المجموع : 24
وَرْدُ الخُدودِ ودُونَهُ شَوْكُ القَنا
وَرْدُ الخُدودِ ودُونَهُ شَوْكُ القَنا / فَمنِ المُحَدِّثُ نَفْسَهُ أن يُجْتَنَى
لا تَمدُدِ الأيدي إليه فطالما / شَنُّوا الحُروبَ لأنْ مدَدْنا الأعيُنا
وَرْدٌ تخَيَّر من مَخافةِ نَهْبِه / باللّحظِ في وَرَقِ البَراقعِ مَكْمَنا
يُلْقي الكِمامَ معَ الظّلامِ إذا دَجا / ويَعودُ فيه مع الصَّباح إذا دنا
ولطالَما وُجدَ الخِلافُ وإلْفهُ / دِيناً لعَمْرُك للحسانِ ودَيدَنا
قُلْ للَّتي ظلَمتْ وكانتْ فتنةً / لو أنها عَدلتْ لكانتْ أفْتَنا
لمّا سألتُ الثّغرَ منها لُؤلؤاً / قالتْ أما يَكْفيكَ جَفْنُكَ مَعْدِنا
أيُرادُ صَوْنُكِ بالتَّبرقُعِ ضَلّةً / وأرى السُّفورَ لمثْلِ حُسنِك أصْوَنا
كالشّمسِ يَمْتنعُ اجْتلاؤك وَجْهَها / فإنِ اكتسَتْ برَقيقِ غَيْمٍ أمْكَنا
غدَتِ البخيلةُ في حمىً من بُخْلها / فسلُوا حُماةَ الحيِّ عمَّ تَصُدُّنا
وأَبتْ طُروقَ خيالِها فإلى متى / جَرُّ الرّماحِ من الفوارسِ نَحْوَنا
هل عنْدَ حَيِّ العامريّةِ قُدرةٌ / أنْ يَفْعلوا فوقَ الَّذي فعلَتْ بنا
ما هُمْ بأعظمَ فَتكة لو بارزوا / من طَرْفِ ذاتِ الخالِ إذ برْزتْ لنا
إن كان قَتْلي قَصْدَهمْ فلْيَرفَعوا / كِللَ الظّعائنِ ولْيُخلُّوا بَيْننا
ماذا كفَونا من لقاءِ فَواتنٍ / لولا مُراقَبةُ العيونِ أتَيْننا
يا صاحِ مِلْ بالعيسِ شَطْرَ ديارِهم / فطلُولُها أضحَتْ تُشاطرُنا الضَّنى
عُجْ بالمَطيِّ على المنازل عَوْجةً / فلعلَّها تُشفي جوىً ولعلَّنا
ساعِدْ أخاك إذا دعاكَ لخُطّةٍ / وإذا أردتَ مُساعِداً لكَ فادْعُنا
فالجاهلانِ اثْنانِ من بَيْنِ الورَى / فافْطُنْ أُخَيَّ وإنْ هما لم يَفْطُنا
مَن قالَ ما بالنّاسِ عنّي من غنىً / من جَهْلهِ أو قال بي عنهم غِنى
كم رُعْتُ حيَّكِ ثائراً أو زائراً / لمّا عَناني من غرامي ما عنى
عيشٌ كما شاء الصِّبا قضّيْتُه / أصبو وأُصبي كُلَّ أَحْورَ أَعْيَنا
إنّي لأذكرُ في اللّيالي ليلةً / والإلْفُ فيها زارني مُتوسِّنا
بعثَ الخيالَ وجاءني في إثْره / أَرأيتَ ضَيْفاً قطُّ يتْبعُ ضَيْفَنا
الطَّيفُ يرحَلُ وهْو ينْزِلُ مُقلةً / فيها التوهُّمُ قد أُحيلَ تيقُّنا
فاليومَ أَرضَى زُورَ زَوْرٍ طارق / يَسْري لخَطْبِ نوَى الخليطِ مُهوَّنا
أَفدي خُطاه إذا سَرَى بمكانه / منّي ليُمسيَ للزّيارةِ مُدْمِنا
ما إنْ جفَوْتُ الطَّيفَ إلاّ ليلةً / والحيُّ قد نزلوا بأعلَى المُنْحنى
لمّا ألمَّ وقد شَغَلْتُ بمدحةٍ / لعزيزِ دينِ اللهِ فكْريَ مُوْهِنا
في ليلةٍ حسدَتْ مصابيحُ الدُّجَى / كَلِمي وقد كانتْ بها هيَ أَزْينا
قَلمي بها حتّى الصّباحِ وشَمْعتي / بِتْنا ثلاثتُنا ومَدْحُك شُغْلُنا
حتّى هَزَمْنا للظّلامِ جُنودَهُ / لمّا تَشاهَرْنا عليه الألْسُنا
أَفْناهما قَطّي وأَفنَيْتُ الدُّجَى / سَهَراً فأَصبَحْنا وأَسْعدُهم أَنا
وإلى العزيزِ أَمَلْتُ نِضْوي زائراً / لكنّني اسْتَبْضَعْتُ دُرّاً مُثْمَنا
فغَدا يُنيلُ الرِّفدَ مُوفيَ كيْلِه / من قبلِ شَكْوانا لِما قد مَسَّنا
مَلِكٌ أَغرُّ إذا انْتَدى يومَ النَّدى / أَلْفيتَهُ فرداً مواهبُه ثُنا
خَضِلُ الأناملِ بالحِباء إذا احتَبى / كالطّودِ يَحتضِنُ الغَمامَ المُدجِنا
أَمِنَتْ إساءتَه عِداهُ لأنّهُ / مُذْ كان لم يُحسِنْ سوى أنْ يُحسِنا
لمّا رأى السُّلطانُ خالصَ نُصحِهِ / أَضحى بغُرّةِ وجههِ مُتَيمّنا
فغدا وفي يُمناهُ آيةُ مُلكهِ / يُفْني المُسِرَّ عِنادَه والمُعْلِنا
فمتى تَفرْعنَ في الممالكِ مارِقٌ / أَوْمَى إلى قلمٍ له فتَثَعْبنا
وجلا اليدَ البيضاءَ في كَلماته / فتَلقَّف المُتمرِّدَ المُتفَرْعنا
يا مَن إذا أَرخَى عِنانَ جَوادِه / أَضحى وثانيه النَّجاحُ إذا ثَنى
ويعودُ بالجُرْدِ السَّلاهبِ مُسْهلاً / في أَيِّ أَرضٍ سارَ فيها مُحْزِنا
لمّا أَعَرتَ السّمعَ نَبْأةَ صارخٍ / نفَتِ الكرَى عن ناظرَيْكَ تَحنُّنا
أَتْبعتَ حَجَّتَك الحميدةَ غَزْوةً / فقضَيْتَ أَيضاً فَرْضَها المُتَعيِّنا
وجَررْتَ أَذيالَ الكتائبِ مُوغِلاً / في الأرضِ خلْفَ بني الخَبائثِ مُثْخِنا
حتّى غدَتْ تلك المَجاهلُ منهمُ / وكأنما هُنّ المَناحِرُ مِن مِنى
سَقتِ الصّوارمُ أَرضَهمْ من بعدِ ما / قلّبْنَ أَظهُرَها السَّنابِكُ أَبْطُنا
وأَرْيتَهمْ إعجازَ يومِ حَفيظةٍ / لم يُبقِ صِدْقُ الضَّرْبِ فيه مَطْعَنا
زرَعَ الطِّعانَ فسَنْبلَتْ في ساعةٍ / من هامِهمْ وشُعورِهمْ سُمُرُ القَنا
فغدا هُناكَ ببأْسِ أَحمدَ مُؤمِناً / مَن لم يُعَدَّ بدينِ أَحمدَ مُؤمِنا
هل عُصبةُ الإشراكِ تَعلَمُ أَنّها / ما صادَفَتْ من حَدِّ سيفِكَ مأْمَنا
لكنّما رجَع الجيوشُ وغُودِروا / إذ كان خَطْبُهمُ عليكمْ أَهْوَنا
مثْلَ القنيصِ ازْورَّ عنه فارسٌ / والسَّهمُ فيه جنَى عليه ما جنَى
يَرجو البقاءَ وما بقاءُ مُصَرَّعٍ / تَخِذَ السِّنانُ القلْبَ منه مَسْكَنا
إن تَرجِعوا عنهمْ فلا يَترقَّبوا / إلاّ الفَناءَ مُباكِراً لهمُ الفِنا
والسُّحبُ بعدَ عُبورِهنَّ يَرى الوَرى / في إثْرِها أثَرَ السُّيولِ مُبيَّنا
فَلْيَهنأ الإسلامَ أَنَّ عِمادَه / مُذْ جَدَّ في طَلَقِ المكارمِ ما ونَى
صَلِيَتْ شُواظَ الحربِ أَعداءُ الهُدَى / مُذْ سار في فَلَكِ المعالي مُمْعِنا
وكأنّه الشَّمسُ المنيرةُ طالعَتْ / خِططَ البلادِ من القَصيّ إلى الدُّنا
فأباتَ أرضاً نُورُها مَسكونةً / وأبتْ لأُخرى نارُها أن تَسكُنا
للهِ مَقْدَمُ ماجدٍ أضحَى به / عنّا لنازلةِ النَّوائبِ مَظْعَنا
عَوْدٌ إلينا عادَ أحمدُ كاسْمِه / فغدا بإقبالٍ يُضاعَفُ مُؤْذِنا
كانتْ شَرارةَ فتْنةٍ مَشْبوبةٍ / فلقد تَرامَتْ أشْمُلاً أوْ أيمُنا
قُلْ للَّذين تَشعَّبوا شُعَباً لأنْ / ظَنّوا خِلافَكُم مَراماً هَيِّنا
ما إنْ يُنازِعُ ضَيْغَماً في غِيلِه / إلاّ امْرؤٌ ملَّ الحياةَ وحُيِّنا
ومَنِ ابتنَى وسْطَ العرينِ قبابَهُ / فأحسَّ ريحَ اللَّيثِ قَوَّض ما ابْتَنى
في كلِّ غابٍ غابَ عنه سَليلُه / مَرْعىً ولكنْ لا قَرارَ إذا انْثَنى
سيُريحُ عازِبَ كُلّ أمرٍ سائسٌ / يُرضي الرَّعيّةَ عادلاً أو مُحْسنا
يا مَوئلاً يُولي الأنامَ صنائعاً / أمسَتْ منَ الشُّهُبِ الطَّوالعِ أبْيَنا
ما إنْ دعاكَ لِصيتِه ولمُلْكِهِ / إلاّ أجَبْتَ مُحسِّناً ومُحصِّنا
كُلٌّ إذا استَرعَوْهُ يَسْمَنُ مُهزِلاً / في ذا الزَّمانِ وأنت تَهزِلُ مُسْمِنا
دَسْتُ الوِزارةِ لم يَزَلْ مَنْ حَلَّهُ / ولَئنْ تَجلّى ملءُ عَيْنَيْ مَنْ رَنا
كالبدرِ في ليلٍ ورأيُكَ شمسُه / والبدرُ مُقْتَبسٌ من الشَّمسِ السَّنا
سِيّانِ عندكَ كان رَبْعاً آهِلاً / للحيِّ أو رَسْماً عفا وتَدمَّنا
ما إنْ خذَلْتَ على اختلاف شعارِه / مُتعلِّياً ناداك أو مُتعَثْمِنا
واليومَ أجدَرُ حينَ أصبحَ عُطْلُه / مُتزيِّناً لمّا غدا مُتَزيَّنا
لا زلتَ ثَبْتاً في المواقفِ كُلّما / لَعِبَ الزّمانُ بأهلِه وتَلوَّنا
أما الرجاء فلم يزل متغربا / حتى إذا وافى ذُراك استوطنا
ألقَى إلى ابْنِ أبيه منكَ رِحالَه / فلِذاكَ أنتَ بهِ شديدُ المُعْتنَى
أَنتَ الرَّجاءُ لكلِّ مَن يطأُ الثَّرى / فإليكَ كان أَشار حينَ به اكْتنَى
لك في العُلا هِمَمّ تَزيدُ على مَدَى / زَمَنٍ فعشْتَ لنَشْرِهنَّ الأزْمُنا
وكأنّها والدّهرَ نَهْجٌ ضَيِّقٌ / أَصبحتَ تَسلُكُ فيه جَيْشاً أَرْعَنا
وكتابُ عصرِكَ مُذْ أَتَى أَبناءه / واللهُ ضَمَّنه عُلاكَ وعَنْوَنا
قرأوا إلى ذا اليومِ عُنْواناً له / وقلوبُنا تَتَطلَّعُ المُتضمَّنا
يا ماجداً عَبِقَ الزّمانُ بذِكرهِ / والذِّكرُ في الأيّامِ نعْم المُقْتَنى
يَزْدادُ عندَك حُسْنُ ما نُثْنِي به / كمَزيدِ ما توُليهِ حُسْناً عِنْدَنا
وأَعُدُّ مدْحَ ملوكِ عَصْريَ هُجْنةً / وأَعُدُّ تَرْكَ مديح مثْلِك أَهْجَنا
فبلَغْتَ قاصيةَ المَدى وملكْتَ نا / صيةَ العُلا وحَويْتَ عاصِيةَ المُنى
وبَقِيتَ من غيرِ انْقطاع ماضياً / وبلا تَغَيُّرِ آخِرٍ مُتمكِّنا
يا مُودِعَ السِّرِّ دُرّاً عنْدَ أَجفاني
يا مُودِعَ السِّرِّ دُرّاً عنْدَ أَجفاني / ومُتْبعَ السِّرِّ إيصاءً بكِتْمانِ
وخاتِماً لي على العَيْنَيْنِ في عَجَلٍ / يومَ الوَداعِ وقد غابَ الرَّقيبان
بخاتِمٍ من عَقيقٍ أَحمرٍ عَجَبٍ / ونَقْشُه باللّآلي البِيضِ سَطْران
أَمِنْتُ إنسانَ عيني أَنْ يَنمَّ به / أَيّامَ ما مِن وفاءٍ عند إنْسان
لم يُغْرِ بي غَيْرُ شانٍ في وِشايته / والنّاس بالبُعْدِ لا يَدْرونَ ما شاني
لم تَحْكِ يا دمعَ عيني عند قاتلتي / غداةَ تَرجمْتَ عن بَثّي وأَشجاني
إلاّ العِبادِيَّ زيْداً عند مَوقفِه / مُترجِماً عند كِسْرَى قَولَ نُعْمان
للهِ بدْرٌ وأطرافُ القنا شُهُبٌ / يَجلوهُ فيهِنَّ من صُدْغَيْهِ لَيْلان
تقولُ للبدرِ في الظَّلماءِ طَلْعتُه / بأَيِّ وجهٍ إذا أقبلتُ تَلْقاني
وجْهُ السّماءِ مِرآة لي أُطالِعُها / والبدرُ وَهْناً خيالي فيه لا قاني
لم أنسَه يومَ أبكاني وأضحكَهُ / وُقوفُنا حيثُ أرعاه ويَرعاني
كلٌّ رأي نفْسَه في عَيْنِ صاحبه / فالحُسْنُ أَضحكَه والحُزْنُ أَبكاني
قد قوَّس القَدَّ توديعاً وقرَّبني / سَهْماً فأبعدَني من حيثُ أدناني
وكنتُ والعِشْقَ مثْلَ الشّمعِ مُعتلِقاً / بالنّارِ أَبقيْتُه جَهلاً فأفناني
يا مَنْ بطَرْفٍ وقَدٍّ منه غادرَني / مُتَعتَماً بينَ مَخْمورٍ وسَكْران
لِمْ فَتْلُ صُدغَيكَ طولَ الدَّهرِ تُلبسُه / أذْنَيْكَ قَيْداً وقلبي عندك العاني
والسّاحران هما العينانِ منك لنا / فلِمْ يُعاقَبُ بالتَّنكيسِ قُرْطان
أخشَى عليك وقد أضَرَرْتَ مُعتدِياً / عُقْبَى جنايةٍ طَرْفٍ منكَ فَتّان
ففي زمانٍ مُغيثُ الدّينِ سائسُهُ / لا يَجسُرُ الدَّهرُ إبقْاءً على جان
أعلى السّلاطينِ في يَوْمَيْ وغىً وندىً / رأياً وأفضلُ في سرٍّ وإعلان
لا يملأُ العينَ منه نظْرةً أحدٌ / ويَملأُ الأرضَ منْ عدلٍ وإحْسان
في القلبِ منه مكانٌ لا يُتَيِّمُه / أجفانُ بيضٍ ولكنْ بِيضُ أجفان
لم يَعْهدوا كمَضاءٍ في صَوارمه / في سَيْفِ غِمْدٍ ولا في سَيْفِ غُمْدان
أَغرُّ تَمتَحُ من قُلْبِ القُلوبِ له / حُمْرَ المياهِ دِراكاً سُمْرُ أشْطان
سُيوفُه البيضُ ما لم تُجْرِ بَحْرَ دمٍ / في عَيْنه كَسرابٍ عند ظَمْآن
تَكِلُّ إن سار عَيْنُ الشّمس عنه سناً / حتّى تَودُّ لو انْصانَتْ بأجفان
لكنْ مِظَلَّتُه تُضْحي مَسَدَّتَها / فَيتّقي نورَها منه بإكْنان
إذا بدا طالعاً في سَرْجِ سابقةٍ / في يومِ هَيْجاءَ أو في يومِ مَيْدان
والطَّرْفُ حاكي رياح أَربع حَملَتْ / قَصراً وفارِسُه حاكي سُلَيمان
مَن خاتِمُ المُلكِ في يُمناهُ صارِمُه / فلا يُخافُ عليه خَطْفُ شَيطان
بل مَتْنُه الدَّهْرَ فيه من سياستهِ / إذا نظرْتَ إليه حَبْسُ جِنّان
يا آخِذَ الأرضِ بأساً ثُمّ مُعطِيَها / جُوداً فللنّاسِ منه الدَّهرَ يومان
مَن لو تَصافنَ ماءَ البحرِ عَسْكرُه / لَما استَتمَّ لهمْ في الشُّرْبِ دَوْران
مَن يَرتدي بحديدِ الهندِ منْ شَرَفٍ / ويُنْعلُ الخيلَ راجيهِ بعِقْيان
لا غرْوَ إنْ وَسَمَتْ أَيدي الجيادِ له / مناكبَ الأرضِ من قاصٍ إلى دان
فأنتِ وُسِّمتِ أَيضاً يا سماءُ له / فما هِلالُكِ إلاّ نونُ سُلْطان
لمّا امتطَى الخيلَ والأفلاكَ لاح له / بالنّارِ والنُّورِ للأبصارِ وَسْمان
يَسترزِقُ الوحْشُ مثلَ الإنْس نائلَه / من كفِّ مطْعامِ خَلْقِ اللهِ مِطْعان
يَقْري الوَليَّ ويُقْرَى بالعدوِّ إذا / ما ضافَهُ جائعاً نَسْرٍ وسِرْحان
كم يَغْتدي كلّما شاءَ القنيصَ له / غُرٌّ على الغُرِّ من خَيلٍ وغِلْمان
وفي الكنائنِ منهمْ والأكفِّ معاً / إلى وُحوشِ الفلا جُنْداً خليطان
من كُلِّ سَهْمٍ وشَهْمٍ طائرٍ بهما / من مُستعارٍ ومَمْلوكٍ جناحان
زُرْقٍ جَوارحَ أَو زُرْقٍ جَوارحَ قد / علِقْنَ منهمْ بأيسارٍ وأَيْمان
وكلُّ مُستَردَفٍ يَعْدو الحصانُ به / مثْلُ السّبايا قُعوداً خلْفَ فُرسان
تَقولُ خاطَتْ له ثوباً رشَتْهُ بهِ / من فأرِ مسْكٍ فتيقٍ أُدْمُ غِزْلان
كأنّ في كلِّ عضْوٍ منه من شَرَهٍ / إلى التَّقنُّصِ مفْتوحاتِ أَعيان
وأَغضفٍ مثلِ نجْم القَذْفِ من سَرَعٍ / إذا عدا لاحقِ الأحشاء طيَّان
تَعودُ في كفِّه حَظْفاً وَسيقتُه / كأنّها قَبْسةٌ في كَفِّ عَجْلان
فاسْألْ يُجِبْكَ خَبيرُ القومِ عن مَلكٍ / يَداهُ والجودُ في الدُّنيا حليفان
ما بالُ تصويرِ أُسْدٍ في سُرادقه / وليس تُملأُ خَوفاً منه عَيْنان
والأُسْدُ إن كان يومَ الصَّيْدِ يُبْصِرُها / يُقَدْنَ قُدّامَه قَوْداً بآذان
هل ذاك إلاّ لأنَّ المُستَجيرَ بهِ / يُعيضُه الدَّهرُ إعزازاً بإهْوان
يا عادلاً عَدْلُه والجودُ في قَرَنٍ / وقائلاً قولُه والفِعْلُ تِرْبان
إنْ كان في عَدْلِ نُوشروانَ مُفتخَرٌ / والنّاسُ في عَهْدِه عُبّادُ نيران
فأنتَ تكْبرُ عن شِبْهٍ تُقاسُ به / لكنْ وزيرُك نُوشروانٌ الثّاني
ليس السّعادةُ إلاّ كالكتابِ ولا / حُسْنُ اخْتيارِ الفَتى إلاّ كعُنوان
فَرغْتَ للدّينِ والدُّنيا تَسوسُهما / وأنت ملآنُ من عُرْفٍ وعِرفان
ذو همّةٍ في سماءِ المجدِ عاليةٍ / من دونِ أقصرِ سَمكَيْها السِّماكان
لا يَهْتدي الفَلَكُ الأعلى لغايتها / فدَوْرُه المُتمادي دَوْرُ حَيران
مَلْكٌ إذا ما توالَتْ نَظْرتانِ له / فَعَدِّ عن ذِكْرِ بِرْجيسٍ وكِيوان
محمودٌ اسْماً وفعْلاً في مَمالكِه / بكلِّ ما ساسَ من رِزْقٍ وحِرْمان
تَقْضي كواكبُ أطرافِ الرّماح له / على المُلوكِ بنَصْرٍ أو بِخذْلان
أضحَتْ علامةُ باللهِ اعتصمتُ له / على فُتوحٍ عَذاريَ مثْلَ بُرهان
كفعلِ مُعْتصمٍ باللهِ قام فلَمْ / يُعهَدْ كفَتْحَيْهِ للإسلامِ فَتحان
في الرُّومِ والخُرَّميّينَ الّذينَ طغَوْا / وسْطَ الممالكِ دَهْراً أيَّ طُغْيان
كذاكَ نرجوكَ للفتْحَيْنِ في نَسَقٍ / وقد تَشبَّه أَزمانٌ بأزمان
