المجموع : 20
هذا العَقيقُ وتلكَ شُمُّ رِعانِهِ
هذا العَقيقُ وتلكَ شُمُّ رِعانِهِ / فاِمزُجْ لُجينَ الدّمعِ منْ عِقْيانِهِ
واِنزِل فثَمَّ مُعرَّسٌ أبداً ترى / فيهِ قُلوب العِشقِ مِن رُكْبانِهِ
وَاِشمُمْ عَبيرَ تُرابِهِ واِلْثِمْ حَصىً / في سَفحِهِ اِنتثَرتْ عُقودُ جُمانِهِ
واِعدِل بنا نحوَ المُحصَّبِ مِنْ مِنىً / واِحْذَرْ رُماةَ الغُنجِ مِن غِزلانِهِ
وتوَقَّ فيه الطّعنَ إمّا مِن قَنا / فُرسانِهِ أو مِن قُدودِ حِسانِهِ
أكرِمْ بهِ من مَربَعٍ منْ وَردِهِ ال / وَجَناتُ والقاماتُ من أغصانِهِ
مَغنىً إذا غنّى حَمامُ أرَاكِهِ / رَقَصَتْ به طَرباً معاطِفُ بانهِ
فلكٌ تنزّلَ فهوَ يُحسَبُ بُقعةً / أوَ مَا ترى الأقمارَ منْ سُكّانِهِ
خَضَبَ النّجيعُ غَزالَهُ وهِزَبْرَهُ / هذا بِوَجنَتهِ وذا بِبَبانِهِ
فلَئنْ جَهلْتَ الحَتْفَ أين مقرُّهُ / سَلني فإنّي عارفٌ بمكانهِ
هو في الجفونِ السّودِ من فَتياتهِ / أو في الجفونِ البيضِ منْ فِتيانهِ
مَنْ لي برُؤيةِ أوجُهٍ في أوجِه / حجبَ البِعادُ شُموسَها بعَنانهِ
بيضٌ إذا لعبتْ صَباً بذُيولِها / حملَ النّسيمُ المِسْكَ في أرْدانهِ
عمدَتْ إلى قَبسِ الضُحى فتبرْقَعتْ / فيه وقنّعَها الدّجى بدُخانهِ
من كلِّ نيّرةٍ بتاجِ شَقيقِها / قمرٌ تحفُّ به نجومُ لِدانهِ
وَهبتْ لهُ الجوزاءُ شُهبَ نِطاقِها / حَلْياً وسوّرَها الهِلالُ بحانهِ
هذي بأنْصُل جَفْنِها تسطو على / مُهَجِ الأُسودِ وذاكَ منْ مُرّانهِ
يفترُّ ثَغرُ البرقِ تحتَ لِثامِها / ويَسيرُ منها الغَيْثُ في قُمصانهِ
كمَنَ النُحولُ بخَصْرِها وبسيْفِه / والموتُ من وَسْنانِها وسِنانِهِ
في الخِدرِ منها العِيسُ تحملُ جُؤذراً / ويُقلُّ منه الليثُ سَرْجَ حِصانهِ
قَسَماً بسَلْعٍ وهْيَ حِلفةُ وامِقٍ / أقصاهُ صَرْفُ البَيْنِ عنْ جيرانِهِ
ما اِشْتاقَ سمْعي ذِكرَ منزلِ طَيْبةٍ / إلّا وهِمْتُ بِساكِني ودْيانهِ
بلدٌ إذا شاهَدْتَه أيْقَنتَ أن / نَ اللّهَ ثمّن فيهِ سبعَ جِنانهِ
ثغرٌ حمَتْهُ صِفاحُ أجفانِ المَهى / وتكلّفَتْهُ رِماحُ أُسْدِ طِعانهِ
تُمسي فراشُ قُلوبِ أرْبابِ الهَوى / تُلْقي بأنفُسِها على نيرانهِ
لوْلا رِواياتُ الهَوى عن أهلِه / لمْ يَروِ طَرفي الدّمعَ عن إنسانهِ
لا تُنكِروا بحَديثهِمْ ثَملي إذا / فضّ المُحدّثُ عن سُلافةِ حانهِ
همْ أقرَضوا سَمعي الجُمانَ وطالبوا / فيهِ مَسيلَ الدّمعِ منْ مُرجانهِ
فإلامَ يَفجعُني الزّمانُ بفَقْدِهمْ / ولقد رأى جَلَدي على حِدْثانهِ
عَتبي على هذا الزّمان مُطوَّلٌ / يُفضي إلى الإطْنابِ شرحُ بَيانهِ
هَيهاتِ أنْ ألقاهُ وهْوَ مُسالِمي / إنّ الأديبَ الحُرَّ حَرْبُ زَمانهِ
يا قَلبُ لا تَشْكُ الصّبابةَ بَعْدَما / أوْقعتَ نَفسَكَ في الهوى وهَوانهِ
تَهوى وتَطمَعُ أن تفِرَّ من الهَوى / كيف الفِرارُ وأنت رهنُ ضَمانهِ
يا للرِّفاقِ ومَن لمُهجةِ مُدْنَفٍ / نِيرانُها نزَعَتْ شوى سلوانهِ
لم ألْقَ قبلَ العِشْقِ ناراً أحرَقَتْ / بَشَراً وحُبُّ المُصْطفى بجَنانهِ
خيْرِ النّبِيّينَ الّذي نَطَقَتْ بهِ الت / توراةُ والإنجيلُ قبلَ أوانِهِ
كهفُ الوَرى غيثُ الصّريخِ مَعاذُهُ / وكَفيلُ نجدَتِهِ وحِصْنُ أمانهِ
المُنْطِقُ الصّخْرَ الأصمَّ بكفّهِ / والمُخْرسُ البُلَغاءَ في تِبيانهِ
لُطفُ الإلهِ وسرُّ حكمَتهِ الّذي / قد ضاقَ صدْرُ الغيْثِ عنْ كِتْمانهِ
قِرْنٌ بهِ التّوحيدُ أصبحَ ضاحِكاً / والشِّركُ مُنتحباً على أوْثانهِ
نسخَتْ شرائعُ دينهِ الصُّحفَ الأُلى / في مُحكَمِ الآياتِ منْ فُرقانهِ
تُمسي الصّوارمُ في النّجيعِ إذا سَطا / وخُدودُها مخضوبةٌ بدِهانهِ
ما زال يَرقُبُ شخصُهُ الآفاقَ في / طَرْفٍ تحامى النّومُ عنْ أجفانهِ
وجِلاً يظنّ النومَ لَمْعَ سُيوفهِ / ويرى نُجومَ الليلِ منْ خِرْصانهِ
قلبُ الكَميّ إذا رآهُ وقدْ نَضا / سيفاً كقُرطِ الخوْدِ في حُلْقانهِ
ولَرُبَّ مُعترَكٍ زَها روضُ الظُّبى / فيهِ وسُمْرُ القُضْبِ منْ قُضْبانهِ
خضَبَ النّجيعُ قَتيرَ سَردِ حَديدهِ / فشَقيقُهُ يَزهو على غُدْرانهِ
تبكي الجِراحُ النُجلُ فيه والرّدى / مُتبسّمٌ والبيضُ منْ أسنانهِ
فتَكَتْ عوامِلُهُ وهُنّ ثَعالبٌ / بجوارحِ الآسادِ منْ فُرسانهِ
جِبريلُ منْ أعوانهِ مِيكالُ مِنْ / أخدانهِ عِزريلُ منْ أعوانهِ
نُورٌ بَدا فأبانَ عنْ فلَقِ الهُدى / وجَلا الضّلالةَ في سَنى بُرهانهِ
شهِدَتْ حَواميمُ الكِتابِ بفضْلهِ / وكفى بهِ فخراً على أقرانهِ
سلْ عنهُ ياسينا وطهَ والضُحى / إنْ كُنتَ لم تَعلَمْ حَقيقةَ شانهِ
وسَلِ المَشاعرَ والحَطيمَ وزَمزَماً / عن فخرِ هاشمِهِ وعن عِمرانهِ
يَسمو الذّراعُ بأخْمَصَيْه ويهبِطُ ال / إكليلُ يَستجدي على تِيجانهِ
لو تَستجيرُ الشمسُ فيه منَ الدُجى / لَغدا الدُجى والفجرُ منْ أكفانهِ
