القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 24
وَرْدُ الخُدودِ ودُونَهُ شَوْكُ القَنا
وَرْدُ الخُدودِ ودُونَهُ شَوْكُ القَنا / فَمنِ المُحَدِّثُ نَفْسَهُ أن يُجْتَنَى
لا تَمدُدِ الأيدي إليه فطالما / شَنُّوا الحُروبَ لأنْ مدَدْنا الأعيُنا
وَرْدٌ تخَيَّر من مَخافةِ نَهْبِه / باللّحظِ في وَرَقِ البَراقعِ مَكْمَنا
يُلْقي الكِمامَ معَ الظّلامِ إذا دَجا / ويَعودُ فيه مع الصَّباح إذا دنا
ولطالَما وُجدَ الخِلافُ وإلْفهُ / دِيناً لعَمْرُك للحسانِ ودَيدَنا
قُلْ للَّتي ظلَمتْ وكانتْ فتنةً / لو أنها عَدلتْ لكانتْ أفْتَنا
لمّا سألتُ الثّغرَ منها لُؤلؤاً / قالتْ أما يَكْفيكَ جَفْنُكَ مَعْدِنا
أيُرادُ صَوْنُكِ بالتَّبرقُعِ ضَلّةً / وأرى السُّفورَ لمثْلِ حُسنِك أصْوَنا
كالشّمسِ يَمْتنعُ اجْتلاؤك وَجْهَها / فإنِ اكتسَتْ برَقيقِ غَيْمٍ أمْكَنا
غدَتِ البخيلةُ في حمىً من بُخْلها / فسلُوا حُماةَ الحيِّ عمَّ تَصُدُّنا
وأَبتْ طُروقَ خيالِها فإلى متى / جَرُّ الرّماحِ من الفوارسِ نَحْوَنا
هل عنْدَ حَيِّ العامريّةِ قُدرةٌ / أنْ يَفْعلوا فوقَ الَّذي فعلَتْ بنا
ما هُمْ بأعظمَ فَتكة لو بارزوا / من طَرْفِ ذاتِ الخالِ إذ برْزتْ لنا
إن كان قَتْلي قَصْدَهمْ فلْيَرفَعوا / كِللَ الظّعائنِ ولْيُخلُّوا بَيْننا
ماذا كفَونا من لقاءِ فَواتنٍ / لولا مُراقَبةُ العيونِ أتَيْننا
يا صاحِ مِلْ بالعيسِ شَطْرَ ديارِهم / فطلُولُها أضحَتْ تُشاطرُنا الضَّنى
عُجْ بالمَطيِّ على المنازل عَوْجةً / فلعلَّها تُشفي جوىً ولعلَّنا
ساعِدْ أخاك إذا دعاكَ لخُطّةٍ / وإذا أردتَ مُساعِداً لكَ فادْعُنا
فالجاهلانِ اثْنانِ من بَيْنِ الورَى / فافْطُنْ أُخَيَّ وإنْ هما لم يَفْطُنا
مَن قالَ ما بالنّاسِ عنّي من غنىً / من جَهْلهِ أو قال بي عنهم غِنى
كم رُعْتُ حيَّكِ ثائراً أو زائراً / لمّا عَناني من غرامي ما عنى
عيشٌ كما شاء الصِّبا قضّيْتُه / أصبو وأُصبي كُلَّ أَحْورَ أَعْيَنا
إنّي لأذكرُ في اللّيالي ليلةً / والإلْفُ فيها زارني مُتوسِّنا
بعثَ الخيالَ وجاءني في إثْره / أَرأيتَ ضَيْفاً قطُّ يتْبعُ ضَيْفَنا
الطَّيفُ يرحَلُ وهْو ينْزِلُ مُقلةً / فيها التوهُّمُ قد أُحيلَ تيقُّنا
فاليومَ أَرضَى زُورَ زَوْرٍ طارق / يَسْري لخَطْبِ نوَى الخليطِ مُهوَّنا
أَفدي خُطاه إذا سَرَى بمكانه / منّي ليُمسيَ للزّيارةِ مُدْمِنا
ما إنْ جفَوْتُ الطَّيفَ إلاّ ليلةً / والحيُّ قد نزلوا بأعلَى المُنْحنى
لمّا ألمَّ وقد شَغَلْتُ بمدحةٍ / لعزيزِ دينِ اللهِ فكْريَ مُوْهِنا
في ليلةٍ حسدَتْ مصابيحُ الدُّجَى / كَلِمي وقد كانتْ بها هيَ أَزْينا
قَلمي بها حتّى الصّباحِ وشَمْعتي / بِتْنا ثلاثتُنا ومَدْحُك شُغْلُنا
حتّى هَزَمْنا للظّلامِ جُنودَهُ / لمّا تَشاهَرْنا عليه الألْسُنا
أَفْناهما قَطّي وأَفنَيْتُ الدُّجَى / سَهَراً فأَصبَحْنا وأَسْعدُهم أَنا
وإلى العزيزِ أَمَلْتُ نِضْوي زائراً / لكنّني اسْتَبْضَعْتُ دُرّاً مُثْمَنا
فغَدا يُنيلُ الرِّفدَ مُوفيَ كيْلِه / من قبلِ شَكْوانا لِما قد مَسَّنا
مَلِكٌ أَغرُّ إذا انْتَدى يومَ النَّدى / أَلْفيتَهُ فرداً مواهبُه ثُنا
خَضِلُ الأناملِ بالحِباء إذا احتَبى / كالطّودِ يَحتضِنُ الغَمامَ المُدجِنا
أَمِنَتْ إساءتَه عِداهُ لأنّهُ / مُذْ كان لم يُحسِنْ سوى أنْ يُحسِنا
لمّا رأى السُّلطانُ خالصَ نُصحِهِ / أَضحى بغُرّةِ وجههِ مُتَيمّنا
فغدا وفي يُمناهُ آيةُ مُلكهِ / يُفْني المُسِرَّ عِنادَه والمُعْلِنا
فمتى تَفرْعنَ في الممالكِ مارِقٌ / أَوْمَى إلى قلمٍ له فتَثَعْبنا
وجلا اليدَ البيضاءَ في كَلماته / فتَلقَّف المُتمرِّدَ المُتفَرْعنا
يا مَن إذا أَرخَى عِنانَ جَوادِه / أَضحى وثانيه النَّجاحُ إذا ثَنى
ويعودُ بالجُرْدِ السَّلاهبِ مُسْهلاً / في أَيِّ أَرضٍ سارَ فيها مُحْزِنا
لمّا أَعَرتَ السّمعَ نَبْأةَ صارخٍ / نفَتِ الكرَى عن ناظرَيْكَ تَحنُّنا
أَتْبعتَ حَجَّتَك الحميدةَ غَزْوةً / فقضَيْتَ أَيضاً فَرْضَها المُتَعيِّنا
وجَررْتَ أَذيالَ الكتائبِ مُوغِلاً / في الأرضِ خلْفَ بني الخَبائثِ مُثْخِنا
حتّى غدَتْ تلك المَجاهلُ منهمُ / وكأنما هُنّ المَناحِرُ مِن مِنى
سَقتِ الصّوارمُ أَرضَهمْ من بعدِ ما / قلّبْنَ أَظهُرَها السَّنابِكُ أَبْطُنا
وأَرْيتَهمْ إعجازَ يومِ حَفيظةٍ / لم يُبقِ صِدْقُ الضَّرْبِ فيه مَطْعَنا
زرَعَ الطِّعانَ فسَنْبلَتْ في ساعةٍ / من هامِهمْ وشُعورِهمْ سُمُرُ القَنا
فغدا هُناكَ ببأْسِ أَحمدَ مُؤمِناً / مَن لم يُعَدَّ بدينِ أَحمدَ مُؤمِنا
هل عُصبةُ الإشراكِ تَعلَمُ أَنّها / ما صادَفَتْ من حَدِّ سيفِكَ مأْمَنا
لكنّما رجَع الجيوشُ وغُودِروا / إذ كان خَطْبُهمُ عليكمْ أَهْوَنا
مثْلَ القنيصِ ازْورَّ عنه فارسٌ / والسَّهمُ فيه جنَى عليه ما جنَى
يَرجو البقاءَ وما بقاءُ مُصَرَّعٍ / تَخِذَ السِّنانُ القلْبَ منه مَسْكَنا
إن تَرجِعوا عنهمْ فلا يَترقَّبوا / إلاّ الفَناءَ مُباكِراً لهمُ الفِنا
والسُّحبُ بعدَ عُبورِهنَّ يَرى الوَرى / في إثْرِها أثَرَ السُّيولِ مُبيَّنا
فَلْيَهنأ الإسلامَ أَنَّ عِمادَه / مُذْ جَدَّ في طَلَقِ المكارمِ ما ونَى
صَلِيَتْ شُواظَ الحربِ أَعداءُ الهُدَى / مُذْ سار في فَلَكِ المعالي مُمْعِنا
وكأنّه الشَّمسُ المنيرةُ طالعَتْ / خِططَ البلادِ من القَصيّ إلى الدُّنا
فأباتَ أرضاً نُورُها مَسكونةً / وأبتْ لأُخرى نارُها أن تَسكُنا
للهِ مَقْدَمُ ماجدٍ أضحَى به / عنّا لنازلةِ النَّوائبِ مَظْعَنا
عَوْدٌ إلينا عادَ أحمدُ كاسْمِه / فغدا بإقبالٍ يُضاعَفُ مُؤْذِنا
كانتْ شَرارةَ فتْنةٍ مَشْبوبةٍ / فلقد تَرامَتْ أشْمُلاً أوْ أيمُنا
قُلْ للَّذين تَشعَّبوا شُعَباً لأنْ / ظَنّوا خِلافَكُم مَراماً هَيِّنا
ما إنْ يُنازِعُ ضَيْغَماً في غِيلِه / إلاّ امْرؤٌ ملَّ الحياةَ وحُيِّنا
ومَنِ ابتنَى وسْطَ العرينِ قبابَهُ / فأحسَّ ريحَ اللَّيثِ قَوَّض ما ابْتَنى
في كلِّ غابٍ غابَ عنه سَليلُه / مَرْعىً ولكنْ لا قَرارَ إذا انْثَنى
سيُريحُ عازِبَ كُلّ أمرٍ سائسٌ / يُرضي الرَّعيّةَ عادلاً أو مُحْسنا
يا مَوئلاً يُولي الأنامَ صنائعاً / أمسَتْ منَ الشُّهُبِ الطَّوالعِ أبْيَنا
ما إنْ دعاكَ لِصيتِه ولمُلْكِهِ / إلاّ أجَبْتَ مُحسِّناً ومُحصِّنا
كُلٌّ إذا استَرعَوْهُ يَسْمَنُ مُهزِلاً / في ذا الزَّمانِ وأنت تَهزِلُ مُسْمِنا
دَسْتُ الوِزارةِ لم يَزَلْ مَنْ حَلَّهُ / ولَئنْ تَجلّى ملءُ عَيْنَيْ مَنْ رَنا
كالبدرِ في ليلٍ ورأيُكَ شمسُه / والبدرُ مُقْتَبسٌ من الشَّمسِ السَّنا
سِيّانِ عندكَ كان رَبْعاً آهِلاً / للحيِّ أو رَسْماً عفا وتَدمَّنا
ما إنْ خذَلْتَ على اختلاف شعارِه / مُتعلِّياً ناداك أو مُتعَثْمِنا
واليومَ أجدَرُ حينَ أصبحَ عُطْلُه / مُتزيِّناً لمّا غدا مُتَزيَّنا
لا زلتَ ثَبْتاً في المواقفِ كُلّما / لَعِبَ الزّمانُ بأهلِه وتَلوَّنا
أما الرجاء فلم يزل متغربا / حتى إذا وافى ذُراك استوطنا
ألقَى إلى ابْنِ أبيه منكَ رِحالَه / فلِذاكَ أنتَ بهِ شديدُ المُعْتنَى
أَنتَ الرَّجاءُ لكلِّ مَن يطأُ الثَّرى / فإليكَ كان أَشار حينَ به اكْتنَى
لك في العُلا هِمَمّ تَزيدُ على مَدَى / زَمَنٍ فعشْتَ لنَشْرِهنَّ الأزْمُنا
وكأنّها والدّهرَ نَهْجٌ ضَيِّقٌ / أَصبحتَ تَسلُكُ فيه جَيْشاً أَرْعَنا
وكتابُ عصرِكَ مُذْ أَتَى أَبناءه / واللهُ ضَمَّنه عُلاكَ وعَنْوَنا
قرأوا إلى ذا اليومِ عُنْواناً له / وقلوبُنا تَتَطلَّعُ المُتضمَّنا
يا ماجداً عَبِقَ الزّمانُ بذِكرهِ / والذِّكرُ في الأيّامِ نعْم المُقْتَنى
يَزْدادُ عندَك حُسْنُ ما نُثْنِي به / كمَزيدِ ما توُليهِ حُسْناً عِنْدَنا
وأَعُدُّ مدْحَ ملوكِ عَصْريَ هُجْنةً / وأَعُدُّ تَرْكَ مديح مثْلِك أَهْجَنا
فبلَغْتَ قاصيةَ المَدى وملكْتَ نا / صيةَ العُلا وحَويْتَ عاصِيةَ المُنى
وبَقِيتَ من غيرِ انْقطاع ماضياً / وبلا تَغَيُّرِ آخِرٍ مُتمكِّنا
يا مُودِعَ السِّرِّ دُرّاً عنْدَ أَجفاني
يا مُودِعَ السِّرِّ دُرّاً عنْدَ أَجفاني / ومُتْبعَ السِّرِّ إيصاءً بكِتْمانِ
وخاتِماً لي على العَيْنَيْنِ في عَجَلٍ / يومَ الوَداعِ وقد غابَ الرَّقيبان
بخاتِمٍ من عَقيقٍ أَحمرٍ عَجَبٍ / ونَقْشُه باللّآلي البِيضِ سَطْران
أَمِنْتُ إنسانَ عيني أَنْ يَنمَّ به / أَيّامَ ما مِن وفاءٍ عند إنْسان
لم يُغْرِ بي غَيْرُ شانٍ في وِشايته / والنّاس بالبُعْدِ لا يَدْرونَ ما شاني
لم تَحْكِ يا دمعَ عيني عند قاتلتي / غداةَ تَرجمْتَ عن بَثّي وأَشجاني
إلاّ العِبادِيَّ زيْداً عند مَوقفِه / مُترجِماً عند كِسْرَى قَولَ نُعْمان
للهِ بدْرٌ وأطرافُ القنا شُهُبٌ / يَجلوهُ فيهِنَّ من صُدْغَيْهِ لَيْلان
تقولُ للبدرِ في الظَّلماءِ طَلْعتُه / بأَيِّ وجهٍ إذا أقبلتُ تَلْقاني
وجْهُ السّماءِ مِرآة لي أُطالِعُها / والبدرُ وَهْناً خيالي فيه لا قاني
لم أنسَه يومَ أبكاني وأضحكَهُ / وُقوفُنا حيثُ أرعاه ويَرعاني
كلٌّ رأي نفْسَه في عَيْنِ صاحبه / فالحُسْنُ أَضحكَه والحُزْنُ أَبكاني
قد قوَّس القَدَّ توديعاً وقرَّبني / سَهْماً فأبعدَني من حيثُ أدناني
وكنتُ والعِشْقَ مثْلَ الشّمعِ مُعتلِقاً / بالنّارِ أَبقيْتُه جَهلاً فأفناني
يا مَنْ بطَرْفٍ وقَدٍّ منه غادرَني / مُتَعتَماً بينَ مَخْمورٍ وسَكْران
لِمْ فَتْلُ صُدغَيكَ طولَ الدَّهرِ تُلبسُه / أذْنَيْكَ قَيْداً وقلبي عندك العاني
والسّاحران هما العينانِ منك لنا / فلِمْ يُعاقَبُ بالتَّنكيسِ قُرْطان
أخشَى عليك وقد أضَرَرْتَ مُعتدِياً / عُقْبَى جنايةٍ طَرْفٍ منكَ فَتّان
ففي زمانٍ مُغيثُ الدّينِ سائسُهُ / لا يَجسُرُ الدَّهرُ إبقْاءً على جان
أعلى السّلاطينِ في يَوْمَيْ وغىً وندىً / رأياً وأفضلُ في سرٍّ وإعلان
لا يملأُ العينَ منه نظْرةً أحدٌ / ويَملأُ الأرضَ منْ عدلٍ وإحْسان
في القلبِ منه مكانٌ لا يُتَيِّمُه / أجفانُ بيضٍ ولكنْ بِيضُ أجفان
لم يَعْهدوا كمَضاءٍ في صَوارمه / في سَيْفِ غِمْدٍ ولا في سَيْفِ غُمْدان
أَغرُّ تَمتَحُ من قُلْبِ القُلوبِ له / حُمْرَ المياهِ دِراكاً سُمْرُ أشْطان
سُيوفُه البيضُ ما لم تُجْرِ بَحْرَ دمٍ / في عَيْنه كَسرابٍ عند ظَمْآن
تَكِلُّ إن سار عَيْنُ الشّمس عنه سناً / حتّى تَودُّ لو انْصانَتْ بأجفان
لكنْ مِظَلَّتُه تُضْحي مَسَدَّتَها / فَيتّقي نورَها منه بإكْنان
إذا بدا طالعاً في سَرْجِ سابقةٍ / في يومِ هَيْجاءَ أو في يومِ مَيْدان
والطَّرْفُ حاكي رياح أَربع حَملَتْ / قَصراً وفارِسُه حاكي سُلَيمان
مَن خاتِمُ المُلكِ في يُمناهُ صارِمُه / فلا يُخافُ عليه خَطْفُ شَيطان
بل مَتْنُه الدَّهْرَ فيه من سياستهِ / إذا نظرْتَ إليه حَبْسُ جِنّان
يا آخِذَ الأرضِ بأساً ثُمّ مُعطِيَها / جُوداً فللنّاسِ منه الدَّهرَ يومان
مَن لو تَصافنَ ماءَ البحرِ عَسْكرُه / لَما استَتمَّ لهمْ في الشُّرْبِ دَوْران
مَن يَرتدي بحديدِ الهندِ منْ شَرَفٍ / ويُنْعلُ الخيلَ راجيهِ بعِقْيان
لا غرْوَ إنْ وَسَمَتْ أَيدي الجيادِ له / مناكبَ الأرضِ من قاصٍ إلى دان
فأنتِ وُسِّمتِ أَيضاً يا سماءُ له / فما هِلالُكِ إلاّ نونُ سُلْطان
لمّا امتطَى الخيلَ والأفلاكَ لاح له / بالنّارِ والنُّورِ للأبصارِ وَسْمان
يَسترزِقُ الوحْشُ مثلَ الإنْس نائلَه / من كفِّ مطْعامِ خَلْقِ اللهِ مِطْعان
يَقْري الوَليَّ ويُقْرَى بالعدوِّ إذا / ما ضافَهُ جائعاً نَسْرٍ وسِرْحان
كم يَغْتدي كلّما شاءَ القنيصَ له / غُرٌّ على الغُرِّ من خَيلٍ وغِلْمان
وفي الكنائنِ منهمْ والأكفِّ معاً / إلى وُحوشِ الفلا جُنْداً خليطان
من كُلِّ سَهْمٍ وشَهْمٍ طائرٍ بهما / من مُستعارٍ ومَمْلوكٍ جناحان
زُرْقٍ جَوارحَ أَو زُرْقٍ جَوارحَ قد / علِقْنَ منهمْ بأيسارٍ وأَيْمان
وكلُّ مُستَردَفٍ يَعْدو الحصانُ به / مثْلُ السّبايا قُعوداً خلْفَ فُرسان
تَقولُ خاطَتْ له ثوباً رشَتْهُ بهِ / من فأرِ مسْكٍ فتيقٍ أُدْمُ غِزْلان
كأنّ في كلِّ عضْوٍ منه من شَرَهٍ / إلى التَّقنُّصِ مفْتوحاتِ أَعيان
وأَغضفٍ مثلِ نجْم القَذْفِ من سَرَعٍ / إذا عدا لاحقِ الأحشاء طيَّان
تَعودُ في كفِّه حَظْفاً وَسيقتُه / كأنّها قَبْسةٌ في كَفِّ عَجْلان
فاسْألْ يُجِبْكَ خَبيرُ القومِ عن مَلكٍ / يَداهُ والجودُ في الدُّنيا حليفان
ما بالُ تصويرِ أُسْدٍ في سُرادقه / وليس تُملأُ خَوفاً منه عَيْنان
والأُسْدُ إن كان يومَ الصَّيْدِ يُبْصِرُها / يُقَدْنَ قُدّامَه قَوْداً بآذان
هل ذاك إلاّ لأنَّ المُستَجيرَ بهِ / يُعيضُه الدَّهرُ إعزازاً بإهْوان
يا عادلاً عَدْلُه والجودُ في قَرَنٍ / وقائلاً قولُه والفِعْلُ تِرْبان
إنْ كان في عَدْلِ نُوشروانَ مُفتخَرٌ / والنّاسُ في عَهْدِه عُبّادُ نيران
فأنتَ تكْبرُ عن شِبْهٍ تُقاسُ به / لكنْ وزيرُك نُوشروانٌ الثّاني
ليس السّعادةُ إلاّ كالكتابِ ولا / حُسْنُ اخْتيارِ الفَتى إلاّ كعُنوان
فَرغْتَ للدّينِ والدُّنيا تَسوسُهما / وأنت ملآنُ من عُرْفٍ وعِرفان
ذو همّةٍ في سماءِ المجدِ عاليةٍ / من دونِ أقصرِ سَمكَيْها السِّماكان
لا يَهْتدي الفَلَكُ الأعلى لغايتها / فدَوْرُه المُتمادي دَوْرُ حَيران
مَلْكٌ إذا ما توالَتْ نَظْرتانِ له / فَعَدِّ عن ذِكْرِ بِرْجيسٍ وكِيوان
محمودٌ اسْماً وفعْلاً في مَمالكِه / بكلِّ ما ساسَ من رِزْقٍ وحِرْمان
تَقْضي كواكبُ أطرافِ الرّماح له / على المُلوكِ بنَصْرٍ أو بِخذْلان
أضحَتْ علامةُ باللهِ اعتصمتُ له / على فُتوحٍ عَذاريَ مثْلَ بُرهان
كفعلِ مُعْتصمٍ باللهِ قام فلَمْ / يُعهَدْ كفَتْحَيْهِ للإسلامِ فَتحان
في الرُّومِ والخُرَّميّينَ الّذينَ طغَوْا / وسْطَ الممالكِ دَهْراً أيَّ طُغْيان
