المجموع : 4
سُبحانَ ذي الجَبروتِ وَالبُرهانِ
سُبحانَ ذي الجَبروتِ وَالبُرهانِ / وَالعِزِّ وَالمَلكوتِ وَالسُلطانِ
وَالحَمدُ لِلَّهِ الكَريمِ الرازِقِ ال / خَلّاقِ مُتقنِ صَنعَةِ الإِنسانِ
وَاللَهُ أَكبَرُ لا إِلَهَ سِواهُ لي / سُبحانَهُ هُوَ لِلصَوابِ هَداني
أَصبَحتُ أَنظمُ مَدحَ أَكرَمِ مُرسَلٍ / لَهجاً بِهِ في رائِقِ الأَوزانِ
وَتَخِذتُهُ لي جُنَّةً وَمَعونَةً / فيما أَرومُ فَصانَني وَكَفاني
حَبَّرت فيهِ قَصيدَةً أَودَعتُها / مِن مُسنَدِ الأَخبارِ حُسن مَعاني
في وَصفِهِ مِن بَدءِ تَشريفاتِهِ / حَتّى الخِتامِ بِحُسنِ نَظمِ مَعاني
وَلَمَدحُهُ أَولى وَأَجدَرُ أَن يُرى / فيهِ الهُدى وَيعانُ فيه مُعاني
لَمّا بَنى اللَهُ السَماواتِ العُلى / سَبعاً تَعالى اللَهُ أَكرَم باني
فَسَمَت وَزانَتها بِحِكمَةِ صُنعِهِ / زهرُ النُّجومِ وَزانَها القَمَرانِ
وَالأَرضُ سَبعاً مَدَّها فَتَذَلَّلَت / وَتَزَيَّنَت بِبَدائِعِ الأَلوانِ
وَرَسَت عَلَيها الشامِخات بِإِذنِهِ / فَحَمَت جَوانِبَها مِنَ المَيَدانِ
وَأَتَمَّ خَلقَ العَرشِ خَلقاً باهِراً / فَغَدا مِنَ الإِجلالِ ذا رَجفانِ
كَتَبَ الإِلَهُ اِسمَ النَبِيِّ مُحَمَّدٍ / فَوقَ القَوائِمِ مِنهُ وَالأَركانِ
فَسَرى السُّكونُ بِهِ وَقَد كَتَبَ اِسمهُ / في جَنَّةِ المَأوى عَلى الأَغصانِ
وَخِيامُها وَقِبابُها وَعَلى مَصا / ريعِ القُصورِ تَفَضُّل المنّانِ
فَلِذاكَ آدَم حينَ تابَ دَعا بِهِ / مُتَوَسِّلاً فَأُجيبَ بِالغُفرانِ
لَولاهُ لَم يُخلَق أَبونا آدَم / وَجَحيمُ نارٍ أَو نَعيمُ جِنانِ
قَد كانَ آدَمُ طينَةً وَمُحَمَّدٌ / يُدعى نَبِيّاً عِندَ ذي الإِحسانِ
مِن فِضَّةٍ بَيضاءَ طينَةُ أَحمَدٍ / مِن تُربَةٍ أَضحَت أَعَزَّ مَكانِ
عُجِنَت مِنَ التَسنيمِ بِالماءِ الَّذي / زادَت بِهِ شَرَفاً عَلى الأَبدانِ
غُمِسَت بِأَنهارِ النَّعيمِ فَطُهِّرَت / وَتَعَطَّرَت وَسَمَت عَلى الأَكوانِ
وَغَدَت يُطافُ بِها السَمَواتُ العُلى / وَالأَرضُ تَشريفاً عَلى الأَكوانِ
أَنوارُهُ كانَت بِجَبهَةِ آدم / لا تَختَفي عَمَّن لهُ عَينانِ
وَبِجَبهَةِ الزَهراءِ حَوّا أَشرَقَت / لِلحَملِ بِالمَبعوثِ بِالفُرقانِ
وَمِنَ الكَرامَةِ لِلمُشَفَّعِ أَنَّها / في كُلِّ بَطنٍ جاءَها وَلدانِ
وَأَتَت بِشيثٍ وَحدَهُ مُتَفَرِّداً / لِيبينَ فَضلُ الواضِحِ البُرهانِ
وَبِصُلبِ آدَمَ كانَ وَقت هُبوطِهِ / وَبِصُلبِ نوحٍ وَهوَ في الطوفانِ
وَبِصُلبِ إِبراهيمَ حينَ رَمى بِهِ / في نارِهِ أَشقى بَني كَنعانِ
وَعَلى سِفاحٍ ما اِلتَقى يَوماً مِنَ ال / أَيّامِ مِن آبائِهِ أَبَوانِ
مِن كُلِّ صُلبٍ طاهِرٍ أَفضى إِلى / أَحشاءِ طاهِرَة الإِزارِ حصانِ
أُخِذت مِنَ الرُّسلِ الكِرامِ لِنَصرِهِ / إِن أَدرَكوهُ مَواثِقُ الإِيمانِ
وَكَذاكَ في الكُتبِ القَديمَةِ وَصفُهُ / يُتلى عَلى الأَحبارِ وَالرُهبانِ
عَيناهُ فيها حُمرَةٌ مُتَقَلِّدٌ / بِالسَيفِ لا يَرتاعُ لِلأَقرانِ
يَعفو وَيَصفَحُ لا يُجازي مَن أَتى / بِإِساءَة ناءٍ مِنَ العُدوانِ
لا بِالغَليظِ الفَظِّ وَالسَخّابِ في ال / أَسواقِ إِذ يَتَشاجَرُ الخَصمانِ
حرزٌ لِأُميّينَ مِن مَسخٍ وَمِن / خَسفٍ وَمِن حَصَبٍ وَمِن طوفانِ
لا يَنتَهي حَتّى يُقيمَ المِلَّةَ ال / عَوجاءَ بِالتَوحيدِ وَالتِبيانِ
يَشفي القُلوبَ الغلفَ وَالآذانَ مِن / صَمَمٍ وَيَفتَحُ أَعيُنَ العُميانِ
في مَجمَعِ الكَتفَينِ مِنهُ شامَةٌ / هِيَ لِلنُّبُوَّةِ فيهِ كَالعُنوانِ
وَبِمَكَّةَ الفَيحاء مَولِدُهُ فَقَد / فاقَت لِذَلِكَ سائِر البُلدانِ
مِنها مَهاجِرهُ إِلى أَرضٍ بِها / نَخلٌ كَثيرٌ زينَ بِالقنوانِ
هِيَ يَثرِبٌ هِيَ طيبَةٌ هِيَ دارُهُ / حُظِيَت بِمَجدٍ شامِخِ البُنيانِ
وَعَلى بِلادِ الشامِ يَظهَرُ مُلكُهُ / فَيُذِلُّ قَهراً عُصبَةَ الصُلبانِ
وَاِستعلنَ الحَقّ المُبين بِنورِهِ / بَينَ الجِبالِ الشُّمِّ مِن فارانِ
ما مِن نَبِيٍّ مُجتَبى إِلّا لَهُ / يَومَ المَعادِ إِذا أَتى نورانِ
وَيَجيءُ تابِعُهُ بِنورٍ واحِدٍ / وَلِأَحمَد الداعي إِلى الإيمانِ
في كُلِّ جُزءٍ مِنهُ نورٌ وَالَّذي / يَتلوهُ ذو نورَينِ يَبتَدِرانِ
وَلنَعت شَعيا لِلنَبِيِّ مُحَمَّدٍ / وَلِنَعتِ حِزقيلٍ كَذاكَ أَتاني
وَصِفاتُ أُمَّتِهِ كَذَلِكَ بُيِّنَت / فيها لِقَلبِ العالمِ الروحاني
غرّ لِآثارِ الوضوءِ عَلَيهِم / نورٌ مُضيءٌ ساطِعُ اللَمَعانِ
وَالحَمدُ لِلَّهِ العَظيمِ شِعارُهُم / في البُؤسِ وَالأَفراحِ وَالأَحزانِ
وَإِذا عَلَوا شَرَفاً كَبيراً كَبَّروا / أَصواتهُم كَالنَحلِ بِالقُرآنِ
فيهِم صَلاةٌ مرَّة لَو أَنَّها / كانَت لِعادٍ لَم تُصَب بِهَوانِ
وَهُم رُعاةُ الشَّمسِ وَالقَمَرِ الَّذي / تُطوى مَنازِلُهُ عَلى حُسبانِ
وَهُم الَّذينَ يُقاتِلونَ عِصابَةَ ال / دَجّالِ ذي التَضليلِ وَالبُهتانِ
لَمّا رَأى موسى الكَليمُ صِفاتَهُم / وَعَطاءَهُم مِن عِزَّةٍ وَصيانِ
سَأَلَ اللّحوقَ بِهِم وَتِلكَ فَضيلَةٌ / خَلُصَت لِأَمَّتِهِ بِكُلِّ أَوانِ
كانَت يَهود بِهِ عَلى أَعدائِها / يَستَفتِحونَ بِسالِفِ الأَزمانِ
وَبِوَصفِهِم أَضحى المُتوّجُ تُبَّع / بِالمُصطَفى العَرَبِيِّ ذا إيمانِ
لَكِنَّهُم حَسَدوهُ بَغياً وَاِعتَدوا / كَعُدُوِّهم في السَّبتِ بِالحيتانِ
هُوَ أَحمَدُ الهادي البَشيرُ مُحَمَّد / قَتّالُ أَهلِ الشِّركِ وَالطُّغيانِ
هُوَ شاهِدٌ مُتَوَكِّلٌ هُوَ مُنذِرٌ / وَمُبَشِّرُ الأَبرارِ بِالرّضوانِ
هُوَ فاتِحٌ هُوَ خاتَمٌ هُوَ حاشِر / هُوَ عاقِبٌ هُوَ شافِعٌ لِلجاني
قُثمٌ ضَحوكٌ سَيِّدٌ ماحٍ مَحى / بِالنورِ ظُلمَةَ عابِدي الأَوثانِ
