القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 30
حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني
حَيّيتُ سفحَكِ عن بُعْدٍ فحَيِّيني / يا دجلةَ الخيرِ يا أُمَّ البساتينِ
حييتُ سفحَك ظمآناً ألوذُ به / لوذَ الحمائمِ بين الماءِ والطين
يا دجلةَ الخيرِ يا نبعاً أفارقُهُ / على الكراهةِ بين الحِينِ والحين
إنِّي وردتُ عُيونَ الماءِ صافيةَ / نَبْعاً فنبعاً فما كانت لتَرْويني
وأنتَ يا قارَباً تَلْوي الرياحُ بهِ / لَيَّ النسائمِ أطرافَ الأفانين
ودِدتُ ذاك الشِراعَ الرخص لو كفني / يُحاكُ منه غَداةَ البَين يَطويني
يا دجلةَ الخيرِ: قد هانت مطامحُنا / حتى لأدنى طِماحِ غيرُ مضمون
أتَضمنينَ مَقيلاً لي سَواسِيةً / بين الحشائشِ أو بين الرياحين؟
خِلْواً مِن الهمِّ إلاّ همَّ خافقةٍ / بينَ الجوانحِ أعنيها وتَعنيني
تَهُزُّني فأُجاريها فتدفعُني / كالريح تُعجِل في دفع الطواحين
يا دجلةَ الخيرِ: يا أطيافَ ساحرةٍ / يا خمرَ خابيةٍ في ظلِّ عُرْجون
يا سكتةَ الموتِ يا إعصارَ زوبعةٍ / يا خنجرَ الغدرِ يا أغصانَ زيتون
يا أُم بغدادَ من ظَرفٍ ومن غَنَجٍ / مشى التبغددُ حتى في الدهاقين
يا أمَّ تلك التي من «ألفِ ليلتِها» / للآنَ يعبِق عِطرٌ في التلاحين
يا مُستَجمَ «النُّوُاسيِّ» الذي لبِستْ / به الحضارةُ ثوباً وشيَ «هارون»
الغاسلِ الهمَّ في ثغرٍ وفي حَبَبٍ / والمُلبسِ العقلَ أزياءَ المجانين
والساحبِ يأباه الزِّقَّ ويُكرِهُه / والمُنْفِقِ اليومَ يُفدى بالثلاثين
والراهنِ السابِريَّ الخزَّفي قدحٍ / والملهِمِ الفنَّ من لهوٍ أفانين
والمُسْمعِ الدهرَ والدنيا وساكنَها / قرْعَ النواقيسِ في عيدِ الشعانين
يا دجلة الخير: ما يُغليكِ من حنَقٍ / يُغلي فؤادي وما يُشجيكِ يشجيني
ما إن تزالَ سِياطُ البغي ناقعةً / في مائِك الطُهْرِ بين الحِين والحين
ووالغاتٌ خيولُ البغي مُصْبِحةَ / على القُرى آمناتٍ والدهاقين
يا دجلة الخير: أدري بالذي طفحت / به مجاريك من فوقٍ إلى دوُن
أدري على أيِّ قيثارٍ قد انفجرت / أنغامُكِ السُمر عن أنَّات محزون
أدري بأنكِ من ألفٍ مضتْ هَدَراً / للآن تَهْزَين من حكم السلاطين
تَهزين أنْ لم تزلْ في الشرق شاردةً / من النواويس أرواحُ الفراعين
تهزينَ من خِصْبِ جنَّات منشَّرةٍ / على الضفاف ومن بؤس الملايين
تهزين من عُتقاءٍ يوم مَلحمةٍ / أضفوا دروعَ مَطاعيمٍ مَطاعين
الضارعين لأقْدارٍ تحِلُّ بهم / كما تلوَّى ببطن الحُوتِ ذُو النون
يرون سُودَ الرزايا في حقيقتها / ويفزعون إلى حَدْسٍ وتخمين
والخائفينَ اجتداعَ الفقرِ ما لَهُم / والمُفضلِينَ عليه جَدْعَ عِرنين
واللائِذينَ بدعوى الصبر مَجْبَنةً / مُستَعصِمينَ بحبلٍ منه مَوهون
والصبرُ ما انفكَّ مَرداةً لمُحترِبٍ / ومستميتٍ ومنجاةً لمِسكين
يا دجلةَ الخير: والدنيا مُفارَقةٌ / وأيُّ شرٍّ بخيرٍ غيرُ مقرون
وأيُ خيرٍ بلا شرٍّ يُلَقِّحه / طهرُ الملائك منْ رجس الشياطين
يا دجلة الخير: كم مِنْ كنز موهِبةٍ / لديك في «القُمقُم» المسحورِ مخزون
لعلَّ تلك العفاريتَ التي احْتُجِزتْ / مُحَمَّلاتٌ على أكتاف «دُلفين»
لعلَّ يوماً عصوفاً جارفاً عَرِماً / آتٍ فتُرضيك عقباه وترضيني
يا دجلة الخيرِ: إن الشِعْرَ هدْهدةٌ / للسمع ما بين ترخيمٍ وتنوين
عفواً يُردّد في رَفْهٍ وفي عَلَلٍ.. / لحن الحياة رخيِّاً غيرَ مَلحون
يا دجلةَ الخير: كان الشعرُ مُذْ رَسمتْ / كفُ الطبيعةِ لوحاً «سِفْرَ تكوين»
«مزمارُ داودَ» أقوى من نبوّتهِ / فحوًى وأبلغُ منها في التضامين
يا دجلةَ الخير: لم نَصحب لمسكنةٍ / لكن لنلمِسُ أوجاعَ المساكين
هذي الخلائقُ أسفارٌ مجسَدةٌ / المُلهمون عليها كالعناوين
إذا دجا الخطبُ شعَّت في ضمائرهم / أضواء حرفٍ بليل البؤس مرهون
دَينٌ لِزامٌ ومحسودٌ بنعمته / من راح منهم خَليصاً غيرَ مديون
يا دجلة الخير: ما أبقيتُ جازِيةً / لم أقضِ عنديَ منها دَيْنَ مديون
ما كنتُ في مَشْهدٍ يَعنيك مُتَّهماً / خَبَاً وما كنتُ في غيبٍ بظِنِّين
وكان جُرحُكِ إلهامي مُشاركَةً / وكان يأخذُ من جُرحي ويُعطيني
وكان ساحُكِ من ساحي إذا نزلت / به الشدائد أقريه ويَقريني
حتى الضفادعُ في سفحيكِ سَارِيةَ / عاطيتُها فاتناتٍ حُبَّ مفتون
غازلتُهنَّ خليعاتٍ وإن لبست / من الطحالب مزهوَّ الفساتين
يا دجلة الخير: هلاَّ بعضُ عارفَةٍ / تُسدَى إليَّ على بُعدٍ فتَجزينني
يا دجلة الخير: مَنِّيني بعاطفة / وألْهِمينيَ سُلواناً يُسَلِّيني
يا دجلة الخير: من كل الأُلى خَبَروا / بلوايَ لم ألفِ حتى من يواسيني
يا دجلةَ الخيرِ: خلِّي الموجَ مُرتفقاً / طيفاً يمرُّ وإن بعضَ الأحايين
وحمِّليه بحيثُ الثلجُ يغمرني / دفءَ «الكوانين» أو عطر «التشارين»
يا دجلةَ الخير: يا من ظلَّ طائفُها / عن كل ما جَلَتِ الأحلام يُلهيني
لو تعلمين بأطيافي ووحشتِها / ودِدتِ مثلي لَوَ أنَّ النومَ يجفوني
أجسُ يقظانَ أطرافي أعالجها / مما تحرَّقت في نومي بأتُون
وأستريح إلى كوبٍ يُطّمئنُني / أن ليس ما فيه مِن ماءٍ بغِسلين
وألمِسُ الجُدُرَ الدَكناءَ تخبرني / أنْ لستُ في مَهْمَهٍ بالغِيل مسكون
يا دجلةَ الخير: خلِّيني وما قَسَمَتْ / لي المقاديرُ من لدغ الثعابين
الطالحاتُ فما يبعثْنَ صالحةً / ولا يُبعثرْنَ إلاّ كلَّ مأفون
والراهناتُ بجسمي يَنْتَبِشن به / نبشَ الهوامِ ضريحاً كلَّ مدفون
واهاً لنفسيَ من جمعِ النقيضِ بها / نقيضَه جمْعَ تحريكٍ وتسكين
جنباً إلى جنب آلامٍ أقُطِّفُها / قَطْفَ الجياع جَنى اللّذّات يزهوني
وأركبُ الهوْلَ في ريعانِ مامَنةٍ / حبُّ الحياة بِحبِّ الموتِ يُغريني
ما إن أُبالي أصاباً درَّ أم عسلاً / مريٌ أراه على العلاّتِ يرضيني
غُولاً تسنَّمتُ لم أسألْ أكارعَه / إلى الهُوَى أمْ على الواحات ترميني
وما البُطولاتُ إعجازٌ وإنْ قنِعت / نفسُ الْجبانِ عن العلياء بالهُون
وإنَّما هي صفوٌ منْ مُمارَسَةٍ / للطارئات وإمعَانٍ وتمرين
لا يُولَدُ المَرءُ لاهِرَّاً ولا سَبُعاً / لكن عصارةَ تجريبٍ وتلقين
يا دجلة الخير: كم معنًى مزجتُ له / دمي بلحمي في أحلى المواعين
ألفيته فَرْطَ ما ألوى اللواةُ به / يشكو الأمرَّينِ من عَسْفٍ ومن هُون
أجرَّه الشوكَ ألفاظٌ مُرَصَّفةٌ / أجرَّها الشوكَ سجعٌ شِبهٌ موزون
سَهِرتُ ليلَ «أخي ذبيان» أحضُنه / حَضْنَ الرواضعِ بين العتِّ واللين
أعِيدُ من خَلقه نحتاً وخَضْخضةً / والنجمُ يَعْجَب من تلك التمارين
حتَّى إذا آضَ ريَّان الصِبا غَضِراً / مهوى قلوبِ الحسانِ الخرَّدِ العِين
أتاح لي سُمَّ حيَاتٍ مُرقَّطةٍ / تَدبُّ في حمَأ بالحقد مَسْنون
فهل بحسبِ الليالي من صدى ألمي / أني مَضِيغَةُ أنيابِ السراحين
الآكلين بلحمي سُمَّ أغرِبَةٍ / وغُصَّةً في حلاقين الشواهين
والساترينَ بشتمي عُرْيَ سوأتِهم / كخَصْفِ حوّاءَ دوحَ التُوتِ والتين
والعائشينَ على الأهواء مُنزلةً / على بيانٍ بلا هَديٍ وتبيين
والميِّتينَ وقد هيضت ضمائرهُم / بواخزٍ معهم في القبر مدفون
صنّاجةَ الأدبِ الغالي وكم حِقَبٍ / بها المواهبُ سيمَت سَوْمَ مغبون
ومُنْزِلَ السِوَرِ البتراءِ لاعِنَةً / مَنْ لم يكن قبلها يوماً بملعون
جوزيتَ عنها بما أنت الصليُّ به / هذا لَعمري عطاءٌ غيرُ ممنون!!
