المجموع : 23
يا بني الحرب ما بنو الحب إلّا
يا بني الحرب ما بنو الحب إلّا / مثلكم في لقاءِ صَرْفِ المنونِ
أنتمُ بالكفاح صَرْعى العوالي / وهم بالملاحِ صَرْعى العيونِ
فسيوفُ القيون أقْطَعُ منها / بين أهل الهوى سيوفُ الجفونِ
أدِمِ المروءةَ والوفاءَ ولا يكنْ
أدِمِ المروءةَ والوفاءَ ولا يكنْ / حبل الديانة منك غيرَ متينِ
والعزّ أبقى ما تراه لمكرم / إكرامُهُ لمروءَةٍ أو دينِ
وذاتِ عَيْنٍ من الغزلان فاترَةٍ
وذاتِ عَيْنٍ من الغزلان فاترَةٍ / كأنّما السحرُ فيها همَّ بالوَسَنِ
لها سنانٌ من الألحاظِ صَعْدَتُهُ / غُصْنٌ يميسُ برمّانٍ من الفتنِ
حُسّانةُ الجيدِ في خَلْقٍ تَقومُ به / فتعجَبُ الشمسُ من تقويمه الحسنِ
هَنّتْ بلحظٍ ولفظٍ فالهوى بهما / يخوض قلبي من عيني ومن أذني
تَيّاهةُ الدلّ لا تنفكّ في فَرَحٍ / إذا رأتني من الهجرانِ في حزنِ
تحركي وسكوني عن إرادتها / كأنّ روحَ هواها مالكٌ بدني
رَدَدْتُ الملامَ على العاذلينْ
رَدَدْتُ الملامَ على العاذلينْ / وَحَقّقْتُ شَكّهُمُ باليقينْ
وقلتُ سيغفرُ ربّ العبادِ / ذنوباً تُعَدّ على المذنبين
فكلّلْتُ رَوْضَ الشّبابِ الأنيق / بروضٍ نضيرٍ وماءٍ معين
وراحٍ ترى نارَها في المزاجِ / تصوغُ من الماءِ صُغْرَى البُرين
لياليَ تمرح في دُهْمِها / مراحَ السّوابق بالموجفين
وداجيَةً خلتُها كَحّلَتْ / بِكُحْلِ الدّجى أعْيُنَ النَّاظرين
طما بحرها فركبتُ الكؤوس / إلى ساحل البحرِ منها سفين
وتحْسَبُ ظلمةَ أحشائها / تُجن من النور عنّا جنين
كَأنّ نُجومَ دياجيرها / أقاحي رياضٍ على الأفقِ غين
كأنّ لها أسداً مخرجاً / لعينيك جبهته من عرين
وحمراءَ تنشرُ ريّا العبير / وفي طَيّهِ فَرَحٌ للحزين
معتَّقَةٌ شُقّ عنها الثّرَى / وحيّ السرور بها في دفين
تَرَبّتْ مع الشمس في عمرها / مُنَقَّلَةً في حُجورِ السّنين
ركضتُ بها الليلَ في نشوةٍ / أصَلّي لها بسجودِ الجبين
هناك ظفرتُ بلا ريبةٍ / بصيديَ حوراء من سرْبِ عين
تَنَفّسْتُ في نحرِ كافورَةٍ / تضمّخُ بالطيبِ في كلّ حين
وقَبّلْتُ خداً تَرَى ورده / نضيراً يشق عن الياسمين
ولما وَشَتْ بِحِمامِ الدّجَى / حمائمُ يَنْدُبْنَهُ بالرّنين
تَحَيّرْتُ والصّبّ ذو حيرةٍ / إلى أن حسبت شمالي اليمين
وخاضَ بيَ الحزْنُ بحرَ الدّموع / فأرخصْتُ درّ المآقي الثمين
وقد عجبَ الليلُ من مُغْرَمٍ / بكى من تَبَسّمِ صُبْحٍ مُبين
وذاتِ ذوائبٍ بالمسكِ ذابَتْ
وذاتِ ذوائبٍ بالمسكِ ذابَتْ / بَلغْتُ بها المُنى وَهْيَ التّمَنّي
مُنَعَّمَةٌ لها إعزازُ نَفْسٍ / يُصرَّفُ دلُّها في كلّ فنِّ
شموسٌ من ملوك الرّوم قامَتْ / تدافعُ فاتكاً عن فَتْحِ حِصنِ
بخدّ لاحَ فيه الوردُ غَضّاً / وغصْنٍ ماس بالرّمّان لَدْنِ
فطالَتْ بيننا حَرْبٌ زبُونٌ / بلا سيفٍ هناك ولا مجنِّ
وفاضَتْ نَفْسُها الحمراءُ منها / وسالَتْ نفسيَ البيضاءُ منّي
كَأنّما النيلوفر المُجْتَنى
كَأنّما النيلوفر المُجْتَنى / وقد بدا للعينِ فَوْقَ البنانْ
مداهنُ الياقوتِ محمرّةً / قد ضُمّنَتْ شَعْراً من الزّعْفرَان
ومُديمةٍ لَمْعَ البروقِ كأنّما
ومُديمةٍ لَمْعَ البروقِ كأنّما / هَزّتْ من البيضِ الصفاحِ متونا