أوْ شاءَ منعَ البدرِ في أفلاكهِ / عن سيرِهِ لم يَسْرِ في حُسبانهِ
أو رامَ منْ أفُقِ المجرّةِ مَسْلكاً / لجَرَتْ بحَلْبَتهِ خُيولُ رِهانهِ
لا تَنفُذُ الأقدارُ في الأقطارِ في / شيءٍ بغَيرِ الإذْن من سُلطانِهِ
اللّهُ سخّرَها لهُ فجَموحُها / سَلِسُ القِيادِ لديهِ طوْعُ عِنانهِ
فهو الّذي لولاهُ نوحٌ ما نَجا / في فُلكِهِ المَشحونِ منْ طُوفانهِ
كَلّا ولا مُوسى الكَليمُ سَقى الرّدى / فِرعَونَهُ وسَما على هامانهِ
إنْ قِيلَ عرشٌ فهوَ حاملُ ساقهِ / أو قيلَ لوحٌ فهْوَ في عُنوانهِ
رَوْحُ النّعيمِ ورُوحُ طُوباهُ الّذي / تُجنى ثِمارُ الجودِ منْ أفنانهِ
يا سَيّدَ الكَونينِ بل يا أرْجَحَ الث / ثقلينِ عندَ اللَّه في أوزانهِ
والمُخْجِلَ القَمرَ المُنيرَ بتِمّهِ / في حُسنهِ والغيثَ من إحسانهِ
والفارسَ الشّهْمَ الّذي غَبراتُهُ / من ندّهِ والسُمرُ من رَيْحانهِ
عُذراً فإنّ المدْحَ فيكَ مُقَصِّرٌ / والعبدُ مُعتَرفٌ بعجزِ لِسانهِ
ما قَدرُهُ ما شِعرهُ بمَديحِ مَنْ / يُثني عليهِ اللّهُ في قُرآنهِ
لَولاكَ ما قطعَتْ بيَ العِيسُ الفَلا / وطَوَيْتُ فَدْفَدَهُ إلى غِيطانهِ
أمّلْتُ فيكَ وزُرتُ قبرَكَ مادحاً / لأفوزَ عندَ اللَّهِ في رِضوانهِ
عبدٌ أتاكَ يقودُهُ حُسنُ الرّجا / حاشا نَداكَ يعودُ في حِرمانهِ
فاِقبَلْ إنابَتَهُ إليكَ فإنّهُ / بكَ يستقيلُ اللَّهَ في عِصيانهِ
فاِشفَعْ لهُ ولآلهِ يومَ الجَزا / ولوالِدَيْهِ وصالحي إخوانهِ
صلّى الإلهُ عليكَ يا مَوْلى الوَرى / ما حنّ مُغتَرِبٌ إلى أوطانهِ
ما الرّاحُ إلّا رَوْحُ كلِّ حَزينِ
ما الرّاحُ إلّا رَوْحُ كلِّ حَزينِ / فأزِلْ بخَمْرَتِها خُمارَ البينِ
واِستَجْلِها مثلَ العَروس توقّدَتْ / بعُقودِها وتخلْخَلَتْ بِبُرينِ
واِقْطِفْ بثغرِك وَرْدَ وَجنَتِها على / خدِّ الشقيقِ ومَبسمِ النِسرينِ
واِلثِم عَقيقةَ مِرشَفَيْها راشِفاً / منها ثَنايا اللؤلُؤِ المَكنونِ
روحٌ إذا في فيكَ غابَتْ شمسُها / بزَغَتْ منَ الخدّينِ والعَينينِ
قبَسٌ يُغالِطُنا الدُجى رأدَ الضُحى / فيها ويَصدقُ كاذِبُ الفَجْرَينِ
ما زفّها السّاقي بطائرِ فضّةٍ / إلّا وحلّقَ واقِعَ النّسْرَيْنِ
حاكَتْ زُجاجةُ كأسِها القنديلَ إذ / مِشكاتُها اِتّقدَتْ بلا زَيتونِ
تبدو فيبدو الأفْقُ خدَّ عشيقةٍ / واللّيل لمّة عاشقٍ مَفتونِ
مبنيّةٌ بفَمِ النّزيفِ مَذاقُها / كرُضابِ لَيلى في فم المجنونِ
بِكرٌ إذا ما الماءُ أذهبَ بَرْدَها / صاغَ الحُبابُ لها سِوارَ لُجينِ
لو كان في حوضِ الغمام محلُّها / لجرى العقيقُ من السحابِ الجونِ
أو لو أُريقَتْ فوقَ يَذبُلَ جرعةٌ / منها لأصبحَ معدِنَ الراهونِ
ومُضارِعٍ للبَدرِ ماضٍ لحظُه / متستّرٌ فيه ضَميرُ فُنونِ
رشأٌ غدَتْ حركاتُ كَسرِ جُفونِه / تَبني على فتحِ السُهادِ جُفوني
روحي له وقْفٌ وألْفُ يَمينِه الْ / مَمْدود مَقصورٌ عليه حَنيني
مهموزُ صُدغٍ كم صحيحِ جوىً غدا / بلَفيفِه يَشكو اِعتِلال العينِ
متفقّهٌ بوِصالِه متوقّفٌ / ويرى القطيعةَ من أصولِ الدينِ
رُؤياهُ مِفتاحُ الجمال وخَصرُهُ / تلخيصُ شرحِ مطوّلِ التّحسينِ
حيّا بزَورَتِه خُلاصةَ صُحبةٍ / وبَدا فأبرزَ مَشرِقَ الشمسينِ
واِفتَرَّ مُحتسياً لها فأبانَ عن / بَرقَينِ مُبتسمين عن سِمطينِ
وشَدا وطافَ بها فأحيا ميّتَ الْ / عُشاقِ في راحَين بل روحَينِ
مَنْ لي بوصلِ مَهاةِ خِدرٍ فارَقَتْ / عيني وظبيٍ أفْلَتَتْهُ يَميني
للّهِ أيّامُ الوِصالِ وحبّذا / ساعاتُ لهوٍ في رُبى يَبرينِ
مَغنىً بحبِّ الساكنين يَسوغُ لي / نظْمُ النسيبِ ونثرُ دُرّ شُؤوني
لا زال يبتسمُ الأقاحُ به ولا / برِحَ الشقيقُ مضرَّجَ الخدّينِ
أحوى كأنّ مياههُ ريقُ الدُمى / وهَواهُ أنفاسُ الحِسانِ العِينِ
ضاهى عُيونَ الغانياتِ بنَرْجِسٍ / وسَما على قاماتِها بغُصونِ
فلكَمْ رشَفْتُ على زُمُرُّدِ رَوضِهِ / زمَنَ الشّبابِ عقيقةَ الزّرجونِ
وأمِنْتُ بأسَ النّائِباتِ كأنّما / برَكاتُ أمسى كافلِي وضَميني
سامي الحقيقة لا يحسُّ نزيلُه / بحوادثِ التّقديرِ والتّكوينِ
بَشَرٌ يريكَ البحرَ تحت رِدائِه / والبدرَ فوقَ سريرهِ المَوضونِ
غيثٌ بنوّارِ الشقيق إذا سَما / تزهو رياضُ المُقتِر المَديونِ
قاضٍ بأحكام الشريعة عالِمٌ / بقواعدِ الإرشادِ والتبيينِ
عدلٌ تحكّم في البلاد فقامَ في / مَفروضِ دينِ اللَّه والمَسنونِ
بلغَ الكمالَ وما تجاوزَ عُمرُه / عشراً وحاز المُلْكَ بالعِشرينِ
خطبَ المعالي بالرِّماحِ فزُوّجَتْ / بكرُ العُلا منه بلَيثِ عرينِ
تلْقى العِدا والوفْدُ منه إذا بدا / تِيهَ العزيزِ وذلّةَ المِسكينِ
سمْحٌ لمن طلبَ الإفادة باسطٌ / ببنانِه وبيانهِ كنزَيْنِ
ما مدَّ راحتَهُ وجادَ بعِلمِه / إلّا اِلتقَطنا لُؤلُؤَ البَحرينِ
