المجموع : 13
أَلا يا غُرابَ البَينِ في الطَيَرانِ
أَلا يا غُرابَ البَينِ في الطَيَرانِ / أَعِرني جَناحاً قَد عَدِمتُ بَناني
تُرى هَل عَلِمتَ اليَومَ مَقتَلَ مالِكٍ / وَمَصرَعَهُ في ذِلَّةٍ وَهَوانِ
فَإِن كانَ حَقّاً فَالنُجومُ لِفَقدِهِ / تَغيبُ وَيَهوي بَعدَهُ القَمَرانِ
لَقَد كانَ يَوماً أَسوَدَ اللَيلِ عابِساً / يَخافُ بَلاهُ طارِقُ الحَدَثانِ
فَلِلَّهِ عَينا مَن رَأى مِثلَ مالِكٍ / عَقيرَةَ قَومٍ أَن جَرى فَرَسانِ
فَلَيتَهُما لَم يَجرِيا نِصفَ غَلوَةٍ / وَلَيتَهُما لَم يُرسِلا لِرَهانِ
وَلَيتَهُما ماتا جَميعاً بِبَلدَةٍ / وَأَخطاهُما قَيسٌ فَلا يُرَيانِ
لَقَد جَلَبا حَيناً وَحَرباً عَظيمَةً / تَبيدُ سَراةَ القَومِ مِن غَطَفانِ
وَقَد جَلَبا حَيناً لِمَصرَعِ مالِكٍ / وَكانَ كَريماً ماجِداً لِهِجانِ
وَكانَ لَدى الهَيجاءِ يَحمي ذِمارَها / وَيَطعَنُ عِندَ الكَرِّ كُلِّ طِعانِ
بِهِ كُنتُ أَسطو حينَما جَدَّتِ العِدا / غَداةَ اللَقا نَحوي بِكُلِّ يَماني
فَقَد هَدَّ رُكني فَقدُهُ وَمُصابُهُ / وَخَلّى فُؤادي دائِمَ الخَفَقانِ
فَوا أَسَفا كَيفَ اِنثَنى عَن جَوادِهِ / وَما كانَ سَيفي عِندَهُ وَسِناني
رَماهُ بِسَهمِ المَوتِ رامٍ مُصَمِّمٌ / فَيا لَيتَهُ لَمّا رَماهُ رَماني
فَسَوفَ تَرى إِن كُنتُ بَعدَكَ باقِياً / وَأَمكَنَني دَهرٌ وَطَولُ زَمانِ
وَأُقسِمُ حَقّاً لَو بَقيتَ لَنَظرَةٍ / لَقَرَّت بِها عَيناكَ حينَ تَراني
أَرى لي كُلَّ يَومٍ مَع زَماني
أَرى لي كُلَّ يَومٍ مَع زَماني / عِتاباً في البِعادِ وَفي التَداني
يُريدُ مَذَلَّتي وَيَدورُ هَولي / بِجَيشِ النائِباتِ إِذا رَآني
كَأَنّي قَد كَبِرتُ وَشابَ رَأسي / وَقَلَّ تَجَلُّدي وَوَهى جَناني
أَلا يا دَهرُ يَومي مِثلُ أَمسي / وَأَعظَمُ هَيبَةً لِمَنِ اِلتَقاني
وَمَكروبٍ كَشَفتُ الكَربَ عَنهُ / بِضَربَةِ فَيصَلٍ لَمّا دَعاني
دَعاني دَعوَةً وَالخَيلُ تَردي / فَما أَدري أَبِاِسمي أَم كَناني
فَلَم أُمسِك بِسَمعي إِذ دَعاني / وَلَكِن قَد أَبانَ لَهُ لِساني
فَفَرَّقتُ المَواكِبَ عَنهُ قَهراً / بِطَعنٍ يَسبُقُ البَرقَ اليَماني
وَما لَبَّيتُهُ إِلّا وَسَيفي / وَرُمحي في الوَغى فَرَسا رِهانِ
وَكانَ إِجابَتي إِيّاهُ أَنّي / عَطَفتُ عَلَيهِ خَوّارَ العِنانِ