يا زائداً عُظْمَ شأنٍ كلّما نظروا / لا زلتَ ذا عُظْمِ شأنٍ يُرغم الشّاني
إذا نظَرْتَ إلى قِرْنٍ قضَى فَرَقاً / فأنت عن سلِّ سَيْفٍ للعدا غان
تقبيلُ كفِّكَ وهْيَ البحرُ غوصُ فمي / للقول فيك على دُرٍّ ومَرْجان
حَتّام كَفِّيَ مَلأْى من لُها مَلكٍ / وسَمْعُه من ثنائي غَيْرُ ملآْن
إنْ كان في النّاسِ مَنْ كُفرانُ أنعُمه / كُفْرٌ فكُفرانُ مَوْلَى الأرضِ كُفْران
إلى كَنيِّ النّبيِّ ابْنِ السَّميِّ له / من الملوكِ سَرتْ بي كُلُّ مِذْعان
حَرْفٌ تُصرَّفُ في حَلٍّ ومُرتَحَلٍ / تَصريفَ حرْفٍ بتحْريكٍ وإسْكان
فاسْمعْ فدَى العبدُ سَمْعاً دُمتَ مرعيَهُ / فليس خلْفَ المعاني مثْلُ إمعاني
بديعةً تَتلقّاها الرُّواةُ لها / حيثُ انتهَتْ من عِراقٍ أو خُراسان
إنِ لم تكنْ قَبلَ حسّانٍ فرائدُها / فإنّ مُهديَها من جيلِ حَسّان
إذا يَمينُ أميرِ المؤمنينَ غدا / وقد تسوَّرها فالفَخْرُ أغناني
أضحى سريرُك قد حَفَّ الكُفاةُ بهِ / كأنّه البيتُ مَحْفوفاً بأركان
فليس يَنْفكُّ من قُرْبٍ ومن بُعُدٍ / يَحُجُّ أذْراءه عيسٌ برُكبان
فعِشْتَ في ظلِّ مُلْكٍ لا انْحسارَ له / حليفَ جَدٍّ وفيٍّ غيرِ خَوّان
جدَّدْتَ ما أبْلَتِ الأيّامُ من أدَبٍ / فدُمْتَ للمُلْك أو يَبْلَى الجديدان
وبَرقُ مَشيبٍ في ظلامِ ذَوائبٍ
وبَرقُ مَشيبٍ في ظلامِ ذَوائبٍ / له قَطْرُ دمعٍ من غمامِ جُفونِ
أَرِقْتُ له لمّا أَضاء وَميضُه / أُقلِّبُ منّي فيه طَرْفَ حَزين
وقلتُ له يا برقُ هل أَنت زائدي / على حُرَقي أَم تاركي وشُجوني
بُروقُ الورَى تَبْدو وتَخْفَى سريعةً / وبَرْقي مُقيمٌ ليس يَرحَلُ دوني
ومن عَجَبٍ أَنّي لدى لَمعانِه / عَلِقْتُ بحَبْلٍ للوَقارِ مَتين
وعَهْدي بنَفْسي قبلَ ذلك لم أَشِمْ / سَنا بارقٍ إلاّ وجُنَّ جُنوني
فأصبحتُ قد ودَّعتُ عهدَ شَبيبتي / وقلتُ لأطْرابي حَرُمْتِ فَبِيني
وكلُّ حَراكٍ كان بي نحْوَ لذّةٍ / تَبدَّلَ منّي عَهْدُه بسُكون
سوى واحدٍ أَنّي إذا ذُكرَ الصِّبا / وماضيهِ لم أَملِكْ إليه حَنيني
سأُمسك عن قَدْحي لنارِ بلابلٍ / غدَتْ في زِنادِ القَلْبِ ذاتَ كُمون
أَروحُ على عَزْمٍ جَموحٍ إلى العُلا / مُسايرَ جَدٍّ في الجُدودِ حَرون
وأَظْهَر لي ما أَضمرَ الدّهرُ حقْبةً / ودهرُ الفتَى ذو أَظهُرٍ وبُطون
ولمّا رأَيتُ الرّأسَ جَنَّحَ نَمْلُه / وقلتُ نذيرٌ باقْتِرابِ مَنون
ولم أَك للعُقْبَى قطعْتُ علائقي / ولم أَك للدُّنيا قضَيْتُ شُؤوني
أَسِفْتُ على عُمْرٍ تَصرَّمَ ضائع / وجُدْتُ بدَمْعٍ يَسْتَهِلُّ هَتون
وآنسَني بُعْدي من النّاسِ جانباً / وإنْ هُمْ على أَحْداقهم حَملوني
فلمّا غدا عِبْئاً على جَفْنِ ناظري / لقاءُ الورَى من صاحبٍ وخَدين
أَلِفْتُ الفلا مُستوطناً ظهْرَ ناقةٍ / تَلُفُّ سُهولاً دائماً بحُزون
وما سِرْتُ إلاّ في الهَواجرِ وحْدَها / كراهةَ ظلّي أنْ يكونَ قَريني
وآلَيتُ لا استَخْلصْتُ لي غيرَ صاحبٍ / حفيظٍ على سِرِّ الخليلِ أَمين
صَموتٍ فإن جَرَّدْتَه فجَميعُه / لسانٌ مُبينُ الهامِ غيرُ مُبين
نَزيلِ شِمالي الدّهرَ ما نام جَفنُه / فإن أَيقظتْهُ الحربُ حَلَّ يَميني
ومَطْويّةِ الأقرابِ طاويةِ الفلا / بطُولِ نَجاءٍ بالنَّجاحِ ضَمين
تُوسِّدُني إحدى يدَيْها وتارةً / بأربَعِها أطْوي البلادَ أَمون
فيا صاحبيَّ اليومَ والدّهرُ رائعي / بأعجَبِ أبكارٍ طَرقْنُ وعُون
لِيَهْنِكُما أنّي الغداةَ إليكما / على عِزِّ أَنصاري جَعلْتُ ركوني
ألا فصِلاني بارك اللهُ فيكما / ولا تَعْبآ بالصَّحْبِ إن هَجَروني
فما هيَ إلاّ عزْمةٌ بعْدها الغِنَى / وتَرويحُ رَحْلٍ عنْدَها ووَضين
بنا ظَمأٌ بَرْحٌ وبالرَّيِّ رِيُّنا / وما تلك عندي من نوىً بشَطون
وما تُنكِرُ الأقوامُ يومَ بلُوغِها / لئنْ صدقَتْ فيما رجَوْتُ ظُنوني
إذا راحَ بعدَ اللهِ يا دهرُ أو غدا / عليكَ مُعينُ الدّينِ وهْو مُعيني
إذا عَلِقَتْ كَفّي بحَبل رجائهِ / فَقُلْ لِلّيالي كيف شِئْتِ فكُوني
فتىً عنده للمُستَعينِ برأيهِ / إغاثةُ دُنياً أو إعانَةُ دِين
هُمامٌ إذا لاقَى الوفودَ أنالَهمْ / جميعَ الأماني ثُمَّ قال سَلوني
إذا ما اشْتَرى حُسنَ الثّناء بمالِه / رأى نَفْسَه في ذاك غيرَ غَبين
صَفوحٌ عنِ الجاني سَفوحٌ حُسامُه / خُشونتُه أَضحتْ قرينةَ لين
إليهِ انْتِسابُ الفضْلِ مثْلُ انتسابِه / إلى الفَضْلِ صِدْقٌ فهْو غيرُ ظَنين
فلا فاضِلٌ تَلْقاهْ إلاّ وعندَه / يُبدِّلُ عزّاً يَقْتَنيهِ بهُون
له مَجلسٌ قد ظَلَّ للعلْمِ مَعْلَماً / مَضمَّ الورى من زائرٍ وقَطين
جَموعٌ لأصحابِ الإمامَيْنِ كُلِّهمْ / بهِ ذو مكانٍ يَرْتَضيهِ مَكين
إذا رَكضوا في حَلْبةِ الفِقْهِ راقَنا / بُدُوُّ هجانٍ عندَها وهَجين
أئمّةُ عَصْرٍ كالنُّجومِ مُطيفةٌ / ببَدْرِ عُلاً للنّاظرِينَ مُبين
فلا افْترقَ الشّمْلُ الّذي هو جامعٌ / بصَرْفِ زمانٍ للكرامِ خَؤون
ولا زالَ منه الدِّينُ يُصبحُ لاجئاً / إلى طَوْدِ عزِّ في الخُطوبِ رَزين
مَديدِ ظلالٍ للرَّعايا ظليلةٍ / وحِصْنٍ لأسرارِ المُلوكِ حَصين
أخي شَغَفٍ منه بفنِّيْنِ زائدٍ / وإنْ جاء من إحسانهِ بفُنون
بإجْراء مالٍ للعُفاةِ معونةً / وإجراء ماءٍ بالفلاةِ مَعين
فيا بَحرَ جودٍ لم يُحَدَّ بساحلٍ / ولَيْثَ وغىً لم يَعْتَزِزْ بعَرين
لنا من نَداهُ كلُّ بَدْرٍ وبَدْرةٍ / وكلُّ نفيسٍ يُقْتَنى وثَمين
وكلُّ وجيهيٍّ أغرٍّ مُحجَّلٍ / مُقَيَّدِ حُورٍ بالفَلاةِ وَعين
سَبوقٍ لخيلِ اللّيلِ والصُّبحِ عَفْوُهُ / على بُعْد شأوٍ للرّهانِ بَطين
جَرى أشهَبُ الإصْباحِ وهْو وراءه / فلمّا تَجلَّى بادياً لعُيون
أبَى غيرَ سَبْقِ الصُّبْحِ مَعْ شُغْلِه له / بشَكْلِ ثلاثٍ بعْدَ لَطْمِ جَبين
أيا صاحباً زان الزَّمانَ بفَضْلِه / فلا افْتَرقا من زائنٍ ومَزين
لقد نام بيضُ الهندِ أمْناً فما يُرَى / لَهُنَّ غِرارٌ هاجراً لجُفون
ومُذْ شاهدَتْ أطرافَ أقلامهِ القَنا / أَبَتْ خِيفةً إلاّ ارْتعادَ مُتون
وحُسّادُه اشْتاقَتِ عطاشُ حُلوقِهمْ / وُرودَ مياهِ في الجُفون أُجون
ليُطْلِقَ أرواحاً غَدتْ من جُسومهمْ / مُعذَّبةً في مُظْلماتِ سُجون
إذا ما نطاقُ العَفْوِ ضاقَ عنِ العدا / وباؤوا بحَرْبٍ لا تُطاقُ زَبون
غدَتْ تَنْبُشُ العِقبانُ عنهمْ لتَهْتدي / إلى كلِّ ثاوٍ في القَتامِ دَفين
بكَ الرَّيُّ أَضحتْ وهْيَ للنّاسِ كَعبةٌ / بعيدةُ رُكْنٍ من صَفاً وحَجون
ولولاكَ ما كانتْ تَغَصُّ عِراصُها / بخَيْلٍ لنُزّاعِ البلادِ صُفون
أَتَى غُرَمائي يومَ أَزمعْتُ رِحْلتي / وقد أَنظروني القومُ وانْتَظروني
وقلتُ إلى المولَى المُعينِ تَوجُّهي / فطالَبني بالحَقِّ كُلُّ مُدين
وعَدُّوا رَجائيهِ غنىً فتَباشَروا / بذلكَ إلاّ أَنّهمْ لَزِموني
مدَحْنا وفي أَجيادِنا وَسْمُ جُودِه / كما خَطبَتْ خَطْباءُ فوقَ غُصون
كأنّا حَمامٌ حينَ لاقتْ نفوسَنا / جزَتْ صَوْغَ أَطواقٍ بصَوْغِ شُجون
ومَنْ لي لِما تُولي بشكرِ ابْنِ حُرّةٍ / بأدْنَى قضاءِ الحقِّ عنه قَمين
وما لي سوى شكرٍ وإنْ كان قاصراً / بسالفٍ ما أَوْلَيْتَنيهِ رَهين
حياءً لأملاكِ الزّمانِ إذا همُ / رأو مَوْضعي في الفَضْلِ واطَّرحوني
فعَيبِيَ أَنْ لم يَعْرِفوني وعيْبُهمْ / إذا ضيّعَوني بعدَ أَنْ عَرَفوني
دنا مِن مُناهُ مَنْ نأى عن ديارِه / إليكَ ونال المُبتغَى بيقين
إذا بذَلَ الرَّاجي لك الوجْهَ صُنْتَهُ / وكنتَ له بالمالِ غيرَ ضَنين
لصَوْنكَ مبذولاً من الوجهِ طالما / بذلْتَ من الأموالْ كُلَّ مَصون
عزَزْتَ بفضْلِ المالِ لمّا أَهنْتهُ / وهان له مَن كان غيرَ مُهين
رجاؤكَ بعدَ اللهِ أَحْيا حُشاشتي / وقد غَلِقَتْ عند الحِمامِ رُهوني
ولو شِئْتُ أَيضاً رَدَّ شَعريَ حالكاً / وجلْدةَ وجهي غيرَ ذاتِ غُضون
إذا لم تَقْدِرا أَنْ تُسعداني
إذا لم تَقْدِرا أَنْ تُسعداني / على شَجَني فَسِيرا واتْرُكاني
دَعاني من مَلامِكُما سَفاهاً / فداعي الشَّوقِ دُونكُما دَعاني
وأينَ منَ الملامِ لقَى هُمومٍ / يَبيتُ ونِضْوُه مُلْقَى الجِران
يَشيمُ البرقَ وهْو ضجيعُ عَضْبٍ / ففي الجَفْنَينِ منه يَمانيان
وقفْتُ ولم تَقِفْ منّي دُموعٌ / لأجفاني تُعاتِبُ مَنْ جَفاني
ولا أَنسَى وإنْ نُسِيَتْ عُهودي / غداةَ حدا الرِّكابَ الحادِيان
فماج إلى الوَداعِ كثيبُ رَمْلٍ / ومال إلى العناقِ قضيبُ بان
وحاول منه تَذكرةً مشوقٌ / فأعطى خدَّهُ عِقْدَيْ جُمان
ودرَّعَ قلْبَهُ بالصّبْرِ حتّى / رماني بالصَّبابةِ واتَّقاني
أميلُ عن السُّلُوِّ وفيه بُرْؤٌ / وأعلَقَ بالغرامِ وقد بَراني
وتَعجبُ من حنيني في التّنائي / وأعجبُ من صُدودِكَ في التَّداني
ألا للهِ ما صنعَتْ بعَقْلي / عَقائلُ ذلك الحَيِّ اليَماني
نَواعمُ ينْتَقِبْنَ على شَقيقٍ / يَرِفُّ ويبْتَسِمْنَ عنِ اقْحُوان
دنَوْنَ عشيّةَ التّوديعِ منّي / ولي عينانِ بالدّمِ تَجْريان
فلم يَمْسحْنَ إكراماً جُفوني / ولكنْ رُمْنَ تَخْضيبَ البنان
وكم إلْفٍ حَواني البُعْدُ عنه / وأضلاعي على كمَدٍ حَوان
أذُمُّ إليه أيّامُ التّنائي / وإن لم أحظَ أيّامَ التّداني
وأجعَلُ لو قَدَرْتُ على جُفوني / طريقَ الطّارقينَ إلى جِفاني
وليلٍ خِلْتُ لَمْعَ الشُّهْبِ فيه / شَرارَ غضاً تَطايرَ في دُخان
طَرقْتُ الحيَّ فيه على سَبوحٍ / يلوحُ أمامَ غُرَّتِه سِناني
كأنّ بَريقَ ذا وبياضَ هذي / إذا اقْترنا بلَيْلٍ كَوكبان
ودهْرٍ ضاعَ فيه مَضاءُ حَدّي / ضياعَ السَّيفِ في كفِّ الجَبان
أُكابدُ فيه كُلَّ وضيعِ قومٍ / إذا بهرَتْهُ رِفْعتيَ ازْدَراني
يُطَيْلِسُ منه رأْساً فيه أوفَى / وأكثرُ من خُيوطِ الطَّيْلَسان
وفي الكُمِّ العريضِ له يمينٌ / حقيقٌ أنْ تُقطَّعَ باليَماني
أقولُ إذا همُ حَسدوا مكان / تعالَيْ فانْظُري بمَن ابتلاني
ولو عَزّوا أهنْتُهمُ انْتِقاماً / ولكنْ لا إهانةَ للمُهان
زمانُكَ ليس فيه سِواكَ عَيْبٌ / وعيبٌ ليس فيَّ سِوى زَماني
وركْبٍ آنسوا أمَداً فحَثّوا / إليه العِيسَ تَمرَحُ في المَثاني
بآمالٍ كما قَطَعوا طِوالٍ / إليه ومثْلما عَقَدوا مِتان
ضَمِنْتُ لها وَشيكَ النُّجْحِ لكنْ / على كفَّيْكَ تَحقيقُ الضَّمان
بيُمْنِ الصَّاحبِ المأمولِ أَضحَتْ / دِيارُ المُلْكِ آهلةَ المَغاني
وعادَتْ بَهجةُ الدُّنيا إليها / وكانَتْ مِن أكاذيبِ الأماني
وعمَّ الأرضَ إحساناً وعَدْلاً / طُلوعُ أغرَّ مَنْصورٍ مُعان
وباهَى طَلْعةَ السَّعْدَيْنِ منه / بسَعْدٍ ما لَهُ في النّاسِ ثان
ولم يَكُ لو تأدَّبتِ اللّيالي / ليُوسَمَ باسْمِ مَوْلىً خادمان
له يومان يومٌ للعَطايا / يُفَرِّقُها ويومٌ للطّعان
فَداهُ مَنْ سعَى يَبْغي مَداهُ / كما قُرِنَ الهَجينُ إلى الهِجان
وقال النَّجْمُ لا تَطمَحْ إلى مَنْ / أراهُ في العُلُوِّ كما تَراني
تُباريه وبينكما قياساً / تَفاوُتُ ما تَعُدُّ الخِنْصِران
بَسطْتَ قِوامَ دينِ اللهِ كَفّاً / تَمُنُّ على العُفاةِ بلا امْتنان
وتأتي أسطُرُ التَّوقيعِ منها / وقد أُوتينَ من سِحْر البَيان
بأحسنَ من خُطوطٍ للغَوالي / لوائحَ في خُدودٍ للغواني
إذا افتخرَتْ مُلوكُ الأرضِ قِدْماً / بآثارٍ تُخَلِّفُها حِسان
قَلعْتَ القلعةَ العَلْياءَ بأساً / أحلَّ قطينَها دارَ الهَوان
وكانتْ للطّعامِ قُعودَ عِيٍّ / وقد مَلكوا لها طَرَفَ العِنان
فلم يَترجَّلوا عنها إلى أنْ / تَلاقَتْ حولَها حَلَقُ البِطان
فَتحْتَ الحِصْنَ ثُمّ جعَلْتَ منه / بثأْرِ الحِصْنِ تَخْريبَ المباني
فظلَّ تَدُقُّ أيْدي الخيلِ منها / مَراقيَ أعيَتِ الحَدَقَ الرَّواني
مَلكْتَ قِيادَ طاعتِهمْ برَأيٍ / مَزَجْتَ له الخُشونةَ باللُّيان
وشابَه فتْحَ مكّةَ حينَ أعطَى / رسولُ اللهِ مَطْلوبَ الأمان
فما دَرَجَ الزّمانُ بها قليلاً / وللكُفّارِ تُطْرِقُ مُقْلَتان
نعَمْ فَتحوا ولكنْ من رُقادٍ / عُيونَهمُ إلى شَرِّ امْتِحان
شكَوا جَدْباً فأعشَبَ بالأفاعي / لهمُ مُلْسُ الثَّنايا والرِّعان
وطاعنَهمْ لكَ الإقبالُ منها / بأقْتلَ من شبَا الصُّمِّ اللِّدان
بحيّاتِ الصِّمام الصُّمِّ لمّا / رَقَوا بالسَّلْمِ حيَّاتِ الطِّعان
كأنّ الطّودَ غَيْظاً حينَ ألقَى / بإفكِهمُ الجَهولَ أخا افْتِتان
رَماهمْ منه كلَّ مكانِ كَفٍّ / لتَلْتقِفَ الطّغاةَ بأُفْعُوان
تثَعْبَنَ كلُّ صَعْبٍ منه لمّا / تفَرْعَن كلُّ عِلْج ذي امْتِهان
وزارَكَ في زمانِ الفَتْحِ عيدٌ / كما ابتدَر المدَى فَرَسا رِهان
فهذا للمدائحِ يَجْتليها / مُدَبَّجةً وهذا للأغاني
فلا زالتْ لكَ الأيّامُ طُرّاً / مُتوَّجةَ المطالعِ بالتَّهاني
أعِرْ نظَراً هلالَ العيدِ يَبْدو / على أُفُقِ السَّماءِ كسَطْرِ حان
كأنّك إذ شدَدْتَ مهادَ عِزٍّ / لسُلْطانِ الوَرى فوقَ العِيان
وسَمْتَ بنُونِ سُلْطانٍ مَجيداً / أديمَ سمائهِ وَسْمَ الحِصان
ألا يا أشرفَ الوزراء طُرّاً / إذا عُدُّ الأقاصي والأداني
خُلِقتَ مؤيَّداً بعُلُوِّ شَأنٍ / يُذِلُّ منَ الورى لك كُلُّ شان
إذا شُنَّتْ سُطاكَ على عَدُوٍّ / فلا يَنْجو بقَعْقَمةٍ الشِّنان
ولا بِنزالِ أرْعَنَ ذي جيادٍ / ولا بنُزولِ أجْيدَ ذي رِعان
رمَيتَ بها بني الإلْحادِ حتّى / تركتهمُ بمدرجةِ التّفاني
رجَوا حكْمَ الِقران ورُحْتَ فيهمْ / بسَيْفِكَ مُمْضياً حُكْمَ القُران
ليَهْنِكَ مَوْقفٌ أظهرتَ فيه / لدينِ اللهِ إعزازَ المكان
وعَقْدُكَ مجلسَ النَّظَرِ افْتِخاراً / ومالكَ يومَ مكرُمةٍ مُدان
ومُجتمَعُ الأئمّةِ في نَدىٍّ / وقَد وافَوْكَ من قاصٍ ودان
كأنّهمُ النُّجومُ وأنتَ بدْرٌ / إذا نظَرتْ إليكمْ مُقْلَتان
إذا غمَضَتْ مَسائلُهمْ تَهدَّى / بضوء جَبينِكَ المُتناظِران
تَرى الخَصْمَيْنِ يَسْتَبِقانِ فيها / كما طلَب المدَى فَرسا رِهان
وليس منَ العجيبِ وأنتَ بحْرٌ / إذا غاصوا على دُرَرِ المَعاني