وسرتْ بها الرّيحُ الشمالُ فكم يدٍ / كانت لها عند الرّياض يمينا
صرَختْ بصَوْتِ الرّعد صرْخة حامل / ملأتْ بها الليلَ البهيمَ أنينا
حتى إذا ضاقتْ بمضمر حملها / ألْقَتْ بحجرِ الأرضِ منه جنينا
قطراً تَنَاثَرَ حَبُّهُ فلوَ اَنّهُ / دُرٌّ تنظّمه لكان ثمينا
وكأنّما عُمْي الرياضِ بدمعه / كُسِيَتْ من الزّهْرِ الأنيقِ عيونا
ومطلعةِ الشموسِ على غصونٍ
ومطلعةِ الشموسِ على غصونٍ / مُضَاحِكَةٍ عن الدّرّ المصونِ
كأنّ السحرَ جيءَ به طبيباً / ليبرئهنّ مِنْ سَقَم العيونِ
فلمّا لم يجدْ فيها علاجاً / أقامَ محَيَّراً بين الجفونِ
ولم أرَ قبلها مُقَلاً مِرَاضاً / مُحَرَّكَةَ الملاحةِ بالسكونِ
تُنَفَّذُ في القلوب لها سهامٌ / مُنَصَّلَةٌ بفولاذِ المَنُونِ
عَذّبْتني بالعُنْصُرَيْنِ
عَذّبْتني بالعُنْصُرَيْنِ / بلظى حشاي وماءِ عيني
ألْبَسْتِي سَقَماً أرا / كِ لَبِسْتِهِ في الناظرينِ
جسمي هو الطّيْفُ الّذي / يُدْنِيهِ منكِ طِلابُ ديني
ولقد خَفِيتُ من الضّنا / وأمِنْتُ لَحْظَ الكاشحينِ
ولئن سلمتُ من الرّدى / فلأنّهُ لم يدر أيْني
لم أسْلُ عنْهُ وقد سَلا عنّي
لم أسْلُ عنْهُ وقد سَلا عنّي / فالذّنْبُ منه وضِدّهُ منّي
قمرٌ ملاحاتُ الورى جُمِعَتْ / في خَلْقِهِ فَنّاً إلى فَنِّ
قد كان يبلغُ من مواصلتي / ظنّي وفوقَ نهايةِ الظنِّ
ويضيفُ ريقَتَهُ بقبلتِهِ / كَإضافةِ السلوى إلى المنِّ
فاليومَ ينفرُ من ملاحظتي / كَنِفارِ إنْسيٍّ من الجنِّ
ومُستَحسَنٍ في كلّ حالٍ دلالها
ومُستَحسَنٍ في كلّ حالٍ دلالها / كبيرٌ هواها وهيَ في صِغَرِ السنِّ
تُراعي بعينٍ تغمزُ الناسَ في الهوى / وتقرأُ منها السحرَ في مَرض الجفْنِ
كأنّكَ منها ناظر إنْ تَبَسّمَتْ / إلى بَرَدٍ تجلوهُ بارقَةُ الدّجْنِ
ترى قَدّها في نشوةٍ من رَشَاقَةٍ / فهل خَلَعَتْ منه على الغُصُن اللدنِ
بنفسيَ من جسْمي حديثٌ بحبّها / وَطَرْفيَ منها رائدٌ روضة الحسنِ
يا صورةَ الحُسْنِ الَّتي طَلَعَتْ
يا صورةَ الحُسْنِ الَّتي طَلَعَتْ / بالشمسِ في خُوطٍ من البانِ
ما بالُ بلقيسيّ حُسْنِكِ لا / يَحْنو على وَجْدي السُّلَيماني
لمّا وجدتُ هَواكِ خامَرَني / أيقنتُ أنّ هواك روحاني
لا تنكري داءً نحلتُ به / فبِسُقْم طرْفِك سُقْم جثماني
يا كيْفَ أكْتُمُ حبّ فاتكةٍ / يبديه إسراري وإعلاني
إنْسيّةٌ ذكرى محبّتها / جنيّةٌ بالشّوقِ تَغْشاني
ولقد يخامرُني بها شَغَفٌ / لا يُفْتَدَى منه بسلواني
يا من يجازيني بسيّئةٍ / أكذا يكون جزاءُ إحساني
وأبي هواكِ وما حلفتُ به / إلّا وكانَ الصّدقُ من شاني
لا طابَ لي طِيبُ الحياة ولا / خَطَرَ الكرى بضميرِ أجفاني
حتى أرى والوَصْلُ يجمعنا / إنسانَ عينك نُصْبَ إنساني
أعليتَ بين النجم والدّبرانِ
أعليتَ بين النجم والدّبرانِ / قصراً بناهُ من السعادة بانِ
فَضَحَ الخوَرنَقَ والسديرَ بحسنه / وسما بقمّتِهِ على الإيوانِ
فإذا نَظَرْتَ إلى مَرَاتبِ مُلكه / وبدتْ إليك شواهدُ البرهانِ
أوْجَبْتَ للمنصور سابقةَ العُلى / وعَدلْتَ عن كسرَى أنوشروانِ
قصرٌ يقصِّرُ وهو غير مقصِّر / عن وصفه في الحسن والإحسانِ
وكأنّهُ من دُرّةٍ شَفّافَةٍ / تُعْشي العيونَ بشدّة اللمعانِ