وَهوَ المُقَفّى وَالأَمينُ المُصطَفى ال / أُمِّيُّ أَكرَمُ مُرسَلٍ بِبَيانِ
وَهوَ الَّذي يُدعى نَبِيّ مَلاحِمٍ / وَمَراحِمٍ وَمَثاب ذي عِصيانِ
وَهوَ اِبنُ عَبدِ اللَهِ صَفوَة شَيبَة ال / حَمدِ بن هاشِم الذَبيح الثاني
أَصلُ الدِياتِ فِداؤُهُ مِن ذَبحِهِ ال / مَنذورِ إِذا هُوَ عاشِرُ الأخوانِ
وَالأَبيَضُ البَضُّ المُعَظَّمُ جَدُّهُ / شَيخُ الأَباطِحِ سَيِّدُ الحمسانِ
لَمّا اِصطَفى اللَّهُ الخَليلَ وَزادَهُ / شَرَفاً وَنَجّاهُ مِنَ النّيرانِ
اِختارَ إِسماعيلَ مِن أَولادَهِ / وَبَني كنانَةَ مِن بَني عَدنانِ
ثُمَّ اِصطَفى مِنهُم قُرَيشاً وَاِصطَفى / أَبناءَ هاشِم الفَتى المِطعانِ
ثُمَّ اِصطَفى خَيرَ الأَنامِ مُحَمَّداً / مِن هاشِم فَسَمَت عَلى قَحطانِ
وَأَبانَ كَعب جَدّهُ في خُطبَةٍ / بِعُروبَةٍ في سائِرِ الأخوانِ
فَضل النَبِيِّ وَودّ أَن يَبقى إِلى / أَيّامِهِ لِقِتالِ ذي شَنَآنِ
وَلَقَد بَدَت أَنوارُهُ بِجَبينِ عَب / دِ اللَهِ ظاهِرَةً لِذي عِرفانِ
وَبَدَت لِآمِنَةَ الحِصان لِحَملِها / بِأَخَفّ حملٍ راجِحِ الميزانِ
حَتّى بَدَت أَنوارُهُ في وَضعِها / فَرَأَت قُصورَ الشامِ رُؤيَةَ داني
وَلَدَتهُ عامَ الفيلِ يَومَ اِثنَينِ فَاِح / تازَ الفَخارَ بَفَضلِهِ الإِثنانِ
بِرَبيع الأَدنى بِثاني عَشرَة / وَيُوافِقُ العِشرينَ مِن نيسانِ
وَتَحَدَّثت بِوِلادِهِ الأَحبارُ وَال / رُهبانُ وَالواعي مِن الكُهّانِ
خَمَدَت لَهُ نارُ المَجوسِ وَزلزلَت / مَعَ الاِنشِقاقِ جَوانِبُ الإيوانِ
وَرَأى أَنوشَروان رُؤيا رَوَّعَت / مِنهُ الفُؤادَ فَظَلَّ ذا رَجَفانِ
فَمَضى الرَّسولُ إِلى سَطيح سائِلاً / فَأَتى الجَوابُ إِلى أَنوشروانِ
أَن سَوفَ يَظهَرُ أَمرُ دينِ مُحَمَّدٍ / حَتّى يُزيلَ الملكَ مِن ساسانِ
سَعدَت حَليمَةُ ظِئرهُ بِرضاعِهِ / وَحَوى الفَخارَ رَضيعهُ بِلَبانِ
وَرَأَت بِهِ البَرَكات مِنذُ غَدَت بِهِ / وَأَتانُها في الرَّكبِ خَيرُ أَتانِ
وَغَدَت تدرُّ لَها الشِّياهُ العجفُ في ال / زَمَنِ المَحيلِ وَأَقبَلَ الثَديانِ
فَأَتَت إِلَيهِ وَأَسلَمَت وَحَليلها / فَتَبَوَّءا لِلرُّشدِ دارَ أَمانِ
وَلِأَربَع مِن عُمرِهِ لَمّا غَدا / مَع صِبيَة أَترابهُ الرِّعيانِ
شَرَحَ المَلائِكُ صَدرَهُ وَاِستَخرَجوا / مِنهُ نَصيبَ الدَّاحضِ الشَيطانِ
وَلَقَد تَطَهَّرَ بَعدَ عَشرٍ صَدرهُ / مِن كُلِّ ما غِلّ بِشَرحٍ ثانِ
مَلأوهُ إيماناً وَحلماً وافِراً / وَسَكينَةً مَعَ رَأفةٍ وَحَنانِ
وَوَقَتهُ مِن لَفحِ الهَجيرِ غَمامَة / وَهوَ اِبنُ عَشرٍ أَجمَل الغِلمانِ
يَغدو كَحيلاً داهِناً وَقَرينُهُ / شعثُ الغَدائِرِ رُمَّصُ الأَجفانِ
وَمَضَت لِسِتٍّ أَمُّهُ وَتَكَفَّلَ ال / جَدُّ الشَفيقُ لَهُ بِحُسنِ حضانِ
وَأَتى بِهِ وَهوَ اِبنُ سَبعٍ عَمُّهُ / وَقَدِ اِشتَكى رَمَداً إِلى دَيراني
فَأَبى النُزولَ فَزلزلَت جُدرانُهُ / فَاِرتاعَ عِندَ تَزَلزُلِ الجُدرانِ
فَاِنحَطَّ حينَئِذٍ وَأَخبرَ جَدَّهُ / بِنُبُوَّةِ الوَلَدِ العَظيمِ الشّانِ
وَبِجِدِّهِ اِستَسقى الغَمائِمَ جَدُّهُ / فَتَبَجَّسَت بِالوابِلِ الهَتّانِ
وَلَقَد تَرَحَّلَ جَدُّهُ لِهَنائِهِ / سَيفُ بنُ ذي يَزَنٍ إِلى غَمدانِ
فَحَباهُ سَيفٌ عِندَها بِبِشارَةٍ / تَعلو الهَناءَ بِمَقتَلِ السودانِ
أَفضى إِلَيهِ بِسِرِّهِ في أَحمَد ال / هادي البَشيرِ وَكانَ ذا خُبرانِ
وَتَكَفَّلَ العَمُّ الشَفيقُ بِأَمرِهِ / لَمّا غَدا مُتَكَمِّلاً لِثَمانِ
وَرَأى عَظيمَ الخَيرِ مِن بَرَكاتِهِ / هُوَ وَالعِيال إِذا أُتو بِخوانِ
وَشَكا إِلَيهِ عَمُّهُ ظَمَأً بِهِ / في مَوضِعٍ خالٍ مِن الغُدارنِ
فَسَقاهُ إِذ رَكَضَ التُرابَ بِرِجلِهِ / ماءً يُرَوّي غلَّةَ الظَمآنِ
وَمَضى بِهِ نَحوَ الشَآمِ مُسافِراً / وَهوَ اِبنُ عَشرٍ بِعَدها ثِنتانِ
وَرَأى بُحَيراءُ الغَمامَ لِظِلِّهِ / في الحَرِّ عِندَ تَوَقُّدِ الصُوّانِ
وَرَأى الظِلالَ تَميدُ أَنى مالَ مِن / شَجَرٍ هُناكَ ظَليلهُ الأَفنانِ
وَجَرى لَهُ في بِضعِ عَشرَةَ حجَّةٍ / نَبَأٌ يَسُرُّ فُؤادَ ذي إيقانِ
إِذ كانَ سافَرَ مَع زُبَيرٍ عَمُّهُ / فَرَأى بَعيراً صائِلاً بِجنانِ
فَمَضى إِلَيهِ فَحينَ عايَنَ عزَّهُ / أَهوى ذَليلاً ضارِباً بِجرانِ
فَعَلاهُ مُمتَطِياً فَأَذعَنَ بِعدَما / قَد كانَ غَيرَ مُذَلَّلٍ مِذعانِ
وَكَذاكَ عِندَ رُجوعِهِم مِن شَأنِهِم / مَرّوا بِوادٍ مُفعَمٍ مَلآنِ
فَغَدا أَمامَهُم فَغَادَرَ ماؤهُ / يَبساً طَريقاً ذَلَّ لِلرُكبانِ
وَأَغَذَّ في خَمسٍ وَعِشرينَ السُرى / نَحوَ الشآمِ بِمَتجَرٍ لِرَزانِ
فَرَآهُ نَسطورا فَأَخبَرَ أَنَّهُ / أَزكى نَبِيٍّ خاتَم الأَعيانِ
وَرَآهُ مَيسَرَة الغُلام رَفيقُهُ / وَمِنَ الهَجيرِ يُظِلُّهُ مَلَكانِ
وَكذا خَديجَةُ أَبصَرَت فَتَزَوَّجَت / رَغباً بِهِ مِن خِبرَةٍ وَعَيانِ
جادَت عَلَيهِ بِنَفسِها وَبِمالِها / فَسَمَت بِهِ شَرَفاً عَلى النّسوانِ
وَبَنَت قُرَيش البَيتَ حينَ تَهَدَّمَت / بِالسَيلِ مِنهُ قَواعِدُ الحيطانِ
وَاِشتَدَّ في الحَجَرِ الكَريمِ نِزاعُهُم / مَن مِنهُم لِلرَّفعِ مِنهُ يُعانِ
ثُمَّ اِرتَضوا فيهِ بِأَوَّلِ داخِلٍ / فَأَتى الأَمينُ الطَيِّبُ الأَردانِ
وَهوَ اِبنُ خَمسٍ مَع ثَلاثينَ اِحتَوى / حَزمَ الكُهولِ وَقُوَّةَ الشُبّانِ
وَاِختَصَّ في وَضعِ الإِزارِ بِحِكمَةٍ / بِالرَّفعِ دونَهُم وَدونَ البانِ
كانَ التَعَبُّدُ دَأبَهُ لِلَّهِ مِن / قَبلِ النُّبَوَّةِ لَيسَ عَنهُ بِوانِ
يَأتي حراءً لِلتَعَبُّدِ هاجِرَ ال / أَصنامِ هَجرَ المُبغِضِ الغَضبانِ
وَكَذاكَ كانَ إِذا رَأى الرُؤيا اِنجَلَت / كَالصُبحِ واضِحَةً عَلى بُرهانِ
