحربِ العَوانِ
إذا رُمتُ الفِرارَ بهِ فإِنِّي / فَرَرْتُ منَ الطِّعانِ إلى الطِّعانِ
عَرَفنا الدَّهرَ في الحالَينِ قِدْماً / فهانَ بهِ علينا كلَّ شانِ
يمرُّ عليَّ يومُ البُؤسِ فيهِ / كما قد مرَّ يومُ المِهرَجانِ
فِراقٌ واجتماعٌ كُلَّ أَينٍ / ونَوْحٌ وابتِسامٌ كلَّ آنِ
وما هذا ولا هذا بباقٍ / ولكنْ كلُّ ما في الأرضِ فانِ
بِعَيني مَن تَرَى في البُعدِ عيني / وأَحسَبُهُ على بُعدٍ يَراني
دنا منِّي فأَنْأَتْهُ اللَيالي / نأَى عَنّي فأَدنَتْهُ الأَماني
حبيبٌ لا يَلِيقُ اللَومُ فيهِ / نَعَمْ لكنْ تلِيقُ بهِ التَّهاني
وما كُلُّ الأَحِبَّةِ أَهلُ لَومٍ / ولا كُلُّ الهَوى شَرَكُ الهَوَانِ
هُوَ البَدرُ المُنيرُ بَغَى أُفُولاً / فمالَ الصُبحُ نحوَ المَغرِبانِ
رَجَوْنا عَوْدَهُ والشَّهرُ ثانٍ / فلم يَسمَحْ بهِ والعامُ ثانِ
تُذكِّرُنِيهِ لائِحةُ الدَراري / إذا سَطَعَت ورائِحةُ الجِنانِ
وأنِصبُ شَخصَهُ غَرَضاً لعيني / فتَرميهِ بَمدمَعِها الجُمانِ
على تلكَ الدِيارِ لَنا سَلامٌ / نُرَدِدُهُ مع البَرقِ اليماني
وهل يَشفِي السَلامُ غليلَ شَوقٍ / لِصَبٍّ ليس يُشفى بالعيانِ
أتَتْني بلا وَعْدٍ من المَنزلِ الأسنى
أتَتْني بلا وَعْدٍ من المَنزلِ الأسنى / رَبيبةُ خِدرٍ تَجمَعُ الحُسْنَ والحُسنَى
فَرَشْتُ لَها بِيضَ القُصورِ مَطارِفاً / فلم تَرْضَ إلاّ أسودَ القَلبِ للسُكنى
رَقيقةُ مَعنىً صَيَّرَتْني رقيقَها / لِما أبْرَزَت من رِقَّةِ اللّفظِ والمَعْنَى
دَنَتْ فَتَدَلَّتْ دانياتُ قُطوفِها / عليَّ فكانت قابَ قَوْسينِ أو أدنَى
أتَتْنا تَخُوضُ البَحرَ جَاهَدَةَ السُّرَى / من البَحرِ لكنْ صادَفَتْ عندَنا حَزْنا
وَفاتتْ مياهَ النِّيلِ تطلُبُ قفْرةً / تُعيضُ الصَّدَى عن ذلك المَورِدِ الأهنَى
مُخدَّرَةٌ لَميْاءُ غَرْثى الوِشاح لو / رأى قَيْسُ لُبْنى حُسنَها صَدَّ عن لُبْنى
لَقد أُلبِسَتْ ثوبَ البياضِ وَخُتِّمَتْ / عَقيقاً بهِ عن ظَرْفِ أخلاقها يكْنى
عقيلةُ قومٍ زَفَّها اليومَ عاقلٌ / كريمٌ يَشوقُ القلبَ والعينَ والأُذْنا
أتَتْني على بُعدِ المَزارِ تَعُودُني / وقد عَلِمتْ أنّي لوَجْدِي بهِ مُضَنى
كريمُ الثَّنا أثنَى عليَّ بوَصفِهِ / ومَن لي بأنْ أُثْني عليهِ كما أثْنَى
أنا الآلُ لكنْ لا أقولُ غَرَرتُهُ / ولكنَّ عينَ الحُبِّ قد تَخلُقُ الحُسنا
وَجدَنا بهِ الخِلَّ الوفيَّ فلم تكن / عن الغُولِ والعَنقْاءِ أطماعُنا تُثَنى
يَزيدُ على طول الزَّمانِ وِدادُهُ / فينمو نُموَّ الغَرْسِ في الرَوضةِ الغَنَّا
أديبٌ لبيبٌ شاعرٌ ناثرٌ لهُ / جَواهِرُ أبياتُ القَريضِ بها تُبَنى
لَطائِفُ مَعناهُ أرَقُّ منَ الصَبا / وأطرَبُ من صَوتِ الهَزارِ إذا غَنَّى
أصابَتْ يداهُ اليُمنَ واليُسرَ في الوَرَى / فأيَمَنتِ اليُسَرى وأيسَرَتِ اليُمنى
هو العُمَرِيُّ الطَّاهرُ النَسَبِ الذي / تَمتَّعَ بالألطافِ مِنْ مَنِّ مَنْ مَنَّا
ضَمِنتُ لهُ حِفظَ المَوَدَّةِ طائعاً / وأودَعتُ ذاك القلبَ في يدهِ رهنْا
لاحَتْ فقُلنا كوكبُ الصُبحِ بان
لاحَتْ فقُلنا كوكبُ الصُبحِ بان / قالتْ نَعَمْ لكنْ على غُصنِ بانْ
جميلةُ الطَلْعةِ وَضَّاحَةٌ / صارت بها السَبْعُ الدَرارِي ثَمانْ