لو بالبلاغةِ للنبوّةِ يدّعي / لَغدا وما قُرآنُه بعِضينِ
من مَعشرٍ لهمُ على كلِّ الوَرى / شرَفُ النجومِ على حصى الأرضينِ
سامٍ لمُنصُلِه وشِسْعَيْ نَعلِه / فخرُ الهِلال ورِفعةُ الشّرطينِ
همسَتْ بأصوات الطُغاة فكاد أنْ / لا يستهلَّ بهم لِسانُ جَنينِ
وتيقّنتْ بالثُّكلِ بيضُهمُ فلو / قدرَتْ لما سمَحَتْ لهم ببَنينِ
غضّتْ جلالتُه العيونَ وربّما / نظرتْ إليه فحِرْنَ في أمرَينِ
قبَسٌ جرى بيَدَيْهِ جدولُ صارمٍ / وغَمامةٌ حملَتْ شِهابَ رُدَيْني
عفُّ المآزِر كم ذُكورُ نِصالِه / فيه اِستباحتْ من فُروجِ حُصونِ
قَيلٌ يُصان لديه جوهرُ عِرضِه / والجوهرُ العِرضيُّ غيرُ مَصونِ
لو أنّ كعباً جاءَ يطلبُ ثأرَهُ / لكَبا بسابقةٍ عِثارَ حَرونِ
يُمسي الفقيرُ إذا أتاه كأنّما / غَصَبَ الغِنى من راحتَيْ قارونِ
مَولىً يلوذُ المُذنِبونَ بعَفوِه / ويفُكُّ قيدَ المُجْرمِ المَسجونِ
يا حاديَ العَشرِ العُقولِ وثاني الد / دهرِ المَهولِ وثالث القمَرَينِ
والثابتَ المِغوارَ والقِرْنَ الّذي / لا تستقرّ سُيوفُه بجُفونِ
فلقد أنارَ اللَّه فيكَ نهارَنا / وجَلا الظلامَ بوجهِك المَيمونِ
وكَسا بك الدنيا الجمالَ وزيّن ال / أيّامَ من علياكَ في عِقدَيْنِ
وأبانَ رُشدَ عِبادِه بك فاِهتدَوا / بعد الضّلالِ بأوضحِ النّجدَينِ
فتهنَّ بالعيدِ المُبارك واِغتَنِمْ / أجرَ الصيام وبهجةَ الفِطرَينِ
واِلبَس جَلابيبَ العُلا وتدرّعِ الن / نصْرَ العزيزَ وحلّةَ التّمكينِ
واِستجلِ من فكري عَروساً ما لَها / كُفُؤٌ سواكَ بسائِرِ الثَّقَلَيْنِ
وأبيكَ يا مَنْ حُكِّمَتْ بيَمينه / بيضُ العَطايا في رِقابِ العينِ
لولا حيا كفّيكَ ما حيّا الحَيا / رَوضي ولا ساحَتْ بطاحُ مَعيني
كلّا ولا نِلتُ النّعيمَ ولا نجَتْ / روحي العزيزةُ من عذابِ الهُونِ
بلغَتْ مدى الأقصى لديكَ مطالبي / وأصابتِ الغرَضَ البَعيدَ ظُنوني
لي في معانيكَ اِعتقادُ وِلاً فلَو / كُشِفَ الغِطا ما اِزدادَ فيك يَقيني
ضربوا القِبابَ وطنّبوها بالقَنا
ضربوا القِبابَ وطنّبوها بالقَنا / فمَحَوا بأنجُمِها مصابيحَ المُنا
وبَنوا الحِجالَ على الشّموسِ فوكّلوا / شُهْبَ السُّهاءِ برَجْمِ زوّارِ البِنا
وجلَوْا بتيجانِ التّرائِبِ أوجُهاً / لو قابلَتْ جيشَ الدُّجنّةِ لاِنْثَنا
وجرَوْا إلى الغايات فوقَ سوابِقٍ / لو خاضَ عِثيَرَها النهارُ لأوهَنا
للّهِ قومٌ في حبائِلِ حُسنِهم / قنصوا الكَرى لجفونِهم من عِندنا
غُرٌّ رَبارِبُهُم وأُسْدُ عرينِهم / سلّوا المَنونَ وأغمدوها الأجفُنا
إن زارَهُم خصْمٌ عليه نضوا الظُّبا / أو مُدنفٌ سلّوا عليهِ الأعيُنا
لم تلقَهُم إلّا وفاجاكَ الرّدى / من جَفنِ غُصْنٍ هُزَّ أو ريمٍ رَنا
تُثْنى الظُّبا تحتَ السّوابِغِ منهُمُ / سُمرَ الرِّماحِ وفي الغلائِلِ أغصُنا
من كلِّ محتجِبٍ تبرّجَ في العُلا / أو كُلِّ سافِرةٍ يحجِّبُها السّنا
نُهدى بلَمعِ نُصولِهم لوصولِهم / ونرى ضِياءَ وجوهِهم فتصُدَّنا
قسَماً بقُضْبِ قُدودِهم لخُدودِهم / كالوردِ إلّا أنّها لا تُجتَنى
كم مات خارجَ حيّهم من مُدنَفٍ / والروحُ منه لها وجودٌ في الفَنا
أسكنْتُهُم بأضالِعي فبُيوتُهم / بطُوَيلعٍ وشُموسُهُم بالمُنْحَنا
يا صاحِ إن جِئتَ الحجازَ فمِلْ بِنا / نحو الصّفا فهَوايَ أجمعُهُ هُنا
فتّشْ عَبيرَ ثَراهُ إن شِئتَ الثّرى / فالدُّرُّ حيثُ به نثَرْنا عتْبَنا
واِنشُدْ به قلبي فإنّ مُقامَه / حيثُ المَقامُ به الحجونُ إلى مِنى
وسلِ المضاجِعَ إن شكَكْتَ فإنّها / منّا لَتَعْلَمُ عفّةً وتديُّنا
يا أهلَ مكّةَ ليت مَنْ فلَقَ النّوى / قسمَ المحبّةَ بالسّويّةِ بينَنا
أطلقْتُمُ الأجسامَ منّا للشّقا / ولديكُمُ الأرواحُ في أسرِ العَنا
أجفانُكُمْ غَصَبَتْ سَوادَ قُلوبِنا / وخُصورُكم عنهُ تعوِّضُنا الضّنا
عن رِيّ غُلَّتِنا منعتُم زمزَماً / ورمَيتُمُ جَمَراتِ وجدِكمُ بِنا
ظبياتُكُم أظمأنَنا وأُسودُكم / بجداوِلِ الفولاذِ تمنعُ وِرْدَنا
ما بالُ فجرِ وصالِكُم لا ينجلي / وقُرونُكم سلبتْ ليالي بُعدِنا
أبِزَعْمِكُم أنّا يغيّرُنا النّوى / فوَحقِّكُم ما زالَ عنكمُ عهدُنا
أنخونُكُم بالعَهدِ وهْو أمانةٌ / قبضَتْ خَواطِرُنا عليهِ أرهُنا
أُخفي مودَّتَكُم فيظهَرُ سرُّها / والرّاحُ لا تَخفى إذا لَطُفَ الإنا
بِكُمُ اتّحدْتُ هَوىً ولو حيَّيْتُكُمْ / قلتُ السلامُ عليّ إذ أنتمْ أنا
للّه أيّامٌ على الخَيْفِ اِنقضَتْ / يا حبّذا لو أنّها رجعَتْ لنا
أيّامُ لهْوٍ طالما بوُجوهِها / وضَحَتْ لنا غُرَرُ المحبّةِ والهَنا
وسَقى الحيا غدَواتِ لذّاتٍ غدَتْ / فيها غُصونُ الأُنسِ طيّبةَ الجَنا
وظِلالَ آصالٍ كأنّ نسيمَها / لأبي الحسينِ يهُبُّ في أرَجِ الثَنا
ملِكٌ جلالتُه كَفَتْهُ وشأنُه / عن زينةِ الألقابِ أو حَلْيِ الكنى
