المجموع : 40
يا صاحِ ليس لسرٍّ منك كتمانُ
يا صاحِ ليس لسرٍّ منك كتمانُ / في الودِّ والودُّ لا يدُرى له شانُ
وللغرام وإنْ بِتْنا نكتّمُهُ / عن أعينِ النّاس آياتٌ وعنوانُ
وقد تبيّن ما بي الرّكْبُ حين بَدَتْ / لَنا من الشّعب أقمارٌ وأغصانُ
حلّوا القلوبَ وما كانتْ لهم وَطَناً / إنّ القلوب لِما تهواه أوطانُ
إنّ الّذين على وَدّانَ دارُهُمُ / فيهمْ ضنينٌ بما نهواه خَوّانُ
إذا سألناه مَنّانا وماطَلَنا / وراح وهْوَ بأنْ مَنّاك منّانُ
وإنْ شكوتُ إليه الحبّ أَعطِفُهُ / إِلى المَحبّةِ ولّى وهو غَضْبانُ
بَدْرٌ حُرِمنا المُنى منه ويُرزَقُها / وإنّما الحبُّ أرزاقٌ وحِرْمانُ
كأنّهمْ بَعد ما بانوا وحبُّهُمُ / مخيّمٌ في سواد القلبِ ما بانوا
هلْ أنتَ يا قلبُ صاحٍ عن لقائِهمُ / أمْ فيك يا قلبُ إنْ سُلّيِتَ سُلْوانُ
فالحبُّ عندهُمُ بُغضٌ ومَقليَةٌ / والصّدقُ بينهمُ زورٌ وبُهتانُ
يُقَادُ نَحْوَكمُ قلبي ويجذُبنِي / إليكُمُ مَعَ بُعدِ الدّارِ أشطانُ
وَما البليّةُ إلّا أنّني كَلِفٌ / بفارغٍ وفؤادي منه ملآنُ
نَبكي ومن قبلُ ما كنّا يُرَوِّعُنا / داعي الفراقِ ولا تجري لنا شانُ
كأنّ أعْيُنَنا تجري لبَيْنِهمُ / دَوْحٌ يُزِعْزِعُهُ في الطَّلِّ شَفّانُ
يا قاتَلَ اللَّهُ مَن بالرّملِ ودّعنا / فهنّ للقلبِ أشجاءٌ وأشجانُ
لمّا بسِمْنَ لنا أبدين عن شَنَبٍ / مُمَنَّعٍ ليس يُروى منه ظمآنُ
كالبَدر إذْ شَفّ عن أنوارِه سَدَفٌ / والدرّ أبرَزَهُ للعين أكنانُ
ماذا على زائري ليلاً على سِنَةٍ / لو زار صُبحاً وطرفُ العين يقظانُ
زيارةُ الطّيفِ ضَرْبٌ من قطيعتهِ / ووصلُ مَن لا تراه العينُ هِجرْانُ
وَليسَ يَنفعني والبعدُ أعلمُهُ / قربٌ أتاني به ظنٌّ وحسبانُ
يا راكبَ العِرْمِسِ الوجناءِ في غَلَسٍ / تَنْجابُ عن مَرِّها مَرْوٌ وصَوّانُ
قلْ للّذي حلَّ أَرجاناً فشرّفها / إنّ المُنى والغنى في الأرضِ أرْجانُ
حَيث الثرى خَضِلُ الأكناف تُرفَع في / يَفاعِهِ لِقرَى الأضياف نيرانُ
نارٌ يُهانُ ذكيُّ المندليّ بها / ويُوقَدُ العنبُر الهنديُّ والبانُ
للَّهِ دَرُّك من قاضٍ لنا عِدَةً / ألْوى بها من لئيمِ القومِ لَيّانُ
معجّلِ الخيلِ والهيجاءُ ضاحيةٌ / عن أن تُناط بها لُجْمٌ وأرسانُ
من كلِّ هوجاءَ كالسِّرحان عاديةٍ / كأنّما مسّها في الرَّوْعِ شيطانُ
واليومَ ترجفُ بالأبطالِ ساحتُهُ / كأنّه ثَمِلُ الأوصال نشْوانُ
أَنتَ الّذي إنْ رآه الخلقُ من أَمَمٍ / فللثّرى أُنُفٌ منهمْ وأذْقانُ
لغيرك الجهرُ منهمْ دون سِرِّهمُ / ويستوي فيك إِسرارٌ وإعلانُ
ما أذعنوا لك حتّى كنتَ فذَّهمُ / وللفضائلِ إنكارٌ وإذْعانُ
قد جرّبوك خلالَ الأمرِ يَحْفِزُهُم / فما هَفَوْتَ وأرسى منك ثَهْلانُ
وعاينوا منك إِقداماً على خَطَرٍ / إنّ الملوك على الأهوال شجعانُ
كم نلتُ منك الرّضا عفواً بلا تعبٍ / وكم أتانِيَ من جَدْواك إحسانُ
كرّمتني فملكتَ الرِّقَّ من عُنُقي / إنّ الكراماتِ للأحرار أثمانُ
بنِي بُوَيْهٍ أَدام اللَّه مُلْكَكُمُ / ولا يزلْ فيكمُ عزٌّ وسلطانُ
ولا خلا وَطَنٌ منكمْ ولا عَطَنٌ / فإنّ أعطانكمْ للجودِ أَعطانُ
لَم يَأْلَفِ الملكُ إلّا في بيوتِكمُ / حَلَلْتُمُ دارَه والنّاسُ جِيرانُ
فللتّرائبِ منكمْ كلّما نَضَرَتْ / وللمفارقِ أطواقٌ وتيجانُ
إنْ جلَّ خَطْبٌ فأنتمْ منه لِي وَزَرٌ / أوْ آدَ صَعْبٌ فأنتمْ فيه أعوانُ
وإنْ لقيتُ العِدا يومَ الكفاحِ فلي / من دونهمْ أذْرُعٌ منكمْ وأيْمانُ
ومعشرٍ جحدوا نعماكَ عندهمُ / وَغَرّهْم منك للزّلّات غُفرانُ
أَغضيتَ عَنهمْ فما اِرتابوا وما فطِنوا / إِنّ التغاضِيَ إِمْلاءٌ وإِهوانُ
حتّى رأوْك مُغِذّاً في مُلَمْلَمَةٍ / كاللّيلِ في طيِّها خيلٌ وفرسانُ
فأجفلوا كشرارِ الزَّندِ تخطفهمْ / خَطْفَ الأجادِلِ أسيافٌ وخُرصانُ
فراكبٌ رأسَ جِذْعٍ ليس يبرحُهُ / وهاربٌ دونه أُكْمٌ وقيعانُ
أَضحَوا وقد لَزَّهْم منك العنيفُ بهمْ / كخِرْوَعٍ لَزَّهُ نَبْعٌ وشَرْيانُ