هَيفاءُ في وَجنْتِها وَردةٌ / يا مَنْ رأى الوَردَ على الخَيْزُرانْ
قد تَلِفَتْ في يَدِها مُهجتي / عَمْداً ولم يَثْبُتْ عليها الضَّمانْ
ما بينَ عَينَيها وأكبادِنا / داهيةٌ بِكرٌ وحَرْبٌ عَوانْ
إذا شَكونا ما لَقينا بها / تَقولُ قد قُدِّرَ هذا فكانْ
في خَدِّها نارُ المَجُوسِ التي / قامَ لَدَيها الخالُ كالمُوبَذانْ
أو نارُ إبراهيمَ مشبوبةً / في مُهَج الحُسَّادِ ذاتِ الدُخانْ
هذا خليلُ اللهِ والناسِ في الدْ / دِينِ وفي الدُّنيا فنِعْمَ القِرانْ
أشَمُّ ماضي العَزمِ ماضي اليَدِ ال / بَيضاءِ ماضي الرأْي ماضي اللِّسانْ
الشَّاعرُ الواري الزِنادِ الذي / تَحكي قوافيهِ عُقودَ الجُمانْ
يَصدَعُ من أقلامِهِ عاملٌ / للحَقِّ فيهِ الهُدَى تَرْجُمانْ
يَستَبِقُ المَعَنى إلى قلبهِ / واللفظُ كالفُرْسانِ يومَ الرِّهانْ
في كلِّ فَنٍّ من بَلاغاتهِ / يَجلُو بَيانُ السِّحرِ سِحرَ البَيانْ
مُهذَّبُ الأخلاقِ مَيمونُها / رَيَّانُ طَلْقُ الوجهِ طَلْقُ البَنانْ
ثَناؤهُ لم يَخلُ منهُ فَمٌ / وذِكرُهُ لم يَخلُ منهُ مَكانْ
رَقَّت معانيهِ ودَقّت كما / رَقَّت نُسَيماتُ الصَّبا في الجِنانْ
يُنسِي جَريراً نَظمُ أبياتِهِ / ونثرهُ يُنسِي بديعَ الزَّمانْ
رَبُّ القوافي المُطرِباتِ التي / سُكري بها لا بِسُلاف الدِّنانْ
تُقيِّدُ القلبَ بأسبابِها / إذا التَقاها الطَرْفُ طَلْقَ العِنانْ
ورُبَّ حَسناءِ المُحيَّا انْجَلتْ / مِثلَ اللآلي في نُحورِ الحِسانْ
ألبَسَها ثَوبَ سَوادٍ به / تاهَتْ فعافَتْ حُلَّةَ الأُرْجُوانْ
يا أُنسَ يومٍ قد أتَتْني ضُحىً / أشَهى من النَيرُوزِ والمِهْرَجانْ
وَهبْتُها عَيني وأُذْني فلم / تَرضَ لها إلاّ صَميمَ الجَنَانْ
يا خيرَ من صامَ وصَلَّى ومَن / قامَ خطيباً وارتَدَى الطَيلْسانْ
إليكَ عَذراءَ سَعَتْ نَحوَكُمْ / بِقَدَمِ الصَبِّ وقلبِ الجَبانْ
خافتْ منَ الذَّنبِ بتَقصيرها / فأقبَلَتْ تَطلُبُ منكَ الأمانْ
رَأى قَصَبَ السِّباقِ بَنُو الزَّمانِ
رَأى قَصَبَ السِّباقِ بَنُو الزَّمانِ / فَجدُّوا مثلَ أفرَاسِ الرِّهانِ
ولكن قلَّ سابِقُهم إليها / كما قَلَّتْ صَناديدُ الطِّعانِ
تَناوَلَ رُتبةَ الفُضَلاءِ بعضٌ / بِراحتِهِ وبَعضٌ باللسانِ
ولو كانَ الكَلامُ يُقيِمُ شأناً / لَكانتْ كُلُّ نَفسِ ذاتَ شانِ
تَفَانى اليومَ أهلُ النَقْدِ حَتَّى / رأينا الزُجَّ قُدَّامَ السِنانِ
فهم لا يَنظرونَ إلى كَلامٍ / ولكن ينظُرونَ إلى فُلانِ
رِجالُ الدَّهرِ مثلَ الدَّهرِ تَمضي / ويُخلَفُ أوَّلٌ منها بِثانِ
فلا يَخلو زَمانٌ من رِجالٍ / ولا تَفنى الرِّجالُ من الزَّمانِ
أصابَ الشِّعرُ نَوْبةَ آلِ عيسى / فأعطاهُمْ نَصيباً في المعاني
لَئِنْ لم يَشرَبوا بِدِنانِ قومٍ / فقد يُرْوى الظَما رَشْحُ الدِّنانِ
وفي بيروتَ غُصنٌ ليسَ يُدعى / بغُصنِ البانِ بل غُصنِ البَيانِ
إذا أُعطي النُموَّ فعن قليلٍ / نَراهُ دَوحةً تُعطِي المَجاني
أتاني بالقريضِ فَتىً شُجاعٌ / يُرنِّحُ مَعْطِفَ الشيخِ الجَبان
تكلَّفَ لي مديحاً لَستُ منهُ / فكانَ كأنهُ خَصمٌ هجاني
فتىً في الصَّدرِ منهُ فُؤادُ كَهْلٍ / وفي بُرْدَيهِ غُصنُ الخَيْزُرانِ
رأينا عِندَهُ خَطَّ القَوافي / وخَطَّ عِذارِهِ يَتَسابقانِ
إذا الآدابُ لم تكُ بالسَّجايا / فلَيسَتْ بالزَّمانِ ولا المَكانِ