كذاكَ نرجوكَ للفتْحَيْنِ في نَسَقٍ / وقد تَشبَّه أَزمانٌ بأزمان
يا زائداً عُظْمَ شأنٍ كلّما نظروا / لا زلتَ ذا عُظْمِ شأنٍ يُرغم الشّاني
إذا نظَرْتَ إلى قِرْنٍ قضَى فَرَقاً / فأنت عن سلِّ سَيْفٍ للعدا غان
تقبيلُ كفِّكَ وهْيَ البحرُ غوصُ فمي / للقول فيك على دُرٍّ ومَرْجان
حَتّام كَفِّيَ مَلأْى من لُها مَلكٍ / وسَمْعُه من ثنائي غَيْرُ ملآْن
إنْ كان في النّاسِ مَنْ كُفرانُ أنعُمه / كُفْرٌ فكُفرانُ مَوْلَى الأرضِ كُفْران
إلى كَنيِّ النّبيِّ ابْنِ السَّميِّ له / من الملوكِ سَرتْ بي كُلُّ مِذْعان
حَرْفٌ تُصرَّفُ في حَلٍّ ومُرتَحَلٍ / تَصريفَ حرْفٍ بتحْريكٍ وإسْكان
فاسْمعْ فدَى العبدُ سَمْعاً دُمتَ مرعيَهُ / فليس خلْفَ المعاني مثْلُ إمعاني
بديعةً تَتلقّاها الرُّواةُ لها / حيثُ انتهَتْ من عِراقٍ أو خُراسان
إنِ لم تكنْ قَبلَ حسّانٍ فرائدُها / فإنّ مُهديَها من جيلِ حَسّان
إذا يَمينُ أميرِ المؤمنينَ غدا / وقد تسوَّرها فالفَخْرُ أغناني
أضحى سريرُك قد حَفَّ الكُفاةُ بهِ / كأنّه البيتُ مَحْفوفاً بأركان
فليس يَنْفكُّ من قُرْبٍ ومن بُعُدٍ / يَحُجُّ أذْراءه عيسٌ برُكبان
فعِشْتَ في ظلِّ مُلْكٍ لا انْحسارَ له / حليفَ جَدٍّ وفيٍّ غيرِ خَوّان
جدَّدْتَ ما أبْلَتِ الأيّامُ من أدَبٍ / فدُمْتَ للمُلْك أو يَبْلَى الجديدان
وبَرقُ مَشيبٍ في ظلامِ ذَوائبٍ
وبَرقُ مَشيبٍ في ظلامِ ذَوائبٍ / له قَطْرُ دمعٍ من غمامِ جُفونِ
أَرِقْتُ له لمّا أَضاء وَميضُه / أُقلِّبُ منّي فيه طَرْفَ حَزين
وقلتُ له يا برقُ هل أَنت زائدي / على حُرَقي أَم تاركي وشُجوني
بُروقُ الورَى تَبْدو وتَخْفَى سريعةً / وبَرْقي مُقيمٌ ليس يَرحَلُ دوني
ومن عَجَبٍ أَنّي لدى لَمعانِه / عَلِقْتُ بحَبْلٍ للوَقارِ مَتين
وعَهْدي بنَفْسي قبلَ ذلك لم أَشِمْ / سَنا بارقٍ إلاّ وجُنَّ جُنوني
فأصبحتُ قد ودَّعتُ عهدَ شَبيبتي / وقلتُ لأطْرابي حَرُمْتِ فَبِيني
وكلُّ حَراكٍ كان بي نحْوَ لذّةٍ / تَبدَّلَ منّي عَهْدُه بسُكون
سوى واحدٍ أَنّي إذا ذُكرَ الصِّبا / وماضيهِ لم أَملِكْ إليه حَنيني
سأُمسك عن قَدْحي لنارِ بلابلٍ / غدَتْ في زِنادِ القَلْبِ ذاتَ كُمون
أَروحُ على عَزْمٍ جَموحٍ إلى العُلا / مُسايرَ جَدٍّ في الجُدودِ حَرون
وأَظْهَر لي ما أَضمرَ الدّهرُ حقْبةً / ودهرُ الفتَى ذو أَظهُرٍ وبُطون
ولمّا رأَيتُ الرّأسَ جَنَّحَ نَمْلُه / وقلتُ نذيرٌ باقْتِرابِ مَنون
ولم أَك للعُقْبَى قطعْتُ علائقي / ولم أَك للدُّنيا قضَيْتُ شُؤوني
أَسِفْتُ على عُمْرٍ تَصرَّمَ ضائع / وجُدْتُ بدَمْعٍ يَسْتَهِلُّ هَتون
وآنسَني بُعْدي من النّاسِ جانباً / وإنْ هُمْ على أَحْداقهم حَملوني
فلمّا غدا عِبْئاً على جَفْنِ ناظري / لقاءُ الورَى من صاحبٍ وخَدين
أَلِفْتُ الفلا مُستوطناً ظهْرَ ناقةٍ / تَلُفُّ سُهولاً دائماً بحُزون
وما سِرْتُ إلاّ في الهَواجرِ وحْدَها / كراهةَ ظلّي أنْ يكونَ قَريني
وآلَيتُ لا استَخْلصْتُ لي غيرَ صاحبٍ / حفيظٍ على سِرِّ الخليلِ أَمين
صَموتٍ فإن جَرَّدْتَه فجَميعُه / لسانٌ مُبينُ الهامِ غيرُ مُبين
نَزيلِ شِمالي الدّهرَ ما نام جَفنُه / فإن أَيقظتْهُ الحربُ حَلَّ يَميني
ومَطْويّةِ الأقرابِ طاويةِ الفلا / بطُولِ نَجاءٍ بالنَّجاحِ ضَمين
تُوسِّدُني إحدى يدَيْها وتارةً / بأربَعِها أطْوي البلادَ أَمون
فيا صاحبيَّ اليومَ والدّهرُ رائعي / بأعجَبِ أبكارٍ طَرقْنُ وعُون
لِيَهْنِكُما أنّي الغداةَ إليكما / على عِزِّ أَنصاري جَعلْتُ ركوني
ألا فصِلاني بارك اللهُ فيكما / ولا تَعْبآ بالصَّحْبِ إن هَجَروني
فما هيَ إلاّ عزْمةٌ بعْدها الغِنَى / وتَرويحُ رَحْلٍ عنْدَها ووَضين
بنا ظَمأٌ بَرْحٌ وبالرَّيِّ رِيُّنا / وما تلك عندي من نوىً بشَطون
وما تُنكِرُ الأقوامُ يومَ بلُوغِها / لئنْ صدقَتْ فيما رجَوْتُ ظُنوني
إذا راحَ بعدَ اللهِ يا دهرُ أو غدا / عليكَ مُعينُ الدّينِ وهْو مُعيني
إذا عَلِقَتْ كَفّي بحَبل رجائهِ / فَقُلْ لِلّيالي كيف شِئْتِ فكُوني
فتىً عنده للمُستَعينِ برأيهِ / إغاثةُ دُنياً أو إعانَةُ دِين
هُمامٌ إذا لاقَى الوفودَ أنالَهمْ / جميعَ الأماني ثُمَّ قال سَلوني
إذا ما اشْتَرى حُسنَ الثّناء بمالِه / رأى نَفْسَه في ذاك غيرَ غَبين
صَفوحٌ عنِ الجاني سَفوحٌ حُسامُه / خُشونتُه أَضحتْ قرينةَ لين
إليهِ انْتِسابُ الفضْلِ مثْلُ انتسابِه / إلى الفَضْلِ صِدْقٌ فهْو غيرُ ظَنين
فلا فاضِلٌ تَلْقاهْ إلاّ وعندَه / يُبدِّلُ عزّاً يَقْتَنيهِ بهُون
له مَجلسٌ قد ظَلَّ للعلْمِ مَعْلَماً / مَضمَّ الورى من زائرٍ وقَطين
جَموعٌ لأصحابِ الإمامَيْنِ كُلِّهمْ / بهِ ذو مكانٍ يَرْتَضيهِ مَكين
إذا رَكضوا في حَلْبةِ الفِقْهِ راقَنا / بُدُوُّ هجانٍ عندَها وهَجين
أئمّةُ عَصْرٍ كالنُّجومِ مُطيفةٌ / ببَدْرِ عُلاً للنّاظرِينَ مُبين
فلا افْترقَ الشّمْلُ الّذي هو جامعٌ / بصَرْفِ زمانٍ للكرامِ خَؤون
ولا زالَ منه الدِّينُ يُصبحُ لاجئاً / إلى طَوْدِ عزِّ في الخُطوبِ رَزين
مَديدِ ظلالٍ للرَّعايا ظليلةٍ / وحِصْنٍ لأسرارِ المُلوكِ حَصين
أخي شَغَفٍ منه بفنِّيْنِ زائدٍ / وإنْ جاء من إحسانهِ بفُنون
بإجْراء مالٍ للعُفاةِ معونةً / وإجراء ماءٍ بالفلاةِ مَعين
فيا بَحرَ جودٍ لم يُحَدَّ بساحلٍ / ولَيْثَ وغىً لم يَعْتَزِزْ بعَرين
لنا من نَداهُ كلُّ بَدْرٍ وبَدْرةٍ / وكلُّ نفيسٍ يُقْتَنى وثَمين
وكلُّ وجيهيٍّ أغرٍّ مُحجَّلٍ / مُقَيَّدِ حُورٍ بالفَلاةِ وَعين
سَبوقٍ لخيلِ اللّيلِ والصُّبحِ عَفْوُهُ / على بُعْد شأوٍ للرّهانِ بَطين
جَرى أشهَبُ الإصْباحِ وهْو وراءه / فلمّا تَجلَّى بادياً لعُيون
أبَى غيرَ سَبْقِ الصُّبْحِ مَعْ شُغْلِه له / بشَكْلِ ثلاثٍ بعْدَ لَطْمِ جَبين
أيا صاحباً زان الزَّمانَ بفَضْلِه / فلا افْتَرقا من زائنٍ ومَزين
لقد نام بيضُ الهندِ أمْناً فما يُرَى / لَهُنَّ غِرارٌ هاجراً لجُفون
ومُذْ شاهدَتْ أطرافَ أقلامهِ القَنا / أَبَتْ خِيفةً إلاّ ارْتعادَ مُتون
وحُسّادُه اشْتاقَتِ عطاشُ حُلوقِهمْ / وُرودَ مياهِ في الجُفون أُجون
ليُطْلِقَ أرواحاً غَدتْ من جُسومهمْ / مُعذَّبةً في مُظْلماتِ سُجون
إذا ما نطاقُ العَفْوِ ضاقَ عنِ العدا / وباؤوا بحَرْبٍ لا تُطاقُ زَبون
غدَتْ تَنْبُشُ العِقبانُ عنهمْ لتَهْتدي / إلى كلِّ ثاوٍ في القَتامِ دَفين
بكَ الرَّيُّ أَضحتْ وهْيَ للنّاسِ كَعبةٌ / بعيدةُ رُكْنٍ من صَفاً وحَجون
ولولاكَ ما كانتْ تَغَصُّ عِراصُها / بخَيْلٍ لنُزّاعِ البلادِ صُفون
أَتَى غُرَمائي يومَ أَزمعْتُ رِحْلتي / وقد أَنظروني القومُ وانْتَظروني
وقلتُ إلى المولَى المُعينِ تَوجُّهي / فطالَبني بالحَقِّ كُلُّ مُدين
وعَدُّوا رَجائيهِ غنىً فتَباشَروا / بذلكَ إلاّ أَنّهمْ لَزِموني
مدَحْنا وفي أَجيادِنا وَسْمُ جُودِه / كما خَطبَتْ خَطْباءُ فوقَ غُصون
كأنّا حَمامٌ حينَ لاقتْ نفوسَنا / جزَتْ صَوْغَ أَطواقٍ بصَوْغِ شُجون
ومَنْ لي لِما تُولي بشكرِ ابْنِ حُرّةٍ / بأدْنَى قضاءِ الحقِّ عنه قَمين
وما لي سوى شكرٍ وإنْ كان قاصراً / بسالفٍ ما أَوْلَيْتَنيهِ رَهين
حياءً لأملاكِ الزّمانِ إذا همُ / رأو مَوْضعي في الفَضْلِ واطَّرحوني
فعَيبِيَ أَنْ لم يَعْرِفوني وعيْبُهمْ / إذا ضيّعَوني بعدَ أَنْ عَرَفوني
دنا مِن مُناهُ مَنْ نأى عن ديارِه / إليكَ ونال المُبتغَى بيقين
إذا بذَلَ الرَّاجي لك الوجْهَ صُنْتَهُ / وكنتَ له بالمالِ غيرَ ضَنين
لصَوْنكَ مبذولاً من الوجهِ طالما / بذلْتَ من الأموالْ كُلَّ مَصون
عزَزْتَ بفضْلِ المالِ لمّا أَهنْتهُ / وهان له مَن كان غيرَ مُهين
رجاؤكَ بعدَ اللهِ أَحْيا حُشاشتي / وقد غَلِقَتْ عند الحِمامِ رُهوني
ولو شِئْتُ أَيضاً رَدَّ شَعريَ حالكاً / وجلْدةَ وجهي غيرَ ذاتِ غُضون
إذا لم تَقْدِرا أَنْ تُسعداني
إذا لم تَقْدِرا أَنْ تُسعداني / على شَجَني فَسِيرا واتْرُكاني
دَعاني من مَلامِكُما سَفاهاً / فداعي الشَّوقِ دُونكُما دَعاني
وأينَ منَ الملامِ لقَى هُمومٍ / يَبيتُ ونِضْوُه مُلْقَى الجِران
يَشيمُ البرقَ وهْو ضجيعُ عَضْبٍ / ففي الجَفْنَينِ منه يَمانيان
وقفْتُ ولم تَقِفْ منّي دُموعٌ / لأجفاني تُعاتِبُ مَنْ جَفاني
ولا أَنسَى وإنْ نُسِيَتْ عُهودي / غداةَ حدا الرِّكابَ الحادِيان
فماج إلى الوَداعِ كثيبُ رَمْلٍ / ومال إلى العناقِ قضيبُ بان
وحاول منه تَذكرةً مشوقٌ / فأعطى خدَّهُ عِقْدَيْ جُمان
ودرَّعَ قلْبَهُ بالصّبْرِ حتّى / رماني بالصَّبابةِ واتَّقاني
أميلُ عن السُّلُوِّ وفيه بُرْؤٌ / وأعلَقَ بالغرامِ وقد بَراني
وتَعجبُ من حنيني في التّنائي / وأعجبُ من صُدودِكَ في التَّداني
ألا للهِ ما صنعَتْ بعَقْلي / عَقائلُ ذلك الحَيِّ اليَماني
نَواعمُ ينْتَقِبْنَ على شَقيقٍ / يَرِفُّ ويبْتَسِمْنَ عنِ اقْحُوان
دنَوْنَ عشيّةَ التّوديعِ منّي / ولي عينانِ بالدّمِ تَجْريان
فلم يَمْسحْنَ إكراماً جُفوني / ولكنْ رُمْنَ تَخْضيبَ البنان
وكم إلْفٍ حَواني البُعْدُ عنه / وأضلاعي على كمَدٍ حَوان
أذُمُّ إليه أيّامُ التّنائي / وإن لم أحظَ أيّامَ التّداني
وأجعَلُ لو قَدَرْتُ على جُفوني / طريقَ الطّارقينَ إلى جِفاني
وليلٍ خِلْتُ لَمْعَ الشُّهْبِ فيه / شَرارَ غضاً تَطايرَ في دُخان
طَرقْتُ الحيَّ فيه على سَبوحٍ / يلوحُ أمامَ غُرَّتِه سِناني
كأنّ بَريقَ ذا وبياضَ هذي / إذا اقْترنا بلَيْلٍ كَوكبان
ودهْرٍ ضاعَ فيه مَضاءُ حَدّي / ضياعَ السَّيفِ في كفِّ الجَبان
أُكابدُ فيه كُلَّ وضيعِ قومٍ / إذا بهرَتْهُ رِفْعتيَ ازْدَراني
يُطَيْلِسُ منه رأْساً فيه أوفَى / وأكثرُ من خُيوطِ الطَّيْلَسان
وفي الكُمِّ العريضِ له يمينٌ / حقيقٌ أنْ تُقطَّعَ باليَماني
أقولُ إذا همُ حَسدوا مكان / تعالَيْ فانْظُري بمَن ابتلاني
ولو عَزّوا أهنْتُهمُ انْتِقاماً / ولكنْ لا إهانةَ للمُهان
زمانُكَ ليس فيه سِواكَ عَيْبٌ / وعيبٌ ليس فيَّ سِوى زَماني
وركْبٍ آنسوا أمَداً فحَثّوا / إليه العِيسَ تَمرَحُ في المَثاني
بآمالٍ كما قَطَعوا طِوالٍ / إليه ومثْلما عَقَدوا مِتان
ضَمِنْتُ لها وَشيكَ النُّجْحِ لكنْ / على كفَّيْكَ تَحقيقُ الضَّمان
بيُمْنِ الصَّاحبِ المأمولِ أَضحَتْ / دِيارُ المُلْكِ آهلةَ المَغاني
وعادَتْ بَهجةُ الدُّنيا إليها / وكانَتْ مِن أكاذيبِ الأماني
وعمَّ الأرضَ إحساناً وعَدْلاً / طُلوعُ أغرَّ مَنْصورٍ مُعان
وباهَى طَلْعةَ السَّعْدَيْنِ منه / بسَعْدٍ ما لَهُ في النّاسِ ثان
ولم يَكُ لو تأدَّبتِ اللّيالي / ليُوسَمَ باسْمِ مَوْلىً خادمان
له يومان يومٌ للعَطايا / يُفَرِّقُها ويومٌ للطّعان
فَداهُ مَنْ سعَى يَبْغي مَداهُ / كما قُرِنَ الهَجينُ إلى الهِجان
وقال النَّجْمُ لا تَطمَحْ إلى مَنْ / أراهُ في العُلُوِّ كما تَراني
تُباريه وبينكما قياساً / تَفاوُتُ ما تَعُدُّ الخِنْصِران
بَسطْتَ قِوامَ دينِ اللهِ كَفّاً / تَمُنُّ على العُفاةِ بلا امْتنان
وتأتي أسطُرُ التَّوقيعِ منها / وقد أُوتينَ من سِحْر البَيان
بأحسنَ من خُطوطٍ للغَوالي / لوائحَ في خُدودٍ للغواني
إذا افتخرَتْ مُلوكُ الأرضِ قِدْماً / بآثارٍ تُخَلِّفُها حِسان
قَلعْتَ القلعةَ العَلْياءَ بأساً / أحلَّ قطينَها دارَ الهَوان
وكانتْ للطّعامِ قُعودَ عِيٍّ / وقد مَلكوا لها طَرَفَ العِنان
فلم يَترجَّلوا عنها إلى أنْ / تَلاقَتْ حولَها حَلَقُ البِطان
فَتحْتَ الحِصْنَ ثُمّ جعَلْتَ منه / بثأْرِ الحِصْنِ تَخْريبَ المباني
فظلَّ تَدُقُّ أيْدي الخيلِ منها / مَراقيَ أعيَتِ الحَدَقَ الرَّواني
مَلكْتَ قِيادَ طاعتِهمْ برَأيٍ / مَزَجْتَ له الخُشونةَ باللُّيان
وشابَه فتْحَ مكّةَ حينَ أعطَى / رسولُ اللهِ مَطْلوبَ الأمان
فما دَرَجَ الزّمانُ بها قليلاً / وللكُفّارِ تُطْرِقُ مُقْلَتان
نعَمْ فَتحوا ولكنْ من رُقادٍ / عُيونَهمُ إلى شَرِّ امْتِحان
شكَوا جَدْباً فأعشَبَ بالأفاعي / لهمُ مُلْسُ الثَّنايا والرِّعان
وطاعنَهمْ لكَ الإقبالُ منها / بأقْتلَ من شبَا الصُّمِّ اللِّدان
بحيّاتِ الصِّمام الصُّمِّ لمّا / رَقَوا بالسَّلْمِ حيَّاتِ الطِّعان
كأنّ الطّودَ غَيْظاً حينَ ألقَى / بإفكِهمُ الجَهولَ أخا افْتِتان
رَماهمْ منه كلَّ مكانِ كَفٍّ / لتَلْتقِفَ الطّغاةَ بأُفْعُوان
تثَعْبَنَ كلُّ صَعْبٍ منه لمّا / تفَرْعَن كلُّ عِلْج ذي امْتِهان
وزارَكَ في زمانِ الفَتْحِ عيدٌ / كما ابتدَر المدَى فَرَسا رِهان
فهذا للمدائحِ يَجْتليها / مُدَبَّجةً وهذا للأغاني
فلا زالتْ لكَ الأيّامُ طُرّاً / مُتوَّجةَ المطالعِ بالتَّهاني
أعِرْ نظَراً هلالَ العيدِ يَبْدو / على أُفُقِ السَّماءِ كسَطْرِ حان
كأنّك إذ شدَدْتَ مهادَ عِزٍّ / لسُلْطانِ الوَرى فوقَ العِيان
وسَمْتَ بنُونِ سُلْطانٍ مَجيداً / أديمَ سمائهِ وَسْمَ الحِصان
ألا يا أشرفَ الوزراء طُرّاً / إذا عُدُّ الأقاصي والأداني
خُلِقتَ مؤيَّداً بعُلُوِّ شَأنٍ / يُذِلُّ منَ الورى لك كُلُّ شان
إذا شُنَّتْ سُطاكَ على عَدُوٍّ / فلا يَنْجو بقَعْقَمةٍ الشِّنان
ولا بِنزالِ أرْعَنَ ذي جيادٍ / ولا بنُزولِ أجْيدَ ذي رِعان
رمَيتَ بها بني الإلْحادِ حتّى / تركتهمُ بمدرجةِ التّفاني
رجَوا حكْمَ الِقران ورُحْتَ فيهمْ / بسَيْفِكَ مُمْضياً حُكْمَ القُران
ليَهْنِكَ مَوْقفٌ أظهرتَ فيه / لدينِ اللهِ إعزازَ المكان
وعَقْدُكَ مجلسَ النَّظَرِ افْتِخاراً / ومالكَ يومَ مكرُمةٍ مُدان
ومُجتمَعُ الأئمّةِ في نَدىٍّ / وقَد وافَوْكَ من قاصٍ ودان
كأنّهمُ النُّجومُ وأنتَ بدْرٌ / إذا نظَرتْ إليكمْ مُقْلَتان
إذا غمَضَتْ مَسائلُهمْ تَهدَّى / بضوء جَبينِكَ المُتناظِران
تَرى الخَصْمَيْنِ يَسْتَبِقانِ فيها / كما طلَب المدَى فَرسا رِهان
