المجموع : 13
بردك فوق الخصر جار الرؤى
بردك فوق الخصر جار الرؤى / فخلفه تطفر جنّيّتان
شيطانتان اصطفتا جنّة / قد تؤنس الجنّة شيطانتان
دارت على الظمأى حميّاهما / فاللهو في الجنّة طلق العنان
يدنيهما الشوق و لم تدنوا / فهل هما نهدان أم نجمتان
تموج ألحان الصبا فيهما / كأنّما نهداك أغرودتان
عشّان لا للطّير بل للهوى عشّان / بل للمسك قاروتان
عندي طيوب لك أعددتها / عطر لباناتي و عطر البيان
رشّا على حسنك ريّاهما / فهل درى عطراي ما يفعلان
حسنك عطر العطر في جنّتي / على غناها و لبان اللبان
فاغدي على الرمل و روحي يضع / ورد و يفرش طيبه أقحوان
عيناك بحر حين أغفى انحنت / فلملمت أحلامه الضفّتان
تغفو بعينيك طيوف المنى / عيناك للأشواق أرجوحتان
قلبي و قرطاك حليفا ضنى / ألم يئن أن يتعب الخافقان
و خصلتان ارتاحتا في يدي / من الدجى المخمور مسكوبتان
شذاهما باق و إن غابتا / كأنّما فرعاك ريحانتان
تغامزين البدر في موعد / فغرت لمّا التقت الغمزتان
ينمنم الأحلام فضّيّة / و تنسج الشمس لك الأرجوان
و ملكك البدر و شمس الضحى / و ما يصوغان و ما يغزلان
قد باح جفناك بسرّ الدجى / جفناك من سرّ الدجى مترعان
تضحك عيناك و إن جدّتا / لا سحر في عينين لا تضحكان
تنطق عيناك و لم تنطقي / و قد تطيلان و قد توجزان
و لم تضيقا بمعاني الهوى / ألا تلومان ألا تتعبان
رشيقة الأحزان و القدّ . هل / ينبت في جمر الغضا غصن بان
نزلت قلبي سدرة المنتهى / ما أرز لبنان و ما الغوطتان
و بيننا قربى الشذى للشذى / ألحسن و الشعر رضيعا لبان
ترشف من نهديك إغفاءتي / كأسين قد أترعتا بنت حان
طافت بك الكأس فرنّحتها / و جنّ لمّا شمّك الزعفران
نبع الصبا المسحور يشتفّه / قلبي و السمراء و الفرقدان
نشتفّه حتّى ثمّالاته / فنحن لا نفنى و يفنى الزمان
نشتفّه حتّى يعود الصبا / و اللّمّة السوداء و العنفوان
و بيننا في ربوة سمحة / حلو السفوح الخضر حلو الرعان
و غابة يغفو الضحى عندها / و شمسها تغرب قبل الأوان
قبورنا فيها بلا وحشة / يؤنسها في الوحدة السنديان
و قبّة تحرس كنز الدجى / كأنّها في الغابة الديدبان
و النبع و القبّة في هدأة / يسرع دهر و هما وانيان
ما هزّت الدنيا أناتيهما / فتغرب الدنيا و لا يدهشان
و لوّحت من بعض أفيائنا / كفّان بالحنّاء مخضوبتان
حضنت في السمراء دنيا المنى / حين التقينا كبّر العالمان
جزنا حدودو الكون لا مشرقان / في جلوة النّور و لا مغربان
جزنا حدود الكون حتّى التقى / كلّ مغيب عندنا بالعيان
و عاد للأنجم ما ضاع من / أضوائها و اعتنق الأزهران
و اختصر الدنيا شذا مسكر / أو لهفة عذراء أو قبلتان
بحت بأسراري فعبّوا الشذى / فضّت عن الراح العتيق الدنان
نا غاب عن أعراسنا أهلنا / ألشمس و الأنجم في المهرجان
و الناس لا تعرف أحزاننا / يرثى لنا الشوق و يبكي الحنان
يرفعني الموج . إلى شاهق / و حطّني .. لا تهدأ الكفّتان
زلزلت الأمواج زلزالها / و احتضنتها دجنة من دخان
قد رجّها العاصف حتى طغى / لؤلؤها طوع يدي و الجمان
و محنة طالت و أكرمتها / بالصبر حتّى ملّ دهر فلان
لا يقنط الحرّ و لا يشتكي / لكلّ بحر هائج شاطئان
فتّشت عن خوفي فلم ألفه / كيف أرى الخوف و أنت الأمان
قرّبنا الله ففوق الزمان / نحن مع النور و فوق المكان
يضوّئ الظلمة إيماننا / و يسكر الفجر رحيق الأذان
نحن و قلبانا و أسرارنا / شوق إلى الله و أغنيّتان
أوجهها أم بيته قبلتي / أستغفر الله فلي قبلتان
نريد جمرا لبخور الهوى / في النار هذا الجمر لا في الجنان
صلاتنا النور فمن وهجها / شعّ الضحى و أتلق النيّران
من وردنا الأفلاك تسبيحة / و الصبح و النجمة تكبيرتان
تغمزني الشمس عناق الهوى / فلفّني من فرعها خصلتان
وجهي و لم تخدع أساريره / - و القلب مرآتان مجلوّتان
كتبت ( بسم الله ) فالطرس من / عدن ( و بسم الله ) حوريّتان
لم يعنني عسر و لا شدّة / الله و السمراء لي المستعان
عرّيت فقري عند بابيهما / و تعذّب الشكوى و يحلو الهوان
أحببتها ساخرة كالرؤى
أحببتها ساخرة كالرؤى / مبهمة غامضة كالظنون
مجنونة و الحسن لم تكتمل / فتنته إلاّ ببعض الجنون
طروبة ضحّاكة كالصّبا / كئيبة قاتمة كالمنون
اليأس في أجفانها و المنى / و الضحك في ألحانها و الأنين
و خفّة الأيّام في ثغرها / لكن بعينيها وقار السنين
قد مزّق الفجر و لم تثنه / شفاعة الحبّ و نجوى الفتون
غلالة شفّافة عذبة / على لماها من رؤى الحالمين
تثير في قلبي شكوك الهوى / لاذعة ثمّ تريد اليقين
هيهات قلبي قد غدا كافرا / و كان فيها أوّل المؤمنين
يا صورة أبدع تكوينها / في مطلع الفجر إله الفنون
و نغمة من بعض ألحانها / همس اللّيالي و ارتعاش الغصون
و نفحة لله عطريّة / ندّية حيّا بها البائسين
و زهرة أخشى على حسنها / من خطرة الفكر و نجوى العيون
لا تخدعيني إنّني عالم / بما تبينين و ما تكتمين
أرى على خدّيك فيما أرى / بألف لون قبل العاشقين
من قبلة خائنة مرّة / و قبلة وادعة في الجبين
و قبلة حمراء مثل اللّظى / و قبلة بيضاء مثل اليقين
تأبين إلاّ محو آياتها / و هنّ يا ليلاي لا يمّحين
لا تنكري حبّك لي إنّني / أستشهد الريحان و الياسمين
و النهر إذ تنظر أمواجه / لا أستحي منها و لا تخجلين
و الأيكة الخضراء إذ أبصرت / تبذّل الحسن الشهيّ المصون
و أنّه بحت بها للدجى / فعطّر اللّيل عبير الأنين
دامية موجعة وقّعت / ألحانها يمنى الرّجيم اللّعين
سأسكب الدمعة فيها الأسى / و الشعر و الحبّ الشجيّ الحزين
لعلّني يشفع بي عندها / هذا الهوى الباكي و هذا الحنين
ها صورة أبدع تكوينها / في مطلع الفجر إله الفنون
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا
شاد على الأيك غنّانا فأشجانا / تبارك الشعر أطيابا و ألحانا
ترنّح البان و اخضّلت شمائله / فهل سقى الشعر من صهبائه البانا
هل كنت أملك لولا عطر نعمته / قلبا على الوهج القدسيّ نديانا
أيطمع الشعر بالإحسان يغمره / و الشعر يغمر الدّنيا الله إحسانا
لو شاء عطّر هذا اللّيل غالية / و نضّر الرمل أشواقا و ريحانا
لو شاء نمنم هذا النجم قافية / و نغّم الفجر أحلاما و أوزانا
لو شاء أنزل بدر التمّ فاحتقلت / به الندامى سرجا في زوايانا
و لو سقى الشمس من أحزانه نديت / على هجير الضّحى حبّا و تحنانا
تضيع في نفسي الجلّى و قد نزلت / من كبريائي آفاقا و أكوانا
و ما رضيت بغير الله معتصما / و لا رأيت لغير الله سلطانا
و لا عكفت بقرباني على صنم / أكرمت شعري لنور الله قربانا
تبرّجت للشذى الأعلى مجامرنا / و زيّنت للهوى الأغلى خفايانا
نبع من النّور عرّانا لموجته / فكحّل النّور أجفانا و وجدانا