وَأَتَت عَلَيهِ أَربَعونَ فَأَشرَقَت / شَمسُ النُّبُوَّةِ مِنهُ في رَمضانِ
في سَبع عَشرَةَ لَيلَةً في يوم الاِث / نَينِ المُخَصَّصِ مِنهُ بِالرّجحانِ
لَم يَبقَ مِن حَجَرٍ وَلا مَدَرٍ وَلا / شَجَرٍ وَلاَ جَبَلٍ وَلا كُثبانِ
إِلّا وَناداهُ السَلامُ عَلَيكَ بِال / لَفظِ الفَصيحِ كَناطِقٍ بِلِسانِ
رَمَت الشَّياطينَ الرُّجومُ لِبَعثِهِ / وَتنَكَّس الأَصنام لِلأَذقانِ
وَالجِنُّ تَهتِفُ في الظَّلامِ بِسَجعِها / بِنُبُوَّةِ المَبعوثِ بِالخَيرانِ
وَأَتاهُ جِبريلُ الأَمينُ مُعَلِّماً / مِن عِندِ رَبٍّ مُنعمٍ مَنّانِ
فَحَصَ التُرابَ لَهُ فَأُنبِعَ ماؤُهُ / فَأَراهُ كَيفَ وَضوءُ ذي قُربانِ
وَأَتاهُ بِالسَّبعِ المَثاني فَاِنَثنى / جَذلاً بِسَبعٍ في الصَّلاةِ مَثاني
وَأَتاهُ يَأمرُهُ لِيُنذِرَ قَومَهُ / طرّاً وَيَبدَأَ بِالقَريبِ الداني
فَدَعا إِلى الرَّحمَنِ جَلَّ ثَناؤُهُ / وَنَهى عَنِ الإِشراكِ وَالكُفرانِ
وَرَمى الرِبا وَالخَمر وَالأَنصاب وال / أَزلامَ وَالفَحشاءَ بِالبُطلانِ
وَأَتى بِدينٍ مُستَقيمٍ واضِحٍ / ظَهَرَت شَريعَتُهُ عَلى الأَديانِ
فَهَدى قَبائِلَهُ فَلَم يَتَقَبَّلوا / بَل قابَلوا المَعروفَ بِالنُّكرانِ
ما زالَ يُنذِرُ قَومَهُ في منعَةٍ / حَتّى ثَوى العَمُّ الشَفيقُ الحاني
وَمَضَت خَديجَةُ بَعدَهُ لِسَبيلِها / مَرضِيَّةً فَتَفاقَمَ الرّزءانِ
فَاِشتَدَّ حينَئِذٍ عَلَيهِ أَذاهُم / وَبَدا لَهُ طَمَعُ العَدُوِّ الشاني
فَأَتى ثَقيفاً فَاِعتَراهُ أَذاهُمُ / فَأَوى إِلى ظِلٍّ بِقَلبٍ عانِ
وَاِبنا رَبيعَةَ شَيبة وَأَخوهُ في / علِيِّةٍ لِعنائِهِ يَرَيانِ
فَحَنتهُما رَحِمٌ عَلَيهِ فَأَرسَلا / بِالقطفِ مَع عَدّاسٍ النَّصراني
فَرَأى عَلاماتِ النُبُوَّةِ فَاِهتَدى / وَلَكِن هُما عَمّا رَأى عميانِ
وَغَدا عَلى الأَحياءِ يَعرِضُ نَفسَهُ / لِبَلاغِ أَمرِ مُهَيمنٍ دَيّانِ
يَأَتي القَبائِلَ يَستَجيرُ فَلا يَرى / إِلّا ذَوي التَكذيبِ وَالخُذلانِ
فَهُناكَ هاجَرَ جَعفَرٌ وَرِفاقُهُ ال / أَخيارُ نَحوَ مَواطِنِ الحبشانِ
فَحَنا النَجاشِيُّ المُنيبُ عَلَيهِم / كَحُنُوِّ والِدَةٍ عَلى وِلدانِ
وَأَقامَ يَعرِضُ نَفسَهُ حَتّى اِلتَقى / مِن خَزرَجٍ بِالسَّتَّةِ الشُجعانِ
وَأَتوا وَمِثلهُم إِلَيهِ فَبايَعوا / في موسِمِ العامِ الجَديدِ الثاني
وَبِعامِهِ هَذا رَأى في لَيلَةِ ال / مِعراجِ ما قَرَّت بِهِ العَينانِ
وَاِزادادَ تَطهيراً بِشَرح صَدرِهِ / في لَيلَةِ المَسرى بِلا نُقصانِ
أَسرى مِنَ البَيتِ الحَرامِ بِهِ إِلى / أَقصى المَساجِدِ لَيسَ بِالوَسنانِ
فَعَلا البُراقَ وَكانَ أَشَرَف مَركبٍ / يَطوي القِفارَ بِسُرعَةِ الطَيَرانِ
حَتّى أَتى البَيتَ المُقَدَّسَ وَاِرتَقى / نَحوَ السَماءِ فَجازَ كُلَّ عَنانِ
ما مِن سَماءٍ جاءَها مُستَفتِحاً / إِلّا لَقوهُ بِتُحفَةٍ وَتَهاني
وَلَقَد رَأى أَبَوَيهِ آدَمَ ثُمَّ إِب / راهيمَ فَليُبشر بِهِ الأَبَوانِ
وَلَقَد رَأى يَحيى وَعيسى ثُمّ ها / رونَ المُحَبَّبَ رُؤيَةَ اليَقظانِ
وَكَذاكَ موسى ثُمَّ إِدريسَ الرَضِي / فَتَباشَروا كَتَباشُرِ الإِخوانِ
وَلَقَد دَنا كَالقابِ مِن قَوسَينِ أَو / أَدنى إِذا ما قُدِّرَ القَوسانِ
كَشَفَ الحِجابَ وَكَلَّمَهُ فَما / أَحظاهُ بِالتَقريبِ مِن إِنسانِ
فَرَضَ الصَّلاةَ عَلَيهِ خَمساً أَصلُها / خَمسونَ وَهيَ الأَجرُ في الحُسبانِ
ثُمَّ اِنثَنى نَحوَ الفِراشِ مُقَمَّصاً / مِن ذي الجَلالِ بِأَشرَفِ القُمصانِ
لَكِنَّهُ أَضحى بِمَكَّةَ خائِفاً / إِن قالَ مِن تَكذيبِ ذي بُهتانِ
فَغَدا يُحَدِّثُهُم بِوَصفِ المَسجِدِ ال / أَقصى حَديثَ مُعايِنٍ وَمُدانِ
وَلَقَد دَنا البَيت المَقدّس مِنهُ بِال / بَطحاءِ يَنعَتُهُ بِلا نِسيانِ
فَعَموا وَأَبصَرَ قَولَهُ حَقّاً أَبو / بَكرٍ بِعَينِ حَقيقَةِ الإِيمانِ
فَأَذاعَ بِالتَصديقِ لَم يَرهَب وَلَم / يَرتَب مِنَ الحَقِّ المُبينِ بِشانِ
فَلِذَلِكَ التَصديقِ سادَ وَسُمِّيَ ال / صِدّيق وَهوَ اِسمٌ سَما بِمَعاني
وَأَتى عَلى الأَنصارِ عامٌ ثالِثٌ / يعدّونَ أَنفُسَهُم بِخَيرِ أَماني
فَأَتَوهُ في السَبعينَ ثُمَّتَ أَقبَلوا / مِن أَشرَفِ العَقَباتِ كَالغَضبانِ
مُتَتابِعينَ فَبايَعوهُ بِبَيعَةٍ / عُقِدَت بِحُسنِ السَمعِ وَالآذانِ
وَبِعَمِّهِ العَبّاسِ أُحكِمَ عَقدُها / مِنهُم وَأَتقَنَ غايَةَ الإِتقانِ
سَعدَت بِهِ أَوسٌ وَفازَت خَزرَجٌ / فَحَوى الفَخارَ بِنَصرِهِ الحَيّانِ
فَأولَئِكَ الأَنصارُ خفّاً أَحسَنوا / نَصرَ النَّبِيِّ بِمُرهَفٍ وَسِنانِ
فَهُناكَ آذَنَ صَحبَهُ لِيُهاجِروا / مُستَنبِطينَ لِذَلِكَ الإيذانِ
وَأَقامَ مُصطَبِراً وَعُيِّرَ صَحبهُ / حيناً لِمُرِّ الهَجرِ وَالهِجرانِ
وَدَرَت قُرَيشٌ بِالحَديثِ فَأَظهَرَت / ما عِندَها مِن مُضمَرِ الأَضعانِ
وَتَشاوَروا في قَتلِهِ أَو حَبسِهِ / أَو بُعدِهِ وَمَضَوا عَلى كِتمانِ
فَأَتاهُ جِبريلُ الأَمينُ مُخَبِّراً / بِجَميعِ ما أَخفَوا مِنَ الشَنَآنِ
وَفّى بِمَكَّةَ بِضعَ عَشرَةَ حِجَّةً / يَلقى الأَذى في السِرِّ وَالإِعلانِ
حَتّى أَتى إِذنٌ فَسارَ مُهاجِراً / نَحوَ المَدينَةِ هِجرَةَ القُطّانِ
وَأَتى أَبا بَكرٍ بِحَرِّ ظَهيرَةٍ / سِرّاً فَتابَعَهُ بِغَيرِ تَوانِ
حَلا بِثَورِ غادِهِ فَلَقَد غَدا / وَهُما بِهِ مِن أَشرَفِ الغيرانِ
باضَت عَلى البابِ الحَمامَةُ وَاِغتَدى / يَهِنُ العَناكِبَ طامِس الأَكنانِ
وَاِشتَدَّ تطلابُ العداةِ فَأَجزَلوا / فيهِ الرَّشا وَنَفائِسَ الأَثمانِ
فَسَرى سُراقَةُ تابِعاً فَرَآهُما / وَهُما بِظَهرِ البيدِ يَرتَمِيانِ
فَهَوَت يَدا فَرَسِ الحَريصِ بِصُلبَةٍ / صَلدٍ وَثارَت وَهيَ ذاتَ عثانِ