وإن أعطَى المُؤَدِّبُ فضلَ علمٍ / فلا يُعطي الحَذاقةَ في الجَنانِ
ولا يُعطِي الفَخارَ أبٌ كريمٌ / إذا طَرَحتْكَ نَفسُكَ في الهَوانِ
فكُنْ من رَهْطِ باهلةٍ أديباً / ولا تَكُ من بني عبدِ المَدانِ
أرِثي ويا ليتَ شِعري مَنْ سَيَرْثيني
أرِثي ويا ليتَ شِعري مَنْ سَيَرْثيني / قد حانَ ذلكَ أم يَبقَى إلى حِينِ
كُلٌّ أسِيرُ المَنايا لا فِدَاءَ لهُ / فيُحسَبُ الحَيُّ مَيتاً غيرَ مدفونِ
قُلْ للذي تاهَ في دُنياهُ مُفتخراً / ضاع افتخارك بين الماء والطينِ
إذا تفقَّدتَ في الأجداث معتبِراً / هناك تنظرُ تيجانَ السلاطينِ
وَيلاهُ من هذِهِ الدُّنيا على خَطَرٍ / فتلكَ أضعفُ مِن زهرِ البساتينِ
نُمسي ونصبحُ في الدُّنيا على خطرٍ / فليسَ يومٌ ولا ليلٌ بمأمونِ
قد مَلَّ قلبي حَياةً لا جَمالَ لها / إلاّ مَشُوباً بتَشويهٍ وتَهْجينِ
قَلبٌ أرَى في دِيارِ الشَّامِ مَنزِلَهُ / وصَبرَهُ في دِيارِ الهِندِ والصِّينِ
في كلِّ يومٍ بَلاءٌ غيرُ مُحتَسَبٍ / ولَوعةٌ بفِراقٍ غيرِ مظنونِ
لم يَترُكِ الدَّهرُ عيناً مِنْ أحبَّتِنا / لكِنَّهُ تَرَك الآثارَ تُشجيني
لَهْفي على ذلكَ البدرِ الذي كَسَفَتْ / جَمَالهُ الأرضُ ولو يَبقَى كعُرْجونِ
من بعِدهِ أظلَمَتْ أبصارُنا فرَأتْ / نهارَ أيلُولَ فيها ليلَ كانونِ
وَيلاهُ كم في صُروفِ الدهرِ من عَجَبٍ / وأنتَ في البحثِ عنها غيرُ مأذونِ
يُعطي ويمَنَعُ لا حَمْدَ الكريمِ ولا / عُذْرَ البَخيلِ ولا حِفظَ القوانينِ
كم سادَ في الدِّينِ والدُّنيا بحوزتَهُ / من ليس يَصلَحُ للدنيا ولا الدِّينِ
ومات من تشتهي الدُّنيا سلامتَهُ / وعاشَ مَن موتُهُ أشْهَى الرَياحينِ
هذا قَضاءُ الذي في عَرشِ قُدْرَتِهِ / يُصرِّفُ الأمرَ بينَ الكافِ والنونِ
فاصبِرْ وَإنْ شِئتَ فاجزَعْ إنْ قَدَرْتَ على / دفعِ البَلاءِ وتَعدِيلِ الموازينِ
للشِعرِ في كُلِّ عصرٍ مَرْكبٌ خَشِنُ
للشِعرِ في كُلِّ عصرٍ مَرْكبٌ خَشِنُ / لا يَستَقِلُّ عليهِ الرَّاكبُ الوَهِنُ
يَغُرُّ بالفارسِ الطاغي فيرَكَبُهُ / لكنْ تَرَدِّيِهِ عنهُ لَيسَ يُؤْتَمَنُ
غارَ الرِّجالُ على أبياتِهِ طَمعَاً / فكانَ أكثرَهُم من حَظِّهِ الدِمَنُ
نَعُدُّ منهم ألوفاً ما بها حَسَنٌ / حَتَّى يُصادَفَ منهم واحدٌ حَسَنُ
إنَّ الجميلَ قليلٌ عَزَّ مَطلَبُهُ / من كُلِّ ما تَشتهيهِ العينُ والأُذُنُ
فلا تَرى مِن حَصَى الياقُوتِ واحدةً / حَتَّى تَرَى ألْفَ صَخْرٍ ما لهُ ثَمَنُ
هذا هُوَ الأمَدُ الأقَصى الذي قَصُرَت / عنهُ الجِيادُ وكَلَّتْ دُونَهُ الهُجُنُ
في كلِّ فَنٍّ سِواهُ كُلُّ طائفةٍ / قَلَّ التَّفاوُتُ فيها حينَ تَقْتَرِنُ
أنا الخبيرُ بما في القَومِ من سَخَفٍ / لا يَجهَلُ السُّقمَ مَن بالسُّقمِ يُمتَحَنُ
واللهُ يَعلمُ أنَّ الصَمْتَ أجمَلُ بي / لولا حُقوقٌ بِهِنَّ القَلبُ مُرْتَهَنُ
عَلَيَّ مالا أُكافيهِ بصُنعِ يدٍ / فقد أُكافيهِ مِمَّا تَصَنعُ اللُسُنُ
مَدائحٌ هيَ فرضٌ لا انفِكاكَ لهُ / عِندي وما دُونَها الأنفالُ والسُنَنُ
أسُوقُها نحوَ بابٍ شادَ دَولَتهُ / مُلْكُ العِراقِ وشادَت مَجدَهُ اليَمَنُ
غريبةٌ حُيثُما حَلَّت فإنْ نَزَلَتْ / بِدارِهِ فهُناكَ الأهلُ والوَطَنُ
