القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 32
كان في صدري سرّ
كان في صدري سرّ / كامن كالأفعوان
أتوقّاه وأخشى / أن يراه من يراني
وإذا لاح أمامي / عقل الذعر لساني
فكأني عند بحر / هائج أو بركان
لم أخفه غير أني / خفت أبناء الزمان
ولكم فان نظيري / خاف قلبي بطش فان
لم يسع سري فؤادي / لم تسع لفظي المعاني
فقصدت الغاب وحدي / والدّجى ملقي الجران
ودفنت السرّ فيه / مثلما يدفنّ جان
ورأى الليل قتيلي / فبكاه وبكاني
إنّ للّيل دموعا / لا تراها مقلتان
كنت حتى مع ضميري / أمس في حلرب عوان
فانقضى عهد التجافي / وأتى عهد التداني
خدّرت روحي فأمسى / شأن جلّ الخلق شأني
لا أرى في الخمر معنى / ولكم فيها معاني
فكأني آلة العاصر / أو إحدى الأواني
لم يعد قلبي كالبر / ق شديد الخفقان
لم تعد نفسي كالنجـ / ـمة ذات اللمعان
بتّ لا أبكي لمظلو / م ولا حر مهان
لا ولا أحفل بالبا / كي ولو ذو صولجان
صرت كالصخر سواء / هادم عندي وبان
يا لآمالي الغوالي / يا لأحلامي الحسان!
طوت الغابة سري / فانطوت معه الأماني
ضاع لما ضاع شيء / من كياني بل كياني
في صباح مستطير / كصباح المهرجان
لبست فيه الروابي / حلة من أرجوان
وتبدّى الغاب من أو / راقه في طيلسان
ساقني روح خفي / نحو ذيّاك المكان
فإذا بالسرّ أضحى / زهرة من أقحوان
يا رفيقي أنا لولا
يا رفيقي أنا لولا / أنت ما وقّعت لحنا
كنت في سرّي لما / كنت وحدي أتغنّى
ألبس الروض حلاه / أنّه يوما سيجنى
هذه أصداء روحي / فلتكن روحك أذنا
إن تجد حسنا فخذه / واطّرح ما ليس حسنا
إنّ بعض القول فنّ / فاجعل الإصغاء فنّا
تك كالحقل يردّ الـ / ـكيل للزراع طنّا
ربّ غيم صار لمّا / لمسته الريح مزنا
ربّما كنت غنيّا / غير أنّي بك أغنى
ما لصوت أغلقت من / دونه الأسماع معنى
كلّ نور غير نور / مرّ بالأعين وسنى
يا رفيقي أنت راعيـ / ـت ففجري صار أسنى
و إذا طفت بكرمي / زدته خصبا و أمنا
قد سكبت الخمر كي تشـ / ـرب فاشرب مطمئنّا
واسق من شئت كريما / لا تخف أن تتجنى
كلّما أفرغت كأسي / زدت في كأسي دنّا
فهي بالإنفاق تبقى / وهي بالإمساك تفنى
لست منّي إن حسبت الـ / ـشّعر ألفاظا ووزنا
خالفت دربك دربي / وانقضى ما كان منّا
فانطلق عنّي لئلّا / تقتني همّا و حزنا
واتّخذ غيري رفيقا / و سوى دنياي مغنى
ديارُ السلامِ وأرضُ الهنا
ديارُ السلامِ وأرضُ الهنا / يشقُّ على الكلِّ أنْ تحزنا
فَخَطْبُ فلسطينَ خطبُ العلى / وما كانَ رزءُ العُلى هيِّنا
سَهِرنْا لَهُ فكأنَّ السيوفَ / تخزُّ بأكبادِنا ههنا
وكيفَ يزورُ الكرى أعيناً / ترى حولَهَا للرَّدى أعينا ؟
وكيفَ تطيبُ الحياةُ لقومٍ / تُسدَّ عليهمْ دروبُ المنى ؟
بلادهمُ عرضةٌ للضَّياعِ / وأمَّتهمْ عرضةٌ للفنا
يُريدُ اليهودُ بأنْ يصلبوها / وتأبى فلسطينُ أنْ تذعنا
وتأبى المرؤةُ في أهلِها / وتأبى السيوفُ وتأبى القَنَا
أأرضُ الخيالِ وآياتِهِ / وذاتُ الجَلالِ وذاتُ السنا