ماذا سوى مثلِ ما لاقيتَ تأمُلُهُ / شمُ العرانين من جُدْع العرانين
حامي الظعائن لا حمدٌ ولا مِقةٌ / وقد يكون عزاءً حمدُ مظعون
لمن؟ وفيمَ؟ وعمَّن أنت محتملٌ / ثِقْلَ الدَّيات من الأبكار والعُون؟
ويا زعيماً بأن لم يأته خبرٌ / عمّا يُنشَّرُ من تلك الدواوين
لك العمى ومتى احتجَّتْ بأن قَعَدتْ / عن الموازينِ أربابُ الموازين
بل قد مَشَتْ لكَ كالأصباحِ عابقةً / وأنت تحذرها حذرَ الطواعين
كفرتُ بالعلم صِفْرَ القلب تحمله / للبيع في السوق أشباه البراذين
كانت عباقرةُ الدنيا وقادتُها / تأتي المورِّقَ في أقصى الدكاكين
تلمُ ما قد عسى أن فات شارِدُهُ / عنها ولو كان في غُيَّابة الصين
لهفي على أمَّةٍ غاض الضميرُ بها / من مدّعي العلمِ والآداب والدين
موتى الضمائرِ تُعطي المَيْتَ دمعتَها / وتستعينُ على حيٍّ بسكِّين
لا بُدَّ معجِلةٌ كفُّ الخَراب به / بيتٌ يقوم على هذي الأساطين
جُبْ أُربُعَ النقد واسألْ عن ملاحمها / فهل ترى من نبيغٍ غيرِ مطعون
وقِفْ بحيثُ ذوو النَّزْعِ الأخير بها / وزُرْ قُبورَ الضحايا والقرابين
ترَ الفطاحلَ في قتلٍ على عَمَدٍ / همُ الفطاحلُ في صوغ التآبين
مِن ناكرٍ عَلَماً تُهدى الغواة به / حتى كأن لم يكن في الكاف والنون
أو قارنٍ بأسمه خُبثاً وملأمةً / مَن ليس يوماً بضْبِعَيْهِ بمقرون
تشفّياً: إنَّ لمحَ الفكر منطلقاً / قذًى بعين دعيِّ الفكر مأفون
عادى المعاجمَ وغْدٌ يستهين بها / يُحصي بها «أبجدياتٍ» ويعدوني
شلَّت يداك وخاست ريشةٌ غفلت / عن البلابل في رسم السعادين
يا دجلةَ الخير: ردّتني صنيعتَها / خوالجٌ هُنَّ من صنعي وتكويني
إن المصائب طوعاً أو كراهيةً / أعَدْنَ نَحْتِي كما أبدَعْنَ تلويني
أرَينني أنّ عندي من شوافِعِها / إذا تباهى زكيٌ ما يزكّيني
وجَبَّ شتَى مقاييسٍ أخذتُ بها / مقياسُ صبرٍ على ضُرٍّ وتوطين
وراح فضلُ الذي يبغي مباهلتي / نعمى تعنِّيه من بؤسي تعنيني
يا دجلةَ الخير: شكوى أمْرُها عجبٌ / إنّ الذي جئت أشكو منه يشكوني
ماذا صنعتُ بنفسي قد أحَقْتُ بها / ما لم يُحقْهُ ب«روما» عسفُ «نيرون»
ألزمتها الجِدَّ حيثُ الناسُ هازلةٌ / والهزلَ في موقفٍ بالجدِّ مقرون
وسُمْتُها الخسفَ أعدى ما تكون له / وأمنعُ الخسفَ حتى من يعاديني
ورحتُ أظمي وأسَقي من دمي زُمراً / راحت تُسقي أخا لؤمٍ وتُظميني
وقلتُ بالزهدِ أدري أنَّه عَنَتٌ / لا الزهدُ دأبي ولا الإمساك من ديني
خَرطَ القتاد أمنّيها وقد خِلِقتْ / كيما تنامَ على وردٍ ونِسرين
حراجةٌ لو يُرى حمدٌ يرافقها / هانتْ وقد يُدَّرى خطبٌ بتهوين
لكنْ رأيتُ سِماتِ الخيرِ ضائعةً / في الشرِّ كاللثغِ بين السينِ والشين
ما أضيعَ الماسَ مصنوعاً ومتطَبِعاً / حتى لدى أهلِ تمييزٍ وتثمين
يا دجلةَ الخير: هل أبصرتِ بارقةً / ألقت بلمحٍ على شطَّيكِ مظنون؟
تلكمْ هي العمرُ ومضٌ من سنى عَدمٍ / ينصَّبُ في عَدَمٍ في الغيبِ مكنون
يا دجلة الخير: هل في الشكِّ منجلياً / حقيقةٌ دون تلميحٍ وتخمين؟
أم خولطت فيه أوهامٌ وأخيلةٌ / كما تخالطت الألوانُ في الجُون
أكاد أخرج من جلدي إذا اضطربت / هواجسٌ بين إيقانٍ وتظنين
أقول لو كنزُ قارونٍ وقد عَلِمَتْ / كفَّايَ أن ليس يُجدي كنزُ قارون
أقول: ما كنزُ قارون فيدمَغُني / أنَّ الخَصاصةَ من بعض السراطين
أقول: ليت كفافاً والكفافُ به / رُحبُ الحياةِ وأقواتُ المساجين
أقولُهنَّ وعندي علمُ ذي ثِقةٍ / أنْ ليس يُؤخَذَ علمٌ بالأظانين
وإنَّما هي نفسٌ همُّ صاحبها / أنْ لا تُصدِّقَ مدحوضَ البراهين
لم يوهب الفكرُ قانوناً يُحصِّنه / من الظنونِ ومن سُخف القوانين
يا نازحَ الدارِ ناغِ العُودَ ثانيةً / وجُسَّ أوتارُه بالرِفْقِ واللين
لعلَ نجوى تُداوي حرَّ أفئدة / فيها الحزازاتُ تَغلي كالبراكين
وعلَّ عقبى مناغاةٍ مُخفِّقةً / حمّى عناتر «صفينِ» و«حطين»
ويا صدى ذكرياتٍ يستثرن دمي / بهِزّةٍ جمَةِ الألوان تعروني
أشكو المرارةَ من إعناتِ جامحةٍ / منها إلى سمحةٍ برٍّ فتُشكيني
مثلَ الضرائرِ هذي لا تطاوعني / فأستريحُ إلى هذي فتُؤويني
ويا مَقيلاً على غربيِّها أبداً / ذكراهُ تَعطِفُ من عودي وتَلويني
عُشُّ الأهازيجِ من سَجعي يُردِّدها / سجعُ الحَمامِ وترجيعُ الطواحين
وسِدْرةٌ نبعُها خضْدٌ وساقيةٌ / وباسقُ النخلِ معقوفُ العراجين
ومُسْتَدقُّ صخورٍ من مآبرها / رؤًى تَظَلُّ على الحالينِ تُشجيني
من أنمل الغِيد في حسنٍ تُتمِّمه / فإنْ تعرَّتْ قمن أنياب تنِّين
يا مجمعَ الشملِ من صحبٍ فُجعتُ به / وآخرٍ رُحْتُ أبلوه ويبلوني
ويا نسائمَ إصباحٍ تصفِّقُ لي / ندى الغصون بليلاتٍ وتَسقيني
ويا رؤى أُصُلٍ نشوى تراوحني / ويا سنا شفقٍ حلوٍ يُغاديني
ويا مَداحةَ رملٍ في مَخاضتها / راحت أُصيبيةٌ تلهو فتُلهيني
وضجَّةٌ من عصافيرٍ بها فَزعُ / على أكِنَّتِها بين الأفانين
ومنطقٌ ليس بالفصحى فتفهمُه / يوماً وما هو من حسٍ بملحون
وأنت يا دجلة الخيرات سِعْليةٌ / قرعاء نافجةُ الحضنينِ تعلوني
لا ضيرَ كلُّ أخي عُشٍّ مفارقُه / وأيُّ عُشٍّ من البازي بمأمون!
ويا ضجِيعَي كرًى أعمى يلفُّهما / لفَّ الحبيبين في مطمورةٍ دُون
حسبي وحسبُكما من فرقةٍ وجوًى / بلاعجٍ ضَرِمٍ كالْجمرِ يَكويني
لم أعْدُ أبوابَ ستينٍ وأحسبني / هِمَّاً وقفتُ على أبواب تسعين
يا صاحبيَّ إذا أبصرت طيفَكما / يمشي إليِّ على مَهلٍ يحييني
أطبقتُ جَفناً على جَفنٍ لأبصُرَه / حتى كأنَّ بريقَ الموتِ يُعشيني
إنِّي شَمِمُتُ ثرًى عفناً يضمُّكما / وفي لُهاثيَ منه عِطرُ «دارين»
بنوةً وإخاءً حلفَ ذي ولَعٍ / بتربةٍ في الغد الداني تغطيني
لقد وَدِدْتُ وأسرابُ المنى خُدعُّ / لو تَسلمان وأنِّ الموت يطويني
قد مِتُّ سبعينَ موتاً بعد يومِكما / يا ذلَّ من يشتري موتاً بسبعين
لم أقوَ صبراً على شجوٍ يرمِّضُني / حرَّانَ في قفصِ الأضلاعِ مسجون
تصعدتْ آهِ من تلقاء فطرتها / وأردفت آهةٌ أُخرى بآمين
ودبَّ في القلبِ من تأمورِه ضرمٌ / ما انفكَّ يُثلج صدري حين يُصليني
يا أُمّ عوفٍ عجيباتٌ ليالينا
يا أُمّ عوفٍ عجيباتٌ ليالينا / يُدنين أهواءَنا القُصوى ويُقصينا
في كلِّ يومٍ بلا وعيٍ ولا سببٍ / يُنزلنَ ناساً على حُكمٍ ويُعلينا
يَدِفْنَّ شَهْدَ ابتسامٍ في مراشفنا / عَذْباً بعلقم دمعٍ في مآقينا
ويقترِحْنَ علينا أنْ نُجرَّعَهُ / كالسمِّ يجرعُه سُقراطُ تَوْطينا
يا أُمَّ عوفٍ وما يُدريكِ ما خَبَأتْ / لنا المقاديرُ من عُقبى ويُدرينا
أنَّى وكيف سيُرخي من أعنَّتنا / تَطوافُنا ومتى تُلقى مَراسينا
أزرى بأبيات أشعارٍ تقاذَفُنا / بيتٌ من الشَعَرِ المفتول يَؤوينا
عِشنا لها حِقَباً جُلَّى ندلِّلُها / فتجتوينا ونُعليها فتُدنينا
تقتاتُ من لحمنا غضًّا وتُسغِبنا / وتستقي دَمنا محضاً وتُظمينا
يا أُمَّ عوفٍ حُرمنا كلَّ جارحةٍ / فينا لِنُسرِجَ هاتيكَ الدواوينا
لم يدرِ أنَّا دُفِنَّا تحتَ جاحِمها / مطالعٌ يتملاها بَراكينا
يا أُمَّ عوفٍ بِلَوْح الغيب موعدُنا / هنا وعندك أضيافاً تَلاقِينا
لم يبرحِ العامُ تِلوَ العامِ يَقذِفُنا / في كلِّ يومٍ بمَوماةِ ويرمينا
زواحفاً نرتمي آناً وآونةً / مصعِّدين بأجواءٍ شواهينا
مُزعزَعينَ كأنَّ الجنَّ تُسلمنا / للرّيحِ تَنشُرنا حيناً وتَطوينا
حتى نزلنا بساحٍ منكِ مُحتضِنٍ / رأد الضُحى والنَّدى والرملَ والطّينا
مفييءٍ بالجواء الطلقِ مُنصلِتٍ / للشمس تجدعُ منه الريحُ عِرنينا
خِلْتُ السماءَ بها تهوي لتلثَمَهُ / والنجمَ يسمحُ من أعطافه لِينا
فيه عطفنا لميدانِ الصِّبا رسَناً / كادَ التصرُّمُ يَلويه ويَلوينا
يا أُمَّ عوفٍ وما آهٌ بنافعةٍ / آهٍ على عابثٍ رَخْصٍ لماضينا
على خضيلٍ أعارته طلاقَتها / شمسُ الربيع وأهدته الرياحينا
سالتْ لِطافاً به أصباحُنا ومشتْ / بالمنِّ تنطِفُ والسلوى ليالنا
سمحٍ نجرُّ به أذيالَنا مرَحاً / حِيناً ونعثُر في أذياله حينا
آهٍ على حائرٍ ساهٍ ويَرشُدنا / وجائرِ القصد ضِلِّيلٍ ويَهدينا
آهٍ على ملعبٍ أن نستبدَّ به / ويستبدَّ بنا أقصى أمانينا
مثلَ الطيورِ وما رِيشَتْ قوادمُنا / نطيرَ رهواً بما استطاعت خَوافينا
من ضحكة السَّحَرِ المشبوب ضحكتُنا / ومن رفيفِ الصِّبا فيه أغانينا
يا أُمَّ عوفٍ وكاد الحِلمُ يَسلُبنا / خيرَ الطِباع وكاد العقل يُردينا
خمسونَ زُنَتْ مليئاتٍ حقائبُها / من التجاريب بِعناها بعشرينا
إذ نحنُ مِن هذه الدنيا ضراوتُها / وإذ مغاني الصِّبا فيها مغانينا
يا أُمَّ عوفٍ بريئاتٌ جرائرُنا / كانت وآمِنةُ العقبى مَهاوبنا
نستلهِمُ الأمرَ عفواً لا نخرِّجُهُ / من الفحاوي ولا نَدري المضامينا
ولا نُعاني طوِّياتٍ معقَّدةً / كما يَحُلُّ تلاميذٌ تمارينا