سمْحٌ إِذا أثنى النّباتُ على الحيا / قصدَ المَجازَ بلفظِهِ ولهُ عَنا
قِرْنٌ لديه قِرى الجُيوشِ إذا به / نزلوا فُرادى الظّعنِ أو حِزبٍ ثُنا
للفخرِ جَرْحاهُ تلَذُّ بضَرْبه / والبُرُّ يُرضي الجُرْبَ في ألَم الهَنا
تُمسي بأفواهِ الجِراحِ حرابُه / تُثْني عليه تظنُّهُنَّ الألسُنا
سجدَتْ لعزْمتِه النِصالُ أمَا تَرى / فيهنّ من أثَرِ السُجودِ الإنحِنا
وهوَتْ عواليه الطِعانَ فأوشَكَتْ / قبلَ الصّدورِ زجاجُها أن تطعَنا
بيتُ القصيد من المُلوكِ وإّما / يأبى عُلاه بوزنِهم أن يُوزَنا
يَصبو إلى نُجُبِ الوفودِ بسَمْعِه / طَرَباً كما يَصبو التّريفُ إلى الغِنا
متسرِّعٌ نحو الصّريخِ إذا دعا / مترفِّقٌ فيه عن الجاني وَنا
فالوُرْقُ تُشفِقُ منه يُغرِقُها النّدى / فلِذاكَ نلجأُ في الغُصونِ لتأمَنا
والنارُ من فزَعِ الخُمودِ بصوبِه / فزِعَتْ إلى جوفِ الصخورِ لتكْمُنا
والمُزْنُ من حسدٍ لجودِ يَمينه / تَبكي أسىً وتظنُّها لن تَهتِنا
بطلٌ تكادُ الصّاعِقاتُ بأرضِه / حذَراً لصوتِ الرّعدِ أن لا تُعلِنا
لو أكرَمَ البحرُ السّحابَ كوَفدِه / للدُّرِّ عنّا كادَ أن لا يخْزُنا
أو يَقتَفيهِ البدرُ في سعي العُلا / لم يرضَ في شرفِ الثُريّا مَسكنا
أو بِعْنَ أنفُسَها الأهلّةُ صفقةً / منه بنعلِ حذائِه لن تُغبَنا
حُرِسَتْ عُلاهُ بالظُّبا ففُروجُها / تحكي البُروجَ تحصُّناً وتزيُّنا
لا يُنكِرَنّ الأفْقُ غبطَتَهُ لها / أوَ ليسَ قد لَبسَ السّوادَ تحزُّنا
تقفُ المنيّةُ في الزّحامِ لديه لا / تسعى إلى المهجاتِ حتّى يأذَنا
نفذَتْ إرادَتُه وألقَتْ نحوَهُ الد / دُنيا مقاليدَ العُلا فتمكّنا
فإذا اِقتضى إحداثَ أمرٍ رأيُه / لو كان ممتنِعَ الوجودِ لأمكَنا
يا مَنْ بطَلعَتِهِ يَلوحُ لنا الهُدى / وبيُمنِ رؤيتِه نَزيدُ تيمُّنا
ما الروحُ منذُ رحلْتَ إلّا مُهجةٌ / بكَ تُيِّمَتْ فخُفوقُها لن يَسْكُنا
أضناهُ طولُ نَواكَ حتّى أنّه / دلّ النحولُ على هَواهُ وبرهَنا
أخفى الهُدى لمّا اِرتحَلْتَ منارُه / فحلَلْتَ فيه فلاحَ نوراً بيّنا
قد كنتَ فيه وكان صُبحاً مشرِقاً / حتّى اِرتحلْتَ فعاد ليلاً أدكَنا
سلبَ البلا مُذ غِبْتَ ملبَسَ أرضِه / فكسَتْهُ أوبَتُكَ الحريرَ ملوَّنا
فارَقْتَه فأباحَ بعدَك للعِدى / منهُ الفُروجَ وجِئتَه فتحصّنا
أمسى لبُعدِكَ للصّبابةِ مَحزَناً / والآن أصبحَ للمسرّةِ مَعْدِنا
لا أوحشَ الرحمنُ منكَ رُبوعَهُ / أبداً ولا برحَتْ لمجدِكَ موطِنا
مولاي لا برِحَ العِدى لكَ خُضَّعاً / رَهَباً ودانَ لك الزّمانُ فأذْعنا
هبْ أنّهم سألوكَ فاِحسِنْ فيهم / لِرِضا الإلهِ فإنّه بكَ أحسَنا
لا تعجبنّ إذا اِمتُحِنْتَ بكَيدِهم / فالحُرُّ ممتَحَنٌ بأولادِ الزِّنا
فاِغضُضْ بحِلمِكَ ناظراً متيقّظاً / واِجْمَعْ لرأيكِ خاطِراً متفطِّنا
واِغفِرْ خطيئَةَ مَنْ إذا عُذْراً بَغى / وهْو الفَصيحُ غَدا جباناً ألْكَنا
إنّي لأعْلَمُ أنّ عنكَ تخلُّفي / ذَنْبٌ ولكنّي أقولُ مُضمِّنا
أضحى فراقُك لي علَيْهِ عُقوبةً / ليس الّذي قاسَيْتُ منه هيّنا
لا زالَ فيكَ المجدُ مبتهِجاً ولا / فَجعَتْ بفُرقَتِكَ العُلا نُوَبُ الدُّنا
هلُمَّ بنا إلى أرضِ الحَجونِ
هلُمَّ بنا إلى أرضِ الحَجونِ / عسى نقضي الغَداةَ بها دُيوني
وسائِلْ جيرَةَ المَسْعى لماذا / وفَيْتُهُم وقد قبَضوا رُهوني
وعرِّجْ في المقامِ برَبْعِ لَيلى / لتَنْثُرَ فوقَه دُررَ الشّؤونِ
وفتِّشْ ثَمَّ عن كَبدِي فعَهدي / هُنالِكَ قد أراقَتْها عُيوني
وحيِّ على الصّفا حَيّاً قليلاً / له وضعُ الجَبينِ على الوجِينِ
وملعَبَ حورِ جنّاتٍ سَقَتْنا / به الوِلْدانُ كأساً من مَعينِ
محلّاً فيه أسرارُ الأماني / محجَّبةٌ بأحشاءِ المَنونِ
تَسومُ بها القُلوبَ فتشْتَريها / ثَنايا البيضِ بالدُّرِّ الثّمينِ
به تُبدي الشّموسُ دُجىً وتَحمي / بُدورَ قِيانِه شبهُ القُيونِ
يَزرُّ به الحَديدُ على العَوالي / وينسَدِلُ الحَريرُ على الغُصونِ
بسَمْعي من غَوانِيه كُنوزٌ / فَقِفْ فيها لتَنْظُرَها جُفوني
ولي في الخَيْفِ أحبابٌ كِرامٌ / لديّ وإنْ همُ لم يُكرِموني
خضعْتُ لحُبِّهم ذُلّاً فعزّوا / ودِنتُ لحُكمِهم فاِستعبدوني
همُ اِجتمعوا على قتْلي بجمعٍ / ففيمَ على المنازِلِ فرّقوني
عُيوني في هَواهُم أدخلَتْني / وفي العَبَراتِ منها أخرجوني
تقاسَمْتُ الهوى معهُم ولكن / تسلَّوْا عن هَوايَ وهيَّموني
وإذ كُنتُ القَسيمَ بغير عَدلٍ / نجَوْا منهُ وحازوا الصّبرَ دوني
تمرُّ ظِباهُمُ متبرقِعاتٍ / محافظةً على الحُسنِ المَصونِ
فلَيْتَ مِلاحَهُم عدَلَتْ فأعطَتْ / حمائِمَ حَليِها خرسَ البُرينِ
تَغانَوْا بالقُدودِ عنِ العَوالي / وبالأجفانِ عنْ ما بالجُفونِ
فبَينَ لحاظِهِم كم من طَريحٍ / وبينَ قُدودِهمْ كم من طَعينِ