وليس منَ العجيبِ وأنتَ بحْرٌ / إذا غاصوا على دُرَرِ المَعاني
لهمْ في كُلِّ مسألةٍ خِلافٌ / يَقومُ بحُجَّتَيْهِ الجانبان
فأمّا حُبُّهمْ لك حينَ تَبْلو / فَمُتّفِقٌ عليهِ المَذْهبان
فلا زال اجْتماعُ الشَّمْلِ منكمْ / من الدَّهرِ المُفَرِّقِ في أمان
فهمْ لكَ في أبيكَ أجَلُّ إرْثٍ / وأعلَى سُؤْدَدٍ يَبْنيهِ بان
صلاةُ اللهِ دائمةٌ عليه / مُبوِّئةً له زُلَفَ الجِنان
فلا بَرِحَت لك الأيّامُ غُرّاً / مُتوَّجةَ المطالعِ بالتَّهاني
فكم يا أيُّها المَولَى تُراني / أُعاني للحوادثِ ما أُعاني
وأستَحْيي زماناً أنت فيه / إذا أرخَيْتُ للشَّكْوَى عِناني
فأوجِدْني خَلاصاً من يدَيْهِ / وأوجِدْهُ خَلاصاً من لِساني
وكُنْ لي كالمُؤيَّدِ في اصطناعي / لِيُعْضَدَ أوّلٌ منكمْ بِثان
بقولٍ قصيدةٍ أبدَعْتُ فيه / رجَعْتُ لها بألْفٍ قد حَباني
ولو أعملْتَ فكْرَكَ في حُقوقي / رَعيْتَنيَ الغداةَ كما رَعاني
فأدنى نظرةٍ لكَ ألْفَ عامٍ / تَعيشُ به وتُطلِقُ ألْفَ عان
وهل رأتِ الملوكُ خلالَ حُلْمٍ / نظائرَ ما تُرِينا في العِيان
وأنت حلَلْتَ عُقْدةَ شاهِديزٍ / وأنتَ عَقْدْتَ سِكْرَ المَسْرُتان
هَمُ بدأوا وأنت تُتِمُّ كُلاًّ / فلم يَكُ بالتّمامِ لهمْ يَدان
لعسكرِ مُكْرَمٍ حَقُّ اخْتصاصٍ / فلا يَكُ في مَصالحها تَوان
فَمُرْ بعمارةِ الدُّولابِ فيها / تكُنْ إحدى صَنائِعكَ الحِسان
لقد زَيَّنْتَ عَصْركَ بالمعالي / كما زَيّنْتَ شِعريَ بالمعاني
يَضيعُ بأرضِ خُوزِستانَ مِثْلي / ضَياعَ السّيْفِ في كَفِّ الجَبان
وآمُلُ من شُمولِ العَدلِ أنّي / أُعانُ على عجائبِ ما أُعاني
وأُرغِمُ حُسَّدي فَقَدِ اسْتَطالوا / ولولا أنت ما حَسدوا مكاني
رأوْا عِرْضي كعِرضهم ولكنْ / على حالَيْنِ لا يَتَقاربان
رَماني العَيبُ لمّا قلّ مالي / على أدبي وهمْ عَيبُ الزَّمان
أقولُ لهمْ إذا عَرضَوا لذَمّي / تعالَيْ فانْظُري بمَنِ ابْتلاني
وأُقسِمُ ما فِرِنْدٌ في حُسامٍ / بأشْرفَ من مَديحِكَ في لساني
وخُذْها من فَمِ الرّاوي نَشيداً / ألذَّ منَ الرَّحيقِ الخُسْرُواني
بلا لفظٍ على الأسماعِ بكْرٍ / إذا جُليَتْ ولا مَعْنىً عَوان
ومَنْ يُرضي علاءكَ في ثَناءٍ / ولو نُظِمَتْ له سَبْعٌ مَثان
ودينُ مُحمّدٍ في كُلِّ حالٍ / ومُلْكُ مُحمّدٍ لكَ شاكران
فدامَ ودُمْتَ في نَعَمٍ جِسامٍ / كذلكَ ما تَواخَى الفَرْقَدان
سَتَرْنَ المحاسنَ إلاّ العُيونا
سَتَرْنَ المحاسنَ إلاّ العُيونا / كما يَشْهَدُ المَعْرَكَ الدّارِعونا
سَللْنَ سيوفاً ولاقَيْنَنا / فلا تَسألِ اليومَ ماذا لَقينا
كَسرْنَ الجُفونَ ولولا الرِّضا / بحُكْمِ الغرامِ كَسرْنا الجُفونا
وحَسْبُ الشَّهيدِ سُروراً بأَنْ / يُعايِنَ حُوراً مع القَتْل عِينا
أفي كُلِّ يَومٍ هوىً مُعْرِضٌ / يَشُبُّ لنا الحسْنُ حرباً زَبونا
أعَيْنيَّ بَعْدَ زِيالِ الخليطِ / أعِينا على ما أُلاقى أَعِينا
وكنّا تركْنا غداةَ الوَدا / ع كُلَّ فؤادٍ بدَيْنٍ رَهينا
فلمّا أُتيحَ لنا مَوعِدٌ / يُعلِّلنَا ذِكْرُه ما بَقِينا
قَضينا دُيونَ الهوَى كُلَّها / سوى أنّنا ما فَككْنا الرُّهونا
فَرُحْنا وقد كَمِدَ الحاسدون / لما يَعْلَمونَ وما يَجْهلونا
ولا عَيْبَ فينا سوى أنّنا / عَففْنا وظَنَّ الغَيورُ الظُّنونا
عُهودٌ تَقضَّتْ وما خلّفَتْ / سوى أنْ نَذُمَّ الزَّمانَ الخَؤونا
وكم قد جَرَرتُ ذيولَ الصِّبا / وجُنَّ العواذلُ منّي جُنونا
وحُبْلَى من الزَّنْج قد أضمَرَتْ / من الرُّومِ في البَطْنِ منها جَنينا
قَطعتُ دُجاها ببَدرٍ يَعُدُّ / من البَدْرِ قَدْرَ اللّيالي سِنينا
ولا عَيْبَ فيه سوى أنّه / إذا النّاسُ مَدُّوا إليه العُيونا
يَظُنُّ خيالاتِ أهدابِها / عِذاراً على خَدّه النّاظرونا
تُميتُ وتُحْيي الفتَى نَظْرتَاهُ / كنفْختَيِ الصُّورِ للعاشِقينا
يَكُمُّ أقاحِيَهُ في الشَّقيقِ / فَيفتُقُه الدَّلُّ حتّى يَبينا
وقبلَ ثناياهُ والثّغْرِ مِنْ / هُ لم نَرَ مَنْ خَطَّ في الميمِ سِينا
لقَلْبي بَلابلُ تأْوي القُدودَ / حَكتْها بلابلُ تأْوي الغُصونا
غُصونٌ قَدِ اتَّخذَتْ فَوْقَهُنْ / نَ منّا طُيورُ القلوبِ الوُكونا
وحاجَةُ نَفْسٍ رَحلْنا لها / مَطايا نُدارِسُهُنَّ الحَنينا
ألِفْنا لها قَلِقاتِ البُرَى / وعِفْنا لها شَرِقاتِ البُرينا
وكلُّ أناةٍ تُجيلُ الوِشاحَ / لكلّ وآةٍ تُجيلُ الوَضينا
هَجْرتُ الملاحَ وجُزْتُ المِراحَ / وماذا أُرجّي منَ الغادرينا
وما ملك الدّهرُ قَطُّ الوفاءَ / فمِن أين يُورِثُه للبنينا
وقد كُنتُ قِدْماً مُعنَّى الفؤادِ / أُوالي جَواداً وأهْوَى ضَنينا
فلمّا خلَصتُ نجِيَّ العُلا / وأقصرَ عن عذْليَ العاذِلونا
حلَفتُ على مَسْحةٍ للسّحاب / فعزَّتْ فقال ليَ القائلونا
إذا ما لثَمْتَ يَمينَ الوزيرِ / سمَوْتَ فأبرَرْتَ تلكَ اليَمينا
إلى شَرَفِ الدّينِ تِرْبِ العُلا / أثَرْتُ منَ العيسِ حَرْفاً أمونا
ولو بِعتُ ساعةَ لُقيانه / بدهْرٍ سواهُ لكُنْتُ الغَبينا
كريمٌ مدائحُنا الغُرُّ فيه / ولكنْ صنائعُه الغُرُّ فينا
تَرَى للعُفاةِ بأبوابه / مَطيّاً مُناخاً وخَيلاً صُفونا
مَعينُ النَّدى ما تَرى من فتىً / يُعِدُّ رِشاءً عليه مُعينا
وشمسٌ غدا بُرْجَهُ نَفْسُه / تَرَى بُردَه أُفْقَهُ والعرينا
تَغيمُ إذا شاء أقلامُه / بجَوْنٍ فَتُمْطُرُ للآمِلينا
فَيعتقدُ البحرُ أنْ قد حكاهُ / إذا بَعثَ السُّحْبَ للخَلْقِ جُونا
غدَتْ مُذْ غدا وهْو صَدر العُلا / صُدورٌ بهِ لقلوبٍ سُجونا
وآلَى به النَّصرُ لا خانَه / فلم يَخْشَ في موقفٍ أنْ يَخونا
ولم يَعتمدْ بأبيهِ اليَمي / نَ إلاّ ليُومِنَنا أنْ يَمينا
إذا سَدَّد الرُّمحَ يومَ الوغَى / وقد صقَلَ البِشْرُ منه الجَبينا
فكُلٌّ على خَدِّه في الثّرى / يَخِرُّ له طائعاً أو طَعينا
أأعداءه حاذِروا حِلْمَه / فقد تَخِذَ المَوتَ فيه كَمينا
ولا تأْمنوا لِينَ أخلاقِه / فشدّةُ بأْسِ القنا أنْ تَلينا
هو الطَّودُ حِلْماً ولكنْ تَرى / لنارِ الحفيظةِ فيه كُمونا
كذا الفَلكُ المُعْتلي كُلُّه / حَراكٌ وتَحسَبُ فيه سُكونا
ألا يا كلوءَ اللّيالي لِما / أُذيلَ من المُلْكِ حتّى تَصونا
بكَ الأنجمُ الزُّهْرُ في أنَّهُنَّ / يَبعْنَ الكَرى بالعُلا يَقْتَدينا
ومن شَرَفِ اسْمك أنّ الهلالَ / تَقوَّسَ حتّى حكَى منه نونا
إذا طالبَ الرَأْيَ منكَ الزَّما / نَ بالشّيء كان القَضاءُ الضّمينا
إذا ما الملوكُ اتّقَوا بالدُّروعِ / من الخوفِ أو بالحصونِ المَنونا
فلم تَرْضَ غيرَ السُّيوفِ الدُّروعَ / ولم تَرْضَ غيرَ الجيادِ الحُصونا
ليَهْنِكَ أنّ مُغيثَ الأنامِ / غدا لك بالوُدِّ غَيْثاً هَتونا
وقبلَ المُغيثِ أبوه الغِياثُ / تَبوّأْتَ منه المكانَ المَكينا
فَورِّثهُ منك أُخْرى الزّما / نِ نُصحاً مُبيناً ورأْيَاً مَتينا
وأوّلُ آثارِكَ الباهرا / تِ واحدةٌ تُرغِمُ الكاشِحينا
مَنالُ الخلافةِ والمُلْكِ منك / إعادةُ ظَنٍّ صفاءً بقينا
وبالأمسِ أقْرَحْتَ شأنَ الحسودِ / بأنّك أصلحْتَ تلك الشُّؤونا
على حينَ أعضلَ داءُ العراق / وكان الَّذي لم تَخَفْ أنْ يكونا
أتَوْها فسالَتْ مياهُ الحديدِ / إلى أنْ أشَرْتَ فعادتْ أُجونا
وقد كان خطْباً أشابَ القُرونَ / ولولاك كان أبادَ القُرونا
وبين الإمام ومَوْلَى الأنامِ / أَنْ فَتَن المُلْكَ قومٌ فُتونا
فمِنْ قبلُ بينَ نَبِيِّيْ هُدىً / جنَى السّامرِيُّ خصاماً مُبِينا
وكلٌّ له العُذْرُ فيما أتَى / كذلكَ يَعتقدُ المُؤْمنونا
حروبٌ جَلتْ صَدأَ الدَّولتَيْنِ / كأنّ الصّوارمَ كانتْ قُيونا
وما كان ثَمَّ شجارُ القلوبِ / وإن كان فيه شِجارُ القُنينا
ولكنْ تمَخّضُ تلك الهَناتُ / ليَنْتِجْنَ يَوماً على المارِقينا
فمَنْ مُبِلغٌ لي مليكَ الوَرى / مَقالاً يُقرَّطُه السّامِعونا
أسلطانَنا أيَّ ذي رأفةٍ / تَخيَّركَ اللهُ للمسلِمينا
خُلِقْتَ عقيداً لتاجِ العَلا / ءِ ظَهْرِ آدمَ إذ كان طينا
كأنّ ملائكةَ اللهِ فيه / رأوكَ فخَرُّوا له ساجِدينا
وقالوا يَميناً لهذا الَّذي / تُعِدُّ الخلافةُ منه يَمينا
نظَرْنا على أنّه طالما / عَهِدْنا السّلاطينَ مُستَوْزِرينا
ومثْلُ اخْتيارِكَ للصّلبِ ال / مُؤيّدِ ما عَهِدَ العاهِدونا
مَلِيَّ بإعْمالِه فِكْرتَيْ / ن يُرضيكَ ما شئْتَ دُنيا ودِينا
جَمعْتَ المَعانيَ في لَفْظةٍ / وقد رُمْتَ عن قَدْرِه أن تَبينا
فأقْرأْتَهُ آيةَ الإصْطِفاء / وقُلتَ غدوْتَ مكيناً أمينا
فشَّبْهتَه بالنّبْيِّ الّذي / تَوزَّرَ في مصْرَ للمَلْكِ حِينا
ومَعْناهُ فارْعَ لنا ما رَعاهُ / وكنْ مثْلَه بامْتثالٍ قَمينا
وكانَ هُوَ الطّالبَ الشُّغْلَ منه / فحسْبُك أنّا لكَ الطّالِبونا
وهل أنتَ أيضاً سوى صاحب / نَعُدُّكَ للمُلْكِ حصْناً حَصينا
أخو مَنْظَرٍ وأخو مَخْبَرٍ / يُسهْلُ يُمْنُكَ عنّا الحُزونا
فوَجْهُكَ يُعطي البِلادِ السّناءَ / ورأيُك يَكفي العِبادَ السِّنينا
ألا فابْقَيا ما حدَتْ بالمطيّ / حُداةٌ وحَجّوا صَفاً أو حَجونا
فنِعْمَ الوزيرُ اتّخذْتَ الوزيرَ / ونِعْمَ القرينُ ارتضَيْتَ القَرينا
عليمٌ بأخبارِ كُلِّ القُرونِ / وأخْبارُه نُزَهُ الدّارِسينا
كأنّ الفَتى عاش عُمْرَ الزَّمانِ / وعاشرَ أهليهِ مُسْتَجْمعينا
إذا ما دَرى قَصَصَ الذّاهبِينَ / وجادَ لِيُذْكَرَ في الغابِرينا
فصوَّرَ هذا له الأَوّلِينَ / وَصَوَّرَهُ ذاك للآخِرينا
فمَنْ يكُ عِلْمٌ وجودٌ له / فقد عاشَ عُمْرَ الوَرى أجْمَعِينا
إنْ أقمرَ اللَّيلُ للسّارينَ في حَضَنِ
إنْ أقمرَ اللَّيلُ للسّارينَ في حَضَنِ / فلْيَعلَمِ الرَّكْبُ أنّ البدْرَ في الظُّعُنِ
ليس ابْنُ مُزْنةَ في عيني فأرمُقَهُ / ولا المُقنَّعُ في صَحبي فيَسْحرَني
وإنّما طلعَتْ واللّيلُ مُعتكِرٌ / من خِدْرِها بالفلا لَيْلَى لِتَفْتِنَني
ما لِلَّذينَ سَرَتْ لَيْلاً حُمولُهمُ / ساروا ولم يُشْرجوا عَيْني على وَسَن
قد حَلَّلوا من عُراها فهْيَ ناثِرةٌ / لِلُؤْلُؤٍ منْذُ غابَ الحَيُّ لم يُصَن
باتَتْ جُفوني وراء الظّاعِنِينَ به / كأنّما فُتِّقَتْ عن وابلٍ هَتِن
كم من قِطارٍ لها خلْفَ القطِارِ لهمْ / تَسْتَنُّ والعِيسُ والحادي على سَنَن
أجْرَى دموعي وحتّى اليومَ مارقأَتْ / سِرٌّ به الإلْفُ لمّا سارَ حَدَّثني
كأنّما خرَقتْ كفُّ الوَداعِ إلى / عَيْني طريقاً لِذاكَ الدُّرِّ من أُذُني
قد قُلْتُ للنّاسِ لَمّا أنْ قَضْوا عَجَباً / أنْ لم أمُتْ بعدَ إلْفي حينَ ودَّعني
هُمْ في فؤادي ويَبْقَى للفتَى رَمَقٌ / ما دامتِ الرُّوحُ في جُزْءٍ منَ البَدَن
لولا هِلاليّةٌ هام الفؤادُ بها / لم أُمسِ بعدَ رحيلِ الحَيِّ ذا شَجَن
تُعزَى بمُنْتَسبٍ منها ومُنْتقَبٍ / إلى هِلالَيْنِ كُلٌّ مُضْرِمُ الفِتَن
فلَيْتَهُ لم يَبِنْ ذلك الهلالُ لنا / أوْ لَيْتَهُ بعدَ أن قد بانَ لم يَبِن
إجمَعْ بجُهْدِكَ شَمْلَ القومِ تَصْحَبُهمْ / ما دام دَهْرُكَ بالتَّفريقِ ليس يَني
واجْعَلْ بماء ندىً تَجري يَداكَ به / رِداءَ عِرضكَ مَرْحوضاً من الدَّرَن
وافْخَرْ بمَغْناكَ في الدُّنيا وكنْ رَجلاً / إنْ شئْتَ من مُضَرٍ أو شئتَ من يَمَن
بيتُ العَلاء كبيتِ الشِّعرِ صاحبُه / إنْ لم يَزِنْه بإحسانٍ له يَشِن
بَيْتانِ يُكسِبُ كلٌّ منهما شَرَفاً / بقَدْرِ ما فيه من مَعْنىً عليه بُنِي
إنّي امْرؤٌ أضَعُ الأقوالَ مَوْضعَها / فإنْ أرابكَ منّي ذاك فامْتَحِن
مَظِنَّتي حيثُ حَلَّ العِزُّ حُبْوتَه / والذُّلُّ لم أرهُ يوماً ولم يَرَني
ولا تَرَى مِدْحتي كُفْؤاً إذا نُظِرَتْ / إلاّ إذا أصبحَتْ تُجْلَى على حَسَن
أعنْي الإمامَ ابْنَ سَلْمانَ الَّذي طلعَتْ / عُلياهُ شادِخةً في بُهْمَةِ الزَّمَن
إذا مدَحْنا جمالَ الدّينِ أطْرَبنا / إهداءُ مَدْحٍ له بالصِّدْقِ مُقْتَرِن
قاضي قُضاةِ بلادٍ قد أُتيحَ لها / منه مُقيمُ فُروضِ المَجْدِ والسُّنَن
مُهَذَّبٌ وُقيَتْ فينا خلائقُه / من شائبِ الوَصْمَتيْنِ البُخلِ والجُبُن
يُمناهُ واليُمْنُ إن لاقَيْتَهُ وكذا / يُسراهُ واليُسْرُ مَقْرونانِ في قَرَن
في كلِّ رَجْعةِ طَرْفٍ منه من كَرمٍ / إنجادُ ألْفِ فتىً بالدّهرِ مُمْتَحَن
إن قاسَ سَدَّدَ نحْوَ الحقِّ نَظْرتَه / أَو ساس أصبح لم يَخْشُنْ ولم يَلِن
المَلْكُ كالعَبْدِ إنْصافاً إذا اخْتَصما / لدَيهِ في حادثٍ والعِيُّ كاللَّسَن
يُدني مُحِقّاً ويُقْصي مُبْطِلاً أبداً / فهكذا مَن يُعينُ الدّينَ فَلْيُعَن
كأنّ أقلامَه المُصماةَ إذ طَعنَتْ / في ثُغرةِ الخَطْبِ أطرافُ القنا اللُّدُن
مِثْلُ السّهامِ نَفاذاً في مَقاصدِها / لكنَّهنَّ على الإسلامِ كالجُنَن
تَجِلُّ عن زُخْرُفِ الدُّنْيا فلو أُمرَتْ / بكَتْبِ سَطْرٍ لغَيرِ الدِّينِ لم تَدِن
إليكَ تَرْجِعُ حُكّامُ البِلادِ إذا / ما أشكَل الأمرُ عند الحازمِ الفَطِن
كأنّك الشَّمسُ للدُّنْيا إذا طلعَتْ / تقاسمَ النُّورَ منها ساكنو المُدُن
كأنّما أنت بيتُ اللهِ بينهُمُ / فوجْهُ كلِّ امرئٍ منهمْ إلى رُكُن
فَلْيَهْنِ أعمالَ خُوزِسْتانَ إذ رُزِقَتْ / إقبالَ طَبٍّ بأسرارِ العُلا طَبِن
وِلايةٌ كان من مَيْلٍ إليه بها / ما بالغربيةِ من شَوْقٍ إلى الوطَن
حتّى استقرَّتْ على ذي مِرَّةٍ يَقظٍ / تُقاهُ قِسمانِ من بادٍ ومُكْتَمِن
يُقلِّدُ الشُّغْلَ نُوّاباً وقَلَّدَه / دُرّاً من المَدْحِ أقوامٌ ذوو فِطَن
لكنْ لتَقْليدِنا الغالي من الثَّمَنِ ال / أوفَى وتَقليدهُ الخالي منَ الثّمَن
لكَ المدائحُ منّا دائماً ولنا / منكَ المنائحُ تتَرْى يا أخا المِنَن
عَمْري لقد أحزنَ الماضي بفَجْعَتهِ / لكنْ بقاؤك أضحَى مُذْهِبَ الحَزَن
غُصْنانِ من دوحةٍ لمّا ذَوى غُصُنٌ / بعَصْفةٍ للرَّدَى مِلْنا إلى غُصُن
أوهَتْ رزيئةُ هذا منّةً وأَتَتْ / أيّامُ هذا فأهدَتْ قُوّةَ المنَن
فاسعَدْ بتَوْليةٍ جاءتكَ راكضةً / عَجْلَى الخُطا مثْلَ ركضِ السّابقِ الأَرِن