نأتي المآتيَ من تلقاءِ أنفُسِنا / فيما تصرِّفنا منها وتُثنينا
إنْ نندفعْ فبعفوٍ من نوازعنا / أو نرتدعْ فبمحضٍ من نواهينا
ما إنْ يَرينُ علينا خوفُ منقلَبٍ / ولا نراقب ما تَجزي جوازينا
لا الأرض كانت مُغوَّاةً تَلقَّفُنا / غدراً ولا خاتلٌ فيها يُداجينا
إذا ارتكسنا إغاثتنا مَغاوينا / أوِ ارتكضنا أقلَّتنا مَذاكينا
أوِ انصببنا على غايٍ نُحاولها / عُدنا غُزاةً وإن طاشت مرامينا
كانت محاسنُنا شتَّى وأعظمُها / أنَّا نخافُ عليها مِن مَساوينا
واليومَ لم تألُ تَستشري مطامِحُنا / وتقتفيها على قدْرٍ مَعاصينا
فما نعالجُ خرقاً من مهازلنا / إلا بأوسعَ منه في مآسينا
يا أُمَّ عوفٍ أدالَ الدهرُ دولتَنا / وعاد غَمْزاً بنا ما كان يزهونا
خبا من العمر نوءٌ كان يَرزُمنا / وغابَ نجمُ شبابٍ كان يَهدينا
وغاضَ نبعُ صفا كنَّا نلوذ به / في الهاجرات فيّروينا ويُصفينا
يا أُمَّ عوفٍ وقد طال العناءُ بنا / آهٍ على حِقبةٍ كانت تعانينا
آهٍ على أيمنٍ من ربعِ صبوتنا / كنَّا نجولُ به غرًّا ميامينا
كانت تُجِدُّ لنا الأحلامُ حاشيةً / مذهوبةً كلَّما قُصَّت حواشينا
كنَّا نقول إذا ما فاتنا سَحَرٌ: / لا بُدَّ مِن سَحَرٍ ثانٍ يُواتينا
لا بُدَّ مِن مطلعٍ للشمس يُفرِحنا / ومن أصيلٍ على مهلٍ يُحيّينا
واليومَ نَرقُبُ في أسحارنا أجَلا / تقومُ من بَعدهِ عَجلى نواعينا
يا أُمَّ عوفٍ كوادٍ أنت نازلةٌ / دَمْثاً فَسيحاً ندّياً كان وادينا
في مثلِ رملتكِ الحمراءِ زاهيةً / كانت تخُبُّ عفاريتاً مَهارينا
ومثل خيمتكِ الدكناءِ فارهةً / كانت ترِفُّ على رملٍ صَوارينا
يا أُم عوف وما كنَّا صيارفةً / فيما نُحبُّ ولا كنا مُرابينا
لم نَدْرِ سُوقَ تِجارٍ في عواطفهم / ومُشترينَ مودّاتِ وشارينا
لا نعرِف الوِّد إلا أنَّه دنَفٌ / من الصبابةِ يعتاد المُحبينا
فما نُصابح إلا مَن يُماسينا / ولا نُراوح إلا مَن يُغادينا
يا أُمَّ عوف ولا تغرُرْكِ بارقةٌ / منَّا ولا زائفٌ من قولِ مُطرينا
غُفلا أتيناكِ لم تعلَقْ بنا غُرَرٌ / ولا حُجولٌ وإنْ رفَّتْ هوادينا
إنا أتيناكِ من أرضٍ ملائكُها / بالعُهِر تُرجم أو تُرضي الشياطينا
إنْ لم يَلُحْ شبحٌ للخوف يُفرعنا / فيها يَلُحْ شبحٌ للذل يُصمينا
يا أُمَّ عوف أأوهامٌ مضلِّلةٌ / أمِ الأساطيرُ يُبدعنَ الأساطينا
مِنْ عهد آدمَ والأقوامُ مزجيةٌ / خوفَ الشرورِ الضّحايا والقرابينا
أكُلَّما ابتدعَ الإنسانُ آلهةً / للخيرِ صيَّرها شرٌّ ثعابينا!؟
يا أُمَّ عوف سِئمنا عيشَ حاضرةٍ / تَرُبُّ سِقْطَينِ شِرِّيراً ومِسكينا
وحشٌ وإنْ روَّضَ الإِنسيُّ جامحَها / قفرٌ وإنْ مُلئتْ ورداً ونِسرينا
ضحَّاكةُ الثَّغرِ بُهتاناً وحاملةٌ / في الصدرِ للشرِّ أو للبؤس تنِّينا
وخانقاً من قراميدِ يحوّطنا / حوطَ السجون مناكيداً مساجينا
رانَ الخمولُ عليه واستبدَّ به / جذبُ الجواذب من هَنّا ومن هِينا
ولُقمةٍ ردَّها ما نسترقُّ به / وما نكافحُ زَقّوماً وغِسلينا
يا أُمَّ عوف وقد شِبْنا بمعتركٍ / نرعى المقاييسَ منه والموازينا
عُمياً نَدور على مرمى حوافره / معقودةٌ بتواليه نَواصينا
ما انفكَّ فُحْشُ تَظنِّيهِ يُلاحقنا / حتى عُدينا بفُحشٍ في تظنِّينا
فما نصدِّقُ أفواهاً بألسنةٍ / ما لم يُقمْنَ عليهنَّ البراهينا
ولا بأفئدةٍ حتى تُعاهدَنا / بأنَّ أنياطها ليست ثعابينا
وقد يشِمْنا بِمُودٍ من مراتعنا / يُغثي النفوس ومُوبٍ من مَراعينا
لا يلمسُ الروحَ فينا مَن يُصاحبنا / ولا تحدُّ حدودٌ مَن يُعادينا
ولا ينمُّ بسٍّ مَن يُضاحِكنا / ولا يَرفُّ بجَفنٍ مَن يُباكينا
ولا تسيلُ على اللَبَّات أنفسُنا / إلا ذِماً ثمّ تغشاها غواشينا
وآنِسٌ أنْ بَئِسنا فهو مادِحُنا / أغَمَّهُ أن نَعَمنا فهو هاجينا
يُضوي لئامتَه شرٌّ يَحيقُ بنا / حِقداً ويُسمنها خيرٌ يواتينا
لم يَدْرِ أنَّا على الحالين يُرمضنا / مِن بؤس خَلْقٍ سوانا يعنِّينا
وأنَّنا حين يُروي الناسَ نبعُهمُ / نُروى بنبعِ هُمومٍ فُجّرتْ فينا
وأنَّنا نحسبُ الخالينَ من ألمٍ / غَرثى عفاةً وإن كانوا قوارينا
لم يَدْرِ أنَّ النفوسَ العامراتُ بُنًى / تبقى على نكَدِ الدُّنيا عناوينا
يا رملةَ اللَّهِ رُدِّي عن تحيَّتِنا / بخيرِ ما فيكِ من لُطفٍ وحيّينا
وسامرينا فقد ألوى بنا سمرٌ / وطارِحينا فقد عَيَّت قوافينا
رُدِّي بما وَهِبَته الشاءُ من وتَرٍ / إذا ثَغا ردَّدته الروحُ تلحينا
ونبحةٍ من كُليبٍ خِلْتُ نبرتَها / من زُخرفِ القول تَحريكاً وتسكينا
وخُطبة تُسمع الرهطينِ مُلْفيةً / في الذئب والحمَلِ المرعوبِ مُصغينا
عَوَى هزيعاً فردَّتْ عنه ثاغيةٌ / كانت تقول له آمين آمينا
وحولَه الشاءُ والمِعزى مهوِّمةً / تُزجي الأكارع أو تُرخي العثانينا
تهَشَّ للمرج فَيناناً وتُرعدها / رؤيا تمثلُّ جزّاراً وسكينا
أغفى ونَصَّبَ خيشوماً يُحِسُّ به / خُطى اللصوص ويستاف السراحينا
ولفَّهُ وهجُ الأصواف يُوقِدها / عن صرِّ كانون تَنّوراً وكانونا
ويا بساطاً منَ الخضراءِ طرَّزهُ / صوبُ الغمام أفانيناً أفانينا
أوصِ المروجَ بنا خيراً لعَّل بها / من ضَنكةِ الروح فينا ما يُداوينا
جِئنا مغانيكِ نُسَّاكاً يُبرِّحهمْ / لُقيا حبيبٍ أقاموا حُبَّه دينا
ولاءَمتنا شِعابٌ منكِ طاهرةٌ / كما تضمُّ المحاريبُ المصلّينا
لم أُلفِ أحفلَ منها وهي مُوحشةٌ / بالمؤنسات ولا أزهى ميادينا
ولا أدقَّ بياناً مِن مجاهلها / ولا أرقَّ لما توحيه تبيينا
حتى كأنَّ الفِجاجَ الغُبرَ تَفهمُنا / والمبهماتِ من الوادي تُناغينا
تجاوبتْ بصدى الدُّنيا مفاوزُها / واستعرضت منَ بني الدنيا الملايينا
وانساب حشدُ الرمال السافياتِ بها / يُحصى الأناسيَّ منها والأحايينا
كم لَمَّتِ الشمسُ أوراساً وكم قطفتْ / من الأهلَّةِ عُرجوناً فعرجونا
وكم حوتْ من ربيع الدهر أخيلةً / فطِرْنَ رعباً وأفراساً فعُرِّينا
أحالها النور شيئاً غيرَ عالمها / حتى كأنَّا بوادٍ غيرِ وادينا
حتى كأنَّا وضوءُ البدر يَفرشها / نمشي على غيمةٍ منه تماشينا
يا علم قد سعدت بك الأوطان
يا علم قد سعدت بك الأوطان / فليسم منك على المدى سلطان
وليسق حبّيك العراق ليشتفي / منه الغليل ويرتوي الظمآن
هذِّب لنا أخلاق أهليه فقد / غشّى عليها الجهل والعدّوان
ياأيّها النشىء الجديد تسابقاً / بالعلم إن حياتكم ميدان
صونوا البلاد فانما عزماتكم / قضب ومن أقلامكم خرصان
يا شعب هل تخشى ضياعاً بعدما / حاطت عليك حياضك الشبان
شادوا المدارس بالعلوم تنافساً / فكأنَّما بين البلاد رهان
يا جهل رفقاً بالشعوب فأهلها / كادت تذيب قلوبها الأضغان
لا لن تفرقنا الحدود ولم تكن / تدري الحواجز اخوة جيران
ماذا يريد اللائمون فانّه / وطن يحبُّ وحبُّه إيمان
سنذود عنه بعزم حر صادق / منه ضمير يستوي ولسان
لا يرتضي إلا المنية منهلا / أو منزلاً من دونه كيوان
لي فيك آمال وصدق عزائم / لا بد تنشر طيَّها الأزمان
ولئن هتفت بما أجن فعاذر / فلقد اضر بصدري الكتمان
يا موطن النُّجد الغزاة هضيمة / كيف ارتقت عن شأنك الأوطان
ماذا التواني منك في شوط العلى / هلا نهضت وكلنا أعوان
إن تخش سطوة ظالم فلقد ترى / والغرب منه لحكمك الاذعان
غرُّوك اذ دارت كؤوس خداعهم / حتى سكرت فعقَّك النُّدمان
أمن المروءة أن تنال حقوقها / لقط وأنت نصيبك الحرمان
بئست علاقة واغلين وإنما / عيش الكريم مع اللئيم هوان
قد سرَّ اكناف الجزيرة ما رووا / يا مصر عنك ومادت الأركان
مديِّ برجك للعراق يبن له / نهج الرشاد أمدَّك الرحمن
يا أيها الوطن المفدى دونه / يوم الفداء الأرض والأوطان
فدّتك ناشئة البلاد وشمرت / لك عن سواعد عزمها الفتيان
زاحم بمنكبك النجوم ولا يطل / شرفا عليك ببرجه " كيوان "
وارع الشباب وصن كريم عهودهم / فهم لصفحة مجدك العنوان
فتنة الناس وقينا الفتنا
فتنة الناس وقينا الفتنا / باطل الحمد ومكذوب الثنا
جلبت لي الهم والهمُّ عنا / آه ما أروحني لولا المنى
آه ما أخيبني من غارس / شجر الآمال لكن ما جنى
كلما حدِّثت عن نجم بدا / حدثتني النفس أن ذاك أنا
أمل أخشى عليه زمني / فلو استطعت أطلت الزمنا
لا تذكرني الهنا يشجو الحشا / ذكره إني ألفت الشَّجنا
إنما أشكو حياة كلُّها / تبعات كنت عنها في غنى
لا تخله في هناء ظاهر / كلُّ من في الأرض لا يدري الهنا
غرّد الطير فقالوا : مسعد / ربَّ نوح خاله الغرُّ غنا
وانثنى الغصن ولولا أنه / حامل ما لم يطقه ما أنثنى
أترى الانجم طرّاً تشتكي / ذا أم الآلام خصت نجمنا ؟
بات يرعى الشُّهب مضنى جالباً / سهراً راق له وهو ضنى
أترى اسجليت منها غامضاً / أنت يا من بالدراري افتتنا
آه ما أبهاك يا ليل على / ظلمة فيك وما أجلى سنا !