تفجّر الحسن في دنيا سرائرنا / هل عند ربّك من دنيا كدنيانا
حضارة الدّهر طيب من خلاعتنا / و جنّة الله عطر من خطايانا
من الغواية سلسنا هدايتنا / فكان أرشدنا للنور أغوانا
يا وحشة الكون لولا لحن سامرنا / على النديّ المصفّى من حميّانا
نشارك الله _ جلّ الله _ قدرته / و لا نضيق بها خلقا و اتقانا
و أين إنسانه المصنوع من حمأ / ممّن خلقناه أطيابا و ألحانا
و لولا جلا حسنه إنسان قدرتنا / لودّ جبريل لو صغناه إنسانا
و لو غمزنا نجوم الليل مغفية / أفاق أترفها حسنا و غنّانا
ناجى على الطّور موسى والنداء لنا / فكيف أغفل موسى حين ناجانا
إن آنس النّار بالوادي فقد شهدت / عيني من اللّهب القدسيّ نيرانا
نطلّ من أفق الدّنيا على غدها / فنجتلي الرّاسيات الشمّ كثبانا
و ما دهتنا من الجبّار عادية / إلاّ جزينا على الطّغيان طغيانا
أديم حصبائنا درّ وغالية / ما أفقر النّاس للنعمى و أغنانا
و أيّ نعمى نرجّيها لدى بشر / والله قرّبنا منه وأدنانا
تبكي السّماء و تبكي حورها جزعا / للحسن و الشعر في الدّنيا إذا هانا
يا خالق القلب : أبدعنا صبابته / يا خالق الحسن : أبدعناه ألوانا
القلب قصرك زيّنا عواريه / بالحسن حينا و بالإحسان أحيانا
العاطلات من الأبهاء قد كسيت / شتّى اللّبانات أصناما و أوثانا
قلب شكا للخيال السمح وحشته / فراح يغمره نعمى و أشجانا
يا سيّد القصر لولانا لما عرفت / أفياؤه الخضر سمّارا و ندمانا
يمنى السراب على الصحراء حانية / تضاحك الرّكب واحات و غدرانا
قاع البحار أضاءته عرائسنا / و ندّت العدم القاسي عذارانا
ننضّر البؤس عند البائسين مُنىً / و العقل عاطفة و الثكل إيمانا
و كلّ ذنب سوى الطغيان ننزله / على جوانحنا حبّا و غفرانا
و همّ كلّ عفاة الأرض نحمله / كأنّنا أهله همّا وحرمانا
نشارك النّاس بلواهم و إن بعدوا / و لا نشارك أدناهم ببلوانا
ضمّت محبّتنا الأشتات و اتّسعت / تحنو على الكون أجناسا و أديانا
سبحان من أبدع الدّنيا فكان لنا / أشهى القوارير من أطياب سبحانا
ستنطوي الجنّة النشوى فلا ملكا / و لا نعيما و لا حورا وولدانا
يفنى الجميع و يبقى الله منفردا / فلا أنيس لنور الله لولانا
لنا كلينا بقاء لا انتهاء له / و سوف يشكو الخلود المرّ أبقانا
تأنّق الشعر للأعياد حالية / وقطّف الورد من عدن وحيّانا
سمح فبالريقة العذراء نادمنا / نهلا و بالشفة اللمياء عاطانا
صاغ الهلال لتاج الملك لؤلؤة / و أنجم اللّيل ياقوتا و مرجانا
يا صاحب التّاج لا تاج العراق على / كريم أمجاده بل تاج عدنانا
جبريل حوّطه بالله فانسكبت / عطور جبريل أورادا وقرآنا
لك الكنوز فتوحات منضّرة / فاغمر من الفتح يمنانا و يسرانا
سُدْتَ الغطاريف فتيانا وسادهم / أبوك في جنّة الفردوس فتيانا
تبارك الله ما أسمى شمائلكم / لكم زعامة دنيانا و أخرانا
فتحت عيني على حبّ صفا و زكا / فصنته لضياء العين إنسانا
و في ظلال أبي غازي منضّرة / مرّ الشّباب مرور الطيف عجلانا
نعمى لصقر قريش طوّقت عنقي / فكيف أوسع نعمى الله نكرانا
و حين شرّدنا الطاغي و أرخصنا / حنَّ العراق فآوانا و أغلانا
و من تقيّأ نعماء العراق رأى / بالأهل أهلا و بالجيران جيرانا
إذا العواصف جنّت فيه هدهدها / عبد الإله و أرسى الملك أركانا
نعمى الوصيّ كنعمى جدّه حليت / على ضحى النّور أفياء و أفنانا
يا صاحب التّاج دنيا الله ما عرفت / إلاّ عمائمكم في الشرق تيجانا
لم يقبل الله إلاّ في محبّتكم / يا آل فاطم إسلاما و أيمانا
غنّيت جدّك أشعاري و نحت بها / في مصرع الشمس إعوالا و إرنانا
أصفيت آل رسول الله عاطفتي / و كنت شاعركم نعمى و أحزانا
و ما رضيت جزاء عن مودّتكم / لا يعدم الحرّ أقواتا و أكفانا
أيكرم العيد شكوانا وقد نزلت / عليك يا ابن رسول الله شكوانا
ندّى شمائلنا بالذكريات كما / ندّى الخيال بنعمى الماء ظمآنا
يروعني العيد ديّانا لأمّته / من أغضب العيد حتّى صار ديّانا
تغرّب العيد في قومي وأنكرهم / على الميادين أحرارا و عبدانا
مالي أرى الشمّ في لبنان مغضية / تطامنت للرزايا شمّ لبنانا
لا صيد غسّان و الهيجاء ضارية / على السروج و لا أقيال مروانا
و أكرم العيد عن عتب هممت به / لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
قد استردّ السبايا كلّ منهزم / لم تبق في رقّها إلاّ سبايانا
دم بتونس لم يثأر له و دم / بالقدس هان على الأيّام لا هانا
و ما لمحت سياط الظلم دامية / إلاّ عرفت عليها لحم أسرانا
و لا نموت على حدّ الظبى أنفا / حتّى لقد خجلت منّا منايانا
لو يعلم البدر في شعبان محنتنا / لما أطلّ حياء بدر شعبانا
لو كان يعلم قتلانا بكت مزق / على الصحاصح من أشلاء قتلانا
تهلهلت أمتّي حتّى غدت أمما / وزوّر الوطن المسلوب أوطانا
و قد عرفت الرزايا و هي منجبة / فكيف لم تلد الجلّى رزايانا
كفرت بالحسب السّامي إلى مضر / أستغفر المجد إنكارا و كفرانا
تطوى القبور على الموتى فتسترهم / وفي القصور وفي السلطان موتانا
دعوا الجراح لوهج النّار سافرة / فالجرح يقتل إنكارا وكتمانا
ذلّ الدّهاء أكاذيبا مزوّقة / فكان أكذبنا بالقول أدهانا
ثارات يعرب ظمأى في مصارعها / تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
يا وحشة الثأر لم ينهد له أحد / فاستنجد الثأر أجداثا و أكفانا
أفدي شمائل قومي ثورة ولظى / و عاصفا زحم الدّنيا و بركانا
من أطفأ الجذوة الكبرى بأنفسنا / أدهرنا حال أم حالت سجايانا
هي الكؤوس ولكن أين نشوتنا / و هي الحروف و لكن أين معنانا
ما للرمال الصوادي لا نبات بها / و تنبت المجد هنديّا و مرّانا
عبدت فيها إله الشمس منتقما / معذبا و إله اللّيل رحمانا
اللّيل يخلق فيها الحور مترفة / و تخلق الشمس جنّانا و غيلانا
على الرّمال طيوف من كتائبنا / نشوى الفتوح و نفح من سرايانا
لابن الوليد على كثبانها عبق / سقى الهجير من الذكرى فندّانا
و في النسيم على الصحراء نرشفه / طيب المثنّى على رايات شيبانا
يا فيصلا في يمين الله تحسده / بيض الظبى هاشميّ الفتح ريّانا
يا فيصلا في يمين الله منسكبا / كجدّه المرتضى يمنا و إيمانا
يا فيصلا و حنت في الخلد فاطمة / تودّ لو قبّلت خدّا و أجفانا
يا فيصلا و انتخت كبرا صوارمنا / و زغردت باسمك الحالي صبايانا
يا فيصلا و رنا نجم لصاحبه / يقول : فيصل أحلانا و أسمانا
كتائب الله من فهر و إخوته / فعطّر المجد ميدانا فميدانا
لواء عدنان أنت اليوم صاحبه / فاقحم به الشرق : هذا الشرق دنيانا
ما في االعراق و لا في الشام موعدنا / على الثنيّة من حطّين لقيانا
كافور قد جنّ الزّمان
كافور قد جنّ الزّمان / و إليك آل الصولجان