أعطاكَها اللهُ عفْواً إذ رآكَ لها / أهلاً وإعطاءُ غيرِ اللهِ غيرُ هَني
وبان للصّاحبِ الميمونِ طائرُه / حُسنُ اخْتيارٍ لدينِ اللهِ أعجبَني
لمّا انْتضَى بكَ سيفَ الرّأي مُنْصلِتاً / على زمانٍ على الأحرار مُصْطَغِن
يا ابْنَ الَّذي طالما قد كان أعجبَه / صفْوُ الولاءِ له منّي وشَرَّفني
نوعانِ وُدّيَ مَوْروثٌ ومُكْتَسَبٌ / لستُ البعيدَ فأبغي مَنْ يُقرِّبُني
أستغفِرُ اللهَ إلاّ من مديحكمُ / فإنّني فيه لم أكذِبْ ولم أَهُن
أقسمتُ جُهداً بما طافَ الحجيجُ به / وما أهلُّوا وما ساقوا منَ البُدُن
وكُلَّ أروعَ عاري المَنكِبَيْنِ ضُحىً / يَهْوي إليه على رَوعاءَ كالفَدَن
لأشكُرَنَّ الّذي تُوليه من منَنٍ / ما عشتُ شكراً كشُكر الرّوضِ للمُزُن
هذا على أنّه ما إن لديَّ سوى / شكرٍ بسابقِ ما أولَيْتَ مُرْتَهَن
إنّي بحبلِك بعدَ اللهِ مُعْتَصمٌ / لدى الإقامةِ منّي أو لدَى الظَّعَن
فاسلَمْ لنا يا ابنَ سَلمانٍ سلامةَ ذي / دِينٍ على نَصْرِ أهلِ الدّينِ مُؤْتَمن
ودُمْ فأنت الإمامُ ابنُ الإمام لنا / في العِزِّ ما صدحَتْ ورقاءُ في فَنَن
قِفْ يا خيالُ وإنْ تَساوَيْنا ضنَىً
قِفْ يا خيالُ وإنْ تَساوَيْنا ضنَىً / أنا منك أولَى بالزّيارة مَوْهِنا
نافستَ طَيفي والمَهامهُ دُونَنا / في أنْ يزورَ العامريّةَ أيُّنا
فسرَيتُ أعتجِرُ الظّلامَ إلى الحِمَى / ولقد عناني من أُميمةَ ما عنَى
وعَقلتُ ناجيتي بفضْلِ زِمامِها / لمّا رأيتُ خيامَهمْ بالمنحنى
وتطلَّعتْ فأضاء غُرّةُ وجهِها / باللّيلِ أيْسرَ مَنْهجي والأيمَنا
لمّا طرقْتُ الحيَّ قالتْ خِيفةً / لا أنتَ إن عَلِمَ الغَيورُ ولا أنا
فدنَوْتُ طَوْعَ مَقالِها مُتخفِّياً / ورأيتُ خطْبَ القومِ عندي أهْوَنا
ومعي وليس معي سِواهُ صاحبٌ / عَضْبٌ أذودُ به الخميسَ الأرْعنا
حتّى رَفعْتُ عن المليحةِ سِجْفَها / يا صحبي فلَوَ انَّ عينَكَ بَيْننا
سَترْتُ مُحيّاها مخافَةَ فِتْنَتي / بنِقابِها عنّي فكانَتْ أفتَنا
وتَجرَّدتْ أطرافُها من زِينةٍ / عَمْداً فكان لها التَجرُّدُ أزْيَنا
وتكاملَتْ حُسْناً فلو قرَنَتْ لنا / بالحُسْنِ إحساناً لكانتْ أحْسَنا
قَسَماً بما زار الحجيجُ وما سعَوا / زُمَراً وما نَحَروا على شَطَّيْ مِنى
ما اعتادَ قلبي ذكْرُ من سكَن الحِمى / إلاّ استطارَ وملَّ صَدْريَ مسكَنا
أمّا الشّبابُ فقد تعاهَدْنا على / ألاّ نَزالَ معاً فكان الأخْوَنا
وتَلَوُّنُ الأيّام علَّم مفرِقي / فِعْلَ الأحبّةِ في الهَوى فتَلوَّنا
يا طالِبَ الثّأْرِ المُنيمِ وسَيْفُه / في الغِمْدِ لا تَحْسَبْ مَرامَك هَيِّنا
أتُراكَ تَملآُ من غرارٍ أجفُناً / حتّى تُفرّغَ من غِرارٍ أجْفُنا
أوَما رأيتَ السَّيفَ وهْو مُسلَّطٌ / ما زال يَحكمُ بالمنايا والمُنى
لمّا ادَّعَى الأقلامُ فَضْلاً عندَه / غَضِبَ الحديدُ فشَقَّ منها الألْسُنا
حتّى إذا زادَتْ بذاك فصاحةُ ال / أقلامِ حارَ النَّصْلُ لمّا أنْ رَنا
وأراد أنْ يُضْحي لساناً كُلُّه / حتّى يُقِرَّ بفَضْلهِ فتلَسَّنا
ولقلّما غَرِيَ الحسودُ بفاضلٍ / مُتَنقِّصاً إلاّ وزيدَ تَمكُّنا
إن كان جاذَبني المُقامَ مَعاشرٌ / فلقد تَخِذْتُ ليَ التَّغرُّبَ مَوْطِنا
ولقد نَزلتُ من الملوكِ بماجدٍ / فَقْرُ الرِّجالِ إليه مِفْتاحُ الغنى
مَلِكٌ إذا ألقَى اللّثامَ لوَفدِه / حُيّوا به حسَناً ورَجَّوا مُحْسِنا
لا يَألَفُ الرّاجونَ غيرَ فِنائهِ / أبداً ففيهِ الظِّلُّ يُشْمَلُ والجَنى
خَضِلُ اليدَيْنِ إذا انتدى ألفيْتَه / كالطَّود يَحتضنُ الغمامَ المُدْجنا
فإذا بدا في لَبّةِ الخيلِ اكْتَسى / وجهُ النّهارِ له نِقاباً أدْكَنا
وإذا تفَرْعنَ من عِداهُ مارِقٌ / أومَى إلى قلمٍ له فتَثَعْبَنا
وجلا اليدَ البيضاءَ في تَوْقيعِه / فتلقَّفَ المُتمرِّدَ المُتفَرْعنا
للهِ دَرُّ بني جَهيرٍ إنّهمْ / جَهَروا بدِينِ المَجْدِ حتّى أُعلِنا
المُرتَقينَ من العلاء مَراقياً / منها السَّماكُ بحيثُ منه أَكُفُّنا
أَعليُّ يا ابْنَ مُحمّدِ بْنَ مُحمّدٍ / نَسَباً منَ الشّمسِ المُنيرة أَبْينا
أَعيا الثُّريّا وهْيَ كَفُّ سمائها / من دَوْحِ مجدِكَ أَن تَناولَ أَغصُنا
وإذا الطّريفُ المجدِ زانَ زمانَه / فعُلاك تالدُه يَزينُ الأزمُنا
لكَ من أَوائلِ وائلٍ جُرثومةٌ / من فَرْعها ثَمرُ المكارمِ يُجْتَنى
تَحْمي الخلافةَ بالوِزارةِ مثْلَما / قد كان يَحْمي العِزَّ قومُك بالقَنا
ومُجيرُ دينِ اللهِ يا ابْنَ أَكارم / ما زال حفْظُ الجارِ منهمْ دَيْدَنا
أَظهرْتَ للمُستَظْهرِ النُّصْحَ الّذي / ما مسَّ عزْمَك دونَ غايتهِ ونَى
وأَبوك قبلَك من أَبيه قبلَه / قد حَلَّ حيث حَللْتَ تَبني ما بنَى
فسقىَ ثَراهُ كجُودِ كفِّكَ يا ابْنَهُ / غيْثٌ ودُمْتَ كذِكْرِه أَبداً لنا
فلأنتَ أَكرمُ مَن تأزَّرَ وارْتَدى / خُلُقاً وأَكملُ مَن تَسمّى واكتنَى
دانٍ من الجاني إذا عافٍ عفا / لكنّه عافٍ إذا الجاني جنَى
طَلْقٌ إذا اكتحلَتْ به عينُ امْرئٍ / برَقتْ أَسرِّةُ وجهِه فتَيمَّنا
ما أرسلَتْ يدُه عِنانَ مُطهّمٍ / إلاّ ويأتيهِ النّجاحُ إذا ثَنَى
للهِ مَقْدَمُه الّذي في يَوْمه / نَذَرَ المَسرَّةَ لا أَجَدَّتْ مَظْعَنا
وطُلوعُه في مَوكبٍ ودَّتْ له / كُلُّ الجَوارحِ لو تَحَوَّلَ أَعيُنا
لمّا بدا والشّوقُ يُدْني مَن نأى / مِن وجههِ والعزُّ يُنْئي مَن دنا
والأرضُ تُلطَمُ من هُنا بسَنابِكٍ / من خَيْلهِ مَرَحاً وتُلثَمُ من هُنا
والتِّبْرُ مِن أَدْنَى دَوامِ نِثارهِ / قد صارَ منه الجَرُّ يُحْسَبُ مَعدِنا
ناط الإمامُ بسَعْيهِ وبرأيِه / أَمراً بقاصيةِ السّعادةِ مُؤْذِنا
وجرَى به فلَكُ الجيادِ فما مضَى / منّا وإن بَعُدَ المدَى حتّى انْثَنى
كالشّمسِ دار على البسيطةِ دَوْرةً / علياءَ فامتلأتْ بهِ الدُّنْيا سَنا
فلْتشكُرَنَّ الدّولتانِ صَنيعةً / إن كان شُكْرُ صنيعِ مثْلكَ مُمْكنا
أَبدأْتَ قُربَهُما بقُرْبيَ فاغْتدَى / سَبَبُ العَلاء به وأَبدَوْا أمْتَنا
ونظَمْتَ شملَهما فدُمتَ ودامَتا / في العِزِّ ما سجَع الحمامُ ولَحَّنا
أمّا الرّجاءُ فلم يَزلْ مُتغرِّباً / حتّى إذا وافَى ذُراك اسْتَوطَنا
ورأيتُ مُبتاعَ المحامدِ راغباً / فجلَبْتُ من دُرِّ القَريضِ المُثْمَنا
فلئنْ أتاك المدْحُ منّيَ رائقاً / فلأنَّ فكْرِيَ من عُلاك تَلقّنا
أمْلَتْ على قلبي بدائعَ وَصْفها / شيَمٌ تُفَصِّحُ في المديح الألْكَنا
والشِّعْرُ يعلَمُ أنّ أحسنَ نَظْمِه / وأجلَّهُ ما قيلَ فيك ودُوّنا
لي حالةٌ عَجُفَتْ فإنْ تُعْنَوْا بها / فجديرةٌ هيَ أنْ تعودَ فَتسْمنَا
ولعلَّ أيّامَ الإقامةِ عندكمْ / آثارُها للنّاسِ تَظْهَرُ عندَنا
فالبدْرُ تحت شُعاعِ طلْعةِ شَمْسه / يَضْنَى إلى ألاّ يبِينَ منَ الضَّنى
ولها إليه على تَجاوُزِ بُرْجِها / في كلِّ يومٍ فَضْلُ نُورٍ يُقْتنَى
فاسلَمْ لنا يا مجدَ دولةِ هاشمٍ / في دولةٍ قَعْساءَ عاليةِ البُنَى
سُرَّتْ بك الدُّنيا وحاش لقَلْبِها / معَ نُورِ وَجْهِك طالعاً أنْ يَحْزَنا
هو الغرامُ أقامَ الحيُّ أم ظَعَنوا
هو الغرامُ أقامَ الحيُّ أم ظَعَنوا / إن هاجَروا قَتلوا أو واصلوا فَتَنوا
تاللهِ ما سكنَتْ نَفْسي إلى أحدٍ / مذْ سار في الجيرةِ الغادينَ لي سَكَن
مَن ناشِدٌ لي مهاً سارتْ بها قُلُصٌ / حُماتُها أُسُدٌ تَجْري بها حُصُن
ساروا يَؤُمّونَ مِن أرضِ الحمى بلَداً / بالظُّعْنِ تُحدَى إذا مرَّتْ بهِ الظُّعُن
ورُبّما تَركوا البيداءَ بحرَ دمٍ / كأنّما العِيسُ في تَيّارِه سُفُن
من كلِّ طائرةٍ بالرَّحْلِ أربَعُها / كأنّما هي في جَوْز الفلا فَدَن
هِيمٌ أطالَ صداها أنّ مُورِدَها / لا يَستقي الماءَ إلاّ والقنا شُطُن
ضوامرٌ تَمْلأُ الأنساعَ إن ظَفِرَتْ / فلا تَجولُ على أثباجِها الوُضُن
تَشتاقُ نَجْداً كما أشتاقُ ساكنَهُ / وهل لحيٍّ فؤادٌ مالَهُ شَجَن
وفوقَها كُلُّ مَمْطولٍ صَبابَتُهُ / مُتَيَّمٍ وَجْدُهُ باقٍ ومُكْتَمِن
تَبْكي وتَطْرَبُ من رَجْعِ الحُداةِ كما / يَهتزُّ من دَوحةٍ مَمْطورةٍ فَنَن
قُلْ للَّتي سفَرتْ يومَ النَّوى فبدا / للصّبِّ مُبْتسِمٌ منها ومُحْتَضَن
فما رأتْ عَينُ خَلْقٍ قبلَ رُؤْيتِها / أقاحياً وشقيقاً ضَمَّها غُصُن
يا مُنيةَ النّفْسِ لِمْ أصبَحْتِ قاطعةً / صِلى مَشوقَكِ حَيّا عهدَكِ المُزُن
ومَن سَباهُ جَمالٌ منكُمُ عَرَضاً / فإنّه بجَميلٍ منكُمُ قَمِن
ما زلتُ أُسرِحُ طَرْفي في الورَى عجَباً / فلا أرَى الحُسنَ بالإحسانِ يَقْترن
حتّى تَجلَّى ظهيرُ الدّينِ لي فرأَيْ / تُ اسْماً ووجهاً وفِعلاً كلُّه حَسَن
فقُلتُ والحقُّ بادٍ لا خفاءَ له / سُبحانَ مُنشئِ غَيْثٍ صَوبُه هَتِن
فَرْدٌ يَنوءُ بما تَعْيا الألوفُ به / وللرّجالِ مَقاديرٌ إذا وُزِنوا
لا خَلْقَ في كَرم الأخلاقِ يُشْبهُهُ / هذا الورى فتأمَّلْهمْ وذا الزَّمَن
إنّ الخليفةَ للقُصّادِ إن وفَدوا / بيتُ النَّدى وابْنُ عبد الواحدِ الرُّكُن
خِرْقٌ على أنّ بذْلَ المالِ عادَتُه / مالُ الإمامِ لدَيْه الدَّهْرَ مُخْتَزَن
مالانِ أمّا على هذا فمُتَّهَمٌ / جُوداً وأمّا على هذا فمُؤْتَمَن
لو لم يكُنْ خيرَ ما أولَى الملوكُ فتىً / من الورى حِفْظَ ما حازوا وما خَزَنوا
ما قالَ يوسفُ اجْعَلْني لدَيكَ على / خزائنِ الأرضِ وانظُرْ كيف تَمْتحِن
يا سَيِّداً فَطِناً يَحْمي العُلا وأَبَى / أَنْ يُدرِكَ المجدَ إلاّ سَيِّدٌ فَطِن
ومَن علَتْ رُتَبٌ في الدَّوْلَتَيْنِ له / فوق السُّها والعدوُّ النِّكْسُ مُضْطَغِن
بكتْ لها إذ رأَنْك الحاسدون بها / كأنّهمْ بك في أَحداقِهمْ طُعنوا
إذا بدوْتَ لهمْ أَغضَوْا على حَنَقٍ / كأنّما الذُّلُّ في أَجفانهمْ وَسَن
يَفْديك قومٌ إذا زَلَّتْ لهمْ نِعَمٌ / أَبدَوْا بها مِنَناً تَغْنَى بها المِنَن
يا مُنْقِذَ الدَّولةِ اسمعْ قولَ ذي مِقَةٍ / صفَتْ فلا رِيَبٌ فيها ولا ظِنَن
قد كان جاهُك لي ذُخراً أُرفِّهُه / وقد قَصدْتُك لمّا ضاقَ بي العَطَن
ولا يَمُدُّ الفتَى كلتا يدَيْهِ إلى / أَغْلَى الذَّخائرِ إلاّ وهْو مُمْتَحَن
فاعطِفْ عليَّ رعاكَ اللهُ من مَلِكٍ / بنَظْرةٍ منكَ أَمري اليومَ مُرْتَهَن
والْبَسْ بُرودَ ثناءٍ حاكَها صَنَعٌ / من خَزِّ فكْريَ ما في نَسْجِها وَهَن
نَزِّهْ عطايا أَميرِ المؤمنينَ لنا / عن أَنْ يُعارِضَها التّنْغيصُ والمِنَن
ولن تُطيقَ اللَّيالي أَن تُكدِّرَها / ولن تَراها المعالي حيثُ تُمْتَهَن
فللخلافةِ أنت اليومَ خالصةٌ / ما إنْ لها دُونَه سِرٌّ ولا عَلَن
ما الدّولةُ اليومَ إلاّ شَخْصُ مكْرمةٍ / فيما نَراها وأنت العَينُ والأُذُن
فدُمْ كذاكَ فأنت المُستَجارُ به / إذا بدا للَّيالي جانِبٌ خَشِن
إنّي لآمُلُ أنْ تُعنَى بها كرَماً / كما الملوكُ قديماً بالعفاةِ عُنوا
وأنْ تَحُلَّ عِقالَ الدّهرِ عن أَمَلي / فيَدْنو النّازحانِ الأهلُ والوَطَن
طلعتَ طلعةَ سَعْدٍ للأنامِ وقد / خافوا الزّمانَ فلّما جئْتَهمْ أَمِنوا
فالحمدُ للهِ هذا حينَ أُكمِلَتِ النْ / نُعْمَى وأُذهبَ عنّا الخوفُ والحَزَن
لا زالَ من حُسْنِ صُنْعِ اللهِ واقيةٌ / دونَ اللّيالي على عَلْيائكمْ جُنَن
ما طاف بالبيتِ زُوّارٌ وما رُفعَتْ / فيه الأكُفُّ وما سِيقَتْ له بُدُن
أأجفانُ بِيضٍ هُنّ أم بِيضُ أجفانِ
أأجفانُ بِيضٍ هُنّ أم بِيضُ أجفانِ / فَواتِكُ لا تُبقي على الدَّنِفِ العاني
صَوارمُ عشّاقٍ يُقتِلْنَ ذا الهوَى / ومن دونها أيضاً صوارمُ فُرسان
مرَرْنَ بنَعْمانٍ فما زلتُ واجِداً / إلى الحول نشْرَ المسْك من بطنِ نَعمان
سَوافرٌ في خُضْرِ المُلاء سَوائرٌ / كما ماسَ في الأوراقِ أعطافُ أغصان
وقد أطلعَتْ ورْدَ الخدودِ نواضراً / ومن دونِها شَوكُ القنا فمَنِ الجاني
ولا مثْلَ يومي بالعُذَيْبِ ونَظْرةٍ / نظرْتُ وقد سارتْ بواكِرُ أظْعان
سمَوْتُ لها في غِلْمِة عَربيَّةٍ / ذوي أوجُهٍ نمَّتْ بها اللُّثْمُ غُرّان
فكم غازَلتْنا من لواحظِ رَبْرَب / ومالَتْ إلينا من سَوالفِ غِزْلان
فقد أصبحَتْ تلك العُهودَ دوارساً / كما دَرَستْ في الدّهرِ أرجاءُ أرْجان
ولم يَبْقَ من لَيْلَى الغداةَ لناظري / سِوى طَلَلٍ إن زُرْتُه هاجَ أشجاني
فسَقْياً لوادي الدَّوْمِ مَعْهدَ جيرةٍ / وإنْ ظَلَّ قَفْراً غيرَ مَوقفِ رُكْبان
وقفتُ بها صُبْحاً أُناشدُ مَعْشري / وأُنشدُ أشعاري وأَنشُدُ غِزْلاني
ولمّا تَوسَّمْتُ المنازلَ شاقَني / تَذكُّرُ أَيامٍ عَهدْتُ وإخْوان
مضَتْ ومضَوْا عنّي فقلتُ تأَسُّفاً / قِفا نَبْكِ من ذكْرَى أُناسٍ وأزْمان
تأوَّبني ذِكْرُ الأحبّةِ طارقاً / وللَّيْلِ في الآفاقِ وَقْفةُ حَيْران
وأرَّقني والمَشْرَفيُّ مُضاجِعي / سَنا بارقٍ أسْرَى فَهيَّجَ أَحزاني
ثلاثةُ أجفانٍ ففي طَيِّ واحدٍ / غِرارٌ وخالٍ من غِرارَيْهما اثْنان
يُخَيَّلُ لي أنْ سُمِّرَ الشُّهْبُ في الدُّجَى / وشُدَّتْ بأهْدابي إليهِنَّ أجْفاني
نظرتُ إلى البَرْقِ الخَفيِّ كأنّه / حديثٌ مُضاعٌ بينَ سِرٍّ وإعْلان
وباتَ له منّي وقد طَنّبَ الدُّجَى / كَلوءُ اللَّيالي طَرْفُه غَيْرُ وَسْنان
له عارِضٌ فيه من الدَّمْعِ عارِض / وخَدٌّ به خَدٌّ وعَيْناهُ عَيْنان
أَلا أَبْلِغا عنّي على نَأْيِ دارها / سُلَيْمَى سَلامي وانْظُرا ما تُعِيدان
بآيةِ ما صادَتْ فؤادي إذا بدَتْ / وفي جيدِها عِقْدٌ وفي الثَّغْرِ عِقْدان
وقد ختَمتْ منّي على كُلِّ ناظرٍ / وما كنتُ للمُستَوْدِعينَ بخَوّان
بخاتِمِ ثَغْرٍ فَصُّه من عَقيقةٍ / يَمانيةٍ والنّقشُ بالدُّرِّ سَطْران
وقالتْ لدى تَقْبيلِ عَيْني مُحرَّمٌ / على النّاسِ أَنْ ترنو إلى يومَ تَلقَاني
فقلتُ أَقلِّي أُمَّ عَمْروٍ وأقْصِري / فحُبُّكِ يا ذاتَ الوِشاحَيْنِ أَفْناني
أخَتْماً على عَيْني ولا قلبَ في الحَشا / ولستُ على ما في يدَيْكِ بخَزّان