فَغَدا عَلى عِلمٍ يُعَمّي عَنهُما / إِذ كانَ أَيقَنَ غايَةَ الإيقانِ
ثُمَّ اِنبَرى المُختارُ يَجتابُ الفَلا / بِتَواتُرِ الإِدلاجِ وَالذّملانِ
وَتَسامَعَت أَنصارُهُ بِقُدومِهِ / فَتَقَلَّدوا فَرَحاً بِكُلِّ يَمانِ
وَأَتَوهُ بِالتَرحيبِ وَالبُشرى مَعَ ال / تَعظيمِ بِالإِخباتِ وَالخُضعانِ
وَغَدوا يَفدونَ النَّبِيِّ مُحَمَّداً / بِالمالِ وَالأَرواحِ وَالوِلدانِ
لَم يَلقَهُ مِنهُم فَتاةٌ أَو فَتى / إِلّا بِقَلبٍ نَيِّرٍ جَذلانِ
فَاِستَبشَرَ القَلبُ الشَريفُ بِما رَأى / مِن حُسنِ أَخلاقٍ وَمِن إِحسانِ
ما مِنهُم مِن مَنزِلٍ إِلّا رَجا / أَنَّ النَبِيَّ لَهُ مِنَ السُكّانِ
يَعدونَهُ إِن حَلَّ فيهِم أَنَّهُم / لِنَبِيِّهِم مِن خَيرِ ما جيرانِ
لَكِنَّ ناقَتَهُ سَرَت مَأمورَةً / قَد أُعفِيَت مِن حَبسَةِ الأَرسانِ
حَتّى لَقَد بَرَكَت بِأَشرَفِ مَنزِلٍ / بِمَكانِ مَسجِدِهِ بِلا حيدانِ
فَنَمى السُرورُ وَأَصبَحَ الأَنصارُ في / عيدٍ بِمَن شَرفَت بِهِ العيدانِ
وَتَكَنَّفَ اِبنَ سَلامٍ الفَضلُ الَّذي / بِالمُصطَفى أَفضى إِلى سَلمانِ
عَرَفاهُ مَعرِفَةَ اليَقينِ فَأَصبَحا / وَهُما بِثوبِ الرُشدِ مُشتَمِلانِ
وَاِبتاعَ سَلمانَ اِبتِياعاً بِالَّذي / وَفّاهُ مِن ذَهَبٍ وَمِن فسلانِ
دَخَلَ المَدينَةَ فَاِكتَست حُلَلَ الرِضى / وَتَعَطَّرَت بِالروحِ وَالرَيحانِ
أَضحَت بِهِ بَعدَ الخُمولِ شَهيرَةً / بِالفَضلِ سامِيَةً عَلى الأَوطانِ
قَرَنَت بِمَكَّةَ في الفَخارِ وَحُرِّمَت / وَبِهِ سَما وَتَشَرَّفَ الحَرَمانِ
وَتَضاعَفَت بَرَكاتُها بِدُعائِهِ / فَلَها عَلى أُمِّ القُرى مثلانِ
فَصلُ الحَلالِ مِنَ الحَرامِ وَقُبّة ال / إِسلامِ وَهيَ القَلبُ لِلإيمانِ
وَغُبارُها يَشفي السّقامَ وَرَبعُها / مَأوى الهُدى وَمَعونَةُ اللَهفانِ
مَن ماتَ فيها صابِراً فَشَفيعُهُ ال / مُختارُ يَومَ تَفَرُّقِ الخلّانِ
رَمَضانُها أَلفٌ وَجُمعَتُها جَزَت / أَلفاً زَكى وَتَضاعفُ الأَجرانِ
وَصَلاةُ مَسجِدِها بِأَلفٍ في سِوى ال / بَيتِ المُقَبَّلِ عِندَهُ الرُكنانِ
شَدُّ الرِحالَ إِلَيهِ مَشروعٌ وَلَو / فَتَكَ الوَجى بِالجَسرَةِ المِذعانِ
ما بَينَ مِنبَرِهِ وَمَوضِعِ قَبرِهِ / هِيَ رَوضَةٌ مِن جَنَّةِ الحَيَوانِ
يا سائِلي عَن مُعجِزاتِ المُصطَفى / خُذ ما وَعى قَلبي وَقالَ لِساني
لَقَدِ اِصطَفاهُ اللَهُ جَلَّ ثَناؤُهُ / وَحَباهُ مِنهُ بِمُعجِزِ القُرآنِ
هُوَ مُعجِزٌ في نَفسِهِ بِوُضوحِهِ / وَعِنايَةٍ بِالحَقِّ مِن عُنوانِ
وَحِفاظُهُ مِن خلَّةٍ وَتَناقُضٍ / وَمِنَ الزِّيادَةِ فيهِ وَالنُقصانِ
وَخُروجُهُ بِالنَّظمِ وَالإِيجازِ عَن / سَجعِ الكَلامِ وَصيغَةِ الأَوزانِ
وَبَقاؤُهُ غَضّاً جَديداً رائِقاً / بِالحُسنِ لِلأَبصارِ وَالآذانِ
وَإِذا قَضى بِالشَيءِ كانَ كَما قَضى / لا يَستَطيعُ مَرَدُّهُ الثَقَلانِ
لا يَدخُل التَبديلُ في آياتِهِ / كَلّا وَما إِعجازُهُ بِالفاني
لَمّا تَحَدّى الخَصمَ أَن يَأتوا بِما / هُوَ مِثلهُ عَجِزوا عَنِ الإِتيانِ
شَهِدوا لَهُ بِطلاوَةٍ وَحَلاوَةٍ / وَفَصاحَةٍ وَبَلاغَةٍ وَبَيانِ
وَهُم الخُصومُ لَهُ فَكَيفَ بِفِرقَةٍ / نَبَذوا الهُدى بِغَباوَةِ الأَذهانِ
جَعَلوا القُرانَ إِشارَةً وَعِبارَةً / تُحكى وَمَخلوقاً وَقَولَ فُلانِ
وَلِمُعجِزِ القَمَرِ الَّذي بَهَرَ العِدى / مِن أَكبَرِ الآياتِ وَالبُرهانِ
سَأَلَت قُريشٌ آيَةً فَأَراهُم / قَمَرَ السَماءِ وَجُرمهُ نِصفانِ
بِقعيقِعانِ النِّصف مِنهُ وَنِصفهُ / بِأَبي قُبيسٍ يَشهَدُ الجَبَلانِ
فَإِذا العِداةُ يُكابِرونَ عيانَهُم / شَرُّ الرِجالِ مُكابِر لِعَيانِ
ثُمَّ اِرتَأوا ظُلماً وَعدواً بَينَهُم / سِرّاً رَويّة مُفكِرٍ حَيرانِ
قالوا سَلوا السُفّارَ إِن شَهِدوا بِما / أَبصَرتهُم حَقّاً بِلا نُكرانِ
فَهوَ اليَقينُ وَلَيسَ سِحراً فَاِلتَقوا / بِالنّاسِ مِن مَثنى وَمِن وحدانِ
فَإِذا الَّذي نَكَروهُ حَقٌّ واضِحٌ / لَكِنَّهُم كانوا ذَوي عُدوانِ
وَحَديثُ جابِر الشَّهير وَزادهُ / النَّزرُ اليَسيرُ وَكَثرَةُ الإِخوانِ
وَكَفاهُم مِن غَيرِ نَقصٍ مُعجِز / بادي العَيانِ لِعالمٍ رَبّاني
وَقَضاءُ دينِ أَبيهِ مِن تَمرٍ لَهُ / لَم يُوف لِلغُرَماءِ بِالسَهمانِ
فَقَضاهُم وَالتَمرُ بَعدُ بِحالِهِ / أَرضى الغَريمَ وَوارِثَ المِديانِ
وَحَديثُ أُمّ سليمٍ المَروِيِّ عَن / أَنَسٍ وَقَد بَعَثَتهُ بِالرّغفانِ
نَحوَ النَبِيِّ فَرَدَّها وَدَعا لَها / الجَفلى وَكانَت أَكلَة الجوعانِ
فَأَتوهُ أَرسالاً فَلَم يَصدُر فَتى / عَن تِلكَ إِلّا ذا حَشا شَبعانِ
وَشَكا إِلَيهِ الجوعَ جَيشٌ هَمُّهُم / نَحرَ الحمولَةِ رَبَّةَ الكيرانِ
فَأَتوا بِزادٍ مِثلَ شاةٍ رابِض / فَدَعا لَهُ بِاليُسرِ وَالنّميانِ
وَالقَومُ أَلفٌ مَع مِئاتٍ أَربَع / كُلٌّ غَدا بِالمزودِ المَلآنِ
وَدَعا رِجالاً شربُ كُلٍّ مِنهُم / فرقٌ وَيَأكُل جذعَة مِن ضانِ
شَبِعَ الرِّجالُ الأَربَعونَ بِمدِّهِ / وَرَووا بِشربِ العَشرَ رِيَّ بِطانِ
وَدَعا مَعَ المائَةِ الثَلاثونَ الألى / شَبِعوا بِما مِقدارُهُ مُدّانِ
وَلَهُم سَوادُ البَطنِ حزَّ فَكُلُّهُم / قَد نالَ مِنهُ أَبرَكَ اللَحمانِ
كانَت تُمَدُّ مِنَ السَماءِ جِفانُهُ / بِتَضاعُفِ البَرَكاتِ لا بِجفانِ
وَدَعا أَبو أَيّوبَ أَكرَم مُرسَلٍ / وَطَعامُهُ يَقتاتُهُ رَجُلانِ
وَأَتاهُ مَع مِئَةِ ثَمانونَ اِكتَفوا / وَقِرا أَبي أَيّوبَ لَيسَ بِفانِ
وَلَقَد حَبَتهُ بِعُكَّةَ مِن سَمنِها / مَرضِيَّةً مِن خَيرِ ما نِسوانِ
فَإِذا بِها مَلأى عُقيبَ فَراغِها / سَمناً لَهُ شَرَفٌ عَلى السّمنانِ
