المجموع : 18
قُل لمولاي يا بديع الزمانِ
قُل لمولاي يا بديع الزمانِ / يا هلال الدجى على غصن بانِ
يا مريض الجفون أمرضتَ جسمي / مرضاً من تمرُّض الأجفانِ
يا غزالَ الجنان لا تحرمنّي / جنّةَ الوصل يا غزالَ الجنانِ
جَمَعَ اللهُ فيك يا قرَّة العي / ن جميعَ الصفات والإحسَانِ
فكأني من حُسن وجهك أرعى / ناظري في حدائق البستانِ
وكأني من غُنج ألحاظ عَينَي / كَ أناغي لواحظَ الغزلانِ
وكأني من شَكل قدِّك في شك / ل تثنيّ نواعم الأغصانِ
وكأني من ظَرف لفظك في لَف / ظِ نفيسِ الياقوت والمرجانِ
وكأني عند انبساطك نحوي / زلتُ عن مالكٍ إلى رضوانِ
وكأني عند انتشاقي لأنفا / سِكَ أشتَمُّ نكهة الضيمرانِ
وكأني من طيب ريحك في طي / ب نسيم الأزهارِ والريحانِ
وكأني من وجنتيك أُحَيّا / بجَنَاةِ التُّفّاح من لبنانِ
وكأني من نبت خَدَّيك في نب / تِ رياضِ النسيم والزعفرانِ
مَلَكٌ أَنت لا يُشَكُّ فلن تُج / مَعَ هذي الصفاتُ في إنسانِ
سمرةٌ فوق رقّةٍ تحت طِيبٍ / خَلطُ مسكٍ بماءِ وردٍ وبانِ
خُتِمت هذه الصفات بخالٍ / يصرف العينَ عنك عند العيانِ
سيدي أنتَ معدن الحسن ما ضَر / رَكَ لو كنتَ معدنَ الإحسانِ
يا طبيبَ القلوب قلبي عليلٌ / فتلطّف وافطن لبعض المعاني
ومتى يرتجي العليلُ شفاءً / وهو يلقى الطبيبَ بالكتمانِ
ما تركتُ الشكوى لصبري ولكن / في فؤادي ما لا يؤدّي لساني
فتعطّف بخَلوةٍ تبسط الأُن / سَ ببَثِّ العتاب والأشجانِ
فعسى أن تنالني رحمةُ الوَص / لِ فأنجو من سَخطة الهجران
أستودِعُ الرَّحمنَ بَه
أستودِعُ الرَّحمنَ بَه / جَةَ ذل الوجهِ الحَسَنْ
لم أدرِ بعد فراقِهِ / كيف التلذُّذ بالوسَن
يا سالبي ثوبَ السرو / رِ ومُلبسي ثوبَ الحَزَن
خَلَتِ المنازِلُ منكمُ / فخلا من الرُّوحِ البَدَن
أنا الغريب وإن أصبحتُ في وطني
أنا الغريب وإن أصبحتُ في وطني / إذا تغيّبتَ عنّي يا أبا الحَسَنِ
أوحى إليَّ فؤادي حين أخبرني / بأنَّ لي فَرَجاً من ذلك الحَزَنِ
تاللهِ لا سكنت روحي إلى أحَدٍ / حتّى يعود إلى أوطانه سَكَني
هذا وإن تسلك الأجسامُ ثانيةً / على الحقيقة والأرواحُ في قَرَنِ
راح التناسخ عني يومَ ودَّعَني / وراحَ مُحتَمِلاً روحَين في بَدَنِ
لي حبيب قد شفَّني وبراني
لي حبيب قد شفَّني وبراني / هو دانٍ ووصلُه غير دانِ
إنما حسرتي لقلَّة حظي / من حبيب أراه نصب عياني
أنا كالسبط مات وهو يرى الما / ءَ وشيكاً بغلة الظمآنِ
أنا راضٍ بأن أموت كريماً / وأصونَ الهوى عن الإعلانِ
لم أجد في الهوى مُعيناً أميناً / فلذاك استعنتُ بالكتمانِ
وإذا ما الحبيب كان مَصوناً / صنتُ ودي له وصنتُ لساني
بي حذارٌ إذا أردتُ أُسميِّ / ه كأني أفطرتُ في رمضان
قد تجافيتُ عن هواه لإبقا / ئي عليهِ ولو درى ما جفاني
فكأني على صراطٍ من الصَّب / رِ أُرَجّي به حلولَ الجنانِ