فقالتْ كلاكَ اللهُ من مُتَرحِّلٍ / أَقامَ له عندي الغرامُ وأَضْناني
لعلَّك تُبْلَى بالسِّفارِ فتَرْعَوي / وإن كنتَ تُغْرَى في الجِوارِ بهِجْراني
فكم ناظرٍ في شاسعٍ من مكانه / إلى البيتِ لم يَنْظُرْ إليه مِنَ الثّاني
كفى حزَناً ألاّ أَزالَ مُواصِلاً / أَعاديَّ ذِكْري والأحِبّةَ نِسْياني
أَتانيَ عن أَقصَى المدينةِ طارقاً / وَعيدٌ وأَصْحابي بشَرقيِّ بَغْدان
مَسحْتُ له العَينَيْنِ منّي تَشكُّكاً / وما كان طَرْفي بين مُغْفٍ ويَقْظان
فإن يك أعدائي عليَّ تَناصَروا / فما هو إلاّ من تَخاذُلِ خُلاّني
وممّا شَجاني يا ابْنةَ القوم أنّني / دَعوْتُ بإخْواني فأقْبلَ خُوّاني
ولم أدْعُ للجُلَّى أخاً فأجابَني / ولم أرضَ خِلاًّ للوِدادِ فأرْضاني
فيا ليتني لم أدْرِ ما الدّهرُ والورى / فقد ساءني للدّهرِ والنّاسِ عِرْفاني
أبِيتُ على ذكْرِ الجُناةِ مُعاقِراً / كؤوسَ دموعي والنَّدامةُ نَدْماني
وآوي إلى عَزْمٍ إذا جَدَّ جِدُّه / غِنيتُ بنَفْسي فيه عن عَوْنِ أعْواني
وأصفَحُ للإخوانِ عن كلَّ زَلّةٍ / وأصْحَرُ إن شئْتُ انْتقاماً لأقراني
ولا أتمنَّى موتَ خَصْمي وفَقْدَه / كما قد تَمنَّى ابْنا قَنانٍ وتُوران
ولكنّني واللهُ للحقِّ ناصِرٌ / أصُدُّ عنِ الشّاني وآخُذُ في شاني
وما زالتِ الأيّامُ تُبدي تَعجٌّباً / لأمْرَيَّ في الدُّنيا مكاني وإمكاني
كذَبْتُ وبيتِ اللهِ عِرضِيَ وافرٌ / ودِيني ونَقْصُ المالِ ليس بنُقْصان
ولي كلِمٌ مازِلنَ والمجدُ شاهدٌ / قلائدَ أَعناقٍ وأَقراطَ آذان
ودولةُ فَضْلٍ لو جعلْتُ نَزاهتي / وزيريَ فيها والقناعةَ سُلْطاني
إذنْ لَحماني ظِلُّ ذا فأعزَّني / نَعَمْ وأتاني رِفْدُ هذا فأَغْناني
ولم أَتَزوَّدْ من خَسيسِ مَطالبي / وأَبناءُ دَهري بينَ ذُلٍّ وحِرْمان
ولكنّني أَصبحْتُ بين مَعاشرٍ / بَلاني بهمْ صَرْفُ الزّمانِ فأبلاني
كأنّ مُقامَ الفاضلِيَن لديهمُ / سَنا الشَّمسِ ذُرَّت في نَواظرِ عُمْيان
لقد رابَني وَعْدٌ أَتَى المَطْلُ دُونَه / ففوَّتَ أَوطاري عليَّ وأَوْطاني
ولي حَجَّةٌ مرَّتْ وتَمَّ خِتامُها / بذي حَجّةٍ والدَّهْرُ بالنّاسِ يَوْمان
وكانتْ لياليها عليَّ طويلةً / تَمُرُّ على شاكٍ من الدَّهْرِ وَلْهان
فلمّا تقَضَّتْ خِلْتُ أَنَّ زمانَها / على طُولهِ المَشْكُوِّ قَبسةُ عَجْلان
ولا غَرْوَ إلاّ مَن يَظَلُّ على الَّذي / يُضيّعُ من أَيّامِه غيرَ لَهْفان
أَقولُ ونَحْرُ الغَرْبِ حالٍ عَشيّةً / كأنَّ على لَبّاته طَوْقَ عِقْيان
أَحَرْفُ مِراةٍ من خلالِ غِشائها / بَدا أَم هلالٌ لاحَ للنّاظرِ الرّاني
أَمِ الفَلكُ الدَّوّارُ أَمسَى مُوسَّماً / بآخِرِ حَرْفٍ من حُروفِ اسْمِ عُثْمان
فتىً يَمْتطي الأفلاكَ والخَيْلَ دائماً / فوَسْمٌ بأنْوارٍ ووَسْمٌ بنِيران
مليكٌ إلى أَبوابهِ الدّهْرَ يَنْتهي / سُرَى كلِّ مِطْعَانِ على كُلِّ مِذْعان
ولولا نَدَى شَمْسِ المُلوكِ وجُودهُ / لَما زَعزعَتْ وَفْدٌ ذَوائبَ كِيران
بهِ الدَّولةُ الغَرّاءُ أَضْحَتْ مُنيرةً / فلا أَظْلمَتْ ما غرَّدتْ ذاتُ أَلْحان
فتىً فَرْقُ ما بَيْنَ الأنامِ وبَيْنَه / هو الفَرْقُ فيما بَيْنَ كُفْرٍ وإيمان
وأَبْلَجُ لم تُخْلَقْ لشَيْئَيْنِ كَفُّه / لإحْسانِ إمْساكٍ وإمْساكِ إحْسان
فلا اليَمنُ اعتَدَّتْ كمَدْحي لمَجْدِه / مَدائحَ حَسّانٍ لأمْلاكِ غَسّان
ولا نسبَتْ في الرَّوْعِ مثْلَ مَضائه / إلى سَيْفِ غِمْدٍ أَو إلى سَيْفِ غُمْدان
له ماضِياً صمصامةٍ ويَراعةٍ / أُعِدّا لمِطْعامِ الأصائلِ مِطْعان
ولم نَر لَيْثاً قبلَ رُؤْيتنا له / هِزَبْراً له في الكفِّ للقِرْنِ نابان
أقولُ لغِرٍّ قام في ظِلِّ غابةٍ / مُزاحِمَ وَرْدٍ بينَ شِبْلَيْه غَضْبان
أأعداءه لا تُخْرِجوه عنِ الرِّضا / ولا تُحْرِجوهُ فهْو والدّهرُ سِيَّان
يَدُلُّ برأْيٍ طامحِ الطَّرْفِ للعُلا / مُفيقٍ وجُودً باسطِ الكَفِّ نَشْوان
ويَنْجو بأهلِ الفَضْلِ فُلْكُ رجائهِ / إذا حادثاتُ الدَّهرِ جاءتْ بطُوفان
ويُعْجِبُه الضَّيفُ المُنيخُ كأنّه / زيارةُ إلفٍ وصْلُه بعدَ هِجْران
وأصدَقُ خَلْقِ اللهِ طعْناً بذابلٍ / إذا مُدَّ للخيلِ القنا بينَ آذان
له قُلُبٌ في الطَّعْنِ في كُلِّ لَبّةٍ / طِوالُ القنا فيهنّ أمثالُ أشْطان
أيا مَن إذا أضلَلْت عند معاشرٍ / رَجائيَ أضحَى عند كَفَّيْهِ وِجداني
إذا اسْتُعرِضَتْ أيّامُ عامٍ فإنّما / لَنا بكَ أعيادٌ وللنّاسِ عِيدان
ومُذْ خُلِقَتْ عينُ اللّيالي وفُتِّحَتْ / إلى الخَلْقِ لم تَعْلَقْ سِواك بإنْسان
توسَّطْتَ من آلِ النّظامِ سَراتَهمْ / كأنّك بيتُ الله حُفَّ بأركان
لك الخيرُ أنت العارِضُ الجودُ وَبْلُه / وبي غُلَلٌ فامْطُرْ بساحةِ ظَمْآن
ومثْلُك مَن لا يَشْتري حَمْدَ ناظمٍ / ولا ناثرٍ إلاّ بأوفَرِ أثْمان
فلا يَخْلُوَنْ ديوانُكمْ من مَعيشتي / وأنْتُمْ ملوكٌ مدْحُكمْ مِلْءُ ديواني
بَقِيتَ بقاءَ الدّهرِ في ظِلِّ دولةٍ / وعزٍّ جديدٍ ما تَوالَى الجَديدان
سَلْ صدورَ الرِّكابِ ماذا الحَنينُ
سَلْ صدورَ الرِّكابِ ماذا الحَنينُ / وعَليْها تلك الظِّباءُ العِينُ
نحن أوْلَى بأنْ نَحِنَّ غراماً / لخليطٍ تَواعَدوا أنْ يَبينوا
حيث عَهْدي به يَجولُ وِشاحٌ / للغواني غداً يجولُ وَضين
يا مطايا الأحبابِ أنتُنَّ للعُشْ / شاقِ مثْلُ اسْمِكُنَّ والطّاءُ نُون
ليت أنّا منَ اللّيالي عَلِمنْا / ما لنا في ضَميرِها مكنون
كلّما عنَّ لي حبيبٌ وَفِيٌّ / عَنَّ من دونهِ زمانٌ خَؤون
قلْ لأحبابيَ الّذين سَبَوْني / فوجودي شَكٌّ ووَجْدي يقين
أنتُمُ والزّمانُ حينَ تخونو / نَ يَفي أو تَفونَ حينَ يخون
عانَدتْنا فيهمْ صروفُ اللّيالي / وفنونٌ من اللّيالي الجُنون
لا تسَلْ أنْ أَقُصَّ ما كان منها / وأجِرْ إنْ أطقْتَ مِمّا يكون
كم تُرجَّي تَعَلُّلاً بالأماني / أنْ سيُقْضَى لصَعْبِه تَهْوين
فيكَ يا دهرُ مُقْعدي ومُقيمي / أمَلٌ جامحٌ وحَظٌّ حَرون
طَرْفيَ الدّهرَ مُقْفِرٌ من وفيٍّ / وفؤادي من حبِّه مَسْكون
قلتُ للبائعي سَفاهاً برُخْصٍ / وهْو لو كان يَفْطُنُ المَغْبون
لا بفِعلٍ تُرضَى ولا بمقَالٍ / هبْكَ زَيْفاً ما فيك أيضاً طَنين
كلُّ هذا وبي من الحبِّ ما بي / يا ابنةَ القومِ والحديثُ شُجون
سأَلَتْني ما لي خَفِيتُ نُحولاً / كيف لي أن يُبِينَ ما لا يَبين
جملةُ الأمرِ أنّني فيكِ مُضْنىً / روحهُ بالمُنى لديكِ رَهين
كنتُ مثْلَ الخيالِ إذ أنا خِلْوٌ / رُبّما تَهْتدي إليّ العُيون
فأنا اليومَ من نُحوليَ مُلْقىً / حيثُ لا تَهْتدي إليّ الظُّنون
وكأنّي للمُلْكِ سِرٌّ يَمينُ الدْ / دِينِ من عِزّه عليه الأمين
مَلَكَ المجْدَ كُلَّه والمعالي / مَنْ له النُّصحُ باللُّها مَقْرون
ناصِرٌ كُلّما انْتضاهُ حُسامٌ / ناصحٌ كُلّما ارتآه مُبِين
يُؤْمَنُ المرءُ ثُمّ يُؤْمَلُ جُوداً / هو ذاك المأمولُ والمَأمون
ظلَّ فوقَ الأحرارِ ظِلاًّ ظليلاً / وهْو دونَ الأسرارِ حِصْنٌ حَصين
ليس يُخْلى ومن يُمْنِ جَدٍّ وجِدٍّ / رأْيُه أو رُواؤه المَيْمون
ليس يُدرَى إذا انْتَدى يومَ فَخْرٍ / فَلْكٌ ما يَضُمُّه أَو عَرين
كُلّما ازدادَ رِفعةً زاد لُطْفاً / والقَنا كلّما تَطولُ تَلين
قلْ لمَنْ أصبحَ الأكابرُ طُرّاً / ولهمْ منه باليَمينِ اليَمين
وإذا أقسمَ الفَتى لا يَراهُ / فَرَقاً منه في يَمينٍ يَمين
بانَ قِدْماً مَحلُّ مجدِك حتّى / لم يَزِدْ في وُضوحهِ التَّبْيِين
وارتضاكَ السُّلطانُ نُصْحاً فأضحَى / من نواصي العُلا لك التَّمكين
وأتاك التَّشْريفُ منه فوافَى / وله أنت زائنٌ ومَزين
خلعَتْ من صُدورِ قومٍ قلوباً / خِلْعةٌ حُسْنُها بيُمْنٍ ضَمين
مَن رأى في البدورِ حتّى رأَيْنا / والمعالي لهنَّ حِينٌ يَحين
مثْلَ بَدْرٍ أوفَى على مَتْنِ ليلٍ / وبصُبْحٍ قد شُقَّ منه الجَبين
ذي حُليٍّ كأنّه حينَ يَجْري / فُلْكُ بحرٍ من عَسْجدٍ مَشْحون
مُمسِكٌ للعِنانِ في الكفِّ منه / مَن بإمساكِ عسجدٍ لا يَدين
عَزَّ مقْدارُ تِبْرِه عند كفِّ / عنْدَها الدَّهْرَ كُلُّ تِبْرٍ يَهون
ومُذالٌ عليه غَيْرُ مُذالٍ / مُذْهَبٌ ساطعُ الشُّعاعِ مَصون
مُعشِبٌ وهْو مُعلَمٌ ببَهارٍ / من رياضٍ تَوشَّحَتْها الحُزون
أَخضرُ اللَّونِ مُكْتَسيهِ كَساهُ / كُسوةً لم يكنْ لها تَكوين
إنّما اخضرَّ حينَ أسبلَ فيه / عارِضٌ واكفُ العَزالى هَتون
عارِضٌ للجيوشِ عارِضُ مُزْنٍ / فمَعاني الجمالِ فيه فُنون
جُنْدُه فوق قَطْرِه حينَ يُحصَى / كَثْرةً إذ يَضُمُّهمْ تَدْوين
سار في موكبِ الجلالةِ والخَلْ / قُ شُخوصٌ عُيونُهمْ لا شَفون
والنّدى من أَمامِه راكبٌ يَحْ / جُبُ والشَّأْوُ في العطاء بَطين
وغلامٌ وراءه في يدَيْه / زَنْدُ بأسٍ للنّارِ فيه كُمون
مَشْرَفيٌّ كأنّما الغِمْدُ منه / بَطْنُ لَيلٍ فيه الصّباحُ جَنين
ومِجَنٌّ شَبيهُ أُفْقِ سَماءٍ / بمَصابيحها لها تَزْيين
وقَرينانِ من رماح طِوالٍ / مثْلما سايرَ القرينَ القرين
بسِنانَيْنِ أغْلفَيْنِ ولكنْ / بهما قَلْبُ مَن قَلاكَ طَعين
في غِشاءيْنِ أَصفَريْنِ صَقيلَيْ / نِ يقولُ المُشاهِدُ المُسْتَبِين
أَورَثا حاسدِيك ما عكَسوهُ / فلثَوْبَيْهما بهِ تَلْوين
رُتَبٌ من عُلاً بدَتْ وهْيَ عُنوا / نٌ ويأتي من بَعْدِه المَضْمون
يا هُماماً فاقَ السّماءَ سُمُوّاً / بعدَ هذا من السَّعادةِ سِين
بِكَ تُزْهَى الأعمالُ لا أنت بالأع / مالِ فالعَيْنُ أَنت وهْيَ الجُفون
ففِداءٌ لراحتَيْكَ الورَى طُرْ / راً جَواداً برُوحِه وضَنين
كعبةٌ أَنت للعَلاءِ وإنْ لَم / تَك في قُربِكَ الصَّفا والحَجون
وكريمٌ من السّماءِ مُعانٌ / وعلى الدّهرِ للعُفاةِ مُعِين
كم طوَتْ ما طَوتْ بيَ الأرضُ حتّى / بَلّغتْني ذُراه حَرْفٌ أَمون
فلقد صُغْتُ من مديح سِواراً / تكْتَسيهِ للدِّينِ مِنكَ يَمينِ
إنّما النّاسُ إصبَعٌ من شِمالٍ / يا أخا المَجْدِ حيثُ أَنت اليَمين
كيف يَبْغي الوُصّافُ وَصْفَكَ حقّاً / وهْو فَوقٌ منَ العَلا وهْيَ دُون
حَسُنَتْ في العُلا صِفاتُك جِدّاً / فهْيَ لا يُبْتَغَى لها التّحْسين
بَلِّغا لي أَبا عليٍّ مَقالاً / وهْو منّي بكلِّ شكرٍ قَمين
أَنّ حُبّي له مدَى الدّهرِ مَفْرو / ضٌ وحُبّي مَعاشراً مَسْنون
كم تَمنَّيْتُ عَودةً لي إليه / والأماني على اللّيالي دُيون
والفتَى عُرْضةً وللدَّهرِ حُكْمٌ / والمُنَى غَفْلةً وللشّيء حِين
يا مَكينَ الملوكِ دَعوةَ مَنْ كا / نَ له عندهُ مَكَانٌ مكين
كُنْ كعَهْدي في الوُدِّ فاليومَ فوقَ ال / عَهْدِ في الجودِ لي بكَ المَظْنون
لك منّي مدَى الزّمانِ ثَناءٌ / كُلُّ دارٍ من نَشْرِه دارِين
أَنت في حَلْبةِ الكرامِ هِجانٌ / حيثُ يُمسي الغَمامُ وهْو هَجين
كُلَّ يومٍ للمُلْكِ ما عِشتَ فيه / معَ ضوء الصّباح فَتْحٌ مُبِين
ففِداءٌ لِما وَطئتَ من الأرْ / ض حسودٌ إذا سُرِرْتَ حزين
مِن فتىً مالُه إذا شاء ذُخراً / في رقاب الورى له مَخْزون
عَصْرُه للوليِّ مِنَنٌ مِنَ اللّ / هِ عليه وللأعادي مَنون
فلْتدُمْ للعلا وللمَجْدِ ما صي / غَتْ لوَرْقاءَ في الغُصونِ لُحون
وأُديرتْ كأسْ النَّسيمِ معَ الصُّبْ / حِ فمالَتْ بالسُّكرِ منها الغُصون
فسِواهُ بالضّادِ والظّاء للحُرْ / رِ ضَنينٌ بماله وظَنين
فإذا أُلجيءَ المُضافُ إليه / فهْو منه بنَصْرهِ التَّمكين
ماذا يُهيَّجُ غُدْوةٌ شَجَني
ماذا يُهيَّجُ غُدْوةٌ شَجَني / من صَوْتِ هاتفةٍ على فَننِ
لم يَبْقَ لي دَمْعٌ فتُجْرِيَه / لم أَنسَ أَحبابي فَتُذْكِرَني
وأنا الفِداءُ لمُقْلتَيْ رشَأٍ / سَلَب الفؤادَ غداةَ ودَّعني
ما ضَمَّني يومَ الرَّحيلِ هَوىً / بلْ كان يُدْنيني لِيُبْعِدَني
تاللهِ لم تَرَ عاشقاً كمَداً / إن كنتَ يومَ البَيْنِ لم تَرَني
والقلبُ يَسْبِقُني وأَتبَعُه / والدَّمْعُ أسرِقُه فيَفْضَحُني
وعلى ركابِهمُ بُدورُ دُجىً / هَيَّجْنَ يومَ تَحمَّلوا حَزَني
بالعيسِ سِرْنَ ولو بكَيْتُ كما / أَمرَ الفراقُ لَسِرْنَ بالسُّفُن
قامَتْ تُودِّعُنا وقد سفَرَتْ / فبدا لنا قَمَرٌ على غُصُن
وجْهٌ إذا هُوَ صَدَّ عن كَلَفٍ / قَرَنَ القَبيحَ بهِ إلى الحَسَن
وعزيزةٌ لدَلالِها نُكَتٌ / تَخْفَى على المُتَأمِّلِ الفَطِن
تَخْشَى سُلوِّي كلّما بَعُدَتْ / فتُقيمُ لي طَيْفاً يُشوِّقُني
وتَغارُ منه إذا أنسْتُ به / فتَهيجُ لي ذِكْراً يُؤَرِّقني
يا صاحبيَّ دعا مَلامَكُما / فسِوى مَلامِكما يُلائمُني
لا تُعْلِماني لا عَدِمْتُكُما / بالدّهرِ إنّ الدّهْرَ عَلَّمني
مارسْتُ أيّامي مُمارسَةً / من لَيّنٍ فيها ومِن خَشِن
وذكرتُ فيها غيرَ واحدةٍ / والنّائباتُ عجيبةُ المِنَن
مَنْ لم يُعرِّفْني الخطابَ ولم / يَكْشِفْهُ لي فالخَطْبُ عَرَّفني
نشَز الجبالُ على مُعانَدتي / ولطالَما كانتْ تأَلَّفُني
وعجيبةٌ يا أصفهانُ إذا / نَظَروا وأنتِ رئيسةُ المُدُن
أنْ تُصْبِحي عَيْنَ البلادِ وما / لي فيكِ إنسانٌ يُلاحظُني
ويُعلِّلُني بصدودهِمْ نَفَرٌ / قد كان وَصْلُهمُ يُعَلِّلُني
ولقد يَهونُ عليَّ هَجْرُهمُ / لو أنّ لي قلباً يُطاوِعُني
دَعْني وذاك فلستُ مُنتهِياً / يا صاحِ إلاّ أنْ يُبَدِّلَنى
دَأْبي ودَأْبُ الدَّهْرِ أَنّيَ مَنْ / قاربْتُه في الوُدِّ باعَدَني
وإذا يَعِزُّ الشَّيْءُ أَطلُبُه / وإذا تركْتُ الشّيْءَ يَطلُبني
ومُصادِقي رَجُلانِ إنْ عُرِفا / من غُرّةِ الإنْصاف والزَّمَن
إمّا صديقٌ لستُ أُنصِفُه / أنا أو صَديقٌ ليس يُنْصِفُني
والدّهرُ أعجِزُ أنْ أُغَيِّرَهُ / وكذاكَ يَعجِزُ أنْ يُغَيِّرَني
يا شامتاً بي حينَ غَيَّر منْ / حالي زَمانٌ مُطْلَقُ الرَّسَن
لا تَقْضِ من أحداثهِ عَجبَاً / طَبْعُ الزّمانِ على العِنادِ بُنِي
ما عِيبَ بي زَمَنٌ تَنَقّصَني / يا حاسدِي بل عِيبَ لي زَمَني
لو شاء طيفُكَ بعدَ اللهِ أحياني