خجل السّرير من الدّعيّ / و كاد يبكي الأرجوان
أين الأهلّة و الكواكب / و الشوامخ و الرّعان
الهاشميّون انطووا / و أميّة كانوا فبانوا
كافور جمّع حول عرشك / كلّ من حقدوا و هانوا
مجد البغيّ تعاف بهرجه / المخدّرة الرزان
حرّك دماك فإن أردت / قسوا و إن آثرت لانوا
الخاضعون لما تشاء / و ما دروه و ما استبانوا
النّاعمون على اليهود / على رعيّتك الخشان
للعفّ تخوين بدولتهم / و للصّ ائتمان
أشبعت بالخطب الجياع / فكل هادرة خوان
حفل السماط و من / فرائدك الموائد و الجفان
خطب الرئيس هي الكرامة / و العلى و هي الضمان
هي للجياع الطيبات / و للعراة الطيلسان
هي للعفاة النازحين / لبانة و هوى و حان
خطب مصبّغة و تعرف من / مباذلها القيان
من كلّ عاهرة و تحلف / أنّها الخود الحصان
إلحن و كرّر ما تشاء / فإنّها الخطب الحسان
و إذا رطنت فإنّها / عرباء خالصة هجان
كافور قد عنت الوجوه / فكيف لا يعنو البيان ؟
الفكر من صرعى هواك / و من ضحاياك الحنان
يغني الشام عن الكرامة / و النعيم المهرجان
حشدت لطلعتك الجموع / فهوّن الخبر العيان
هتفوا فبين شفاههم / و قلوبهم حرب عوان
غرثى و يتخم من لحوم / الأبرياء الخيزران
عضّت ظهورهم السياط / فكلّ سوط أفعوان
الرّاكعون السّاجدون عنوا / لك و المناهل و الجنان
القاطفون كرومهم / و لك السلافة و الدنان
الحاضنون شقاءهم / و لك المتارف و اللّيان
الظامئون و يومهم / شرس الهواجر إضحيان
المالكون قبورهم لمّا / عصفت بهم فحانوا
لك عذرة العرس الحزين / فما تعز و لا تصان
و لك الظلال فبعض / جودك أن يفيّئهم مكان
و دماؤهم لك و البنون / فما الأباطح و الرّعان
و لك العبادة لا لغيرك / و التشهّد و الأذان
كافور أنت خلقتهم كونوا / هتفت بهم فكانوا
كافور من بعض الإماء / زبيدة و الخيزران
مروان عبد من عبيد / لا يزان و لا .. يشان
للسّوط جبهته إذا / استعلى و للقيد البنان
يا مكرم الغرباء و العرب / محتقر ... مهان
تاريخ قومي في يديك / يدان حسبك ما يدان
زوّرته وسطا على / الأقداس أرعن ألعبان
ما عفّ في الموتى هواه / و لا الضمير و لا اللّسان
يا عبقري الظّلم فيه / لك ابتداع و افتنان
نحن العبيد فلا تحرّكنا / الضغينة و اللعان
لا الفقر يلهب في جوانحنا / الإباء و لا الهوان
فاسجن و عذّب و استبح / حرماتنا و لك الأمان
همدت حميّتنا على / الجلىّ و مات العنفوان
من رقّ فتحك حازنا / سيف و أحرزنا سنان
و الذلّ أطياب العبيد / فما البخور و ما اللّبان
و الظلم من طبع الجبان / و كلّ طاغية جبان
يا أيّها الصنم المدلّ فما / مناه و ما المدان
إن الّهوك فربّما فضح / الألوهة ثعلبان
بأبي السّهول جمالها كرم / و نعمتها اختزان
المذهبات كما تموّج / في الضّياء الزعفران
عهدي بها أخت الرّبيع / و للمهور بها إران
تلك المروج شذا / وأفياء وساجعة وبان
و سنابل للطّير ينقذها / فينفرط الجمان
و ثغاء ماشية و يصهل / في مراعيها حصان
لا خصبها غبّ و لا سقيا / غمامتها دهان
زهراء تجذب كلّ أرض / و هي مخصبة عوان
وشي الغمام فما الطنافس / و الحرير و أصفهان
سلمت جباتك قطننا عاف / و حنطتنا و الهيلمان
سلمت جباتك لا الخماص / من الشياه و لا السمان
أغلى من الفرسِ الجوادِ / و لا شمات به العنان
لا الزرع يضحك في المروج / و لا يضوع الأقحوان
خرس البلابل و الجداول / دلّه الشكوى حزان
الضارعات إلى السماء / و لا تجاب و لا تعان
كالأمهات الثّاكلات / فعزّ شم واحتضان
وأد الهجير بناتهنّ / فكل روض صحصحان
بين السماء و بينها / ثدي الأمومة واللبان
نسيت أمومتها السماء / فما يلمّ بها حنان
أممزّقّ الأرحام لا يبنى / على الحقد الكيان
غرّب و شرّق في هواك / و خن فمثلهم يخان
واغز الكواكب بالغرور / فأنت منصور معان
بالخطبة العصماء تقتحم / المعاقل والقنان
و الشتم من آلات نصرك / لا الضراب و لا الطّعان
و لك الفتوح المعلمات / و من بشائرها عمان
كافور طاغية و في / بعض المشاهد بهلوان
من أنت في الحلبات / تقحمها إذا احتدم الرّهان
فضح الهجين بشوطه / لؤم المنابت و الحران
من أنت ؟ لا المجد الأصيل / و لا شمائله اللّدان
لا العبقرية فيك مشرقة / و لا الخلق الحسان
لا الفكر مؤتنف العطور / و لا البيان و لا الجنان
لا السرّ عندك أريحي / المكرمات و لا العلان
من أنت ؟ إن ذكر العظام / ورنّح الدّنيا افتنان
من أنت ؟ .. لولا صوبة / الطّغيان أنت إذن فلان
كافور عرشك للفناء / و ربّما آن الأوان
الخالدان و لا أعد / الشمس شعري و الزّمان
يا وردتي أين الشذى و النّدى
يا وردتي أين الشذى و النّدى / يا كبدي أين الهوى و الحنين
يا روحي الثكلى ألم تأخذي / عن ربّة الألحان أين الأنين
يا أمّ أحلامي و أمّ المنى / في فجرها أين قبرت البنين
لمحت في كأسي و قد شعشعت / طيف الأماني و الهوى و السنين
و ذكرياتي و هي عريانة / تبدو و تخفى بين حين و حين
و تلك حسناء بلون الضحى / و تلك شوهاء بلون الدّجون
يقفزن في كأسي فلا أنثني / عن خمرة الكأس و لا ينثنين
هذا جنون النفس في سكرها / و العقل من خدّام هذا الجنون
جارتي الحسناء ثرثارة / سكرى الهوى نشوى الصبى و الفتون
رأيت من أحزانها ما اختفى / و دقّ حتّى ما تراه الظنون
كلّ الأسى الصاخب يا جارتي / فداء حزن صامت في العيون
هاتي من الأحزان ما شئته / لا يفهم الأحزان غير الحزين
يا جارتي الحسناء هل تعلمين / يا جارتي ليتك لا تعلمين
حدّثيني عن الهوى حدّثيني
حدّثيني عن الهوى حدّثيني / و أثيري كوامن الأشجان
عن ليالي نعمان جادت دموعي / ما جفاه الرباب من نعمان
عن كؤوس الصبا تدار علينا / و الندامى نواعس الأجفان
يا سليمى : و في الأحاديث سلوى / حدّثيني عمّا مضى حدّثيني
ذبلت هذه الخميلة حزنا / و سقاها من الردى ساقيها
كيف تذوي غصونها ظامئات / و أنا من مدامعي أرويها
هي في حاجة لعطف فتاة / فاذرفي دمعة الأسى تحييها
لا تضنّي بالدمع يوما عليها / من شروط الوفاء أن تبكيها
واذرفيه شعرا و طيبا و خمرا / إنّ فيه الدمع راحة للحزين
قد جفاها النسيم منذ ليال / آه ممّا جنى عليها النسيم
ضنّ في لحنه الرقيق عليها / بعد جود و قد يضنّ الكريم
فاحملي الناي و اتبعيني إليها / فمن البرّ أن يواسي الكليم
أسمعيها صوت الملائك يرجع / زهوها صوتك النديّ الرخيم
و اعيدي لحن الربيع ففيه / ماتمنّته من هوى و حنين
ذرفت دمعها سليمى فأحيت / ذابلات الغصون و الأوراق
و تغنّت ألحانها فأثارت / كامنات الشجون و الأشواق
زيّنت عاطل الخميلة جودا / بلال تجري من الآماق
و أعادت عهد الرّبيع إليها / مذ سقتها بالمدمع الرقراق
و حبتها من عطرها نفحات / تسكر الطير و عي فوق الغصون