بِأَسمَرَ مِن رِماحِ الخَطِّ لَدنٍ / وَأَبيَضَ صارِمٍ ذَكَرٍ يَمانِ
وَقِرنٍ قَد تَرَكتُ لَدى مَكَرٍّ / عَلَيهِ سَبائِبا كَالأُرجُوانِ
تَرَكتُ الطَيرَ عاكِفَةً عَلَيهِ / كَما تَردي إِلى العُرسِ البَواني
وَتَمنَعُهُنَّ أَن يَأكُلنَ مِنهُ / حَياةُ يَدٍ وَرِجلٍ تَركُضانِ
فَما أَوهى مِراسُ الحَربِ رُكني / وَلَكِن ما تَقادَمَ مِن زَمانِ
وَما دانَيتُ شَخصَ المَوتِ إِلّا / كَما يَدنو الشُجاعُ مِنَ الجَبانِ
وَقَد عَلِمَت بَنو عَبسٍ بِأَنّي / أَهُشُّ إِذا دُعيتُ إِلى الطَعانِ
وَأَنَّ المَوتَ طَوعُ يَدي إِذا ما / وَصَلتُ بَنانَها بِالهِندُواني
وَنِعمَ فَوارِسُ الهَيجاءِ قَومي / إِذا عَلِقوا الأَعِنَّةَ بِالبَنانِ
هُمُ قَتَلوا لَقيطاً وَاِبنَ حُجرٍ / وَأَردَوا حاجِباً وَاِبني أَبانِ
إِنّي أَنا عَنتَرَةَ الهَجينُ
إِنّي أَنا عَنتَرَةَ الهَجينُ / فَجُّ الأَتانِ قَد عَلا الأَنينُ
يُحصَدُ فيهِ الكَفُّ وَالوَتينُ / مِن وَقعِ سَيفي سَقَطَ الجَنينُ
عِندَكُمُ مِن ذَلِكَ اليَقينُ / عَبلَةُ قَومي تَرَكِ العُيونُ
فَيَشتَفي مِمّا بِهِ الحَزينُ / دارَت عَلى القَومِ رَحى المَنونِ
أَنا في الحَربِ العَوانِ
أَنا في الحَربِ العَوانِ / غَيرُ مَجهولِ المَكانِ
أَينَما نادى المُنادي / في دُجى النَقعِ يَراني
وَحُسامي مَع قَناتي / لِفِعالي شاهِدانِ
أَنَّني أَطعَنُ خَصمي / وَهوَ يَقظانُ الجَنانِ
أَسقِهِ كَأسَ المَنايا / وَقِراها مِنهُ داني
أُشعِلُ النارَ بِبَأسي / وَأَطاها بِجِناني
إِنَّني لَيثٌ عَبوسٌ / لَيسَ لي في الخَلقِ ثاني
خُلِقَ الرُمحُ لِكَفّي / وَالحُسامُ الهِندُواني
وَمَعي في المَهدِ كانا / فَوقَ صَدري يُؤنِساني
فَإِذا ما الأَرضُ صارَت / وَردَةً مِثلَ الدُهانِ
وَالدِما تَجري عَلَيها / لَونُها أَحمَرُ قاني
وَرَأَيتُ الخَيلَ تَهوي / في نَواحي الصَحصَحانِ
فَاِسقِياني لا بِكَأسٍ / مِن دَمٍ كَالأُرجُوانِ
أَسمِعاني نَغمَةَ الأَس / يافِ حَتّى تُطرِباني
أَطيَبُ الأَصواتِ عِندي / حُسنُ صَوتِ الهِندُواني
وَصَريرُ الرُمحِ جَهراً / في الوَغى يَومَ الطِعانِ
وَصِياحُ القَومِ فيهِ / وَهوَ لِلأَبطالِ داني
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي راحاتُهُ
يا أَيُّها المَلِكُ الَّذي راحاتُهُ / قامَت مَقامَ الغَيثِ في أَزمانِهِ