أترى مرتهناً بات بك البدر / أم بتَّ به مرتهنا
قمن أنت ذا لم تهوه / فبه سرُّك أضحى علنا
كم فؤاد فيك مطوي على / حرق من غير ما ذنب جنى
ومعنًّى أزعج الشُّهب له / حر أنفاس فرادى وثنى
فعلى الرفق فما أبقى الأسى / أملا يجدي على الرفق بنا
أنا حَّملتك يا طير الأسى / أنا حتى عدت منه ألكنا
تلك أثقال المنى شاطرتني / حملها أنت فأسديك الثَّنا
أنت مثلي شاعر معتزل / فتغنى كي تميل الغصنا
أنت لا تطلب ما لا ينبغي / فدع الألقاب عنّا والكنى
أنت يا آمال قد عاهدتني / بالوفا لا لا تخوني عهدنا
غنّني باسم عراقي تشجني / واترك الشَّام وخلِّ اليمنا
لا أرى لي بدلا عنه وقد / عذب الورد وطاب المجتنى
أترى يغنيك عنه وطن / أنت يا من خان هذا الوطنا
لم تبع شعبك لو أنصفته / فمن الشَّعب قبضت الثّمنا
خلَّف المجد لنا من سلفوا / افيخزي عارنا من بعدنا
مثلُ دنِّ الخمرِ نفسي
مثلُ دنِّ الخمرِ نفسي / أبداً في غليانِ
وأنا آكل من قلبي / ولا يدري لساني
كيف بعد الختمِ تقوى / أن تبوحَ الشفتانِ
يا نسمة الريح مِن بين الرياحينِ
يا نسمة الريح مِن بين الرياحينِ / حيي الرُصافة عني ثم حَيّيني
إن لم تمري على أرجاءِ شاطِئها / فلَيتَ لم تحملي نشراً لدارين
لا تَعبَقي أبداً إلاّ مُعطّرةً / ريانةً بشَذَى وردٍ ونِسرين
أهديت لي ذكرَ عَصرٍ قد حَييت به / من عَلَّم الريحَ أن الذكرَ يُحييني
حيثُ الزمانُ وَريقُ العودِ رَيّقه / والدهرُ دَهرُ صباباتٍ تواتيني
معي من الصحب يسعى كلُّ مُقتَبِلٍ / نَضْرِ الشباب طليقِ الوجهِ ميمون
خالٍ من الهَمّ لو لامَسْتَ غُرَّته / أعداكَ واضحُ تَهليلٍ وتَحسين
ولي الى الكرخِ من غربيِّها طَرَب / يكادُ ُمن هِزَّةٍ للكرخِ يرميني
حيث الضفافُ عليها النخلُ متِّسقٌ / تنظيمَ أبيات شعرٍ جدِّ موزون
وللنسيم استراقٌ في مرابعها / للخطو مَشْيٌ ثقيلُ القيد موهون
يا ربةَ الحسن لا يُحصَى لنَحصِره / وصفٌ فكلُ معانينا كتخمين
والله لو لا ربوعٌ قد ألِفتُ بها / عيشَ الأليفينِ أرجوها وترجوني
وان لي من هوى أبنائها نَسَباً / دونَ العشيرة للأصحاب يَنميني
لاخترتُها منزلاً لي أستظلُّ به / عن الجنان وما فيهن يُغنيني
لخبَّرت كيفَ شوقُ الهائمين بها / وكيفَ صَفْقُ عذولي كفَ معبون
اخوانُنا حيث راقَ الجَسرُ وانتظَمَتْ / الى مغانيكم أنفاسُ مَحزون
فالشمس كل بروج الافق تصحبها / سيراً وتسري الى برج بتعيين
سقاكُمُ ريِّقٌ من صَوب غاديةٍ / ينهلُّ عن عارض بالبشرِ مقرون
لا تحسبوا أن بُد الدارِ يُذهلني / عنكم ولا قِصرَ الأيامِ يُنسيني
ضِقتُمْ قلوباً لما ضمَّتْ جوانحُنا / لو كانَ يسمَحُ في نشر الدواوين
ذاوي النبات هشيماً لستُ آمنَ من / ريح الصَّبا أنها جاءت لتذروني
خلِّ الملامةَ في بغدادَ عاذلنتي / علامَ في شم رَوح الخُلد تَلحيني
هل غيرُ نَفسٍ هَفَت شوقاً لمالئها / شوقاً يصعِّد بين الحين والحين
أما النسيمُ فقد حَملتهُ خَبَراً / غيرُ النسيم عليه غيرُ مأمون
ما سرَّني وفنونُ العلم ذاويةٌ / أنَّ الأفانينَ لُفَّتْ بالأفانين
ولا الربوع وان رقَّ النسيم بها / إن كان من خَلفها أنفاسُ تِنّين
هيهاتَ بعد رشيدٍ ما رأت رَشداً / كلا ولا أمِنَت من بعد مَأمون
أما اللسانُ فقد أعيا الضِرابُ به / وكان جِدَّ رهيفِ الحدِّ مَسنون
أنتِ تدرين أنني ذو لُبانَهْ
أنتِ تدرين أنني ذو لُبانَهْ / الهوى يستثيرُ فيَّ المَجانَهْ
وقوافيَّ مثلَ حُسنك لما / تَتَعرَّينَ حرّةٌ عُريانة
وإذا الحبُّ ثار فيَّ فلا تَمْنَعُ / أيُّ احتشامة ثوَرَانه
فلماذا تُحاولين بأنْ أعلنَ / ما يُنكِرُ الورى إعلانه
ولماذا تُهيِّجِين من الشاعِر / أغفى إحساسُهُ بركانه
لا تقولي تجهُّمٌ وانقباضٌ / بُغَّضا منه وجهَه ولسانه
فهما ثورةٌ على الدهر منّي / كجَواد لا يرتضي مَيدانه
أنا في مجلسٍ يضمُّكِ نشوانُ / سروراً كأنني في حانه
لوتُحسيِّنَ ما أحسُّ إذا رجَّفْتِ / في الرَّقص بطنَك الخمصانه
رجفة لا تمسُّ ما بين رفْغَيْكِ / وتُبقي الصدرَ الجميلَ مكانه
والذراعَينَ كلُّ ريانةٍ فعماءَ / تََلْقى في فَعمةٍ رَيّانه
والثُدِيَّيْنِ كلُّ رُمانة فرعاءَ / تَهزا بأُختِها الرُمّانه
عاريا ظهرُك الرشيقُ تحبُ العينُ / منه اتساقَهُ واتزانه
ما به من نحافةٍ يُستَشَفُّ العظمُ / منها ولا به من سَمانه
خُصَّ بالمحض من بُلهَنَيةِ العَيشِ / وأُعطي من الصبا عنفوانه
وتراه يجيء بين ظُهور الخُرَّدِ / الغيدِ سابقاً أقرانه
إذ تميلين يَمنة ويَساراً / مثلما لاعبت صَباً خيزُرانه
عندما تبسمين فينا فتفترُُّ / الشفاهُ اللطافُ عن أقحُوانه
إذ يحار الراؤون في حُسنك الفتّانِ / بل في ثيابك الفَتّانه
رُب جسمٍ تُطرى الملاحةُ فيه / ثم تَعدوه مُطرياً فُستانه
ما به من نقيصةٍ وكأنّ الثوب / أضحى متمماً نُقصانه
إن كفاً قاست عليك لباساً / مثلَ هذا مهّارةٌ شيطانه
عَرَفتْ كيف تَبروزين / إلى الجمهُور فيه لتخِلبي أذهانه
ضيَّقت مُلتقى نهودكِ / والكشْحَين منه وشمرَّت أردانه
وأشارت إلى اللعوبَيْن بالألباب / منا بوردةٍ مُزدانه
ليت شعري ما السرُّ في ان بدت / للعَين جَهراً أعضاؤُكِ الحُسّانه
واختفى عضْوُك الذي مازَه الله / على كل ما لديك وزانه
الذي نال حُظوةً حُرِم الانسانُ / منها خُصَّت الإنسانه
وتمنّى على الطبيعة شَكلا / هو من خير ما يكونُ فكانه
وَمَحلاً خِصبا فحلَّ بوادٍ / أنبتَ اللهُ حولَهُ ريحانه
لم يُرد من بَراه مُتعةَ نَفسٍ / ان يُغَطّى ولم يُردْ كِتمانه
ككتابٍ كشَّفت عن صفحتيهِ / ثم غطيَّت عَنوةً عُنوانه
أو غَديرٍ جمِّ المساربِ عذبٍ / حَرمَّوه وحلَّلوا شُطْئَانه
هيكلٌ من هياكِل اللهِ سُدَّ البابُ / منه وكفنَّوا صُلبانه
جسمُك الغضُ مَنطقٌ يدحَض / الحجّة لو لم تُسَتِّري بُرهانه
ملءَ عيني رأيت منكِ مع الأخرى / غرامَ البَناتِ يا فتّانه
رشفةٌ قد حُرمْتُها منك باتت / عند غيري رخيصةً مُستَهانه
أذ تلهَّتْ بمَحزِمٍ منك بُغيا النفس / من أن تستطيع منكِ احتضانه
وثنَتْ كفَّها إلى مهبِط الأشواقِ / منيّ فمَسحَّت أركانه
معها " بعتِ " خفةً ومُجونا / ومعي " بِعتِ " عفّةً ورزَانه
لو كإتيان هذه لك آتي / رجلاً لم تحبِّذي إتيانه
أتُريدين أن أقولَ لمن لم / يدر ما بينكُنَّ من إدمانه
فتيات الهوى استبحن من اللذات / ما لم يُبِحنَه فتيانه
أعروسان في مكان وعِرِّيسانِ / كلٌ منهم يُخَلَّى وشانه
يقولون : ليلٌ علينا أناخ
يقولون : ليلٌ علينا أناخ / نهارٌ على الغربِ يُعشي العيونا
وأنَّا نسينا عناءَ القلوب / لأنَّا بهذى الدُّجى هادئونا
وأنْ ليس في الكون من رحمةٍ / يواسي بها معشراً آخرونا
فليتَ عيوناً سُهاداً درتْ / بأنا – كعادتنا – راقدونا
سألناكمُ عن مَثار السَّديم / فَعَنْ حُرَقِ الهمِّ لا تسألونا
فانَّ معاملَكمْ والبخار / وقلبي وزفرَتهُ مستوونا
أرى أُمماً هي والمالكين / متاعٌ أعدَّ لِمنْ يأكلونا
نظنَّهُمُ خُلقوا للغلاب / وأنَّا خُلِقْنا لأنْ يغلبونا
وعصرٌ تَناهضَ فيه الجمادُ / عجيبٌ به يجمُدُ النَّاهضونا
ألا هِزَّةً تستثيرُ الشّعوب / فقد يُدْرِكُ النَّهْزَةَ الثائرونا
ألا قبساً من شُعاعِ الكليم / تُعيدُ على الشَّرق يا" طُورَ سينا "
خليليَّ أين نبوغُ العراق / وأين ذوو حُكْمهِ النابغونا
أذاكَ الذَّي خَلَّفَ الذّاهبون / كهذا الذَّي ترك الوارثونا ؟
أغير َ المطامعِ لا تعرفون / وغيرَ الهياكلِ لا تعبدونا ؟
زفيفاً وقد حلَّقَ المعتلون / وزحفاً وقد أبْعَدَ الرّاكضونا ؟
ولسنا وقد أعجزتنا الحياة / عن الموتِ في نيلها عاجزينا
وإن أنسَ لآ أنس حول " الفرات " / مناظر تُصبي الحليمَ الرزينا
نسيماً يلاطف رِخوَ النمير / كما حرَّكَ الوَرَقَ اللاعبونا
وساكن جوٍ يعيدُ الأثير / كما الحبُّ شاء شجيّاً حزينا
ونوراً كسا سُدُفاتِ الأثير / جمالاً يردُّ التَّصابي جنونا
يدلُّك يا بدر هذا الجمالَ / على الخَلق لو انصفَ الشاكرونا
كفتنيْ الكرى واجباتُ المِحاق / فجئتُ تَماسَحُ مني الجفونا
تَجَلىَّ علينا إلهُ الشعور / سجوداً معي أيُّها الشاعرونا
على مَهَلٍ بعضَ هذا الخداع / فنُورك قد أوهمَ اللاقطينا
إذا ما اعتلى البدرُ خيطَ الرمال / تخيَّلها الطرفُ عِقْداً ثمينا
بامركَ تحريكُ درع الفضاء / وان رَجَمَ الخلق فيك الظنونا
سلامٌ على أنفُسٍ رفرفتْ / من الحبِّ هام بها المغرمونا
خليليَّ حتى وعورُ الجبال / تَهيجُ الصبَّابةَ لي والحنينا
ولي مضغةٌ بينَ عُوج الضلوع / تحاولُ أنْ تجعلَ الفَوْقَ دونا
فديتُ المُنى أنَّها رَوحةٌ / وروحٌ يعيشُ بها الشاعرونا
ولو لا قلوب تحس الاذى / لما عرف اللذة العاشقونا
رقاق ٌ ترى أنَّ مَيْل الغصون / إذا ما الصبا جالَ في الروضِ هُونا
وإنَّ ممنَ الشّعْر وهو الخيالُ / عروشاً وأنهمُ المالكونا
خليليَّ إنَّ ادكارَ الصبّا / يُهَيّجُ من عيشنا ما نَسينا
هَلُمّوا رفاقي فهذا الضياء / سينشرُ أعمالَنا إنْ طُوينا
ابن أيُّها البدرُ كيفَ النَّجاة / وأين اقتنْصنا وأني رُمينا
وكيفَ استحالَ صفاءُ الربيع / هموماً تصاحِبنا ما بَقينا
وكيفَ اختفائيَ تحتَ الظلال / زمانَ صِبايَ مع اللاعبينا
وكيف إذا البدرُ حتى الوِهاد / نَخِفُّ لطلعتهِ أجمعونا