أنا الخِلُّ الوفيُّ وإن تجافَوا / وسايِلْهُم وإن لم يرفِدوني
أودُّ رِضاهُمُ لو كان حَتفي / وأوثِرُ قُربَهُم لو قرّبوني
ألا يا أهلَ مكّةَ إنّ قلبي / بكُم عَلِقَتْهُ أشراكُ الفُنونِ
جميعي صفقةً مني اِشتَرَيْتُم / فدَيْتُكُم ولِمْ بعّضْتُموني
نقلْتُم نحو مكّتِكم فؤادي / وبينَ الكرْخَتَيْنِ تركتُموني
غَرامي في هواكُم عامريٌّ / فهل ليلاكُمُ علِمَتْ جُنوني
أمِنتُكُم على قَلبي فخُنْتُم / وأنتُم سادةُ البلدِ الأمينِ
لَئنْ أنسَتْكُمُ الأيّامُ عَهدي / فذِكرُكُمُ نَجيّي كلَّ حِينِ
وإنْ وَهَنَتْ قِوايَ فإنّ دَمعي / على كَلِفي بكُم أبداً مُعيني
وإن صَفِرَتْ يَدي منكمْ فجدوى / عليّ المجدِ قد ملأتْ يَميني
حليفُ ندىً مكارمُه وفَتْ لي / بما ضَمِنَتْ من الدّنيا ظُنوني
جَسيمُ الفضلِ منتحِلُ المَواضي / رفيعُ القَدْرِ ذي الشّرفِ المَكينِ
كريمُ النّفسِ في سُنَنِ السّجايا / موقّى العِرض عن طعنِ المُشينِ
على الكُبَراءِ يُبدي كِبْر كِسرى / وللفقراءِ ذُلَّ المستَكينِ
إذا عُدّتْ فنونُ الفخرِ يوماً / فمَفخرُهُ مقدّمَةُ الفُنونِ
نسيبٌ جاءَ من ماءٍ طَهورٍ / وكلُّ الخلقِ من ماءٍ مَهينِ
وهل يحكي عناصرَهُ نسيبٌ / وما اِختلطَتْ عَواليها بطِينِ
يَفوحُ شَذا العَبا منه ويَحكي / جَوانبَها مُزاحمَةُ الأمينِ
بفَلْقِ البدرِ موسومُ المحيّا / لردِّ الشمسِ منسوبُ الجَبينِ
هُمامٌ لو أراعَ فؤادَ رَضْوى / لزلْزَلَ رُكنَها بعد السّكونِ
ولو أعدى الصخور عليه سالت / جوامدُها بجاريةِ العيونِ
حِباءُ الليثِ إذ يغشى الأعادي / له وتبسُّمُ السّيفِ السّنينِ
يشمُّ ذَوابِلَ المُرّانِ حُبّاً / ويُعرضُ عن غَضيضِ الياسَمينِ
ويرغبُ في قِتالِ الأُسْدِ حتّى / كأنّ سُيوفَها لفَتاتُ عِينِ
ترى في السِّلْمِ منه حَيا الغواني / وفي هيَجانِه أسَدَ العرينِ
إذا سُلَّتْ صَوارمُهُ أطالَتْ / سُجودَ الذُلِّ هاماتُ القُرونِ
تظنُّ غَمودَهُنّ إذا اِنتضاها / غصَبْنَ الصّاعقاتِ من الدُجونِ
يُبيحُ ذُكورها العزَماتُ منه / فُروجَ المُحصَناتِ من الحُصونِ
كتبْنَ على حواشيها المَنايا / حواشيها على شرح المُتونِ
تَساوى الخلقُ في جدواهُ حتّى / فراخُ القَيْحِ وهي على الوُكونِ
وسلّمتِ الورى دعوى المَعالي / له حتّى الأجنّةُ في البُطونِ
يُضِرُّ ثَناهُ بالجَرْعى ويُحيي / مَسيحُ نَداهُ مَوتى المُعتَفينِ
برؤيةِ وجهه نيلُ الأماني / وفي راحاتِه رَوْحُ الحزينِ
كثيرُ الصّمتِ إن أبدى مَقالاً / ففي الأحكامِ والفضلِ المُبينِ
وإنْ خفقَتْ له يوماً بُنودٌ / فأجنحةٌ لدُنيا أو لِدِينِ
أراضَ جوانحَ الحِدْثانِ حتّى / به ثبتَتْ لنا صفةُ الصُّفونِ
يرى أموالَهُ في عين زُهدٍ / فيعتقدُ اللُجَينَ من اللَّجينِ
ويلقى الدّارعين بآي موسى / فيفلِقُ عنهمُ لُجَجَ الضّغونِ
تشرّفتِ العُلا بأبي حُسينٍ / فبورِك بالمكانِ وبالمَكينِ
فيا اِبنَ الطّاهرينَ ومَنْ أُزينَتْ / بفضلِ حديثهمْ سِيَرُ القُرونِ
ويا اِبْنَ المُحسنينَ إذا الليالي / أساءَتْ كلَّ ذي خطرٍ بهونِ
لقد حسُنَتْ بكَ الدنيا وجادَتْ / بنَيلِ النُّجْح في الزمن الضّنينِ
وفكّ الجودُ أغلالَ العَطايا / وأمسى البُخلُ في قَيدِ الرّهينِ
فسمعاً من ثَنايَ عليكَ لفظاً / يهزّ مناكِبَ الصّعبِ الحَزونِ
أنا ابنُ جَلا القَريضِ متى شكَكْتُم / وطلّاعُ الثّنا أفتَعرِفوني
خُذِ الألواحَ من زُبُرِ القوافي / فنُسخَتُهنّ ترجمةُ اليَقينِ
بكَ الرّحمنُ علّمني المَعاني / وأوحاها إلى قلَمي ونُوني
فكم قومٍ لديكَ تَرى محلّي / فتَغبِطُني وقومٍ يحسدُوني
ليَهنكَ سيّدي عيدٌ شريفٌ / حكاكَ فجلَّ عن شِبهِ القَرينِ
فضحِّ نُفوسَ أهلِ الغَدرِ فيه / وقرِّبْ مهجةَ الدّهرِ الخَؤونِ
ولا برحَتْ عليكَ مخيّماتٍ / سُرادِقُ رِفعةِ الشّرفِ المَكينِ
ضحكَتْ فبانَ لنا عُقودُ جُمانِ
ضحكَتْ فبانَ لنا عُقودُ جُمانِ / فجلَتْ لنا فلقَ الصّباحِ الثّاني
وتزحْزَحَتْ ظُلَمُ البراقِعِ عن سَنى / وجَناتِها فتثلّثَ القَمَرانِ
وتحدّثَتْ فسمِعْتُ لفظاً نُطْقُه / سحرٌ ومعناهُ سُلافةُ حانِ
ورنَتْ فجرّحَتِ القُلوبَ بمُقلةً / طرْفُ السِّنانِ وطرفُها سِيّانِ
وترنّمَتْ فشدَتْ حمائِمُ حَليِها / وكذاكَ دأبُ حَمائِمِ الأغصانِ
لم تلْقَ غُصْناً قبلَها من فِضّةٍ / يهتزُّ في ورَقٍ من العِقْيانِ
عربيّةٌ سعدُ العشيرةِ أصلُها / والفَرْعُ منها من بَني السّودانِ
خودٌ تُصوَّبُ عندَ رؤيةِ خدِّها / آراءُ مَنْ عكَفوا على النّيرانِ
يبدو محيّاها فلولا نُطْقُها / لحَسِبْتُها وثَناً من الأوثانِ
لم تصلِبِ القُرْطَ البريَّ لغايةٍ / إلّا لتنصُرَ دولةَ الصُّلبانِ
وكذاك لم تضْعُفْ جُفونُ عُيونِها / إلّا لتَقوى فِتنةُ الشيطانِ
خلخالُها يُخفي الأنينَ وقرطُها / قلِقٌ كقَلْبِ الصّبِّ في الخَفقانِ