تَلقَى الأميرَ الذي تَلقَى بِساحتِهِ / شَخصاً هُوَ الرُوحُ في أرضٍ هيَ البَدَنُ
ذاكَ الأمينُ الذي يَرعَى رَعيَّتَهُ / بِعَينِ يَقْظانَ لا يَلهُو بها الوَسَنُ
قد جَدَّدَتْ لِبني رَسْلانَ هِمَّتُهُ / في أرضِ لُبنانَ ما لم تَنْسَهُ عَدَنُ
ألْقَتْ لهُ الدَولةُ العُظمَى بِعِصمتِها / فليَسَ من هَمِّهِ قيسٌ ولا يَمَنُ
مُهذَّبُ الخُلقِ ما في خُلقِهِ أوَدٌ / مُطهَّرُ العِرْضِ ما في عِرْضِهِ دَرَنُ
في صَدرِهِ إذْ تَحِلُّ النَّائباتُ بهِ / بحرٌ منَ الرَّأيِ فيهِ تَغرقُ السُّفُنُ
لي كُلَّ يومٍ بهِ في الشِّعرِ قافيةٌ / فلَيسَ يَنْفَدُ حَتَّى يَنْفَدَ الزَّمَنُ
خَرائدٌ مِنْ نَباتِ العُربِ سافرةٌ / قَبُولُها مِنَّةٌ مِمَّنْ لهُ المِنَنُ
ما زلتُ أمدحُ نفسي حينَ أمدَحُهُ / بأنَّني صادقٌ في القَوْلِ مُؤتَمَنُ
إنّي تَعَوَّدتُ قولَ الصِّدقِ مُلتزِماً / حَتَّى تَطابَقَ عِندي السِرُّ والعَلَنُ
لا أمدَحُ المَرْءَ مَهْما عَزَّ جانِبهُ / إلا بما فيهِ كالقُسْطاسِ إذ يَزِنُ
عَيبٌ عَلَيَّ وعيبٌ أن يُصَدِّقَني / إذا كَذَبتُ عليهِ الحاذقُ الفَطِنُ
يا أيُّها السَفْحُ ماذا يَصنَعُ البانُ
يا أيُّها السَفْحُ ماذا يَصنَعُ البانُ / إذا انتَنَتْ من قُدودِ الحَيِّ أغصانُ
وأنتَ يا أيُّها الحامي العشيرةَ مَن / يَحميكَ إنْ بَرَزَتْ للفَتكِ أجفانُ
حَيَّا الحَيا ذلكَ الحيَّ الذي اجتمَعَتْ / في طَيِّ أبياتِهِ أسْدٌ وغِزْلانُ
لِأَعْيُنِ الغِيدِ شَكلٌ من ظِباهُ وفي / ظُباهُ مِن وَجَناتِ الغيدِ ألوانُ
رَبعٌ إليهِ قُلوبُ النَّاسِ ظامِئَةٌ / من وَجْدِها وَهْوَ بالأنواءِ رَيَّانُ
كأنَّ خِضْرَ بنَ رَعدٍ حلَّ ساحتَهُ / فأرعَدَتْ مُزنةٌ واخضَرَّ بُستانُ
ذاكَ الكريمُ الذي في ظلِّ رايتهِ / أمنٌ وفي أُنسِهِ رَوْحٌ ورَيْحانُ
قد زَارَ بيروتَ فاخَضَرَّتْ جوانِبُها / من شِدَّةِ الخِصْبِ حتى اخضَرَّ لُبنانُ
ذاكَ الذي يُجَتنى في السِّلمِ من فَمِهِ / دُرٌّ ومن سَيفِهِ في الحَرْبِ نِيرانُ
إذا انطفَتْ نارُ حربٍ في النَّهارِ لهُ / قامَتْ لصُنعِ القِرَى في الليلِ نيرانُ
الطاعنُ الخيلَ قد ألقىَ فَوارِسَها / عنها فهُنَّ على الفُرسانِ فُرسانُ
قد علَّمَ السَّيفَ بَذْلَ الجُودِ من يَدِهِ / فالوَحْشُ من حَولهِ والطَّيرُ ضِيفانُ
مُؤَيَّدٌ بيَمينِ اللهِ مُقتدِرٌ / لهُ مَلائِكةُ الرَّحمنِ أعوانُ
تُمسي السُّعودُ قياماً تحت رايتِهِ / كأنَّهُ عندَهُ جندٌ وغِلمانُ
كأنَّ مَنزِلَ خِضْرٍ ذَاتُ فاكِهةٍ / مِنَ الجِنانِ بها نخْلٌ ورُمَّانُ
يستأمِنُ الخائفُ اللاجي إليه كما / يَغنَى الفقيرُ ويُكسَى الخَزَّ عُريانُ
مهذَّبُ النُّطقِِ لا لَغْوٌ يُعابُ بهِ / وللمعاني كما للّفظِ مِيزانُ
حَوَى الإصابةَ في حُكمٍ وفي حِكَمٍ / فكانَ في الكُلِّ يُدعَى يا سُلَيمانُ
يا مَن بَغَى أن يراني تلكَ مَكرمةٌ / لها على كَرَمِ الأخلاقِ بُرهانُ
لقد عَرَفناكَ بالأسماعِ عن بعُدٍ / وكيفَ تَجهَلُ صَوتَ الرَّعدِ آذانُ
هذِهْ عُجالةُ مَدحٍ لو وَفيتُ لهُ / بما اقتَضَى لم يكُنْ يكفيهِ دِيوانُ
قَطَفتُ من طِيبِ رَوضٍ زَهرةً وكَفَى / إذْ ليسَ يَقطِفُ كلَّ الزَّهرِ إنسانُ
في ساحةِ الحَيِّ من تَيْماءَ غزْلانُ
في ساحةِ الحَيِّ من تَيْماءَ غزْلانُ / لَهُنَّ في الخِدر لا في الغابِ أوطانُ