نسير على خُطُواتِ الشّعاع / كأنا إلى غايةٍ سائرونا
وكيف السَّلامُ عَقيبَ الصِدّام / وكيفَ التمازجُ ماء وطينا
أعيدوا الطفولةَ لي إنَّها / تُعيدُ النواهةَ لي والقينا
وليلٍ أراني دبيبُ السَّنا / بهِ كيف تحيا أمانٍ بَلينا
وقد ذهب الَّليلُ إلاَّ ذَماً / كما ردَّدَ النَّفَس َ الجارضونا
وآذنَ بالصبحِ صوتُ الهَزار / كما هيَّجَ النَّغَمَ العازفونا
صُداحٌ هو الشّعر زاهي البيان / يُكذِّبُ ما زخرفَ المُدَّعونا
وكم هاجَ في شدوهِ الأعجمي / خواطرَ أعجزتِ المُفصحينا
يهبُّ على نَسَماتَ الصْباح / إذا ما استهانَ بها الرّاقدونا
خليليَّ روح الحياة النَّسيم / فلولا انتشاقُ الصَّبا ما حيينا
ويوم ٌتضاحكَ فيه الرَّبيع / وحيَّتْ ورودُ الرُّبى المجتلينا
تمشَّى على الروض روحُ الاله / فمالَ ومِلْنا له ساجدينا
حدائقُ خَطَّ عليها الجمال / قصائدَ أعْجَزَتِ النَّاظمينا
كأن جلالَ الهوى شَّفها / ففاضتْ دموعاً وسالتْ عيونا
وساقيةٍ باتَ قلبُ الدُّجى / يُعيد عليها الصَّدى والأنينا
جرتْ وأجرَّتْ دموع الغرام / فلا عَذُبَ الوِرْدُ للشاربينا
عليها رياضٌ كساها الرّبيع / مَطارفَ يَعيا بها المُبدعونا
أُحِبُ الحقولَ لأنَّ الجمال / تجمَّعَ فيها فنوناً فنونا
فيا ساكني فَجَواتِ البطاح / هنيئاً لكمْ أُيُّها الخالدونا
نعيماً فلا الريحُ خاوي المهبّ / ولا الرُّوحُ ذلَّلها الطَّامعونا
خليليَّ أُفٍ لهذي المروج / إذا ما استبدَّ بها المالكونا
وليتَ الفداء لكوخ الفقير / قصورٌ أنفَ بها المْترَفونا
إذا ما استدارتْ خطوبُ الزَّمان / ستعلمُ أيُّهُمُ الخاسرونا
فانَّ الهبوطَ بَقدْرِ الصعّود / فانْ شئتَ فَوْقاً وإنْ شئتَ دونا
وَمنْ في البسطةِ يَفدي البسيط / ويفدي ذَوُو الجَشعِ القانعيا
ألا هَلْ أتى نوَّماً في العراقِ / أنَّا للأجلِهِمُ ساهرونا
أحبَّتنَا إنَّ همسَ البحار / زفيرُ الأحَّبةِ لو تعلمونا
أصيخوا ولَوْ لاهْتزازِ القلوب / فليسِ من العدلِ أنْ تُوحدونا
إذا ما وردتمْ نميرَ الحياة / وراقَ لكمْ وِرْدُه فاذكرونا
وإن لاحَ صبحٌ لكمْ فاذكُروا / بأنَّا بليلِ العمى خابطونا
وإنَّ عُضالاتِ هذا المحيط / نقائصُ أعوزها المصلحونا
هياكلُ أخنى عليها الجمود / فغيرََ الذي وجدوا لن يكونا
عاودتُ بعد تغيُّبٍ لُبنانا
عاودتُ بعد تغيُّبٍ لُبنانا / ونزلتُ رَحْبَ فِنائه جَذلانا
ودَرَجتُ اقتنصُ الشباب خَسِرتُه / ذا رِبحةٍ ورَبِحته خسرانا
فوجدتُ رَيْعان الجمالِ ولم أسَأ / أني أضعت من الصبا ريعانا
ووجدتُ في مرح الحياة طفولتي / وشبيبتي وكهولتي سِيّانا
ونقضتُ بيني والكوارثِ مَوثِقاً / وأخذت من عَنَتِ الزمان أمانا
وأقَمت من يَومي لأمسيَ حاجزاً / وضَرَبت سَداً بينَنا النِسيانا
وطلَبتُ عونَ قريحتي فوجدتُها / سمحاءَ تبذُل خيرَها مِعوانا
وأثرتُ هاجعةَ القوافي لم تجد / في الراقدين لركضة ميدانا
قام الجفافُ بعذرها واستامَها / خِصبُ الجبال مرونةً ولِيانا
وأريتها " حَمّانة " فرأتْ بها / مَلَكاً يمُدُّ الشعرَ لا شيطانا
وأردتُها تَصِف الحياة رقيقةً / وجليلةً وتُجيدها إتقانا
فشكَتْ إلى لُغىً تضيقُ حروفُها / عن أن تُسيغ السجعَ والأوزانا
" شاغورُ حمانا " ولم يَرَ جنةً / من لم يشاهدْ مرةً " حمانا "
مرْجٌ أرادتْه الطبيعةُ صورةً / منها على إبداعها عُنوانا
فحبتْه بالمُتَع الروائعِ كلِّها / ورَمَت عليه جمالَها ألوانا
المنتقاةَ من الحياة طبيعةً / والمصطفاة من البلاد مكانا
والخافقاتِ ظلالُها عن سَجسَجٍ / يَشفى الغَليل ويُثلجُ الظمأنا
والغامراتِ عيونُها وديانَها / وجبالَها وبقيعَها الفينانا
والغارقاتِ مروجُها في سُندُسٍ / خُضرٍ تَفوح من الشَذا أردانا
وادٍ تَلَفَّت ناشئاً فاذا به / بين الجبال تكفَّلَته حَنانا
واذا بها بمياهه وغياضِه / جاءَت تحوِّطُ مَرْجه بستانا
انظر إلى الجبل الأصمِّ بزرعِه / متبختراً وبضرعِه رَيّانا
لامستِ بالشك اليقينَ وزعزعَتْ / مرآكِ نفساً تنشُدُ الإيمانا
أمِنَ الجنان وخمرها لكِ صورةٌ / صوِّرَت عنكِ الجنانُ جنانا
عاودتُ ماءَكِ ناهلاً وحسبتُني / عاودتُ بعدَ تعفُّفٍ إدمانا
يا اختَ " لا مرتين " ارهفَ جوُك / الإحساسَ منه ولطَّفَ الوجدانا
هذي الينابيعُ الحسانُ تفجَّرتْ / منها ينابيعُ البَيان حِسانا
الخالداتُ خلودَ شمسك طلقةً / والسامياتُ سموَّ هضبِك شانا
والباعثاتُ من العواطف خيرَها / إيناسةً . وأرقَّها أحزانا
وحيٌ تنزَّلَ والندى ورسالةٌ / هَبَطتْ وأضواء النجوم قِرانا
في ساعةٍ أزَليةٍ بهباتِها / شأت الوحاة وبَزَّتِ الأزمانا
يا أيها النهرُ الذي بخريره / وَعَتِ العصورُ نشيدَهُ الرنّانا
يا أيها الجبلُ المَهيبُ بصمته / مترهِّباً يستلهمُ الأكوانا
يا أيها الشجَرُ الذي بحفيفِه / وفَّى الحياة ونورها شُكرانا
ما ضرَّ انك ما مَلَكتَ لسانا / ولأنت أفصحُ مَنطِقاً وبيانا
" شاغور حَمّانا " أثارَ بلُطفه / قِممَ الجبال وأرقَصَ الوديانا
فرشت له صُمُّ الصفا أذيالها / وتفتحَّت ثَغَراتُها أحضانا
ومَشَى عليها مالكاً ادراجها / متشوقاً لمسيله عَجْلانا
غَنِنَتْ به غُرُّ الضِفاف فخورةً / وزَهَا به يَبَسُ الثَرى جذلانا
وكسا الحشائشَ رونقاً لم تُعطَهُ / وجلا رُواءُ نميره العيدانا
وبدا الحَصَى اللمّاعُ في رَقراقه / دُرراً غواليَ تزدهي وجُمانا
تَرَكَ الجبالَ وعُريَها وهَجيرَها / وتقمَّصَ الاشجارَ والأغصانا
ورمى الخيالَ بمعجزٍ من حُسْنِهِ / في حالتَه كاسياً عُرْيانا
واستقبلته على الضِفاف بلابلٌ / نَشْوى تُغَنِّى مثلَه نَشْوانا
مُتَلوِّياً يُعطيك في لَفتاته / بين المسارب تائهاً حيرانا
ألقت عليه الشمسُ نُوراً باهتاً / زان الظلال رقيقةً وازدانا
وارتد إبّان الظهيرة غائماً / كالفجر يُعلن ضجةً اِيذانا
أوغَلتُ في أحراجه وكأنني / أصبحت أولَ مرَّةٍ فنّانا
وكأنني فيما أُحاولُ هاربٌ / حَذِرٌ مخافةَ ان يَرَى إنسانا
ووجدتُ نفسي والطبيعة ناسيا / ماذا يضمّ العالمان سوانا
ورميتُ أثقال المطامحِ جانباً / ووجدت عن خُدُعاتِها سُلوانا
وحسِبت عصفوراً يُلاعب ظلَّه / في الماءِ ينعمُ راحةً وأمانا
واستسلمتْ نفسي لاحلامِ الصبا / ولمَسْت طيف خيالها يقظانا
ومَزَجْتُ بين الذكريات خليطةً / فوجدتُني متلذِّذاً أسيانا
وتسلَّلتْ بالرَغم مني مرَّةً / صُورُ الحقائق تبعثُ الأشجانا
فإذا الخيال المحضُ يلمعُ زاهياً / وإذا الحقيقةُ تُطفىءُ اللمَعَانا
على سَعةٍ وفي طُنَفُ الأمان
على سَعةٍ وفي طُنَفُ الأمان / وفي حَبّات أفئدةٍ حواني
بقرب أخيهِما كرماً ولطفاً / وثائرة يُسَرُّ الرافدانِ
فتى عبد العزيز وفيكَ ما في / أبيك الشْهمِ من غُررِ المعاني
لأمرّ ما تُحس منِ انعطافٍ / عليك وما ترى من مهرجان
تأملْ في السُّهول وفي الروابي / ومختلِف الأباطحِ والمغاني
ألستَ ترى ارتياحاً وانطلاقاً / يلوح على خمائلها الحسان
وفي شتى الوُجوه ترى انبساطاً / ولو في وجه مكتئب وعاني
وذاك لأن كلَّ بني سُعودٍ / لهم فضل على قاصٍ وداني
وأنّهُمُ الملاجيءُ في الرزايا / وأنَهُمُ المطامحُ والأماني
وأنك والذي أُفِدْتَ عنه / أباك ملاذةُ الحر المُهانِ
تسوسون الرعية بالتساوي / بفرط العدْل أو فرط الحنان
فلا مثلَ الجناة يُرى بريء / ولا بَدَلَ البريء يُعافُ جاني
لكم في ذمة الأحرار دَيْنٌ / وأكرِمْ بالمدُين وبالمُدان
أبوكَ ابن السعود أبو القضايا / مشرفةً على مرّ الزمان
ولمَحُ الكوكب المُلْقي شُعاعاً / على شُعَب الجْزيرة والمَحاني
ورمزُ العبقريةِ في زمان / به للعبقرية كلُّ شأن
لها كُتِبَ الخلودُ وما سواها / برغم دعاية الداعين فاني
ولم أر مثلَهُ إلا قليلاً / مهِيباً في السماع وفي العِيان
كأني منه بين يَديْ هِزبَرٍ / أخي لِبَدٍ على بُعدِ المكان
أقول الشعر محتفظاً وئيداً / كأني خائفٌ من أن يراني
وقى اللهُ الحِجزَ وما يليهِ / بفضل أبيك من غُصَصِ الهوان
ومتَّعَ ذلك الشعبَ الموقَّى / بسبع سنينَ شيقةٍ سِمان
على حينَ اصطلى جيرانُ نجد / بجمر لظىً وسمّ الأفعوان
وقد رقَّت لها حتى عِداها / لكابوس بها مُلقى الجِران
أرادَتْه اضطراراً لا اختياراً / وليس لها بدَفْعَتِه يدان
فليت الساهرين على دَماراً / فداءُ الساهرين على الكيِان
وما سِيانِ مشتملون حَزْماً / ومشتملون أحزمةَ الغواني
تُحاك له الدسائسُ تحت ليل / من الشحناء داجي الطَّيْلسان
على يد مصطلينَ بهِ غِضابٍ / على عليائه حرِدِي اللسان
وحُسّاد لذي شرف مَهيب / رَمَوْا منه بسُلٍّ واحتقان
من القوم الذين إذا استُجيشوا / ذكا لأُنوفهم أَرجُ الجِنان
مشى للناس وضّاحاً وجاءوا / إليهم تحت أقنعة القِيان
فقل لهُمُ رويداً لا يَطيشوا / ولا يَغُررْهُمُ فرطُ التواني
فبالمرصادِ صِلٌّ أرقميٌّ / شديدُ البطش مرهوبُ الجَنان
يُريهِمْ غفلةً حتى إذا ما / تمادَوْا في اللّجاجة والحِران
مشى لهم كأروعِ ما تراه / حديدَ الناب محتشدَ الدُّخان
وقال لشيخهم إن شئتَ ألّا / أراك ترفعاً أفلا تراني ؟
إذا لم تَقْوَا أن تبنى فحايد / وكن شَهمْا يقدِّرُ صنعَ باني
مَشَيْتُمْ والملوكُ إلى مجالٍ / به أحرزتُمُ قَصَبَ الرِّهان
فجاء مقامُهُمْ عنكم وضيعاً / مقام الزَج زلَّ عن السِّنان