وقد درى كلُّ ذي لُبٍّ بأنّهمُ / عزّوا وعمّا قليلٍ بالرّدى هانوا
وطاح ما لَفّقُوهُ من أباطِلِهمْ / إِزاءَ حقّك إنّ الحقّ عُرْيانُ
والمِهْرَجانُ زمانٌ بالسّعودِ وبالن / نُجحِ القريب إليك الدّهرَ عجلانُ
مضى الهجيرُ به عنّا لطيّتِهِ / فالطَّلُّ مُستَبْرَدٌ والجوُّ رَيّانُ
فَاِنعَمْ به وخذِ اللّذّاتِ من يده / فإِنّما هو للّذّاتِ إبّانُ
ودمْ لنا لنعيمٍ ما لغايته / وقتٌ ولا لمزيدٍ منه نقصانُ
لا تطلبِ الرّزق في الدّنيا بمنقصةٍ
لا تطلبِ الرّزق في الدّنيا بمنقصةٍ / فالرّزقُ بالذُّلِّ خيرٌ منه حِرْمانُ
المالُ يمضي وتبقى بعده أبداً / على الفتى منه أوساخٌ وأدْرانُ
ما للفتى في الغِنى من ذِلّةٍ عِوَضٌ / وليس في المال للأعراضِ أثمانُ
إساءاتٌ وإحسانٌ
إساءاتٌ وإحسانٌ / وإعطاءٌ وحِرمانُ
ونقضٌ ثمّ إبرامٌ / وسرٌّ ثمّ إعلانُ
فكْم ذا أيها الدّهر / زياداتٌ ونقصانُ
ولِمْ أنتَ لمن عاهد / تَ أوْ عاقدتَ خَوّانُ
فَلا وصلُك مَوصولٌ / ولا هجرُك هِجرانُ
فمن تكسوه عُريانٌ / ومَن تسقيه ظمآنُ
ومَن يرجوك محرومٌ / ومن يعروك أَسوانُ
ومَنْ تُدْينهِ أوْ تَهْدِي / ه مُقْصىً ثمّ حَيْرانُ
مضى شِيبٌ إلى المَوْت / كما شاءَ وشُبّانُ
ولمّا يُغنِ أنصارٌ / من الموتِ وأعوانُ
ولا جاهٌ ولا مالٌ / ولا عزٌّ وسلطانُ
ولا قومٌ لَهمْ في قل / لَةِ العلياءِ بُنيانُ
وما يبقى من النّاس / على الأيّامِ إِنسانُ
ألا أين بهاليلٌ / عهدناهمْ وغُرّانُ
عُراةٌ من لباسِ العا / رِ ما خانوا ولا مانوا
رؤوسٌ وجميعُ النّا / سِ أجسادٌ وأبدانُ
لَهمْ في أَزَماتِ العُس / رِ إطعامٌ وضِيفانُ
وأَوطانُهُمُ للجو / دِ والإنعامِ أوطانُ
قَضى كِسرى وقد سِيق / إلى الأحداثِ خاقانُ
ولم يبقَ لنا عَدنا / نُ في باقٍ وقحطانُ
وطاحتْ عنهمُ بالمو / تِ أطواقٌ وتيجانُ
وأحراسٌ وآناسٌ / وولدانٌ وندمانُ
وأفراسٌ لَهنّ السُّمْ / رُ في الهيجاء أرْسانُ
وسُمْرٌ من سَبايا الخط / طِ تعلوهنّ خُرصانُ
وأسيافٌ لَهنّ الهْا / مُ أغمادٌ وأجفانُ
وزوْراءٌ لغيرِ الثَّكْ / لِ بالأهلين مِرْنانُ
فقلْ يا صاحبَ الإيوا / نِ لم ينجِك إيوانُ
ومَن بات على غُمدا / نَ ماذا ردّ غُمدانُ
وقد خفّ الأُلى كان / لَهمْ كالخِيسِ خَفّانُ
وزالتْ نعمٌ غُودِرْ / نَ يحويهنّ نَعْمانُ
وقد ذلّ وقد كان / محلَّ العزِّ نَجْرانُ
ألا إنّ ذوي الأموا / لِ للوُرّاثِ خُزّانُ
تعامَيْنا وكلّ النّا / س في ذي الدّار عُمْيانُ
ونودينا ولكنْ أي / ن أسماعٌ وآذانُ
فكمْ ذا نبتغي الرِّبْح / وبعضُ الرّبحُ خُسرانُ
وما ننجو وباغينا / سريعُ الخَطْوِ غَرْثانُ
ولا خُلْدَ وَطرْفُ المو / تِ للأحياءِ يَقْظانُ
وفي دارِ الأُلى كانوا / وبادوا نحن سُكّانُ
أتاني والفتى يأتي / ه همٌّ وهْوَ جَذْلانُ
نعيٌّ أنَا من جرّا / هُ بالأحزانِ ملآنُ
كأنّي خَبَلاً منه / وما بي السُّكْرُ سكرانُ
ذوى غصنٌ من الأصحا / بِ والأصحابُ أغصانُ
ولم يُغنِ الّذي يُغني / هِ أهلونَ وإخوانُ
وإنْ تمضي ففي قلبي / عليك الدّهرَ نيرانُ
وإنْ بنتَ فما أنتَ / كقومٍ بالرّدى بانوا
وإن سُلِّيتُ ما عندي / لمُسلٍ عنك سُلوانُ
ولي مِن بعدِ فِقداني / ك للسّرّاءِ فِقدانُ
وما للقلبِ أفراحٌ / ولا للغمضِ أجفانُ
سقى قبرك هطّالٌ / من الأنواءِ هتّانُ
له في الصّبحِ والإمسا / ءِ إرزامٌ وإرْنانُ
ولا زالَ به رَوْحٌ / تلقّاه وريحانُ
وغفرانٌ عن الإجرا / مِ إِنْ كانتْ ورضوانُ
فقد كنتَ من القومِ / لهمْ باللَّه إيمانُ
وإيقانٌ إذا شكَّ / أُولو الشكّ وإِذْعانُ
وقد والَيْتَ مَن في عَرْ / صَةِ البعثِ لهمْ شانُ
وإنعامٌ على الموْلى / إِذا شاؤوا وإحسانُ
فكن يوم نشور الخَلْ / قِ فيهمْ حيثما كانوا
صبراً ففي الصّبر الجمي
صبراً ففي الصّبر الجمي / لِ يهون فينا ما يهونُ
لا تجزعنَّ لكائنٍ / ماضٍ وخذْ ما لا يكونُ
ودعِ الحنينَ فإنّه / ما ردَّ مُفتَقَداً حنينُ
وَاِترُكْ لَنا قَرْعَ الجَبِي / نِ فما جنى شيئاً جبينُ