يا قِبلَةَ القُصّادِ يا تاجَ العُلا / يا بَدرَ هَذا العَصرِ في كيوانِهِ
يا مُخجِلاً نَوءَ السَماءِ بِجودِهِ / يا مُنقِذَ المَحزونِ مِن أَحزانِهِ
يا ساكِنينَ دِيارَ عَبسٍ إِنَّني / لاقَيتُ مِن كِسرى وَمِن إِحسانِهِ
ما لَيسَ يوصَفُ أَو يُقَدَّرُ أَو يَفي / أَوصافَهُ أَحَدٌ بِوَصفِ لِسانِهِ
مَلِكٌ حَوى رُتَبَ المَعالي كُلَّها / بِسُمُوِّ مَجدٍ حَلَّ في إيوانِهِ
مَولىً بِهِ شَرُفَ الزَمانُ وَأَهلُهُ / وَالدَهرُ نالَ الفَخرَ مِن تيجانِهِ
وَإِذا سَطا خافَ الأَنامَ جَميعُهُم / مِن بَأسِهِ وَاللَيثُ عِندَ عِيانِهِ
المُظهِرُ الإِنصافَ في أَيّامِهِ / بِخِصالِهِ وَالعَدلَ في بُلدانِهِ
أَمسَيتُ في رَبعٍ خَصيبٍ عِندَهُ / مُتَنَزِّهاً فيهِ وَفي بُستانِهِ
وَنَظَرتُ بِركَتَهُ تَفيضُ وَماؤُها / يَحكي مَواهِبَهُ وَجودَ بَنانِهِ
في مَربَعٍ جَمَعَ الرَبيعَ بِرَبعِهِ / مِن كُلِّ فَنٍّ لاحَ في أَفنانِهِ
وَطُيورُهُ مِن كُلِّ نَوعٍ أَنشَدَت / جَهراً بِأَنَّ الدَهرَ طَوعُ عِنانِهِ
مَلِكٌ إِذا ما جالَ في يَومِ اللِقا / وَقَفَ العَدُوُّ مُحَيَّراً في شانِهِ
وَالنَصرُ مِن جُلَسائِهِ دونَ الوَرى / وَالسَعدُ وَالإِقبالُ مِن أَعوانِهِ
فَلَأَشكُرَنَّ صَنيعَهُ بَينَ المَلا / وَأُطاعِنُ الفُرسانَ في مَيدانِهِ
أُحِبُّكِ يا ظَلومُ فَأَنتِ عِندي
أُحِبُّكِ يا ظَلومُ فَأَنتِ عِندي / مَكانَ الروحِ مِن جَسَدِ الجَبانِ
وَلَو أَنّي أَقولُ مَكانَ روحي / خَشيتُ عَلَيكِ بادِرَةَ الطِعانِ
إِذا خَصمي تَقاضاني بِدَينِ
إِذا خَصمي تَقاضاني بِدَينِ / قَضَيتُ الدَينَ بِالرُمحِ الرُدَيني
وَحَدُّ السَيفِ يُرضينا جَميعاً / وَيَحكُمُ بَينَكُم عَدلاً وَبَيني
جَهِلتُم يا بَني الأَنذالِ قَدري / وَقَد عَرَفَتهُ أَهلُ الخافِقينَ
وَما هَدَمَت يَدُ الحِدثانِ رُكني / وَلا اِمتَدَّت إِلَيَّ بَنانُ حَيني
عَلَوتُ بِصارِمي وَسِنانِ رُمحي / عَلى أُفقِ السُها وَالفَرقَدَينِ
وَغادَرتُ المُبارِزَ وَسطَ قَفرٍ / يُعَفِّرُ خَدَّهُ وَالعارِضينَ
وَكَم مِن فارِسٍ أَضحى بِسَيفي / هَشيمَ الرَأسِ مَخضوبَ اليَدَينِ
يَحومُ عَلَيهِ عِقبانُ المَنايا / وَتَحجُلُ حَولَهُ غِربانُ بَينِ
وَآخَرُ هارِبٌ مِن هَولِ شَخصي / وَقَد أَجرى دُموعَ المُقلَتَينِ
وَسَوفَ أُبيدُ جَمعَكُمُ بِصَبري / وَيَطفا لاعِجي وَتَقَرُّ عَيني