فلا تحسَبْ بأن دعاةَ سُوءٍ / تحرَّكُ من فلانٍ أو فلان
ولا شتى زحاريفٍ ركاكٍ / ولا شتى أساليبٍ هِجان
تَحَوَّلَ عَنْكُمُ مجرى قُلوب / موجهةٍ إليكم بِاتزان
يسُرُّ الناسَ أنَّ فتىً كريماً / يُسَرَّ كما يعاني ما يعاني
ترفع يا سرورُ عن القوافي / فانكَ لَلْغنيُّ عنِ البيان
وَهبني كنتُ ذا حَصَرٍ عِيِيّاً / وهبني كنت منحبسَ اللسان
فما قدْرُ العواطف والنوايا / إذا احتاجت لنقْلِه تَرجَمان
جرّبيني منْ قبلِ انْ تزدَريني
جرّبيني منْ قبلِ انْ تزدَريني / وإذا ما ذممتِني فاهجرِيِني
ويَقيناً ستندمينَ على أنَّكِ / من قبلُ كنتِ لمْ تعرفيني
لا تقيسي على ملامحِ وجهي / وتقاطيعِه جميعَ شؤوني
أنا لي في الحياةِ طبعٌ رقيقٌ / يتنافى ولونَ وجهي الحزين
قبلكِ اغترَّ معشرٌ قرأوني / من جبينٍ مكَّللٍ بالغُصونِ
وفريقٌ من وجنتينِ شَحوبين / وقدْ فاتتِ الجميعَ عُيوني
إقرأيني منها ففيها مطاوي النفسِ / طُراً وكلُّ سرٍّ دَفين
فيهما رغبةٌ تفيضُ . وإخلاصٌ / وشكٌّ مخامرٌ لليقين
فيهما شهوةٌ تثورُ . وعقلٌ / خاذِلي تارةً وطوراً مُعيني
فيهما دافعُ الغريزةِ يُغريني / وعدوى وراثةٍ تَزويني
أنا ضدُّ الجمهور في العيشِ / والتفكيرِ طُرّاً . وضدُّه في الدِّين
كلُّ ما في الحياةِ من مُتَع العيشِ / ومن لذَّةٍ بها يزدهيني
التقاليدُ والمداجاةُ في الناسِ / عدوٌّ لكلِّ حُرٍّ فطين
أنجِديني : في عالمٍ تَنهشُ " الذُئبانُ " / لحمي فيه .. ولا تُسلِميني
وأنا ابن العشرين مَنْ مرجِعٌ لي / إنْ تقضَّتْ لذاذةَ العشرين
إبسِمي لي تَبسِمْ حياتي وإنْ كانتْ / حياةً مليئةً بالشُّجون
أنصِيفيني تُكفِّري عن ذُنوبِ / الناسِ طُرّاً فإنهمْ ظلموني
إعطِفي ساعةً على شاعرٍ حر / رقيقٍ يعيشُ عيشَ السجين
أخذتني الهمومُ إلّا قليلاً / أدركيني ومن يديها خذيني
ساعةً ثم أنطوى عنكِ محمولاً / بكُرهٍ لظُلمةٍ وسكون
حيث لا رونقُ الصباح يُحييِّني / ولا الفجرُ باسماً يُغريني
حيثُ لا " دجلةٌ " تلاعبُ جنبيها / ظِلالُ النخيلِ والزيِّتون
حيثُ صَحبي لا يملكونَ مُواساتي / بشيءٍ إلّا بأنْ يبكوني
مَتِّعيني قبلَ المماتِ فما يُدريكِ / ما بعدَه وما يُدريني
وَهبي أنَّ بعدَ يوميَ يوماً / يقتضيني مُخلِّفاتِ الدُّيون
فمَنِ الضامنونَ أنَّكِ في الحشرِ / إذا ما طلَبتِني تجديني
فستُغرينَ بالمحاسنِ رُضواناً / فيُلقيكِ بين حُورٍ وعِين
وأنا في جهنَّمٍ معَ أشياخٍ / غواةٍ بِغيَّهمْ غمروني
أحرَجتني طبيعتي وبآرائِهم / ازدَدْتُ بَلةً في الطين
بالشفيعِ " العُريان " استملكي خيرَ / مكانٍ . وأنتِ خيرُ مكين
ودعيني مُستعرضاً في جحيمي / كلَّ وجهٍ مُذمَّمٍ ملعون
وستُشجينَ إذ ترينَ معَ البُزلِ / القناعيسِ حيرةَ ابن اللبون
عن يساري أعمى المعرَّةِ و " الشيخُ " / الزهاويُّ مقعداً عن يميني
إئذَني لي أنزِلْ خفيفاً على صدركِ / عذْباً كقطرةٍ من مَعين
وافتحي لي الحديثَ تستملحي خفَّةَ / رُوحي وتستطيبي مُجوني
تعرِفي أنني ظريفٌ جديرٌ / فوقَ هذي " النهود" أنْ ترفعني
مؤنِسٌ كابتسامةٍ حولَ ثغريكِ / جذوبٌ كسحرٍ تلكَ العيون
إسمحي لي بقُبلةٍ تملِكيني / ودعي لي الخَيارَ في التعيين
قرِّبيني من اللذاذةِ ألمَسْها / أريني بداعةَ التكوين
إنزليني إلى " الحضيضِ " إذا ما شئتِ / أو فوقَ ربوةٍ فضعيني
كلُّ مافي الوجودِ من عقباتٍ / عن وصولي إليكِ لا يَثنيني
إحمليني كالطفلِ بين ذِراعيكِ / احتضاناً ومثلَه دَّلليني
وإذا ما سُئلتِ عني فقولي / ليسَ بِدعاً إغاثةُ المسكين
لستُ أُمّاً لكنْ بأمثالِ " هذا " / شاءتِ الأُمهات أنْ تبتليني
أشتهي أنْ أراكِ يوماً على ما / ينبغي مَن تكشُّفٍ للمصُون
غيرَ أني أرجو إذا ازدهتِ النفسُ / وفاضَ الغرامُ أنْ تعذُريني
" اِلطمِيني "إذا مَجُنتُ فعمداً / أتحرَّى المجونَ كي تَلْطمِيني
وإذا ما يدي استطالتْ فمِنْ شَعركِ / لُطفاً بخُصلةٍ قيِّديني
ما أشدَّ احتياجةِ الشاعر الحسَّاسِ / يوماً لساعةٍ مِن جنون
جَدِّدي ريحَ الصبَا عهد الصِبا
جَدِّدي ريحَ الصبَا عهد الصِبا / وأعيدي فالأحاديثُ شُجونُ
إن أباحتْ لكِ أربابُ الهَوى / سِرَّه فالحكمُ عندي أن يصونوا
جدِّدي عهدَ أمانيه التي / قُرِنَ العيشُ بِها نِعمَ القرين
يومَ كنّا والهوى غضٌّ وما / فُتِحَتْ إلاّ على الطُهْر العُيون
ما عَلِمنا كيفَ كُنّا وكذا / دينُ اهلِ الحبِّ والحبُّ جُنون
أشرقَ البدرُ على هذي الرُبى / أفلا يُخسِفُه منكُمْ جَبين
جَلَّ هذا الجِرمْ قدراً فلقد / كادَ يهتزُّ له الصخرُ الرزين
كل أوقاتيَ رهنٌ عندَه / الدجُى . الفجرُ. الصبحُ المبين
سَألونا كيف كنتم ْ إن مَنْ / دأبُه ذكرُكمُ كيفِ يكون
هوَّن الحبَّ على اهل الهَوى / أن تَركَ الحبِّ خطبٌ لا يهون
ما لهُمْ فيه مُعينونَ وما / لذَّةُ الحب إذا كان مُعين
ميَّزَت ما بين أرباب الهوى / ودَعاويهم : وجوهٌ وجُفون
وهواكُمْ لا نَقَضْنا عهَدكُمْ / وَضمينٌ لكُمُ هذا اليمين
ايفى النجمَ فيبقى ساهراً / مُحيياً سودَ الليالي ونخون
شَرَعٌ في الناس والدينُ وعودٌ / عم فيها الخُلْفُ والوعدُ ديون
أين من يُرضيكَ منه حاضِرٌ / وهو في عِرضِكَ إن غبتَ ضَنين
فعلى الخير يقينٌ ظَنُّهُ / وعلى الشرِّ فكالظنِ اليقين
جدِّدي كيف اطِّراحي فارساً / ولمرأى وَطَني كيفَ الحنين
وَسلي قلبيَ لِمْ ضاقتْ به / فارسٌ وهي رياضٌ لا سُجون
ضَحِكَت فيها من الروض وجوة ٌ / وجَرَت بالسَلْسَلِ العَذبِ عُيون
واكتَسَتْ بالحسنِ هاماتُ الرُبى / كيفَما شاءَ لها الغيثُ الهَتون
حبذا فارسُ من مُستوطَنٍ / عافَه وخلاّه القَطين
أفَهذا قصرُ " فَرهادِ " الذي / جمعته مع " شيرينَ" المَنون
مثَّلا للحبِّ دوراً طاهراً / لم يَشُبْ أثوابَه البيضَ مُجون
ليس منه غيرُ رسمٍ دارسٍ / مُخبرٍ أنَّ رَحى الدهرِ طَحون
أولا كسرى ولا أجنادهُ / خُلِّيَتْ منهم قِلاعٌ وحُصون
سلَفَت فيهم سنونٌ تَرفاً / واتَتهْم بالبَلِّيات سنون
وكذا الدهرُ على عاداتِه / إن صَفَا حِِينَ نبا والتاث حين
جدِّدي ذكرَ بِلادي إنَّني / يهواها أبدَ الدهرِ رَهين
انا لي دينان : دينٌ جامع ٌ / وعراقي وغَرامي فيه دِين
القوافي أدُمُعٌ منظومةٌ / والأناشيدُ بُكاءٌ وحَنين
كيف لا تُحزنكُم أُهزوجةٌ / كانَ من اوتارها القلبُ الحزين
اكسُ ياربِ بلادي رحمة ً / وحناناً مثلما يُكسَى الجنين
امحُ عنها ذُلَّ ارهاقِ العِدى / أنها ما عُوِّدَت عاراً يَشين
يا مُدانينَ اضاعُوا وطناً / هو للحشرِ بمن فيه مدين
اين كانَ الوطنُ المحبوبُ إذْ / قَلَّتِ الزينةُ مالٌ وبَنون
ليسَ يخفَى أمركُم من بعِدما / قَلِّبَت منه ظُهور وبُطون
كم يُروى منفوخةً أوداجُهُ / من نِعاجٍ هُزِلَتْ ذئبٌ سمين
تَبخَس الأوطان ظلماً حقَها / ثم لا يُسترخَصُ العمرُ الثمين
هذه بغدادُ هذا كرخُها / هذه دجلةُ والماءُ المَعين
هذه الدورُ التي شيَّدها / للسَمَا " مستنصرٌ " أو " مستعين "
كلها تُصبحُ إرثاً ضائعاً / ليَنُح" هارونُ " وليبكِ " الأمين "
ليس تنفكُّ بلادي كلُّها / يَبَسٌ أو كلُّها ماءٌ وطين
دجلةٌ والنيلُ والشامُ معاً / و" الصَّفا " تندُبُ شجواً و " الحَجون "
قُطِّعَتْ أوصالُها وافترقتْ / فشِمالٌ ليس تدري ويَمين
أرض العراق سعت لها لبنانُ
أرض العراق سعت لها لبنانُ / فتصافح الانجيلُ والقرآنُ
وتطلَّعت لكَ دجلةٌ فتضاربت / فكأنما بعبُابها الهَيَمان
أأمين أن سُرَّ العراقُ فبعدما / أبكى ربوعَ كولمبس َ الهجران
لك بالعراق عن الشآم تصبر / وبأهله عن أهلها سُلوان
لو تستطيع دنت إليك مُدّلةًً / فتزودت من رُدنك الأردان
وحِّد بدعوتك القبائل إنه / ألقى إليك زمامَه التِّبيان
كيف التآلفُ والقلوبُ مواقد / تغلي بها الأحقادُ والاضغان
أنِر العُقول من الجهالة يستبنْ / وضحَ السبيلِ ويهتدي الحيران
وأجهز بحد رهيف حدٍ لمَ ينُبْ / لك عن شَباه مهند وسنان
خضعت لعنوته الطغاةُ فأقسمت / أن ليس تعدو حُكْمَه التيجان
نار تُذيب النار وهي يراعةٌ / عضبٌ يفُل العضب َ وهو لسان
أنّي يقصِر بالعِنان اذا انبرى / وهو الجموح وفكرك الميدان
زِدنا بمنطقك الوجيز صبابةٍ / فهو السَّلاف وكلُّنا نشوان
ما كل حي قائل ما قلته / لكنْ أمدَّ بيانك الرحمن
الشرق مهتز بنطقك معجب / والغرب أنت بجوه مِرنان
والقول ما نَّمقْتَ والشعر الذي / يوحي إليك فصاحةٌ وبيان
انا خصم كل منافق ! لم يَنْهَني / حَذرٌ ولم يقعُد بي الكِتمان
عابوا الصراحة منك لما استعظموا / أن يستوي الاسرارُ والاعلان
يا شعب خذ بيد الشباب فإنهم / لك عند كل كريهة أعوان
واعرِف حقوق المصلحين فانما / بهم الحقوق الضائعات تصان
واعطف لريحان النُّفوس ورَوْحها / فله عليك تعطف وحنان
واسِ الضعيف يكن ليومك أسوة / وكذا الشُعوب كما تدين تدان
يا شرق يا مهد النوابغ شدّما / ساوى مكانٌ بينهم وزمان
للناس كان .. وإن أبت لبنان / " فأمين " ليس لها ولا " جبران "
طال السكوت لأمرٍ
طال السكوت لأمرٍ / خيراً عسى أن يكونا
قالوا ليومٍ وشهرٍ / فكيف عاد سنينا
ما بين "أمرٍ" و " خمرٍ" / ظنَّ العراق الظنونا
لا تفهموا من كلامي / يا ناس ُ ايَّ اعتراضِ
أساخطٌ ليت شعراي / " مولاي " أم هو راضي؟!