عاطفات الحنان في صدر سلمى / كرّم الله هذه العاطفات
أيّ شعر لم يستكن للقوافي / مرقص في ألحانها المسكرات
ما أشدّ الظلام لولا شعاع / يرسل النور في عيون الفتاة
يا شعاع العيون وطفاء نجلا / أنت في ظلمة الأسى تهديني
يا شعاع العيون فيك قرأنا / سرّ هذي الحياة وهو دقيق
نعمة الله أنت في الكون لولاك / لعمّ الوجود حزن و ضيق
في ليالي الهموم ترسل نورا / بدعة العطر و الهوى فنفيق
خالق الكون قد براك عزاء / ليداوي آلامه المخلوق
ما عشقنا الحياة وهي شقاء / الناس لولاك يا شعاع العيون
دمعة من عيون هيفاء خود / تخلق العطف في قلوب القساة
بسمة في الحياة من شفتيها / تبعث النور في ظلام الحياة
لمسة من بنانها وهو رخص / برد تلك الجوانح الظامئات
نفحة من نهودها سرّ ما / ننشق بين الربى من النفحات
هي سرّ الحياة انشودة الله / شفاء الداء العصيّ الكمين
أنا أهوى بلا رجاء وما / حال محبّ يهوى بغير رجاء
بائس يا ابنة الصباح شقيّ / كفكفي من مدامع البؤساء
و ارحميني ففي غد يهب الله / ضياء لأوجه الرحماء
وهبيني خميلة جدت ما / جدت عليها بالنور و الأنداء
أنا أشقى منها و أظمأ روحا / أسعديني فالعدل أن تسعديني
ذا اعترافي أمام كاهنة الحبّ / فهل يغفر الخطايا اعترافي
لإله الهوى صلاتي و نسكي / و حوالي بيت الغرام طوافي
هيكل الحبّ طاف فيه جدودي / و جثت حول ركنه أسلافي
أنا راض بنظرة أو بوعد / منك للعلة الكمينة شافي
فعديني و لا تبرّي فحسبي / من نعيم الحياة أن تعديني
عاصف باده الرّبى و دخان
عاصف باده الرّبى و دخان / أين منك الشّقيق و الأقحوان
أين منك الرّبيع ينفح بالعطر / و أين السّلاف و الندمان
بورك الفرد حين يدمي فؤاد / عبقريّ أو حين تدمي بنان
محيت أشهر الرّبيع فلا أيّار / من دهرنا و لا نيسان
لا شقيق النّعمان في غوطة الشام / و لا عطره و لا النعمان
يعرف الفجر أنّ دمعي أصفى / من نداه و يعرف الريحان
هبّ ندى الفجر كالدموع صفاء / أين منه البلوى و أين الحنان
يعرف الطّيب أنّ دمعي أذكى / منه عطرا و تعرف الأردان..
تعرف الراح أنّ دمعي سلاف / و جفوني كؤوسها و الدّنان
أنا أبكي للّيل أوحشه البدر / و للقلب هدّه الحرمان
أنا أبكي للهمّ يأوي إلى القلب / فيقسو على الغريب المكان
أنا أبكي لكلّ طاغ فما يستر / إلاّ الضراعة الطغيان
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن / و للحسن فاته الإحسان
أنا أرثي للمترفين فما يبدع / إلاّ الشّقاء و الأحزان
و أنا المترف الأنيق و لكن / ترفي صاغ فنّه الرحمن
أنا أبكي لكلّ قيد فأبكي / لقريضي تغلّه الأوزان
أدمعي في السّماء أنجمها / الزّهر و في البحر درّه و الجمان
أيّها الكافرون هذي دموعي / من رسالات وحيها الإيمان
أيّها المذنبون هذا فؤادي / من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في / دنيا أساه و يهنأ الوجدان
من همومي ما لا يفيق على / البعث و منها المدلّه السهران
من همومي ما يغمر الكون بالعطر / و منها مزاهر و قيان
و همومي معطّرات عليها / من شبابي الطّموح و الريعان
كالغواني لكلّ عذراء لون / من جمال و نفحة و افتتان
لم أضق بالهموم فلبا و هل / ضاق بشتّى عطوره البستان
و الهموم الحسان تفعل في الأنفس / ما تفعل الغواني الحسان
و أنا الوالد الرّحيم و أبنائي / هموم الحياة و الأشجان
إنّ حلمي حلم النّجوم و ما / زوّق في الحلم نورها الوسنان
و أعير الحزين سحر بياني / فيعزّيه لو يعار البيان
عقّني الأقربون من غمرة الخطب / و عقّ اللّدات و الإخوان
سوف يملي التاريخ عنّي ما يملي / فتخزى بظلمي الأوطان
ينصف العبقريّ دهر فسيّان / و في أصفياؤه أم خانوا
نعمة الشعر نعمة الشمس لا يعذر / فيها الجحود و النكران
و أسرّ الشكوى حياء و كبرا / ربّ شكوى إسرارها إعلان
كيف أغضي على الهوان لجبّار / و عندي الشباب و العنفوان
ما لسلطانهم على الحرّ حكم / كلّ نفس إباؤها سلطان
فلكي ثابت و لا خير في الأفلاك / يملي نظامها الدوران
لا مني اللاّئمون في الصّمت و / الصّمت على القبر لوعة لا هوان
كيف تشدو بلابل الدّوح / للفجر و في الدّوح عاصف مرنان
أخرستني الشّام تحفر للقبر عليها / الطيوب و الأكفان
يا لها ميتة و من صور الموت / همود الإباء و الإذعان
إنّه الموت لا اختلاف عليه / فعزاء بالشام يا مروان
لم يميّز محبّبا من بغيض / في الدّجى لا تميّز الألوان
بدعة الذلّ حين لا يذكر الان / سان في الشام أنّه إنسان
بدعة الذلّ أن يصاغ من ال / فرد إله مهيمن ديّان
أيّها الحاكمون ما ضاعت الحجّة / منكم و لا انطوى البرهان
حقّ هذي النفوس أن ترفع / الأصنام فيها و تعبد الأوثان
يالها دولة تعاقب فيها / كالجناة العقول و الأذهان
أين حرّيتي فلم يبق حرّا / من جهير النّداء إلاّ الأذان
سبّة الدّهر أن يحاسب فكر / في هواه و أن يغلّ لسان
ألضحى و الشجاع حلفا كفاح / ما احتمى بالظّلام إلاّ جبان
حرنوا و الشعوب في موكب السّبق / و من شيمة الهجين الحران
يعثر الدّهر و الشعوب و تشقى / بالمناكير أمّة و زمان
قبروا في المهود ما سلّ سيف / في رداهم و لا تعرّى سنان
لم تنلهم يد المنيّة ظلما / و لدوا قبل أن يحين الأوان
سائلوا زحمة العواصف لمّا / رجّت الأرض أين كنّا و كانوا
و سلوا ظلمة السّجون فلن / ينبئ عنهم سجن و لا سجّان
كتب المجد ما اشتهت غرز المجد / و نحن الكتاب و العنوان
نحن تاريخ هذه الأمّة الفخم / و نحن المكان و السكّان
شرف الشوط بالمجلّي من الخيل / و يخزي بغيره الميدان
من غوالي دموعنا الخمر و العطر / و نعمى دمائنا الأرجوان
قد سقينا من قلبنا الموت حتى / نبت الضرب في الرّبى و الطّعان
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت / و يشقى سرج و يشكو عنان
يتلوى على الحبال فنونا / أوزير في الدّست أم بهلوان ؟
أنسوا منه بالنّعومة و اللّين / و لا بدع إنّه أفعوان
ليس خلف البرود إلاّ هباء / فاحكم النّاس أيّها الطيلسان
ما على الحكم و هو مرعى و ماء / أن تعود الخماص و هي بطان
يظلم القلب لا مروءة فيه / فهو كالقبر موحش حرّان
كيف تسمو القلوب لولا االمروءات / و تغفو على المنى الأجفان
حسبوا ضحكة الشعوب ارتياحا / و اللّظى حين يضحك البركان
لا يهين الشعوب إلاّ رضاها / رضى النّاس بالهوان فهانوا
ما لشمّ الذرى تغضّ من الذلّ / فأين النسور و العقبان
يا وزيرا يطلّ بعد وزير / و العلى في ركابه و الزّمان
ربّ نعمى تضيع منّا إذا / زرت و لا ضجّة و لا ديدبان
و إذا فتّ أعين النّاس دلاّ / فلمن صاغ حسنك الرّحمن
أيّ بدع في المهرجانات يصنعن / فحقّ المتوّج المهرجان ....