لا يَرْتقي الرّاقي إلى شرفاتِهِ / إلا بمعراج من اللحظانِ
عرّجْ بأرض الناصرّية كي تَرَى / شَرَفَ المكان وقدْرَةَ الإمكانِ
في جنّةٍ غَنّاءَ فِرْدَوْسِيّةً / محفوفةٍ بالرَّوحِ والرّيحانِ
وتوقّدتْ بالجمر من نارنجها / فكأنّما خُلِقَتْ من النّيرانِ
وكأنّهنّ كراتُ تبرٍ أحمرٍ / جُعِلَتْ صوالجها من القضبانِ
إن فاخر الأترجُّ قال له ازدجر / حتى تحوزَ طبائع الإيمانِ
لي نفحةُ المحبوب حين يَشمني / طيباً ولونُ الصّبّ حين يَراني
منّي المصبَّغ حين يبسط كفّه / فبنانُ كلّ خريدة كبناني
والماءُ منه سبائكٌ فضيّةٌ / ذابتْ على دَرَجاتِ شاذروانِ
وكأنّما سيفٌ هناك مُشَطَّبٌ / ألقَتْهُ يوم الحرب كفّ جبانِ
كم شاخصٍ فيه يطيلُ تَعَجّباً / من دوحَةٍ نَبَتتْ من العقيانِ
عَجَباً لها تسقي الرياض ينابعاً / نَبَعَتْ من الثّمَرَاتِ والأغصانِ
خصّتْ بطائرَةٍ على فَنَنٍ لها / حَسُنَتْ فَأُفْرِدَ حُسْنُها من ثانِ
قُسّ الطيورِ الخاشعاتِ بلاغةً / وفصاحةً من منطقٍ وبيانِ
فإذا أُتيحَ لها الكلامُ تَكَلّمَتْ / بخريرِ ماءٍ دائمِ الهملانِ
وكأنّ صانِعَها استبدّ بصنعةٍ / فخرَ الجمادُ بها على الحيوانِ
أوْفتْ على حوْضٍ لها فكأنّها / منها إلى العَجَبِ العُجابِ رواني
فكأنّها ظَنّتْ حلاوةَ مائها / شهداً فذاقتْهُ بكلّ لسانِ
وزرافةٍ في الجوفِ من أنبوبها / ماءٌ يريكَ الجري في الطيرانِ
مركوزة كالرمح حيثُ ترى له / من طعنه الحلق انعطاف سنانِ
وكأنّها ترْمي السماء ببندق / مستنبطٍ من لؤلؤ وجمانِ
لو عاد ذاك الماءُ نفطاً أحرقت / في الجوّ منه قميصَ كلّ عنانِ
في بركةٍ قامتْ على حافاتها / أُسْدٌ تذلُّ لعزّة السلطانِ
نزَعتْ إلى ظلم النفوس نفوسها / فلذلك انتزعتْ من الأبدانِ
وكأنّ بَرْدَ الماءِ منها مُطفئٌ / ناراً مُضَرَّمَةً من العدوانِ
وكأنّما الحيّات من أفواهها / يَطرَحنَ أَنفُسَهن في الغدرانِ
وكأنّما الحيتان إذ لم تخشها / أخذت من المنصور عقد أمانِ
كم مجلسٍ يجري السرور مسابقاً / منه خيولَ اللهو في ميدانِ
يجلو دماهُ على الخدود ملاحةً / فكأنّهُ المحراب من غمدانِ
فسماؤه في سمكها علويَّةٌ / وقبابه فَلَكِيّةُ البنيانِ
أدهمٌ كالظلام تشرقُ فيه
أدهمٌ كالظلام تشرقُ فيه / شَعَرَاتٌ منيرةٌ للعيونِ
كالّذي يخضب المشيبَ ويبقي / شاهدات بهنّ نفي الظنونِ
للّه شمسٌ كانَ أولها السّها
للّه شمسٌ كانَ أولها السّها / كَحَلَ الظلامُ بنورها أجفاني
جادَ الزّنادُ بِعُشْوَةٍ فتَخيّرت / قَصَرَ الجفيفةِ بعد طول زمانِ
شعواءُ باتتْ تَرْمَحُ الريح التي / أمْسَتْ تجاذبها شليل دخانِ
وكأنّما في الجوّ منها رايةٌ / حمراءُ تخفق أو فؤاد جبانِ
أقبلتها من وجه أدهم غُرَّةً / فأرتْك كيف تَقَابَلَ القمرانِ
في ظلّ منسدل الدجى جارتْ به / عيني التي هُدِيَتْ بأذن حصاني
للّه واصفةٌ مُعَرَّسَ سادةٍ / وهناً لعينك باضطراب لسانِ
نزلوا بأوطان الوحوش وما نبا / بهمُ زمانُهُمُ عن الأوطانِ
خطّافة الحركات ذات مساعر / حملت جفونَ مراجلٍ وجفانِ
كالبحر أعلاها اللهيبُ وقعرها / جمرٌ كمثل سبائك العقيانِ
تَشوي اللطاةَ على سواحل لجها / للطارقين شواءة اللحمانِ
من كلّ منسكب السماحة يلتظي / في كفّه اليمنى شواظُ يماني