كان ظنّي به جميلاً فصَرَّف / تُ ظنوني إلى وجوهٍ حسانِ
سوف أُخلي له فؤادي وعَينَي / يَ فعَلّي أخلو به في مكانِ
أو عسى أن أنال ما أتمنّى / فألاقي مفتاح باب الأماني
قد كتمنا الهوى مكاتمة الخو / ف عسى أن نفوز فوز البيان
فهجرناكمُ وسبحان مَن يَع / لَمُ ما تحت ذلك الهجرانِ
نار شوقٍ بلا دخانٍ تَلَظّى / هل رأيتم ناراً بغير دخانِ
كيف لا أتَّقي الهوى بتوقٍ / والهوى من محفِّزات الهوان
بيَ سكرٌ وقد تغافلتُ عنه / وطريفٌ تغافُل السكرانِ
غالطت عينيَ الرقيبَ عياناً / ومليحٌ مخالطات العيانِ
ومتى يرتجي العليلُ شفاءً / وهو يلقى الطبيبَ بالكتمانِ
ما تركتُ الشكوى لصبري ولكن / في فؤادي ما لا يؤدّي لساني
فتعطّف بخَلوةٍ تبسط الأُن / سَ ببَثِّ العتاب والأشجانِ
فعسى أن تنالني رحمةُ الوَص / لِ فأنجو من سخطة الهجرانِ
لا تُكبِروا من ملاح المرد إنسانا
لا تُكبِروا من ملاح المرد إنسانا / ما الحُسن والطِّيب إلا عبد ظِبيانا
نفديك من كاملٍ حُسناً وإحسانا / تُحيي وتقتل أحياناً فأحيانا
تبارك اللَهُ ماذا فيك من بدعٍ / في الجسم والوجه إسراراً وإعلانا
كأنما عجن الكافورُ طينتَه / بالزعفران فعَلَّى منه كثبانا
وصيغ أعلاه من نورٍ ومن ظُلَمٍ / وجهاً وفرعاً يمجُّ المسك والبانا
فالفرع من سَبَجٍ والخد من ضَرَجٍ / والطَّرف من غنجٍ يلقاك وسنانا
فمن تنزَّه يوماً في محاسنه / فليس مُستحسِناً ما عاش بستانا
ومن تنفس من أنفاسه نَفَساً / لم يرضَ ما عاش أن يشتمَّ ريحانا
كأنما اللَه أوحى إذ براه إلى / خزائن المسك ممّا طاب أو لانا
بأن تُؤلِّف من نَشرٍ جواهرها / وقال كوني على التأليف إنسانا
كأنه قبَّة من فضَّةٍ قسِمت / في ملتقى الخَور أردافاً وأعكانا
كأنه مُحَّةٌ من فرط نَعمته / تكاد تجري من الأثواب أحيانا
تراه كالماء رجراجاً ومَلمسه / كالنار حرّاً فتلقى اللونَ ألوانا
تبدو له حركات من حرارتها / ولينه يستحيل الماء رَيّانا
قد قلتُ إذ حار طرفي في محاسنه / ولم أزل شاخصَ العينين حيرانا
لا شك أنت من الجنّات مسترَقٌ / أو هارب فمتى فارقتَ رضوانا
فاستضحكته على عجبٍ مساءَلتي / وقلتُ لمّا رأيتُ الثغر قد بانا
لم ترضَ إذ جئتَنا من جنةٍ هرباً / حتى سرقتَ لنا في فيك مرجانا
ليس الحبيب الذي يأتيك مؤتزراً / مثلَ الحبيب الذي يأتيك عريانا
سيدي لِم خدعتَني بالتمنّي
سيدي لِم خدعتَني بالتمنّي / لِمَ أعرضتَ إذ تمكَّنتَ منّي
تذنب الذنبَ ثم تغضب من ذن / بك عمداً يا ظالمي بتَجَنِّ
أنت روحي فمن يعيش بلا رو / حٍ أبِن لي إذا تغيَّبتَ عنّي
خنتَ عهدي وقد تبدَّلتَ بعدي / يا حبيبي ما كان ذلك ظنّي
هيَّجني تذكرُ الأظعانِ
هيَّجني تذكرُ الأظعانِ /
والغانيات الخُرَّدِ الحسانِ /
يا صاحبيَّ الآن فاسقياني /
لعلَّ يُشفى ألمُ الهجرانِ /
هذا أوان الشرب والقيانِ /
والمجلس الغضّ من الريحانِ /