" طيارة " في بلادي / تَكفي لحلِ " المشاكلْ"
وحفنةٌ من نُضار / تهُدُّ كل " الهياكل "
أصاحب " الأمر "يهوى / شيئاً ونحن نجادل
نُريد وضعاً جديداً / لكن بغير مخاضِ
شعبي لهذا وهذا / غنيمةٌ بالتراضي
اشكو ضَياعيْ ولكن / أشكو من الحُرّاسِ
ماذا جنتْه بلادي / من كل هذا الغِراس
أما انا فبراسي / لم يبقَ أي " عُطاس "
لم يبقَ ايُّ حراك / في قلبي النضَّاضِ
يا حاكمي ياخصيمي / إقضِ بما أنت قاض
أواجدون لشعبي / في كل يوم دسيسَهْ
يَهنْيكُمُ قد أكلتم / حتى عظامَ الفريسة
حتى " الدجاجةُ"تأبى / ترفعاً أن تسوسه
قالت بما في مبيضي / من صُفرة وبياض
وزارة أنا فيها / قبلتها بامتعاض
ظننتُ ماءً فلما / سبحتُ سَبْحاً طويلا
لم أُلفِ الاّ سرابا / وساء ِورداً وبيلا
أردت شيئاً كثيراً / لم أُعطَ حتى القليلا
العيشُ صوّح لكن / آمالُنا في رياض
عن دجلةٍ وفراتٍ / غنى لنا بالحياض
رِثاؤُكَ ما أشَقَّ على لساني
رِثاؤُكَ ما أشَقَّ على لساني / ورُزْؤك ما أشدَ على جَناني
وكيفَ يُطيقُ عن ألمٍ بياناً / ثكولٌ شَلَّ منهُ الأصغَران
وفَقدُكَ ما أمضَّ وقد توَّلتْ / جِيادُ النصرِ خَوضَ المعمعان
وشرقٌ كنتَ أمسِ لَهُ سِراجاً / كثيفُ الجْوِّ منتشرُ الدخان
تَهاوَى الطامعونَ على ثَراهُ / كما اختلفَ الذُبابُ على خِوان
تَعبَّسُ من مَزاحِفِهِمْ ثغورٌ / وتنتَفِضُ المشارفُ والمواني
وما أنبا مَصيرَكَ عن مصيري / وما أدنى مكانَكَ من مكاني
أصخْتُ لِمَنْ نعاك على ذُهولٍ / كأنيَ قد أصختُ لمَنْ نعاني
وكنتُ أُحِسُّ أنَّ هناك رُزْءاً / وأجهاُ كُنْهَهُ حتّى دهاني
صفَقْتُ براحتَيَّ منِ التياعٍ / وهل أدنتْ بعيداً راحتان؟!
ورُحْتُ وأيُّ جُرحٍ في فؤادي / مغالَطةً أعَضُّ على البَنان
وعانَقَني من الذِكْرَى خيالٌ / كسيرُ النَفْسِ يَشْرَقُ بالهوان
تسيلُ دماً جوانِبُهُ اشتياقاً / إلى اللَّمَحاتِ والمُتَعِ الحِسان
إلى تلك الليالي مُشرِقاتٍ / بها " لُبنانُ" مُزدَهِرُ المغاني
إلى سَمَرٍ كأنَّ عليه مما / تَنِثُّ مِن الشذا عَبَقَ الجِنان
خيالٌ رُحتُ من يأسٍ وحِرصٍ / أُسَلّي النفْسَ فيه عن العِيان
أثارَ لِيَ العواطِفَ من عنيفٍ / ومُصْطَخِبٍ ومُرْتْفِقٍ وحاني
وفكَّ من الأعِنَّةِ ذكرياتٍ / تَهُزُّ النفْسَ مُطلَقةَ العِنان
لمَمْتُ عُطورَها فشمِمْتُ منها / شذا الغَضَبِ المطَهَّرِ والحَنان
كِلانا مَعوِزٌ نُطْقاً عليهِ / طيوفُ الموتِ مُلقِيةُ الجِران
لَعَنْتُ اللفظَ ما أقسَى وأطْغَى / وما أعْصَى على صوَرِ المعاني
تقاضاني بيومِكَ تَرْجُماناً / وكنتُ ألوذُ منه بِتَرجُمان
فيا " عُمَرَ " النضالِ إذا تشكَّى / شُجاعُ القَلْبِ منَ خَوَرِ الجْبان
ويا " عُمَرَ " البيانِ إذا تغذَّى / عِجافُ النَشءِ بالفِكَرِ السِمان
ويا " عُمَرَ " الوفاءِ إذا تَخلّى / فُلانٌ في الشدائِد عنْ فُلان
ضُمِنتَ مِن الردى لو كانَ طَولٌ / وأينَ القادِرونَ على الضَّمان
وانَّا والحياةُ إلى تبابٍ / وكلُّ تَجَمُّعٍ فإلى أوان
لمحتربونَ أن نُمسي ونُضحي / وأنت بمعزِلٍ خالي المكان
أسيِتُ لعاكِفينَ عليكَ حُبَّاً / ومُخْتَصينَ فضلَكَ باحتضان
رفاقكَ يومَ مُزدَهرِ الأماني / ودِرْعِكَ يومَ مُشْتَجرِ الطِعان
حببتُكَ باسِماً والهمُّ يَمشي / على قَسَماتِ وجهِك باتِّزان
تُغالِبُه وتَغْلِبُه إباءً / كأنّكَ والهمومَ على رِهان
يُزَمُّ فمٌ فما تُفْضي شِفاهٌ / ويَخفى السِرُّ لولا المُقلتان
على مُوقَيهِما مَرَحٌ ولُطْفٌ / وإنساناهما بكَ مُتعبان
يفيءُ الصَحْبُ منك إلى وريفٍ / لطيفِ الظِلِّ خفَّاقِ المجاني
تَفيضُ طَلاقةً وتذوبُ رِفقاً / ووحْدَكَ أنتَ تدري ما تُعاني
وما أغلى الرجولةَ في شِفاهٍ / مُغَلَّفةٍ على ألمٍ " مُصان "
وعامِرةِ المعاني مُنتَقاةٍ / بها الكلِماتُ شامِخةُ المباني
فتقتَ الذِهنَ فيها عن طَريفٍ / يُشِعُ اللفظُ فيهِ عن جُمان
يَمُدُّك عَبْقَرٌ فيها وتُجبى / لكَ الخطَراتُ من قاصٍ وداني
أثرْتَ سُطورَها وذهبتَ عنها / فهُنَّ إليكَ من مَضَضٍ رواني
أبا " الخَطابِ " رانَ عليكَ ليلٌ / عقيمُ الفجرِ لا يتلوهُ ثاني
وأُغْمِضَتِ الجْفونُ على شَكاةٍ / تُدَغْدغُها من البُشرى أماني
أمانٍ يسودَ الناسَ حُكْمٌ / يَبيتُ الفردُ منهُ على أمان
فلا تبعَدْ وإن أخنى فَناءٌ / وما مُبقٍ مآثِرَهُ بفاني
ورهْنُ الخُلدِ أضْرِحَهٌ عليها / قُطوفُ الفِكرِ يانِعةٌ دواني
بكى " بَرَدَى " عليكَ بفيض دمعٍ / ومجَّ النيِلُ فيضاً من بيان
وجِئتُ أغُضُّ طَرْفيَ عن حياءٍ / فهذا ما يمُجُّ " الرافدانِ " !
إذا ما الحُزنُ طاوَعَ في مصابٍ / فانَّ الشِعرَ يُعْذَرَ في الحِران
كيفما صَّوْرتَها فلتكُنِ
كيفما صَّوْرتَها فلتكُنِ / أنا عن تصويرةِ الناسِ غني
لا أُبالي قادِحي مِن مادِحي / ليَ في الوجدان ما يُقنِعنُي
لستُ بالجامدِ : إني شاعرٌ / هزة الروح تُرى في بَدنَي
ديدني تصويرُ ما في خاطري / وأنا مُغرىً بهذا الديدنَ
أنا من أجل لِساني مُبتَلى / رغمَ احساسي – بعيش خَشِن
إنما يرفَعُ من مقطوعتي / كوُنها من خَصمِك المضطَغِن
من فتى عَرَّضَه موقفُه / منك بالأمس لشتّى المِحَن
كونُها من شاعر مُطَرَّح / وفكورٍ مُنصِفٍ مُمتَحَن
تاركاً عما قريبٍ أهلَهُ / مستجيراً بإمام اليَمَن!