تَحمِي حِماها رِجالٌ من بني مُضَرٍ / في السِّلمِ إنسٌ وفي يوم الوَغَى جانُ
حيٌّ طَرَقناهُ والنِيرانُ ساطعةٌ / فيهِ وللشوقِ في الأكبادِ نيرانُ
أمسَى يُديرُ لنا كأسَ المُدامِ فَتىً / بوَجهِهِ يُهتدَى والنَّجْمُ حَيرانُ
في كَفِّهِ النايُ يَسقِيهِ الرُّضابَ فلا / تَعجَبْ إذا مالَ فيها وَهْوَ نَشْوانُ
قد سَخَّرَ الرِّيحَ يَنهاها ويأمُرُها / كأنَّما هُوَ في الدُّنيا سُلَيمانُ
يا جِيرةَ الحَيِّ أنتم عُرْبُ باديةٍ / فكَيفَ ضاعتْ لكم في الحَيِّ جِيرانُ
لنا ذِمامٌ من الأسيافِ عندَكمُ / ولا ذِمامَ لِمَنْ تغزُوهُ أجفانُ
قِفُوا اسمَعُوا اليومَ ما أنشا لنا ولكم / مَنْ كُلَّ يومٍ لهُ في خَلْقِهُ شانُ
أنشا لنا اللهُ شَخصاً من عَشائِرِكم / لهُ إيادٌ أبٌ والجَدُّ قَحْطانُ
أعطاهُ حاتمُ إرثَ الجُودِ مَكرُمةً / والحِلمَ مَعْنٌ وجاهَ المُلكِ نُعمانُ
وَهْوَ الرَّبيعُ وقَيسٌ في نَباهتِهِ / وفي فَصاحتهِ قُسٌّ وسَحْبانُ
إنْ جُزتَ في غَربِ لُبنانَ الخَصيبِ فقُلْ / يا آلَ رَسلانَ ها قد قامَ رسلانُ
إن لم يكُنْ شخصَهُ قد عادَ منتشراً / فمجدهُ عادَ حيّا وهْوَ رَيَّانُ
شادَ الأمينُ بِناءَ المجدِ فارتَفَعَتْ / عِمادُهُ واستقامَتْ منهُ أركانُ
فإنْ بَنَى الدَّارَ في أرضٍ فعادتُهُ / في ذِرْوَةِ الأفْقِِ تأسيسٌ وبُنيانُ
قد شادَها كَعْبةً للوَفْدِ في حَرَمٍ / للمُلَتجينَ بهِ للحَقِّ مِيزانُ
في جَنَّةٍ تَحتَها الأنهارُ طافحةٌ / تَجري وفي بابها المَيمونِ رِضْوانُ
من قَصْرِ غُمدانَ مِحرابٌ لها وبها / من صُنعِ كِسرَى أنُوشِروانَ إيوانُ
وفَوقَها نُورُ صافي القَلبِ خُطَّ بهِ / ما خَطَّ في اللَوحِ ذو النُّورين عثُمانُ
هذا الأميرُ الذي للأمرِ في يَدِهِ / أزِمَّةٌ ولعُنقِ الدَّهرِ أرسانُ
إن كانَ يُعطي وزيرٌ غَيرَهُ رُتَباً / مِنَ الوُلاةِ فقد أعطاهُ سُلطانُ
مَولىً يَسودُ على الساداتِ خاضعةً / لأمرهِ أوجُهٌ منها وأعيانُ
راضَ الصِّعابَ التي انقادَتَ فكانَ لهُ / في القَفرِ والبَحرِ بُستانٌ ومَيْدانُ
ليسَ الشُّجاعُ الذي انقادَ الجَبانُ لهُ / إنَّ الشُّجاعَ الذي طاعتهُ شُجعانُ
وفارسُ الخيلِ من خاضَ العَجاجَ بها / وحولَهُ من كُماةِ القَومِ فُرسانُ
يا أيُّها الجبَلُ الرَّاسي على جَبَلٍ / فخراً فأنتَ على لُبنانَ لُبنانُ
لي فيكَ وحدَكَ دِيوانٌ نَظَمتُ بهِ / مدحاً وفي مَدحِ باقي الناسِ ديوانُ
فأنتَ عِنديَ نِصفُ النَّاس وا عجَبا / إن كانَ يُحسَبُ نِصفَ النَّاسِ إنسانُ
لاحَتْ بوَجهٍ بدِيعِ الأنسِ ميمونِ
لاحَتْ بوَجهٍ بدِيعِ الأنسِ ميمونِ / غَيداءُ فيها نِفارٌ غيرُ مأمونِ
وقطَّبتْ عندَ زَجرِ الصَبِّ حاجِبَها / لأنَّها تَعهَدُ التأكيدَ بالنُّونِ
حَسناءُ ظالمةُ العُشَّاقِ ما تَرَكتْ / لهم نصيباً منَ الدُّنيا ولا الدِينِ
رَشيقةٌ كلُّ لينٍ في معاطِفِها / وليسَ في قَلبِها شيءٌ منَ اللِّينِ
قولوا لرَيحانةٍ في الحَيِّ قد عَبِقَتْ / سَينقضي عاجلاً طِيبُ الرَّياحينِ
قد قَلَّ في النَّاسِ مَن تَصفو مَوَدَّتُهُ / ما أبعدَ الصَّفَو بينَ الماءِ والطِيِنِ
مَن رامَ في الدَّهرِ مِيزاناً لصُحبتِهِ / فإنَّ مِيزانَهُ طَرْحُ المَوازِينِ