لهمْ في كُلِّ مسألةٍ خِلافٌ / يَقومُ بحُجَّتَيْهِ الجانبان
فأمّا حُبُّهمْ لك حينَ تَبْلو / فَمُتّفِقٌ عليهِ المَذْهبان
فلا زال اجْتماعُ الشَّمْلِ منكمْ / من الدَّهرِ المُفَرِّقِ في أمان
فهمْ لكَ في أبيكَ أجَلُّ إرْثٍ / وأعلَى سُؤْدَدٍ يَبْنيهِ بان
صلاةُ اللهِ دائمةٌ عليه / مُبوِّئةً له زُلَفَ الجِنان
فلا بَرِحَت لك الأيّامُ غُرّاً / مُتوَّجةَ المطالعِ بالتَّهاني
فكم يا أيُّها المَولَى تُراني / أُعاني للحوادثِ ما أُعاني
وأستَحْيي زماناً أنت فيه / إذا أرخَيْتُ للشَّكْوَى عِناني
فأوجِدْني خَلاصاً من يدَيْهِ / وأوجِدْهُ خَلاصاً من لِساني
وكُنْ لي كالمُؤيَّدِ في اصطناعي / لِيُعْضَدَ أوّلٌ منكمْ بِثان
بقولٍ قصيدةٍ أبدَعْتُ فيه / رجَعْتُ لها بألْفٍ قد حَباني
ولو أعملْتَ فكْرَكَ في حُقوقي / رَعيْتَنيَ الغداةَ كما رَعاني
فأدنى نظرةٍ لكَ ألْفَ عامٍ / تَعيشُ به وتُطلِقُ ألْفَ عان
وهل رأتِ الملوكُ خلالَ حُلْمٍ / نظائرَ ما تُرِينا في العِيان
وأنت حلَلْتَ عُقْدةَ شاهِديزٍ / وأنتَ عَقْدْتَ سِكْرَ المَسْرُتان
هَمُ بدأوا وأنت تُتِمُّ كُلاًّ / فلم يَكُ بالتّمامِ لهمْ يَدان
لعسكرِ مُكْرَمٍ حَقُّ اخْتصاصٍ / فلا يَكُ في مَصالحها تَوان
فَمُرْ بعمارةِ الدُّولابِ فيها / تكُنْ إحدى صَنائِعكَ الحِسان
لقد زَيَّنْتَ عَصْركَ بالمعالي / كما زَيّنْتَ شِعريَ بالمعاني
يَضيعُ بأرضِ خُوزِستانَ مِثْلي / ضَياعَ السّيْفِ في كَفِّ الجَبان
وآمُلُ من شُمولِ العَدلِ أنّي / أُعانُ على عجائبِ ما أُعاني
وأُرغِمُ حُسَّدي فَقَدِ اسْتَطالوا / ولولا أنت ما حَسدوا مكاني
رأوْا عِرْضي كعِرضهم ولكنْ / على حالَيْنِ لا يَتَقاربان
رَماني العَيبُ لمّا قلّ مالي / على أدبي وهمْ عَيبُ الزَّمان
أقولُ لهمْ إذا عَرضَوا لذَمّي / تعالَيْ فانْظُري بمَنِ ابْتلاني
وأُقسِمُ ما فِرِنْدٌ في حُسامٍ / بأشْرفَ من مَديحِكَ في لساني
وخُذْها من فَمِ الرّاوي نَشيداً / ألذَّ منَ الرَّحيقِ الخُسْرُواني
بلا لفظٍ على الأسماعِ بكْرٍ / إذا جُليَتْ ولا مَعْنىً عَوان
ومَنْ يُرضي علاءكَ في ثَناءٍ / ولو نُظِمَتْ له سَبْعٌ مَثان
ودينُ مُحمّدٍ في كُلِّ حالٍ / ومُلْكُ مُحمّدٍ لكَ شاكران
فدامَ ودُمْتَ في نَعَمٍ جِسامٍ / كذلكَ ما تَواخَى الفَرْقَدان
سَتَرْنَ المحاسنَ إلاّ العُيونا
سَتَرْنَ المحاسنَ إلاّ العُيونا / كما يَشْهَدُ المَعْرَكَ الدّارِعونا
سَللْنَ سيوفاً ولاقَيْنَنا / فلا تَسألِ اليومَ ماذا لَقينا
كَسرْنَ الجُفونَ ولولا الرِّضا / بحُكْمِ الغرامِ كَسرْنا الجُفونا
وحَسْبُ الشَّهيدِ سُروراً بأَنْ / يُعايِنَ حُوراً مع القَتْل عِينا
أفي كُلِّ يَومٍ هوىً مُعْرِضٌ / يَشُبُّ لنا الحسْنُ حرباً زَبونا
أعَيْنيَّ بَعْدَ زِيالِ الخليطِ / أعِينا على ما أُلاقى أَعِينا
وكنّا تركْنا غداةَ الوَدا / ع كُلَّ فؤادٍ بدَيْنٍ رَهينا
فلمّا أُتيحَ لنا مَوعِدٌ / يُعلِّلنَا ذِكْرُه ما بَقِينا
قَضينا دُيونَ الهوَى كُلَّها / سوى أنّنا ما فَككْنا الرُّهونا
فَرُحْنا وقد كَمِدَ الحاسدون / لما يَعْلَمونَ وما يَجْهلونا
ولا عَيْبَ فينا سوى أنّنا / عَففْنا وظَنَّ الغَيورُ الظُّنونا
عُهودٌ تَقضَّتْ وما خلّفَتْ / سوى أنْ نَذُمَّ الزَّمانَ الخَؤونا
وكم قد جَرَرتُ ذيولَ الصِّبا / وجُنَّ العواذلُ منّي جُنونا
وحُبْلَى من الزَّنْج قد أضمَرَتْ / من الرُّومِ في البَطْنِ منها جَنينا
قَطعتُ دُجاها ببَدرٍ يَعُدُّ / من البَدْرِ قَدْرَ اللّيالي سِنينا
ولا عَيْبَ فيه سوى أنّه / إذا النّاسُ مَدُّوا إليه العُيونا
يَظُنُّ خيالاتِ أهدابِها / عِذاراً على خَدّه النّاظرونا
تُميتُ وتُحْيي الفتَى نَظْرتَاهُ / كنفْختَيِ الصُّورِ للعاشِقينا
يَكُمُّ أقاحِيَهُ في الشَّقيقِ / فَيفتُقُه الدَّلُّ حتّى يَبينا
وقبلَ ثناياهُ والثّغْرِ مِنْ / هُ لم نَرَ مَنْ خَطَّ في الميمِ سِينا
لقَلْبي بَلابلُ تأْوي القُدودَ / حَكتْها بلابلُ تأْوي الغُصونا
غُصونٌ قَدِ اتَّخذَتْ فَوْقَهُنْ / نَ منّا طُيورُ القلوبِ الوُكونا
وحاجَةُ نَفْسٍ رَحلْنا لها / مَطايا نُدارِسُهُنَّ الحَنينا
ألِفْنا لها قَلِقاتِ البُرَى / وعِفْنا لها شَرِقاتِ البُرينا
وكلُّ أناةٍ تُجيلُ الوِشاحَ / لكلّ وآةٍ تُجيلُ الوَضينا
هَجْرتُ الملاحَ وجُزْتُ المِراحَ / وماذا أُرجّي منَ الغادرينا
وما ملك الدّهرُ قَطُّ الوفاءَ / فمِن أين يُورِثُه للبنينا
وقد كُنتُ قِدْماً مُعنَّى الفؤادِ / أُوالي جَواداً وأهْوَى ضَنينا
فلمّا خلَصتُ نجِيَّ العُلا / وأقصرَ عن عذْليَ العاذِلونا
حلَفتُ على مَسْحةٍ للسّحاب / فعزَّتْ فقال ليَ القائلونا
إذا ما لثَمْتَ يَمينَ الوزيرِ / سمَوْتَ فأبرَرْتَ تلكَ اليَمينا
إلى شَرَفِ الدّينِ تِرْبِ العُلا / أثَرْتُ منَ العيسِ حَرْفاً أمونا
ولو بِعتُ ساعةَ لُقيانه / بدهْرٍ سواهُ لكُنْتُ الغَبينا
كريمٌ مدائحُنا الغُرُّ فيه / ولكنْ صنائعُه الغُرُّ فينا
تَرَى للعُفاةِ بأبوابه / مَطيّاً مُناخاً وخَيلاً صُفونا
مَعينُ النَّدى ما تَرى من فتىً / يُعِدُّ رِشاءً عليه مُعينا
وشمسٌ غدا بُرْجَهُ نَفْسُه / تَرَى بُردَه أُفْقَهُ والعرينا
تَغيمُ إذا شاء أقلامُه / بجَوْنٍ فَتُمْطُرُ للآمِلينا
فَيعتقدُ البحرُ أنْ قد حكاهُ / إذا بَعثَ السُّحْبَ للخَلْقِ جُونا
غدَتْ مُذْ غدا وهْو صَدر العُلا / صُدورٌ بهِ لقلوبٍ سُجونا
وآلَى به النَّصرُ لا خانَه / فلم يَخْشَ في موقفٍ أنْ يَخونا
ولم يَعتمدْ بأبيهِ اليَمي / نَ إلاّ ليُومِنَنا أنْ يَمينا
إذا سَدَّد الرُّمحَ يومَ الوغَى / وقد صقَلَ البِشْرُ منه الجَبينا
فكُلٌّ على خَدِّه في الثّرى / يَخِرُّ له طائعاً أو طَعينا
أأعداءه حاذِروا حِلْمَه / فقد تَخِذَ المَوتَ فيه كَمينا
ولا تأْمنوا لِينَ أخلاقِه / فشدّةُ بأْسِ القنا أنْ تَلينا
هو الطَّودُ حِلْماً ولكنْ تَرى / لنارِ الحفيظةِ فيه كُمونا
كذا الفَلكُ المُعْتلي كُلُّه / حَراكٌ وتَحسَبُ فيه سُكونا
ألا يا كلوءَ اللّيالي لِما / أُذيلَ من المُلْكِ حتّى تَصونا
بكَ الأنجمُ الزُّهْرُ في أنَّهُنَّ / يَبعْنَ الكَرى بالعُلا يَقْتَدينا
ومن شَرَفِ اسْمك أنّ الهلالَ / تَقوَّسَ حتّى حكَى منه نونا
إذا طالبَ الرَأْيَ منكَ الزَّما / نَ بالشّيء كان القَضاءُ الضّمينا
إذا ما الملوكُ اتّقَوا بالدُّروعِ / من الخوفِ أو بالحصونِ المَنونا
فلم تَرْضَ غيرَ السُّيوفِ الدُّروعَ / ولم تَرْضَ غيرَ الجيادِ الحُصونا
ليَهْنِكَ أنّ مُغيثَ الأنامِ / غدا لك بالوُدِّ غَيْثاً هَتونا
وقبلَ المُغيثِ أبوه الغِياثُ / تَبوّأْتَ منه المكانَ المَكينا
فَورِّثهُ منك أُخْرى الزّما / نِ نُصحاً مُبيناً ورأْيَاً مَتينا
وأوّلُ آثارِكَ الباهرا / تِ واحدةٌ تُرغِمُ الكاشِحينا
مَنالُ الخلافةِ والمُلْكِ منك / إعادةُ ظَنٍّ صفاءً بقينا
وبالأمسِ أقْرَحْتَ شأنَ الحسودِ / بأنّك أصلحْتَ تلك الشُّؤونا
على حينَ أعضلَ داءُ العراق / وكان الَّذي لم تَخَفْ أنْ يكونا
أتَوْها فسالَتْ مياهُ الحديدِ / إلى أنْ أشَرْتَ فعادتْ أُجونا
وقد كان خطْباً أشابَ القُرونَ / ولولاك كان أبادَ القُرونا
وبين الإمام ومَوْلَى الأنامِ / أَنْ فَتَن المُلْكَ قومٌ فُتونا
فمِنْ قبلُ بينَ نَبِيِّيْ هُدىً / جنَى السّامرِيُّ خصاماً مُبِينا
وكلٌّ له العُذْرُ فيما أتَى / كذلكَ يَعتقدُ المُؤْمنونا
حروبٌ جَلتْ صَدأَ الدَّولتَيْنِ / كأنّ الصّوارمَ كانتْ قُيونا
وما كان ثَمَّ شجارُ القلوبِ / وإن كان فيه شِجارُ القُنينا
ولكنْ تمَخّضُ تلك الهَناتُ / ليَنْتِجْنَ يَوماً على المارِقينا
فمَنْ مُبِلغٌ لي مليكَ الوَرى / مَقالاً يُقرَّطُه السّامِعونا
أسلطانَنا أيَّ ذي رأفةٍ / تَخيَّركَ اللهُ للمسلِمينا
خُلِقْتَ عقيداً لتاجِ العَلا / ءِ ظَهْرِ آدمَ إذ كان طينا
كأنّ ملائكةَ اللهِ فيه / رأوكَ فخَرُّوا له ساجِدينا
وقالوا يَميناً لهذا الَّذي / تُعِدُّ الخلافةُ منه يَمينا
نظَرْنا على أنّه طالما / عَهِدْنا السّلاطينَ مُستَوْزِرينا
ومثْلُ اخْتيارِكَ للصّلبِ ال / مُؤيّدِ ما عَهِدَ العاهِدونا
مَلِيَّ بإعْمالِه فِكْرتَيْ / ن يُرضيكَ ما شئْتَ دُنيا ودِينا
جَمعْتَ المَعانيَ في لَفْظةٍ / وقد رُمْتَ عن قَدْرِه أن تَبينا
فأقْرأْتَهُ آيةَ الإصْطِفاء / وقُلتَ غدوْتَ مكيناً أمينا
فشَّبْهتَه بالنّبْيِّ الّذي / تَوزَّرَ في مصْرَ للمَلْكِ حِينا
ومَعْناهُ فارْعَ لنا ما رَعاهُ / وكنْ مثْلَه بامْتثالٍ قَمينا
وكانَ هُوَ الطّالبَ الشُّغْلَ منه / فحسْبُك أنّا لكَ الطّالِبونا
وهل أنتَ أيضاً سوى صاحب / نَعُدُّكَ للمُلْكِ حصْناً حَصينا
أخو مَنْظَرٍ وأخو مَخْبَرٍ / يُسهْلُ يُمْنُكَ عنّا الحُزونا
فوَجْهُكَ يُعطي البِلادِ السّناءَ / ورأيُك يَكفي العِبادَ السِّنينا
ألا فابْقَيا ما حدَتْ بالمطيّ / حُداةٌ وحَجّوا صَفاً أو حَجونا
فنِعْمَ الوزيرُ اتّخذْتَ الوزيرَ / ونِعْمَ القرينُ ارتضَيْتَ القَرينا
عليمٌ بأخبارِ كُلِّ القُرونِ / وأخْبارُه نُزَهُ الدّارِسينا
كأنّ الفَتى عاش عُمْرَ الزَّمانِ / وعاشرَ أهليهِ مُسْتَجْمعينا
إذا ما دَرى قَصَصَ الذّاهبِينَ / وجادَ لِيُذْكَرَ في الغابِرينا
فصوَّرَ هذا له الأَوّلِينَ / وَصَوَّرَهُ ذاك للآخِرينا
فمَنْ يكُ عِلْمٌ وجودٌ له / فقد عاشَ عُمْرَ الوَرى أجْمَعِينا
إنْ أقمرَ اللَّيلُ للسّارينَ في حَضَنِ
إنْ أقمرَ اللَّيلُ للسّارينَ في حَضَنِ / فلْيَعلَمِ الرَّكْبُ أنّ البدْرَ في الظُّعُنِ
ليس ابْنُ مُزْنةَ في عيني فأرمُقَهُ / ولا المُقنَّعُ في صَحبي فيَسْحرَني
وإنّما طلعَتْ واللّيلُ مُعتكِرٌ / من خِدْرِها بالفلا لَيْلَى لِتَفْتِنَني
ما لِلَّذينَ سَرَتْ لَيْلاً حُمولُهمُ / ساروا ولم يُشْرجوا عَيْني على وَسَن
قد حَلَّلوا من عُراها فهْيَ ناثِرةٌ / لِلُؤْلُؤٍ منْذُ غابَ الحَيُّ لم يُصَن
باتَتْ جُفوني وراء الظّاعِنِينَ به / كأنّما فُتِّقَتْ عن وابلٍ هَتِن
كم من قِطارٍ لها خلْفَ القطِارِ لهمْ / تَسْتَنُّ والعِيسُ والحادي على سَنَن
أجْرَى دموعي وحتّى اليومَ مارقأَتْ / سِرٌّ به الإلْفُ لمّا سارَ حَدَّثني
كأنّما خرَقتْ كفُّ الوَداعِ إلى / عَيْني طريقاً لِذاكَ الدُّرِّ من أُذُني
قد قُلْتُ للنّاسِ لَمّا أنْ قَضْوا عَجَباً / أنْ لم أمُتْ بعدَ إلْفي حينَ ودَّعني
هُمْ في فؤادي ويَبْقَى للفتَى رَمَقٌ / ما دامتِ الرُّوحُ في جُزْءٍ منَ البَدَن
لولا هِلاليّةٌ هام الفؤادُ بها / لم أُمسِ بعدَ رحيلِ الحَيِّ ذا شَجَن
تُعزَى بمُنْتَسبٍ منها ومُنْتقَبٍ / إلى هِلالَيْنِ كُلٌّ مُضْرِمُ الفِتَن
فلَيْتَهُ لم يَبِنْ ذلك الهلالُ لنا / أوْ لَيْتَهُ بعدَ أن قد بانَ لم يَبِن
إجمَعْ بجُهْدِكَ شَمْلَ القومِ تَصْحَبُهمْ / ما دام دَهْرُكَ بالتَّفريقِ ليس يَني
واجْعَلْ بماء ندىً تَجري يَداكَ به / رِداءَ عِرضكَ مَرْحوضاً من الدَّرَن
وافْخَرْ بمَغْناكَ في الدُّنيا وكنْ رَجلاً / إنْ شئْتَ من مُضَرٍ أو شئتَ من يَمَن
بيتُ العَلاء كبيتِ الشِّعرِ صاحبُه / إنْ لم يَزِنْه بإحسانٍ له يَشِن
بَيْتانِ يُكسِبُ كلٌّ منهما شَرَفاً / بقَدْرِ ما فيه من مَعْنىً عليه بُنِي
إنّي امْرؤٌ أضَعُ الأقوالَ مَوْضعَها / فإنْ أرابكَ منّي ذاك فامْتَحِن
مَظِنَّتي حيثُ حَلَّ العِزُّ حُبْوتَه / والذُّلُّ لم أرهُ يوماً ولم يَرَني
ولا تَرَى مِدْحتي كُفْؤاً إذا نُظِرَتْ / إلاّ إذا أصبحَتْ تُجْلَى على حَسَن
أعنْي الإمامَ ابْنَ سَلْمانَ الَّذي طلعَتْ / عُلياهُ شادِخةً في بُهْمَةِ الزَّمَن
إذا مدَحْنا جمالَ الدّينِ أطْرَبنا / إهداءُ مَدْحٍ له بالصِّدْقِ مُقْتَرِن
قاضي قُضاةِ بلادٍ قد أُتيحَ لها / منه مُقيمُ فُروضِ المَجْدِ والسُّنَن
مُهَذَّبٌ وُقيَتْ فينا خلائقُه / من شائبِ الوَصْمَتيْنِ البُخلِ والجُبُن
يُمناهُ واليُمْنُ إن لاقَيْتَهُ وكذا / يُسراهُ واليُسْرُ مَقْرونانِ في قَرَن
في كلِّ رَجْعةِ طَرْفٍ منه من كَرمٍ / إنجادُ ألْفِ فتىً بالدّهرِ مُمْتَحَن
إن قاسَ سَدَّدَ نحْوَ الحقِّ نَظْرتَه / أَو ساس أصبح لم يَخْشُنْ ولم يَلِن
المَلْكُ كالعَبْدِ إنْصافاً إذا اخْتَصما / لدَيهِ في حادثٍ والعِيُّ كاللَّسَن
يُدني مُحِقّاً ويُقْصي مُبْطِلاً أبداً / فهكذا مَن يُعينُ الدّينَ فَلْيُعَن
كأنّ أقلامَه المُصماةَ إذ طَعنَتْ / في ثُغرةِ الخَطْبِ أطرافُ القنا اللُّدُن
مِثْلُ السّهامِ نَفاذاً في مَقاصدِها / لكنَّهنَّ على الإسلامِ كالجُنَن
تَجِلُّ عن زُخْرُفِ الدُّنْيا فلو أُمرَتْ / بكَتْبِ سَطْرٍ لغَيرِ الدِّينِ لم تَدِن
إليكَ تَرْجِعُ حُكّامُ البِلادِ إذا / ما أشكَل الأمرُ عند الحازمِ الفَطِن
كأنّك الشَّمسُ للدُّنْيا إذا طلعَتْ / تقاسمَ النُّورَ منها ساكنو المُدُن
كأنّما أنت بيتُ اللهِ بينهُمُ / فوجْهُ كلِّ امرئٍ منهمْ إلى رُكُن
فَلْيَهْنِ أعمالَ خُوزِسْتانَ إذ رُزِقَتْ / إقبالَ طَبٍّ بأسرارِ العُلا طَبِن
وِلايةٌ كان من مَيْلٍ إليه بها / ما بالغربيةِ من شَوْقٍ إلى الوطَن
حتّى استقرَّتْ على ذي مِرَّةٍ يَقظٍ / تُقاهُ قِسمانِ من بادٍ ومُكْتَمِن
يُقلِّدُ الشُّغْلَ نُوّاباً وقَلَّدَه / دُرّاً من المَدْحِ أقوامٌ ذوو فِطَن
لكنْ لتَقْليدِنا الغالي من الثَّمَنِ ال / أوفَى وتَقليدهُ الخالي منَ الثّمَن
لكَ المدائحُ منّا دائماً ولنا / منكَ المنائحُ تتَرْى يا أخا المِنَن
عَمْري لقد أحزنَ الماضي بفَجْعَتهِ / لكنْ بقاؤك أضحَى مُذْهِبَ الحَزَن
غُصْنانِ من دوحةٍ لمّا ذَوى غُصُنٌ / بعَصْفةٍ للرَّدَى مِلْنا إلى غُصُن
أوهَتْ رزيئةُ هذا منّةً وأَتَتْ / أيّامُ هذا فأهدَتْ قُوّةَ المنَن
فاسعَدْ بتَوْليةٍ جاءتكَ راكضةً / عَجْلَى الخُطا مثْلَ ركضِ السّابقِ الأَرِن