وإذا ابن آوى مدّ ذات رُنُوِّهِ / كَحَلَتْهُ بابن حَنِيّةٍ مرنانِ
متوسّدين بها عبابَ دروعهم / إنّ الدروع وسائدُ الشُجعانِ
يتنازعونَ حديثَ كلّ كريهةٍ / بِكْرٍ تَصَالوا حرّها وعوانِ
صرعوا الأوابدَ في الفدافد بالقنا / وخواضب الظلمان في الغيطانِ
من كلّ وحشيّ يُسابقُ ظِلَّهُ / حتى أتاه مسابقُ اللحظانِ
صِيدٌ إذا شهدوا النديّ همى الندى / فيه ونيط الحسن بالإحسانِ
من كلّ صَبٍّ بالحروبِ حياتُهُ / مشغُوفَةٌ بمنيّةِ الأقرانِ
في متن كلّ أقبّ تحسبُ أنّه / برقٌ يصرِّفه بوَحْي عنانِ
وإذا تَضَرّمَتِ الكريهة واتقى / لفحاتِها الفرسان بالفرسانِ
وثنى الجريحُ عنانه فكأنّما / خُلِعَتْ عليه معاطف النشوانِ
وعلى الجماجم في الأكف صوارمٌ / ففراشها بالضرب ذو طيرانِ
قدّوا الدروعَ بقضبهم فكأنّما / صَبّوا بها خُلُجاً على غدرانِ
وَأرَوْكَ أنّ من المياه مَناصِلاً / طُبِعَتْ مضاربها من النيرانِ
أخذتْ سفاقسُ منك عهدَ أمانِ
أخذتْ سفاقسُ منك عهدَ أمانِ / وَرَدَدتَ أهليها إلى الأوطانِ
أطلقتَ بالكرم الصريح سراحَهُمْ / فرعوا بقاعَ العزّ بعد هوانِ
وعطفتَ عطفةَ قادمٍ أسيافُهُ / غُمِدَتْ على الجانين في الغفرانِ
كم من مُسيءٍ تحتَ حكمك منهمُ / قَلّدْتَهُ مِنَناً من الإحسانِ
ومروَّعٍ وقع الردى في رُوعِهِ / أطفأت جَمْرَةَ جَوْفهِ بأمان
كان الزّمانُ عدوّهم فثنيْتَهُ / وهو الصّديقُ لهم بلا عُدوانِ
أمسى وأصبح طيبُ ذكركَ فيهمُ / بأريجِهِ يَتَأرّج الملوانِ
ولقد يكون من الضلوع حديثُهُم / في مُعْضِلاتِ تَوَقّعِ الحدثانِ
يا يَوْمَ رَدّهِمُ إلى أوطانِهِمْ / لرددتَ أرواحاً إلى أبدانِ
نزَلتْ بك الأفراحُ في عَرَصَاتهمْ / وبها يكونُ تَرَحّلُ الأحزانِ
فِلَذُ القلوب إلى القلوب تَراجعتْ / في مُلْتَقَى الآباءِ بالولدانِ
والأمّهاتُ على البناتِ عَواطِفٌ / والمشفقاتُ على اللّداتِ حوانِ
سُرَّ القرابةُ بالقرابةِ منهمُ / وتَأنّسَ الجيرانُ بالجيرانِ
وَتَزَاوَرَ الأحبابُ بعد قطيعةٍ / دخلتْ بذكر الودّ في النّسيانِ
في كلّ بيتٍ نعمةٌ وَمَسَرّةٌ / شربوا سُلافتها بلا كيزانِ
ودُعاؤهم لك في السماء مُحَلّقٌ / حتى لضاقَ بعرضه الأفقانِ
كحجيج مكة في ارْتفاع عجيجهم / وطوافهمْ بالبيتِ ذي الأركانِ
صَيّرْتَ في الدّنْيا حديثك فيهمُ / مثلاً يمرّ بأهل كلّ زمانِ
فخرٌ يقيمُ إلى القيامة ذكرُهُ / مثلَ الشنوفِ تُناطُ بالآذانِ
لك يا ابن يحيى في علائك مُرْتَقى / لم تَرْقَهُ من أكبرٍ قدمانِ
إن كنتَ في الأيمان أشرعتَ القنا / فبها أقمْتَ شرائعَ الإيمانِ
أو كان فضْلُك ليس يُجحدَ حقُّه / فعليه مُتّفِقٌ ذوو الأديانِ
أو كنْتَ مرهوبَ الأناةِ فكامنٌ / فيها وثوبُ الضيغم الغضبانِ
لا يأمنِ الأعداءُ وقعَ صوارمٍ / نامتْ مناياهُنّ في الأجفانِ
فلها انتباهٌ في يديكَ وإنّها / لقطوف هامات الجُناةِ جَوانِ
كم للعدى في الروع من خَرَسٍ إذا / نطقَ الرّدى لهمُ من الخُرصْانِ
لله دَرّكَ من هُمامٍ حازمٍ / يَرْضى ويغضَبُ في رضى الرحمانِ
للَّه منك جميلُ صنعٍ سائحٌ / في الأرضِ منْه حديثُ كل لسانِ
سرّحْتَ مالكِ من يمينِ سميحةٍ / والمال في اليمنى السميحة عانِ
إنِّي امرؤ أبني القريض ولا أرى / زَمَناً يحاولُ هدْمَ ما أنا باني