يا طائِرَ البانِ قَد هَيَّجتَ أَشجاني
يا طائِرَ البانِ قَد هَيَّجتَ أَشجاني / وَزِدتَني طَرَباً يا طائِرَ البانِ
إِن كُنتَ تَندُبُ إِلفاً قَد فُجِعتَ بِهِ / فَقَد شَجاكَ الَّذي بِالبَينِ أَشجاني
زِدني مِنَ النَوحِ وَاِسعِدني عَلى حَزَني / حَتّى تَرى عَجَباً مِن فَيضِ أَجفاني
وَقِف لِتَنظُرَ ما بي لا تَكُن عَجِلاً / وَاِحذَر لِنَفسِكَ مِن أَنفاسِ نيراني
وَطِر لَعَلَّكَ في أَرضِ الحِجازِ تَرى / رَكباً عَلى عالِجٍ أَو دونَ نَعمانِ
يَسري بِجارِيَةٍ تَنهَلُّ أَدمُعُها / شَوقاً إِلى وَطَنٍ ناءٍ وَجيرانِ
ناشَدتُكَ اللَهَ يا طَيرَ الحَمامِ إِذا / رَأَيتَ يَوماً حُمولَ القَومِ فَاِنعاني
وَقُل طَريحاً تَرَكناهُ وَقَد فَنِيَت / دُموعُهُ وَهوَ يَبكي بِالدَمِ القاني
لِمَن طَلَلٌ بِالرَقمَتَينِ شَجاني
لِمَن طَلَلٌ بِالرَقمَتَينِ شَجاني / وَعاثَت بِهِ أَيدي البِلى فَحَكاني
وَقَفتُ بِهِ وَالشَوقُ يَكتُبُ أَسطُراً / بِأَقلامِ دَمعي في رُسومِ جَناني
أُسائِلُهُ عَن عَبلَةٍ فَأَجابَني / غُرابٌ بِهِ ما بي مِنَ الهَيَمانِ
يَنوحُ عَلى إِلفٍ لَهُ وَإِذا شَكا / شَكا بِنَحيبٍ لا بِنُطقِ لِسانِ
وَيَندُبُ مِن فَرطِ الجَوى فَأَجَبتُهُ / بِحَسرَةِ قَلبٍ دائِمِ الخَفَقانِ
أَلا يا غُرابَ البَينِ لَو كُنتَ صاحِبي / قَطَعنا بِلادَ اللَهِ بِالدَوَرانِ
عَسى أَن نَرى مِن نَحوِ عَبلَةَ مُخبِراً / بِأَيَّةِ أَرضٍ أَو بِأَيِّ مَكانِ
وَقَد هَتَفَت في جُنحِ لَيلٍ حَمامَةٌ / مُغَرَّدِةٌ تَشكو صُروفَ زَمانِ
فَقُلتُ لَها لَو كُنتِ مِثلي حَزينَةً / بَكَيتِ بِدَمعٍ زائِدِ الهَمَلانِ
وَما كُنتِ في دَوحٍ تَميسُ غُصونُهُ / وَلا خُضِبَت رِجلاكِ أَحمَرَ قاني
أَيا عَبلَ لَو أَنَّ الخَيالَ يَزورُني / عَلى كُلِّ شَهرٍ مَرَّةً لَكَفاني
لَئِن غِبتِ عَن عَينَيَّ يا اِبنَةَ مالِكٍ / فَشَخصُكِ عِندي ظاهِرٌ لِعِياني
غَداً تُصبِحُ الأَعداءُ بَينَ بُيوتِكُم / تَعَضُّ مِنَ الأَحزانِ كُلَّ بَنانِ
فَلا تَحسَبوا أَنَّ الجُيوشَ تَرُدُّني / إِذا جُلتُ في أَكنافِكُم بِحِصاني
دَعوا المَوتَ يَأتيني عَلى أَيِّ صورَةٍ / أَتى لِأُريهِ مَوقِفي وَطِعاني
يا دارُ أَينَ تَرَحَّلَ السُكّانُ
يا دارُ أَينَ تَرَحَّلَ السُكّانُ / وَغَدَت بِهِم مِن بَعدِنا الأَظعانُ