أعطاكَها اللهُ عفْواً إذ رآكَ لها / أهلاً وإعطاءُ غيرِ اللهِ غيرُ هَني
وبان للصّاحبِ الميمونِ طائرُه / حُسنُ اخْتيارٍ لدينِ اللهِ أعجبَني
لمّا انْتضَى بكَ سيفَ الرّأي مُنْصلِتاً / على زمانٍ على الأحرار مُصْطَغِن
يا ابْنَ الَّذي طالما قد كان أعجبَه / صفْوُ الولاءِ له منّي وشَرَّفني
نوعانِ وُدّيَ مَوْروثٌ ومُكْتَسَبٌ / لستُ البعيدَ فأبغي مَنْ يُقرِّبُني
أستغفِرُ اللهَ إلاّ من مديحكمُ / فإنّني فيه لم أكذِبْ ولم أَهُن
أقسمتُ جُهداً بما طافَ الحجيجُ به / وما أهلُّوا وما ساقوا منَ البُدُن
وكُلَّ أروعَ عاري المَنكِبَيْنِ ضُحىً / يَهْوي إليه على رَوعاءَ كالفَدَن
لأشكُرَنَّ الّذي تُوليه من منَنٍ / ما عشتُ شكراً كشُكر الرّوضِ للمُزُن
هذا على أنّه ما إن لديَّ سوى / شكرٍ بسابقِ ما أولَيْتَ مُرْتَهَن
إنّي بحبلِك بعدَ اللهِ مُعْتَصمٌ / لدى الإقامةِ منّي أو لدَى الظَّعَن
فاسلَمْ لنا يا ابنَ سَلمانٍ سلامةَ ذي / دِينٍ على نَصْرِ أهلِ الدّينِ مُؤْتَمن
ودُمْ فأنت الإمامُ ابنُ الإمام لنا / في العِزِّ ما صدحَتْ ورقاءُ في فَنَن
قِفْ يا خيالُ وإنْ تَساوَيْنا ضنَىً
قِفْ يا خيالُ وإنْ تَساوَيْنا ضنَىً / أنا منك أولَى بالزّيارة مَوْهِنا
نافستَ طَيفي والمَهامهُ دُونَنا / في أنْ يزورَ العامريّةَ أيُّنا
فسرَيتُ أعتجِرُ الظّلامَ إلى الحِمَى / ولقد عناني من أُميمةَ ما عنَى
وعَقلتُ ناجيتي بفضْلِ زِمامِها / لمّا رأيتُ خيامَهمْ بالمنحنى
وتطلَّعتْ فأضاء غُرّةُ وجهِها / باللّيلِ أيْسرَ مَنْهجي والأيمَنا
لمّا طرقْتُ الحيَّ قالتْ خِيفةً / لا أنتَ إن عَلِمَ الغَيورُ ولا أنا
فدنَوْتُ طَوْعَ مَقالِها مُتخفِّياً / ورأيتُ خطْبَ القومِ عندي أهْوَنا
ومعي وليس معي سِواهُ صاحبٌ / عَضْبٌ أذودُ به الخميسَ الأرْعنا
حتّى رَفعْتُ عن المليحةِ سِجْفَها / يا صحبي فلَوَ انَّ عينَكَ بَيْننا
سَترْتُ مُحيّاها مخافَةَ فِتْنَتي / بنِقابِها عنّي فكانَتْ أفتَنا
وتَجرَّدتْ أطرافُها من زِينةٍ / عَمْداً فكان لها التَجرُّدُ أزْيَنا
وتكاملَتْ حُسْناً فلو قرَنَتْ لنا / بالحُسْنِ إحساناً لكانتْ أحْسَنا
قَسَماً بما زار الحجيجُ وما سعَوا / زُمَراً وما نَحَروا على شَطَّيْ مِنى
ما اعتادَ قلبي ذكْرُ من سكَن الحِمى / إلاّ استطارَ وملَّ صَدْريَ مسكَنا
أمّا الشّبابُ فقد تعاهَدْنا على / ألاّ نَزالَ معاً فكان الأخْوَنا
وتَلَوُّنُ الأيّام علَّم مفرِقي / فِعْلَ الأحبّةِ في الهَوى فتَلوَّنا
يا طالِبَ الثّأْرِ المُنيمِ وسَيْفُه / في الغِمْدِ لا تَحْسَبْ مَرامَك هَيِّنا
أتُراكَ تَملآُ من غرارٍ أجفُناً / حتّى تُفرّغَ من غِرارٍ أجْفُنا
أوَما رأيتَ السَّيفَ وهْو مُسلَّطٌ / ما زال يَحكمُ بالمنايا والمُنى
لمّا ادَّعَى الأقلامُ فَضْلاً عندَه / غَضِبَ الحديدُ فشَقَّ منها الألْسُنا
حتّى إذا زادَتْ بذاك فصاحةُ ال / أقلامِ حارَ النَّصْلُ لمّا أنْ رَنا
وأراد أنْ يُضْحي لساناً كُلُّه / حتّى يُقِرَّ بفَضْلهِ فتلَسَّنا
ولقلّما غَرِيَ الحسودُ بفاضلٍ / مُتَنقِّصاً إلاّ وزيدَ تَمكُّنا
إن كان جاذَبني المُقامَ مَعاشرٌ / فلقد تَخِذْتُ ليَ التَّغرُّبَ مَوْطِنا
ولقد نَزلتُ من الملوكِ بماجدٍ / فَقْرُ الرِّجالِ إليه مِفْتاحُ الغنى
مَلِكٌ إذا ألقَى اللّثامَ لوَفدِه / حُيّوا به حسَناً ورَجَّوا مُحْسِنا
لا يَألَفُ الرّاجونَ غيرَ فِنائهِ / أبداً ففيهِ الظِّلُّ يُشْمَلُ والجَنى
خَضِلُ اليدَيْنِ إذا انتدى ألفيْتَه / كالطَّود يَحتضنُ الغمامَ المُدْجنا
فإذا بدا في لَبّةِ الخيلِ اكْتَسى / وجهُ النّهارِ له نِقاباً أدْكَنا
وإذا تفَرْعنَ من عِداهُ مارِقٌ / أومَى إلى قلمٍ له فتَثَعْبَنا
وجلا اليدَ البيضاءَ في تَوْقيعِه / فتلقَّفَ المُتمرِّدَ المُتفَرْعنا
للهِ دَرُّ بني جَهيرٍ إنّهمْ / جَهَروا بدِينِ المَجْدِ حتّى أُعلِنا
المُرتَقينَ من العلاء مَراقياً / منها السَّماكُ بحيثُ منه أَكُفُّنا
أَعليُّ يا ابْنَ مُحمّدِ بْنَ مُحمّدٍ / نَسَباً منَ الشّمسِ المُنيرة أَبْينا
أَعيا الثُّريّا وهْيَ كَفُّ سمائها / من دَوْحِ مجدِكَ أَن تَناولَ أَغصُنا
وإذا الطّريفُ المجدِ زانَ زمانَه / فعُلاك تالدُه يَزينُ الأزمُنا
لكَ من أَوائلِ وائلٍ جُرثومةٌ / من فَرْعها ثَمرُ المكارمِ يُجْتَنى
تَحْمي الخلافةَ بالوِزارةِ مثْلَما / قد كان يَحْمي العِزَّ قومُك بالقَنا
ومُجيرُ دينِ اللهِ يا ابْنَ أَكارم / ما زال حفْظُ الجارِ منهمْ دَيْدَنا
أَظهرْتَ للمُستَظْهرِ النُّصْحَ الّذي / ما مسَّ عزْمَك دونَ غايتهِ ونَى
وأَبوك قبلَك من أَبيه قبلَه / قد حَلَّ حيث حَللْتَ تَبني ما بنَى
فسقىَ ثَراهُ كجُودِ كفِّكَ يا ابْنَهُ / غيْثٌ ودُمْتَ كذِكْرِه أَبداً لنا
فلأنتَ أَكرمُ مَن تأزَّرَ وارْتَدى / خُلُقاً وأَكملُ مَن تَسمّى واكتنَى
دانٍ من الجاني إذا عافٍ عفا / لكنّه عافٍ إذا الجاني جنَى
طَلْقٌ إذا اكتحلَتْ به عينُ امْرئٍ / برَقتْ أَسرِّةُ وجهِه فتَيمَّنا
ما أرسلَتْ يدُه عِنانَ مُطهّمٍ / إلاّ ويأتيهِ النّجاحُ إذا ثَنَى
للهِ مَقْدَمُه الّذي في يَوْمه / نَذَرَ المَسرَّةَ لا أَجَدَّتْ مَظْعَنا
وطُلوعُه في مَوكبٍ ودَّتْ له / كُلُّ الجَوارحِ لو تَحَوَّلَ أَعيُنا
لمّا بدا والشّوقُ يُدْني مَن نأى / مِن وجههِ والعزُّ يُنْئي مَن دنا
والأرضُ تُلطَمُ من هُنا بسَنابِكٍ / من خَيْلهِ مَرَحاً وتُلثَمُ من هُنا
والتِّبْرُ مِن أَدْنَى دَوامِ نِثارهِ / قد صارَ منه الجَرُّ يُحْسَبُ مَعدِنا
ناط الإمامُ بسَعْيهِ وبرأيِه / أَمراً بقاصيةِ السّعادةِ مُؤْذِنا
وجرَى به فلَكُ الجيادِ فما مضَى / منّا وإن بَعُدَ المدَى حتّى انْثَنى
كالشّمسِ دار على البسيطةِ دَوْرةً / علياءَ فامتلأتْ بهِ الدُّنْيا سَنا
فلْتشكُرَنَّ الدّولتانِ صَنيعةً / إن كان شُكْرُ صنيعِ مثْلكَ مُمْكنا
أَبدأْتَ قُربَهُما بقُرْبيَ فاغْتدَى / سَبَبُ العَلاء به وأَبدَوْا أمْتَنا
ونظَمْتَ شملَهما فدُمتَ ودامَتا / في العِزِّ ما سجَع الحمامُ ولَحَّنا
أمّا الرّجاءُ فلم يَزلْ مُتغرِّباً / حتّى إذا وافَى ذُراك اسْتَوطَنا
ورأيتُ مُبتاعَ المحامدِ راغباً / فجلَبْتُ من دُرِّ القَريضِ المُثْمَنا
فلئنْ أتاك المدْحُ منّيَ رائقاً / فلأنَّ فكْرِيَ من عُلاك تَلقّنا
أمْلَتْ على قلبي بدائعَ وَصْفها / شيَمٌ تُفَصِّحُ في المديح الألْكَنا
والشِّعْرُ يعلَمُ أنّ أحسنَ نَظْمِه / وأجلَّهُ ما قيلَ فيك ودُوّنا
لي حالةٌ عَجُفَتْ فإنْ تُعْنَوْا بها / فجديرةٌ هيَ أنْ تعودَ فَتسْمنَا
ولعلَّ أيّامَ الإقامةِ عندكمْ / آثارُها للنّاسِ تَظْهَرُ عندَنا
فالبدْرُ تحت شُعاعِ طلْعةِ شَمْسه / يَضْنَى إلى ألاّ يبِينَ منَ الضَّنى
ولها إليه على تَجاوُزِ بُرْجِها / في كلِّ يومٍ فَضْلُ نُورٍ يُقْتنَى
فاسلَمْ لنا يا مجدَ دولةِ هاشمٍ / في دولةٍ قَعْساءَ عاليةِ البُنَى
سُرَّتْ بك الدُّنيا وحاش لقَلْبِها / معَ نُورِ وَجْهِك طالعاً أنْ يَحْزَنا
هو الغرامُ أقامَ الحيُّ أم ظَعَنوا
هو الغرامُ أقامَ الحيُّ أم ظَعَنوا / إن هاجَروا قَتلوا أو واصلوا فَتَنوا
تاللهِ ما سكنَتْ نَفْسي إلى أحدٍ / مذْ سار في الجيرةِ الغادينَ لي سَكَن
مَن ناشِدٌ لي مهاً سارتْ بها قُلُصٌ / حُماتُها أُسُدٌ تَجْري بها حُصُن
ساروا يَؤُمّونَ مِن أرضِ الحمى بلَداً / بالظُّعْنِ تُحدَى إذا مرَّتْ بهِ الظُّعُن
ورُبّما تَركوا البيداءَ بحرَ دمٍ / كأنّما العِيسُ في تَيّارِه سُفُن
من كلِّ طائرةٍ بالرَّحْلِ أربَعُها / كأنّما هي في جَوْز الفلا فَدَن
هِيمٌ أطالَ صداها أنّ مُورِدَها / لا يَستقي الماءَ إلاّ والقنا شُطُن
ضوامرٌ تَمْلأُ الأنساعَ إن ظَفِرَتْ / فلا تَجولُ على أثباجِها الوُضُن
تَشتاقُ نَجْداً كما أشتاقُ ساكنَهُ / وهل لحيٍّ فؤادٌ مالَهُ شَجَن
وفوقَها كُلُّ مَمْطولٍ صَبابَتُهُ / مُتَيَّمٍ وَجْدُهُ باقٍ ومُكْتَمِن
تَبْكي وتَطْرَبُ من رَجْعِ الحُداةِ كما / يَهتزُّ من دَوحةٍ مَمْطورةٍ فَنَن
قُلْ للَّتي سفَرتْ يومَ النَّوى فبدا / للصّبِّ مُبْتسِمٌ منها ومُحْتَضَن
فما رأتْ عَينُ خَلْقٍ قبلَ رُؤْيتِها / أقاحياً وشقيقاً ضَمَّها غُصُن
يا مُنيةَ النّفْسِ لِمْ أصبَحْتِ قاطعةً / صِلى مَشوقَكِ حَيّا عهدَكِ المُزُن
ومَن سَباهُ جَمالٌ منكُمُ عَرَضاً / فإنّه بجَميلٍ منكُمُ قَمِن
ما زلتُ أُسرِحُ طَرْفي في الورَى عجَباً / فلا أرَى الحُسنَ بالإحسانِ يَقْترن
حتّى تَجلَّى ظهيرُ الدّينِ لي فرأَيْ / تُ اسْماً ووجهاً وفِعلاً كلُّه حَسَن
فقُلتُ والحقُّ بادٍ لا خفاءَ له / سُبحانَ مُنشئِ غَيْثٍ صَوبُه هَتِن
فَرْدٌ يَنوءُ بما تَعْيا الألوفُ به / وللرّجالِ مَقاديرٌ إذا وُزِنوا
لا خَلْقَ في كَرم الأخلاقِ يُشْبهُهُ / هذا الورى فتأمَّلْهمْ وذا الزَّمَن
إنّ الخليفةَ للقُصّادِ إن وفَدوا / بيتُ النَّدى وابْنُ عبد الواحدِ الرُّكُن
خِرْقٌ على أنّ بذْلَ المالِ عادَتُه / مالُ الإمامِ لدَيْه الدَّهْرَ مُخْتَزَن
مالانِ أمّا على هذا فمُتَّهَمٌ / جُوداً وأمّا على هذا فمُؤْتَمَن
لو لم يكُنْ خيرَ ما أولَى الملوكُ فتىً / من الورى حِفْظَ ما حازوا وما خَزَنوا
ما قالَ يوسفُ اجْعَلْني لدَيكَ على / خزائنِ الأرضِ وانظُرْ كيف تَمْتحِن
يا سَيِّداً فَطِناً يَحْمي العُلا وأَبَى / أَنْ يُدرِكَ المجدَ إلاّ سَيِّدٌ فَطِن
ومَن علَتْ رُتَبٌ في الدَّوْلَتَيْنِ له / فوق السُّها والعدوُّ النِّكْسُ مُضْطَغِن
بكتْ لها إذ رأَنْك الحاسدون بها / كأنّهمْ بك في أَحداقِهمْ طُعنوا
إذا بدوْتَ لهمْ أَغضَوْا على حَنَقٍ / كأنّما الذُّلُّ في أَجفانهمْ وَسَن
يَفْديك قومٌ إذا زَلَّتْ لهمْ نِعَمٌ / أَبدَوْا بها مِنَناً تَغْنَى بها المِنَن
يا مُنْقِذَ الدَّولةِ اسمعْ قولَ ذي مِقَةٍ / صفَتْ فلا رِيَبٌ فيها ولا ظِنَن
قد كان جاهُك لي ذُخراً أُرفِّهُه / وقد قَصدْتُك لمّا ضاقَ بي العَطَن
ولا يَمُدُّ الفتَى كلتا يدَيْهِ إلى / أَغْلَى الذَّخائرِ إلاّ وهْو مُمْتَحَن
فاعطِفْ عليَّ رعاكَ اللهُ من مَلِكٍ / بنَظْرةٍ منكَ أَمري اليومَ مُرْتَهَن
والْبَسْ بُرودَ ثناءٍ حاكَها صَنَعٌ / من خَزِّ فكْريَ ما في نَسْجِها وَهَن
نَزِّهْ عطايا أَميرِ المؤمنينَ لنا / عن أَنْ يُعارِضَها التّنْغيصُ والمِنَن
ولن تُطيقَ اللَّيالي أَن تُكدِّرَها / ولن تَراها المعالي حيثُ تُمْتَهَن
فللخلافةِ أنت اليومَ خالصةٌ / ما إنْ لها دُونَه سِرٌّ ولا عَلَن
ما الدّولةُ اليومَ إلاّ شَخْصُ مكْرمةٍ / فيما نَراها وأنت العَينُ والأُذُن
فدُمْ كذاكَ فأنت المُستَجارُ به / إذا بدا للَّيالي جانِبٌ خَشِن
إنّي لآمُلُ أنْ تُعنَى بها كرَماً / كما الملوكُ قديماً بالعفاةِ عُنوا
وأنْ تَحُلَّ عِقالَ الدّهرِ عن أَمَلي / فيَدْنو النّازحانِ الأهلُ والوَطَن
طلعتَ طلعةَ سَعْدٍ للأنامِ وقد / خافوا الزّمانَ فلّما جئْتَهمْ أَمِنوا
فالحمدُ للهِ هذا حينَ أُكمِلَتِ النْ / نُعْمَى وأُذهبَ عنّا الخوفُ والحَزَن
لا زالَ من حُسْنِ صُنْعِ اللهِ واقيةٌ / دونَ اللّيالي على عَلْيائكمْ جُنَن
ما طاف بالبيتِ زُوّارٌ وما رُفعَتْ / فيه الأكُفُّ وما سِيقَتْ له بُدُن
أأجفانُ بِيضٍ هُنّ أم بِيضُ أجفانِ
أأجفانُ بِيضٍ هُنّ أم بِيضُ أجفانِ / فَواتِكُ لا تُبقي على الدَّنِفِ العاني
صَوارمُ عشّاقٍ يُقتِلْنَ ذا الهوَى / ومن دونها أيضاً صوارمُ فُرسان
مرَرْنَ بنَعْمانٍ فما زلتُ واجِداً / إلى الحول نشْرَ المسْك من بطنِ نَعمان
سَوافرٌ في خُضْرِ المُلاء سَوائرٌ / كما ماسَ في الأوراقِ أعطافُ أغصان
وقد أطلعَتْ ورْدَ الخدودِ نواضراً / ومن دونِها شَوكُ القنا فمَنِ الجاني
ولا مثْلَ يومي بالعُذَيْبِ ونَظْرةٍ / نظرْتُ وقد سارتْ بواكِرُ أظْعان
سمَوْتُ لها في غِلْمِة عَربيَّةٍ / ذوي أوجُهٍ نمَّتْ بها اللُّثْمُ غُرّان
فكم غازَلتْنا من لواحظِ رَبْرَب / ومالَتْ إلينا من سَوالفِ غِزْلان
فقد أصبحَتْ تلك العُهودَ دوارساً / كما دَرَستْ في الدّهرِ أرجاءُ أرْجان
ولم يَبْقَ من لَيْلَى الغداةَ لناظري / سِوى طَلَلٍ إن زُرْتُه هاجَ أشجاني
فسَقْياً لوادي الدَّوْمِ مَعْهدَ جيرةٍ / وإنْ ظَلَّ قَفْراً غيرَ مَوقفِ رُكْبان
وقفتُ بها صُبْحاً أُناشدُ مَعْشري / وأُنشدُ أشعاري وأَنشُدُ غِزْلاني
ولمّا تَوسَّمْتُ المنازلَ شاقَني / تَذكُّرُ أَيامٍ عَهدْتُ وإخْوان
مضَتْ ومضَوْا عنّي فقلتُ تأَسُّفاً / قِفا نَبْكِ من ذكْرَى أُناسٍ وأزْمان
تأوَّبني ذِكْرُ الأحبّةِ طارقاً / وللَّيْلِ في الآفاقِ وَقْفةُ حَيْران
وأرَّقني والمَشْرَفيُّ مُضاجِعي / سَنا بارقٍ أسْرَى فَهيَّجَ أَحزاني
ثلاثةُ أجفانٍ ففي طَيِّ واحدٍ / غِرارٌ وخالٍ من غِرارَيْهما اثْنان
يُخَيَّلُ لي أنْ سُمِّرَ الشُّهْبُ في الدُّجَى / وشُدَّتْ بأهْدابي إليهِنَّ أجْفاني
نظرتُ إلى البَرْقِ الخَفيِّ كأنّه / حديثٌ مُضاعٌ بينَ سِرٍّ وإعْلان
وباتَ له منّي وقد طَنّبَ الدُّجَى / كَلوءُ اللَّيالي طَرْفُه غَيْرُ وَسْنان
له عارِضٌ فيه من الدَّمْعِ عارِض / وخَدٌّ به خَدٌّ وعَيْناهُ عَيْنان
أَلا أَبْلِغا عنّي على نَأْيِ دارها / سُلَيْمَى سَلامي وانْظُرا ما تُعِيدان
بآيةِ ما صادَتْ فؤادي إذا بدَتْ / وفي جيدِها عِقْدٌ وفي الثَّغْرِ عِقْدان
وقد ختَمتْ منّي على كُلِّ ناظرٍ / وما كنتُ للمُستَوْدِعينَ بخَوّان
بخاتِمِ ثَغْرٍ فَصُّه من عَقيقةٍ / يَمانيةٍ والنّقشُ بالدُّرِّ سَطْران
وقالتْ لدى تَقْبيلِ عَيْني مُحرَّمٌ / على النّاسِ أَنْ ترنو إلى يومَ تَلقَاني
فقلتُ أَقلِّي أُمَّ عَمْروٍ وأقْصِري / فحُبُّكِ يا ذاتَ الوِشاحَيْنِ أَفْناني
أخَتْماً على عَيْني ولا قلبَ في الحَشا / ولستُ على ما في يدَيْكِ بخَزّان