صَنعٌ بتحبيرِ الثناءِ وَحَوْكِهِ / فكأنّما صنعاءُ تحت لساني
وأفيدُ نوّارَ البديع تضوّعاً / مُتَنَسمّاً بدقائقِ الأذهانِ
والشعرُ يسري في النفوس ولا كما / يَسْري معَ الصّهباءِ والألحانِ
ولقد شأوتُ الريح فيه مُسَابقاً / من بعد ما أمسكتُ فضْل عِناني
وطعنتُ في سنّ الكبير وما نبا / عن طَعنِ شاكلة البديع سناني
ولوَ انّني أصْفَيْتُ منه لولّدتْ / علياك في فكري ضروبَ معاني
فافخرْ فإنّكَ من مُلوكٍ لم يَزَلْ / لهمُ قديمُ مَفَاخرِ الأزمانِ
ولقد عكفتَ على مواصلَةِ النّدى / فكأنّهُ حُبٌّ بلا سلوانِ
وغمرْتَ بالطَّوْلِ الزّمانَ فقلْ لَنا / أهُوَ الهواءُ يعمّ كلّ مكانِ
نُفْني مدائِحَنا عَلَيكَ لأنَّها / سُقيَتْ ظماءً منك ماءَ بنانِ
والرّوْضُ إن رَوّى الغمامُ بقاعَهُ / أثْنى عليه تَنَفّس الريحانِ
سنحتْ في السرْبِ من حورِ الجنانْ / ظبيةٌ تبسم عن سِمْطَيْ جُمان
وكأنّ العَيْنَ منها تجتلي / بَرَداً للبرق فيه لَمَعَان
بنتُ سبعٍ وثمانٍ وَجَدَتْ / عُمُري ضَرْبَكَ سبعاً في ثمان
في شبابٍ بهجٍ وفّى لها / وثنى ريعانَهُ عنّي فخان
يستبي النّاسكَ منها ناظرٌ / ساحرُ الطرْفِ عليلُ اللّحظان
وأثيثٌ ذو عقاصٍ غَيّمَتْ / فيه للمندل أنفاسُ دخان
يا لها من جنّةٍ رمّانُها / ما دَرَتْ ما لمسُهُ راحةُ جان
يا عليلَ القلب كم ذا تشتهي / سَوْسَنَ النحرِ وَعُنّابَ البنان
وأوانُ الهجرِ لا يُجْنى به / ثَمَرٌ كان لها الوَصْلُ أوان
إذ شبَابي غَضّةٌ أوراقُه / وحديثي تُحَفٌ بين الحسان
وقطوفُ اللهوِ من قاطفها / دانياتٌ ببنيّاتِ الدّنان
كلّ عذراءَ عجوز قد علا / رأسَها في الدنّ شيبُ القُمُّحان
وكأنّ الكفّ من حُمرَتِها / غُمِسَتْ أنْملها في الأرجُوَان
صرْفُها يقسو فيبدي غضباً / فإذا أرضَيْتَهُ بالمزْجِ لان
رَبّةَ القُرْطِ الذي أحسبه / راشَ للقلب جَنَاحَ الخفقان
إن يكُنْ سحركِ قد خُصّ بهِ / لحظُ طرفٍ منك أو لفظُ لسان
فعليٌّ بأسُهُ خُصّ بِهِ / حدُّ سيفٍ منه أو حدُّ سنان
منعم تهوى القوافي مَدْحَهُ / أو مَا ناظِمُ مَعناها مُعان
معرقٌ في المجد من آبائه / أُسُدِ الرّوع وأملاكِ الزمان
جلّ مِنْ شبلٍ أبوه قَسْوَرٌ / بَطَلُ الحرْبِ بكفّيْهِ جبان
إن تلا يحيى عليٌّ في العلى / فبما دانَ من الإِحسان دان
كلّ يومٍ في المعاني قدرُهُ / بسماءِ الملك يَنْمي للعيان
وهلالٌ أوّلُ البدرِ الّذي / يَرْتدي بالنور منه الأفقان
كم طريدٍ مُستقِرٍّ عندهُ / من حَرُورِ الخوْفِ في ظلّ أمان
وفقيرٍ مُعْسِرٍ قد صانَهُ / من مهين الفقر بالمال المهان
كان في غير حماه غرضاً / لِسِهامٍ فُوّقَتْ بالحدثان
في جَفافِ العُدْمِ حتى غرَفَتْ / من يديه في الغنى منه يدان
يشتري بالحمدِ فَقْراً كيفَ لا / يُشْتَرى باقٍ معَ الدّهْرِ بفان
جادَ حتى قيلَ هلْ أموالهُ / عند أهل القصد في صَوْن اختزان
وإذا الهيجاءُ شَبّتْ نارُهَا / بالرّقاقِ البيضِ والسُّمرِ اللدان
وأثارتْ شُزَّبُ الجُرْدِ بها / عِثْيَراً يَسودّ منه الخافقان
فكأنّ الليلَ مما أظلمتْ / جُنّ أو ألقى على الأرض جِران
صادَ بالبأس عليٌّ صِيدَها / وَثَنى منها عن النصر عِنان
بيمينٍ صَيّرَتْ خاتمها / تاجَ عَضْبٍ يقطفُ الهامَ يمان