تهوى الأهلّةُ أن تُصاغَ أساوِراً / لتحِلَّ منها في محلِّ الجاني
بخِمارِها غسَقٌ وتحت لِثامِها / شفَقٌ وفي أكمامِها الفَجرانِ
سُبحانَ مَنْ بالخدِّ صوّر خالَها / فأزانَ عينَ الشّمسِ بالإنسانِ
أمرَ الهَوى قلبي يَهيمُ بحبُّها / فأطاعَهُ ونَهَيْتُه فعَصاني
هيَ في غَديرِ الشّهْدِ تخزِنُ لؤلؤاً / وأُجاجُ دَمْعي مخرَجُ المرجانِ
كثُرَتْ عليَّ العاذِلونَ بها فلَو / عدّدْتُهم ساوَوْا ذُنوبَ زَماني
يا قلبُ دعْ قولَ الوُشاةِ فإنّهُم / لو أنصَفوكَ لكُنتَ أعذرَ جانِ
أصحابُ موسى بعدَه في عِجْلِهم / فُتِنوا وأنتَ بأملَحِ الغِزلانِ
عذُبَ العَذابُ بها لديّ فصحّتي / سُقْمي وعِزّي في الهَوى بهَواني
للّهِ نُعمانُ الأراكِ فطالَما / نعِمَتْ به روحي على نُعْمانِ
وسَقى الحَيا بمنىً كِرامَ عشيرةٍ / كفَلوا صيانتَها بكُلِّ أمانِ
أهلُ الحميّةِ لا تزالُ بُدورُهم / تحمي الشّموسَ بأنْجُمِ الخِرصانِ
أُسْدٌ تخوضُ السّابِغات رماحُهُم / خوضَ الأفاعي راكِدَ الغُدْرانِ
تَروى بهم رُبْدٌ كأنّ سِهامَهم / وهَبَتْ لهنّ قوادِمَ العِقْبانِ
كم من مطوّقةٍ بهم تَشدو على / رَطْبِ الغُصونِ ويابِسِ العِيدانِ
لانَتْ معاطِفُهم وطابَ أريجُهم / فكأنّهم قُضُبٌ من الرّيْحانِ
من كلِّ واضحةٍ كأنّ جَبينَها / قبَسٌ تقنّع في خِمارِ دُخانِ
ويْلاهُ كم أشقى بهِم وإلى متى / فيهِم يخلَّدُ بالجَحيمِ جَناني
ولقد تصفَّحْتُ الزّمانَ وأهلَهُ / ونقَدْتُ أهلَ الحُسْنِ والإحسانِ
فقَصَرْتُ تَشبيبي على ظَبَياتِهم / وحصَرْتُ مَدْحي في عليِّ الشّانِ
فهُمُ دَعوني للنّسيبِ فصُغْتُه / وأبو الحُسَيْنِ إلى المَديحِ دَعاني
ملِكٌ عليّ إذا همَمْتُ بمَدْحِه / تُملي شمائِلُه بَديعَ مَعاني
جارَيْتُ أهلَ النّظْمِ تحتَ ثَنائِه / فتَلَوْا وحلْبَتُهُم خُيولُ رِهانِ
مضمونُ ما نثرَتْ عليّ بنانُه / ولِسانُه أبرَزْتُه ببَيانِ
ناجَيْتُه فتشرّفَتْ بكلامِه / أُذُنُ الكَليمِ وحُلَّ عَقْدُ لِساني
سَمْحٌ إذا ما شِئْتَ وصفَ نَوالِه / حدِّثْ ولا حرَجٌ عن الطّوفانِ
بالبحرِ كَنِّ وبالغَمامِ عن اِسمِه / والبدرِ والضِّرغامِ لا بفلانِ
صرعَتْ ثعالبُه الأسودَ فأصبحَتْ / محشوّةً بحواصلِ الغِربانِ
بطلٌ يُريكَ إذا تحلّل دِرعُه / أسدَ العرين بحلّةِ الثّعبانِ
رشفُ النّجيعِ من الأسنّة عندَه / رشَفاتُ حُمرِ بوارِقِ الأسنانِ
يرتاحُ من وقْعِ السّيوفِ على الطُلا / حتّى كأنّ صليلَهُنّ أغاني
ويرى كُعوبَ السُّمرِ سُمرَ كَواعبٍ / وذُكور بيضِ الهِند بيضَ غَواني
لم يستطِعْ وتَراً يلَذُّ له سوى / أوتارِ كلِّ حَنيّةٍ مِرنانِ
قِرْنٌ يقارنُ حظَّهُ بحُسامِه / فيعودُ سعداً ذابحَ الأقرانِ
صاحٍ تدبُّ الأريحيّةُ للنّدى / فيهِ دَبيبَ السُّكْرِ بالنّشوانِ
ذو راحةٍ هي للعِدى جرّاحةٌ / أعيَتْ وأيّةُ راحةٍ للعاني
أقوَتْ بُيوتُ المالِ منذُ تعمّرتْ / فيها رُبوعٌ للنّدى ومَغانِ
للدّهرِ أفلاكٌ تدورُ بكفِّه / والنّاسُ تحسَبُها خُطوطَ بَنانِ
دارَتْ فعندَك ليلُها ونهارُها / نقْعٌ ولمْعُ مهنّدٍ وسِنانِ
أطواقُ فضلٍ كالخواتمِ أصبحتْ / بيَدَيْهِ وهْي طوارقُ الحِدْثانِ
بالنّحسِ تقضي والسعادةِ فالورى / منهنّ بين تخوّفٍ وأمانِ
في سِلمِها تهَبُ البُدورَ وفي الوغى / بالشُّهْبِ تقذفُ ماردَ الفُرسانِ
قد أضحكَ الدُنيا سُروراً مثلَ ما / أبكى السّيوفَ وأعيُنَ الغِزلانِ
حُرٌّ تولّد من سُلالةِ مطلَبٍ / خلَف الأيمّةِ من بني عَدنانِ
من هاشمٍ أهلِ المَفاخرِ والتُقى / والأمرِ بالمعروفِ والإيمانِ
بيتِ النبوّةِ والرسالةِ والهُدى / والوحيِ والتّنزيل والفُرقانِ
قَومٌ تقوّمَ فيهم أودُ العُلا / وَالدّينُ أصبحَ آبدَ الأركانِ
قد حالَفوا سهرَ العيون وخالَفوا / أمرَ الهَوى في طاعةِ الرّحمنِ
من كلّ مَنْ كالبَدرِ كلّفَ وجهَهُ / أثرَ السّجودِ فزادَ في اللّمعانِ
أشباحُ نورٍ في الزّمانِ وجودُهم / روحٌ لهذا العالَمِ الجِسماني
أقرانُ حربٍ كلّما اِقترَنوا لدى ال / هَيجاءِ تحسَبُهم لُيوثَ قِرانِ
لبِسوا سوابغَهُم لأجل سلامةِ ال / أعراضِ لا لسلامةِ الأبْدانِ
وتحمّلوا طعنَ الرِّماحِ لأنّهم / لا يحملون مطاعِنَ الشّنآنِ
بوركْتَ من ولدٍ جرَيْتَ بإثرِهم / فبلَغْتَ غايتَهُم بكلِّ مَكانِ
جدّدْتَ آثارَ المآثرِ منهمُ / ووَرِثْتَ ما حفِظوا منَ القُرآنِ
مولايَ لا برحَتْ تُهنّيكَ العُلا / بخِتانِ غُرٍّ أكرمِ الفتيانِ
نُطَفٌ مطهّرةُ الذواتِ أزَدْتَهم / نوراً على نورٍ بطُهر خِتانِ
خُلَفاءُ مجدٍ من بَنيكَ كأنّهم / للأرضِ قد هبَطوا من الرُّضوانِ
أقمارُ تِمٍّ لا يُوَقّى نقصها / إلّا بلَيلِ عجاجَةِ المَيدانِ
وفِراخُ فتح قبلَ ينبُتُ ريشُها / همّتْ بصيدِ جوارحِ الشُجعانِ
مثل اللآلي لم تزلْ محمولةً / فوقَ التّراقي أو على التّيجانِ