و لمن تحشد الجموع فهل زار / ولايات ملكه الخاقان
لكم لا لقيصر أو لكسرى / رصّع التّاج و ازدهى الإيوان
و كفى هذه الرّعيّة عزّا / أنّها في رحابكم ضيفان
قلبي الواحة الطروب بصحراء / جفتها الظلال و الغدران
تتراءى الأفياء يومئن لل / ركب و تحنو على الونى الأفنان
و يعلّ الهجير ما شاء من قلبي / فقلبي المعطّر الريّان
جنّتي نعمة السكينة و الدّنيا / جحيم و الحرب حرب عوان
جنّتي الزهو و النّعيم ففي الن / فس وثوق بالله و اطمئنان
الغوالي أديمها و اللآلي / و حصاها الياقوت و المرجان
و لاحيق تكاد تشتفّه العين / و يروي بلمحه الظمآن
و تمنّ كما تشاء الخيالات / و طوع الأمنيّة الإمكان
هذه جنّتي فلا تخدع الركب / فراديس زوّرت و جنان
إنّ للشرّ جنّة يغمز الإغراء / فيها و يضحك الشّيطان
جنّة الشرّ لا تخادعك ريّاها / ففي كلّ أيكة ثعبان
لا يغرّنك سحرها و رؤاها / جنّتي وحدها الرضى و الأمان
يا أبا طارق تحيّة شعب / زلزلته الخطوب و الحدثان
زحف البحر بالجبال من الموج / دراكا و جرجر الطوفان
لطف الله بالسّفينة لم يسلم / شراع و لا نجا سكّان
تخبط اللّيل و العواصف و الرّكب / حيارى دليلهم حيران
حولها اليمّ كالجبال و أطيا / ف الرّدى و البروق و اللّمعان
و ظلام غمر رهيب فما / تبصر إلاّ الظنون و الآذان....
و عزيف للجنّ تنقله الريح / و أدّى الأمانة الترجمان
و انطوى تحتها الجحيم فللأمواج / من حرّ ناره فوران
سخرت بالسّفينة اللّجة / الخضراء و اختار قبره الربّان
و اطمأنت إلى القنوط فما تلمح / حتّى بالخاطر الشطآن
أتغني و ما أجدى الحسام و لا أغنى
أتغني و ما أجدى الحسام و لا أغنى / قواف من الأشعار تبقى و لا تفنى
أدرت على الأسماع منها سلافة / وأرضيت فيها الله و العرب و الفنّا
تحذّرني قرض القريض مهذّبا / عصابة شرّ لا تقيم له وزنا
و هدّدني بالسجن قوم سفاهة / فتى العرب الأنجاد لا يرهب السجنا
سأبعث من شعري جيادا مغيرة / عليها كماة تحسن الضرب والطعنا
و أذري على الأطلال أطلال يعرب / مدامع حرّ تستحيل قنا لدنا
هل الشعر إلا بسمة تمنح الفتى / هناء المنى أو دمعة تبعث الحزنا
يظنّون أنّ الشعر وزن وطالما / قرأت من الأشعار ما خالف الوزنا
من الشعر أحلى الشعر ثغر مقبّل / رشفت به السّلوى و لم أحرم المنّا
و في عين سلمى قد تلوت قصيدة / من الشعر لم تترك لضرّاتها حسنا
و للشعر آي في النهود قرأتها / و في الشفة اللمياء و المقلة الوسنى
نأيت عن الفيحاء لا عن ملالة / وحيدا و دمعي يوم فرقتها مثنى
فللّه مغنى الغوطتين و لا سقت / على البعد إلاّ أدمعي ذلك المغنى
يقولون : عنّ الغوطتين و هل رأوا / محبّا على مثوى حبيبته غنّى
فيا جنّة الفردوس لو لم يعث بها / شياطين إنس روّعوا الإنس و الجنّا
و يا جنّة الفردوس لكن قطوفها / بغير أكفّ الصيد من أهلها تجنى
حننت إلى ريّاك و السيف مصلت / و قد يعذر النائي الغريب إذا حنّا
و ذكّرني ريّاك روح شممته / كأنّ شذاه من خمائلك الغنّا
فيا واردي ماء الشام رويتم / فللّه ما أصفى و لله ما أهنى
و يا ناظري غيد الشام نعمتم / فللّه ما ابهى و للّه ما أسنى
و يا عصبة في الغوطتين فتاهم / إذا جاد لم يتبع عطيّته منّا
أرى أنّ هذا الأمر قد جدّ جدّه / فكونوا لنا حصنا نكن لكم حصنا
و لا تثن من هذي الأعنّة قوّة / فإنّ عنان اليعربين لا يثنى
و لا تقنطوا من بارق الفوز إنّني / أرى الفوز منكم قاب قوسين أو أدنى
لقد زعم الواشون أنّي نسيتكم / شروط الهوى : أن لا تعيروهم أذنا
يريدون هذا البعد بيني و بينكم / فلا نعموا بالا و لا صحبوا يمنا
هم حجبوا عنّا نسيم حماكم / و هم نقلوا زور الحديث لكم عنّا
أسئوا بهم ظنّا و إن لان مسّهم / فوا الله ودّوا أن تسيؤا بنا ظنّا
و إنّا على جور الخطوب و عنفها / و حقّ هواكم ما غدرنا و لا خنّا
لسرّ من الأسرار لا تجهلونه / تخلّت عن اليسرى شقيقتها اليمنى
لئن خان عهد الغوطتين عصابة / رأوا بيعهم ربحا و ألفيته غبنا
ففي الجبل النائي لعصبة جلّق / من القوم خدن لم يحن في الهوى خدنا
أمين على عهد الشام كأنّه / يرى و هي قيس الحبّ جلّق لبنى
إذا همّ أمضى همّه غير جازع / و راح و لم يقرع لفعلته سنّا
نمته إلى أبناء جفنه فتية / ميامين لم تألف سيوفهم جفنا
إذا طرقوا باب الملوك فإنّهم / بغير العوالي السمر لم يسألوا إذنا
خذوا حذركم يا ناقمين مع العدى / على النفر الأدنين من أهلكم جبنا
خذةا حذركم يا دافني رأي قومهم / فللشمس نور لن تطيقوا له دفنا
دعونا و هذا الأمر ننهض بعبئه / فما نحن منكم لا و لا أنتم منّا
رقدتم و ما نمنا غرارا على الأذى / و دنتم لأعداء الشام و ما دنّا
إذا أغمضوا جفنا عن الشرّ رحتم / تودّون أنّ القوم لم يغمضوا جفنا
فلا تكبروا هذي البرود نواعما / و إن فوّقت ذيلا و إن وسّعت ردنا
فليست تزين المرء حلّة سيّد / إذا كان عبدا في شمائله قنّا
لأهنأ من ربّ القصور مقيّدا / طليق من الأطيار أبقوا له وكنا
أديري عليّ الكأس صرفا و علّلي / فتاك فقد أفنى الهوى منه ما أفنى
و غنّى على لحن الشباب فإنني / لأعشق هذا الثغر و الناي و اللّحنا
لئن أطفئت يا ميّ نيران يعرب / هوانا فإنّا سوف نضرمها إنّا
و لا بدّ من يوم أغرّ محجّل / تطير الجبال الراسيات به عهنا
يصافح فيه قائم السيف خالد / فيضرب حتّى يكسر السيف أو يحنى
و كم في بطون اليعربيّات خالد / سيرجع ظهر الأرض من خنق بطنا
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ / أنت أولى بالهوى و الشّعر منّي
لك سحر مثل سحري عجب / أترى عندك حزنا مثل حزني
فترنّم بأناشيد الهوى / ناعما ما شئت من غصن لغصن
و تعلّم كيف يبكي شاعر / ضاع ما بين صدود و تجنّ
إنّما الدنيا و في أمثالها / عبر الدنيا و أصداء التمنّي
غارة لم أهيّب جمرها / فنبا سيفي و لم يسلم مجنّي
ربّ دهياء أناخت بالحمى / -غاب حاميه و خطب مرجحنّ
بين سمع و عيان ليتني / لا ترى عيني و لا تسمع أذني
ما على لحني و قد أرسلته / يلهب الدنيا على الغاضب لحني
فإذا لم أستثرها همما / لا ورى زندي و لا ظلّل ركني
غنّ يا بلبل فوق الدوح غنّ / أنت أولى بالهوى و الشعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ / أيّها الطير دروس الهمّ عنّي
تاج هارون خبا لألاؤه / فبكت دجلة حزنا و الفرات
وذرى الزّهراء خرّت بعدما / طاولت زهر النجوم النيّرات
وبنو مروان ولّوا وانطووا / و تخلّوا عن متون الصافنات
قل لجيش الروم ماذا تتّقي / طاح ريب الدهر غدرا بالغزاة
لا بنو العبّاس في زخم الوغى / لا ولا أبناء حمدان الأباة
عقلت بين خيام المنحنى / و الفراتين عتاق السابقات
و هي الأسياف في أغمادها / صدئت يا ويلتي للمرهفات !