بِالأَمسِ كانَ بِكِ الظِباءُ أَوانِساً / وَاليَومَ في عَرَصاتِكِ الغِربانُ
يا دارَ عَبلَةَ أَينَ خَيَّمَ قَومُها / لَمّا سَرَت بِهِمُ المَطيُّ وَبانوا
ناحَت خَميلاتُ الأَراكِ وَقَد بَكى / مِن وَحشَةٍ نَزَلَت عَلَيهِ البانُ
يا دارُ أَرواحُ المَنازِلِ أَهلُها / فَإِذا نَأَوا تَبكيهِمُ الأَبدانُ
يا صاحِبي سَل رَبعَ عَبلَةَ وَاِجتَهِد / إِن كانَ لِلرَبعِ المُحيلِ لِسانُ
يا عَبلَ ما دامَ الوِصالُ لَيالِياً / حَتّى دَهانا بَعدَهُ الهِجرانُ
لَيتَ المَنازِلَ أَخبَرَت مُستَخبِراً / أَينَ اِستَقَرَّ بِأَهلِها الأَوطانُ
يا طائِراً قَد باتَ يَندُبُ إِلفَهُ / وَيَنوحُ وَهوَ مُوَلَّهٌ حَيرانُ
لَو كُنتَ مِثلي ما لَبِستَ مُلَوَّناً / حُسناً وَلا مالَت بِكَ الأَغصانُ
أَينَ الخَلِيُّ القَلبِ مِمَّن قَلبُهُ / مِن حَرِّ نيرانِ الجَوى مَلآنُ
عِرني جَناحَكَ وَاِستَعِر دَمعي الَّذي / أَفنى وَلا يَفنى لَهُ جَرَيانُ
حَتّى أَطيرَ مُسائِلاً عَن عَبلَةٍ / إِن كانَ يُمكِنُ مِثلِيَ الطَيَرانُ
سَلي يا عَبلَةُ الجَبَلَينِ عَنّا
سَلي يا عَبلَةُ الجَبَلَينِ عَنّا / وَما لاقَت بَنو الأَعجامِ مِنّا
أَبَدنا جَمعَهُم لَمّا أَتَونا / تَموجُ مَواكِبٌ إِنساً وَجِنّا
وَراموا أَكلَنا مِن غَيرِ جوعٍ / فَأَشبَعناهُمُ ضَرباً وَطَعنا
ضَرَبناهُم بِبيضٍ مُرهَفاتٍ / تَقُدُّ جُسومَهُم ظَهراً وَبَطنا
وَفَرَّقنا المَواكِبَ عَن نِساءٍ / يَزِدنَ عَلى نِساءِ الأَرضِ حُسنا
وَكَم مِن سَيِّدٍ أَضحى بِسَيفي / خَضيبَ الراحَتَينِ بِغَيرِ حِنّا
وَكَم بَطَلٍ تَرَكتُ نِساهُ تَبكي / يُرَدِّدنَ النُواحَ عَلَيهِ حُزنا
وَحَجّارٌ رَأى طَعني فَنادى / تَأَنّى يا اِبنَ شَدّادٍ تَأَنّى
خُلِقتُ مِنَ الجِبالِ أَشَدَّ قَلباً / وَقَد تَفنى الجِبالُ وَلَستُ أَفنى
أَنا الحِصنُ المَشيدُ لِآلِ عَبسٍ / إِذا ما شادَتِ الأَبطالُ حِصنا
شَبيهُ اللَيلِ لَوني غَيرَ أَنّي / بِفِعلي مِن بَياضِ الصُبحِ أَسنى
جَوادي نِسبَتي وَأَبي وَأُمّي / حُسامي وَالسِنانُ إِذا اِنتَسَبنا
طَرِبتُ وَهاجَني البَرقُ اليَماني
طَرِبتُ وَهاجَني البَرقُ اليَماني / وَذَكَّرَني المَنازِلَ وَالمَغاني
وَأَضرَمَ في صَميمِ القَلبِ ناراً / كَضَربي بِالحُسامِ الهُندُواني
لَعَمرُكَ ما رِماحُ بَني بَغيضٍ / تَخونُ أَكُفَّهُم يَومَ الطِعانِ