وَحَديثُ بِنتِ بَشيرٍ المَأثورِ في / تَمرٍ بِهِ قَصَدَت أَبا النُعمانِ
فَدَعا بِأَهلِ الخَندَقِ المَيمونِ مِن / شَيخٍ وَمِن كَهلٍ وَمِن شُبّانِ
شَبِعوا جِميعاً وَهوَ مِن بَرَكاتِهِ / يَنمى وَيَكثُرُ لَيسَ مِن قَنوانِ
وَحَديثُ تَمرِ أَبي هُرَيرَةَ ظاهِرُ ال / إِعجازِ مُتَّضَحٌ لِذي تِبيانِ
عِشرينَ تَمرَةً اِستَعَدَّ وَتَمرَةً / بِجِرابِهِ لَم يَبلُها المَلوانِ
يَجني عَلى طولِ المَدى فَكَأَنَّهُ / يَجنيهِ مِن نَخلٍ لَهُ صنوانِ
وَلَقَد غَدا الدّوسي مِنهُ مُزَوَّداً / خَمسينَ وِسقاً في رِضى الرَّحمَنِ
كانَ الجِرابُ لَدَيهِ مَحفوظاً إِلى / قَتلِ الإِمامِ المُرتَضى عُثمانِ
وَشَكا إِلَيهِ الجَيشُ مِن ظَمَأٍ وَهُم / في مَهمَهٍ لَيسوا عَلى غُدرانِ
فَلَقوا فَتاةً في الفَلاةِ وَقَد أَتَت / بِمزادَتَينِ بِظَهرِ ذي وَخدانِ
فَدَعا وَسَمّى اللَهَ يَتفُلُ فيهِما / فَاِنهَلَّتا كَمُجَلجلٍ هَتّانِ
فَرووا وَأَنَّ مَزادَتَيها شُدَّتا / وَهُما بِأَزكى الماءِ وافِرَتانِ
فَمَضَت بِبِرٍّ ثُمَّ ماءٍ وافِر / وَهُدى إِلى قَومٍ ذوي أَوثانِ
وَكَذاكَ أَدخَلَ في إِناء كَفَّهُ / وَالجَيشُ من ظَمَأٍ ذَووا هيمانِ
فَلَظَلَّ يَنبُعُ مِن أَصابِعِهِ الرَوى / وَيَرودُ قَلبَ الحائِمِ الحَرّانِ
وَلَقَد تَفَجَّرت الرّكِيُّ بِسَهمِهِ ال / مَغروزِ فيها مِن أَعَزِّ كنانِ
وَأَتى عَلى بِئرٍ تَمَنَّعَ ماؤُها / أَن يُستَقى بِالدَلوِ وَالأَشطانِ
فَغَدَت بِماءٍ فيهِ فاضِل ريقهِ / نَهراً مِنَ الأَنهارِ ذا جَرَيانِ
وَشَكى ذَوو بِئرٍ تَمَنَّعَ ماؤُها / في الصَيفِ عِندَ تَوَقُّدِ الحَرّانِ
فَتَلا عَلى سَبعٍ عُدِدنَ مِنَ الحَصى / ما شاءَ مِن ذِكرٍ وَمِن قُرآنِ
فَرَموا بِها فيها فَلَم يُرَ قَعرُها / مِن بَعدِ مِن ماءٍ بِها مَجانِ
وَتَحَوَّلَ المِلحُ الأُجاجُ بِريقِهِ / عَذباً يَلذُّ لِشارِبٍ ظَمآنِ
وَسَقى فَرَوّى بِالذَّنوبِ حَديقَةً / فَكَفى المشَقَّةَ صاحِبَ البُستانِ
وَاِسمَع حَديثَ أَبي هُرَيرَةَ إِذ غَدا / وَفُؤادُهُ بِالجوعِ ذو أَشجانِ
فَأَتى النَبِيَّ المُصطَفى مُتَعَرِّضاً / فَليبشرِ الدوسِيُّ بِالإِحسانِ
فَأَتاهُ قَعب ملؤُهُ لَبَناً فَلَم / يَملِك طَماعَة جائِعٍ لَهفانِ
قالَ اُدعُ لي الفُقَراءُ أَهلَ الصّفَّةِ ال / شُعثُ الرُؤوس الضُمَّرِ الأَبدانِ
فَأَتوا فَلَم يَصدُر فَتى عَن قَعبِهِ / إِلّا بِصَدرٍ ناعِمٍ رَيّانِ
ثُمَّ اِرتَوى الدوسِيُّ بَعدَ إِياسِهِ / عَلَلاً عَلى نَهلٍ فَثِق بِبَيانِ
وَرَأى اِبنُ مَسعودٍ وَكانَ غليّماً / يَرعى بِأَجرٍ لَم يُعَب بِخِيانِ
فَأَتاهُ عَبدُ اللَهِ بِالشاةِ الَّتي / لَم يَفتَرِعها الفَحلُ بِالنَزَواتِ
فَتَحَلَّبَت لَبَناً لَهُ وَتَقَلَّصَت / فَجَرى بِوفقِ مُرادِهِ الأَمرانِ
وَكَذاكَ مَرَّ بِأُمِّ مَعبَد الَّتي / وَصَفَتهُ وَصفَ المُعرِبِ المتقانِ
فَأَتَت بِشاةٍ حائِلٍ في ماحِلٍ / منعَ العِيال دَرائِر الأَلبانِ
فَدَعا وَسَمّى اللَهَ يَمسَحُ ضرعَها / مَسحاً وَيُمريهِ بِخَيرِ بَنانِ
فَاِجتَرَّت العَجفاءُ بَعدَ مَجاعَةٍ / وَغَدَت تدرُّ بِتُحفَةِ العجلانِ
فَرَووا جَميعاً وَالفَتاةُ وَغادَرَت / مِلءَ الإِناءِ لزَوجِها الغرثانِ
وَسَرى بِقفَرٍ في مِئات أَربعٍ / فاتَتهُم شاةٌ لَها قرنانِ
فَرَووا بِخالِصِ دَرِّها ثُمَّ اِغتَدَت / مِن حَيثُ جاءَت لَم تُصَب بِمَكانِ
وَثَنى إِلَيهِ دَوحَتَينِ فَمالَتا / حَتّى تَخَلَّت مِنهُما الساقانِ
فَأَظَلَّتاهُ وَعادَتا فَإِذا هُما / فَوقَ العُروقِ الخُضرِ قائِمَتانِ
وَدَعا إِلَيهِ بِأَرضِ مَكَّةَ دَوحَةً / فَأَتَت مُحَيّيةً وَلَم تَستانِ
وَأَتاهُ أَعرابِيٌّ اِتّضَحَت لَهُ / سُبُلُ الهُدى بِالقَطعِ وَالإِيقانِ
لَمّا أَتَتهُ دَوحَةٌ شَهِدَت لَهُ / بِنُبُوَّةِ المَلِكِ العَظيمِ الشانِ
وَدَعا بِعذقٍ مِن أَعالي نَخلَةٍ / فَأَتى إِلَيهِ وَعادَ نَحوَ إِهانِ
وَعَلا حراءَ ذات يَومٍ فَاِنثَنى / لِجَلالِهِ مُتَزَلزِل الأَركانِ
فَغَدا يُسَكِّنُهُ وَيشعِرهُ بِمَن / قَد حَلَّهُ مِن خُلَّصِ الأَعيانِ
وَشَكا إِلَيهِ صِيال سانِيَةٍ لَهُم / قَومٌ فَذَلَّ لَهُ البَعيرُ الساني
أَهوى إِلَيهِ ساجِداً مُتَذَلِّلاً / وَأَطاعَهُم مِن بَعدِ ما عِصيانِ
وَكَذاكَ خَرَّ لَهُ بَعيرٌ ساجِداً / قَد أَقبَلَت عَيناهُ بِالهَملانِ
يَشكو إِرادَةَ أَهلِهِ نَحراً لَهُم / فَأَغاثَهُ غَوث الأَسيرِ العاني
وَبِهِ بَطيءُ الخَيلِ أَصبَحَ سابِقاً / لَمّا عَلاهُ وَصارَ خَيرَ حِصانِ
وَبَعير جابِرٍ المُخَلَّفِ بِالوَجى / فيهِ غَدا ذا قَسوَةٍ وَإِرانِ
وَحَديثُهُ بِالغائِباتِ مُؤَيَّدٌ / بِوُقوعِ ما يجلى مِنَ الحدثانِ
كَصَحيفَةٍ دَرَسَ الَّذي قَد أودعت / مِن جورِها ضَربٌ مِنَ الدّيدانِ
قَصَدَت قُريشُ بِها قَطيعَةَ هاشِمٍ / فَأُزيلَ ما فيها مِنَ العُدوانِ
فَدَرى النَبِيُّ بِها فَأَعلَمَ عَمَّهُ / وَالأَمرُ خافٍ مِن ذَوي الطُغيانِ
وَحَديثُهُ بِمَصارِعِ القَتلى عَلى / بَدرٍ غَداةَ تَقابل الصَفّانِ
وَحَديثهُ العَبّاس بِالمالِ الَّذي / أَعطاهُ أُمَّ الفَضلِ في كِتمانِ
وَسَرى عُمَيرٌ نَحوَ طيبَةَ بَعدَ أَن / أَضفى عُقودَ الشَرِّ مَع صَفوانِ
مُتَقَلِّداً بِالسَيفِ يَبغي غِرَّةً / لِمُمَنَّعٍ مِن كَيدِ ذي شَنَآنِ
فَأَتى بِهِ الفاروقُ يُمسِكُ سَيفَهُ / يَخشى مَعَرَّةَ غادِرٍ خَوّانِ
قالَ المُؤَيّدُ خَلِّهِ وَأَذاعَ ما / كانا بِهِ في الغَيبِ يَأتَمِرانِ
فَرَأى عُمَير ما دَعاهُ لِرُشدِهِ / فَاِنقادَ بَعدَ نُفورِهِ لِليانِ
وَتَكَلَّمَت في فَتحِ مَكَّةَ فرقَةٌ / سَمِعوا بِلالاً مُعلِناً بِآذانِ
فيهِم أَبو سُفيانَ كُلٌّ قالَ ما / فيهِ القَذى إِلّا أَبا سُفيانِ