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ / أنت أولى بالهوى والشعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ / أيّها الطير دروس الهمّ عنّي
قف على اليرموك و اخشع باكيا / و تيمّم من صعيد القادسيّة
تربة طيبة طاهرة / و قبور من حيا الدمع رويّه
ها هنا مثوى الصناديد الألى / قد لووا قسرا عنان الجاهليّة
دوّخوا الروم وثلّوا عرشها / وطووا حمر البنود الفارسيّة
و قضوا الأحجار والثمه ثرى / طاهرا واعقر على القبر المطيّة
يا قبورا محيت واندثرت / أنت نبراس الهدى والوطنيّة
لك من دمعي إذا ضنّ الحيا / ديمة تبكي ووطفاء روّيه
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ / أنت أولى بالهوى والشّعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ / أيّها الطير دروس الهمّ عنّي
قد رأوا ليلاي تذري دمعها / كرّم الله الدموع الطاهره
حرس الله جفونا عطّرت / بالندى تلك الخدود الناضره
كفكفي دمعك لا يشهده / ناظر حتى النجوم الزاهره
إنّ لي يا ابنة ودّي همّة / تخضد الخطب ونفسا ثائره
وأراني في غد مقتحما / مستظلا بالسيوف الباتره
ملقيا نفسي في غمرتها / كيفما دارت هناك الدائره
فإذا متّ غريبا نائيا / و أنا في التسع بعد العاشره
أذكريني واحفطي عهد الهوى / واندبي شؤم الجدود العاثره
لست تالله محبّا غادرا / لا تكوني بعد موتي غادره
غنّ يا بلبل فوق الدّوح غنّ / أنت أولى بالهوى والشعر منّي
لست تدري الهمّ بالدنيا فخذ / أيهّا الطير دروس الهمّ عني
منازل الخلد لا أرباع لبنان
منازل الخلد لا أرباع لبنان / و فتنة السحر لا آيات فنّان
جنان لبنان حسبي منك وارفة / فيها النديّان من روح و ريحان
شبّ النبيّون في أفيائها و حبت / فيها خيالات إنجيل و قرآن
بليلة بدموع الله ما و شنت / إلاّ و بين خوافيها حبيبان
يغفو بها الفجر في أحضان مورقة / مديدة الظلّ أحلام سكران
و دغدغته فللأغصان هيمنة / كأنّها بثّ غيران لغيران
و ما تنبّه حتى راعه وهج / و الشمس حلي ربى خضر و وديان
صحبت فيك شبابي و الهوى و منى / لعس الشفاه و ظلا غير ضحيان
فأسبغي نعمة النسيان تغمرني / عسى يخفّف من بلواي نسياني
أمسيت لا ريقها المعسول أسعدني / و لا الجنون : جنون الحبّ واتاني
ألحّ بي السقم حتّى لا يفارقني / و راح ينسج قبل الشيب أكفاني
عفّى على نزوات النفس جامحة / إلاّ اهتزاز خليع الحسن نشوان
و صبوة للعيون النجل هانئة / من الشباب بظلّ العاطف الحاني
يثير بي كلّ حسن فتنة و هوى / فما أمرّ بماء غير صديان
و يا ربى الحسن في لبنان هل عريت / مخضلّة الدوح من ظلّ و أغصان
و من لبناتي السكرى مصرّعة / من الونى بين أفياء و أفنان
و يا ربى الحسن هل من نفحة / حملت شذى النّهود لصادي القلب حرّان
و هل صباك نموم العطر ناقلة / بعدي أحاديث أذيال و أردان
و يا ربى الحسن في لبنان هل ثملت / بعدي الرّياحين من صهباء نيسان
و يا ربى الحسن في لبنان لا انبسطت / يمنى الهجير على أفياء لبنان
مدّي ظلالك ينعم في غلائلها / صرعى الردى من أحبّائي و أخداني
النّائمين بظلّ الأرز ينشدهم / رواية الدّهر في نعمى سليمان
أمّا البلابل فلتؤنس قبورهم / من كلّ ساجعة في الدّوح مرنان
أعيذ بالحبّ و الذكرى هوى نفر / بيض الوجوه من النّعماء غرّان
قد صوّر الوحي ألوان النّعيم على / مثال ما فيك من حسن و ألوان
و زاد فيها خلودا ما عنيت به / أشهى اللبانات في حكم النّهى الفاني
لا يعذّب الوصل إلاّ أن يخامره / خوف المحبّين من نأي و هجران
و لا هناء بنعمى لا تخاف لها / فقدا و لا تبتلى منها بحرمان
لو يعلمون مناحي النّفس ما خلعوا / ثوب الخلود على نعمى و أحزان
فأصبح الكون لغوا لا حياة به / من رغبة في مجاليه و غنيان
ما للخلود و ما للحسن يزعمه / هيهات عرّي من حسن و إتقان
يضفي الجمال على الأيام مقتدر / من (التحوّل) ذو غزّ و سلطان
عنا له الكون مأخوذا بفتنته / من أنجم و مكانات و أزمان
و عاطفات و أرواح و أخيلة / تغزو الوجود و آراء و أديان
و ربّما فقهت من أمره عجبا / قبل الهداة عصا موسى بن عمران
ليؤمن النّاس ما شاؤا بربّهم / فبالتحوّل بعد الله إيماني
تسمو إلى أفقه القدسيّ طاهرة / طهر الدّموع تسابيحي و ألحاني
كفرت بالرّوح بعد الرّيب آونة / و كان زلفى إلى نجواه كفراني
و قرّب النّاس ما شاؤا لمذبحه / فما تقبّل منهم غير قرباني
أعلنت حين أسرّوا أمرهم فرقا / يا بعد ما بين أسرار و إعلان
إنّ الخلود و ما تروي مزاعمهم / عن السعادة في الأخرى نقيضان
لا يخدع الله قوما يؤمنون به / فتلك خدعة إنسان لإنسان
جنان ربّك في سرّ الخلود غدت / و كلّ آو إليها رازح وان
ملّ المقيمون فيها من هناءتهم / كم يملّ السقام المدنف العاني
تمضي العصور عليهم و هي واحدة / اليوم كالأمس فيها ضاحك هاني
تزجي السآمة تفكيرا و عاطفة / إلى عقول و أهواء و وجدان
لا يرقبون جديدا في خلودهم / لرثّ من قدم العهد الجديدان
و لا يحبّون لكن تلك طائفة / من ماجنات خليعات و مجّان
و لا يناجون في أحلامهم أملا / محبّبّا بين إنكار و إيقان
و لا يحسّون لا حزنا و لا جذلا / فالقوم ما بين مشدوه و سهوان
يا شقوة النفس تخلو بعد أن عمرت / من حسرة و لبانات و أضغان
و ضيعة القلب لا تأوي إليه منى / كالنحل تأخذ من روض و بستان
من كلّ من أبلت الأدهار جدّته / فما يحرّكه تدليل رضوان
ينادم الحور لكن غير مغتبط / و يشرب الراح لكن غير ظمآن
لودّ في كلّ مل يجريه من عسل / و من خمور و من درّ و عقيان
هنيهة من شقاء يطمئنّ بها / إلى مناجاة آلام و أشجان
إذا تذكرّ دنياه هفا ولعا / إلى حبيب و صهباء و ندمان
و راح يبحث في المجهول عن أمل / و عن شقاء و عن أهل و خلاّن
لعلّ بين زوايا النفس قد تركت / ثمالة من صبابات و تحنان
أماّ الغواني فصخر لا يحرّكها / نجوى محبّ و لا تدليل ولهان
لا تعرف الحبّ إلاّ محض تلبية / لعابرين من الأبرار فتيان
و لا تحنّ إلى روح و عاطفة / فالحبّ في ملكوت الله جثماني
من كلّ مرتجّة الأرداف حالية / بالحسن أخّاذة بالسحر مفتان
خبا لهيب المنى في روحها فغدت / و حسنها في حلاه حسن أوثان
جنى الخلود عليها فهي شاكية / إلى الأنوثة ذاك الخائن الجاني