وَإِذا اِلتفتّ إلى الّذي / خلّتْ لنا منك المَنونُ
وإلى أبيك فإنّهُ / جبلٌ لنا أبداً حصينُ
فالغُرْمُ غُنْمٌ واصلٌ / وخشونةُ الأيّامِ لِينُ
مضتِ الشّمالُ وبُقِّيَتْ / رِفْقاً بنا منك اليمينُ
وذوى لنا غُصنٌ وبا / قٍ منك للدّنيا غُصونُ
فَلئِنْ ظمئنا بالفقي / دِ فعندنا العَذْبُ المَعينُ
ولَئِنْ مضى ليثٌ لنا / فاللّيثُ باقٍ والعرينُ
قَرّتْ عيونٌ إنْ بَقِي / تَ لنا وإنْ ذَرَفَتْ عيونُ
أنتمْ لنا دارُ المُقا / مِ وأنتُمُ الحبلُ المتينُ
ولنا كما شئنا بِعَق / وَةِ داركُمْ دُنيا ودينُ
أنتمْ هداةٌ في الظّلا / مِ وأنتمُ الحقُّ المبينُ
أنتمْ سيوفٌ في الحوا / دِثِ لا تلمُّ بها القُيونُ
وَإذا اِنتُديتمْ فالنّدي / ي لكُم هو البلدُ الأمينُ
والمَوْقفانِ وزَمْزَمٌ / والحِجْرُ والحَجَرُ المَصونُ
من ذا ترى عَفَتِ النّوا / ئبُ عنه والزّمنُ الخَؤونُ
داءُ المنيّةِ معضلٌ / ماتتْ بحسرتِهِ القُرونُ
لم ينجُ منه لا جوا / دٌ في الرّجالِ ولا ضَنينُ
ومحبّةُ الدّنيا وه / ذي مِنْ جنايتها جنونُ
يا أيّها الذُّخرُ النَّفي / سُ سلمتَ والكنزُ الثمينُ
واِبنَ الّذي شابتْ ولم / تَرَ مثلَ دولتِهِ القرونُ
ساسَ الأقاصي والأدا / ني واحداً لا يستعينُ
بدّلْ بحزنك غيرَه / فلربّما نَدِم الحزينُ
واِترُكْ مُراعاة اليقي / نِ فربّما ضرّ اليقينُ
فالعيشُ ليس تُطِيبُهُ / إلّا أمانٍ أو ظُنونُ
صَلّى الإلهُ على الّذي / قُرِحَتْ لمصرعِهِ الجُفونُ
حلَّ التُّرابَ وما له / إِلّاكَ شِبهٌ أو قَرينُ
وسقى جوانبَ قبرِهِ / وَطْفاءُ هَيْدَبُها هَتونُ
تَهمِي عليه فإنْ رَقَتْ / خَلَفَتْ بعبرتها الشُّؤونُ
يظنّ رجالٌ بي ظنوناً شنيئةً
يظنّ رجالٌ بي ظنوناً شنيئةً / وكم أخفقتْ ممّن يظنّ ظنونُ
وَيلقَونَني بالبِشْرِ مِنهُم وَدونه / حُقودٌ وغِلٌّ في الصُّدور دفينُ
فإِنّ غرتُ في تفتيشِ مَن أستعينُهُ / فَما هو إلّا مَن عليَّ يُعينُ
وإنّ اِمرأً يُمسِي ويُصبح آمناً / من النّاسِ مَعْ تجريبهمْ لَغَبِينُ
رماكَ فأَصْماك اِمرؤٌ لم تكن له
رماكَ فأَصْماك اِمرؤٌ لم تكن له / رَمِيّاً ولم يخطرْ ببالك شأنُهُ
وَلَو أَنّني حاذرتُهُ لكُفِيتُهُ / وكم آمنٍ جانٍ عليه أمانُهُ
فَإِنْ ساءَني منه الغداةَ مَغيبُهُ / لقد سرّني منه طويلاً غِيابُهُ
وإنْ كنتُ مكلوماً بعقدِ ضميرهِ / فإنّ شفاءً ما يقول لسانُهُ
وَللموتُ خيرٌ للفتى من مذلَّةٍ / تنمُّ عليه أوْ هَوانٌ يُهانُهُ
وإنْ كنتُ يوماً تائباً عن مودّة الر / رِجالِ فهذا وَقْتُهُ وأوانُهُ
وحَلَلْتِ من قلبي وأنتِ بخيلةٌ
وحَلَلْتِ من قلبي وأنتِ بخيلةٌ / ما لا يحلُّ به الجَوادُ المحسنُ
وسكنتِ ممّن كلُّ جاريةٍ له / شوقاً إليكِ وصَبْوَةً لا تسكنُ
وَأَسَرتِني وأنا الطّليقُ وطالما / أسَرَ الهوى وقَتَلْتِ مَنْ لا يُفتَنُ
وأردتِ كتمانَ الهوى فكتَمْتُهُ / والدّمعُ يُبدي ما أُسرُّ وأُعلِنُ
وحَبَسْتِ في الشّكوى لساناً واحداً / لو لم تكنْ لِي بالشّكايةِ ألْسُنُ
لعمرُك إنّني فارقتُ نجداً
لعمرُك إنّني فارقتُ نجداً / وقلبي مُودَعٌ فيها رهينُ
وما لِي بعد فُرقةِ أهْلِ نَجدٍ / قِرىً إلّا نحيبٌ أو أنينُ
وعينٌ جفَّ منها الدّمعُ حتّى / أحاذِرُ أنْ تجودَ بها الشُّؤونُ
جفاها غمضُها فكأنّ عيناً / لنا بعد الفِراقِ ولا جُفونُ
فيا ليتَ الصّبابةَ يومَ ولّوْا / ضُحىً خفّت كما خفّ القطينُ
ولَيتَهمُ وحسبي ذاك منهمْ / دَرَوْا أنّي لفرقتهمْ حَزينُ
أُحبُّكمُ وبيتِ اللَّهِ حتّى / يُقالَ بهِ وما صدقوا جُنونُ
وكم أنكرتُ حبّكُمُ فنادى / به دمعٌ يبوح به هتونُ
وأعظمُ ما يُلاقيهِ قرينٌ / وأشجى أنْ يفارقه قرينُ
وكم لكُمُ بقلبي من غرامٍ / يؤرّقني إذا هدتِ العيونُ
أُلَجْلِجُ كلّما سوئِلْتُ عنه / كما وَرَّى عن البذلِ الضَّنينُ
فَلا أنا مُعرِضٌ عنه صموتٌ / وَلا أنَا مُعرِبٌ عنه مبينُ
أرُونا موضعَ الإنصافِ منكمْ / فقد جلّتْ عن المَطْلِ الدّيونُ