فَأَتاهُم الهادي فَأَخبَرَ بِالَّذي / قالوا وَوُفِّقَ مُمسِكٌ لِلِسانِ
وَقَضى بِصُلحٍ بِعدَهُ سَيُصيبُهُ / بِالسَيِّدِ الحَسَنِ اِبنهِ فِتيانِ
وَلَقَد رَأى رَجُلاً فَأَخبَرَ أَنَّهُ / يَلِدُ الخَوارِجَ شَرَّ ما ولدانِ
وَقَضى بِأَنَّ المَخدِجَ اليَد فيهِم / وَبِهِ عَلِيٌّ كانَ ذا إيقانِ
وَعَلى المَشارِقِ وَالمَغارِبِ جُندُهُ / أَضحَوا بِمَوعِدِهِ ذَوي سُلطانِ
وَبِوَعدِهِ ظَفَروا بِكَنزَي فارِسٍ / وَالرّوم ينفقُ فيهِما الكَنزانِ
وَكَذاكَ أَخبَرَ ذاتَ يَومٍ صَحبَهُ / أَن سَوفَ يَظهَرُ بَعدَهُ صِنفانِ
صنفٌ بِأَيديهِم سِياطٌ تُشبِهُ ال / أَذنابَ مِن بَقَرٍ وَصِنفٌ ثاني
مِن كاسِياتٍ عارِياتٍ فِتنَة / لِلنّاسِ بِالتَمييلِ وَالميلانِ
رُفِعَت كَأَسنِمَةُ الجِمالِ البُختِ / مِن فَوقِ الرُؤوسِ حَبائِلَ الشَيطانِ
وَيَجيءُ قَومٌ لا أَمانَةَ عِندَهُم / مِن عُصبَةٍ ثلجِ البُطونِ سِمانِ
وَسَتَظهَرُ التُركُ الصِغار الأَعيُن ال / دُلف الأُنوفِ مُدَمِّروا البُلدانِ
يَحكي مِجَنّا مُطرِقاً وَجهَ الفَتى / مِنهُم وَقَد ظَهَروا بِهَذا الآنِ
فَتَكوا بِأَطرافِ البِلادِ وَنَحنُ في / ثِقَةٍ بِهِ مِن كَيدِهِم وَأَمانِ
ضَمِنَ النَبِيُّ لِبَيضَةِ الإِسلامِ أَن / لا تُستَباحُ ثِقوا بِخَيرِ ضَمانِ
وَقَضى بِهَرجٍ هائِلٍ هُوَ ظاهِر / في عَصرِنا هَذا مِنَ العجمانِ
قَتَلت طُغاة خَوارِزمَ رِجالنا / وَسَبوا حَريمَ الناسِ بَعدَ صِيانِ
وَكَذاكَ أَخبَرَ أَن سَبَّ صحابهِ / ما لِلمُصِرِّ عَلَيهِ مِن غُفرانِ
عِلماً بِقَومٍ يَجهَرونَ بِسَبِّهِم / مِن كُلِّ غمرٍ فاحِشٍ لَعّانِ
وَسَموا الصَّحابَةَ بِالنِّفاقِ فَيا لَهُ / حَدَثاً تُصَمُّ لِأَجلِهِ الأُذُنانِ
فَلَقَد وَجَدنا وَعدَهُ مُتَيَقّناً / فيما ذَكَرت بِمَسمَعٍ وَعَيانِ
وَالصَّخرُ لانَ لَهُ بِيَومِ الخَندَقِ ال / مَيمونِ لينَ التُربِ وَالأَطيانِ
وَلَقَد تَبَدَّت لِلصَحابَةِ كَدِيَة / لَم يَستَطيعوا حَفرَها بِجفانِ
فَأَتى فَرَشَّ الماءَ رَشّاً فَوقَها / فَغَدَت لَهُ تَنهالُ كَالكُثبانِ
ظَهَرَت قُصورُ الشامِ مِنهُ بِضَربَةٍ / وَقُصورُ فارِس رَبَّة الإيوانِ
ظَهَرَت بِأُخرى ثُمَّ أُخرى أَظهَرَت / يمناً بِضَربَةِ ضامِرٍ سَغبانِ
وَالجِذعُ حَنَّ إِلَيهِ عِندَ فِراقِهِ / شَوقاً حَنينَ الهائِمِ الوَلهانِ
فَأَتى يُسَكِّنُهُ وَقالَ مُخَيِّراً / إِن شِئتَ تَرجِع أَخضَرَ العيدانِ
أَو إِن تَشَأ في الجَنَّةِ العُليا تَكُن / فَاِختارَ غَرساً في نَعيمِ جنانِ
وَبِكَفِّهِ الحَصياتُ سَبعاً سَبَّحَت / وَبِأَمرِهِ في كَفِّ كُلِّ هجانِ
وَهما وَزيراهُ وَعُثمانُ الَّذي / بِكَريمَتَيهِ زَكى لَهُ النورانِ
وَنوت لَهُ حَمّالَةُ الحَطَبِ الأَذى / فَلَبِئسَما هَمَّت بِهِ مِن شانِ
فَأَظَلَّهُ ملكٌ بِفَضلِ جَناحِهِ / فَاِنصاعَتِ اللَكعاء بِالحِرمانِ
وَسَعى أَبو جَهلٍ إِلَيهِ بَعدَ أَن / حَلَفَ اللَعينُ بِأَخبَثِ الأَيمانِ
لَو قَد رَآهُ ساجِداً لَسَطا بِهِ / فَلَكَيفَ أَدبَرَ عَنهُ ذا نكسانِ
لَمّا رَأى مَن لَو دنا لَتَخَطَّفوا / أَعضاءَهُ كَتَخَطُّفِ العِقبانِ
وَأَتاهُ ذو كَيد بِفهرٍ فَاِنثَنى / وَبَنانهُ بِاليَبسِ شَرُّ بَنانِ
وَكَفاهُ رَبُّ العَرشِ شَرَّ عِصابَةٍ / مَرَدوا عَلى السُخرِيِّ وَالطّعنانِ
مُستَهتِرينَ بِأَرضِ مَكَّةَ خَمسَةً / لَم يَكتَمِل لِهَلاكِهِم يَومانِ
وَأَتَت شَياطينُ الفِجاجِ إِلَيهِ في / أَيديهِم شُهُبٌ مِنَ النّيرانِ
يَبغونَهُ كَيداً فَأَطفَأَ نارَهُم / فَتَفَرَّقوا بِمَذَلَّةٍ وَهَوانِ
وَأَرادَ شَيطانٌ أَذاهُ فَشَدَّهُ / بَينَ السَواري شَدَّ عان جانِ
لَولا دُعاء سابِق أَضحى لَفي / وَسَطِ المَدينَةِ لُعبَةَ الصِّبيانِ
وَذراع شاةِ الخَيبَرِيَّة أَصبَحَت / بِالسُمِّ تُخبِرُهُ بِلا أَكنانِ
وَاِنقضّ طائِرٌ اِستَقَلَّ بِحقّةٍ / فَرَمى بِما فيها مِنَ الجنّانِ
وَأَعادَ عَين قَتادَة فَتَمَيَّزَت / بِجَمالِها في وَجهِهِ العَينانِ
وَرَأى بِبابِ خِباءِ قَومٍ ظَبيَةٍ / مَحبوسَةً عَن مَرتَعِ الغزلانِ
نَطَقَت فَنادَتهُ السَلامُ عَلَيكَ كُن / لي مُطلقاً لِأَسير نَحوَ إِراني
قالَ الشَديدُ الحلمِ أَنتِ رَبيطَةٌ / وَنَصيب أَقوامٍ مِنَ الحَيوانِ
قالَت فَلي خشفانِ إِن أَهمَلتني / يَهلِك لفَقدِ رضاعي الخَشفانِ
عذّبتُ كالعشّارِ إِن لَم آتِكُم / مِن بَعدِ أَن أَغذوهُما بلبانِ
فَسَقَتهُما وَأَتَت إِلَيهِ فَشَدَّها / بِحِبالِ قَنّاصٍ أُغِرنَ مِتانِ
وَدَعا بِمالِكِها فَأَطلَقَها لَهُ / فَمَضَت لَها زَجل مِنَ الشُكرانِ
وَأَتى إِلَيهِ حارِسٌ في كمِّهِ / ضَبٌّ وَكانَ المَرءُ ذا كُفرانِ
فَهَدتهُ لِلحُسنى شَهادَةُ ضَبِّهِ / بِرِسالَةِ المَبعوثِ مِن عَدنانِ
وَأَتى أُوَيسٌ وَهوَ ذِئبٌ سائِلاً / قسطاً يَكونُ لَهُ عَلى القِطعانِ
فَأَبوا فَقالَ لَهُ فَخالسهُم إِذاً / فَسَطا تعطّفهُ عَلى البُرحانِ
وَأَتَت يَهودُ معدَّةً لِمَسائِلٍ / فَأَجابَهُم عَنها بِغَيرِ تَواني
عَرَفوا نُبُوَّتَهُ بِها وَبِغَيرِها / لَكِنَّهُم ضَلّوا عَنِ العِرفانِ
وَلَقَد رَأى مِن خَلفِهِ كَأَمامِهِ / وَكَذا النَّهارُ وَلَيلهُ سيّانِ
وَتَنامُ عَيناهُ وَلَيسَ بِغافِلٍ / لَكِن بِقَلبٍ مُبصِرٍ يَقظانِ
وَأَتى إِلى العَبّاسِ ثُمَّ دَعا لَهُ / وَلِولدِهِ في الدارِ بِالغُفرانِ
فَتَلاهُ تَأمينُ الجِدارِ وَقَبلها / لَم يُسمَعِ التَأمينُ مِن جُدرانِ
وَدَعا عَلِيّاً يَومَ خَيبَرَ وَهوَ لا / يَسطيعُ حَرباً أَرمَدَ الأَجفانِ
فَدَعا لَهُ مَع تَفلِ ريقَتِهِ فَلَم / تَرمُد لَهُ مِن بَعدِهِ عَينانِ
وَدَعا لَهُ أَن لا يضرَّ بِجِسمِهِ / حَرٌّ وَلا بَردٌ بِكُلِّ أَوانِ