مَوَدَّةُ المَرْءِ في الدُّنيا لحاجتِهِ / لا للصَّديقِ ولو دامَتْ إلى حينِ
وَيلاهُ قد ضاعَتِ الأيَّامُ ذاهبةً / في غَفلةِ اللَّهو أطويها وتَطويني
إن فاتَني نَهْيُ نفسي ليسَ ينَفعُني / نَهْيٌ ولو جاءَ مع مُوسَى وهارونِ
مَنْ عاشَرَ النَّاسَ لا يأمَنْ غَوائلَهم / كخائضِ البحرِ في أنواءِ كانونِ
وطالبُ الخيرِ من غيرِ الكرامِ كَمْن / يَرومُ بَرداً من الرَّمْضاءِ في الصِينِ
بينَ الكرامِ كريمٌ عِندَهُ كَرَمٌ / صافي المَوارِدِ عَذْبٌ غيرُ ممنونِ
ذاكَ الأمينُ ابنُ رَسلانَ الأميرُ على / لُبنانَ تعنو لهُ شُمُّ العَرانينِ
الفاعلُ الخيرَ لا نَقصٌ يُعابُ بهِ / والقائلُ الحقَّ يُجلَى بالبَراهينِ
تَملا المَسامَعَ والأبصارَ طَلعتُهُ / إذا تَصَدَّرَ في صَدرِ الدَّواوينِ
مُؤيَّدٌ بيمينِ اللهِ مُعتَضِدٌ / تَرعاهُ عينٌ تَولَتْ حِفظَ ذي النُونِ
سُعُودُهُ فوقَ أفلاكِ العُلَى ارتَفعَتْ / وذِكرُهُ دَقَّ أبوابَ السَّلاطينِ
شَهْمُ الفُؤادِ حَصيفٌ ليسَ يَشغلُهُ / سَمْعُ القَوانينِ عن حَفِظِ القَوانينِ
تَكِلُّ عن رأيهِ الآراءُ قاصِرةً / حتى تَرى كلَّ فوقٍ صار كالدُّونِ
في قلبهِ حِكمةٌ فاضت جَداوِلُها / حتَّى سَرَتْ مع دِماهُ في الشَّرايينِ
يَستَدرِكُ الأمدَ الأقصى بها ويَرَى / خَفِيَّ سِرٍّ بقلبِ المرْءِ مكنونِ
في كلِّ فَنٍّ لهُ باعٌ يطولُ فخُذْ / مَعْهُ بما شِئتَ في أيِّ الأفانينِ
يرنِّحُ الشِّعرَ عِطْفيهِ فيطرِبُهُ / إذ كان يعرفُ منه كلَّ مضمونِ
طارَتْ إليهِ قوافينا فقلتُ لها / لا يَرتَعُ الطَّيرُ إلاّ في البساتينِ
والشِّعرُ كالضَّيفِ يأتي من يُكرِّمُهُ / ولا يُباعُ لديهِ بَيعَ مغبونِ
قامَتْ لِهَيبَتِها غُصونُ البانِ
قامَتْ لِهَيبَتِها غُصونُ البانِ / مثل الجنودِ بحَضْرةِ السُّلطانِ
وأتى الهَزازُ يحومُ فَوقَ قَوامِها / إذ ظنَّهُ غُصناً بِرَوضِ جِنانِ
بَدَويَّةٌ في طَرْفِها سهمٌ بلا / وَتَرٍ على رُمحٍ بغيرِ سنانِ
أبدَتْ خُدُوداً كالدِّماءِ فما افترَى / منْ قالَ تلكَ شَقائِقُ النُّعمانِ
يا رَبَّةَ الحُسنِ العزيزِ نراكِ قد / غرَّبتِ عاشقَهُ بكلِّ مكانِ
إنَّ الغريبَ ذليلُ نفسٍ خاملٌ / كالشِّعرِ عندَ سِوَى بني رَسلانِ
قَومٌ تُساقُ إلى تَنوخَ فروعهُمُ / وأُصولُهُم تَرقى إلى قَحطانِ
غِلْمانُهُم مثلُ الشُّيوخِ نباهةً / وشيوخُهُم في البأسِ كالغِلْمانِ
يَجدُ الوُفودُ من الكرامةِ عندَهُم / ما يَذهلونَ بهِ عن الأوطانِ
ويُخاطبونَ بكلِّ فنٍّ أهلَهُ / فكأنَّ واحدَهم بألف لِسانِ
لهم السِّيادةُ في العِراقِ تطرَّقَتْ / منهُ على نُوَبٍ إلى لُبنانِ
في حِيرةِ العَرَبِ القديمةِ وَحشةٌ / منهم كشوقِ مَعرَّةِ النُّعمانِ
دَرَجوا إلى غَربِ البلادِ كما سَعَتْ / سَيَّارةُ الأفلاكِ في الدَّوَرانِ
فإذا بذاكَ الغربِ أحسنُ مَشرِقٍ / يبدو لنا من أُفقِهِ القَمَرانِ
قَمَرانِ حَيدَرُ منهما أزكى أبٍ / لأجلِّ نجلٍ مُلحمِ بنِ فُلانِ
أزكى أبٍ وأجلُّ نجلٍ فيهما / شِيَمُ العُلَى استَبَقَتْ كخَيلِ رِهانِ
نِعْمَ الأميرانِ اللذانِ كِلاهما / ذو الأمرِ بالمعروفِ والإحسانِ
الفاضلانِ العاملانِ الكاملا / نِ القائمانِ بطاعةِ الرحمانِ
لا تحسبوني مادحاً بل راوياً / أروي الوقائعَ عن جَلِيِّ عِيانِ
أروي كما أدري واترُكُ سامعي / يُثني فليسَ يُهِمُّني الأمرانِ