وَلا أَسيافُهُم في الحَربِ تَنبو / إِذا عُرِفَ الشُجاعُ مِنَ الجَبانِ
وَلَكِن يَضرِبونَ الجَيشَ ضَرباً / وَيَقرونَ النُسورَ بِلا جِفانِ
وَيَقتَحِمونَ أَهوالَ المَنايا / غَداةَ الكَرِّ في الحَربِ العَوانِ
أَعَبلَةُ لَو سَأَلتِ الرُمحَ عَنّي / أَجابَكِ وَهوَ مُنطَلِقُ اللِسانِ
بِأَنّي قَد طَرَقتُ ديارَ تَيمٍ / بِكُلِّ غَضَنفَرٍ ثَبتِ الجَنانِ
وَخُضتُ غُبارَها وَالخَيلُ تَهوي / وَسَيفي وَالقَنا فَرَسا رِهانِ
وَإِن طَرِبَ الرِجالُ بِشُربِ خَمرٍ / وَغَيَّبَ رُشدَهُم خَمرُ الدِنانِ
فَرُشدي لا يُغَيِّبُهُ مُدامٌ / وَلا أُصغي لِقَهقَهَةِ القَناني
وَبَدرٌ قَد تَرَكناهُ طَريحاً / كَأَنَّ عَلَيهِ حُلَّةَ أُرجُوانِ
شَكَكتُ فُؤادَهُ لَمّا تَوَلّى / بِصَدرِ مُثَقَّفٍ ماضي السِنانِ
فَخَرَّ عَلى صَعيدِ الأَرضِ مُلقىً / عَفيرَ الخَدِّ مَخضوبَ البَنانِ
وَعُدنا وَالفَخارُ لَنا لِباسٌ / نَسودُ بِهِ عَلى أَهلِ الزَمانِ
ذَكَرتُ صَبابَتي مِن بَعدِ حينِ
ذَكَرتُ صَبابَتي مِن بَعدِ حينِ / فَعادَ لِيَ القَديمُ مِنَ الجُنونِ
وَحَنَّ إِلى الحِجازِ القَلبُ مِنّي / فَهاجَ غَرامُهُ بَعدَ السُكونِ
أَيَطلُبُ عَبلَةً مِنّي رِجالٌ / أَقَلُّ الناسِ عِلماً بِاليَقينِ
رُوَيداً إِنَّ أَفعالي خُطوبٌ / تَشيبُ لِهَولِها روسُ القُرونِ
فَكَم لَيلٍ رَكِبتُ بِهِ جَواداً / وَقَد أَصبَحتُ في حِصنٍ حَصينِ
وَناداني عِنانٌ في شِمالي / وَعاتَبَني حُسامٌ في يَميني
أَيَأخُذُ عَبلَةً وَغدٌ ذَميمٌ / وَيَحظى بِالغِنى وَالمالِ دوني
فَكَم يَشكو كَريمٌ مِن لَئيمٍ / وَكَم يَلقى هِجانٌ مِن هَجينِ
وَما وَجَدَ الأَعادي فِيَّ عَيباً / فَعابوني بِلَونٍ في العُيونِ
وَما لي في الشَدائِدِ مِن مُعينٍ / سِوى قَيسَ الَّذي مِنهُ يَقيني
كَريمٌ في النَوائِبِ أَرتَجيهِ / كَما هُوَ لِلمَعامِعِ يَصطَفيني
لَقَد أَضحى مَتيناً حَبلُ راجٍ / تَمَسَّكَ مِنهُ بِالحَبلِ المَتينِ
مِنَ القَومِ الكِرامِ وَهُم شُموسٌ / وَلَكِن لا تُوارى بِالدُجونِ
إِذا شَهِدوا هِياجاً قُلتَ أُسدٌ / مِنَ السُمرِ الذَوابِلِ في عَرينِ
أَيا مَلِكاً حَوى رُتَبَ المَعالي / إِلَيكَ قَدِ اِلتَجَأتُ فَكُن مُعيني
حَلَلتَ مِنَ السَعادَةِ في مَكانٍ / رَفيعِ القَدرِ مُنقَطِعِ القَرينِ
فَمَن عاداكَ في ذُلٍّ شَديدٍ / وَمَن والاكَ في عِزٍّ مُبينِ