ولا تُبدوا صريحَ المنعِ منكمْ / فيُغنينا عن الخبرِ اليقينُ
يا آلَ خيرِ عبادِ اللَّه كلّهمُ
يا آلَ خيرِ عبادِ اللَّه كلّهمُ / ومَن لهمْ فوق أعناق الورى مِنَنُ
كم تُثْلَمون بأيدي النّاسِ كلّهِمُ / وكم تُعَرِّسُ فيكمْ دهرَها المِحَنُ
وكم يَذودُكُمُ عن حقّكمْ حَنَقاً / مُمَلّأُ الصَّدْرِ بالأحقادِ مُضطغِنُ
إنّ الّذين نَضَوْا عنكمْ تُراثَكمُ / لم يَغبنوكمْ ولكنْ دينَهمْ غَبَنوا
باعوا الجِنانَ بدارٍ لا بقاءَ لها / وَليسَ للَّه فيما باعه ثمنُ
أُحِبُّكمْ والّذي صلّى الجميعُ له / عند البناءِ الّذي تُهدى له البُدُنُ
وَأَرتَجيكمْ لما بعد المماتِ إذا / وارى عن النّاس جَمْعاً أعظمٌ جُبُنُ
وإنْ يَضِلَّ أُناسٌ عن سبيلهِمُ / فليس لِي غيرُ ما أنتمْ به سَنَنُ
وَما أُبالِي إذا ما كنتُمُ وَضَحاً / لناظِرَيَّ أضاء الخلقُ أم دَجَنوا
وَأَنتمُ يوم أرمِي ساعدي ويدي / وأنتُمُ يَوم يرميني العِدا الجُنَنُ
ماذا على الرِّيمِ لو حيّا فأحيانا
ماذا على الرِّيمِ لو حيّا فأحيانا / وقد مررنا على عُسفانَ رُكبانا
ولَيتَهُ إذْ تحامى أن يُنَوِّلنا / لَم يستردّ الّذي قد كان أعطانا
بل ليتَ ماطِلَنا بخلاً ومانِعنا / يَوماً تشبّه بِالمعطي فمنّانا
لا يَستَفيق بجازينا بلا تِرَةٍ / بِالوَصلِ هَجراً وبالإعطاءِ حرمانا
وَكيفَ يأبى مواعيداً تُعلِّلنا / مَن كان يوسعنا مَطْلاً وليّانا
عُجنا إليه صدورَ اليَعْمَلاتِ وقدْ / نضا الصّباحُ ثيابَ اللّيلِ عُريانا
وَالرّكبُ بين صريعٍ بالكرى ثَمِلٍ / ومائلِ الرّأسِ حتّى خِيل نَشْوانا
محلّقِينَ تهادَوْا في رحالِهمُ / من بطن مكّةَ أفراداً وأقرانا
حلّوا حَقائِبهم فيها مفرَّغَةً / وَاِستَحقبوا مِن عَطاءِ اللَّه غُفرانا
مِن بعدما طوّفوا بالبيتِ واِعتَمروا / وَاِستَلمُوا منه أحجاراً وأركانا
وردّدوا السّعيَ بين المرْوَتين تُقىً / حيناً عجالاً وفوق الرَّيثِ أحيانا
وعقّروا بمِنىً من بعد حَلقهِمُ / كُومَ المطيِّ مُسِنّاتٍ وثُنيانا
وَاِستَمطَروا بعِراصِ المَوقفينِ وَقَد / غامَتْ عَليهمْ سَماءُ اللَّه رضوانا
أَرضٌ تَراها طِوالَ الدّهرِ مُقفرةً / وَالحجُّ يُنبتُها شيباً وشبّانا
مُسَلَّبِينَ كأنّ البعثَ أعَجَلهمْ / فَاِستَصحبوا من بطونِ الأرضِ أكفانا
للَّهِ دَرُّ اللّيالي في مِنىً سَلَفَتْ / فكم جميلٍ بها الرّحمن أولانا
خِلنا منازِلَنا مِنها وقد نَزَعَتْ / كلَّ النُّزوع عن الأوطان أوطانا
وَالقاطِنين بها والشّعبُ مفترقٌ / فينا وَفيهم لَنا أهلاً وإخوانا
وَبِالمحصَّبِ ظَبْيٌ سلَّ مِعْصَمَهُ / يرمي الجِمارَ فَأَخطاها وأصمانا
أَهدتْ إِلَينا وَما تَدري ملاحتُهُ / للعين بَرْداً وللأحشاءِ نيرانا
وسائلٍ عن طريقِ الحجّ قلت له / لا يَقبلُ اللَّهُ إلّا الصَّعْبَ قُربانا
فهوَ الطّريقُ إِلى سُكْنى الجِنان فقلْ / فيما يُصيّرنا في الخُلدِ سُكّانا
لَمّا رَكِبناهُ أخرَجْنا على شَغَفٍ / من الصُّدور أهالينا ودُنيانا
ثمَّ اِستَوى فيه في أمنٍ وفي حَذَرٍ / عَدلاً منَ اللَّه أَدْنانا وأقصانا
فَكم لَقينا عظيماً مرَّ جانبنا / وكم مُنِينا بمكروهٍ تخطّانا
وكم رمانا الرّدى عن قوسِ مَعْطَبَةٍ / فَصدّه اللَّهُ أن يُصمي فَأَشوانا
وكم طلبنا مَراماً عزّ مطلبُهُ / لَمّا اِنثَنينا بيَأسٍ عنه واتانا
وَمشمخرّ الذُّرا تَهفو الوُعولُ به / تخاله من تمامِ الخَلْقِ بُنيانا
يستحسرُ الطّرف عن إدراك ذُروتِهِ / حتّى يكرَّ إلى راميهِ حيرانا
جُبْناهُ لا نَهتدي إِلّا بِساريةٍ / مِن أَنْجمِ اللّيلِ مَسْراها كمسْرانا
نَنجو سِراعاً كأنَّ البُعدَ غلَّ لنا / أَو اِمتَطينا بِذاك الدَّوِّ ظُلْمانا
إِذا دَنا الفجرُ منّا قالَ قائِلنا / يا بُعدَ مَصبحنا من حيثُ مَمْسانا
وَالعِيسُ طاويةُ الأحشاء ضامرةٌ / لولا الرِّحالُ لخلناهنّ أشطانا
إذا أتتْ بلداً عن غِبِّ مَتْلَفَةٍ / رَمى بِها البلدُ المأتيُّ بلدانا
تهوي بشُعْثٍ شَرَوْا بالأجر أنفسهمْ / وقلّ ما أخذوا عنهنّ أثمانا