وكأنّ الليْثَ من صَعْدَتِهِ / بفؤادِ الذِّمْرِ يعني أفعوان
يسْرقُ المهجةَ من عامِلِهِ / في أضاةِ الدرع للنار لسان
لست أدري أدَمٌ في رمحه / مِنْ جَنَانِ الدهرِ أم وردِ الجنان
يا ابن يحيى أنتَ ذو الطَّوْل الذي / أوّلٌ نائله والبحر ثان
فابقَ للمعروفِ في العزِّ وَدُمْ / من علوّ القدر في أعلى مكان
وعلى وجهك للبشرِ سنا / وعلى قَصْدِكَ للنّجْمِ ضَمان
أإنْ بَكَتْ ورقاءُ في غُضْنِ بانْ
أإنْ بَكَتْ ورقاءُ في غُضْنِ بانْ / تصَدّعتْ منك حصاةُ الجَنانْ
وأذكرَتْهُ من زمانِ الصّبا / طيبَ المغاني والغواني الحسان
كيفَ رَمَتْ بالنّارِ أحشاءَهُ / ذاتُ هديلٍ في رياضِ الجِنَان
يُرَنّحُ الغصْنَ نسيمٌ بها / مُعَانقٌ بين الغصون اللّدان
ومقلتاها لو بكتْ عنهما / فاللؤلؤ الرّطبُ له مقلتان
ما ذاك إلا لنوى غربةٍ / قسا عليها الدهرُ فيها ولان
حمامةَ الأيك أبيني لنا / من أين للعجماءِ نُطقُ البيان
هل خانكِ المخزونُ من دمعَةٍ / بكى بها عنك فمن خان هان
يا ليلةً عَنّتْ لِعَينَي شجٍ / للدمع ما بينهما لجّتان
سوداءُ تُخفي بين أحشائِها / من فَلَقِ الإصباح طفلاً هِجان
كأنّما قرطُ الثريّا لَهُ / في أُذْنِها خفقُ فؤادِ الجبان
كأنّما فوقَ قذالِ الدّجى / لجامُ طِرْفٍ ما له من عنان
كأنّما الإظلام بحرٌ طما / والشرقُ والغربُ له ساحلان
كأنّما الخضراءُ من زُهرِها / روضة خرقٍ نورها أقحوان
كأنّما النّسران قد حَلّقا / كي يُبْصِرَا حرْباً تُثيرُ العُثَان
كأنّما انقضّا وقد آنسا / مصارعَ القتلى التي ينعيان
كأنّما الجوزاءُ مختالةٌ / تسحبُ فضلاً من رداء العنان
كأنّها راقصةٌ صَوّبَتْ / وزاحمَ الغربَ بها منكبان
كأنّما شُدّتْ نطاقاً فما / تبدو لها تحتَ ثيابٍ يدان
كأنّما الشهبُ الّتي غَرّبَتْ / شهبُ خيولٍ في استباقِ الرّهان
كأنما الصّبحُ له راحةٌ / تلقط في الآفاق منها جمان
نَكّبْتُ عن ذِكْرِ الهوى والمها / ونفيها للشيخِ غير الهوان
واهاً لأيّامِ الشبابِ الذي / ظلّ به يحلم حتى اللّسان
سلني عن الدّنْيا فعندي لها / في كلّ فنّ خَبَرٌ أو عيَان
فما على الأرض عليمٌ بما / تجتمع الشهبُ له في القران
ولا مكانٌ تتجارى به / خيلُ القوافي غيرُ هذا المكان
ولا ندىً فيه ضروبُ الغنى / إلا ندى هذا مليكِ الزّمان
هذا عليٌّ نجل يحيى الّذي / في قَصْدهِ نيلُ المنى والأمان
هذا الذي في الملك أضحى له / عِرْضٌ مصونٌ ونوالٌ مُهَان
هذا الذي شامَ لنصرِ الهُدى / منْ غيرِ شمّ كلَّ عَضْبٍ يمان
مَنْ بِشرُهُ تَرْجَمَ عن جوده / والجودُ في البشر له ترجمان
من تلزمُ الناسَ له طاعةٌ / قد أمرَ اللهُ بها في القُرَان
فَمَشْرِقَا الأرضِ على فضله / لمغربيها أبداً حاسدان
القاتلُ الفقرَ بسيفِ الغنى / بحيثُ حدّاهُ له راحتان
والثابتُ الحلمِ إذا ما هَفَتْ / له من الحلم هضابُ الرّعان
لا يَعْرِضُ المطلُ لانجازه / ولا يشين المنّ منه امتنان
تمنّ ما شئتَ على فضله / من الأماني وعليه الضمان
مُملَّكٌ تخفقُ راياته / فيتّقِيهِ مّنْ حَوَى الخافقان
لقاؤه مُرْدٍ لأقرانه / إذا تلاقتْ حلقات البطان
يبني بركضِ الجرد من أرضه / سماءَ نقع يومَ حَرْبٍ عوان