لِعينِكَ يا غزالَ الرَّقَمتينِ
لِعينِكَ يا غزالَ الرَّقَمتينِ / غليلُ صبابتي وسُهادُ عيني
هجرتُ لأجلِها وطني فأمسَى / عليَّ سوادُها كغُرابِ بَينِ
ألا يا مُقلةً رشَقَت فُؤَادي / بسهمٍ عن قِسِيِّ الحاجبَينِ
سوادُكِ قد أصابَ سوادَ قلبي / فكان الحربُ بينَ الأسَودَينِ
بَرَيتُ إليكِ أخفافَ المَطايا / فلم أُدرِكْ ولا خُفَّيْ حُنينِ
فعُدتُ وقد لَهَوتُ عنِ التَّصابي / بوصفِ محمَّدٍ نجلِ الحُسَينِ
كريمٌ من كريمِ أبٍ وأُمٍّ / إلى سَلَفٍ كِرامِ النَّبَعتينِ
لهم في أرضِنا شَرَفٌ قديمٌ / تناوَلَهُ الفَتى بالراحَتينِ
جميلُ الوجهِ محمودُ السَّجايا / رحيبُ الصَّدرِ مُنبسِطُ اليدَينِ
يَرَى صُنْعَ المكارمِ كلَّ يومٍ / كفَرْضِ الدِّينِ أو كوَفاءِ دَينِ
أرانا ليلةً فيها زِفافٌ / تَجلَّى باقترانِ النَّيّرَينِ
هما كالفرقَدينِ على اجتماعٍ / نَرومُ لهُ دَوامَ الفرقدَينِ
جاءَت رسالةُ إبراهيمَ سافرةً
جاءَت رسالةُ إبراهيمَ سافرةً / عن وجهِ لُطفٍ وإجمالٍ وإحسانِ
دلَّت على كَرَمِ الأخلاقِ شاهدةً / مثلَ الدَّعاوي التِّي قامت بُبرهانِ
هُوَ الجديرُ بتقديمِ الثَّناءِ لهُ / إذ كانَ في العُرْبِ فرداً مالهُ ثانِ
أحيا القريضَ الذي شالت نَعامتُهُ / من بين أهل البوادي مُنذُ أزمانِ
هُمُ الذينَ أصابوا غايةً قَصُرَتْ / عنها القبائلُ من قاصٍ ومن دانِ
يفنَى الزَّمانُ ويبلَى أهلُ مُدَّتِهِ / وذِكرُهمْ ليسَ بالبالي ولا الفاني
لهم أيادٍ مَضَت في كلِّ نابغةٍ / وغارةٌ نَشِبَت في كلِّ ميدَانِ
وحِكمةٌ سَطعَتْ في رأسِ كلِّ فتىً / لم يَتْلُ سِفراً ولم يجلِسْ بديوانِ
لا يبلغُ الشَّيخُ منَّا في مدراسِهِ / ما كانَ يبلغُ راعي المَعْزِ والضَّانِ
وليسَ يَنظِمُ بعدَ الجَهدِ مُحتفلاً / ما كانَ يجري على أفواهِ غِلمانِ
إني أشوقُ إلى تلكَ الدِّيارِ كما / شاقت منازلُ ميٍّ قلبَ غَيْلانِ
واشتهي شَمَّ أرواحِ العَرارِ بها / ومَنظَرَ الرَّنْدِ والقَيْصومِ والبانِ
أهوَى القرونَ الخوالي من عشائِرها / قِدْماً وأهوَى بَقاياهم إلى الآنِ
وابتغي سمعَ آثار تُذكِّرُني / عهدَ الذين مَضَوا من عَهد قَحْطانِ
يا أيُّها الخَلَفُ الجاري على سَلَفٍ / ما أنت بالمُعتدي ظُلماً ولا الجاني
النَّاسُ للشِّعرِ أضيافٌ تُلِمُّ بهِ / وأنت تَنزِلُ في أهلٍ وأوطانِ
إن فاتني منك يا عينُ الرِّضى نَظرٌ / من أعينٍ لم يفُتْني سمعُ آذانِ
والدَّهرُ يمَنَعُ كلَّ الطيِّباتِ فإن / ظَفرِتُ يوماً ببعضٍ منهُ أرضاني
أرَى الدَّهرَ يقضي كلَّ يومٍ ديونَهُ
أرَى الدَّهرَ يقضي كلَّ يومٍ ديونَهُ / فيقطعُ أهليِهِ كما يقطَعونَهُ
ويُخلِفُ عمَّن قد مَضَى من رجالهِ / كما يُخلِفُ الأصلُ القديمُ غُصونَهُ
لقد عوَّضَ الشَّعبَ الذي ساءَ راعياً / فأضحَكَ باكيهِ وسرَّ حزينَهُ
أمينٌ عليهِ حافظٌ عهْدَ ربِّهِ / يُضيِّعُ دنياهُ ليحفَظَ دينَهُ
عصاهُ عصا موسى التِّي شقَّتِ الصَّفا / وشَقَّ بها البحرَ الذي حالَ دونهُ
وذاكَ الجبينُ الطَّلْقُ قد زانَ تاجَهُ / جَمالاً وليسَ التَّاجُ زانَ جبينَهُ
يَمُدُّ إلى حفظِ الحياةِ شِمالُهُ / ويُلقي إلى حفظِ الرَّعايا يَمينهُ
أرَقُّ من الماءِ الزُّلالِ شمائِلاً / بألطافها فاقت صَفاهُ ولِينَهُ