فقالتْ كلاكَ اللهُ من مُتَرحِّلٍ / أَقامَ له عندي الغرامُ وأَضْناني
لعلَّك تُبْلَى بالسِّفارِ فتَرْعَوي / وإن كنتَ تُغْرَى في الجِوارِ بهِجْراني
فكم ناظرٍ في شاسعٍ من مكانه / إلى البيتِ لم يَنْظُرْ إليه مِنَ الثّاني
كفى حزَناً ألاّ أَزالَ مُواصِلاً / أَعاديَّ ذِكْري والأحِبّةَ نِسْياني
أَتانيَ عن أَقصَى المدينةِ طارقاً / وَعيدٌ وأَصْحابي بشَرقيِّ بَغْدان
مَسحْتُ له العَينَيْنِ منّي تَشكُّكاً / وما كان طَرْفي بين مُغْفٍ ويَقْظان
فإن يك أعدائي عليَّ تَناصَروا / فما هو إلاّ من تَخاذُلِ خُلاّني
وممّا شَجاني يا ابْنةَ القوم أنّني / دَعوْتُ بإخْواني فأقْبلَ خُوّاني
ولم أدْعُ للجُلَّى أخاً فأجابَني / ولم أرضَ خِلاًّ للوِدادِ فأرْضاني
فيا ليتني لم أدْرِ ما الدّهرُ والورى / فقد ساءني للدّهرِ والنّاسِ عِرْفاني
أبِيتُ على ذكْرِ الجُناةِ مُعاقِراً / كؤوسَ دموعي والنَّدامةُ نَدْماني
وآوي إلى عَزْمٍ إذا جَدَّ جِدُّه / غِنيتُ بنَفْسي فيه عن عَوْنِ أعْواني
وأصفَحُ للإخوانِ عن كلَّ زَلّةٍ / وأصْحَرُ إن شئْتُ انْتقاماً لأقراني
ولا أتمنَّى موتَ خَصْمي وفَقْدَه / كما قد تَمنَّى ابْنا قَنانٍ وتُوران
ولكنّني واللهُ للحقِّ ناصِرٌ / أصُدُّ عنِ الشّاني وآخُذُ في شاني
وما زالتِ الأيّامُ تُبدي تَعجٌّباً / لأمْرَيَّ في الدُّنيا مكاني وإمكاني
كذَبْتُ وبيتِ اللهِ عِرضِيَ وافرٌ / ودِيني ونَقْصُ المالِ ليس بنُقْصان
ولي كلِمٌ مازِلنَ والمجدُ شاهدٌ / قلائدَ أَعناقٍ وأَقراطَ آذان
ودولةُ فَضْلٍ لو جعلْتُ نَزاهتي / وزيريَ فيها والقناعةَ سُلْطاني
إذنْ لَحماني ظِلُّ ذا فأعزَّني / نَعَمْ وأتاني رِفْدُ هذا فأَغْناني
ولم أَتَزوَّدْ من خَسيسِ مَطالبي / وأَبناءُ دَهري بينَ ذُلٍّ وحِرْمان
ولكنّني أَصبحْتُ بين مَعاشرٍ / بَلاني بهمْ صَرْفُ الزّمانِ فأبلاني
كأنّ مُقامَ الفاضلِيَن لديهمُ / سَنا الشَّمسِ ذُرَّت في نَواظرِ عُمْيان
لقد رابَني وَعْدٌ أَتَى المَطْلُ دُونَه / ففوَّتَ أَوطاري عليَّ وأَوْطاني
ولي حَجَّةٌ مرَّتْ وتَمَّ خِتامُها / بذي حَجّةٍ والدَّهْرُ بالنّاسِ يَوْمان
وكانتْ لياليها عليَّ طويلةً / تَمُرُّ على شاكٍ من الدَّهْرِ وَلْهان
فلمّا تقَضَّتْ خِلْتُ أَنَّ زمانَها / على طُولهِ المَشْكُوِّ قَبسةُ عَجْلان
ولا غَرْوَ إلاّ مَن يَظَلُّ على الَّذي / يُضيّعُ من أَيّامِه غيرَ لَهْفان
أَقولُ ونَحْرُ الغَرْبِ حالٍ عَشيّةً / كأنَّ على لَبّاته طَوْقَ عِقْيان
أَحَرْفُ مِراةٍ من خلالِ غِشائها / بَدا أَم هلالٌ لاحَ للنّاظرِ الرّاني
أَمِ الفَلكُ الدَّوّارُ أَمسَى مُوسَّماً / بآخِرِ حَرْفٍ من حُروفِ اسْمِ عُثْمان
فتىً يَمْتطي الأفلاكَ والخَيْلَ دائماً / فوَسْمٌ بأنْوارٍ ووَسْمٌ بنِيران
مليكٌ إلى أَبوابهِ الدّهْرَ يَنْتهي / سُرَى كلِّ مِطْعَانِ على كُلِّ مِذْعان
ولولا نَدَى شَمْسِ المُلوكِ وجُودهُ / لَما زَعزعَتْ وَفْدٌ ذَوائبَ كِيران
بهِ الدَّولةُ الغَرّاءُ أَضْحَتْ مُنيرةً / فلا أَظْلمَتْ ما غرَّدتْ ذاتُ أَلْحان
فتىً فَرْقُ ما بَيْنَ الأنامِ وبَيْنَه / هو الفَرْقُ فيما بَيْنَ كُفْرٍ وإيمان
وأَبْلَجُ لم تُخْلَقْ لشَيْئَيْنِ كَفُّه / لإحْسانِ إمْساكٍ وإمْساكِ إحْسان
فلا اليَمنُ اعتَدَّتْ كمَدْحي لمَجْدِه / مَدائحَ حَسّانٍ لأمْلاكِ غَسّان
ولا نسبَتْ في الرَّوْعِ مثْلَ مَضائه / إلى سَيْفِ غِمْدٍ أَو إلى سَيْفِ غُمْدان
له ماضِياً صمصامةٍ ويَراعةٍ / أُعِدّا لمِطْعامِ الأصائلِ مِطْعان
ولم نَر لَيْثاً قبلَ رُؤْيتنا له / هِزَبْراً له في الكفِّ للقِرْنِ نابان
أقولُ لغِرٍّ قام في ظِلِّ غابةٍ / مُزاحِمَ وَرْدٍ بينَ شِبْلَيْه غَضْبان
أأعداءه لا تُخْرِجوه عنِ الرِّضا / ولا تُحْرِجوهُ فهْو والدّهرُ سِيَّان
يَدُلُّ برأْيٍ طامحِ الطَّرْفِ للعُلا / مُفيقٍ وجُودً باسطِ الكَفِّ نَشْوان
ويَنْجو بأهلِ الفَضْلِ فُلْكُ رجائهِ / إذا حادثاتُ الدَّهرِ جاءتْ بطُوفان
ويُعْجِبُه الضَّيفُ المُنيخُ كأنّه / زيارةُ إلفٍ وصْلُه بعدَ هِجْران
وأصدَقُ خَلْقِ اللهِ طعْناً بذابلٍ / إذا مُدَّ للخيلِ القنا بينَ آذان
له قُلُبٌ في الطَّعْنِ في كُلِّ لَبّةٍ / طِوالُ القنا فيهنّ أمثالُ أشْطان
أيا مَن إذا أضلَلْت عند معاشرٍ / رَجائيَ أضحَى عند كَفَّيْهِ وِجداني
إذا اسْتُعرِضَتْ أيّامُ عامٍ فإنّما / لَنا بكَ أعيادٌ وللنّاسِ عِيدان
ومُذْ خُلِقَتْ عينُ اللّيالي وفُتِّحَتْ / إلى الخَلْقِ لم تَعْلَقْ سِواك بإنْسان
توسَّطْتَ من آلِ النّظامِ سَراتَهمْ / كأنّك بيتُ الله حُفَّ بأركان
لك الخيرُ أنت العارِضُ الجودُ وَبْلُه / وبي غُلَلٌ فامْطُرْ بساحةِ ظَمْآن
ومثْلُك مَن لا يَشْتري حَمْدَ ناظمٍ / ولا ناثرٍ إلاّ بأوفَرِ أثْمان
فلا يَخْلُوَنْ ديوانُكمْ من مَعيشتي / وأنْتُمْ ملوكٌ مدْحُكمْ مِلْءُ ديواني
بَقِيتَ بقاءَ الدّهرِ في ظِلِّ دولةٍ / وعزٍّ جديدٍ ما تَوالَى الجَديدان
سَلْ صدورَ الرِّكابِ ماذا الحَنينُ
سَلْ صدورَ الرِّكابِ ماذا الحَنينُ / وعَليْها تلك الظِّباءُ العِينُ
نحن أوْلَى بأنْ نَحِنَّ غراماً / لخليطٍ تَواعَدوا أنْ يَبينوا
حيث عَهْدي به يَجولُ وِشاحٌ / للغواني غداً يجولُ وَضين
يا مطايا الأحبابِ أنتُنَّ للعُشْ / شاقِ مثْلُ اسْمِكُنَّ والطّاءُ نُون
ليت أنّا منَ اللّيالي عَلِمنْا / ما لنا في ضَميرِها مكنون
كلّما عنَّ لي حبيبٌ وَفِيٌّ / عَنَّ من دونهِ زمانٌ خَؤون
قلْ لأحبابيَ الّذين سَبَوْني / فوجودي شَكٌّ ووَجْدي يقين
أنتُمُ والزّمانُ حينَ تخونو / نَ يَفي أو تَفونَ حينَ يخون
عانَدتْنا فيهمْ صروفُ اللّيالي / وفنونٌ من اللّيالي الجُنون
لا تسَلْ أنْ أَقُصَّ ما كان منها / وأجِرْ إنْ أطقْتَ مِمّا يكون
كم تُرجَّي تَعَلُّلاً بالأماني / أنْ سيُقْضَى لصَعْبِه تَهْوين
فيكَ يا دهرُ مُقْعدي ومُقيمي / أمَلٌ جامحٌ وحَظٌّ حَرون
طَرْفيَ الدّهرَ مُقْفِرٌ من وفيٍّ / وفؤادي من حبِّه مَسْكون
قلتُ للبائعي سَفاهاً برُخْصٍ / وهْو لو كان يَفْطُنُ المَغْبون
لا بفِعلٍ تُرضَى ولا بمقَالٍ / هبْكَ زَيْفاً ما فيك أيضاً طَنين
كلُّ هذا وبي من الحبِّ ما بي / يا ابنةَ القومِ والحديثُ شُجون
سأَلَتْني ما لي خَفِيتُ نُحولاً / كيف لي أن يُبِينَ ما لا يَبين
جملةُ الأمرِ أنّني فيكِ مُضْنىً / روحهُ بالمُنى لديكِ رَهين
كنتُ مثْلَ الخيالِ إذ أنا خِلْوٌ / رُبّما تَهْتدي إليّ العُيون
فأنا اليومَ من نُحوليَ مُلْقىً / حيثُ لا تَهْتدي إليّ الظُّنون
وكأنّي للمُلْكِ سِرٌّ يَمينُ الدْ / دِينِ من عِزّه عليه الأمين
مَلَكَ المجْدَ كُلَّه والمعالي / مَنْ له النُّصحُ باللُّها مَقْرون
ناصِرٌ كُلّما انْتضاهُ حُسامٌ / ناصحٌ كُلّما ارتآه مُبِين
يُؤْمَنُ المرءُ ثُمّ يُؤْمَلُ جُوداً / هو ذاك المأمولُ والمَأمون
ظلَّ فوقَ الأحرارِ ظِلاًّ ظليلاً / وهْو دونَ الأسرارِ حِصْنٌ حَصين
ليس يُخْلى ومن يُمْنِ جَدٍّ وجِدٍّ / رأْيُه أو رُواؤه المَيْمون
ليس يُدرَى إذا انْتَدى يومَ فَخْرٍ / فَلْكٌ ما يَضُمُّه أَو عَرين
كُلّما ازدادَ رِفعةً زاد لُطْفاً / والقَنا كلّما تَطولُ تَلين
قلْ لمَنْ أصبحَ الأكابرُ طُرّاً / ولهمْ منه باليَمينِ اليَمين
وإذا أقسمَ الفَتى لا يَراهُ / فَرَقاً منه في يَمينٍ يَمين
بانَ قِدْماً مَحلُّ مجدِك حتّى / لم يَزِدْ في وُضوحهِ التَّبْيِين
وارتضاكَ السُّلطانُ نُصْحاً فأضحَى / من نواصي العُلا لك التَّمكين
وأتاك التَّشْريفُ منه فوافَى / وله أنت زائنٌ ومَزين
خلعَتْ من صُدورِ قومٍ قلوباً / خِلْعةٌ حُسْنُها بيُمْنٍ ضَمين
مَن رأى في البدورِ حتّى رأَيْنا / والمعالي لهنَّ حِينٌ يَحين
مثْلَ بَدْرٍ أوفَى على مَتْنِ ليلٍ / وبصُبْحٍ قد شُقَّ منه الجَبين
ذي حُليٍّ كأنّه حينَ يَجْري / فُلْكُ بحرٍ من عَسْجدٍ مَشْحون
مُمسِكٌ للعِنانِ في الكفِّ منه / مَن بإمساكِ عسجدٍ لا يَدين
عَزَّ مقْدارُ تِبْرِه عند كفِّ / عنْدَها الدَّهْرَ كُلُّ تِبْرٍ يَهون
ومُذالٌ عليه غَيْرُ مُذالٍ / مُذْهَبٌ ساطعُ الشُّعاعِ مَصون
مُعشِبٌ وهْو مُعلَمٌ ببَهارٍ / من رياضٍ تَوشَّحَتْها الحُزون
أَخضرُ اللَّونِ مُكْتَسيهِ كَساهُ / كُسوةً لم يكنْ لها تَكوين
إنّما اخضرَّ حينَ أسبلَ فيه / عارِضٌ واكفُ العَزالى هَتون
عارِضٌ للجيوشِ عارِضُ مُزْنٍ / فمَعاني الجمالِ فيه فُنون
جُنْدُه فوق قَطْرِه حينَ يُحصَى / كَثْرةً إذ يَضُمُّهمْ تَدْوين
سار في موكبِ الجلالةِ والخَلْ / قُ شُخوصٌ عُيونُهمْ لا شَفون
والنّدى من أَمامِه راكبٌ يَحْ / جُبُ والشَّأْوُ في العطاء بَطين
وغلامٌ وراءه في يدَيْه / زَنْدُ بأسٍ للنّارِ فيه كُمون
مَشْرَفيٌّ كأنّما الغِمْدُ منه / بَطْنُ لَيلٍ فيه الصّباحُ جَنين
ومِجَنٌّ شَبيهُ أُفْقِ سَماءٍ / بمَصابيحها لها تَزْيين
وقَرينانِ من رماح طِوالٍ / مثْلما سايرَ القرينَ القرين
بسِنانَيْنِ أغْلفَيْنِ ولكنْ / بهما قَلْبُ مَن قَلاكَ طَعين
في غِشاءيْنِ أَصفَريْنِ صَقيلَيْ / نِ يقولُ المُشاهِدُ المُسْتَبِين
أَورَثا حاسدِيك ما عكَسوهُ / فلثَوْبَيْهما بهِ تَلْوين
رُتَبٌ من عُلاً بدَتْ وهْيَ عُنوا / نٌ ويأتي من بَعْدِه المَضْمون
يا هُماماً فاقَ السّماءَ سُمُوّاً / بعدَ هذا من السَّعادةِ سِين
بِكَ تُزْهَى الأعمالُ لا أنت بالأع / مالِ فالعَيْنُ أَنت وهْيَ الجُفون
ففِداءٌ لراحتَيْكَ الورَى طُرْ / راً جَواداً برُوحِه وضَنين
كعبةٌ أَنت للعَلاءِ وإنْ لَم / تَك في قُربِكَ الصَّفا والحَجون
وكريمٌ من السّماءِ مُعانٌ / وعلى الدّهرِ للعُفاةِ مُعِين
كم طوَتْ ما طَوتْ بيَ الأرضُ حتّى / بَلّغتْني ذُراه حَرْفٌ أَمون
فلقد صُغْتُ من مديح سِواراً / تكْتَسيهِ للدِّينِ مِنكَ يَمينِ
إنّما النّاسُ إصبَعٌ من شِمالٍ / يا أخا المَجْدِ حيثُ أَنت اليَمين
كيف يَبْغي الوُصّافُ وَصْفَكَ حقّاً / وهْو فَوقٌ منَ العَلا وهْيَ دُون
حَسُنَتْ في العُلا صِفاتُك جِدّاً / فهْيَ لا يُبْتَغَى لها التّحْسين
بَلِّغا لي أَبا عليٍّ مَقالاً / وهْو منّي بكلِّ شكرٍ قَمين
أَنّ حُبّي له مدَى الدّهرِ مَفْرو / ضٌ وحُبّي مَعاشراً مَسْنون
كم تَمنَّيْتُ عَودةً لي إليه / والأماني على اللّيالي دُيون
والفتَى عُرْضةً وللدَّهرِ حُكْمٌ / والمُنَى غَفْلةً وللشّيء حِين
يا مَكينَ الملوكِ دَعوةَ مَنْ كا / نَ له عندهُ مَكَانٌ مكين
كُنْ كعَهْدي في الوُدِّ فاليومَ فوقَ ال / عَهْدِ في الجودِ لي بكَ المَظْنون
لك منّي مدَى الزّمانِ ثَناءٌ / كُلُّ دارٍ من نَشْرِه دارِين
أَنت في حَلْبةِ الكرامِ هِجانٌ / حيثُ يُمسي الغَمامُ وهْو هَجين
كُلَّ يومٍ للمُلْكِ ما عِشتَ فيه / معَ ضوء الصّباح فَتْحٌ مُبِين
ففِداءٌ لِما وَطئتَ من الأرْ / ض حسودٌ إذا سُرِرْتَ حزين
مِن فتىً مالُه إذا شاء ذُخراً / في رقاب الورى له مَخْزون
عَصْرُه للوليِّ مِنَنٌ مِنَ اللّ / هِ عليه وللأعادي مَنون
فلْتدُمْ للعلا وللمَجْدِ ما صي / غَتْ لوَرْقاءَ في الغُصونِ لُحون
وأُديرتْ كأسْ النَّسيمِ معَ الصُّبْ / حِ فمالَتْ بالسُّكرِ منها الغُصون
فسِواهُ بالضّادِ والظّاء للحُرْ / رِ ضَنينٌ بماله وظَنين
فإذا أُلجيءَ المُضافُ إليه / فهْو منه بنَصْرهِ التَّمكين
ماذا يُهيَّجُ غُدْوةٌ شَجَني
ماذا يُهيَّجُ غُدْوةٌ شَجَني / من صَوْتِ هاتفةٍ على فَننِ
لم يَبْقَ لي دَمْعٌ فتُجْرِيَه / لم أَنسَ أَحبابي فَتُذْكِرَني
وأنا الفِداءُ لمُقْلتَيْ رشَأٍ / سَلَب الفؤادَ غداةَ ودَّعني
ما ضَمَّني يومَ الرَّحيلِ هَوىً / بلْ كان يُدْنيني لِيُبْعِدَني
تاللهِ لم تَرَ عاشقاً كمَداً / إن كنتَ يومَ البَيْنِ لم تَرَني
والقلبُ يَسْبِقُني وأَتبَعُه / والدَّمْعُ أسرِقُه فيَفْضَحُني
وعلى ركابِهمُ بُدورُ دُجىً / هَيَّجْنَ يومَ تَحمَّلوا حَزَني
بالعيسِ سِرْنَ ولو بكَيْتُ كما / أَمرَ الفراقُ لَسِرْنَ بالسُّفُن
قامَتْ تُودِّعُنا وقد سفَرَتْ / فبدا لنا قَمَرٌ على غُصُن
وجْهٌ إذا هُوَ صَدَّ عن كَلَفٍ / قَرَنَ القَبيحَ بهِ إلى الحَسَن
وعزيزةٌ لدَلالِها نُكَتٌ / تَخْفَى على المُتَأمِّلِ الفَطِن
تَخْشَى سُلوِّي كلّما بَعُدَتْ / فتُقيمُ لي طَيْفاً يُشوِّقُني
وتَغارُ منه إذا أنسْتُ به / فتَهيجُ لي ذِكْراً يُؤَرِّقني
يا صاحبيَّ دعا مَلامَكُما / فسِوى مَلامِكما يُلائمُني
لا تُعْلِماني لا عَدِمْتُكُما / بالدّهرِ إنّ الدّهْرَ عَلَّمني
مارسْتُ أيّامي مُمارسَةً / من لَيّنٍ فيها ومِن خَشِن
وذكرتُ فيها غيرَ واحدةٍ / والنّائباتُ عجيبةُ المِنَن
مَنْ لم يُعرِّفْني الخطابَ ولم / يَكْشِفْهُ لي فالخَطْبُ عَرَّفني
نشَز الجبالُ على مُعانَدتي / ولطالَما كانتْ تأَلَّفُني
وعجيبةٌ يا أصفهانُ إذا / نَظَروا وأنتِ رئيسةُ المُدُن
أنْ تُصْبِحي عَيْنَ البلادِ وما / لي فيكِ إنسانٌ يُلاحظُني
ويُعلِّلُني بصدودهِمْ نَفَرٌ / قد كان وَصْلُهمُ يُعَلِّلُني
ولقد يَهونُ عليَّ هَجْرُهمُ / لو أنّ لي قلباً يُطاوِعُني
دَعْني وذاك فلستُ مُنتهِياً / يا صاحِ إلاّ أنْ يُبَدِّلَنى
دَأْبي ودَأْبُ الدَّهْرِ أَنّيَ مَنْ / قاربْتُه في الوُدِّ باعَدَني
وإذا يَعِزُّ الشَّيْءُ أَطلُبُه / وإذا تركْتُ الشّيْءَ يَطلُبني
ومُصادِقي رَجُلانِ إنْ عُرِفا / من غُرّةِ الإنْصاف والزَّمَن
إمّا صديقٌ لستُ أُنصِفُه / أنا أو صَديقٌ ليس يُنْصِفُني
والدّهرُ أعجِزُ أنْ أُغَيِّرَهُ / وكذاكَ يَعجِزُ أنْ يُغَيِّرَني
يا شامتاً بي حينَ غَيَّر منْ / حالي زَمانٌ مُطْلَقُ الرَّسَن
لا تَقْضِ من أحداثهِ عَجبَاً / طَبْعُ الزّمانِ على العِنادِ بُنِي
ما عِيبَ بي زَمَنٌ تَنَقّصَني / يا حاسدِي بل عِيبَ لي زَمَني
لو شاء طيفُكَ بعدَ اللهِ أحياني