و للخلود على أهل الجحيم يد / تجزي مع الدّهر إحسانا بإحسان
الكافرون لطول العهد قد ألفوا / بقاعها نضج أرواح و أبدان
و قد تزفّ بها و الحفل محتشد / سجينة من ضحاياها لسجّان
فأصبحت و هي من ماء و من مدر / شيطانة تتصبّى كلّ شيطان
و ربّما صحبوا فيها زبانية / بعد القلى إلف إخوان لإخوان
لا يألمون و لا تشكو جسومهم / من اللظى فهي نيران بنيران
مليحة الدلّ من غسّان لا بليت / شمائل الصيد من أقيال غسّان
أتأذنين بإنشاد فما جليت / إلاّ لحسنك أشعاري و أوزاني
طوّفت في هذه الدنيا على مهل / طواف أشعث ماضي العزم يقظان
تظلّلني مصر أحيانا و آونة / أعاقر الخمر في جنّات بغدان
و قد صحبت شعوب الأرض من عرب / شمّ الأنوف إلى روم و كلدان
مفتّشا عن عزاء النفس لا لعبي / أدّى إليه و لا حلمي و عرفاني
مسائلا عنه حتّى قد عييت به / إرث الفلاسف من هند و يونان
فما رأيت له عينا و لا أثرا / و لا فاد طوافي غير خذلاني
إذا ندبت جهودي و هي ضائعة / أطلّ من حرم الرؤيا . فعزّاني
ثمّ انثنيت و ركبي جدّ متّئد / من الونى و رفيقي جدّ حيران
و البيد أوسع من صدر الحليم مدى / و للسّراب بها آلاف غدران
ظمأى حيارى و خلف الركب طائفة / حمر اللواحظ من أسد و ذؤبان
فأيقن القوم بالجلىّ و قد صمتوا / لهيبة الموت و هو المقبل الدّاني
حتّى إذا اليأس لم تترك مرارته / إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت إذا اليأس لم تترك مرارته / إلاّ بقيّة صبر غير خزيان
لاحت خيامك بالصحراء مونقة / أبهى و أزين من عرش و إيوان
فكبّر الرّكب مرتاحا إلى أمل / عذب المجاجة حالي الوشي ريّان
مبادرا للظلال الخضر قد كسيت / نثير ورد و نمام و سوسان
فما فتحت جفوني و هي دامية / من الرّمال أعان الله أجفاني
حتّى لمحتك خلف الستر ضاحكة / إلى جوار و حجّاب و غلمان
فقرّت النفس لا شكوى و لا تعب / و لا لجاجة إيمان و كفران
و ابصرت بعد طول البحث غايتها / فاذعنت لهواها أيّ إذعان
رأت بعينيك يا ليلى و قد يئست / عزاءها لا بإنجيل و فرقان
فقبّلت شفة حمراء دامية / و اهتزّ من نشوات اللثم نهدان
سرّ السعادة في الدّنيا و إن خفيت / تجلوه منك على الأكوان عينان
آمنت بالحبّ ما شاءت عذوبته / آمنت بالحبّ فهو الهادم الباني
أملّت ضجيج الحياة ففرّت
أملّت ضجيج الحياة ففرّت / تريد الحياة بظلّ السكون
تغاف القصور و جنّاتها / و تأوي إلى دوحة الزيزفون
فتشرب ماء الغدير نقيّا / و تسكر من أرج الياسمين
و تسمع لحن الطيور شجيّا / رقيقا على مائسات الغصون
فتذكر عالم قدس نمت / به حرّة بين حور و عين
هيولي تفيض ضياء مبينا / طليقا تراه جميع العيون
و تذكره عالما طاهرا / قضت في رباه ألوف السنين
تحنّ إليه و ماذا يفيد / بعيد الأحبّة طول الحنين
لقد ذكرته فما كفكفت / بيمنى يديها عقود الشؤون
بكت و هي في سجنها حرّة / و لا عجب من بكاء السجين
حنوت عليها و قد بكّرت / لتتلو كتاب الحياة القديم
فقلت لها : مزّقيه كتابا / يثير الشجون و يذكي الهموم
فإنّ الشقيّ يزيد شقاء / إذا راح يذكر عهد النّعيم
مقيّدة أنت صاغ القيود / ليمناك كفّ القضاء الأثيم
تريدين منّي نسيم عليلا / و هيهات عزّ علينا النسيم
تريدين منّي نسيم الجنان / نقيّا .. و هذا نسيم الجحيم
فلا تنشقيه ففيه سموم الهجير / و من ذا يطيق السموم
عذرتك فرّي من الأرض و ابغي / هناك المقام الرفيع الكريم
بقرب النجوم فإنّ الحياة / معطّرة الدنّ بين النجوم
و لا ترحمي الجسم فهو تراب / يعود لمعدنه بعد حين
غدا هو بين الربى زهرة / كستها الطبيعة لون الشروق
يقبّلها الصبح في ثغرها / و يلثم في شفتيها العقيق
و تسري الصّبا من بعيد إليها / و قد هوّن الحبّ حزن الطريق
إلى أن تمرّ عليها فتاة / فتنزعها نزع برّ رفيق
و تنزلها منزلا هانئا / على النّور لا يشتكى فيه ضيق
فحينا تقبّل نهدا و حينا / تقبّل خدّا يلون الشقيق
و تبعثها بعد ذاك رسولا / يؤدّي رسالة صبّ مشوق
فنعم الرسالة بين العشيقة / ذات الدلال و بيت العشيق
فيا روح من بين تلك النجوم / أطلي عليها و لا تنكريني
أطلّي عليها و قد أشرقت / على صدر خود عروس وساما
أطلّي عليها و قد ألقيت / بقايا شذا ثمّ عادت رغاما
أطلّي عليها رفيقا قديما / و قولي سلاما تردّ السلاما
ألا و اذكري عهدنا و اذكري / زمانك في الأرض عاما فعاما
أأنكرت شكلا جديدا لجسم / غدا لك قيل الفناء مقاما
و أنكرت ألوانها جمّة / و عطرا نديّا كعطر لخزامى
فلا تعجبي إنّ هذا الذبول / بأوراقها كان فيّ سقاما
و ذا الاحمرار دموعي / و هذا الشذا كان فيّ غراما
و أفناني الدهر إلا شقاء / تأبى عليه و إلاّ هياما
تلاشيت في هذه الكائنات / و لم يتلاش إليك حنيني
ألف أهلا بأمير المؤمنين
ألف أهلا بأمير المؤمنين / سيّد البطحاء و البيت الأمين
مرحبا بالتاج مرموق السنى / و بربّ التاج و العرش المكين
قائد الأبطال شوسا للوغى / حامل الأعباء و الله المعين
بابن أقمار العلى من هاشم / و أبى البيض الملوك الفاتحين
البهاليل الصناديد الألى / رفعوا راية فهر باليمين
يعرف البيت إذا طاف به / أنّه ابن الطائفين العاكفين
يعرف البيت إذا مرّ به / أنّه ابن الطّيبين الطاهرين
تعرف الأستار إذ يلثمها / أنّه ابن الساجدين الراكعين
تعرف البيض و ما أغمدها / أنّه ابن الطاعنين الضاربين
لمن الموكب جبريل به / من جنود الله يمشي من مئين
و من المقبل يعلوه سنّا / من سناء الخلفاء الرّاشدين
شيبة الحمد أرى أم هاشما / أم عليّ الطهر زين العابدين
أم أرى سيّد غمدان مشى / في ظلال البيض وضّاح الجبين
حوّطوا الموكب باسم المصطفى / و بنيه من عيون الحاسدين
و افرشوا الأكباد يمشي فوقها / و اتركوا الورد و خلّوا الياسمين
و انثروا الدمع على موكبه / و دعوا المسك لحور و لعين
أدمع البشر و قد يبكي الفتى / سرّه الدّهر كما يبكي الحزين
و أذنوا للغيد أن تشهده / سافرات في صفوف الشاهدين
سيّد البطحاء في أبنائه / ألف أهلا بالملوك القادمين
تتهادى الأعوجيّات بهم / إنّها تعرف قدر الرّاكبين
ذكرت إذ مسحوا أعرافها / بأكفّ الكرماء المنعمين
هاشما و البيض من أبنائه / ألمطاعين الطوال المطعمين