لو شاء طيفُكَ بعدَ اللهِ أحياني / إلمامةٌ منه بي في بَعْضِ أحيان
بلْ لو أردْتَ وجُنْحُ اللَّيلِ مُعْتَكِرٌ / والحَيُّ من راقدٍ عنّا ويَقْظان
غيَّمتَ يا قمرَ الآفاقِ من نَفَسي / فسرْتَ نَحْوي ولم تُبصِرْكَ عَيْنان
فما خَلتْ ليلةً مُذْ لم أُلاقِكُمُ / عَيْنايَ من عارضٍ للدّمع هَتّان
لا بَلْ إذا شئْتَ فأْذَنْ لي أَزُرْك وفي / ضَمانِ سُقْمي عنِ الأبصارِ كِتْماني
أبقَى الهوَى لكَ منّي في الورى شَبَحاً / لو وازنَ الطَّيفَ لم يُخْصَصْ برُجْحان
يكادُ يَجذِبُ شَخْصي نحو مَضْجَعه / باللّيلِ إن حَلَمتْ بي عَيْنُ وَسْنان
كيف السَّبيلُ إلى وَصْلٍ نَلَذُّ به / شافٍ لغُلّةِ صادي القلبِ هَيْمان
ودون لَيْلَى إذا رُمْنا زيارتَها / لسانُ واشٍ بنا أو سَيفُ غَيْران
يا سائلي والهوَى شَتَّى مَصارِعُه / كيف اسْتُهِيمَ فؤادي يومَ نَعمان
قد صادَ طائرَ قلبي وهْو يَسْرَحُ في / رَوْضِ الوجوهِ صباحاً غيرَ رَوْعان
من طَرْفِها جارحٌ ضارٍ قوادِمُه ال / أهدابُ منه وجَفْناهُ الجناحان
يا شاهراً سيفَ طَرْفٍ طُلَّ فيه دَمي / على تَكاثُرِ أَنصاري وأعواني
أطرِفْ به سيفَ طَرْفٍ ما تَقلَّدَهُ / للفَتْكِ إلاّ وصُدْغاهُ نِجادان
يُميتُنى إن نأَى عنّي ويَنْشُرُني / بخدِّه المُنْتَضَي إن عاد يَلْقاني
رأيتَ أعجبَ من قلبي وعادتِه / إذا الكَرى خاطَ أجفاناً بأجفان
يَبيتُ يُطلِقُ أسرَى الدَّمْعِ من كرمٍ / في وَجْنتي وهْو من أسْرِ الهوَى عان
لمّا رعَى ناظري في رَوضةٍ أُنُفٍ / غُودرْتُ من أدمُعي في مثْلِ غُدْران
أمِنْتُ إنسانَ عَيْني أنْ يَنِمَّ به / أيّامَ ما مِن وفاءٍ عندَ إنْسان
حنا قناتي وقِدْماً كان قَوَّمَها / دَهْرٌ وما الدَّهْرُ إلاّ هادمٌ بان
لا تُنكِرَنَّ اشتعالَ الرّأْسِ من رَجُلٍ / والقلبُ يُضْرِمُ منه نارَ أحْزان
ما اسْودَّ خَدّيَ حتّى ابيضَّ من عَجَلٍ / لقد تَصافحَ في خَدّي البياضان
مُذْ حَلَّتِ البيضُ قلبي حَلَّ مُشْبهُها / في مَفْرِقي فلقد شابَ السَّوادان
قد أذهلَ الشَّيبُ لمّا جَلَّ نازلةً / عنّا فتاةَ بني ذُهْلٍ بْنِ شَيْبان
آلَيتُ لا أشْكُوَنْ مَن قد كَلِفْتُ به / ولو تَبدَّلْتُ من وَصْلٍ بهِجْران
ولو قضَيْتِ دُيونَ النّاس قاطبةً / ولو أبَيْتِ سوى مَطْلي لَيّاني
وكيف أشكو قبيحاً من صَنيعِك بي / وإن أطارَ الكَرى عنّي وعَنّاني
وإنّما منْكِ قُبْحُ الفِعْلِ خَلَّصني / من كُلِّ ما فيه حُسْنُ الوجهِ ألقاني
ما كنتُ مُستَقْبِحاً قَطُّ القبيحَ ولا / عدَدْتُ خَوّانَ إخْواني بخَوّان
ولا أساءَ إليَّ الخِلُّ أصْحَبُهُ / إلاّ إساءتهُ عادَتْ بإحسان
إذا دهَتْني من الأيّامِ فُرْقَتُه / ورُمْتُ أنْ أتلافاهُ فأعْياني
لولا ادِّكارُ إساآتٍ سبَقْنَ له / ما كان لي عنه من وَجْهٍ لسُلْوان
لو كان إحسانُه صَفْواً وفارقَني / إذنْ لفارقَ رُوحي فيه جُثْماني
طبيعةٌ من وفاءٍ فيَّ راسخةٌ / ما إن تُطيعُ لتَحْويلٍ ونُقْلان
أَكُفُّ كَفٍّ عَيوفٍ أن أنال بها / زادَ اللّئيمِ فأَطْوي بَطْنَ طَيّان
ولا أُطيلُ إلى الوِرْدِ الذَّليلِ خُطاً / ولو حَوى النّارَ منّي صَدْرُ ظَمْآن
ولا أُري الخِلَّ إلاّ ثَغْرَ مُبْتَسِمٍ / حتّى يُشبَّهَ إهْزالي بإسْماني
ولا أَزالُ لنَيْلِ العِزِّ مُغْترباً / مُردَّداً بينَ أوطاري وأوطاني
إن جَأْجأَتْ بي جَيٌّ للوُرودِ فلَم / يَصْدُرْ عنِ الرَّيّ نِضْوي غيرَ رَيّان
لَفَّ العراقَ خُطاهُ بالجبالِ عسى / أن يُعْقِبَ اللهُ نِشْداناً بوِجْدان
أَعُدُّ عَدّاً شُهورَ العامِ مُحْتقِراً / عَدَّ اللّيالي إذا راعَيْتُ أزماني
لمّا رأى رَمضانٌ رفْعَ رايته / للنّاظرِينَ وولّى شهرُ شَعْبان
قلتُ الهلالُ بدا في الأُفْقِ مُعترِضاً / يَبدو سَناهُ لعَيْنِ النّاظرِ الرّاني
أم خَطَّ عينُ عُبَيْدِ اللهِ كاتبُه / لمّا أرادَ له تَسْطيرَ عُنْوان
ولم يُتِمَّ اسْمَهُ للإكتفاء بما / أَهدَى من النُّورِ للقاصي وللدّاني
عظيمُ شأنِ العُلا لا عَيْبَ يَلْحقه / إلاّ إطالةُ رَغْمِ الحاسدِ الشّاني
لا خَلْقُ أَكرَمُ منه يَسْتَحقُّ على النْ / ناسِ الثَّنا فهْو يَشْريهِ بأَثْمان
تَعودُ في يدِ راجيهِ عَطيَّتُه / كأنَّها قَبْسةٌ في كفِّ عَجْلان
يَعْفو عنِ المرء يَجْني وهْو مُعتَذرٌ / حتّى يقالَ تُرَى مَن منْهما الجاني
أَلفاظُه مثْلُ أَرواحٍ إذا سُمعَتْ / في مَحْفلٍ والمعاني مثْلُ أَبدان
يا رُبَّ خَطْبِ خطابٍ منه مَزَّقَه / حتّى انْجلَى لَيْلُه من بعدِ إجنان
إذا غدا يَخْضِبُ الأقلامَ فيه فدَتْ / أَطرافَها السُّودَ أَطرافُ القنا القاني
مَجْدٌ لدينٍ غَدا والدّينُ من شَرَفٍ / مِثْلَيْنِ في فَقْدِ أَمثالٍ وأقْران
هذا غدا خيرَ أَمجادٍ إذا ذُكِروا / كما غد ذاك فخْراً خيرَ أَدْيان
يَجِلُّ عمّا يَجِلُّ الآخَرونَ به / إذا الورَى وُزِنوا يوماً بمِيزان
يَعنَى بدينٍ منَ التَّقوى ويَخْدُمه / من عزِّه كلُّ مَنْ يُعْنَى بدِيوان
بدا تَواضُعُه للزَّائرينَ له / كإخْوةٍ يَصْطَفيهمْ أَو كأخدان
وواضعٌ قدَمَيْهِ من جلالته / على مَفارقِ برْجيسٍ وكيوان
يا رافعاً دَرجاتِ الأجْرِ مُحْتَسِباً / والفَخْرِ مُكْتَسِباً في كُلِّ إبّان
رَفْعُ القُصورِ قُصورٌ عندَ همَّتِه / يُفيضُ إعزازَها عنه بإهْوان
فلا تَرى في اللّيالي عُظْمَ رغْبتِه / إلاّ المعاليَ في تَشْييدِ بُنْيان
مَن جُودُه ذو فُنونٍ حينَ تَخْبُرُه / ودَوحةُ الرِّفدِ منه ذاتُ أفْنان
رَدُّ المظالمِ مَعْ حَمْلِ المَغارمِ مَعْ / فِعلِ المَكارمِ في سرٍّ وإعلان
كالقَطْرِ يُسمَّى بأسماءٍ تُعدَّدُ من / وَبْلٍ وهَطْلٍ وتَسكابٍ وتَهْتان
يَهوَى الثّراءَ رجالٌ والثَّناءَ معاً / وما هُما لو دَروْا إلاّ نَقيضان
هُما نَهارٌ وليلٌ أنت بَينَهما / فخُصَّ أيُّهما تَهوَى بنُقْصان
المالُ يَفْنَى ويُبْقي مَجْدَ صاحبه / فاعْجَبْ له كيف يَنْمى الباقيَ الفاني
أما رأيتَ بني الآمالِ كيف غدَوْا / مِنْ كُلِّ مِظعانِ بيدٍ فوقَ مِذْعان
يُسائلونَ الورَى عن مَقْصدٍ أَمَمٍ / في كلِّ لَقْيَةِ رُكْبانٍ لرُكْبان
فقلتُ سيروا إلى بَيْتِ النّدى زُمَراً / فلِلهُدَى والنَّدى في الأرضِ بَيْتان
فكعبةُ النُّسْكِ في أرضِ الحجازِ لنا / وكعبةُ الجودِ قد خُطّتْ بقاشان
إن كان للنّاسِ بينَ المَروتَيْنِ يُرَى / سَعْيٌ لساعِينَ من مَثْنىً ووُحْدان
فنحنُ في حَجِّ بيتِ المجدِ تُبصِرُنا / نَسعَى كذلكَ سَعْياً ليس بالواني
بينَ ابْنَيِ الفَضْلِ مجدِ الدّينِ زِيدَ عُلاً / وصِنْوِهِ وهما للعِزِّ رُكْنان
لا يُقطَعُ السَّعْيُ في نَيْلِ المطالبِ منْ / هذا إلى ذاك ماكَرَّ الجديدان
أقولُ لمّا أنخْتُ العِيسَ ثانيةً / إلى فتىً منه بالأضيافِ جَذْلان
إن كنتُ ثنَّيتُ إلْمامي بحَضْرتِه / يا صاحبيَّ فجَهْلٌ أنْ تَلوماني
فإنّما لي إذا أَسبَعْتُ في نَسَقٍ / إتمامُ حجٍّ إلى استِفْتاحيَ الثّاني
هذا ولِمْ لَمْ أَقُمْ عُمْري مُجاوِرَهُ / والرَّأْيُ ذلكَ عندي لو تُطيعاني
خُذْها سُلافةَ فكْرٍ قد هَززْتُ / أعطافَ خِرْقٍ بكأسِ الحمدِ نشْوان
راحاً يُشَعشِعُها الرّاوي بأكْؤُسها / يُشْرَبْنَ من دونِ أفواهٍ بآذان
اُبدي منَ الوُدِّ في نَظْمي مَدائحَكُمْ / إحسانَ حَسّانَ في أملاكِ غَسّان
لم يَعْدَمِ اللّفْظَ تَحْبيري وإنْ وَجَدوا / خلْفَ المعاني إذا ما قلتُ إمعاني
فَصُمْ وأفْطِرْ مديدَ العُمْرِ في نِعَمٍ / ما عاوَد النّاسَ في الأيّامِ عِيدان
مُساعدَ الجَدِّ حتّى لا تزال تَرَى / إحسنانَك الدَّهْرَ مَقْروناً بإمْكان
دَعِ العَينَ منّي تَسكُبُ الدّمعَ أو تَفنَى
دَعِ العَينَ منّي تَسكُبُ الدّمعَ أو تَفنَى / فليس لعَين لا أراك بها مَعنَى
حَرام عليها إنْ رأيتُ بها الوَرى / ولم تكُ فيهمْ أن أُجِفَّ لها جَفْنا
لأمْحو سوادَ العَينِ بعدَك مثْلما / محا المرءُ يوماً من صَحيفتهِ لَحْنا
لقد سرَقَت كَفُّ الرّدَى ليَ دُرّةً / أطالَ لها الإعزازُ في مُقْلتي خَزْنا
فصيَّرتُها بَحراً منَ الدّمعِ بعدَها / لَعَلِّى بطُولِ الغَوصِ ألقَى بها خِدْنا
وهَيهاتَ ما بحرُ البكاء بمَعْدِنٍ / فمن أين تأميلُ اعتياضي ومِن أنّى
فَحُيِّيتَ مِن ماضٍ أقام ادِّكارُه / وأفديهِ من فَرْدٍ مَناقبهُ مَثْنى
إليه انْتَمى كُلُّ المَحاسنِ مُذْ بَدا / فحُقَّ لعَمري بالمحاسنِ أن يُكْنى
وكان رجاءً لي فَفُتُّ بفَوتْهِ / كأنّيَ كنتُ اسْماً وكان هو المَعْنى
غدا وجههُ عندي من الحُسنِ روضةً / فراحَ لها دَمعي وقد صوَّحَت مُزنْا
وكان يَدي اليُمنَى فأصبَحْتُ ضارعاً / أُوسّدُه في لَحْدِه يَدَه اليُمنْى
وأظلمتِ الدُّنيا فأيقنتُ عندها / بأنّي دَفنْتُ الشّمسَ في قبره دفْنا
كأنّيَ فيها طائرٌ صِيدَ فَرْخُه / منَ الوكْرِ حتى صار لا يأْلَفُ الوَكنْا
رآه معَ الإصباحِ في كَفِّ جارحٍ / وقد أنشبَتْ فيه مَخالبَها الحُجْنا
فِدىً لكَ منّي النّفسُ كيف رَضيتَ لي / تَهدُّمَ بَيتٍ أنت كنت له رُكنْا
تَقطَّعُ آمالٌ لنا فيك أُمِّلَتْ / وأعرضَ خَطْبٌ ما حَسبِنا وما خِلْنا
وأحسَنْتُ بالأيّامِ ظَنّي فما وفَتْ / وما الحزْمُ بالأيّامِ أن تُحسنَ الظَّنّا
أما كان زَيْناً للزّمانِ اجْتماعُنا / فلِمْ كان منه القَصْدُ حتّى تفرَّقْنا
وكنّا كما نَهْوَى فيا دهرُ قُلْ لنا / أفي الوُسْعِ يوماً أن نَعودَ كما كُنّا
أَعِدْ نحوَ مَغْنىً منه قد سِرْتَ نظرةً / لتُبصرَ ماذا حَلَّ في ذلك المَغْنى
وجَدِّدْ بذاكَ المنطقِ العَذْب نُطقَهُ / لتسألَ عنّا أيُّ أمرٍ لنا عَنّا
وأرْعِ فدْتكَ النّفسُ سمعَك مَرّةً / لنُسمِعَك الشّكْوى الّتي بَلغتْ منّا
وهَيهاتَ عاقَتْ دوَن ذلك كُلّه / عوائقُ أقدارٍ فحالَتْ وما حُلْنا
لقد راعني صَرْفُ اللّيالي ورابَني / من الدهرِ أن أخنَى عليَّ بما أَخنْى
وقد جُدْتُ بابْنٍ كان عزىَ روحُه / فها أنا منّي سوى جَسَدٍ مُضْنى
على حينَ منه أبدَر الوجهَ سنُّه / وَهلّلَ منّي القدُّ في مِشْيَتي سِنّا
وما كنتُ إلاّ أرتَجي عند كَبْرتي / لعَظْمي به جَبْراً فزِدتُ به وَهْنا
فلَهْفي على غُصْنٍ رَجوْتُ ثمارَهُ / ولم أر أبهى منه لمّا اعْتلى غُصْنا
كفَى حزَناً ألاّ أرى منه في يَدي / سوى حَسَراتٍ بعده كُلَّ ما يُجْنى
أحينَ اغتدَى في حَلبةِ النُّطْقِ فارساً / وأبدَى لنا في ثُغْرةِ الحُجّةِ الطَّعْنا
وأرخَى وقد أجرَى عِنانَ ابْن همّةٍ / أبَى دونَ أقصَى غايةِ الهمّ أن يُثْنى
وصَرَّفتِ الأقلامَ في الكُتْبِ كَفُّه / فأخجلَ في أيدي الكُماةِ القنا اللُّدْنا
بخَطِّ بنانٍ رائقِ الحسنِ ناطَه / بخَطّ بيانٍ فاستَبى العينَ والأُذْنا
وأُكمِلَ في عصْرِ الصِّبا فبدا لنا / عن الحِلْمِ مُفترّاً وفي العلْمِ مفتّنا
أشارتْ إليه عند ذاك أصابِعٌ / له أَصبَحتْ تُثْنى على الفضل أَو تُثْنَى
فلمّا أبَى الأقرانُ شقَّ غُبارِه / أتى الدّهرُ في جيشٍ فبارزَه قِرْنا
ولمّا بدا في أُفْقِ عُلْياه طالعاً / يَبُثُّ سناً واللّيلُ كالدّهر قد جَنّا
وعَدّتْ ليالي البدرِ أعوامَ عُمْرهِ / فكنّ سواءً لا نَقصْنَ ولا زِدْنا
أتاه سِرارُ الموتِ عند تَمامهِ / فحَجَّبنا عنه وحَجَّبه عَنّا
وعينٌ أصابَتْنا لدَهْرٍ مُشتِّتٍ / فلا نظرَتْ عَينٌ لدهرٍ أصابَتْنا
أُؤمِّلُ يوماً صالحاً بعدَ بُعده / وقد فاتَني من قُربه حَظِّيَ الأْسنى
وأصبحتُ في قَيْدٍ منَ العُمرِ راسفاً / كأنّيَ عند الدّهرِ خَلَّفني رَهْنا
ولو كنتَ تُفْدَى لافْتدَيتُكَ طائعاً / بماليَ لو أَجْدى ونَفْسيَ لو أَغْنى
ولكنْ حياتي بَعدَك اليومَ هكذا / حياةٌ لعمْري لا أُقيمُ لها وَزْنا
مَرقْتَ مُروقَ السَّهْمِ منّي مُودِّعاً / على حينَ ظَهري كالحنيّة إذْ تُحنى
وليس سوى التَّسليمِ للهِ وَحْدَه / وإنْ عَزَّ منهُ كلَّ صَعبٍ وإنْ عنّى
صَبرتُ ولم أُصبرْ عزاءً وإنّما / رأيتُ سبيلَ الصَّبرِ نحوك لي أدْنى
عسى الصَّبرُ أن يَجْزي لدى اللهِ زُلْفةً / بِذاك فيَقْضي في جِوارِك لي سُكْنى
بقُربِكَ في الدُّنيا مُنيتُ وإنّني / بقُربك في الأُخرى لأحذَرُ أَن أُمنى
عليك سَلامُ اللهِ يا خيرَ رائدٍ / ولازلتَ من مَثواك في روضةٍ غنّا
ولازال يَسْقي ما حلَلْتَ من الثَّرى / قِطارُ الغَمام الغُرِّ هاتِنةً هَتْنا
فواللهِ لا أنساكَ ما هَبّتِ الصَّبا / وما ناح في الأيكِ الحمامُ وما غَنّى
غدا سَمُراً في الأرضِ عُظْمُ رزيئتي / بما وعَدَ الإقبالُ فيك وما منّي
فكُلُّ امرئٍ قد كان باسْمِكَ سامعاً / يُرَقْرِقُ لي دمعاً على الخدِّ مُسْتّنّا
إذا الرَّكْبُ في البيداء أَجرَوْا حديثَنا / أقاموا فَردُّوا العيسَ وانتظروا السُّفنا
أحِنُّ إلى الكأسِ الَّتي قد شَرِبْتَها / ومثْلي ولم يُظْلَمْ إلى مثلها حَنّا
فإنْ تك قد أَسأرْتَ في الكأسِ فَضْلةً / فهاتِ تكُنْ عندي هيَ المَشْرَبَ الأهْنى
فواللهِ لم أسمَحْ بشَخْصِك للرَّدى / ولكنّني استَوْدَعتُه في الثرى ضَنّا
كَنزْتُك في بَطْنِ التُّرابِ نفاسةً / وأعززْ به كنزاً لآخِرتي يُقْنى
وشِمتُك لي سَيفاً ولو كنتُ قادراً / لكان مكان التُّرب جَفْني لك الجَفنا
وقد كنتَ لي عَضْباً حُساماً فلم تَزلْ / تُوشّحُ لي صَدْراً من العزِّ أَو ضِبْنا
فتُصِبحُ لي طَوراً يداكَ حَمائلاً / وآونةً يُضْحي مناطُكَ لي حِضْنا
ولكنْ أَمامي كان يومَ مَخافةٍ / إذا ما دَنا طارَ الفؤادُ له جُبْنا
فصُنْتُك في الغِمْدِ ارْتقابَ وُرودِه / لعلَّك ذاك اليومَ تُصبحُ لي حِصْنا
فيا فُرُطي والوِرْدُ وِرْدُ مَنيّةٍ / تنظَّرْ قليلاً فالمسافةُ تُستَدْنى
أليس عُقوقاً منك أن قد سبَقْتَني / إلى غايةٍ كُنّا إليها تَسابَقْنا
فسِرْتَ أمامي بعدَ أن كنتَ واطِئاً / على أثَري من طاعةٍ حَيثُما سِرْنا
كأنّك لمّا خِفْتَ عُظْمَ جرائمي / تَقدَّمتَ تَبغي في الشَّفاعة لي إذْنا
فبيَّتَنا صَرْفُ المنايا بجُنْدِه / إذا نحن بِتْنا مِلْءَ أعيُنِنا أَمْنا