لو شاء طيفُكَ بعدَ اللهِ أحياني / إلمامةٌ منه بي في بَعْضِ أحيان
بلْ لو أردْتَ وجُنْحُ اللَّيلِ مُعْتَكِرٌ / والحَيُّ من راقدٍ عنّا ويَقْظان
غيَّمتَ يا قمرَ الآفاقِ من نَفَسي / فسرْتَ نَحْوي ولم تُبصِرْكَ عَيْنان
فما خَلتْ ليلةً مُذْ لم أُلاقِكُمُ / عَيْنايَ من عارضٍ للدّمع هَتّان
لا بَلْ إذا شئْتَ فأْذَنْ لي أَزُرْك وفي / ضَمانِ سُقْمي عنِ الأبصارِ كِتْماني
أبقَى الهوَى لكَ منّي في الورى شَبَحاً / لو وازنَ الطَّيفَ لم يُخْصَصْ برُجْحان
يكادُ يَجذِبُ شَخْصي نحو مَضْجَعه / باللّيلِ إن حَلَمتْ بي عَيْنُ وَسْنان
كيف السَّبيلُ إلى وَصْلٍ نَلَذُّ به / شافٍ لغُلّةِ صادي القلبِ هَيْمان
ودون لَيْلَى إذا رُمْنا زيارتَها / لسانُ واشٍ بنا أو سَيفُ غَيْران
يا سائلي والهوَى شَتَّى مَصارِعُه / كيف اسْتُهِيمَ فؤادي يومَ نَعمان
قد صادَ طائرَ قلبي وهْو يَسْرَحُ في / رَوْضِ الوجوهِ صباحاً غيرَ رَوْعان
من طَرْفِها جارحٌ ضارٍ قوادِمُه ال / أهدابُ منه وجَفْناهُ الجناحان
يا شاهراً سيفَ طَرْفٍ طُلَّ فيه دَمي / على تَكاثُرِ أَنصاري وأعواني
أطرِفْ به سيفَ طَرْفٍ ما تَقلَّدَهُ / للفَتْكِ إلاّ وصُدْغاهُ نِجادان
يُميتُنى إن نأَى عنّي ويَنْشُرُني / بخدِّه المُنْتَضَي إن عاد يَلْقاني
رأيتَ أعجبَ من قلبي وعادتِه / إذا الكَرى خاطَ أجفاناً بأجفان
يَبيتُ يُطلِقُ أسرَى الدَّمْعِ من كرمٍ / في وَجْنتي وهْو من أسْرِ الهوَى عان
لمّا رعَى ناظري في رَوضةٍ أُنُفٍ / غُودرْتُ من أدمُعي في مثْلِ غُدْران
أمِنْتُ إنسانَ عَيْني أنْ يَنِمَّ به / أيّامَ ما مِن وفاءٍ عندَ إنْسان
حنا قناتي وقِدْماً كان قَوَّمَها / دَهْرٌ وما الدَّهْرُ إلاّ هادمٌ بان
لا تُنكِرَنَّ اشتعالَ الرّأْسِ من رَجُلٍ / والقلبُ يُضْرِمُ منه نارَ أحْزان
ما اسْودَّ خَدّيَ حتّى ابيضَّ من عَجَلٍ / لقد تَصافحَ في خَدّي البياضان
مُذْ حَلَّتِ البيضُ قلبي حَلَّ مُشْبهُها / في مَفْرِقي فلقد شابَ السَّوادان
قد أذهلَ الشَّيبُ لمّا جَلَّ نازلةً / عنّا فتاةَ بني ذُهْلٍ بْنِ شَيْبان
آلَيتُ لا أشْكُوَنْ مَن قد كَلِفْتُ به / ولو تَبدَّلْتُ من وَصْلٍ بهِجْران
ولو قضَيْتِ دُيونَ النّاس قاطبةً / ولو أبَيْتِ سوى مَطْلي لَيّاني
وكيف أشكو قبيحاً من صَنيعِك بي / وإن أطارَ الكَرى عنّي وعَنّاني
وإنّما منْكِ قُبْحُ الفِعْلِ خَلَّصني / من كُلِّ ما فيه حُسْنُ الوجهِ ألقاني
ما كنتُ مُستَقْبِحاً قَطُّ القبيحَ ولا / عدَدْتُ خَوّانَ إخْواني بخَوّان
ولا أساءَ إليَّ الخِلُّ أصْحَبُهُ / إلاّ إساءتهُ عادَتْ بإحسان
إذا دهَتْني من الأيّامِ فُرْقَتُه / ورُمْتُ أنْ أتلافاهُ فأعْياني
لولا ادِّكارُ إساآتٍ سبَقْنَ له / ما كان لي عنه من وَجْهٍ لسُلْوان
لو كان إحسانُه صَفْواً وفارقَني / إذنْ لفارقَ رُوحي فيه جُثْماني
طبيعةٌ من وفاءٍ فيَّ راسخةٌ / ما إن تُطيعُ لتَحْويلٍ ونُقْلان
أَكُفُّ كَفٍّ عَيوفٍ أن أنال بها / زادَ اللّئيمِ فأَطْوي بَطْنَ طَيّان
ولا أُطيلُ إلى الوِرْدِ الذَّليلِ خُطاً / ولو حَوى النّارَ منّي صَدْرُ ظَمْآن
ولا أُري الخِلَّ إلاّ ثَغْرَ مُبْتَسِمٍ / حتّى يُشبَّهَ إهْزالي بإسْماني
ولا أَزالُ لنَيْلِ العِزِّ مُغْترباً / مُردَّداً بينَ أوطاري وأوطاني
إن جَأْجأَتْ بي جَيٌّ للوُرودِ فلَم / يَصْدُرْ عنِ الرَّيّ نِضْوي غيرَ رَيّان
لَفَّ العراقَ خُطاهُ بالجبالِ عسى / أن يُعْقِبَ اللهُ نِشْداناً بوِجْدان
أَعُدُّ عَدّاً شُهورَ العامِ مُحْتقِراً / عَدَّ اللّيالي إذا راعَيْتُ أزماني
لمّا رأى رَمضانٌ رفْعَ رايته / للنّاظرِينَ وولّى شهرُ شَعْبان
قلتُ الهلالُ بدا في الأُفْقِ مُعترِضاً / يَبدو سَناهُ لعَيْنِ النّاظرِ الرّاني
أم خَطَّ عينُ عُبَيْدِ اللهِ كاتبُه / لمّا أرادَ له تَسْطيرَ عُنْوان
ولم يُتِمَّ اسْمَهُ للإكتفاء بما / أَهدَى من النُّورِ للقاصي وللدّاني
عظيمُ شأنِ العُلا لا عَيْبَ يَلْحقه / إلاّ إطالةُ رَغْمِ الحاسدِ الشّاني
لا خَلْقُ أَكرَمُ منه يَسْتَحقُّ على النْ / ناسِ الثَّنا فهْو يَشْريهِ بأَثْمان
تَعودُ في يدِ راجيهِ عَطيَّتُه / كأنَّها قَبْسةٌ في كفِّ عَجْلان
يَعْفو عنِ المرء يَجْني وهْو مُعتَذرٌ / حتّى يقالَ تُرَى مَن منْهما الجاني
أَلفاظُه مثْلُ أَرواحٍ إذا سُمعَتْ / في مَحْفلٍ والمعاني مثْلُ أَبدان
يا رُبَّ خَطْبِ خطابٍ منه مَزَّقَه / حتّى انْجلَى لَيْلُه من بعدِ إجنان
إذا غدا يَخْضِبُ الأقلامَ فيه فدَتْ / أَطرافَها السُّودَ أَطرافُ القنا القاني
مَجْدٌ لدينٍ غَدا والدّينُ من شَرَفٍ / مِثْلَيْنِ في فَقْدِ أَمثالٍ وأقْران
هذا غدا خيرَ أَمجادٍ إذا ذُكِروا / كما غد ذاك فخْراً خيرَ أَدْيان
يَجِلُّ عمّا يَجِلُّ الآخَرونَ به / إذا الورَى وُزِنوا يوماً بمِيزان
يَعنَى بدينٍ منَ التَّقوى ويَخْدُمه / من عزِّه كلُّ مَنْ يُعْنَى بدِيوان
بدا تَواضُعُه للزَّائرينَ له / كإخْوةٍ يَصْطَفيهمْ أَو كأخدان
وواضعٌ قدَمَيْهِ من جلالته / على مَفارقِ برْجيسٍ وكيوان
يا رافعاً دَرجاتِ الأجْرِ مُحْتَسِباً / والفَخْرِ مُكْتَسِباً في كُلِّ إبّان
رَفْعُ القُصورِ قُصورٌ عندَ همَّتِه / يُفيضُ إعزازَها عنه بإهْوان
فلا تَرى في اللّيالي عُظْمَ رغْبتِه / إلاّ المعاليَ في تَشْييدِ بُنْيان
مَن جُودُه ذو فُنونٍ حينَ تَخْبُرُه / ودَوحةُ الرِّفدِ منه ذاتُ أفْنان
رَدُّ المظالمِ مَعْ حَمْلِ المَغارمِ مَعْ / فِعلِ المَكارمِ في سرٍّ وإعلان
كالقَطْرِ يُسمَّى بأسماءٍ تُعدَّدُ من / وَبْلٍ وهَطْلٍ وتَسكابٍ وتَهْتان
يَهوَى الثّراءَ رجالٌ والثَّناءَ معاً / وما هُما لو دَروْا إلاّ نَقيضان
هُما نَهارٌ وليلٌ أنت بَينَهما / فخُصَّ أيُّهما تَهوَى بنُقْصان
المالُ يَفْنَى ويُبْقي مَجْدَ صاحبه / فاعْجَبْ له كيف يَنْمى الباقيَ الفاني
أما رأيتَ بني الآمالِ كيف غدَوْا / مِنْ كُلِّ مِظعانِ بيدٍ فوقَ مِذْعان
يُسائلونَ الورَى عن مَقْصدٍ أَمَمٍ / في كلِّ لَقْيَةِ رُكْبانٍ لرُكْبان
فقلتُ سيروا إلى بَيْتِ النّدى زُمَراً / فلِلهُدَى والنَّدى في الأرضِ بَيْتان
فكعبةُ النُّسْكِ في أرضِ الحجازِ لنا / وكعبةُ الجودِ قد خُطّتْ بقاشان
إن كان للنّاسِ بينَ المَروتَيْنِ يُرَى / سَعْيٌ لساعِينَ من مَثْنىً ووُحْدان
فنحنُ في حَجِّ بيتِ المجدِ تُبصِرُنا / نَسعَى كذلكَ سَعْياً ليس بالواني
بينَ ابْنَيِ الفَضْلِ مجدِ الدّينِ زِيدَ عُلاً / وصِنْوِهِ وهما للعِزِّ رُكْنان
لا يُقطَعُ السَّعْيُ في نَيْلِ المطالبِ منْ / هذا إلى ذاك ماكَرَّ الجديدان
أقولُ لمّا أنخْتُ العِيسَ ثانيةً / إلى فتىً منه بالأضيافِ جَذْلان
إن كنتُ ثنَّيتُ إلْمامي بحَضْرتِه / يا صاحبيَّ فجَهْلٌ أنْ تَلوماني
فإنّما لي إذا أَسبَعْتُ في نَسَقٍ / إتمامُ حجٍّ إلى استِفْتاحيَ الثّاني
هذا ولِمْ لَمْ أَقُمْ عُمْري مُجاوِرَهُ / والرَّأْيُ ذلكَ عندي لو تُطيعاني
خُذْها سُلافةَ فكْرٍ قد هَززْتُ / أعطافَ خِرْقٍ بكأسِ الحمدِ نشْوان
راحاً يُشَعشِعُها الرّاوي بأكْؤُسها / يُشْرَبْنَ من دونِ أفواهٍ بآذان
اُبدي منَ الوُدِّ في نَظْمي مَدائحَكُمْ / إحسانَ حَسّانَ في أملاكِ غَسّان
لم يَعْدَمِ اللّفْظَ تَحْبيري وإنْ وَجَدوا / خلْفَ المعاني إذا ما قلتُ إمعاني
فَصُمْ وأفْطِرْ مديدَ العُمْرِ في نِعَمٍ / ما عاوَد النّاسَ في الأيّامِ عِيدان
مُساعدَ الجَدِّ حتّى لا تزال تَرَى / إحسنانَك الدَّهْرَ مَقْروناً بإمْكان
دَعِ العَينَ منّي تَسكُبُ الدّمعَ أو تَفنَى
دَعِ العَينَ منّي تَسكُبُ الدّمعَ أو تَفنَى / فليس لعَين لا أراك بها مَعنَى
حَرام عليها إنْ رأيتُ بها الوَرى / ولم تكُ فيهمْ أن أُجِفَّ لها جَفْنا
لأمْحو سوادَ العَينِ بعدَك مثْلما / محا المرءُ يوماً من صَحيفتهِ لَحْنا
لقد سرَقَت كَفُّ الرّدَى ليَ دُرّةً / أطالَ لها الإعزازُ في مُقْلتي خَزْنا
فصيَّرتُها بَحراً منَ الدّمعِ بعدَها / لَعَلِّى بطُولِ الغَوصِ ألقَى بها خِدْنا
وهَيهاتَ ما بحرُ البكاء بمَعْدِنٍ / فمن أين تأميلُ اعتياضي ومِن أنّى
فَحُيِّيتَ مِن ماضٍ أقام ادِّكارُه / وأفديهِ من فَرْدٍ مَناقبهُ مَثْنى
إليه انْتَمى كُلُّ المَحاسنِ مُذْ بَدا / فحُقَّ لعَمري بالمحاسنِ أن يُكْنى
وكان رجاءً لي فَفُتُّ بفَوتْهِ / كأنّيَ كنتُ اسْماً وكان هو المَعْنى
غدا وجههُ عندي من الحُسنِ روضةً / فراحَ لها دَمعي وقد صوَّحَت مُزنْا
وكان يَدي اليُمنَى فأصبَحْتُ ضارعاً / أُوسّدُه في لَحْدِه يَدَه اليُمنْى
وأظلمتِ الدُّنيا فأيقنتُ عندها / بأنّي دَفنْتُ الشّمسَ في قبره دفْنا
كأنّيَ فيها طائرٌ صِيدَ فَرْخُه / منَ الوكْرِ حتى صار لا يأْلَفُ الوَكنْا
رآه معَ الإصباحِ في كَفِّ جارحٍ / وقد أنشبَتْ فيه مَخالبَها الحُجْنا
فِدىً لكَ منّي النّفسُ كيف رَضيتَ لي / تَهدُّمَ بَيتٍ أنت كنت له رُكنْا
تَقطَّعُ آمالٌ لنا فيك أُمِّلَتْ / وأعرضَ خَطْبٌ ما حَسبِنا وما خِلْنا
وأحسَنْتُ بالأيّامِ ظَنّي فما وفَتْ / وما الحزْمُ بالأيّامِ أن تُحسنَ الظَّنّا
أما كان زَيْناً للزّمانِ اجْتماعُنا / فلِمْ كان منه القَصْدُ حتّى تفرَّقْنا
وكنّا كما نَهْوَى فيا دهرُ قُلْ لنا / أفي الوُسْعِ يوماً أن نَعودَ كما كُنّا
أَعِدْ نحوَ مَغْنىً منه قد سِرْتَ نظرةً / لتُبصرَ ماذا حَلَّ في ذلك المَغْنى
وجَدِّدْ بذاكَ المنطقِ العَذْب نُطقَهُ / لتسألَ عنّا أيُّ أمرٍ لنا عَنّا
وأرْعِ فدْتكَ النّفسُ سمعَك مَرّةً / لنُسمِعَك الشّكْوى الّتي بَلغتْ منّا
وهَيهاتَ عاقَتْ دوَن ذلك كُلّه / عوائقُ أقدارٍ فحالَتْ وما حُلْنا
لقد راعني صَرْفُ اللّيالي ورابَني / من الدهرِ أن أخنَى عليَّ بما أَخنْى
وقد جُدْتُ بابْنٍ كان عزىَ روحُه / فها أنا منّي سوى جَسَدٍ مُضْنى
على حينَ منه أبدَر الوجهَ سنُّه / وَهلّلَ منّي القدُّ في مِشْيَتي سِنّا
وما كنتُ إلاّ أرتَجي عند كَبْرتي / لعَظْمي به جَبْراً فزِدتُ به وَهْنا
فلَهْفي على غُصْنٍ رَجوْتُ ثمارَهُ / ولم أر أبهى منه لمّا اعْتلى غُصْنا
كفَى حزَناً ألاّ أرى منه في يَدي / سوى حَسَراتٍ بعده كُلَّ ما يُجْنى
أحينَ اغتدَى في حَلبةِ النُّطْقِ فارساً / وأبدَى لنا في ثُغْرةِ الحُجّةِ الطَّعْنا
وأرخَى وقد أجرَى عِنانَ ابْن همّةٍ / أبَى دونَ أقصَى غايةِ الهمّ أن يُثْنى
وصَرَّفتِ الأقلامَ في الكُتْبِ كَفُّه / فأخجلَ في أيدي الكُماةِ القنا اللُّدْنا
بخَطِّ بنانٍ رائقِ الحسنِ ناطَه / بخَطّ بيانٍ فاستَبى العينَ والأُذْنا
وأُكمِلَ في عصْرِ الصِّبا فبدا لنا / عن الحِلْمِ مُفترّاً وفي العلْمِ مفتّنا
أشارتْ إليه عند ذاك أصابِعٌ / له أَصبَحتْ تُثْنى على الفضل أَو تُثْنَى
فلمّا أبَى الأقرانُ شقَّ غُبارِه / أتى الدّهرُ في جيشٍ فبارزَه قِرْنا
ولمّا بدا في أُفْقِ عُلْياه طالعاً / يَبُثُّ سناً واللّيلُ كالدّهر قد جَنّا
وعَدّتْ ليالي البدرِ أعوامَ عُمْرهِ / فكنّ سواءً لا نَقصْنَ ولا زِدْنا
أتاه سِرارُ الموتِ عند تَمامهِ / فحَجَّبنا عنه وحَجَّبه عَنّا
وعينٌ أصابَتْنا لدَهْرٍ مُشتِّتٍ / فلا نظرَتْ عَينٌ لدهرٍ أصابَتْنا
أُؤمِّلُ يوماً صالحاً بعدَ بُعده / وقد فاتَني من قُربه حَظِّيَ الأْسنى
وأصبحتُ في قَيْدٍ منَ العُمرِ راسفاً / كأنّيَ عند الدّهرِ خَلَّفني رَهْنا
ولو كنتَ تُفْدَى لافْتدَيتُكَ طائعاً / بماليَ لو أَجْدى ونَفْسيَ لو أَغْنى
ولكنْ حياتي بَعدَك اليومَ هكذا / حياةٌ لعمْري لا أُقيمُ لها وَزْنا
مَرقْتَ مُروقَ السَّهْمِ منّي مُودِّعاً / على حينَ ظَهري كالحنيّة إذْ تُحنى
وليس سوى التَّسليمِ للهِ وَحْدَه / وإنْ عَزَّ منهُ كلَّ صَعبٍ وإنْ عنّى
صَبرتُ ولم أُصبرْ عزاءً وإنّما / رأيتُ سبيلَ الصَّبرِ نحوك لي أدْنى
عسى الصَّبرُ أن يَجْزي لدى اللهِ زُلْفةً / بِذاك فيَقْضي في جِوارِك لي سُكْنى
بقُربِكَ في الدُّنيا مُنيتُ وإنّني / بقُربك في الأُخرى لأحذَرُ أَن أُمنى
عليك سَلامُ اللهِ يا خيرَ رائدٍ / ولازلتَ من مَثواك في روضةٍ غنّا
ولازال يَسْقي ما حلَلْتَ من الثَّرى / قِطارُ الغَمام الغُرِّ هاتِنةً هَتْنا
فواللهِ لا أنساكَ ما هَبّتِ الصَّبا / وما ناح في الأيكِ الحمامُ وما غَنّى
غدا سَمُراً في الأرضِ عُظْمُ رزيئتي / بما وعَدَ الإقبالُ فيك وما منّي
فكُلُّ امرئٍ قد كان باسْمِكَ سامعاً / يُرَقْرِقُ لي دمعاً على الخدِّ مُسْتّنّا
إذا الرَّكْبُ في البيداء أَجرَوْا حديثَنا / أقاموا فَردُّوا العيسَ وانتظروا السُّفنا
أحِنُّ إلى الكأسِ الَّتي قد شَرِبْتَها / ومثْلي ولم يُظْلَمْ إلى مثلها حَنّا
فإنْ تك قد أَسأرْتَ في الكأسِ فَضْلةً / فهاتِ تكُنْ عندي هيَ المَشْرَبَ الأهْنى
فواللهِ لم أسمَحْ بشَخْصِك للرَّدى / ولكنّني استَوْدَعتُه في الثرى ضَنّا
كَنزْتُك في بَطْنِ التُّرابِ نفاسةً / وأعززْ به كنزاً لآخِرتي يُقْنى
وشِمتُك لي سَيفاً ولو كنتُ قادراً / لكان مكان التُّرب جَفْني لك الجَفنا
وقد كنتَ لي عَضْباً حُساماً فلم تَزلْ / تُوشّحُ لي صَدْراً من العزِّ أَو ضِبْنا
فتُصِبحُ لي طَوراً يداكَ حَمائلاً / وآونةً يُضْحي مناطُكَ لي حِضْنا
ولكنْ أَمامي كان يومَ مَخافةٍ / إذا ما دَنا طارَ الفؤادُ له جُبْنا
فصُنْتُك في الغِمْدِ ارْتقابَ وُرودِه / لعلَّك ذاك اليومَ تُصبحُ لي حِصْنا
فيا فُرُطي والوِرْدُ وِرْدُ مَنيّةٍ / تنظَّرْ قليلاً فالمسافةُ تُستَدْنى
أليس عُقوقاً منك أن قد سبَقْتَني / إلى غايةٍ كُنّا إليها تَسابَقْنا
فسِرْتَ أمامي بعدَ أن كنتَ واطِئاً / على أثَري من طاعةٍ حَيثُما سِرْنا
كأنّك لمّا خِفْتَ عُظْمَ جرائمي / تَقدَّمتَ تَبغي في الشَّفاعة لي إذْنا
فبيَّتَنا صَرْفُ المنايا بجُنْدِه / إذا نحن بِتْنا مِلْءَ أعيُنِنا أَمْنا