بلغوا وما بلغوا الكلامَ فأدرَكوا / رُشْدَ الكُهولِ بغرّةِ الصِّبيانِ
ما جاوَزوا قدرَ السِّهامِ بطولِهم / فتطوّلوا وسمَوْا على المُرّانِ
شررٌ توارَتْ في زِنادِك إذ وَرَتْ / أمسَتْ شُموسَ مسرّةٍ وتَهانِ
قبَساتُ أنوارٍ تعودُ إلى اللِّقا / شُعَلاً تُذيبُ مواضِعَ الأضغانِ
ستردُّ عنكَ المشرفيّةَ والقَنا / ولدَيْكَ تشهَدُ كلَّ يومِ طِعانِ
وستضْحَكُ البيضُ الظُّبا بأكفّهم / ضحك البُروقِ بعارضٍ هتّانِ
وتَميلُ من خَمر النّجيعِ رماحُهم / مثلَ السُّكارى في سُلافِ دِنانِ
فاِسْلَمْ ودُمْ معهم بأسبغِ نعمةٍ / وألذِّ عيشٍ في أتمِّ تَدانِ
تَصاحى وهو مخمورُ الجَنانِ
تَصاحى وهو مخمورُ الجَنانِ / وهل يصحو فتىً يهوى الغَواني
وأوْرى وجْدَهُ فشكا وورّى / عنِ الأحداقِ في نُوَبِ الزّمانِ
وهل في النّائِباتِ السّودِ شيءٌ / أشدُّ عليه من حدَقِ الحِسانِ
وهل كذوائِبِ الفتيانِ منها / عليهِ تطاولَتْ ظُلَمُ اِمْتِحانِ
تديّن في الهَوى العُذْريِّ حتّى / رأى عِزَّ المحبّةِ بالهَوانِ
أشَدُّ من الأسودِ إذا لَقيها / وفيه عنِ المَهى فرقُ الجَنانِ
فليسَ يفرُّ إلّا عن قِتالٍ / به القاماتُ من عُدَدِ الطِعانِ
إلامَ يرومُ سترَ الحبِّ فيه / فتكشفُ عنه عَثْرات اللِّسانِ
يُشبّبُ بالحُوَيزةِ وهو صبٌّ / تغزُّلُه بغِزلانِ اللِّقانِ
ويسفَحُ دمعَهُ بالسّفحِ شَوقاً / ويلمعُ مضحكُ البَرقِ اليَمانِ
ويطوي السّرَّ منه وكيفَ يَخفى / وفي عينيهِ عُنوانُ العَلانِ
لقد شُغِفَتْ حُشاشتُهُ بنجدٍ / فهامَ بها وحنّ إلى المَجاني
رأى حِفظَ العُهودِ لساكِنيها / وضيّع قلبَهُ بين المَغاني
رهينُ قُوىً على خدّيه تجري / سوابِقُ دمعِه جرْيَ الرِّهانِ
يمرّ على حَصى الوادي فيبكي / فينتثِرُ العقيقُ على الجُمانِ
وتنفحُهُ الصّبا فيميلُ سُكْراً / كأنّ بريحِها راح الدّنانِ
فهل من مُسعِدٍ لفتىً تفانى / فأدْرَكهُ الوجودُ من التّفاني
عليه قضى البِعادُ فعاد حيّاً / لأجلِ عذابِه فيما يُعاني
إذا قبضَ الإياسُ الرُّوحَ منه / به نفخَ الرّجا روحَ التّداني
تُشَبُّ بقَلبه النيرانُ لكنْ / يُشمُّ منَ الحِمى نفَسُ الجنانِ
سقى اللّه الحِمى غيثاً كدمعي / تَسيلُ به البِطاحُ بأُرجُوانِ
ولا برِحَتْ تُجيبُ به اِرتياحاً / قَماري الدّوحِ أقمارَ القِيانِ
حِمىً فيه البُنودُ تُمَدُّ منها / على البيضاءِ أجنحةُ الأماني
ومُرتَبعاً به الضِرغامُ يَبني / كِناسَ الظَبي في غابِ اللِّدانِ
تلوحُ عليهِ نارٌ من حديدٍ / وأخرى للضّيوفِ على الرّعانِ
فكم تزهو به جنّاتُ حُسْنٍ / وكم تجري عليهِ عُيونُ عانِ
بأجفُنِ بيضِه حُمرُ المَنايا / وتحتَ قِبابه بيضُ الأماني
محلّاً في الملاعِب منه تبدو / كواعبُ كالكواكبِ في قِرانِ
حِسانٌ كالشُموعِ تَرى عليها / ذوائِبَها كأعمدةِ الدُخانِ
تماثيلٌ تضلُّكَ لو تَراها / عذرْتَ العاكفين على المداني
بروحي غادةٌ منهنّ تبدو / إلى قلبي وتنأى عن مَكاني
يمثّلها الخيالُ خيال طَرفي / فأُبصرُها وتُحجَبُ عن عِياني
تقُدُّ البيضَ في جَفْنٍ نَحيفٍ / وتَفري السّابغاتِ بغصنِ بانِ
إذا نبذَتْ إلى سمعي كلاماً / حسِبْتُ لسانَها نبّاذَ حانِ
ثناياها كدُرِّ ثَنا عليٍّ / مرتّلةً مرتّبةَ المَعاني
ومُقلتُها وعزمتُهُ سَواءٌ / كِلا السّيفينِ نصلٌ هُندواني
هَواهُ إلى المديحِ كما دعَتْني / كذا التشبيبُ فيها قد دَعاني
حليفُ المَكرُمات أبو حُسينٍ / عزيزُ الجارِ ذو المالِ المُهانِ
أخو هِمَمٍ إذا اِنبعثَتْ فأدنى / مواضيها على هامِ الزّمانِ
وأخبارٍ سرَتْ فبكلِّ أرضٍ / لها عبقٌ يضرُّ بكلِّ شانِ
وأمثالٍ تلذُّ بكلِّ سمعٍ / كأنّ بضرْبِها ضرْبَ المثاني
وأخلاقٍ كروضِ المُزنِ تحكي / مباسِمُها ثُغورَ الأُقحُوانِ
خِصالٌ كاللآلي نافسَتْها / عليه قلائِدُ البيضِ الحَصانِ
شِهابُ وغىً يهزُّ سريَّ نصلٍ / وليثُ سُرىً يَصولُ بأُفعوانِ
يرى وضحَ النّصولِ فُصولَ شَيبٍ / فيخضِبُها بأحمرَ كالدِّهانِ
تبنّاهُ السّحابُ فكان أحرى / بذي الدّعوى عليه النَّيّرانِ
وواخاهُ الحُسامُ فكان منهُ / بمرتبةِ القناةِ منَ السِّنانِ
وحلّتْ منه منزلةَ المَعالي / فأضحَتْ كالخواتِمِ في البَنانِ
وحلّى المجدَ في دُرَرِ السّجايا / فأمْسى وهو كالأفُقِ المُزانِ
كَسا تُرْكَ النّجومِ مُسوحَ نقْعٍ / وروميَّ النّهارِ بطَيْلَسانِ
وأنبتَ في فؤادِ الصُّبحِ رَوعاً / فها كافورُه كالزّعْفَرانِ
كأنّ بُنودَهُ حجّابُ كِسْرى / على كلٍّ قميصٌ خُسْرَواني
وحُمرُ ظُباهُ للمرّيخ رهْطٌ / فكلٌّ عندَميُّ اللّونِ قانِ
توهّمَ أن تَميدَ الأرضُ فيه / فوقّرَها براسيةِ الجَنانِ
وأيقنَ أنّ بذْلَ المالِ يُبقي / له بُقْيا فخلّدَه بِفانِ
لقد غلِطَ الزّمانُ فجادَ فيه / وأعْقَمَ بعدَه فرْجُ الأوانِ
فلو حملَتْ من القمرِ الثُريّا / لما كادَتْ تَجيءُ له بثانِ