لمّا دُعُوا من نواحي مكّةَ اِبتدروا / ظهرَ الرّكائب إيماناً وإيقانا
يا أَرضَ نَجدٍ سقاك اللَّهُ مُنبعقاً / من الغمامِ غزيرَ الماءِ ملآنا
إذا تضاحك منه البرقُ مُلْتَمِعاً / في حافَتَيْهِ أَرَنَّ الرّعدُ إرْنانا
أرضٌ ترى وحشَها الآرامَ مُطْفِلَةً / وفي منابتها القَيْصُومَ والبانا
وإنْ تُجِلْ في ثراها طَرْفَ مُختبرٍ / لا تَلقَ إلّا حَديقاتٍ وغُدرانا
ذَكرتُ فيها أعاصيرَ الصّبا طَرَباً / وَاِستأنفتْ لِيَ في اللّذّاتِ رَيْعانا
أيّامَ لم تُمِلِ الأيّامُ من غُصُنِي / ولم يُطِرْ عن شَواتي الشّيبُ غُربانا
أيّامَ ترمي الغَواني إنْ خَطَرْتُ وإنْ / نطقتُ نحوِيَ أحداقاً وآذانا
أَيّامَ لم تُلْفِنِي إلّا على كَثَبٍ / من موعدٍ أتقاضاه إذا حانا
أيّامَ كان مَكاني للصِّبا وَطَناً / وكان عَصرِيَ للّذّاتِ إبّانا
أمّا اِبنُ حَمْدٍ فَقَد أوفى بذمّتِهِ / لَمّا اِصطَحَبنا ولكنْ خان مَن خانا
وَما تَغيّر لي وَالقومُ إنْ جَهَدوا / حالوا وإنْ كرمُوا في النّاس ألوانا
وَلا قُذيتُ بعوراءٍ لَهُ مَرَقَتْ / سرّاً ودافع عنها النّاسُ إعلانا
وَلا تَكرّر طَرْفي في خَلائقِهِ / إلّا اِنثَني غانماً حُسناً وإحسانا
أَظما فَيورِدُني مِن عذبِ منطقِهِ / راحاً ومن نفحاتٍ منه ريحانا
كَأنّني منهُ في خَضراءَ أوسعها / نَوْءُ السّماكين تَهْطالاً وتَهْتانا
أقول لزيدٍ كفْكفِ الخيلَ عَنْوَةً
أقول لزيدٍ كفْكفِ الخيلَ عَنْوَةً / وإلّا فَلا حَمْداً كسبتَ ولا مَنّا
سُقيتَ الرّدى إنْ هبتَ بادرة الرّدى / وَما أَنت منّي إنْ جَنَحْتَ إلى الأدنى
أَلَم تَرَني وَالمَوتُ مُلْقٍ جِرانَه / أقدّم نفساً ما أساءتْ به ظنّا
وإنّا لنُعطي السِّرَّ ما شاء من حِمىً / وتأْبى لنا الحَوْباءُ أن نسترَ الضِّغْنا
حريّون أن نُعطَى المَقادَةَ في الورى / وقد قصّرتْ في الرَّوْع كلُّ يَدٍ عنّا
طِوالُ القنا ما بين أجفاننا قذىً / وظِلُّ المنايا الكالحاتِ لنا مَغْنى
تخوّفنا أبناءُ قيسٍ وعيدَهمْ / وَلو أنّنا نخشى الوعيد لما سُدْنا
ولو فهموا عنّا مَقالَ سيوفنا / لعلّمَهمْ فحواه أنْ يقرعوا سِنّا
أَحقّاً بني الإِحجامِ ما طار عنكمُ / أطرتمْ وربّي في ضلوعكمُ اللَّدْنا
وقد كنتمُ أطْفَأتمُ نارَ حِقْدِكمْ / فإنْ عدتمُ في شبّ جمرتها عُدنا
لَحَا اللَّهُ مَن يحنو على الضّيم جَنبَهُ / ولو أنّ عنقَ الرُّمحِ في جنبه يُحنى
يقولون إنّ الأمنَ في هجرك الوغى / ألا قبّح اللَّهُ اِمرأً يَبتغي الأمْنا
رعَى اللَّهُ فِتياناً خِفافاً إلى العُلا / إذا عزموا أمْضَوْا ولم يرقبوا إذْنا
إذا ركبوا جُنْحاً أشابوا عِذارَه / وَإنْ يمتطوا صُبْحاً أعادوا الضُّحى وهْنا
أذالوا على الأيّامِ صَوْنَ غرامهمْ / فلن يُبصروا من غير طلعتها حُسنا
ونالتْ بأسرار القلوب ظنونُهمْ / كأنّ لهمْ في كلِّ جارحةٍ إذْنا
قال لجافٍ كلّما سِي
قال لجافٍ كلّما سِي / مَ وصالاً زاد ضَنّا
لَيتَهُ يَزدادُ إِحسا / ناً كما يزداد حسنا
قد لَبِسنا من جوى حُب / بك ما أبلى وأضْنى
لا أَرانا اللَّهُ في نَفْ / سِك ما أبصرتَ مِنّا
بلغَ الكاشحُ بالبي / نِ الّذي كان تمنّى
فَوحقّ الحبِّ لم يَصْ / دُقْك مَن بلّغ عنّا
لو درَى العاذلُ أنّي / لم أُطِعْه ما تعنّى
لم أدعْ في العَذْلِ للحُب / بِ على أُذْنِيَ إذْنا
أتُرى عن حسنِ رأيٍ / زارنا طيفُك وَهْنا
لم يُفِدنا وطريفٌ / خادعٌ يوجبُ مَنّا
إنّما الطّيفُ كلفظٍ / فارغٍ ما فيه مَعْنى
كَم رَأينا باطلاً نَف / فَسَ كَرْباً مِنْ مُعَنّى
سلا عنّا المنازلَ لِمْ بَلينا
سلا عنّا المنازلَ لِمْ بَلينا / ولا سَقَمٌ بهنّ ولا هَوِينا
ولمّا أنْ رأينا الدّارَ وَحْشاً / من الآناسِ أمْطَرْنا الجفونا
وقفنا نأخذُ العبراتِ منّا / ونُجريهنّ ما شاؤوا وشينا
وقال الفارغون من الغواني / وداءِ الحبِّ إنَّ بنا جُنونا
كأنّ عيونَنا فَنَنٌ مَطِيرٌ / تُسَيِّلُهُ نُعاماهُ فُنونا