هو الموتُ لا يُغْضي حياءً ولا يَقي / ولا يُطلقُ الأسرى فداءً ولا مَنّا
ولا هو في ابنٍ إن سَطا يَتَّقى أباً / ولا في أبٍ يرعَى فيَصفَحُ عَن أَبْنا
ولو كان يَستثني الرَّدى ابنَ كريمةٍ / لقد كان قِدْماً لابْنِ ماريةَ اسْتَثْنى
سليلٌ لخيرِ الخَلْقِ إذ حان يَومُه / تَخطَّفَهُ رَيْبُ المَنونِ وما اسْتأْنى
وقد سَنّ من إرسالِ دَمْعٍ لأجله / وإرْسالُ قَولٍ يُسخِطُ الرَّبَّ ما سَنّا
فيا أسفي حُزْناً غداةَ غدَوْا لكَيْ / يُغيَّبَ عن عَينيْ ويا يُوسُفي حُسْنا
عزَزْتَ فلمّا لم تكنْ لك إخْوةٌ / أحلَّك بطْنَ الأرضِ ذو نَسَبٍ أدْنى
أبوكَ الَّذي ألقاك في الجُبّ راغماً / فأَخلِقْ بعَيْنَيْهِ أن ابيضَّتا حُزْنا
سَيُكرِمُ مَثْواكَ العزيزُ فإن تكُنْ / لديهِ مكيناً يومَ ذلك فاذْكُرْنا
وقُلْ لي أبٌ شَيخٌ كبيرٌ فَجَعْتُه / فأحسِنْ بعَفْوٍ عنه يا مُوليَ الحُسْنى
عسى أن يكونَ اللهُ ساقَ التقاءنا / إلى المُلْتقَى الأعلَى من المُلْتقَى الأدنى
وهل نحنُ إلاّ رُفقةٌ قد تَسايَرتْ / إلى مَنْزلٍ دانٍ كأنْ قد تَلاحَقْنا
وما بَيْننا إلاّ خُطاً قد تَقاربَت / تَقدَّمْنَ حتّى نَلْتَقي أو تأَخَّرْنا
وما الأرضُ إلاّ كالكتابِ يَخُطُّنا / بها اللهُ خَطّاً يَملأُ الظَّهْرَ والبَطنا
لها يومَ نَشْرٍ فيه يُظْهِرُ للورَى / خفايا من الأسرارِ كُنَّ لها ضِمْنا
فيا راقداً قد خاط عينَيْهِ غَفلةٌ / تأهّبْ فإنّ الحيَّ قد قَدَّموا الظُّعْنا
ويا نَفسُ صَبراً إن خطَتْ قَدمُ الرَّدى / إلينا على حال فكم قد تَخَطّتْنا
فُنونٌ لذي الأيّامِ أثوابُ مَرّها / إذا أخلقَتْ فينا أجدَّتْ لها فَنّا
ومَنْ يَمتطي شُهْبَ الزَّمان ودُهْمَهُ / فلابُدَّ من أنْ يَسلُكَ السَّهْل والحَزْنا
وديعةُ ربٍّ كان ثُمَّ استَردَّها / فكم ذا أقولُ الدَّهرُ أعطَى وما هَنّا
وما ساءني مِن أخْذِه وعطائهِ / وما بَيْنَ أن أفنَى حميداً وأن أَقْنى
سوى أنّ مَن يُودِعْ نفيساً ويَرتَجعْ / سريعاً فمِنْ ظَنٍّ به سَيءٍ ظَنّا
أجَلْ لم أكنْ فيه أميناً ولا بهِ / قَميناً وقد سَنَّ له اللهُ ما سَنّا
ولكنّني أرجو على ذاكَ نظرةً / بعَيْن رضاً للهِ منْ نالَها استَغْنى
وإنّي لأستَحيْي منَ الله أن أُرَى / مُشيناً له فِعلاً مُسيئاً به ظَنّا
وأنْ أتلقَّى محنةً ثمّ منحةً / فأضعُفَ عن حَمْلي لكليتهما مَتْنا
قضَى ما قضَى من تَرحةٍ بعدَ فَرحةٍ / فلا الشّكْرَ أكمَلْنا ولا الصّبْرَ أجمَلْنا
وما ذاك عَن جَهْلٍ بنا غَيرَ أنّنا / عَلِمْنا ولم نَعْمَل فيا ربَّنا ارحَمْنا
يا خائضاً في الأمرِ وهْو يُحبُّ أن
يا خائضاً في الأمرِ وهْو يُحبُّ أن / تَغدو له عُقْباهُ نَصْبَ العَينِ
اقْرِنْ برأيكَ رأْيَ غيرِك واسْتشرْ / فالحقُّ لا يَخفَى على رَأيَيْن
فالمرءُ مِرآةٌ تُريهِ وجْهَه / ويَرى قَفاهُ بجَمْعِ مرآتَيْن
يا قلبُ تَخلَّ من هُموم وشُجونْ / بادر فُرَصَ الزّمانِ من قَبْلِ يَخونْ
لا تأْسَ فإنَّ حَمْلكَ الهمَّ جُنون / ما قُدّر أن يكونَ لابدَّ يكون
حَسّن الهَجْرَ مع القُرْبِ لعَيْني
حَسّن الهَجْرَ مع القُرْبِ لعَيْني / أنّنا لا نلتقي إلا بَبيْنِ
وَدَّعونا وفؤادي مَعهمْ / يا سقَى اللهُ عهودَ الظْاعنَيْن
واستَرابَتْ ببُكاها مُقلتي / كان مِن شَأْنَين أو من وَدَجَيْن
كُلُّ حَربٍ سَمِعوا يوماً بها / أوقَعوها بين أيّامي وبَيْني
والعيونُ العامريّاتُ إذا / فتكَتْ أنستْكَ فَتْكَ العامِرَيْن
بسهامٍ ما بَراها صَنَعٌ / وسُيوفٍ ما جلَتْها يَدُ قَيْن
منَ عَذيري مِن تَمادي حُرَقي / وتَوالي قَطَراتِ الدَّمْعَتَيْن
لي هوىً يُبْلي ولي دمعٌ يَشي / أىُّ أسراريَ تَخْفَى بينَ ذَيْن
ما على العاشقِ من عَتْبٍ إذا / خُزنَت أسرارُهمْ في المَدمَعيْن
هُمْ سَبَوا قلبيَ حتّى لم أجِدْ / مَوضعاً فيَّ لسرّي غيرَ عَيْني
أيّها الرَّكبُ بشَرقيّ الحِمى / هل لكمْ عِلْمٌ بأهلِ العَلمَيْن
ظَعنوا في أيّ واديّ الكُوَى / وحدا بالقلبِ أىُّ الحاديَيْن
يَملأ لِبيدَ بأشياخهمْ / كُلُّ عيديٍّ نَجيبٍ وعُصَيْني
ويُغيبُ الشّمسَ في نَقعهمْ / مَرَحُ الخيلِ وتَجريرُ الرُّدَيْني
وعلى أكوارِهمْ من وَجْرة / سُدُمُ الآرامِ تَنْحو رامَتَيْن
فيهمُ مَنْ عَلِقَ القلبُ به / وأطالَ الوجدَ غيْظُ اللاّئمَيْن
والقنا يَسْعَى حَوالَيْ خِدْرِه / دَورةَ الهُدْبِ على إنسانِ عَيْن
أسلَم الصَبَّ إلى حَرٍّ الجوَى / وإلى القَطْرِ بقايا الدِّمنتَيْن
لا تَظنُّوا أنّ سَجعاً شاقَني / أنا أطربتُ حَمامَ الواديَيْن
أنا علَّمتُ الشّتا حينَ بكَى / دَمعَهُ يَرقُمُ رَسْمَ الرَّقمتَيْن
لك أن تُخلِفَ ميعادَ الحَيا / أيّها البرقُ ولا بالرَّقمتَيْن
فسقاها غيرَ ماحِ رسْمها / دانيَ الهَيْدَبِ نائي الحَجْرتَين
واقفاً يبكي على آثارهم / وِقفةَ العاشقِ بَيْنَ العاذِلَين
يَسبِقُ الرَّعدَ ببَرقٍ مثْلَما / يَبْدُر الزَّجْرُ بلَمْعِ الحاجبَيْن
لستَ يا غَيثُ وإنْ روَّيتَها / مثْلَ زينِ المُلكِ في جودِ اليَدين
ومتى تَتْركُ أن تُشبهَهُ / فامْطِرِ الأرضَ بِتبْرٍ أو لُجَين
ماجدٌ كلتا يدَيْه في النَّدى / رِفدُها يخجِلُ رِفْدَ الرّافدَين
هو مَعْنَى العَدْلِ جوداً لا هوى / وهْو زينَ المُلك صدْقاً غيرَ مَيْن
زانَه حين دعاه زَينه / ولقد يدعَى بزَينٍ غيرَ زَين
يَحمِلُ الوَفْدَ إلى أبوابهِ / كُلُّ مُرتاحِ مَجالِ النّسعَتين
كَسبوا بينَ الأيادي بالسُّرى / والمطايا كَسْبُهمْ رُوحاً بأَيْن
صائبُ الرّأيِ بَعيدُ المُنتهَى / طاهُرُ العِرْضِ حَميدُ الشيمتَين
حَسَن أحسنُ ما في حُسنه / خُلُقٌ يَعدِلُ سَمتَ الحَنّين
لو رأينا مِثْلَه في عَصْرِه / لرأينا في المنامِ القَمَرين
وإذا هَزَّ لخَطْبٍ قَلماً / ناب عن كُلِّ رقيقِ الشَّفْرتَين
وإذا أعملَ حَدَّيْ رأيه / في عَدُوٍّ كان أمضَى المُرهَفيْن
جُمع الجَدُّ معَ الجِّدِ له / لا يزالا عندهُ مُجتَمِعَين
وتَناهَى العلْمُ والجودُ به / فتَواردْنا لبَحْرٍ لُجَّتَيْن
أسرَع الصّومُ إلى ساحتِه / باسمَ الثّغْرِ صَدوقَ البُشْرَييْن
فَلْيصُمْ أمثالُه في نِعمةٍ / وعُلاَ تَبقَى بقاءَ الرّافدَين
يا مُقيمَ المجدِ في أعلَى السُّها / ومُطارَ الذِّكْرِ بينَ الخافقَين
هاكَها مصقولةً لو جُسِّمَتْ / قُرِّطَ السّامعُ منها دُرَّتَيْن
مَأْخَذُ الشِّعْرِ قَريبٌ أَمَمٌ / فإذا شئْتُ يفوقُ الفرقَديْن
فابْقَ في عزِّ عُلاً لا يَنقضي / عَهدُه قبلَ مآب القارِظَين
تَقتفي كُلَّ وليٍّ بغِنَى / وإلى كُلِّ أخي ضِغْنٍ بحَين
فإذا غَيَّر حالاتِ الورَى / كان كالدَّهرِ مُقيمَ الحالتَين
أهواكُمُ وخيالُكمْ يَهْواني
أهواكُمُ وخيالُكمْ يَهْواني / فلقد شَجاهُ فراقُكم وشَجاني
أُضحي أخا سفَرٍ فما ألقاكُمُ / وأبيتُ ذاَ سهَرٍ فما يَلْقاني
ما زلْتُ أحكي في النُّحولِ مِثالَه / حتّى تَناهَى السُّقْمُ بي فَحكاني
فتركْتُ طَيفَكُمُ وقد أفناهُ هِجْ / راني كما هِجرانُكمْ أفناني
ما كان يَدْري ما الحَنينُ مَطيُّنا / حتّى مرَرنَ بأبرَقِ الحَنّان
لمّا أمَلْتُ زمامَ نِضْويَ نَحوَهُ / لأُجيلَ طَرفيَ في رُسومِ مَغان
جَعلَتْ تُناحِلُني الرُّسومُ لَوائحاً / والدّهرُ أبلاها كما أبلاني
ما كان آهِلَها عَشِيّةَ زُرتُها / إلا مَكانُ مَطِيّتي ومكاني
فلو استَمعْتَ إليّ في عَرَصاتِهّا / لعجِبْتَ كيف تَخاطَب الطّلَلان
وسألْتُها أينَ الَّذينَ عَهِدْتُهمْ / ليُجيبَ أو ليُبِينَ بعْضَ بَيان
فثَنى الصَّدى قَوْلي إليَّ بحَرِّها / وبمِثْلِ ما ناجَيْتُه ناجاني
صَدقَ الصّدى أنا والدّيارُ جَهالةً / بالحيِّ مُذْ شَطَّ النَّوى سِيّان
إنّ الذينَ عُهودُهمْ كعُيونِهمْ / عندَ اللّقاء ضعيفةُ الأركان
جَعلوا وما عدَلوا غداةَ تَحكَّموا / دَمْعي الطّليقَ لهمْ وقَلبي العاني
قلبٌ أدار عليهِ طَرْفُكَ كأْسَه / كم جارَ من ساقٍ على نَدْمان
وأنا الفِداءُ لشادنٍ لاحَظْتُه / فسبَى الفؤادَ بناظرٍ فَتّان
قد قلتُ حينَ نظَرتُ فَرْطَ تَعجُّبٍ / وعليه لمّا أن بدا قُرطان
لِمْ نَكَّسوا القُرطينِ لمّا عاقَبوا / في جيدِه والسّاحرُ العَيْنان
بجِوارِ جائرتَيْنِ قد عَلِقا معاً / فهُما بما جنَتاهُ مُرتَهِنان
ما كان أوّلَ سَطوةٍ من ظالمٍ / أخذَ البَريءُ بها فلَجَّ الجاني
والدّهرُ قد يَجْلو عَجائبَ صَرْفِه / حتّى أكونَ مُكذّبِاً لعِياني
ياجَيُّ جئْتُكِ زائراّ وأنا امرؤٌ / ناء عنِ الأوطارِ والأوطان
فقَرَيْتني هَمّاً جُعِلْتُ له قِرًى / إنّ الغريبَ لأُكْلَةُ الأحزان
ضَيفاً إذا اختارَ النُّزولَ بساحتي / كانتْ ملاءُ جِفانِه أجفاني
وإذا سَرَى لم تَهْدِه مَشبوبَةٌ / باللّيلِ إلاّ ما يُجِنُّ جِناني
عافَ السَّديفَ وقد ألمَّ بسُدْفةٍ / فأرادني وأذابَني وغَذاني
وكذا الأكارمُ لو قَرَوْا بلُحومِهمْ / لم يَحْسِبوا مَنناً على الضّيِفان
هل في معاهدِ أصفهانَ وحُسنها / مُتعلَّلٌ لنزيعِ خُوزِسْتان
فَتَق الرّبيعُ بها الكَمائمَ كلَّها / فتَبسّمتْ للنّاسِ عن ألوان
إلاّ فؤادي فالهمومُ تَضُمُّه / عن أن يُطالِعَ منه بِيضَ أمان
أمّا الرّياضُ فقد بدَتْ كمجَالسٍ / مَنْضودةٍ والوُرْقُ فُصْحُ قِيان
والرِّيحُ مثْلُ الرّاحِ بُوكرَ شُرْبُها / والغُصْنُ فيه تَميُّلُ النَّشْوان
وإذا الحَمامُ غدا وراحَ مُكَرِّراً / في الأيك ما يَختارُ من ألحان
فتَرى بنا ما بالغُصونِ إذا شَدَتْ / من شِدّةِ البُرَحاء والأشْجان
تتَشبَّهُ الأغصانُ بالأعطافِ إنْ / غَنّيْنَ والأعطافُ بالأغصان
ما للنّسيمِ ونَى وليس هُبوبُه / في سُحْرةٍ عن أن يَشوقَ بِوان
أعطَى القَنا أيدي الرِّياضِ تَهُزُّها / وكسا الدُّروعَ مَناكبَ الغُدْران
وكأنّه يومَ الهِياجِ مُحَرِّشٌ / يَسعَى لكي يَتصادم الزَّحْفان
وكأنّما بَعثَ البِحارُ إلى الرُبَا / بِيَدِ السَّحابِ وَدائعَ المَرْجان
وحكَى أقاحيها سقيطَ دراهمٍ / وحكَى دنانيراً جنَى الحَوْذان
وشقائقُ النُّعمان تَحكي بَيْنَها / بكمالِ بَهْجتِها خُدودَ حِسان
هيَ للخدودِ النّاعماتِ نَسيبةٌ / شَبَهاً فلِمْ نُسِبَتْ إلى النُّعْمان
وكأنّ كُلَّ شَقيقةٍ مكْحولةٍ / شَرِقَتْ مَحاجِرُها بأحمرَ قان
عَينٌ لإنسانٍ وقد مُلئتْ دَماً / منه فما يَبدو سوى الإنْسان
يَبكى بها شاني الأميرِ مُحمَّدٍ / كَسَداً فتَترُكُه قَريحَ الشّان
والفَضلُ إن يكُ رَوضةً فشَقيقُها / تَحديقُ عَيْنِ الحاسدِ اللَّهفان
لأبي عليٍّ في العلاء ثَنِيّةٌ / لا يَستطيعُ طُلوعَها القَمَران
طلَع الأميرُ مُحمَّدُ بْنُ مُحّمدٍ / شَمْساً لأُفْقِ العَدْلِ والإحْسان
شَرَفٌ لدينِ اللهِ سَمّاهُ الهُدى / وحُلَى الأسامي للرِّجالِ مَعان
لمّا نَمتْه منَ الملوكِ عِصابَةٌ / للدّينِ كانوا أشْرفَ الأعوان
أبناءُ أوّلِ مَعشرٍ لسيوفهم / في الدّهرِ ذَلَّ الكُفْرُ للإيمان
لاثُوا العمائمَ سُؤْدَداً وتَعوَّدوا / بالبِيضِ ضَرْبَ مَعاقدِ التِّيجان
وبِهمْ نَبيُّ اللهِ باهَى عِزّةً / مَن كان مِن عَدْنانَ أو قَحْطان
في يومِ ذي قارٍ غداةَ سُيوفُهمْ / نيرانُ أهْلِ عبادةِ النِّيران
كانتْ كذلك جاهليّةُ مُلكِهمْ / والدَّهرُ إن نظرَ الفتى يَوْمان
وحمَوْا حِمَى الإسلامِ لمّا أنْ بدَتْ / للخُرَّميّةِ ضَربةٌ بجِران
وسعَى أبو دُلَفٍ إلى عَلْياءَ لم / يَدْلِفْ إليها بامْرئٍ قَدَمان
في عُصبةٍ مُضَرِيَّةٍ لكنّهمْ / قد أصحَبوا الأيمانَ كلَّ يَمان
وكتيبةٍ تَطِسُ الحصَى مَلْمومةٍ / تُعْشى إياةَ الشّمسِ بالومَضان
في حيثُ ليس يَهيجُ أطْرابَ الرَّدى / إلا حَنينُ عطائفِ الشِّربان
والخيلُ كالعِقْبانِ تَقْتحمُ الوغَى / فالقْومُ تحتَ قَوادمِ العقْبان
والطّعْنُ يَحْفِر في الكُلَى قُلُباً لها / سُمُرُ القَناَ بَدَلٌ منَ الأشطان
وعلى مُتونِ الخيلِ أحْلاسٌ لها / من كُلُّ مِطْعامِ النَّدى مِطْعان
كُلُّ ابنِ مُنْجِبةٍ بصَدْرِ جَوادِه / في الرَّوْعِ يَغْشَى حَدَّ كُلِ سِنان
ما كان يُرضِعُه لَبانَ حِصانه / لو كان لم يَرضَعْ لِبانَ حَصان
بك يا جمالَ المُلْكِ أضْحَى يَزْدهي / رَأْيُ الوزيرِ ورايةُ السُّلْطان
بأغرَّ يغدو حِلْيةً لزمانِه / وجُدودُه كانوا حُلَى الأزمان
ومُقابَلُ الأطرافِ مُشْتَهِرُ العُلا / والبَيتُ للزُّوَارِ ذو أركان
أمّا العُمومةُ فهْيَ قد فَرعَت به / عَلياءَ يَقْصُرُ دونَها النَّسران
وإذا التفَتَّ إلى الخُؤولة لم تَخَلْ / أحداً يُقارِبُ مَجدَه ويُدانى
عُلْيا بني إسحاقَ فيه إذا انْتَمى / قد سانَدتْ عُلْيا بني شَيْبان
وإذا سألتَ عنِ المكارمِ والعُلا / فلأولٍ من قاسِمَيْهِ وثان
وهما اللّذانِ من سالفَيْ عصرَيهما / رفَعا منارَ المجدِ والدّيوان
فالمجدُ أعشارٌ إذا قَسّمْتَه / والقاسمانِ له هما السَّهْمان
هل كان في الوزراء إلاّ قاسمٌ / ولقد يُزادُ الحَقُّ فَضْلَ بيان
مَن كان خُصَّ بلَثْمِ خَمْسٍ منهمُ / مع ضَربِ خَمسٍ عندَ كُلِّ أذان
أو كالنظامِ وهل جَوادٌ مثْلُه / في الدَّهرِ عمَّ الأرضَ فضْلَ بنان
يُعطي العطايا الباقياتِ وقد مضَى / وعَطاهُ كُلَّ مِن سِواهُ فان
فهما كبيراكَ اللّذانِ كأنّما / كانا بمجدِكَ للورَى يَعِدان
ويكون مثُلك أنت واسطةً إذا / ما كان مثْلَ أولئكَ الطَّرَفان
أمَناطَ آمال تَعُدُّك عُدّةً / للحُرِّ عند طَوارقِ الحَدَثان
وكأنّ نُورَ جَبينِه لعُيونِنا / كَرماً مَخيلةُ عارضٍ هَتّان
نُطْقٌ تظَلُّ الغُرُّ من كَلماتِه / وكأنّها الأقراطُ في الآذان
كَلِفٌ بدُرِّ القولِ مِن مُدَّاحه / يَشْريهِ بالغالي منَ الأثمان
فَضْلاً وإفْضالاً وما جمَع الفَتى / للفَخْرِ مثْلَ العُرْفِ والعِرْفان
وكأنّ أطرافَ اليراعِ تَهزُّها / للخَطْبِ أطرافُ القنا المُتَداني
تتأرَّجُ البَيداءُ من أخبارِهِ / وتضوعُ ساعة مُلْتقَى الرُّكْبان
مِن كُلِّ مَشْبوبِ العزيمة نَحْوَه / مُوفٍ على شَدَنيّةٍ مِذْعان