فاذا لم يهوني كنت امرأً / عاملاً في منجمٍ في عدَن
إنها أروَح لي من مَوطنٍ / أنا منه في عُضال مُزْمِن
أنا أستحسِن ما ليس أرى / وأرى ما ليسَ بالمستحسَن
يا أبا عدنانَ هذي فُرصةٌ / لفؤادٍ بالأذَى محتقِن
لا أُحابيك : ولكنّي فتىً / أطلُبُ الحقَّ ولو في كفَني
يشهدُ التأريخُ واللهُ معاً / أنَّك الذُخرُ لهذا الوطن
عارفٌ أدواءَه مطَّلعٌ / بالخفايا : قاطعٌ للفتَن
فيك : لولا أمةٌ جاهلةٌ / شَبَةٌ يدينك من " موسولني "
بَطَلٌ إنْ مِحَنٌ جارتْ وما / أعوزَ الأبطالَ عند المحن
وصريحٌ لَسِنٌ في مأزِقٍ / ذي احتياجٍ لصريحٍ لَسِن
لُحتَ وضاحاً على حينَ مَشى / كلُّهم تحتَ قِناعٍ أدكن
بخُطىً جبّارةٍ واسعةٍ / وبعقلٍ راجحٍ متَّزن
يومَ كلُّ الناسِ في تمويهِهم / مِثلُ ضبٍ جاحرٍ في مَكمن
فرَغَ الدستُ الذي كنتَ به / ملءَ عينِ المرءِ ملءَ الأذُن
سَحَقَ الهوجَ المهازيلَ فتىً / لم يكن في سَحقِهم بالمَرِن
وعلى الحمقى ثقيلٌ وقعُه / مَن بِغِرٍّ أحمقٍ لا يعتنِي
وأراهم قوة لم يجدوا / مثلَها في هيكل أو وَثَن
لم يروا فيه – كما في غيرهِ / خِدْنَهم من ماجنٍ أو مُدمِن
لم يكن بالرخوِ في أخذِهُمُ / أخذَ جبارٍ ولا بالمثني
أتُراها أمِنَت جرثومةٌ / لم تكنْ من بطشه في مأمَن
نَقَم الحسّادُ إن لم يَلحقوا / شأو مَاشٍ خَببَاً في سَنَن
قائمٍ بالأمرِ معتزٍّ به / وعلى تدبيرِه مُؤتَمَن
ولو اسطاعَت مجالاً كفُّه / قادَهُم كلَّهُمُ في عَطَن
اشهدي ياربةَ الشعر ويا / دولةَ الحقِّ عليه أمنِّي
إن عُقبى ظَفَرٍ تَلحَقُني / من طريق الدسِّ لا تُعجبني
ودنيُّ من يُعادي خصمَه / مِن طريقٍ بالحزازات دَني
أشتَهي أنّي ولو في حُلُمٍ / أُمسكُ الأمرَ لأدنى زَمَن
ولقد يُلهبُ من عاطفتي / أنَّ هذا زمنٌ لم يئِن
أودِعوني دَفَّةَ الحكم ولو / ساعةً آتِ بما لم يَكُن
أُرِكُم أينَ يكونُ المرتشي / أُرِكُم كيفَ مصيرُ الأرعَن
أُرِكم قيمةَ ألفاظٍ بها / يَلبس الكذّابُ ثوبَ الوطني
آتياً في السرِّ ما لا يَستوي / والذي يأتي به في العَلن
أُركم أنْ ليسَ لي من قيمةٍ / غيرُ ما يوجِبُه لي مَعدِني
أُركم أنَّ الذي تخشَونه / ليسَ من يَبكي عليه لوفَنى
يا أبا عدنانَ : هذا واجب الأدَبِ / المحضِ الصريح المُتقَن
إنني ألغيتُ في تسجيله / كلَّ ما في خاطري من دَرَن
ولقد تَعلَمُ ما يَلحَقُني / من أذىً من بَثِّ هذا الشَجن
غيرَ أني واجدٌ في مِثلهِ / لذَّةَ العاشق والمفتَتن
ومن العارِ على الشاعر أنْ / يحتَمي في شعرِهِ بالإِحَن
عفواً إذا خانني شعري وتبِياني
عفواً إذا خانني شعري وتبِياني / فلُطفُكُم لا أوفِّيهِ بشُكْرانِ
وقد يُهوِّنُ عند المرء زلتَه / إحساسُه أنه ما بينَ إخوان
غطارفَ الحلةِ الفيحاءِ أنكُمُ / في كل مَكرمُةٍ فِرسانُ ميدان
وليس إحسانُكمُ نحوي بمبتَدعٍ / هنا منابتُ ألطافٍ وإحسان
للعُرْبِ سفرُ نقاباتٍ مُضيَّعةٍ / باقٍ لديكم عليه خيرُ عُنوان
ملامحٌ عرَبيّاتٌ مُخبِّرةٌ / بأنكُم خيرُ منسوبٍ لقَحطان
أتيتُ ربةَ أشعاري أُناشدُها / عَوناً على الشعر أو صَفحاً عن الجاني
ورُحتُ منها على وَعدٍ بمغفرة / إنْ لم يُسدِّدْ خطايَ اليومَ شيطاني
وجئتُ مَحفِلَكُم أمشي على ثقةٍ / من ربّةِ الشعر عندي صَكُ غُفران
أبناءَ بابل للأشعار عندَكُمُ / عِمارةٌ لم يشيَّدْ مثلَها بانِ
ودولةٌ برجال الشعر زاهرةٌ / معمورةٌ بمقاطيعٍ وأوزان
أقمتمُوها عُصوراً في رعايتِكم / لم تَخلُ من آمرٍ منكُم وسُلطان
طوعَ الأكُفِّ دواوينٌ مشهَّرة / وفي الزوايا مُضاعٌ ألفُ ديوان
هنا نَمَتْ عذَبَاتُ الشعر وارفةً / غصونُها قبل سوريّا ولُبنان
وعنكُمُ أخَذَتْ مِصرٌ مساهِمةً / في مُعجِبٍ من طريف القول فَينْان
ومن شعور الفراتِينَ قد نَهِلَت / أرضُ العراق وعبَّتْ أرضُ بَغدان
لكنني مستميحٌ عفوَكم كَرَماً / اذا عَتَبتُ عليكم عَتْبَ غضبان
وان نَكِرتُ عليكم سيرَ متَّئدٍ / وان طَلَبتُ اليكم سيرَ عَجلان
وإن أردت لكم شِعراً يُجَسُّ به / نَبْضُ السياسةِ من آنٍ إلى آن
يكون منها بمرصادٍ يقابلها / وجهاً لوجهٍ على حدٍ وميزان
وفي العواطف أمواهٌ مُرَقْرَقَةٌ / وتارةً هو تسعيرٌ لنيران
شعراً تُعالَج أبوابُ الحياة به / يكونُ عن كل ما فيها كإعلان
نَسَجتُمُ بُردةً للشعر ضافية / أتقنتُمُ لُحمَتَيها أيَّ إِتقان
ماشتْ عصوراً طِوالاً وهي زاهيةٌ / نُوراً لملك وتزييناً لتيجان
ولو أردَتُم لكانَتْ زينةً لكُمُ / بها يُفاخَرُ ماكرَّ الجديدان
أتاكُمُ عالَم ثانٍ فكانَ لكم / أن تُبرزوها بشكل مُونِقٍ ثان
وكان يكفيكُمُ حِفظاً لرَونقِها / أنْ تأخذوها بأصباغٍ وألوان
لا أدَّعي أنني أولَى بتَكرِمةٍ / وأنني فوقَ أصحابي وأقراني
ولا أُعرضُ اني طائشٌ فرحاً / وان تَذكَّرتمُوني بعد نِسيان
لكنما سرَّني أن الفراتَ به / يُقامُ أولُ تكريمٍ لفنّان
ناشدتُكم بالحَمِيّات التي دفعت / بكم لذكرِيَ والإِعلاءُ من شاني
وبالمزايا الفُراتِيّات هذَّبها / جورُ الطُغاةِ وكم فضلٍ لطُغيان
ألا اجتهَدْتُم بأن لا تتركوا لَبِقاً / أو نابغاً عبقرياً طيَّ كتمان
قد يَبعَثُ الشاعرَ الحَساسَ مزدهراً / تقديرُ عاطفةٍ منه ووجدان
وقد تَبوخُ على الأهمال مَوهِبةٌ / لو أُلْهِبَت لرأيتُم أيَّ بَركان
أنا الدليلُ على قَولٍ أردتُ به / أن لا يكونَ له غَيري كبُرهان
تناوشتْني من الأطراف ناهشةً / لحمي عصابةُ أضباع وذُؤبان
كالتْ ليَ الشَتْمَ ما شاءَت مكارمُها / سمحاءَ من دون تطفيف ونُقصان
وحسبُكُم وعليكُمْ شرحُ مُجمَله / أن لم يكن شتمُ إنسانٍ لإنسان
وان صَدَقتُ فما للقوم من غَرَضٍ / إلا إماتةُ حِسٍ فيَّ يقظان
ولم أجدْ ما يُنَسَّيني مَضاضتَها / إلا عواطفَ خُلاّنٍ وخُلْصان
وانني إنْ رَمَتْني أعينٌ خُزُرٌ / فانَّ أعينَكُم باللطفِ تَرعاني
في الشعر شَحْذٌ لعَزْماتٍ ومُحتَسَبٌ / لطارئآتٍ وترويضٌ لأذهان
خذوا بما ضمَّت " الفيحاءُ " من غُرَرٍ / مْخَلَّداتٍ وما ضَمَّ " الغَرِيّان "
ونوِّهوا باسمِ أهليها لتَسمَعَهم / - ولو على الرغم منها – صُمُّ آذان
ودَرِّسوا نشْكم من شِعرِهم قِطَعاً / مُصوِّراتٍ لأفراحٍ وأحزان
هنا ب " بابلَ " قام الفنُّ تُسنِدُه / حضارةُ المُلكِ من أزمانِ ازمان
هنا مَشَى الفذُّ " بانيبالُ " مُزدَهياً / في موكِبٍ بغُواةِ الفنِ مُزدان
تَرجَّلَ المُلْكُ إكراماً له ومَشَتْ / خواشعاً – ساسةٌ غُرٌّ – كرُهبان
مُقَدِّرين من النحّات موهبةً / هي النُبُوّةُ من وحيٍ وإيمان
من هاهنا كان تحضيرٌ لأنظمةٍ / في المشرِقَينِ وتمهيدٌ لأديان
تشريعُ بابلَ هزَّ الناسَ روعتُه / من قبلِ أن يعرِفوا تشريعَ يونان
للآنَ يُحتاجُ في إصلاحِ مملكةٍ / نظامُ دولةِ آشورٍ وكِلدان
هنا " حمورابِ" سنَّ العدلَ معتمداً / به على حفظِ أفراد وعمران
شكراً جزيلاً لأفواهٍ تُعطِّرُني / بكل مُمتْدَحِ الأسلوبِ حَسّان
رّيانةً بمُذابِ العاطفاتِ أتَتْ / تسعى لقلبٍ من الإخلاص رَيان
ولو تمكَّنتُ قدَّمتُ الفؤادَ لكم / لكنَّ تقديمَ إحساسي بإِمكاني
هنا يرقدان وخضْرُ الجبالِ
هنا يرقدان وخضْرُ الجبالِ / تَبُلُّ الينابيعُ أرادانَها
بحيث البحيرةُ تُنسيهُما / عناءَ الحياةِ وأدرانها
وحيثُ الرُعاةُ تُغنِّيهما / إذا شَعْشَع الفجرُ ألحانها
وحيثُ يَهيج نسيمُ الصباحِ / غرامَ العَذارى وأشجانها
هنا يرقُدان بحيثُ السماءُ / تَصْبِغ بالوردِ ألوانها
يَبُّثهما الزَهرُ أشواقَهُ / وتُعطي الخمائِلُ عُنوانها
مَلِلتُ مُقاميَ في لندنا
مَلِلتُ مُقاميَ في لندنا / مُقامَ العَذارى بدور الزِنا
مُقام المسيح بدارِ اليَهودِ / مُقام العذابِ مُقام الضَنى
أمُنعِّمَ القلب الخلي
أمُنعِّمَ القلب الخلي / تركتني حِلْفَ المحنْ
لم ترع عهد فتى رعاك / على السريرة وأتمن
سل جفنك الوسنان هل / علمت جُفوني ما الوسن
لحظ الحبيب أثار بين / النوم واللحظ الفتن
ان كان لا بد الرِّهانُ / فرحمةً بالمرتهن
رفقاً بقلب ما درى / غيرَ الشجى بك والشجن
يصبو لذكرك كلما / ناح الحمام على فنن
اخشى يطول على الصراط / عذاب مطلعك الحسن
ما ضرَّ من ضمن الحشا / لو كان يرعى ما ضمن
طَرْفٌ قرير كان فيك / رماه هجرك بالدَّرَن
الله ماذا حَمَّلت / كفُّ النوى هذا البدن
لا تحسبوا ماءَ الفرات / كعهدكمْ فلقد أجَن
حسد الزمان ليالياً / سَمَح الوصال بها فضن
أعذَرْتُمُ لولا النوى / ووَفَيْتُمُ لو لا الزمن
لو تشترى بالروح / أيام الصبا قل الثمن
ولقد وقفتُ بداركمْ / وكأنها بطن المِجَنْ
يا مألف الأحباب حُلْتَ / وحال عهدُك بالسَّكن
واعتضتَ آراماً سوانحَ / فيك عن ريمي الأغن
وذَعْرتَ سِربي بالفراق / فليت سربَك لا أمِن
ويحَ المعذب بالبِعاد / تَهيِجُه حتى الدِّمن
ماذا على العُذّال إن / وجد المقيم بمن ظعن
أيلام إلْفٌ بان عنه / أليفُه فبكى وحن
لو لم يشُفِ القوس / مرمى سهمه ما كان رن

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025