هو الموتُ لا يُغْضي حياءً ولا يَقي / ولا يُطلقُ الأسرى فداءً ولا مَنّا
ولا هو في ابنٍ إن سَطا يَتَّقى أباً / ولا في أبٍ يرعَى فيَصفَحُ عَن أَبْنا
ولو كان يَستثني الرَّدى ابنَ كريمةٍ / لقد كان قِدْماً لابْنِ ماريةَ اسْتَثْنى
سليلٌ لخيرِ الخَلْقِ إذ حان يَومُه / تَخطَّفَهُ رَيْبُ المَنونِ وما اسْتأْنى
وقد سَنّ من إرسالِ دَمْعٍ لأجله / وإرْسالُ قَولٍ يُسخِطُ الرَّبَّ ما سَنّا
فيا أسفي حُزْناً غداةَ غدَوْا لكَيْ / يُغيَّبَ عن عَينيْ ويا يُوسُفي حُسْنا
عزَزْتَ فلمّا لم تكنْ لك إخْوةٌ / أحلَّك بطْنَ الأرضِ ذو نَسَبٍ أدْنى
أبوكَ الَّذي ألقاك في الجُبّ راغماً / فأَخلِقْ بعَيْنَيْهِ أن ابيضَّتا حُزْنا
سَيُكرِمُ مَثْواكَ العزيزُ فإن تكُنْ / لديهِ مكيناً يومَ ذلك فاذْكُرْنا
وقُلْ لي أبٌ شَيخٌ كبيرٌ فَجَعْتُه / فأحسِنْ بعَفْوٍ عنه يا مُوليَ الحُسْنى
عسى أن يكونَ اللهُ ساقَ التقاءنا / إلى المُلْتقَى الأعلَى من المُلْتقَى الأدنى
وهل نحنُ إلاّ رُفقةٌ قد تَسايَرتْ / إلى مَنْزلٍ دانٍ كأنْ قد تَلاحَقْنا
وما بَيْننا إلاّ خُطاً قد تَقاربَت / تَقدَّمْنَ حتّى نَلْتَقي أو تأَخَّرْنا
وما الأرضُ إلاّ كالكتابِ يَخُطُّنا / بها اللهُ خَطّاً يَملأُ الظَّهْرَ والبَطنا
لها يومَ نَشْرٍ فيه يُظْهِرُ للورَى / خفايا من الأسرارِ كُنَّ لها ضِمْنا
فيا راقداً قد خاط عينَيْهِ غَفلةٌ / تأهّبْ فإنّ الحيَّ قد قَدَّموا الظُّعْنا
ويا نَفسُ صَبراً إن خطَتْ قَدمُ الرَّدى / إلينا على حال فكم قد تَخَطّتْنا
فُنونٌ لذي الأيّامِ أثوابُ مَرّها / إذا أخلقَتْ فينا أجدَّتْ لها فَنّا
ومَنْ يَمتطي شُهْبَ الزَّمان ودُهْمَهُ / فلابُدَّ من أنْ يَسلُكَ السَّهْل والحَزْنا
وديعةُ ربٍّ كان ثُمَّ استَردَّها / فكم ذا أقولُ الدَّهرُ أعطَى وما هَنّا
وما ساءني مِن أخْذِه وعطائهِ / وما بَيْنَ أن أفنَى حميداً وأن أَقْنى
سوى أنّ مَن يُودِعْ نفيساً ويَرتَجعْ / سريعاً فمِنْ ظَنٍّ به سَيءٍ ظَنّا
أجَلْ لم أكنْ فيه أميناً ولا بهِ / قَميناً وقد سَنَّ له اللهُ ما سَنّا
ولكنّني أرجو على ذاكَ نظرةً / بعَيْن رضاً للهِ منْ نالَها استَغْنى
وإنّي لأستَحيْي منَ الله أن أُرَى / مُشيناً له فِعلاً مُسيئاً به ظَنّا
وأنْ أتلقَّى محنةً ثمّ منحةً / فأضعُفَ عن حَمْلي لكليتهما مَتْنا
قضَى ما قضَى من تَرحةٍ بعدَ فَرحةٍ / فلا الشّكْرَ أكمَلْنا ولا الصّبْرَ أجمَلْنا
وما ذاك عَن جَهْلٍ بنا غَيرَ أنّنا / عَلِمْنا ولم نَعْمَل فيا ربَّنا ارحَمْنا
يا خائضاً في الأمرِ وهْو يُحبُّ أن
يا خائضاً في الأمرِ وهْو يُحبُّ أن / تَغدو له عُقْباهُ نَصْبَ العَينِ
اقْرِنْ برأيكَ رأْيَ غيرِك واسْتشرْ / فالحقُّ لا يَخفَى على رَأيَيْن
فالمرءُ مِرآةٌ تُريهِ وجْهَه / ويَرى قَفاهُ بجَمْعِ مرآتَيْن
يا قلبُ تَخلَّ من هُموم وشُجونْ / بادر فُرَصَ الزّمانِ من قَبْلِ يَخونْ
لا تأْسَ فإنَّ حَمْلكَ الهمَّ جُنون / ما قُدّر أن يكونَ لابدَّ يكون
حَسّن الهَجْرَ مع القُرْبِ لعَيْني
حَسّن الهَجْرَ مع القُرْبِ لعَيْني / أنّنا لا نلتقي إلا بَبيْنِ
وَدَّعونا وفؤادي مَعهمْ / يا سقَى اللهُ عهودَ الظْاعنَيْن
واستَرابَتْ ببُكاها مُقلتي / كان مِن شَأْنَين أو من وَدَجَيْن
كُلُّ حَربٍ سَمِعوا يوماً بها / أوقَعوها بين أيّامي وبَيْني
والعيونُ العامريّاتُ إذا / فتكَتْ أنستْكَ فَتْكَ العامِرَيْن
بسهامٍ ما بَراها صَنَعٌ / وسُيوفٍ ما جلَتْها يَدُ قَيْن
منَ عَذيري مِن تَمادي حُرَقي / وتَوالي قَطَراتِ الدَّمْعَتَيْن
لي هوىً يُبْلي ولي دمعٌ يَشي / أىُّ أسراريَ تَخْفَى بينَ ذَيْن
ما على العاشقِ من عَتْبٍ إذا / خُزنَت أسرارُهمْ في المَدمَعيْن
هُمْ سَبَوا قلبيَ حتّى لم أجِدْ / مَوضعاً فيَّ لسرّي غيرَ عَيْني
أيّها الرَّكبُ بشَرقيّ الحِمى / هل لكمْ عِلْمٌ بأهلِ العَلمَيْن
ظَعنوا في أيّ واديّ الكُوَى / وحدا بالقلبِ أىُّ الحاديَيْن
يَملأ لِبيدَ بأشياخهمْ / كُلُّ عيديٍّ نَجيبٍ وعُصَيْني
ويُغيبُ الشّمسَ في نَقعهمْ / مَرَحُ الخيلِ وتَجريرُ الرُّدَيْني
وعلى أكوارِهمْ من وَجْرة / سُدُمُ الآرامِ تَنْحو رامَتَيْن
فيهمُ مَنْ عَلِقَ القلبُ به / وأطالَ الوجدَ غيْظُ اللاّئمَيْن
والقنا يَسْعَى حَوالَيْ خِدْرِه / دَورةَ الهُدْبِ على إنسانِ عَيْن
أسلَم الصَبَّ إلى حَرٍّ الجوَى / وإلى القَطْرِ بقايا الدِّمنتَيْن
لا تَظنُّوا أنّ سَجعاً شاقَني / أنا أطربتُ حَمامَ الواديَيْن
أنا علَّمتُ الشّتا حينَ بكَى / دَمعَهُ يَرقُمُ رَسْمَ الرَّقمتَيْن
لك أن تُخلِفَ ميعادَ الحَيا / أيّها البرقُ ولا بالرَّقمتَيْن
فسقاها غيرَ ماحِ رسْمها / دانيَ الهَيْدَبِ نائي الحَجْرتَين
واقفاً يبكي على آثارهم / وِقفةَ العاشقِ بَيْنَ العاذِلَين
يَسبِقُ الرَّعدَ ببَرقٍ مثْلَما / يَبْدُر الزَّجْرُ بلَمْعِ الحاجبَيْن
لستَ يا غَيثُ وإنْ روَّيتَها / مثْلَ زينِ المُلكِ في جودِ اليَدين
ومتى تَتْركُ أن تُشبهَهُ / فامْطِرِ الأرضَ بِتبْرٍ أو لُجَين
ماجدٌ كلتا يدَيْه في النَّدى / رِفدُها يخجِلُ رِفْدَ الرّافدَين
هو مَعْنَى العَدْلِ جوداً لا هوى / وهْو زينَ المُلك صدْقاً غيرَ مَيْن
زانَه حين دعاه زَينه / ولقد يدعَى بزَينٍ غيرَ زَين
يَحمِلُ الوَفْدَ إلى أبوابهِ / كُلُّ مُرتاحِ مَجالِ النّسعَتين
كَسبوا بينَ الأيادي بالسُّرى / والمطايا كَسْبُهمْ رُوحاً بأَيْن
صائبُ الرّأيِ بَعيدُ المُنتهَى / طاهُرُ العِرْضِ حَميدُ الشيمتَين
حَسَن أحسنُ ما في حُسنه / خُلُقٌ يَعدِلُ سَمتَ الحَنّين
لو رأينا مِثْلَه في عَصْرِه / لرأينا في المنامِ القَمَرين
وإذا هَزَّ لخَطْبٍ قَلماً / ناب عن كُلِّ رقيقِ الشَّفْرتَين
وإذا أعملَ حَدَّيْ رأيه / في عَدُوٍّ كان أمضَى المُرهَفيْن
جُمع الجَدُّ معَ الجِّدِ له / لا يزالا عندهُ مُجتَمِعَين
وتَناهَى العلْمُ والجودُ به / فتَواردْنا لبَحْرٍ لُجَّتَيْن
أسرَع الصّومُ إلى ساحتِه / باسمَ الثّغْرِ صَدوقَ البُشْرَييْن
فَلْيصُمْ أمثالُه في نِعمةٍ / وعُلاَ تَبقَى بقاءَ الرّافدَين
يا مُقيمَ المجدِ في أعلَى السُّها / ومُطارَ الذِّكْرِ بينَ الخافقَين
هاكَها مصقولةً لو جُسِّمَتْ / قُرِّطَ السّامعُ منها دُرَّتَيْن
مَأْخَذُ الشِّعْرِ قَريبٌ أَمَمٌ / فإذا شئْتُ يفوقُ الفرقَديْن
فابْقَ في عزِّ عُلاً لا يَنقضي / عَهدُه قبلَ مآب القارِظَين
تَقتفي كُلَّ وليٍّ بغِنَى / وإلى كُلِّ أخي ضِغْنٍ بحَين
فإذا غَيَّر حالاتِ الورَى / كان كالدَّهرِ مُقيمَ الحالتَين
أهواكُمُ وخيالُكمْ يَهْواني
أهواكُمُ وخيالُكمْ يَهْواني / فلقد شَجاهُ فراقُكم وشَجاني
أُضحي أخا سفَرٍ فما ألقاكُمُ / وأبيتُ ذاَ سهَرٍ فما يَلْقاني
ما زلْتُ أحكي في النُّحولِ مِثالَه / حتّى تَناهَى السُّقْمُ بي فَحكاني
فتركْتُ طَيفَكُمُ وقد أفناهُ هِجْ / راني كما هِجرانُكمْ أفناني
ما كان يَدْري ما الحَنينُ مَطيُّنا / حتّى مرَرنَ بأبرَقِ الحَنّان
لمّا أمَلْتُ زمامَ نِضْويَ نَحوَهُ / لأُجيلَ طَرفيَ في رُسومِ مَغان
جَعلَتْ تُناحِلُني الرُّسومُ لَوائحاً / والدّهرُ أبلاها كما أبلاني
ما كان آهِلَها عَشِيّةَ زُرتُها / إلا مَكانُ مَطِيّتي ومكاني
فلو استَمعْتَ إليّ في عَرَصاتِهّا / لعجِبْتَ كيف تَخاطَب الطّلَلان
وسألْتُها أينَ الَّذينَ عَهِدْتُهمْ / ليُجيبَ أو ليُبِينَ بعْضَ بَيان
فثَنى الصَّدى قَوْلي إليَّ بحَرِّها / وبمِثْلِ ما ناجَيْتُه ناجاني
صَدقَ الصّدى أنا والدّيارُ جَهالةً / بالحيِّ مُذْ شَطَّ النَّوى سِيّان
إنّ الذينَ عُهودُهمْ كعُيونِهمْ / عندَ اللّقاء ضعيفةُ الأركان
جَعلوا وما عدَلوا غداةَ تَحكَّموا / دَمْعي الطّليقَ لهمْ وقَلبي العاني
قلبٌ أدار عليهِ طَرْفُكَ كأْسَه / كم جارَ من ساقٍ على نَدْمان
وأنا الفِداءُ لشادنٍ لاحَظْتُه / فسبَى الفؤادَ بناظرٍ فَتّان
قد قلتُ حينَ نظَرتُ فَرْطَ تَعجُّبٍ / وعليه لمّا أن بدا قُرطان
لِمْ نَكَّسوا القُرطينِ لمّا عاقَبوا / في جيدِه والسّاحرُ العَيْنان
بجِوارِ جائرتَيْنِ قد عَلِقا معاً / فهُما بما جنَتاهُ مُرتَهِنان
ما كان أوّلَ سَطوةٍ من ظالمٍ / أخذَ البَريءُ بها فلَجَّ الجاني
والدّهرُ قد يَجْلو عَجائبَ صَرْفِه / حتّى أكونَ مُكذّبِاً لعِياني
ياجَيُّ جئْتُكِ زائراّ وأنا امرؤٌ / ناء عنِ الأوطارِ والأوطان
فقَرَيْتني هَمّاً جُعِلْتُ له قِرًى / إنّ الغريبَ لأُكْلَةُ الأحزان
ضَيفاً إذا اختارَ النُّزولَ بساحتي / كانتْ ملاءُ جِفانِه أجفاني
وإذا سَرَى لم تَهْدِه مَشبوبَةٌ / باللّيلِ إلاّ ما يُجِنُّ جِناني
عافَ السَّديفَ وقد ألمَّ بسُدْفةٍ / فأرادني وأذابَني وغَذاني
وكذا الأكارمُ لو قَرَوْا بلُحومِهمْ / لم يَحْسِبوا مَنناً على الضّيِفان
هل في معاهدِ أصفهانَ وحُسنها / مُتعلَّلٌ لنزيعِ خُوزِسْتان
فَتَق الرّبيعُ بها الكَمائمَ كلَّها / فتَبسّمتْ للنّاسِ عن ألوان
إلاّ فؤادي فالهمومُ تَضُمُّه / عن أن يُطالِعَ منه بِيضَ أمان
أمّا الرّياضُ فقد بدَتْ كمجَالسٍ / مَنْضودةٍ والوُرْقُ فُصْحُ قِيان
والرِّيحُ مثْلُ الرّاحِ بُوكرَ شُرْبُها / والغُصْنُ فيه تَميُّلُ النَّشْوان
وإذا الحَمامُ غدا وراحَ مُكَرِّراً / في الأيك ما يَختارُ من ألحان
فتَرى بنا ما بالغُصونِ إذا شَدَتْ / من شِدّةِ البُرَحاء والأشْجان
تتَشبَّهُ الأغصانُ بالأعطافِ إنْ / غَنّيْنَ والأعطافُ بالأغصان
ما للنّسيمِ ونَى وليس هُبوبُه / في سُحْرةٍ عن أن يَشوقَ بِوان
أعطَى القَنا أيدي الرِّياضِ تَهُزُّها / وكسا الدُّروعَ مَناكبَ الغُدْران
وكأنّه يومَ الهِياجِ مُحَرِّشٌ / يَسعَى لكي يَتصادم الزَّحْفان
وكأنّما بَعثَ البِحارُ إلى الرُبَا / بِيَدِ السَّحابِ وَدائعَ المَرْجان
وحكَى أقاحيها سقيطَ دراهمٍ / وحكَى دنانيراً جنَى الحَوْذان
وشقائقُ النُّعمان تَحكي بَيْنَها / بكمالِ بَهْجتِها خُدودَ حِسان
هيَ للخدودِ النّاعماتِ نَسيبةٌ / شَبَهاً فلِمْ نُسِبَتْ إلى النُّعْمان
وكأنّ كُلَّ شَقيقةٍ مكْحولةٍ / شَرِقَتْ مَحاجِرُها بأحمرَ قان
عَينٌ لإنسانٍ وقد مُلئتْ دَماً / منه فما يَبدو سوى الإنْسان
يَبكى بها شاني الأميرِ مُحمَّدٍ / كَسَداً فتَترُكُه قَريحَ الشّان
والفَضلُ إن يكُ رَوضةً فشَقيقُها / تَحديقُ عَيْنِ الحاسدِ اللَّهفان
لأبي عليٍّ في العلاء ثَنِيّةٌ / لا يَستطيعُ طُلوعَها القَمَران
طلَع الأميرُ مُحمَّدُ بْنُ مُحّمدٍ / شَمْساً لأُفْقِ العَدْلِ والإحْسان
شَرَفٌ لدينِ اللهِ سَمّاهُ الهُدى / وحُلَى الأسامي للرِّجالِ مَعان
لمّا نَمتْه منَ الملوكِ عِصابَةٌ / للدّينِ كانوا أشْرفَ الأعوان
أبناءُ أوّلِ مَعشرٍ لسيوفهم / في الدّهرِ ذَلَّ الكُفْرُ للإيمان
لاثُوا العمائمَ سُؤْدَداً وتَعوَّدوا / بالبِيضِ ضَرْبَ مَعاقدِ التِّيجان
وبِهمْ نَبيُّ اللهِ باهَى عِزّةً / مَن كان مِن عَدْنانَ أو قَحْطان
في يومِ ذي قارٍ غداةَ سُيوفُهمْ / نيرانُ أهْلِ عبادةِ النِّيران
كانتْ كذلك جاهليّةُ مُلكِهمْ / والدَّهرُ إن نظرَ الفتى يَوْمان
وحمَوْا حِمَى الإسلامِ لمّا أنْ بدَتْ / للخُرَّميّةِ ضَربةٌ بجِران
وسعَى أبو دُلَفٍ إلى عَلْياءَ لم / يَدْلِفْ إليها بامْرئٍ قَدَمان
في عُصبةٍ مُضَرِيَّةٍ لكنّهمْ / قد أصحَبوا الأيمانَ كلَّ يَمان
وكتيبةٍ تَطِسُ الحصَى مَلْمومةٍ / تُعْشى إياةَ الشّمسِ بالومَضان
في حيثُ ليس يَهيجُ أطْرابَ الرَّدى / إلا حَنينُ عطائفِ الشِّربان
والخيلُ كالعِقْبانِ تَقْتحمُ الوغَى / فالقْومُ تحتَ قَوادمِ العقْبان
والطّعْنُ يَحْفِر في الكُلَى قُلُباً لها / سُمُرُ القَناَ بَدَلٌ منَ الأشطان
وعلى مُتونِ الخيلِ أحْلاسٌ لها / من كُلُّ مِطْعامِ النَّدى مِطْعان
كُلُّ ابنِ مُنْجِبةٍ بصَدْرِ جَوادِه / في الرَّوْعِ يَغْشَى حَدَّ كُلِ سِنان
ما كان يُرضِعُه لَبانَ حِصانه / لو كان لم يَرضَعْ لِبانَ حَصان
بك يا جمالَ المُلْكِ أضْحَى يَزْدهي / رَأْيُ الوزيرِ ورايةُ السُّلْطان
بأغرَّ يغدو حِلْيةً لزمانِه / وجُدودُه كانوا حُلَى الأزمان
ومُقابَلُ الأطرافِ مُشْتَهِرُ العُلا / والبَيتُ للزُّوَارِ ذو أركان
أمّا العُمومةُ فهْيَ قد فَرعَت به / عَلياءَ يَقْصُرُ دونَها النَّسران
وإذا التفَتَّ إلى الخُؤولة لم تَخَلْ / أحداً يُقارِبُ مَجدَه ويُدانى
عُلْيا بني إسحاقَ فيه إذا انْتَمى / قد سانَدتْ عُلْيا بني شَيْبان
وإذا سألتَ عنِ المكارمِ والعُلا / فلأولٍ من قاسِمَيْهِ وثان
وهما اللّذانِ من سالفَيْ عصرَيهما / رفَعا منارَ المجدِ والدّيوان
فالمجدُ أعشارٌ إذا قَسّمْتَه / والقاسمانِ له هما السَّهْمان
هل كان في الوزراء إلاّ قاسمٌ / ولقد يُزادُ الحَقُّ فَضْلَ بيان
مَن كان خُصَّ بلَثْمِ خَمْسٍ منهمُ / مع ضَربِ خَمسٍ عندَ كُلِّ أذان
أو كالنظامِ وهل جَوادٌ مثْلُه / في الدَّهرِ عمَّ الأرضَ فضْلَ بنان
يُعطي العطايا الباقياتِ وقد مضَى / وعَطاهُ كُلَّ مِن سِواهُ فان
فهما كبيراكَ اللّذانِ كأنّما / كانا بمجدِكَ للورَى يَعِدان
ويكون مثُلك أنت واسطةً إذا / ما كان مثْلَ أولئكَ الطَّرَفان
أمَناطَ آمال تَعُدُّك عُدّةً / للحُرِّ عند طَوارقِ الحَدَثان
وكأنّ نُورَ جَبينِه لعُيونِنا / كَرماً مَخيلةُ عارضٍ هَتّان
نُطْقٌ تظَلُّ الغُرُّ من كَلماتِه / وكأنّها الأقراطُ في الآذان
كَلِفٌ بدُرِّ القولِ مِن مُدَّاحه / يَشْريهِ بالغالي منَ الأثمان
فَضْلاً وإفْضالاً وما جمَع الفَتى / للفَخْرِ مثْلَ العُرْفِ والعِرْفان
وكأنّ أطرافَ اليراعِ تَهزُّها / للخَطْبِ أطرافُ القنا المُتَداني
تتأرَّجُ البَيداءُ من أخبارِهِ / وتضوعُ ساعة مُلْتقَى الرُّكْبان
مِن كُلِّ مَشْبوبِ العزيمة نَحْوَه / مُوفٍ على شَدَنيّةٍ مِذْعان