تورّث كلَّ فخرٍ من أبيه / وكلَّ تُقىً وفضلٍ واِمتنانِ
كأنّهُما صلاةُ الفجرِ هذا / لذا شَفْعٌ أو السّبعُ المَثاني
عَلا مِقدارُه فحكى عليّاً / فشاركَهُ بتسميةٍ وشانِ
هُما نجمانِ بينهُما اِشتراكٌ / لوِ اِقترَنا لقُلنا الفرقَدانِ
فكم من نهرِ سابورٍ تأتّى / له نصرٌ كيومِ النّهروانِ
وكم في التّابعين لآلِ حَربٍ / له من فتكةٍ بِكرٍ عَوانِ
وأشرفُ ما لهُ في الدّهر يومٌ / قضى يومَ الصّفوفِ بشهرَكانِ
ألا يا اِبْنَ الأيمّةِ من قُريشٍ / هُداةِ الخَلقِ من إنسٍ وجانِ
لقد أشبهتُهُم خَلقاً وخُلقاً / وحُكماً بالقضايا والبيانِ
ووافَيْتَ الزّمانَ وكان شيخاً / فعادَ سوادُ مفرِقِه الهِجانِ
عرَجْتَ إلى المعالي فوقَ طرفٍ / فجارَيْتَ البُراقَ على حِصانِ
كأنّك في اليد البيضاءِ موسى / ورُمحُكَ كالعَصا في زِيّ جانِ
سِنانُكَ عن لِسانِ الموتِ أضحى / لدى الهيجاءِ أفصحَ تَرْجُمانِ
وسيفُكَ لم يزلْ إمّا سِواراً / لملحَمةٍ وإمّا طوقَ جانِ
فدُمْ حتّى يعودَ إليك أمسٌ / وعِشْ حتّى يؤوبَ القارِظانِ
ومتّعكَ الإلهُ بعيدِ فِطْرٍ / وخصّكَ بالتّحيةِ والتّهاني
أيّها المِصقَعُ المهذّبُ طبعاً
أيّها المِصقَعُ المهذّبُ طبعاً / وفتىً يسحَرُ العُقولَ بيانُهْ
والفصيحُ الذي إذا قال شِعراً / خِلتَهُ ينظِمُ النّجومَ لِسانُهْ
لكَ من جوهرِ الكلامِ نِظامٌ / زانَ ما بينَ دُرِّه مَرْجانُهْ
ومَعان مثل اليواقيتِ أضحى الل / لفظُ فيها مرصّعاً عِقبانُه
عِقدُه في نُحورِ حورِ القوافي / وعلى معصمِ البلاغةِ حانُهْ
هو للشّاربينَ روحٌ وراحٌ / بل وروضٌ زَها بهِ ريحانُهْ
لو رأى ما نَبَيْتَ عنه اِبنُ عادٍ / جلَّ في عينِه وهانَتْ جِنانُه
أو ليَعقوبَ منه جاؤوا بشيءٍ / ذهبَتْ عن فؤادِه أحزانُه
يا بديعاً فاقَ الورى وأديباً / رقّ طبعاً وراقَ فيه زمانُه
أنتَ أتحَفْتَني بأبلغِ مدحٍ / جلَّ قَدْراً وفي فؤادي مكانُهْ
دُرُّ ألفاظِه على الدُرِّ يُزري / بل وتُزري على الشّموسِ حِسانُهْ
منّةٌ منهُ كالأمانةِ عنديَ ال / قِدْرُ منها ثقيلةُ أوزانُهْ
أيّها المصقعُ المهذّبُ طبعاً
أيّها المصقعُ المهذّبُ طبعاً / وَفَتىً يسحرُ العقولَ بيانُه
وَالفَصيحُ الّذي إِذا قالَ شِعراً / خِلتهُ ينظمُ النّجومَ لِسانُه
يا بركة المجد يا من للكرام إمام
يا بركة المجد يا من للكرام إمام / لا زال خلفك يشيعك النصر وأمان
وأبيك يا من لأرواح الكماة حمام / لو لم تجر من يمينك لجة الطوفان
عن الغرق ما النجت فوق الغصون حمام /
يا طرس إن جئت عني صاحب المنِّ
يا طرس إن جئت عني صاحب المنِّ / فخضتها بالتحية والثنا منّي
إلى جنابهِ سلمت ركائبك عنّي / واِلثم يمينه أمانة يا طرس عنّي
لما سنا الحسن من خديك آنسنا
لما سنا الحسن من خديك آنسنا / من وحشة البين والهجران آنسنا
وحين فيك الضنا أضحى ملابسنا / من أحمر الدمع فصَّلنا ملابسنا
محاسنك للعقول الراسخة تدهشَن
محاسنك للعقول الراسخة تدهشَن / وذوائبك كالافاعي بالمهيج تنهشَن
ونواظرك منذ ما بين البرية نشَن / فتكن بالارواح لا خافَن ولا اختشن
قلبي بغير الخدود الحمر لا يعني
قلبي بغير الخدود الحمر لا يعني / وفي سوى البيض لا يغرم ولا يعني
إن قلت خلي لهذا الغيّ واتبعني / يقول بعض وجوه العزّ يمنعني
من فوق صادين عينيك الدعج نونان
من فوق صادين عينيك الدعج نونان / وبصحف خديك نسخة حكمة اليونان
يا للعجب نارها تضرم بكل جنان / ولحاظك الحور تسكنها وهنّ جنان
ظبيٌ قبض بالهوى مني الحواس رهون
ظبيٌ قبض بالهوى مني الحواس رهون / كيف اصغى السمع فيهِ لخلّةٍ ينهون
عزيز وصلٍ تركني في عذاب الهون / كل المصائب سوى هجره عليَّ تهون
لي مهجة لسواك من الورى لم تحن / وأضالع فوق غير مودتك لم تحن
وان توالت علينا من نواك المحن / صبراً عسى عن قريب رويتك ينمحن
أعجم هواك واجفاني عنهُ يفصحن
أعجم هواك واجفاني عنهُ يفصحن / ويخونني فيك وهنَّ لي ينصحن
لا باس باهواك لو اضحن دماً ينضحن / عادات أهل الغرام جفونهم يفضحن
لِلّه إخوان صدقٍ ما هواهم مين
لِلّه إخوان صدقٍ ما هواهم مين / بالبين هموا وخلوا بالحشا همّين
كانوا سنا البدر بالداجي ونور العين / غابوا فقل لي بعدهم من يجي بالعين
حتّام يا نفس من سكر الهوى تصحين
حتّام يا نفس من سكر الهوى تصحين / ومسودات الذنوب بتوبتك تمحين
كم تغفلين وفي أسرك طلاب الحين / ما تعملين إذا فاجاكِ هذا الحين
إن شئتِ يا نفس مما تفزعين تنجين
إن شئتِ يا نفس مما تفزعين تنجين / بغير مولاك الشدَّات لا تلحين
ولا تبيعين دينك في ذهب ولجين / خافي من اللَه بعد الشيب ما ترجين
ترفّعت عن رجا الأنذال همّتنا
ترفّعت عن رجا الأنذال همّتنا / ولو دهتنا الليالي ما أهمّتنا
وصروف الايام لو بالشر أَمّتنا / لا تعتقدنا نذلَّ لها ولو متنا
شعارنا الصبرُ والتفويض شيمتنا /