فَشِتاؤُهُ فيهِ القَميصُ كَجبَّةٍ / وَالصَيفُ فيهِ الفَروُ كَالكِتّانِ
وَكَذا اِبنُ عَبّاسٍ أَعَدَّ طهورَهُ / فَدَعا لَهُ بِالعِلمِ وَالتِبيانِ
فَحَوى العُلومَ وَكانَ طَوراً راسِخاً / فيها وَأَمعَنَ غايَةَ الإِمعانِ
وَشَكا إِلَيهِ وَهوَ فَوقَ المِنبَرِ ال / مَيمونِ شاكٍ ظاهِر البابانِ
يَشكو البِلادَ وَقَحطَها فَدَعا فيا / غَيث السَّماءِ هَلُمَّ بِالهُطلانِ
وَأَقامَ سَبعاً لا يريمُ فَجاءَه / شاكٍ يَخافُ تَهَدُّمَ الحيطانِ
فَدَعا فَأَحدَقَ بِالمَدينَةِ صَحوها / بَل عَن سِواها الغَيثُ لَيسَ بِوانِ
فَأَقامَ شَهراً لا يَمُرُّ مُسافِر / إِلّا بِوادٍ مُفعَم البِطنانِ
وَدَعا بِغَيثٍ ذي صِفاتٍ عدَّة / فَأَتى كَما حَلّا بِلا نُقصانِ
وَدَعا لِشَخصٍ بِالجَمالِ فَجاوَزَ ال / تِسعينَ وَهوَ كَأَجمَلِ الشُبّانِ
وَلَقَد رَوى أَنَسٌ دَعا بِالعُمرِ وال / بَركاتِ وَالأَولادِ لي وَحَباني
فَرَأَيتُ لي مِئَةً وَسِتَّة أَنفُس / لِلصُلبِ كانوا أَبرَكَ الغِلمانِ
وَالكَرمُ يَحمِلُ مَرَّتَينِ وَتجتَني / لِتَضاعُفِ البَرَكاتِ في بُستانِ
وَبَغى أَخو دوسٍ هِدايَةَ أمِّهِ / فَأَبَت فَأَقبَلَ مُستَهلّ الشانِ
وَدَعا لَهُ وَلِأُمِّهِ بِمَحَبَّةٍ / حَلَّت بِباطِنِ كُلِّ ذي إيمانِ
وَدَعا المُهيمن أَن يُسَلِّطَ كَلبَهُ / يَوماً عَلى مُتَمَرِّدٍ فَتّانِ
فَأَظلَّهُ سَفرٌ فَخافَ دُعاءَهُ / فَدَعا بِمَن مَعَهُ مِنَ الأَخدانِ
فَتَحَلَّقوا هُم وَالرَواحِلُ حَولَهُ / فَدَهاهُ بَأسُ غَضَنفَرٍ غَضبانِ
فَاِغتالَهُ مِن بَينِهِم فَإِذا بِهِ / وَسطَ العَرينِ مُمَزَّقُ الجُثمانِ
وَاِشتَدَّ بَردُ غَدوَةٍ فَتَخَلَّفوا / عَنها تَخَلُّفَ عاجِزٍ كَسلانِ
فَدَعا بِكَسرِ البردِ عَنهُم فَاِغتَدوا / يَتَرَوَّحونَ بِفاضِلِ الأَردانِ
هُوَ أَوَّلُ البناءِ خَلقاً آخرٌ / في البَعثِ جَدَّدَ دارِسَ الأَديانِ
وَاِضرِب لَهُ في بَعثِهِ مِن بَعدِهِم / مَثَلاً كَدارٍ قَد بَناها الباني
فَسَمَت وَراقَت غَيرَ موَضِعِ لَبنَةٍ / وَمُحَمَّدٌ هُوَ مُكمِلُ البُنيانِ
فَضلُ الكِرامِ المُصطفينَ جَميعهُم / بَخصائِصَ اِجتَمَعَت لَهُ وَمَعاني
عَمَّ البَرايا بِالرّسالَةِ إِنسِهِم / وَالجِنّ ثمَّتَ خصَّ بِالفُرقانِ
جُعلَت لَهُ الأَرضُ البَسيطَةُ مَسجِداً / وَتُرابُها جُعلَ الطَهورَ الثاني
وَلَهُ الغَنائِمُ حُلّلَت وَلِنصرِهِ / ريحُ الصَّبا كانَت مِنَ الأَعوانِ
وَالرُّعبُ كانَ عَلى مَدى شَهرٍ لَهُ / بِقلوبِ مَن عاداهُ وَخز سِنانِ
خلعَت عَلَيهِ قَطيفَةٌ مِن سُندُسٍ / فَلَهُ اِستِقامَ الزُّهدُ عَن إِمكانِ
وَأَتى إِلَيهِ هَدِيَّة مِن رَبِّهِ / مِن جَنَّةِ الفِردَوسِ قطفٌ داني
وَلَقَد أَتى عَنهُ حَديثٌ مُسنَدٌ / سَأَسوقُ مَعناهُ لِذي نشدانِ
في خصلَتَينِ يَفوقُ آدَمَ فيهِما / وَهُما لِأَهلِ الحَقِّ واضِحتانِ
شَيطانُ آدَم كافِرٌ يغوي وَقَد / وَصَلَت هِدايَتُهُ إِلى الشَيطانِ
وَلزَوجه عَونٌ عَلَيهِ وَإِنَّهُ / بِنِسائِهِ قَد كانَ خَير مُعانِ
وَحَليلَتا نوحٍ وَلوطٍ ضَلَّتا / فَهُما بِرَبِّ العَرشِ كافِرَتانِ
وَنِساؤُهُ الخَيرات هُنَّ نِساؤُهُ / مَع ناعِماتٍ في الجِنانِ حِسانِ
حُرّمنَ أَن ينكحنَ تَعظيماً لَهُ / مِن بَعدِهِ وَعُصِمنَ مِن بُهتانِ
وَهوَ الحَبيبُ وَلَم يَفُتهُ خلَّةٌ / وَلَهُ الكَلامُ وَرُؤيَةُ الرَحمَنِ
لَو أَنَّ موسى في زَمانِ نَبِيِّنا / أَضحى لَهُ تَبَعاً وَلَم يستانِ
وَلذكره المَرفوع مُقتَرِنٌ إِلى / ذِكرِ الإِلَهِ فَلَيسَ يَفتَرِقانِ
بِحَياتِهِ في الحجرِ أَقسَمَ مَن بِهِ / في الشَرعِ يعقدُ مُحكَم الأَيمانِ
وَبَنى عَلى خلق عَظيمٍ وَصفهُ / فَسَمَت لَهُ في المَجدِ غرَّ مَعانِ
وَدَعا جَميع أولي النُّبُوَّةِ بِاِسمِهِم / وَدَعاهُ بِالتَعظيمِ في القُرآنِ
وَكَذاكَ رَدَّ اللَهُ عَنهُ عَلى أولي ال / تَكذيبِ رَدَّ مُماحِل حَنّانِ
وَسِواهُ رَدَّ عَلى الخُصومِ مُماحِلاً / عَن نَفسِهِ فَتَبايَنَ الحالانِ
وَلما أَتى في النّورِ وَالحجَراتِ مِن / تَعظيمِهِ كاف لِذي إيمانِ
فَلَقَد نُهوا أَن يَجعَلوهُ كَبَعضِهِم / عِندَ الخِطابِ وَيَجهَروا بِلِسانِ
الآخرونَ وَلَيسَ عَن نَقصٍ بِهِم / لَكِن تَفَضُّلَ مُحسِن مَنّانِ
هُم يَشهَدونَ عَلى عُيوب سِواهُم / وَعُيوبهم في سُترَةٍ وَصِيانِ
وَهُمُ الكِرامُ السابِقونَ غَداً وَهُم / نِصفٌ لِأَهلِ الفَوزِ أَو ثُلُثانِ
سُبحانَ مَن مَنَحَ النَبِيَّ مُحَمَّداً / مِنهُ بِحُسنِ الخلقِ وَالإِحسانِ
لَكَأَنَّهُ قَد صاغَهُ مِن فِضَّةٍ / وَكَساهُ نوراً ساطِع اللَمَعانِ
مُتَبلّج بادي الوَضاءَةِ باهِر / في الحُسنِ دانَ لِنورِهِ القَمَرانِ
في الوَجهِ تَدويرٌ وَأشربَ حمرَة / فَوقَ البَياضِ الزاهِرِ الخَدّانِ
رَوّاهُما ماءَ الجَمالِ فَأَصبحا / وَهُما بِرَونَقِ رَوضَةٍ نَضِرانِ
رَحِبُ الجَبينِ تَخالُ ضَوءَ جَبينهُ / كَالشَمسِ بَعدَ الصَحوِ في نيسانِ
زانَ اِمتِدادُ الحاجِبَينِ جَبينَهُ / حَتّى كَأَنَّهُما لَهُ نونانِ
بِجَبينِهِ عرقٌ يدرُّ إِذا سَطا / غَضَباً عَلى الأَعداءِ يَومَ طِعانِ
وَإِذا أَتاهُ الأَمنُ زانَ جَبينهُ / عرقٌ تَحَدَّرَ فَوقَهُ كَجُمانِ
في عَينِهِ دَعَجٌ وَفي أَهدابِهِ / وَطَف يَليقُ بِنَرجِسِ الأَجفانِ
أَقنى يَلوحُ النُّور مِن عرنينِهِ / حُلو المَياسِمِ أَشنَبُ الأَسنانِ
يَفتَرُّ عَن مِثلِ اللآلِئِ ضَمَّها / شَفَتانِ كَالياقوتِ مُشرِقَتانِ
كَالمِسكِ نَكهَتُهُ وَأَطيَب مَخبَراً / ما خالَ عَنهُ بِطيبِها البَردانِ
وَالرَّأسُ مِنهُ لَم تُعجِبهُ صَلعَةٌ / وَالشَّعرُ فاقَ مَنابِتَ الرَيحانِ
رَجُلٌ أَثيثُ النَّبتِ لا قططٌ وَلا / سبطٌ يعطّرُ نَشرَ دهنِ البانِ