يكرّ كاللّيْثِ مُبيداً إذا / ما عَرّدَ النكسُ وَخامَ الهدان
ضرْباً وطعناً بشبا مُنْصُلٍ / كأنّه لفظٌ له معنيان
نورُ هُدىً في الصّدر من دسته / ونارُ بأسٍ فوْق ظهر الحصان
لا تخشَ من كيد عدوّ الهدى / إنّ عليّاً لَعَلَيْهِ مُعَان
عانى خداعَ الحربِ طفلاً فما / يُقعْقعُ القِرْنَ له بالشنان
حَمى حِمى الإسلامِ من ضَيمهِ / واستنصرَ الحقَّ به واستعان
يقدّمُ الأبطال في جحفلٍ / والطيرُ والوحشُ له جحفلان
معتادةً أكْلَ لحوم العدى / غدت خماصاً ثم راحت بطان
من كلّ ذئبٍ أو عُقابٍ له / كلَّ مكرٍّ فيه شلوٌ خِوَان
من كلّ مرهوب الشّذا مُقدمٍ / بَرْدٌ عليه حرُّ لَذْعِ الطّعان
يَغْشَى بِهِ الطِّرْفُ صدورَ القنا / فهو سليمُ الرّدْفِ دامي اللَّبَان
إذا التقى الجمعانِ في مأزِقٍ / وَفَلّ بالطّعْن سنانٌ سنان
يا من يُفيضُ العرفَ من راحةٍ / مفاتحُ الأرزاقِ منها بنان
بقيتَ للجودِ حليفَ العُلى / فأنْتَ والجودُ رضيعا لبان
وإن تلاكَ العيدُ في بهجَةٍ / فأنْتَ عيدٌ أوّلٌ وهو ثان
أرأيتَ لنَا ولهم ظُعُنا
أرأيتَ لنَا ولهم ظُعُنا / وصنيعَ البين بهمْ وبنا
أرأيتَ نشاوَى قد سكروا / بكؤوسِ نوىً مُلئتْ شجنا
ومهاً نَظَرَتْ ونواظرُها / وَصَلتْ دمناً وجفت دمنا
رحلوا فأثار رحيلُهُمُ / من حرّ ضلوعك ما كمنا
وحسبتُ سرابَ تتابعهمْ / لججاً وركائبَهمْ سُفُنا
ومهاً نَظَرَتْ ونَوَاظرُها / خُلِقَتْ لنواظرنا فتنا
من كلّ مُوَدِّعةٍ نَطَقَتْ / بالسّرّ مدامعُهَا عَلَنَا
سفرتْ لوداعك شمسَ ضحىً / وَثَنَتْ بكثيبِ نقا غُصُنا
ورَمَتْكَ بمقلةِ خاذلةٍ / هَجَرَتْكَ وعاوَدتِ الوَسنَا
وترى للسحر بها حركاً / فبه تؤذيك إذا سكنا
كثرتْ في الحبّ بها عللي / فظهرتُ أسىً وخفيتُ ضنى
يا وجدي كيف وجدت به / روحي وغدوت له بَدنا
دَعْ ذكرَ نَزُوحٍ عنك نأى / وتَبَدّلْ من سَكَنٍ سَكَنَا
ونزولَ هواكَ بمنزلةٍ / كَتَبَتْ زمناً ومحتْ زمنا
واخضبْ يمناك بِقانِية / فلها فَرَجٌ ينفي الحزنا
وتريك نجوماً في شَفَقٍ / يَجلو الظلماءَ لهنّ سنَا
من كفِّ مطرِّفَةٍ عَنَماً / كالبدر بَدا والرئمِ رنا
لا ينكثُ فيها ذو شَغَفٍ / بالعَذْلِ وإن خلعَ الرّسنا
إنّي استوليتُ على أمدي / ووطئتُ بفطنتيَ الفِطَنَا
وسبقتُ فمنْ ذا يلحقني / في مدح عُلا الحسنِ الحسنا
ملكٌ في الملك له هِمَمٌ / نَالَتْ بيمينيه المنَنا
قُرِنَتْ باليُمْنِ نَقيبَتُهُ / والعفوُ بقدرتِهِ قُرنا
كالشمسِ نأتْ عن مبصرها / بُعْداً وسناها منه دنا
من صانَ الدينَ بِصَولَتِهِ / وأذلّ بعزّتهِ الوَثَنَا
من يَحْدِرُ فقراً عنك إذا / فاضَتْ نعماهُ عليك غِنَى
ورأى مَنْ ضنّ فضائلَهُ / فسخا وتَشَجّعَ مَنْ جَبُنَا
وإذا ما أَمَّ له حَرَماً / مَنْ خافَ مِنَ الدنْيا أمِنَا
ولئنْ هدَم الأموالَ فَقَدْ / شادَ العلياءَ بها وبنى
إن صانَ العِرْضَ وأكْرَمهُ / فقذال الوفر قد امتهنا
وكأنّ الحجّ لساحته / في يوم نداه يومُ مِنى
ولنا من فَضْلِ مَذاهِبِهِ / آمالٌ نَبْلُغُها ومُنى
وصَوَارمُ للأقدارِ فلا / تقفُ الكفّارُ لها جُنَنَا
تَشْدوه إذا سكرتْ بدمٍ / في ضرب جماجمهم غننا
يَتَنَبّعُ ماءُ تألُّقِهَا / فيقالُ أفي سَكَنٍ سكنا
لا رَوْضَ ذَوَى منها قِدماً / بالدّهْرِ ولا ماءٌ أسنا