ومِن قِبَلِ الهوادِج يومَ بانوا / رُمِينا بالمحاسنِ إذْ رُمِينا
أخذْنَ قلوبَنا وعجبن منّا / ونحن بلا قلوبٍ لِمْ بَقينا
فيا للَّهِ أحداقُ الغواني / أمرنَ بأن عَشقنَ فما عُصِينا
مَررْن بنا ونحن بغيرِ بَلْوى / فما جاوَزْنَنا حتّى بُلينا
وما زال الهَوى حتّى رَضِينا / بهنّ على الصُّدودِ فما رضينا
ولمّا أنْ مَطَلْن وَدِدْتُ أنّي / فدَيْتُ ردىً نفوسَ الماطلينا
ومِن سَفَهٍ وقوفُك في المغاني / تَساءَلُ عن فريقٍ فارقونا
سُقينا بعد بينِهِمُ دموعاً / وكَفْنَ فما وقَفْن وما رَوِينا
فليت الحبَّ أشْعَرَ مَنْ عزيزٌ / عَليهِ أَنْ يبين بأنْ يبينا
ولم نَرَ من خلال السِّجْفِ إلّا / عيوناً في الوصاوِصِ أوْ جبينا
ودِدْتُ وما ودِدْتُ لغير جُرمٍ / وهنّ القالياتُ وما قُلينا
ولمّا أنْ مشَيْن أرَيْن صُبحاً / دِعاصَ الخَبْتِ يَهزُزْن الغصونا
وهان على عيونٍ وادعاتٍ / هجوعاً أنْ نَبِيتَ مُؤَرَّقينا
وشَنْباءٍ المضاحك من نِزارٍ / فقدتُ لحسنِ بهجتها القَرِينا
من اللّائي اِدّرَعْنَ الحسنَ سَهْماً / يُصِبنَ به صَميمَ الدّارعينا
وَلَولا أنّها سألتْ فؤادي / فجُدتُ به لكنتُ به ضَنينا
رَمَتْنِي بالخِيانةِ في ودادي / وكنتُ على مودّتها أمينا
دَعِينا أنْ نزوركِ أُمَّ عَمْروٍ / وإلّا بِالزِّيارةِ واعِدِينا
وقد أورثتِنِي سَقَماً فإنْ لم / تُداويه الغداةَ فعلّلينا
فكمْ ليلٍ لبستُ به وشاحاً / ذوائبَ من هضيمٍ أو قُرونا
عَفَفتُ وَقد قدرتُ وليس شيءٌ / بأجمَلَ من عفافِ القادرينا
وزَوْرٍ زارني واللّيلُ داجٍ / وقد ملأ الكرى منّا العيونا
يُريني أنّه ثانٍ وِسادِي / مُضاجِعُهُ وزُورٌ ما يُرينا
نعمتُ بباطلٍ ويودّ قلبي / وداداً لو يكون لنا يقينا
فيا شَعَراتِ رأسٍ كنّ سُوداً / وحُلْنَ بما جناه الدَّهرُ جُونا
مَشيبُكِ بالسِّنين ومِن همومٍ / وليْتَكِ قد تُرِكْتِ مع السِّنينا
كرهتُ الأربعين وقد تدانتْ / فمنْ ذا لِي بردِّ الأربعينا
ولاحَ بمفرَقِي قَبَسٌ منيرٌ / يَدُلُّ على مقاتِليَ المَنونا
وإنّي إنْ فخرتُ على البرايا / فخرتُ بمن يبذُّ الفاخرينا
بآباءٍ وأجدادٍ كِرامٍ / كما كانوا على كلِّ البنينا
ألَسْنا أشجَعَ الثَّقَلَيْنِ طُرّاً / وأوْفاهْم وأجوَدَهمْ يمينا
وأطعَمَهُمْ وأقراهمْ ضُيوفاً / وأعطاهمْ إذا وهبوا الثّمينا
وأركبَهمْ لمُعضلةٍ قَموصٍ / تَشامَسُ عن ركوبِ الرَّاكبينا
وأنضَرَهُمْ وأطهرَهمْ ذُيولاً / وأمضاهمْ وأقضاهمْ ديونا
وإنّا إنْ شهدنا الحربَ يوماً / فَرَيْنا بالسّيوفِ وما فُرِينا
وَإنْ أبصَرْتَنا نحمِي حريماً / رأيتَ الأُسدَ يحمين العرينا
فإنْ طُلِبَ النّدى كُنّا بحوراً / وإنْ حُذِر الرّدى كنّا حُصونا
نقود إلى الكريهةِ كلَّ يومٍ / خيولاً ما ونِينَ ولا وَجِينا
وكلَّ مُغمِّسٍ في الرَّوْع يَقْرِي / صفائحَه التّرائبَ والشُّؤونا
يُطاعنُ بالرّماحِ فلا يُبالي / سليماً عاد منها أمْ طعينا
فإنْ عدّوا خَوَرْنَقَهُمْ عَدَدْنا / لنا البيتَ المحرَّمَ والحَجُونا
وزَمْزَمَ مَوْرِداً تُثْنِي عليه / إذا وردتْ شفاهُ الواردينا
وجَمْعاً تَلْتجِي زُمَراً إليه / لَوَاغبُ يضطربْن بلاغِبينا
يُخَلْن ضُحىً وبحرُ الآلِ يجري / سفائِنَ يتَّبعن بنا سَفينا
وخَيْفَ مِنىً تفاهَقَ وادياهُ / بهاماتِ الرّجالِ مُلَبَّدينا
فلستَ ترى بها إلّا عَقِيراً / من الكُومِ الذُّرا أوْ عاقرينا
وإنْ فخروا بطِخْفَةَ أوْ كلابٍ / فخرنا باللّيالي الغُرِّ فينا
بِخَيْبَرَ أوْ ببدرٍ أو حُنينٍ / وأُحْدٍ والمنايا يرتمينا
دَفَعْنا عَن رَسولِ اللَّهِ طَعناً / وضرباً بالصّوارمِ مَن لقينا
وقَيْناه وَمن يهوى هواهُ / بأَسيافِ الجلادِ وما وُقينا
بأبصارٍ تُذَرُّ من السَّوافي / وتُكحَلُ بالرّياحِ إذا قُذِينا
وأجسادٍ عُرِين من المخازي / ومن كرمٍ وخيرٍ ما عُرينا
فلا أرماحُنا يعرفن رَكْزاً / ولا الأسيافُ يعرفن الجُفونا
وكنّا في اللّقاءِ وفي عطاءٍ / يُضَنّ به نُجيبُ إذا دُعِينا