أما ترى شقائق النعمانِ /
تضحك في بحبوحة البستانِ /
زماننا من أطيب الزمانِ /
لولا جوى الحرقة والأحزانِ /
لحُبِّ مَن في يده عناني /
مَن لا أراه وهو لا يراني /
أشكو إلى ذي قدرةٍ مكاني /
بَثّي وحر لي ألم القيانِ /
لم يدرِ إسراري ولا إعلاني /
إلا الذي بحبِّه ابتلاني /
عُبَيدُ يا غصنَ بانِ
عُبَيدُ يا غصنَ بانِ / يا نسلَ حورِ الجِنَانِ
عبيدُ يا تاج / صبيحة المهرجانِ
يا زينة العيد حُسناً / يا نزهة البستانِ
يا ليلة العرس طِيباً / ويا غداةَ الخِتانِ
يا برء كلِّ سقامٍ / يا عزَّ كلِّ هوانِ
يا منتهى المتمني / ويا رضا الغضبانِ
يا طلعة الوصل بعد ال / صُدُودِ والهجرانِ
يا فرحة الرزق من بَع / دِ ترحةِ الحِرمانِ
يا ليلة القَدر يا مَن / فيه جميع الأماني
ويا هلال سرورٍ / بالفطر من رمضانِ
جمعتَ كلَّ الملاحا / ت من جميع المغاني
بديع حُسنٍ وخَلقٍ / في شَكل ظَرف القِيانِ
وفي تشنُّع لُوطِي / وفي تفتُّح زانِ
وحسن دلِّ الغواني / وسادةِ الغِلمانِ
أُنموذج الحور مَعهُ / أُنموذج الوِلدانِ
بدائع الحسن كلٌّ / جُمِعنَ في إنسانِ
فالقدُّ للأغصانِ / والرِّدف للكثبانِ
والعين للغِزلانِ / والرِّيح للرَّيحانِ
والخدُّ للعقيانِ / والثَّغر للمَرجانِ
الوجه فيه صفاتٌ / يكلُّ فيها لساني
أراك من حُورِ عدنٍ / سُرِقتَ من رضوانِ
فإن تكن آدَمِيّاً / فليس مثلَكَ ثانِ
لا يُنسِينّي سرورٌ لا ولا حَزَنُ
لا يُنسِينّي سرورٌ لا ولا حَزَنُ / وكيف لا كيف يُنسى وجهُك الحَسَنُ
ولا خلا منك روحي لا ولا بدني / كُلّي بكُلِّك مشغول ومُرتَهَنُ
يا واحد الحسن مالي منك مذ علقت / روحي بروحك إلا الشوق والحزَن
نورٌ تولَّد من شمسٍ ومن قمر / حتى تكامل فيه القدُّ والغُصُنُ
إن يكن في البدور فنٌّ من الحُس
إن يكن في البدور فنٌّ من الحُس / نِ ففيمن أُحبُّه كلُّ فنِّ
يا مليح الدلال حلو التجنّي / غاب عنّي السرورُ مذ غبتَ عني
يا غزال الجنان أهداك رِضوا / نُ إلينا ففيك كلُّ التمنّي
أنت بانُ المِلاح من حور عدنٍ / جنس طيبٍ عليه من كلِّ حُسنِ
ليلُ شَعرٍ من تحته بدرُ وجهٍ / موج ردفٍ من فوقه قدُّ غصنِ
أين للبدر مثل هذا التَّلالي / أين للغصن مثل هذا التثنّي
شهدت خجلةٌ لخدَّيك عني / أنّ عينيك للعيون تُرَنّي
فإذا ما نظرتَ قَلَّبتَ هارو / تَ وماروتَ بين عينٍ وجفنِ
فلو اَنِّي اشتريتُ وصلك يوماً / بحياتي ما كانَ ذاك بغَبنِ
ظُبَيٌّ نفى عن جُفَيني الوَسَنْ
ظُبَيٌّ نفى عن جُفَيني الوَسَنْ / فبتُّ سقيماً أُقاسي الحَزَنْ
مليح الدلال بديع الجما / لِ معتدل القدِّ يحكي الغُصُنْ
أمات فؤادي بلحظاته / وأورَث جسمي سقاماً وَهَنْ
فقلبي سقيم وجسمي نحيلٌ / ودمعي غزيرٌ هطولٌ هَتِنْ
تشاكينا بألحاظ الجفونِ
تشاكينا بألحاظ الجفونِ / لبُقيانا على الودِّ المصونِ
إذا خفنا ظنوناً نتَّقيها / تَجمَّلنا لتكذيب الظنونِ