وَجْناءَ حَرْفٍ ما يزالُ يَمُدُّها / أو يُبدِلَ التّحْريكَ بالإسكان
مُتواضِعٌ للزّائِرينَ ومَجْدُه / مِن رِفعةٍ مُوفٍ على كِيوان
نفَسْي فِداؤك يا مُحمّدٌ من فتىً / راجيه لا يُرمَى بهِ الرَّجَوان
وإذا دَعَوْتُ إلى المُهمِّ أجابنَي / فكَفاهُ لا وانٍ ولا مُتَوان
أولَيتُه وُدّاً وأولاني يَداً / والمجدُ أجمَعُ بَعْضُ ما أَولاني
وأزَرتُه مِدَحي وحاشَ لهِمَّتي / مِنْ أن أُحِلَّ الفضلَ دارَ هَوان
ولئنْ غدَتْ أيّامُ إلْمامي بهِ / مِمّا قَلَلْنَ كقَبسَةِ العَجْلان
فأنا الّذي أُثني على عَلْيائهِ / كثناء حَسّانٍ على غَسّان
إن لم تكُنْ قَدَمي تؤُمُّ فِناءهُ / فلقد جرَى قَلَمي ونابَ لِساني
إذا الحَمامُ على الأغصانِ غنّانا
إذا الحَمامُ على الأغصانِ غنّانا / في الصُّبحِ هيَّج للمشتاقِ أحزانا
وُرْقٌ يُردِّدْنَ لحْناً واحداً أبداً / من الغِناء ولا يُحْسِنَّ ألحانا
ذَكَّرْنَنا زَمناً عِشْنا ذوي طَرَبٍ / لذِكْرهِ بعدَ أن قد مَرّ أزمانا
ظُلْمٌ من الإلَفِ يَنسانا ونَذْكُرُه / حتّامَ نَذكُر إلفاً وهْو يَنْسانا
قُلْ للبخيلةِ أن تُهدي على عَجَلٍ / تَسليمةً حينَ نلقاها وتَلْقانا
ماذا عليكِ وقد أصبحتِ مالكةً / أن تُخْرِجي من زكاةِ الحُسنِ إحسانا
إن كنتِ عازمةً للوصْلِ فاغْتَنمي / مادام جارَيْنِ بالخَلْصاء حَيّانا
فقد رمَى العِيسُ بالأبصارِ خاشعةً / ومَدَّتِ الخيّلُ للتَّرحالِ آذانا
للّهِ مَوْقفُنا والحَيُّ قد غَفَلوا / عنّا عشيّةَ حَلُّوا بَطْنَ نَعْمانا
لمّا استَرقْنا منَ الغَيرانِ لَيلَتنا / وبات كلٌ بمَنْ يَهْواهُ جَذْلانا
قالوا الرَّحيلُ غداً والصُّبْحُ مُقْتَربٌ / فقلتُ للَّيلِ أخْرِجْ طُولَكَ الآنا
طُلْ مَرّةً لي ودارُ الحَيّ دانيةٌ / منّي كما طُلْتَ لي في البُعْدِ أحيانا
كم من فؤادٍ غداةَ الجِزْعِ ذي جَزَعٍ / هاجَتْ له الجِيرةُ الغادونَ أشجانا
أستودعُ اللهَ قوماً كيف أبعدَنا / تَقلُّبُ الدّهرِ منهمْ حينَ أدنانا
زَمّوا الغداةَ مطاياهُمْ لفُرقَتنا / لمّا أَنَخْنا لِلُقياهمْ مَطايانا
لم تَشْتَبِكْ بعدُ أطنابُ الخيامِ لنا / ولا المنازلُ ضَمّتْهم وإيّانا
لكنّهمْ عاجَلونا بالنَّوى ومَضَوا / وخَلَّفوا الطَّرِبَ المشتاقَ حَيْرانا
يُمناهُ بعدُ منَ التَّسليمِ ما فرغَتْ / إذ مَدَّ يُسراهُ للتَّوديعِ عَجْلانا
لم يَملأِ العَيْنَ من أحبابِه نظَراً / إذ غادرَ الدَّمعُ منه الجَفْنَ مَلآنا
جيرانُنا رحَلوا واللهُ جارُهمُ / مُستَبدِلينَ بحُكْمِ الدَّهرِ جِيرانا
وإنْ نَسِرْ فدَواعي الشَّوقِ تَأْمُرُنا / وإن نُقِمْ فعَوادي الدَّهرِ تَنْهانا
لو قَدْ قَدرْنا لسايَرْنا رِكابَكُمُ / لو أمكنَ السَّيرُ بالأبصارِ إمكانا
يا مَنْ غدا مُبدِياً شَكْوَى أحبَّته / لمّا رأَى حيثُ يُرجَى الوَصْلُ هِجْرانا
ما إنْ أرى سُحْبَ هذا الدَّمعِ مُقْلعةً / حتّى تُغادِرَ في خَدَّيكَ غُدْرانا
إنْ أبعدَ الدَّهرُ مَأْوانا وساكنَه / فقد جعَلْنا ظُهورَ العيسِ مَأوانا
وما قضَى قَطُّ أوطارَ العلا رَجُلٌ / لم يَتَّخِذْ شُعَبَ الأكوارِ أوطانا
ما زِلتُ أُعملُ في البَيداءِ يَعْمَلةً / رَوْعاءَ تَحمِلُ في الآفاقِ رَوْعانا
حَرْفاً أُصَرِّفُها حَلاّ ومُرتَحَلاً / تَصرُّفَ الحَرْفِ تَحْريكاً وإمكانا
في مَهْمَهٍ ما بهِ إلا تَنَسُّمُنا / أخبارَ أرضٍ إذا رَكْبٌ تَلَقّانا
أقولُ للنِّضْوِ إذ جَدَّ النَّجاءُ بنا / والخَوفُ يُلحِقُ أُولانا بأُخْرانا
أعِنْ بسَيْرٍ إلى المَولَى المُعينِ لنا / إن كنتَ تَبْغي على الأيّامِ أعوانا
وَرِدْهُ يا طالبَ الإحسانِ بَحْرَ ندّى / تَعشْ بجُودِ يَديْهِ الدَّهْرَ رَيَانا
ذو همّةٍ في سَماءِ المجدِ عالية / تَعُمُّ جَدْواه أدْنانا وأقْصانا
مَوْلىً متى تدعه المَولَى مُخاطبةً / تَجِدْ عُلاه على ما قلتُ بُرْهانا
الدّهرُ وهْو أبونا عَبْدُه عِظَماً / فما عدا الصِّدْقَ مَنْ سَمّاهُ مَولانا
مَلْكٌ إذا نحن جِئْنا زائرينَ له / بِبِشْرِه مُوِسعٌ بالخيرِ بُشْرانا
كالمُشتري لعَطاء السَّعْدِ غرَّتَه / وإنْ تَجاوَزَ في العَلْياءِ كيوانا
تَخالُه الشّمسَ وجهاً والسّماءَ ندىً / والغَيثَ عندَ الرِّضا واللَّيثَ غَضْبانا
يُريكَ فَضْلاً وإفضالاً وأيُّ فتىً / يَرَى الورَى عندَهُ عُرْفاً وعِرْفانا
في كفِّهِ قَلمٌ بالرُّمْحِ تُشْبِهُه / إذا غدا في صُدورِ الخَيلِ طَعّانا
تَعلو قناكَ نُسورُ الجَوِّ آلفةً / إلْفَ الحَمامِ علَتْ للأيكِ أغصانا
حيثُ الغبارُ يَسُدُّ الجَوَّ ساطِعُه / والخيلُ تَحمِلُ للأقرانِ أقرانا
والطّعنُ يَحفِرُ في لَبّاتِها قُلُباً / تَظَلُّ فيها رِماح القومِ أشطانا
غُرٌّ تَظلُّ تَبارَى في أعنَّتِها / تَحمِلْنَ أغلِمةً في الرَّوْعِ غُرّانا
تَفُلُّ كُتْبُك إنِ سارَتْ كَتائبَهمْ / إذا العِدا عايَنوا منْهنّ عُنْوانا
يداكَ هذي لأموالِ الملوكِ حِمىً / وهذهِ أبداً تُسْني عَطايانا
مالاً منَعْتَ وأموالاً بذلْتَ لنا / يا أشكَر النّاسِ سُؤّلاً وسُلْطانا
يَفْديك قومٌ كآلِ القاعِ إنْ خُبِروا / تَشابَهوا للورَى فَقْداً ووِجْدانا
لا يَسمعون ولا همْ يُبصِرونَ معاً / كأنّما خُلِقوا للخَلْقِ أوثانا
خلالكِ الجَوُّ يا خَيلَ النَّدى فخُذي / في صَيْدِكِ الشُّكْرَ أَيساراً وأيمانا
قد كان طُلاّبُه كُثْراً فقد تَركوا / منهم لكِ اليومَ ظَهْرَ الأرضِ عُرْيانا
فما سِوَى أحمدَ بْنِ الفَضْلِ ذو كرمٍ / تَغْدو مَواهبهُ للحَمْدِ أثمانا
لا تَلْتَبسِ أن يُريكَ الدَّهْرُ ثانيَه / كَفى بهِ أن تَضُمَّ العَيْنُ إنسانا
ما فيكَ يا دَهْرُ إلاّ واحدٌ فَطِنٌ / وواحدٌ فَطِنٌ يكْفي إذا كانا
ما ضَرَّنا أنّه فَرْدٌ بلا مَثَلٍ / وأنّه عَمّنا رِفْداً وأغْنانا
إنِ اغتدَى واحداً فالشّمسُ واحدةٌ / وضَوؤها ملْءَ وجْهِ الأرضِ يَغْشانا
فزِدْ نَزِدْكَ ثناءً لا انْقضاءَ له / كالمِسْكِ تَلْقَى بهِ الرُّكْبانُ رُكبانا
لولاكَ لم يَبْقَ رَسْمُ الجودِ في زَمَنٍ / ما كان يُوجَدُ فيه الحمدُ لَولانا
حكَيتَ أحمدَ في نَصْرٍ لنا كَرماً / ففي مَديحِك دَعْني أحكِ حَسّانا
ولم يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ
ولم يَكُ فِيَّ مِنْ عَيْبٍ / أُعابُ بهِ فَيَنقُصَني
فإنّي قد صَحِبْتُ النّا / سَ فيما مَرَّ من زَمني
فلم أحسُدْ أخا نِعَم / ولم أشْمَتْ بمُمْتَحَن
لذاكَ اللهُ يَرعاني / ويَكْفيني ويَحْرُسُني
سبَى منّي الفؤادَ لحاظُ فاتِنْ
سبَى منّي الفؤادَ لحاظُ فاتِنْ / وعَذَّبني فِراق أغَرَّ شادنْ
وعَوَّضني خيالاً منه طَرْفي / وما أرضَى به عِوَضاً ولكِن
ألا يا حَبّذا بُرْجُ اغْتِماضٍ / لطَيْفي طَيْفُكمْ فيه يُقارِن
وعَيْنٌ عندَها في كُلِّ مُمْسىً / مُقيمٌ لا يَزالُ خَيالُ ظاعن
وعَيْبُ الطّيفِ أَنَّ الوَصْلَ منه / لظاهرِه منَ الهِجْرانِ باطن
وآخِرُ عَهْدِهمْ يومَ اسْتَشاروا / جُيوشَ الحُسْنِ فيه منَ المَكامن
غداةَ غدَوا يَزُمّونَ المَطايا / وقد هَمَّ الخليطُ بأنْ يُباين
وفي أَحَدِ الهوادجِ بَدْرُ تمٍ / ففي أَنوارِه تَسْري الظَّعائن
يَبيتُ كأنّه وكأنَّ عِيساً / تَعومُ برَكبها عَوْمَ السَّفائن
شَقيقٌ لابنِ يامينَ استقلَّتْ / بأُسرتهِ سَفينٌ لابْنِ يامِن
نظرتُ إلى الحُمولِ غداةَ سارَتْ / بطَرْفٍ غيرِ سافٍ وهْو سافن
وبيضُ الهِنْدِ من وَجْدي هَوازٍ / بإحدَى البيضِ من عُلْيا هَوازن
وقد عَرَض الرّماحَ على الهَوادي / لها فُرسانَ يَربوع ومازن
تَميمٌ خالُها والعَمُّ قَيْسٌ / فدونَ لقائها كلٌّ يُطاعن
تُطارُ لها الجَماجمُ كلَّ يَومٍ / وسُمْرُ الخَطِّ تُحطَمُ في الجَناجِن
وهذا الدَّهْرُ من أَعْدَى الأعادي / فما قَدْرُ المُعادي والمُضاغِن
إلامَ أَذودُ صادِيةَ الأماني / وماءُ مُهنَّدي في الغِمْدِ آجن
وقد نفَتِ الحِفاظَ رجالُ عَصْري / فَمرَّ كما نُفي الوَلَدُ المُلاعن
وكم حارَبْتُ سُلطانَ اللّيالي / فهاأنَذا أُسالمُ أَو أُهادِن
أَهُمُّ بمَطْلبي وأَرَى زماناً / أَنامِلُه بما أَبْغي ضَنائن
ولي أَبناءُ دَهْرٍ أَشْبَهوهُ / فكُلٌّ منهم كأبيهِ خائن
وقد حالوا عنِ المَعْهودِ طُرّاً / وَأَبْدَوْا عن ذَميماتِ الدَّفائن
فصَبْراً فالزَّمانُ كما تُعاني / وصَمْتاً فالأنامُ كما تُعايِن
وممّا شَفّني أَنْ مَرَّ عنّي / زمانُ صِباً وتلْكَ من الغَبائن
وظَنَّ الشّيْبُ أَنّ العَزْمَ وَاهٍ / إلى طَرَبٍ وأَنَّ العَظْمَ واهن
وفيَّ بَقيّةٌ بقيَتْ لوَجدٍ / ومَن يَصْحو معَ الحَدَقِ الفَواتن
فيا رشَأً تَعرَّضَ يومَ جَمْع / وولَّى والقلوبُ له رَهائن
ليَهْنكَ أَنْ سكنْتَ القلبَ منّي / وقَبلَك لم يكُنْ قلبي بساكن
وأَنّك لو أَجلْتَ الطّرفَ فيه / لَما صادفْتَ غيرَك فيه قاطن
وغيرُ وَلاءِ زَيْنِ الدينِ صدْقاً / فَداكَ به بدِينِ اللهِ دائن
إمامُ هُدّى لدِينِ اللهِ منه / على أَعدائه أَعلَى مَعاوِن
دَعُوهُ زَيْنَه فازدانَ معنىً / وكم يُدعَى بزَيْنٍ غَيرُ زائن
أَغرُّ من المكارمِ والمعالي / أَبوه أَحلَّه أَعلَى الأماكن
وصَفوةُ سُؤْدَدٍ خلَصتْ عُلاه / منَ الرِّيَبِ الشّوائبِ والشّوائن
له في الدّهرِ آثارٌ حسانٌ / إذا اخْتُبرَتْ وأخلاقٌ أحاسن
وحالٌ غيرُ حائلةٍ وطَبْعٌ / بلا طَبَعٍ وشأْنٌ غيرُ شائن
هُمامٌ ظَلَّ للإسلامِ تاجاً / فقَلَّ له المُوازي والمُوازن
ومَغْشيُّ الرِّواقِ لعُظْمِ قَدْرٍ / يَغَصُّ ذُراهُ بالخيلِ الصّوافن
مُذيلٌ مالَه حَزْماً ولكنْ / نَداهُ لدِينهِ والعِرْض صائن
إذا خُبئَتْ له الأموالُ يَوماً / فأيدي السائلين له المَخازن
فتىً يحبو ولكنْ لا يُحابي / إذا فصَلَ القضاءُ ولا يُداهن
ويأوي رُكْنُ دينِ اللهِ منه / إلى حَرَمٍ منَ الشُّبُهاتِ آمن
ألا يا أخطبَ الخُطباء طُرّاً / كما شَهِدَ المُصادِقُ والمُشاحن
وأعدلَ مَن قضَى في الدّهرِ يوماً / إذا أَضحَى يُلايِنُ أَو يُخاشن
لقد حُزْتَ المعاليَ والمعاني / وعُدَّ لك المَزايا والمَزاين
وأصبحتِ المَحاسنُ لِلآلى / لذاك كَنَوا أَباك أَبا المَحاسن
لِيَهْنِكَ أنّ خُوزِستانَ أَلْقَى / إلى يَدِكَ العِنانَ على المَيامن
فَثقِّفْ منه مُنْآدَ القضايا / وأبرِزْ أَخْزَميّاتِ الشّنائن
وكلُّ مُجازِفٍ من قَبلُ أَمسَى / وأَصبحَ وهْو بالقسطاسِ وازِن
كأنّ المجلسَ الرُّكنيَّ رامٍ / رمَى غرضَ العُلا وهْو المُراهن
فلم يَخْتَرْ سِواك إليه سَهْماً / وبينَ يدَيْهِ قد نُثرَ الكَنائن
أَنابَكَ عنه بدْراً وهْو شَمسٌ / فنُورُكما الّذي شَمَلَ المَدائن
ألا ففَداكما من كلِّ سَوءٍ / غداةَ عُلاكُما أركانُ كائن
ولا عَدتِ العِدا غِيَرُ اللّيالي / إذا زمَنٌ تحَرَّكَ منه ساكن
أيا مَن ما لفُلْكِ رَجاء قَومٍ / سِوى مأْلوفِ جُودِ يدَيْكَ شاحن
كما طَوَّقْتَني المِنَنَ البَوادي / لقد أَقْرَطْتُك الدُّرَر الثّمائن
ثَناءٌ تعبَقُ الآفاقُ منه / ولستُ لمَنْ شَرَى شُكْري بغابن
لغَيْرِكَ تَضْمَنُ الأموالُ غَيْري / ولكنّي بحُسْنِ الذَّكرِ ضامن
فما عُهِدَ المطامعُ قَطُّ فيكمْ / ولا فيمَنْ تُولّونَ المَطاعن
وما أَنا غيرَ عَضْبٍ تَنْتَضيه / على عُنُقِ العَدُوُّ لكَ المُباين
وكم من حائدٍ عنكمْ تَمادَتْ / غَوايتُه فأصبحَ وهْو حائن
مَرنْتُ على عَدُوِّكمُ إلى أنْ / قَدِمْتُ برَغْمِ هاتيكَ المَوارن
ولو أنّي قدَرْتُ لكان منّي / سِنانٌ في نُحورِ البيدِ طاعن
أَمامَ السّائرِين إليك شَوقاً / يُرقِّصُ كُلَّ مَلئِ النِّسْعِ بادن
ولكنْ هُمْ نَوَوْا لذُراكَ حَجّاً / وكانوا في القَصيِّ منَ المَواطن
فسرْتَ وأَنت بُغْيَتُهمْ إليهمْ / فقد حَجّوا وما بَرِحوا الأماكن
فها أنا في فنائكَ كُلَّ يَومٍ / أَروحُ بعُمْرةٍ للحجِّ قارِن
ولا أَرْضَى لتَهْنئتي نِثاراً / إذا عُدَّ الذي حَوتِ الخَزائن
سوى الدُّرِّ الّذي قَلَمي وفكْري / وأَلسنةُ الرُّواةِ لها مَعادن
ولي في الأرضِ غُرٌّ سائراتٌ / تَهاداها الأياسِرُ والأيامن
وما سَيّارةُ الأفْلاكِ إلاّ / حَواسِدُها المُسِرّاتُ الضَّغائن
وكانتْ سَبعةً من قَبْلِ عَصْري / فشِعْري راحَ وهْو لَهُنَّ ثامن
على أَنَّي وإنْ أَغرَبْتُ قَوْلاً / عليمٌ أنّني في الفعْلِ لاحن
كَبُرْتَ عنِ المديح فلا لِسانٌ / له إعْظامُ قَدْرِكَ غَيْر شاحن
فتَعليقُ المدائح من بليغٍ / عليك تَميمةٌ من عَيْنِ عائن
ستَملِكُ رِقَّ أهلِ الأرضِ طُرّاً / وهذا الشِّعْرُ للكُرَماء كاهن
وتَبْلو الخُوزَ مثْلَ الخُوزِ شَتىً / وكم ضَيْفٍ سيَتْبَعُه ضَيافن
وتَحكُمُ في الأقاليمِ البَواقي / وها أَنا للبَيانِ بذاكَ راهِن
فطالَعَكَ السُّعودُ بكلِّ أَرْضٍ / ظَلِلْتَ بها وصَبّحَك المَيامن
ودُمْتَ دَوامَ ذِكْرِ أَبيكَ غَضّاً / وجادَتْ عهدَه السُّحُبُ الهَواتن
صَيَّرْتَ خُوزِستانَ حَرْباً قائماً
صَيَّرْتَ خُوزِستانَ حَرْباً قائماً / ونفَيْتَ عنها العَدْلَ والإحْسانا
وتَركْتَ جُملةَ أَهلها وبلادِها / فطلَبْنَ منكَ ومن يدَيْكَ أَمانا
أَبقاَك مَجْدُ المُلْكِ يَحْسَبُ أَنّك / تَكْفي الأمورَ وتَنصَحُ السُّلطانا
ويكونُ مثْلُكَ معْ حقارةِ قَدرِه / سَنتَيْنِ يَرفعُ دَخْلَ خُوزِسْتانا
وتُصيبُ كُلَّ ذخيرةٍ ووديعةٍ / ويَمُرُّ ذلك كلُّه مَجّانا
كَلاّ فَمجْدُ المُلْكِ أبعدُ هِمّةً / وأَتَمُّ تَدبيراً وأَعظَمُ شانا
ليُقطِّعَنَّ قفاكَ سَوْطُ عَذابِه / وتُقاسيَنَّ عقابَه ألوانا
ولتأْخُذَنَّ كما أَخذْتَ سَويّةً / لا إثْمَ في هذا ولا عُدْوانا
ذهَباً وفَرْشاً فاخراً وجواهراً / وسَوابقاً مِلْءَ العُيونِ حِسانا
ترُضي بها السُّلطَانَ والخاتونَ والْ / أُمراءَ والأجنادَ والأعوانا
عَشَراتُ آلافٍ تُقيمُكَ صاغراً / من حَبْسَةٍ ونَقولُ زِنْها الآنا
حتّى تكونَ وأَنت أَحقَرُ كائنٍ / كأبيكَ كلْباً سَفْلةً وَزّانا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025