وَكَم طافتْ بدَوحَتنا عيونٌ / فلم تَرَ في جوانبها هَجِينا
أَلَم تَرَ هَذه الأيّامَ عُوجاً / موارِقَ من أكفِّ اللّابسينا
وَقَد كنّ الصّحاحَ بغير داءٍ / فها هنّ الصَّحائحُ قد دُوِينا
أقلّبُ في الورى قلبي وطَرفي / فَأَعجبُ من ضَلالِ الحائرينا
عيونٌ عاشياتُ من هُداها / وقِدماً ما كَلَلْنَ ولا عَشِينا
وآراءٌ مضلَّلة النّواحي / لُوِين عن الإصابةِ أوْ زُوينا
وإنّي لو شكوتُ إلى جَنينٍ / أشَبْتُ بحَرِّ شكوايَ الجنينا
وصمّاءٍ بَثَثْتُ لها التّشكِّي / أُهوِّنُها وتأبى أن تَهونا
رأتْ عندي السُّرورَ ولو بغيري / ألَمَّتْ ظلَّ مكتئباً حزينا
وَظنّوا أنّها تغنِي اِصطِباري / وشرُّ القومِ أكذبُهمْ ظُنونا
وقالوا إنّها خُطَطٌ صعابٌ / فقلت نعم ولكنْ قد خُطينا
وَلَمّا لم تَنَلْ منّي مَراماً / أحالَتْ شامِتيها حاسدينا
وكم غُرّ الرّجالُ فجرّبوني / فلم أكُ في تجاربهمْ غبينا
وَقَد لَمسوا بأيديهمْ صَفاتي / فما وجدوا على الأيّامِ لِينا
جزَى الزَّوراءَ عن مَلَلٍ فإِنّي / رَأيتُ بها الأذمّةَ ما رُعينا
فلا تُنحى ولا تُحدى ركابي / إليها بالرّجال متى حُدينا
فإنّ محاسناً حُدِّثتُ عنها / وكنّ بها زماناً قد فَنينا
وَليسَ لَها لأرْوى غيرُ رسمٍ / وأطلالٍ لنعماءٍ بَلينا
فإِنْ تنزعْ نزعتَ لباسَ عزٍّ / وإنْ تلبسْ لبستَ هناكُ هونا
وإنْ تنظرُ نظرتَ إلى خطوبٍ / ترقّصُ عن قلوب الشّامتينا
فعدِّ قرارَ عَقْوَتِها سليماً / طليقاً كنتَ فيها أم رهينا
وقرّبْ للنّجاءِ قَطَاةَ نَهْدٍ / وإلّا فالعُذافِرةَ الأمونا
فَلا بَقِيتْ كما نَحنُ اللّيالي / وأُبدلنا من الرّيبِ اليقينا
وَأَطْلِعها نُجوماً غارباتٍ / كُشِطْنَ بما نراه أو مُحينا
وذَعذِعها جهالاتٍ تلاقتْ / وضَعْضِعها ضلالاتٍ بُنينا
أنتمْ عليَّ وإنْ لم
أنتمْ عليَّ وإنْ لم / تدروا أرقُّ وأحْنى
أردتُ أنْ تحملوا اليو / مَ فوق ظَهْرِيَ مَنّا
فعفتُمُ وأَبيتم / شُحّاً عليَّ وَجُبْنا
فَكنتمُ باِتّفاقٍ / خيراً لنا الآن منّا
وما غُبِنّا بل اِنتمْ / بذاك أظهرُ غُبْنا
وما أسَاتُ ولكنْ / أحسنتُ بالسّوءِ ظَنّا
ظَننتُكُم لِمُلمٍّ / عَوْناً وفي الخوفِ أمْنا
حَتّى خبرتُ فكنتمْ / كاللّفظ ما فيه مَعْنى
وزائرٍ ما أجْبَنَهْ
وزائرٍ ما أجْبَنَهْ / ما زار إلّا في سِنَهْ
وعنّ لي في غَلَسٍ / فلا عَدِمْنا عَنَنَهْ
ذو دَدَنٍ وإنّما / نعشَقُ منه دَدَنَهْ
يهجرني مجاوراً / يُسمِع قولي أُذُنَهْ
حتّى إذا حلَّ النّوى / حدا إليَّ ظُعُنَهْ
لم يأتِ إلّا في دُجىً / وصبحُه ما أمِنَهْ
وزارني في وطني / مُخَلِّياً لي وَطَنَهْ
ثمَّ أطاب وَسَنِي / لمّا أطار وَسَنَهْ
أبدَلنِي هِجرانُهُ / بزَوْرَةٍ مؤتَمَنَهْ
باطلةٍ لكنَّها / منَ المسيءِ حَسَنَهْ
ما أحسنَ النصرَ على / مُقاطعٍ ما أَحسَنَهْ
فليتَهْا زيارةٌ / تكون منه ديدنَهْ
ما بعث الواشي إلى / ما نحن فيه ظِنَنَهْ
ولا رمى ذو فِطَنٍ / إليه يوماً فِطَنَهْ
فبِتُّ ليلي كلَّه / أَضَمُّ منه غُصُنَهْ
وألثِمُ الصُّدغَ الّذي / عَقْرَبَهُ وزَرفَنَهْ
لولا الدّجى يشفع لِي / لَما لقيتُ مِنَنَهْ
جاد به مسترخصاً / وَما نَقدت ثمنهْ
في ساعةٍ كأنّها / لَذَاذَةً ألفُ سَنَهْ
واصَلَ فيها سَكَنٌ / بعد فراقٍ سَكَنَهْ
ما أنصف الدّهرُ الّذي / أخافَنِي وآمَنَهْ
أُلْقِي إِليه رَسَنِي / ثمّ أجرُّ رَسَنَهْ
ما أغبَنَ الحبَّ لمنْ / حُمِّلَهُ ما أغبَنَهْ
مُمتَحَنٌ يكره إنْ / فارق منكْم مِحَنَهْ
وسابحٌ في دَرَنٍ / ولا يُميط دَرَنَهْ
ثمّ طعينٌ هَمُّهُ / تقبيلُهُ مَن طَعَنَهْ
أوْ زمَنٌ يموت من / حيث غشومٌ أَزْمِنَهْ
قلتُ له فقراً إلى / نَوالِهِ ومَسْكَنَهْ
يا مالكاً لِي بهوىً / أسْرَرْتُهُ وأعلَنَهْ
ومن إذا غابن حُسْ / ناً بَدْرَ تَمٍّ غَبَنَهْ
هل عودَةٌ لمثلها / فقال لِي ما أهْوَنَهْ
لا تَستَعِنْ أبداً بمنْ
لا تَستَعِنْ أبداً بمنْ / يحتاج منك إلى معونَهْ
وَاِفزعْ إِلى نصرِ الّذي / نَصَر الأنامَ بلا مَؤُونَهْ