ما جازَ شَحمَة أُذنِهِ وَلَرُبَّما اِس / تَرخى بِفَرعِهِ الكَتِفانِ
فاقَ الصَّباح بِحُسنِ فَرقٍ يهتَدي / بِضِيائِهِ قَلبُ الفَتى الحَيرانِ
زانَ المُهيمِنُ عارِضَيهِ بِصُنعِهِ / فَهُما بِأَطهَرِ مَنبِتٍ عَطِرانِ
تَتَلألأُ الشّعراتُ نوراً فيهِما / لَهُما السَّنا وَالعِزّ مُكتَنِفانِ
وَكَأَنَّ إِبريقاً مَصوغاً فضَّةً / عُنقٌ لَهُ فاقَت بِحُسنِ لِيانِ
وَالصَدرُ أَنوَرُ فيهِ مَسرَبَة سَمَت / حُسناً كَخَطِّ الكاتِبِ المِتقانِ
وَذِراعُه كَسَبيكَةٍ مِن فِضَّةٍ / وَيزينُ رَحبَ الكَفِّ لينُ بنانِ
هِيَ جَونَةُ العَطّارِ إِن شُمَّت وَإِن / لُمِسَت فَتِلكَ كَزُبدَةِ اللَبّانِ
كَتِفاهُ قَد خُصّا بِأَشرَفِ خاتَمٍ / عَلم النُّبُوَّةَ زينَ بِالخيلانِ
وَالبَطنُ مِنهُ لَم تعبهُ ثَجلَة / هُوَ في الجمالِ وَصَدرِهِ سيّانِ
وَكَأَنَّ ساقَيهِ بِغَرزِ رِكابِهِ / جمّارَتا شَماء بَيضاوانِ
قَدَماهُ خَلقُهُما سَوِيٌّ ثُمَّ لَم / يُدرِكهُما في رِفعَةٍ قَدَمانِ
لا بِالطَويلِ وَلا القَصيرِ وَإِن مَشى / بَينَ الطِوالِ فَأَنضَر الأَغصانِ
لا ظِلَّ في قِصَرِ الزَّمانِ وَطولِهِ / فَوقَ الثَّرى لِقَوامِهِ الرَيّانِ
ما قابَلَ الشَّمسَ المُنيرَةَ في الضُّحى / وَالبَدر وَهوَ بِأَكمَلِ الدَورانِ
إِلّا تَلَألَأَ نورُهُ فَعَلاهُما / فَهُما لَهُ بِالفَضلِ مُعتَرِفانِ
وَإِذا سَنا المِصباح قابَلَ نورهُ / سَلَبَ الذُبال تَشَعشعَ الوقدانِ
أَو ما سَمِعت بِرَبِّهِ النَّطعَ الَّذي / أَضحى لَهُ عَرَقُ النَبِيِّ يُداني
فَلَقَد حَوَتهُ في عَتائِدِ طيبِها / فَشَآ فُنونَ الطيبِ وَالإِدهانِ
وَأَتَتهُ أُمُّ عَروس اِلتَمَسَت لَها / مِنهُ الَّذي هُوَ مُصلِحٌ لِلشانِ
مَلَأَ النَبِيُّ لِهذِهِ قارورَةً / عَرَقاً لَهُ سَمَحَت بِهِ الزندانِ
كانَت يَضوعُ عَلى المَدينَةِ طيبُها / فَيُقالُ هَذا عِطرُ بِنتِ فُلانِ
فَخر المَلابِس كُلّها بِجَمالِهِ / وِبِهِ تُزانُ بَدائِعُ الأَلوانِ
يُنمي إِذا لَبِسَ البَياضَ بَهاؤُهُ / وَيُنيرُ إِن وافى بِأَحمَرَ قانِ
وَيُضيئُ إِن لَبِسَ السَّوادَ بَياضُهُ / حَتَّى يُنَوِّرَ مُظلِمَ الأَكنانِ
وَتَراهُ في خُضرِ الثَيابِ كَرَوضَةٍ / غِبَّ السَماءِ غَضَيضَة الأَفنانِ
وَلَقَد عَلاهُ حُلَّتانِ تَرَوّيا / بِالزَّعفَرانِ الغَضِّ صَفرَوانِ
يُهدي إِلى الحِبَرِ الفَخار إِذا أَتى / وَعَلَيهِ مِن يَمَنِيِّها بُردانِ
مِن كُلِّ أَصنافِ الثِّيابِ لِباسُهُ / مِن قُطنِها وَالصّوفِ وَالكِتّانِ
قَد كانَ يَلبسُ جبَّة مَزرورَة / في الحَربِ عِندَ تَناوُلِ الأَقرانِ
وَكَذاكَ في الأَسفارِ يَلبسُ جُبَّةً / شامِيَةً ضاقَت بِها الكُمّانِ
ما جازَ نِصف السّاقِ مِنهُ قَميصُهُ / وَالكُمُّ مِنهُ حَدُّهُ الكوعانِ
وَلَهُ رِداءٌ أَخضَرٌ يَلقى بِهِ / مَن جاءَ مِن وَفدٍ مِنَ البُلدانِ
وَعِمامَة سَوداء يُشرِقُ وَجهُهُ / فيها لَهُ مِن خَلفِهِ طَرَفانِ
وَلَهُ قُلُنسُوَةٌ لِيَومِ إِقامَةٍ / وَلِظَعنِهِ أُخرى لَها أُذُنانِ
شَرُفَ السَراويلُ المَصونُ بِلِبسِهِ / وَبِلبسِ ساقَيهِ سَما الخُفّانِ
وَحَوَت نِعالَ السَّبقِ فَخراً إِذ حَوى / قَدَمَيهِ مِن مَخصوفِها نَ?
إذا صار قلب العبد للسر معدنا
إذا صار قلب العبد للسر معدنا / تلوح على أعطافه بهجة السنا
وإن فاته المعنى علته كثافة / وأصبح في أفعاله متلونا
وعدت بأمر ليس عندي ريبة / ولا شك فيمن قاله متيقنا
وكنت أظن الأربعين مظنة / لوعدي فجازتني ولم أبلغ المنى
وأربت على الستين مدة عيشتي / كذلك لم أعرف لنفسي موطنا
فإن كان ما أرجو قد أصبح واقعاً / فكل الذي لاقيت أصبح هينا
وإلا فيا حزني وطول ندامتي / وحق لمثلي أن يهيم ويحزنا
وما عاقني إلا هوىً يحجب الفتى / عن الخطة المثلى ويورثه العنا
فإن كان يمحو العذر زلتي التي / حرمت بها الأمر الذي لي عينا
فها أنا منها تائب متنصل / إلى الله ذو السلطان والعز والغنى
وإني إليه خاضع متوجه / بأحمد أزكى شافع لفتىً جنى
محمد المختار من آل هاشم / نبياً رسولاً للصواب مبينا
له الجاه والزلفى إذا قيل من لها / فقال مجيباً دون كل الورى أنا
فينجي جميع الخلق من كرب موقف / به كل وجه للمهيمن قد عنا
وتنقذ من نار الجحيم عصاتنا / شفاعته ممن أسر وأعلنا
وفي هذه الدنيا فإن بجاهه / علينا لظلاً شاملاً طيب الجنى
وفي كل يوم اثنين يعرض كسبنا / عليه وفي يوم الخميس مدونا
فما كان من خير فيحمد ربه / وما كان من سوء فيسأله لنا
فيا خير مبعوث إلى خير أمةً / به أصبحت في الخلق شامخة إلينا
أجرني فما لي غيرك اليوم ناصر / على كيد غاو شره قد تبينا
طليعته نفسي وسلطان جيشه / على هوىً يلقى اللبيب مفتنا
فخذ بيدي يا أمنع الناس معقلا / وأعظمهم جاهاً وأقوى تمكنا
ولا تدعني نهبة لجنوده / وكن لي بحسن الحفظ منه محصنا
فأنت عمادي في حياتي وعدتي / لموتي وذخري في المعاد إذا دنا
سقى جدثاً رحباً حللت بجوه / فأصبح للإحسان والحسن معدنا
غمائم قرب تكسب الروح الرضا / فينبت روض الأنس فيه فيجتني
أنا المدنف الجاني وجهل ألجاني
أنا المدنف الجاني وجهل ألجاني / إليكم فألفاني مكبا على الفاني
فهل يا عظيم الشان لي منك عطفة / فتصلح لي شاني وإن رغم الشاني
ما بين بعدك والتداني
ما بين بعدك والتداني / يا منيتي يفنى زماني
أحيا بقربك تارة / ويميتني بعد المغاني
ما دام لي منك النعي / م ولا الضنا مني بفاني
أطمعتني حتى إذا / ملك الهوى طوعا عناني
أبديت لي منك القلى / أنى وقد غلقت رهاني
بجمال طلعت التي / أنوارها تحيي جناني
ومجال أمواه الحيا / ة على جبينك كالجمان
وبلؤلؤ الثغر الذي / يفتر عن برق يماني
نعم علي بنظرة / فيها الشفاء لما أعاني
ما لي بأثقال الهوى / إن غبت عن عيني يدان