وتسيلُ سيولُ جحافله / فحقائقها تنفي الظَّنَنا
وإذا ما هَبْوتُها كَثُفَتْ / تجِدُ العقبانُ بها وُكُنَا
إن ابنَ عليّ حازَ عُلاً / فالفعلُ له والقولُ لنا
قَمَرٌ تُسْتَمْطَرُ مِنه يَدٌ / فتجودُ أناملُه مُزُنا
ينحو الآراءَ بفكرته / فيصيبُ لها نُقَباً بِهِنَا
من غُلْبِ أسُودٍ ما عَمَرُوا / إلّا آجامَ ظباً وقَنَا
وكأنّ الحربَ إذا فتحَتْ / تبدي لهمُ مرأىً حَسنَا
وتخالهمُ فيها ادّرَعوا / بِسَلُوق وقد سَلّوا اليَمنَا
وكأنّ سوابغَهُمْ حَبَبٌ / قد جاشَ بهم ماءٌ أجِنا
يغشى الإظلامَ بها الضرغا / مُ فتجعَلُ مُقْلَتَهُ أذُنا
ولهم بإزاءِ قرابتهم / أسماءٌ نُعْظِمُها وَكُنَى
شَجَرٌ بالبّرِ مورّقَةٌ / ننتابُ لها ظلّاً وَجَنى
وإذا مَتَحَتْ مُهجاً يدُهُ / جعل الخطّيّ لها شطنا
وكفاه الرمحُ فَعالَ السيف / فقيل أيضربُ مَنْ طَعَنا
يا من أحيا بالفخر له / بمكارمه أدباً دُفِنَا
فأفادَ الشّعرَ مُنَقِّحه / وأصابَ بمنطقِهِ اللّسنَا
أشبهتَ أباكَ وكنتَ بما / أشبهتَ مَعاليه قمنا
وحصاةُ أناتك لو وُزِنَتْ / أنْسَتْ برجاحتها حَضَنَا
أنشأتَ شوانيَ طائرةً / وبنيتَ على ماءٍ مُدُنا
ببروجِ قتالٍ تحسبها / في شُمّ شواهقها قُنَنَا
ترْمي ببروجٍ إنْ ظَهَرَتْ / لعدوٍّ محرقةً بَطَنَا
وبنفطٍ أبيضَ تَحْسَبُهُ / ماءً وبه تذكي السّكَنَا
ضَمِنَ التوفيقُ لها ظَفَراً / من هُلْكِ عداتك ما ضمنا
أنا مَن أهدى لك مُمْتَدحاً / دُرَراً أغليتُ لها ثمنا
وقديمُ الوِرْدِ جديدُ الحَمْدِ / هناك أفوهُ به وهنا
ومدَحتُ غلاماً جدّ أبيك / وها أنذا شيخاً يَفَنَا
وتخذتُ تَجِنّةَ لي وطناً / وهجرتُ صقلّيَةً وطنا
لَقِيَتكَ عُداتُكَ صاغرَةً / ترجو من نَوْءَيْكَ الهُدنا
فسحابُ نداكَ هَمَتْ مِنَحاً / وسماءُ ظباك هَمَتْ مَحنَا
وبقيتَ بقاءَ مجاهدة / وسلكتَ لكلّ عُلاً سفُنُا
لا ذَنْبَ للطِّرْفِ في مَعْداهُ يوم كبا
لا ذَنْبَ للطِّرْفِ في مَعْداهُ يوم كبا / بالبحرِ والطّوْدِ والضّرْغامِ من حَسَنِ
والبدرِ إذ في يديه للنّدى سُحُبٌ / سواكبٌ عَشْرُها تنهلّ بالمِنَنِ
ونفسِ مَلكٍ عظيم قدرُها رجحتْ / بأنفسِ الخلقِ من قيسٍ ومن يمنِ
وكيفَ يحمل هذا كلَّهُ فَرَسٌ / لو أنّه ما رَسَا من هضبتي حضنِ
لَعَلّهُ في سجودٍ يَوْمَ كَبْوَتِهِ / لديه لمّا علاه سيّدُ الزّمنِ
يا مُسْدياً من نداهُ كلّ مَكرُمَةٍ / ومجرياً في مداه شُزّبَ الحُصُنِ
كأنّ رُمْحَكَ في تصريفه قَلَمٌ / مجاولاً بطويل الذابل اليزَنِ
تقتادُ جيشَكَ للهيجَاءِ معتزِماً / والعزّ منك ونصرُ اللَّه في قرنِ
وتلقطُ الرمحَ من أرضِ الوَغى بيدٍ / والطِّرْفُ يجري كلمح البرق في الحَزَنِ
ويلتقي طرفاهُ إن هَزَزْتهما / كأنّما طرفاهُ منه في غصنِ
لمّا سلمتَ طَفِقْنَا في تضرّعنا / ندعُو لكَ اللَّهَ في سرٍّ وفي عَلَنِ
وأنت للخلقِ رأس قد سلمت لهم / فليس يشكونَ من سُقْمٍ على بدنِ
وما أنا ممّن يرْتضي الهَجْوَ خُطّةً
وما أنا ممّن يرْتضي الهَجْوَ خُطّةً / على أنّ بَعْضَ الناسِ أصْبَحَ يهجوني
أُسالِمُ من ألفيتُ قدري كقَدْرِهِ / وأُعْظِمُ مَن فوْقي وَأحقرُ مَن دوني
ولو شِئتُ يوماً لانتصرتُ بِمِقْوَلٍ / يُحِيلُ على الأغراض حدّ السكاكين