نعارض بالصدود ظنونَ قومٍ / فتعترض الشكوك على اليقينِ
ولم نأمن سوى اللحظات رُسلاً / حذاراً من حسود أو خؤونِ
ولم نكن اطحر إذا تحاشا / لنأتمن الشمال على اليمين
أكاد لفرط إشفاقي أُوَقيّ / حبيبي من إشارات الظنونِ
أرى حُبِّيكَ فيه ضروب عقلٍ / وحُبُّ الناس ضربٌ من جنونِ
فمن يك بالإذاعة مستغيثاً / فليس على الأحبَّة من أمينِ
أيحسن يا حبيب بأن تراني / أُصافيك الوداد وتجتويني
فيا مَن صِيغ من طيبٍ ونور / وكلُّ الناس من ماءٍ وطينِ
معاذ اللَه ما هذي المعاني / وهذا الحسن من ماءٍ مهينِ
ولكن أنتَ من نورٍ صفيٍّ / وطيبٍ شِيبَ بالماء المَعينِ
فإن تكُ مِثلَنا بشراً سَويّاً / فماذا النور في هذا الجَبينِ
فوجهك مُعلَمٌ بطراز شكلٍ / وجسمك مُرتَدٍ برداء لينِ
كأنَّ تثنيَ الأعطافِ منه / نسيم الريح يلعب بالغصونِ
غزال البَرِّ بزَّ الصبرُ قلبي / لعلي أصطفيك وتصطفيني
فإن كنّا تشاكينا جميعاً / فمما أتَّقيك وتتقيني
إن كان لفظي كريهاً فاصطبر فعلى
إن كان لفظي كريهاً فاصطبر فعلى / كره العلاج يصحُّ اللَهُ أبدانا
لولا العوارضُ ما طاب العتابُ لنا / لولا قصارتنا للثوب ما زانا
إني أُعاتب إخواني وهم ثقتي / طوراً وقد تُصقَل الأسياف أحيانا
هي الذنوب إذا ما كُشِّفَت درسَت / من القلوب وإلا صِرنَ أضغانا
أهديتُ ما لو أنَّ أضعافَه
أهديتُ ما لو أنَّ أضعافَه / مُطَّرحٌ عندك ما بانا
كمثل بلقيس التي لم يَبِن / إهداؤها عند سليمانا
هذا امتحان لك إن تَرضَهُ / بانَ لنا أنك ترضانا
دُرِّيَّة اللون فيه مُشرَبةً
دُرِّيَّة اللون فيه مُشرَبةً / حمرةُ خمرٍ تمازج اللَّبَنا
كاللؤلؤ الرطب لونُ ظاهِرِهِ / وفيه ماء العقيق قد بَطَنا
إني لفي غربةٍ مذ غبتَ يا سكني
إني لفي غربةٍ مذ غبتَ يا سكني / وإن ظللتُ أُرى في الأهل والوطنِ
وكان الصديق يزور الصديقَ
وكان الصديق يزور الصديقَ / لشرب المدام وعزف القيانِ
فصار الصديق يزور الصديقَ / لبثِّ الهموم وشكوى الزمانِ
من حديثي أن ابنَ بكرٍ دعاني
من حديثي أن ابنَ بكرٍ دعاني / لشقائي فليته ما دعاني
غرَّني منه منظرٌ ولباسٌ / وأثاث ومجلس وأَوَانِ
مجلس كالجنان حسناً ولكن / قبَّح الجوعُ حُسنَ تلك الجنانِ
فلعمري كان الخوانُ ولكن / لم يكن ما يكون فوق الخوانِ
وجفان مثل الجوابي ولكن / ليس فيهنَّ ما يُرى بالعيانِ
وَغضَار الألوان جاءت ولكن / ليس فيها روائح الألوانِ
فإذا ما أدرتُ فيها بناني / لم أجد ما أمسُّه ببناني
إنني ماضغٌ على غير شيءٍ / غير صكِّ الأسنان بالأسنانِ
ترجع الكفُّ وهي أفرغ منها / عند مدّي لها فدأبي وشاني
لو تراني والجوع يضحك منّي / عند غسلي يديَّ بالأشنانِ
زاد في السكر مسرفاً مثلما أس / رَفَ عند الطعام بالنقصانِ
والغضارات فارغات أتَتنا / وسقانا بالمترع الملآنِ
سكرةٌ فوق جوعةٍ تركتني / راحماً كلَّ جائعٍ سكرانِ