أيّها الآتي إلينا من ذرى / طالما عطّرها الروح الأمين
بيتك الشام و فيه نخبة / من بنيك الأوفياء الصادقين
بردى حنّ غراما و هوى / للأحبّاء الكرام الهاجرين
و ربى الفيحاء أنّت و شكت / فرقة الأحباب لو يغني الأنين
صاحب التاج أجبني هل أتى / ععرشك العالي حديث الكاذبين
الألى أهدوا إلى التاج الأذى / و أرادوا أن يضلّوا المهتدين
حدّثوا عنك كذابا و افتروا / لا يحبّ الله سعي المفترين
و أتوا بالغشّ لكن أقسموا / أنّهم جاءوا إلينا ناصحين
زعموا أنّك تهوى لندنا / و تحبّ النفر المستعمرين
و تطيع القوم فيما أمروا / و هم تالله شرّ الآمرين
نحن نهواك على رغم العدى / و نجلّ التاج رغم المبغضين
يدك البيضاء لا ننكرها / سوّد الله وجوه المنكرين
لح على عمّان بدرا نوره / يكشف اللّيل و يهدي التّائهين
و على الغوطة أقبل يوسفا / حسنه يجلو عيون النّاظرين
و على بغداد أشرق رحمة / تسعد المأمون فيها و الأمين
وحّد العرب و أسعد أمّة / سادت العالم في ماضي السنين
و أعد أيّام هارون و قد / ملأ الدنيا رجالا و سفين
بردى جفّ و ما في دجلة / نغبة تروي الظماء الواردين
كلّما هبّ نسيم من منى / أيقظ الأشواق و الوجد الدّفين
لم ألن للدّهر لكن زعمت / عاديات الدّهر أنّي سألين
لم أخن لا و الصّفا عهدكم / أيّ خير في وجوه الخائنين
أنا بالروح جواد فاغفروا / زلّتي إن رحت بالدمع ضنين
لا ترى الأعداء دمعي جاريا / إنّني أبغض عطف الشامتين
و أنا شاعركم في موطن / ما لمن و الأكم فيه خدين
ناطق فيكم و لو أنّ الظبى / جرّدت فوق رقاب الناطقين
فتقبّلها عروسا و استمع / ما يثير الشوق و الحبّ الكمين
صنتها عن خاطبيها غادة / لفتى البيت إمام المسلمين
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا
يا سامر الحيّ هل تعنيك شكوانا / رقّ الحديد وما رقّوا لبلوانا
خلّ العتاب دموعا لا غناء بها / وعاتب القوم أشلاء ونيرانا
آمنت بالحقد يذكي من عزائمنا / و أبعد الله إشفاقا و تحنانا
ويل الشعوب التي لم تسق من دمها / ثاراتها الحمر أحقادا و أضغانا
ترنّح السوط في يمنى معذّبها / ريّان من دمها المسفوح سكرانا
تغضي على الذلّ غفرانا لظالمها / تأنّق الذلّ حتّى صار غفرانا
ثارات يعرب ظمأى في مراقدها / تجاوزتها سقاة الحيّ نسيانا
ألا دم يتنزّى في سلافتها / أستغفر الثأر بل جفّت حميّانا
لا خالد الفتح يغزو الروم منتصرا / و لا المثنّى على رايات شيبانا
أمّا الشام فلم تبق الخطوب بها / روحا أحبّ من التعمى و ريحانا
ألمّ و اللّيل قد أرخى ذوائبه / طيف من الشام حيّانا فأحيانا
حنا علينا ظماء في مناهلها / فأترع الكأس بالذكرى و عاطانا
تنضّر الورد و الريحان أدمعنا / و تسكب العطر و الصهباء نجوانا
السامر الحلو قد مرّ الزّمان به / فمزّق الشمل سمّارا و ندمانا
قد هان من عهدها ما كنت أحسبه / هوى الأحبّة في بغداد لا هانا
فمن رأى بنت مروان انحنت تعبا / من السلاسل يرحم بنت مروانا
أحنو على جرحها الدامي و أمسحه / عطرا تطيب به الدّنيا و إيمانا
أزكى من الطيب ريحانا و غالية / ما سال من دم قتلانا و جرحانا
هل في الشام و هل في القدس والدة / لا تشتكي الثكل إعوالا و إرنانا
تلك القبور و لو أنّي ألمّ بها / لم تعد عيناي أحبابا و إخوانا
يعطي الشّهيد فلا و الله ما شهدت / عيني كإحسانه في القوم إحسانا
و غاية الجود أن يسقي الثرى دمه / عند الكفاح و يلقى الله ظمآنا
و الحقّ و السّيف من طبع و من نسب / كلاهما يتلقّى الخطب عريانا
و الحزن في النّفس نبع لا يمرّ به / صاد من النّفس إلاّ عاد ريّانا
و الخير في الكون لو عرّيت جوهره / رأيته أدمعا حرّى و أحزانا
سمعت باريس تشكو زهو فاتحها / هلاّ تذكّرت يا باريس شكوانا
و الخيل في المسجد المحزون جائلة / على المصلّين أشياخا و فتيانا
و الآمنين أفاقوا و القصور لظى / تهوي بها النّار بنيانا فبنيانا
رمى بها الظالم الطاغي مجلجلة / كالعارض الجون تهدارا و تهتانا
أفدي المخدّرة الحسناء روّعها / من الكرى قدر يشتدّ عجلانا
تدور في القصر عجلي و هي باكية / و تسحب الطيب أذيالا و أردانا
تجيل و النوم ظلّ في محاجرها / طرفا تهدهده الأحلام و سنانا
فلا ترى غير أنقاض مبعثرة / هوين فنا و تاريخا و أزمانا
تلك الفضائح قد سمّيتها ظفرا / هلاّ تكافأ يوم الرّوع سيفانا
نجابه الظلم سكران الظّبى أشرا / و لا سلاح لنا إلا سجايانا
إذا انفجرت من العدوان باكية / لطالما سمتنا بغيا و عدوانا
عشرين عاما شربنا الكأس مترعة / من الأذى فتملّي صرفها الآنا
ما للطواغيت في باريس قد مسخوا / على الأرائك خدّاما و أعوانا
الله أكبر هذا الكون أجمعه / لله لا لك تدبيرا و سلطانا
ضغينة تتنزّى في جوانحنا / ما كان أغناكم عنها و أغنانا
تفدى الشموس بضاح من مشارقها / هلال شعبان إذ حيّا بشعبانا
دوّت به الصرخة الزهراء فانتقضت / رمال مكّة أنجادا و كثبانا
و سال أبطحها بالخيل آبية / على الشكيم تريد الأفق ميدانا
و بالكتائب من فهر مقنّعة / تضاحك الشمس هنديّا و مرّانا
تململ الفاتحون الصيد و ازدلفوا / إلى السيوف زرافات و وحدانا
و للجياد صهيل في شكائمها / تكاد تشربه الصحراء ألحانا
السابقات و ما أرخوا أعنّتها / و الحاملات المنايا الحمر فرسانا
سفر من المجد راح الدهر يكتبه / و لا يضيق به جهرا و أمعانا
قرأت فيه الملوك الصيد حاشية / و الهاشميّين طغراء و عنوانا
شدّ الحسين على الطغيان مقتحما / فزلزل الله للطغيان بنيانا
نور النّبوة في ميمون غرّته / تكاد ترشفه الأجفان فرقانا
لاث العمامة للجلّى و لست أرى / إلاّ العمائم في الإسلام تيجانا
يا صاحب النّصر في الهيجاء كيف غدا / نصر المعارك عند السلم خذلانا
ترى السياسة لونا واحدا و يرى / لها حليفك أشكالا و ألوانا
لا تسأل القوم أيمانا مزوّقة / فقد عيينا بهم عهدا و أيمانا
أكرمت مجدك عن عتب هممت به / لو شئت أوسعته جهرا و تبيانا
ما للسّفينة لم ترفع مراسيها / ؟ ألم تهيئ لها الأقدار ربّانا ؟
شقّي العواصف و الظلماء جارية / باسم الجزيرة مجرانا و مرسانا
ضمّي الأعاريب من بدو و من حضر / إنّي لألمح خلف الغيم طوفانا
يا من يدلّ علينا في كتائبه / نظار تطلع على الدنيا سرايانا