وإذا وفى لك بالمرا / دِ فلا تكنْ أبداً خؤونَهْ
فجهاتُ مَن لبس التُّقى / محروسةٌ فيه مَصونَهْ
بأَبِي زائراً أتانِيَ جُنْحاً
بأَبِي زائراً أتانِيَ جُنْحاً / لا وِداداً منه فعنّى ومَنّى
زاده ضِنَّةً بموضعه الما / لكِ قلبي بُخلاً عليَّ وضَنّا
لَم يُنِلنِي شيئاً وعند رُقادي / أَنّه جاءني فَأَغنى وأقنى
صَدَّ صُبحاً والعينُ منِّيَ يَقْظى / وسرى واصلاً وعينِيَ وَسْنى
وجفا بالنّهار من بعد أن خي / يِلَ لِي أنّه أتانِيَ وَهْنا
زَوْرَةٌ ما درى بها ذلك الزّا / ئرُ رَبْعِي فكيف يوجب مَنّا
هو لاهٍ عنها وما بتُّ فيه / لم يُحِطْهُ عِلْماً ولم يكُ ظَنّا
فهْيَ تعليلةٌ لصبٍّ عليلٍ / أوْ خداعٌ يُهْدى لقلبي المُعَنَّى
فهي مثلُ السّراب أو مثلُ لفظٍ / ما له حاصلٌ ولا فيه مَعْنى
يا منْ قُرِنتُ به على
يا منْ قُرِنتُ به على / رغمي فصرتُ له قرينا
وشريتُه لمّا غُرِرْ / تُ فلم يكن عِلْقاً ثَمينا
وظننتُ أنّي غابنٌ / فيه فكنتُ به غبينا
لمّا خبرتُك لم أجدْ / شيئاً أكون به ضَنينا
وإذا جعلتك قُرّةً / للعين أسخَنْتَ العيونا
قل لقومٍ شنّوا المعاتبَ منهم
قل لقومٍ شنّوا المعاتبَ منهم / في الأحاديث شَأْمَةً ويمينا
لم تُنيلوا شيئاً ففيمَ شمختُم / وعَهِدنا ذا النَّيْلِ يشمخ فينا
إنّ كِبْرَ الفتى ولا فضلَ فيه / عند أهل النُّهى يكون جنونا
قد تَرَكْناكُمُ وويلٌ لمن يت / رُكُهُ النّاسُ كلُّهم فاِتركونا
في غَدٍ يَرجعُ الغنيُّ فَقيراً / وهزيلاً من كان ليس سمينا
لم يكن مَن شراكُمُ وتدلَّس / تمْ عَلى ناظِرَيْهِ إلّا غنينا
وظننّا بكمْ جميلاً ولكنْ / أكْذَبَتْ منكمُ السّجايا الظُّنونا
وَوَرَدْنا فلم تكونوا مَعيناً / وهززنا فلم تكونوا غُصونا
ما رأينا منكمْ وأنتم على أفْ / ضلِ ما تبتغون إلّا مَهِينا
عَبِقاً بالقبيح ما كانتِ السَّوْ / آت إِلّا مُوَسَّماً مَزْنونا
لم يكن للدّفاعِ حصناً حريزاً / لا ولا في البِياعِ عِلْقاً ثمينا
وَخِصالاً إِذا تُؤُمِّلْنَ كانتْ / مسخناتٍ قُلوبَنا والعُيونا
ووجوهاً بيضاً فإنْ سُئِلوا الخَيْ / رَ وما هنّ أهلُهُ عُدْن جُونا
لا سقَى اللَّه مَعشراً تسكن السَّر / راءُ أبياتَنا إذا فارقونا
عَجزوا مُعظمَ الزّمانِ فلمّا / قَدَروا بعد عجزهمْ ظلمونا
وتراهمْ عن كلّ خيرٍ نُكولاً / وعلى الشّرِّ وحدَه قادرينا
ليس وعدٌ منهمْ وإن غلِطُوا بال / وعدِ يوماً كانوا له ماطِلينا
وهُمُ الواجدون حتّى إذا ما / سُئِلوا الرِّفْدَ أصبحوا عادِمينا
نتمنّى من لُؤْمِهِمْ أنّهم لمْ / يرفدونا وأَنّهمْ حرمونا
ليت قلبي وقد صَبا سَفَهاً مِنْ / هُ إِلى ما دَعَوْه كان حَرونا
والّذي ذاقَ مُرَّهُم يتمنّى / بَدَلاً منه أن يذوق المنونا
أرِنِي منهُمُ وخذْ مُهلَةً طو / لَ مدا الدّهرِ واجداً مأمونا
وقريباً أكون فرْداً فأرْضا / هُ أنيساً لِوَحْشَتي وقرينا
كلُّ مَنْ قرّبوه قرّبَ نَهْداً / هَرَباً منهُمُ وإلّا أمونا
فَاِذهَبوا حيث شِئتمُ لم تَرَوْا من / نا اِشتِياقاً إليكُمُ وحنينا
لا ولا ناكثاً لبَيْنٍ ثنايا / هُ ولا قارعاً لبُعْدٍ جَبينا
وإذا ما جُفونُنا سِلْنَ حُزْناً / لنَواكمْ فَلَسْنَ مِنّا جُفونا
كَم ذا تَطيشُ سِهامُ الموتِ مُخطئةً
كَم ذا تَطيشُ سِهامُ الموتِ مُخطئةً / نحري وتُصمي أَخلّائي وأخداني
ولو فطنْتُ وقد أردَى الزّمانُ فتىً / عَلِمتُ أنّ الّذي أصماه أصماني
وكيف تبقى حُشاشاتٌ تقلّبها / في كلّ يومٍ يدا غَرْثانَ ظمآنِ
أَم كيفَ نَأمل أَنْ يَبقى اِمرؤٌ أبداً / يفدي من الموتِ إنساناً بإِنسانِ
سودٌ وبيضٌ من الأيّامِ لونُهما / لا يستحيلُ وقد بدّلْنَ ألواني
هيهاتَ حُكِّمَ فينا أزْلَمٌ جَذَعٌ / يُفنِي الورى بين جُذعانٍ وقُرحانِ
فَلا حميمٌ لنا يُبقي الحِمامُ به / ولا جَديدٌ لنا يُبقي الجديدانِ
يُعطي العطيّةَ تتلوها رَزِيَّتُها / ويُطعِمُ الشّهْدَ ممزوجاً بخُطْبانِ
وربّما حُرِمَ الرِّزقَ الحريصُ وقد / أَنضى المطيَّ ووافى منزلَ الوانِي