وأثبَتُ من شُمِّ الجبالِ فلم يكُنْ / يُحرِّكُ زَلزالُ الخُطوبِ سكونَهُ
لهُ قَلَمٌ يجري على الصُّحْفِ راقماً / فتحسُدُ أرقامُ الطِّراز فنونَهُ
يسهِّلُ منْ طُرْقِ الكلام صِعابَها / ويفتحُ من سرِّ المعاني حصونَهُ
يُقلِّبُهُ ماضي البنانِ مُهذَّبٌ / تَرَى عينُهُ من كلِّ أمرٍ يقينَهُ
تجلَّى على عرشٍ من المَجدِ باذخٍ / تظُنُّ الثُّرَيا فوقهُ وهي دونَهُ
أقامَ على حفظِ الأمانةِ قلبَهُ / ووكلَّ بالسُّهْدِ الطَّويلِ جفونهُ
وجرَّدَ عن أهواءِ دنياهُ نفسَهُ / فقد أنكرَتْ ماءَ الوجودِ وطينَهُ
لهُ حِليةٌ من كلِّ فضلٍ تزينُهُ / وليسَ بهِ مِن ريبةٍ فتَشينهُ
وفي يدِهِ أمرٌ مُطاعٌ أجازَهُ / قديرٌ تَوَلَّى كافَ أمرٍ ونونهُ
نُهنِّيكِ يا صورُ التِّي غابَ نجمُها / ففازَت بنجمٍ قرَّبَ اللهُ حينُهُ
ظَفِرتِ من اللهِ الذي يَهَبُ المُنَى / بما أنتِ في تاريخِهِ تبتَغِينهُ
قد قامَ رَبُّ الدَّارِ في أوطانِهِ
قد قامَ رَبُّ الدَّارِ في أوطانِهِ / وجَرَى الجَوادُ هُناكَ في مَيدانِهِ
واخضَرَّ ما قد جَفَّ من نَبْتِ الرُّبَى / فجرَت مياهُ الخِصبِ في عِيدانِهِ
عاد الرَّبيعُ إلى الدِّيارِ بزَهرهِ / كزَمانِهِ بعدَ انقضاءِ زَمانِهِ
وأفادهُ سَعدُ الشِّهابِ نَضارةً / في آبَ لم تَخطُرْ على نَيْسانِهِ
أتَتِ الوِلايةُ أهلَ منَصبِها الذي / لا يستحي أحَدٌ بلثمِ بَنانِهِ
للمجدِ في لُبنانَ بيتٌ شامخٌ / آلُ الشِّهابِ الرأسُ من أركانِهِ
قومٌ لهم شَرَفٌ قديمٌ من مَدَى / زَمَنٍ عَصى التأريخَ حِفظُ أوانِهِ
لو هَمَّ نُسَّابُ الحِجازِ بضبطِهِ / بَلغَ السِّياقُ بهِ إلى عَدنانِهِ
كم قاطفٍ للزَّهرِ من عُرضِ الفَلا / يا مَن قطفتَ الزَّهرَ من بُستانِهِ
مَن كانَ مِن نسلِ البشيرِ فذاكَ لم / تَكُنِ الممالِكُ فوقَ رِفعةِ شانِهِ
ذاكَ الذي ضَبَطَتْ عِنانَ بِلادِهِ / يَدُهُ كما ضَبَطَت عِنانَ حِصانِهِ
قد كان يُطفي الماءُ جمرةَ غيرهِ / والماءُ يُحرِقُهُ لَظَى نِيرانِهِ
وقد اقتبستَ خِصالَهُ وصفاتَهُ / من حيثُ كُنتَ نشأتَ في دِيوانِهِ
والأصلُ يجري في الفُروعِ زكاؤُهُ / فيُولِّدُ الأثمارَ في أغصانهِ
سُرَّت بمَنصبِكَ البِلادُ لأنَّهُ / في طالعٍ بالسَّعدِ عَقْدُ قِرانِهِ
ما زالَ يُهديكَ الهَنا بكتابهِ / مَن ليسَ يُمكنُهُ الهَنا بلِسانِهِ
الحمدُ لله حَلَّ العُقدةَ الزَّمَنُ
الحمدُ لله حَلَّ العُقدةَ الزَّمَنُ / وقد شَفَى الرأسَ فاستَشفَى بهِ البَدَنُ
قد عادَتِ الدَّولةُ الشَّهباءُ من سَفَرٍ / غابت بهِ فاشتكى من شوقهِ الوَطنُ
يا كُورةً في حِمَى لُبنانَ قد سَقَطَتْ / من قُبحِ أَحكامِها قد جاءَكِ الحَسَنُ
هذا الأميرُ الشِّهابِيُّ الذي يدُهُ / تحمي الدِّيارَ وتُمحَى عندَها الفِتَنُ
يُنسِي الحجازَ عليّاً من شَجاعَتهِ / ومن عطاياهُ يَنسَى حاتِمَ اليَمَنُ
فليسَ للمالِ قَدْرٌ عندَ راحتهِ / ولا الدِّماءُ لها في حربهِ ثَمَنُ
شهمٌ كريمٌ لبيبٌ حاذقٌ نَجِبٌ / نَدْبٌ حَصيفٌ أديبٌ حازِمٌ فَطِنُ
لا عيبَ في خَلقِهِ يبدو لناظِرهِ / وليسَ في خُلقِهِ شَيْنٌ ولا دَرَنُ
بَشِّرْ شُيوخَ بني العازارِ أنَّ لهم / كرامةً رُفِعَتْ عنهم بها المِحَنُ
اللَّمْعُ فرعُ الشِّهابِ المُستضاءِ بهِ / والفرعُ يَبطُلُ حينَ الأصلُ يَعتلِنُ