وَجْناءَ حَرْفٍ ما يزالُ يَمُدُّها / أو يُبدِلَ التّحْريكَ بالإسكان
مُتواضِعٌ للزّائِرينَ ومَجْدُه / مِن رِفعةٍ مُوفٍ على كِيوان
نفَسْي فِداؤك يا مُحمّدٌ من فتىً / راجيه لا يُرمَى بهِ الرَّجَوان
وإذا دَعَوْتُ إلى المُهمِّ أجابنَي / فكَفاهُ لا وانٍ ولا مُتَوان
أولَيتُه وُدّاً وأولاني يَداً / والمجدُ أجمَعُ بَعْضُ ما أَولاني
وأزَرتُه مِدَحي وحاشَ لهِمَّتي / مِنْ أن أُحِلَّ الفضلَ دارَ هَوان
ولئنْ غدَتْ أيّامُ إلْمامي بهِ / مِمّا قَلَلْنَ كقَبسَةِ العَجْلان
فأنا الّذي أُثني على عَلْيائهِ / كثناء حَسّانٍ على غَسّان
إن لم تكُنْ قَدَمي تؤُمُّ فِناءهُ / فلقد جرَى قَلَمي ونابَ لِساني
إذا الحَمامُ على الأغصانِ غنّانا
إذا الحَمامُ على الأغصانِ غنّانا / في الصُّبحِ هيَّج للمشتاقِ أحزانا
وُرْقٌ يُردِّدْنَ لحْناً واحداً أبداً / من الغِناء ولا يُحْسِنَّ ألحانا
ذَكَّرْنَنا زَمناً عِشْنا ذوي طَرَبٍ / لذِكْرهِ بعدَ أن قد مَرّ أزمانا
ظُلْمٌ من الإلَفِ يَنسانا ونَذْكُرُه / حتّامَ نَذكُر إلفاً وهْو يَنْسانا
قُلْ للبخيلةِ أن تُهدي على عَجَلٍ / تَسليمةً حينَ نلقاها وتَلْقانا
ماذا عليكِ وقد أصبحتِ مالكةً / أن تُخْرِجي من زكاةِ الحُسنِ إحسانا
إن كنتِ عازمةً للوصْلِ فاغْتَنمي / مادام جارَيْنِ بالخَلْصاء حَيّانا
فقد رمَى العِيسُ بالأبصارِ خاشعةً / ومَدَّتِ الخيّلُ للتَّرحالِ آذانا
للّهِ مَوْقفُنا والحَيُّ قد غَفَلوا / عنّا عشيّةَ حَلُّوا بَطْنَ نَعْمانا
لمّا استَرقْنا منَ الغَيرانِ لَيلَتنا / وبات كلٌ بمَنْ يَهْواهُ جَذْلانا
قالوا الرَّحيلُ غداً والصُّبْحُ مُقْتَربٌ / فقلتُ للَّيلِ أخْرِجْ طُولَكَ الآنا
طُلْ مَرّةً لي ودارُ الحَيّ دانيةٌ / منّي كما طُلْتَ لي في البُعْدِ أحيانا
كم من فؤادٍ غداةَ الجِزْعِ ذي جَزَعٍ / هاجَتْ له الجِيرةُ الغادونَ أشجانا
أستودعُ اللهَ قوماً كيف أبعدَنا / تَقلُّبُ الدّهرِ منهمْ حينَ أدنانا
زَمّوا الغداةَ مطاياهُمْ لفُرقَتنا / لمّا أَنَخْنا لِلُقياهمْ مَطايانا
لم تَشْتَبِكْ بعدُ أطنابُ الخيامِ لنا / ولا المنازلُ ضَمّتْهم وإيّانا
لكنّهمْ عاجَلونا بالنَّوى ومَضَوا / وخَلَّفوا الطَّرِبَ المشتاقَ حَيْرانا
يُمناهُ بعدُ منَ التَّسليمِ ما فرغَتْ / إذ مَدَّ يُسراهُ للتَّوديعِ عَجْلانا
لم يَملأِ العَيْنَ من أحبابِه نظَراً / إذ غادرَ الدَّمعُ منه الجَفْنَ مَلآنا
جيرانُنا رحَلوا واللهُ جارُهمُ / مُستَبدِلينَ بحُكْمِ الدَّهرِ جِيرانا
وإنْ نَسِرْ فدَواعي الشَّوقِ تَأْمُرُنا / وإن نُقِمْ فعَوادي الدَّهرِ تَنْهانا
لو قَدْ قَدرْنا لسايَرْنا رِكابَكُمُ / لو أمكنَ السَّيرُ بالأبصارِ إمكانا
يا مَنْ غدا مُبدِياً شَكْوَى أحبَّته / لمّا رأَى حيثُ يُرجَى الوَصْلُ هِجْرانا
ما إنْ أرى سُحْبَ هذا الدَّمعِ مُقْلعةً / حتّى تُغادِرَ في خَدَّيكَ غُدْرانا
إنْ أبعدَ الدَّهرُ مَأْوانا وساكنَه / فقد جعَلْنا ظُهورَ العيسِ مَأوانا
وما قضَى قَطُّ أوطارَ العلا رَجُلٌ / لم يَتَّخِذْ شُعَبَ الأكوارِ أوطانا
ما زِلتُ أُعملُ في البَيداءِ يَعْمَلةً / رَوْعاءَ تَحمِلُ في الآفاقِ رَوْعانا
حَرْفاً أُصَرِّفُها حَلاّ ومُرتَحَلاً / تَصرُّفَ الحَرْفِ تَحْريكاً وإمكانا
في مَهْمَهٍ ما بهِ إلا تَنَسُّمُنا / أخبارَ أرضٍ إذا رَكْبٌ تَلَقّانا
أقولُ للنِّضْوِ إذ جَدَّ النَّجاءُ بنا / والخَوفُ يُلحِقُ أُولانا بأُخْرانا
أعِنْ بسَيْرٍ إلى المَولَى المُعينِ لنا / إن كنتَ تَبْغي على الأيّامِ أعوانا
وَرِدْهُ يا طالبَ الإحسانِ بَحْرَ ندّى / تَعشْ بجُودِ يَديْهِ الدَّهْرَ رَيَانا
ذو همّةٍ في سَماءِ المجدِ عالية / تَعُمُّ جَدْواه أدْنانا وأقْصانا
مَوْلىً متى تدعه المَولَى مُخاطبةً / تَجِدْ عُلاه على ما قلتُ بُرْهانا
الدّهرُ وهْو أبونا عَبْدُه عِظَماً / فما عدا الصِّدْقَ مَنْ سَمّاهُ مَولانا
مَلْكٌ إذا نحن جِئْنا زائرينَ له / بِبِشْرِه مُوِسعٌ بالخيرِ بُشْرانا
كالمُشتري لعَطاء السَّعْدِ غرَّتَه / وإنْ تَجاوَزَ في العَلْياءِ كيوانا
تَخالُه الشّمسَ وجهاً والسّماءَ ندىً / والغَيثَ عندَ الرِّضا واللَّيثَ غَضْبانا
يُريكَ فَضْلاً وإفضالاً وأيُّ فتىً / يَرَى الورَى عندَهُ عُرْفاً وعِرْفانا
في كفِّهِ قَلمٌ بالرُّمْحِ تُشْبِهُه / إذا غدا في صُدورِ الخَيلِ طَعّانا
تَعلو قناكَ نُسورُ الجَوِّ آلفةً / إلْفَ الحَمامِ علَتْ للأيكِ أغصانا
حيثُ الغبارُ يَسُدُّ الجَوَّ ساطِعُه / والخيلُ تَحمِلُ للأقرانِ أقرانا
والطّعنُ يَحفِرُ في لَبّاتِها قُلُباً / تَظَلُّ فيها رِماح القومِ أشطانا
غُرٌّ تَظلُّ تَبارَى في أعنَّتِها / تَحمِلْنَ أغلِمةً في الرَّوْعِ غُرّانا
تَفُلُّ كُتْبُك إنِ سارَتْ كَتائبَهمْ / إذا العِدا عايَنوا منْهنّ عُنْوانا
يداكَ هذي لأموالِ الملوكِ حِمىً / وهذهِ أبداً تُسْني عَطايانا
مالاً منَعْتَ وأموالاً بذلْتَ لنا / يا أشكَر النّاسِ سُؤّلاً وسُلْطانا
يَفْديك قومٌ كآلِ القاعِ إنْ خُبِروا / تَشابَهوا للورَى فَقْداً ووِجْدانا
لا يَسمعون ولا همْ يُبصِرونَ معاً / كأنّما خُلِقوا للخَلْقِ أوثانا
خلالكِ الجَوُّ يا خَيلَ النَّدى فخُذي / في صَيْدِكِ الشُّكْرَ أَيساراً وأيمانا
قد كان طُلاّبُه كُثْراً فقد تَركوا / منهم لكِ اليومَ ظَهْرَ الأرضِ عُرْيانا
فما سِوَى أحمدَ بْنِ الفَضْلِ ذو كرمٍ / تَغْدو مَواهبهُ للحَمْدِ أثمانا
لا تَلْتَبسِ أن يُريكَ الدَّهْرُ ثانيَه / كَفى بهِ أن تَضُمَّ العَيْنُ إنسانا
ما فيكَ يا دَهْرُ إلاّ واحدٌ فَطِنٌ / وواحدٌ فَطِنٌ يكْفي إذا كانا
ما ضَرَّنا أنّه فَرْدٌ بلا مَثَلٍ / وأنّه عَمّنا رِفْداً وأغْنانا
إنِ اغتدَى واحداً فالشّمسُ واحدةٌ / وضَوؤها ملْءَ وجْهِ الأرضِ يَغْشانا
فزِدْ نَزِدْكَ ثناءً لا انْقضاءَ له / كالمِسْكِ تَلْقَى بهِ الرُّكْبانُ رُكبانا
لولاكَ لم يَبْقَ رَسْمُ الجودِ في زَمَنٍ / ما كان يُوجَدُ فيه الحمدُ لَولانا
حكَيتَ أحمدَ في نَصْرٍ لنا كَرماً / ففي مَديحِك دَعْني أحكِ حَسّانا
ولم يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ
ولم يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ / أُعابُ بهِ فَيَنقُصَني
فإنّي قد صَحِبْتُ النّا / سَ فيما مَرَّ من زَمني
فلم أحسُدْ أخا نِعَم / ولم أشْمَتْ بمُمْتَحَن
لذاكَ اللهُ يَرعاني / ويَكْفيني ويَحْرُسُني
سبَى منّي الفؤادَ لحاظُ فاتِنْ
سبَى منّي الفؤادَ لحاظُ فاتِنْ / وعَذَّبني فِراق أغَرَّ شادنْ
وعَوَّضني خيالاً منه طَرْفي / وما أرضَى به عِوَضاً ولكِن
ألا يا حَبّذا بُرْجُ اغْتِماضٍ / لطَيْفي طَيْفُكمْ فيه يُقارِن
وعَيْنٌ عندَها في كُلِّ مُمْسىً / مُقيمٌ لا يَزالُ خَيالُ ظاعن
وعَيْبُ الطّيفِ أَنَّ الوَصْلَ منه / لظاهرِه منَ الهِجْرانِ باطن
وآخِرُ عَهْدِهمْ يومَ اسْتَشاروا / جُيوشَ الحُسْنِ فيه منَ المَكامن
غداةَ غدَوا يَزُمّونَ المَطايا / وقد هَمَّ الخليطُ بأنْ يُباين
وفي أَحَدِ الهوادجِ بَدْرُ تمٍ / ففي أَنوارِه تَسْري الظَّعائن
يَبيتُ كأنّه وكأنَّ عِيساً / تَعومُ برَكبها عَوْمَ السَّفائن
شَقيقٌ لابنِ يامينَ استقلَّتْ / بأُسرتهِ سَفينٌ لابْنِ يامِن
نظرتُ إلى الحُمولِ غداةَ سارَتْ / بطَرْفٍ غيرِ سافٍ وهْو سافن
وبيضُ الهِنْدِ من وَجْدي هَوازٍ / بإحدَى البيضِ من عُلْيا هَوازن
وقد عَرَض الرّماحَ على الهَوادي / لها فُرسانَ يَربوع ومازن
تَميمٌ خالُها والعَمُّ قَيْسٌ / فدونَ لقائها كلٌّ يُطاعن
تُطارُ لها الجَماجمُ كلَّ يَومٍ / وسُمْرُ الخَطِّ تُحطَمُ في الجَناجِن
وهذا الدَّهْرُ من أَعْدَى الأعادي / فما قَدْرُ المُعادي والمُضاغِن
إلامَ أَذودُ صادِيةَ الأماني / وماءُ مُهنَّدي في الغِمْدِ آجن
وقد نفَتِ الحِفاظَ رجالُ عَصْري / فَمرَّ كما نُفي الوَلَدُ المُلاعن
وكم حارَبْتُ سُلطانَ اللّيالي / فهاأنَذا أُسالمُ أَو أُهادِن
أَهُمُّ بمَطْلبي وأَرَى زماناً / أَنامِلُه بما أَبْغي ضَنائن
ولي أَبناءُ دَهْرٍ أَشْبَهوهُ / فكُلٌّ منهم كأبيهِ خائن
وقد حالوا عنِ المَعْهودِ طُرّاً / وَأَبْدَوْا عن ذَميماتِ الدَّفائن
فصَبْراً فالزَّمانُ كما تُعاني / وصَمْتاً فالأنامُ كما تُعايِن
وممّا شَفّني أَنْ مَرَّ عنّي / زمانُ صِباً وتلْكَ من الغَبائن
وظَنَّ الشّيْبُ أَنّ العَزْمَ وَاهٍ / إلى طَرَبٍ وأَنَّ العَظْمَ واهن
وفيَّ بَقيّةٌ بقيَتْ لوَجدٍ / ومَن يَصْحو معَ الحَدَقِ الفَواتن
فيا رشَأً تَعرَّضَ يومَ جَمْع / وولَّى والقلوبُ له رَهائن
ليَهْنكَ أَنْ سكنْتَ القلبَ منّي / وقَبلَك لم يكُنْ قلبي بساكن
وأَنّك لو أَجلْتَ الطّرفَ فيه / لَما صادفْتَ غيرَك فيه قاطن
وغيرُ وَلاءِ زَيْنِ الدينِ صدْقاً / فَداكَ به بدِينِ اللهِ دائن
إمامُ هُدّى لدِينِ اللهِ منه / على أَعدائه أَعلَى مَعاوِن
دَعُوهُ زَيْنَه فازدانَ معنىً / وكم يُدعَى بزَيْنٍ غَيرُ زائن
أَغرُّ من المكارمِ والمعالي / أَبوه أَحلَّه أَعلَى الأماكن
وصَفوةُ سُؤْدَدٍ خلَصتْ عُلاه / منَ الرِّيَبِ الشّوائبِ والشّوائن
له في الدّهرِ آثارٌ حسانٌ / إذا اخْتُبرَتْ وأخلاقٌ أحاسن
وحالٌ غيرُ حائلةٍ وطَبْعٌ / بلا طَبَعٍ وشأْنٌ غيرُ شائن
هُمامٌ ظَلَّ للإسلامِ تاجاً / فقَلَّ له المُوازي والمُوازن
ومَغْشيُّ الرِّواقِ لعُظْمِ قَدْرٍ / يَغَصُّ ذُراهُ بالخيلِ الصّوافن
مُذيلٌ مالَه حَزْماً ولكنْ / نَداهُ لدِينهِ والعِرْض صائن
إذا خُبئَتْ له الأموالُ يَوماً / فأيدي السائلين له المَخازن
فتىً يحبو ولكنْ لا يُحابي / إذا فصَلَ القضاءُ ولا يُداهن
ويأوي رُكْنُ دينِ اللهِ منه / إلى حَرَمٍ منَ الشُّبُهاتِ آمن
ألا يا أخطبَ الخُطباء طُرّاً / كما شَهِدَ المُصادِقُ والمُشاحن
وأعدلَ مَن قضَى في الدّهرِ يوماً / إذا أَضحَى يُلايِنُ أَو يُخاشن
لقد حُزْتَ المعاليَ والمعاني / وعُدَّ لك المَزايا والمَزاين
وأصبحتِ المَحاسنُ لِلآلى / لذاك كَنَوا أَباك أَبا المَحاسن
لِيَهْنِكَ أنّ خُوزِستانَ أَلْقَى / إلى يَدِكَ العِنانَ على المَيامن
فَثقِّفْ منه مُنْآدَ القضايا / وأبرِزْ أَخْزَميّاتِ الشّنائن
وكلُّ مُجازِفٍ من قَبلُ أَمسَى / وأَصبحَ وهْو بالقسطاسِ وازِن
كأنّ المجلسَ الرُّكنيَّ رامٍ / رمَى غرضَ العُلا وهْو المُراهن
فلم يَخْتَرْ سِواك إليه سَهْماً / وبينَ يدَيْهِ قد نُثرَ الكَنائن
أَنابَكَ عنه بدْراً وهْو شَمسٌ / فنُورُكما الّذي شَمَلَ المَدائن
ألا ففَداكما من كلِّ سَوءٍ / غداةَ عُلاكُما أركانُ كائن
ولا عَدتِ العِدا غِيَرُ اللّيالي / إذا زمَنٌ تحَرَّكَ منه ساكن
أيا مَن ما لفُلْكِ رَجاء قَومٍ / سِوى مأْلوفِ جُودِ يدَيْكَ شاحن
كما طَوَّقْتَني المِنَنَ البَوادي / لقد أَقْرَطْتُك الدُّرَر الثّمائن
ثَناءٌ تعبَقُ الآفاقُ منه / ولستُ لمَنْ شَرَى شُكْري بغابن
لغَيْرِكَ تَضْمَنُ الأموالُ غَيْري / ولكنّي بحُسْنِ الذَّكرِ ضامن
فما عُهِدَ المطامعُ قَطُّ فيكمْ / ولا فيمَنْ تُولّونَ المَطاعن
وما أَنا غيرَ عَضْبٍ تَنْتَضيه / على عُنُقِ العَدُوُّ لكَ المُباين
وكم من حائدٍ عنكمْ تَمادَتْ / غَوايتُه فأصبحَ وهْو حائن
مَرنْتُ على عَدُوِّكمُ إلى أنْ / قَدِمْتُ برَغْمِ هاتيكَ المَوارن
ولو أنّي قدَرْتُ لكان منّي / سِنانٌ في نُحورِ البيدِ طاعن
أَمامَ السّائرِين إليك شَوقاً / يُرقِّصُ كُلَّ مَلئِ النِّسْعِ بادن
ولكنْ هُمْ نَوَوْا لذُراكَ حَجّاً / وكانوا في القَصيِّ منَ المَواطن
فسرْتَ وأَنت بُغْيَتُهمْ إليهمْ / فقد حَجّوا وما بَرِحوا الأماكن
فها أنا في فنائكَ كُلَّ يَومٍ / أَروحُ بعُمْرةٍ للحجِّ قارِن
ولا أَرْضَى لتَهْنئتي نِثاراً / إذا عُدَّ الذي حَوتِ الخَزائن
سوى الدُّرِّ الّذي قَلَمي وفكْري / وأَلسنةُ الرُّواةِ لها مَعادن
ولي في الأرضِ غُرٌّ سائراتٌ / تَهاداها الأياسِرُ والأيامن
وما سَيّارةُ الأفْلاكِ إلاّ / حَواسِدُها المُسِرّاتُ الضَّغائن
وكانتْ سَبعةً من قَبْلِ عَصْري / فشِعْري راحَ وهْو لَهُنَّ ثامن
على أَنَّي وإنْ أَغرَبْتُ قَوْلاً / عليمٌ أنّني في الفعْلِ لاحن
كَبُرْتَ عنِ المديح فلا لِسانٌ / له إعْظامُ قَدْرِكَ غَيْر شاحن
فتَعليقُ المدائح من بليغٍ / عليك تَميمةٌ من عَيْنِ عائن
ستَملِكُ رِقَّ أهلِ الأرضِ طُرّاً / وهذا الشِّعْرُ للكُرَماء كاهن
وتَبْلو الخُوزَ مثْلَ الخُوزِ شَتىً / وكم ضَيْفٍ سيَتْبَعُه ضَيافن
وتَحكُمُ في الأقاليمِ البَواقي / وها أَنا للبَيانِ بذاكَ راهِن
فطالَعَكَ السُّعودُ بكلِّ أَرْضٍ / ظَلِلْتَ بها وصَبّحَك المَيامن
ودُمْتَ دَوامَ ذِكْرِ أَبيكَ غَضّاً / وجادَتْ عهدَه السُّحُبُ الهَواتن
صَيَّرْتَ خُوزِستانَ حَرْباً قائماً
صَيَّرْتَ خُوزِستانَ حَرْباً قائماً / ونفَيْتَ عنها العَدْلَ والإحْسانا
وتَركْتَ جُملةَ أَهلها وبلادِها / فطلَبْنَ منكَ ومن يدَيْكَ أَمانا
أَبقاَك مَجْدُ المُلْكِ يَحْسَبُ أَنّك / تَكْفي الأمورَ وتَنصَحُ السُّلطانا
ويكونُ مثْلُكَ معْ حقارةِ قَدرِه / سَنتَيْنِ يَرفعُ دَخْلَ خُوزِسْتانا
وتُصيبُ كُلَّ ذخيرةٍ ووديعةٍ / ويَمُرُّ ذلك كلُّه مَجّانا
كَلاّ فَمجْدُ المُلْكِ أبعدُ هِمّةً / وأَتَمُّ تَدبيراً وأَعظَمُ شانا
ليُقطِّعَنَّ قفاكَ سَوْطُ عَذابِه / وتُقاسيَنَّ عقابَه ألوانا
ولتأْخُذَنَّ كما أَخذْتَ سَويّةً / لا إثْمَ في هذا ولا عُدْوانا
ذهَباً وفَرْشاً فاخراً وجواهراً / وسَوابقاً مِلْءَ العُيونِ حِسانا
ترُضي بها السُّلطَانَ والخاتونَ والْ / أُمراءَ والأجنادَ والأعوانا
عَشَراتُ آلافٍ تُقيمُكَ صاغراً / من حَبْسَةٍ ونَقولُ زِنْها الآنا
حتّى تكونَ وأَنت أَحقَرُ كائنٍ / كأبيكَ كلْباً سَفْلةً وَزّانا