تصيرُ لغوغائهمْ مسرحاً / وتغدو لشذَّاذِهمْ مَكْمنا ؟
بنفسيَ (أُردنُّها) السلسبيلُ / وَمَنْ جاوروا ذلكَ الأُردنا
لقد دافعوا أمسِ دونَ الحمى / فكانتْ حروبهمُ حربنا
وجادوا لكلِّ الذي عندهمْ / ونحنُ سنبذلُ ما عندنا
فقلْ لليهودِ وأشياعهم / لقد خدعتكمْ بُروقُ المنى
ألا لَيتَ (بلفورَ) أعطاهمُ / بلاداً لَهُ لا بلاداً لنا
(فلندنُ) أرحبُ من قُدسِنا / وأنتمْ أحبُّ إلى (لندنا)
ومنَّاكمُ وطناً في النجومِ / فلا عربيَّ بتلكَ الدنى
أيسلبُ قومَكم رشدَهمْ / ويدعوهُ قومكمُ محسنا ؟
ويدفعُ للموتِ بالأبرياءِ / ويحسبهُ معشرٌ دِّينا ؟
ويا عَجَباً لكمُ توغرونَ / على العَرَبِ (التامزَ والهدسنا)
وترمونهمْ بقبيح الكلامِ / وكانوا أحقَّ بضافي الثنا
وكلُّ خطيئاتهمْ أنَّهمْ / يقولونَ º لا تسرقوا بيتنا
فليستْ فلسطينُ أرضاً مشاعاً / فَتُعطى لمنْ شاءَ أن يسكنا
فإنْ تطلبوها بسمرِ القنا / نردُّكمُ بطوالِ القنا
ففي العربيِّ صفاتُ الأنامِ / سوى أنْ يخافَ وأنْ يجبُنا
وإنْ تحجلوا بيننا بالخداعِ / فلنْ تَخْدعوا رجلاً مؤمنا
وكانتْ لأجدادنا قبلَنا / وتبقى لأحفادِنا بعدنا
وإنْ لكمْْ بسواها غنى / وليسَ لنا بسواها غنى
فلا تحسبوها لكُمْ موطناً / فلمْ تكُ يوماً لكمْ موطنا
وليسَ الذي نَبْتغيهِ مُحالاً / وليسَ الذي رُمتمُ ممكنا
نصحناكُم فارعووا وانبذوا / (بليفورَ) ذيَّالكَ الأرعنا
وإمَّا أبيتمْ فأُوصيكمُ / بأنْ تحملوا معكمُ الأكفنا
فإنَّا سنجعلُ من أرضِها / لنا وطَناً ولكمْ مدفنا !
عش للجمال تراه العين مؤتلقا
عش للجمال تراه العين مؤتلقا / في أنجم الليل أو زهر البساتين
وفي الرّبى نصبت كفّ الأصيل بها / سرادقا من نضار للرياحين
وفي الجبال إذا طاف المساء بها / ولفّها بسرابيل الرّهابين
وفي السواقي لها كالطفل ثرثرة / وفي البروق لهاضحك المجانين
وفيابتسامات ((أيار)) وروعتها / فإن تولّى في أجفان(( تشرين))
لا حين للحسن لا حدّ يقاس به / وإنّما نحن أهل الحدّ والحين
فكم تماوج في سربال غانية / وكم تألق في أسمال مسكين
وكم أحسّ به أعمى فجنّ له / وحوله ألف راء غير مفتون
عش للجمال تراه ههنا وهنا / وعش له سرّ جدّ مكنون
خير وأفضل ممن لا حنين لهم / إلى الجمال تماثيل من الطين
قلت: السعادة في المنى فرددنني
قلت: السعادة في المنى فرددنني / وزعمت أنّ المرء آفته المنى
ورأيت في ظلّ الغنى تمثالها / ورأيت أنت البؤس في ظلّ الغنى
ما لي أقول بأنها قد تقتني / فتقول أنت بأنها لا تقتني؟
وأقول إن خلقت فقد خلقت لنا / فتقول إن خلقت فلم تخلق لنا؟
وأقول إني مؤمن بوجودها / فتقول ما أحراك أن لا تؤمنا؟
وأقول سر سوف يعلن في غد / فتقول لا سرّ هناك ولا هنا؟
يا صاحبي هذا حوار باطل / لا أنت أدركت الصواب ولا أنا
وقائلة: هجرت الشعر حتى
وقائلة: هجرت الشعر حتى / تغنّى بالسخافات المغنّي
أتى زمن الربيع وأنت لاهٍ / وقد ولّى ولم تهتف بلحن
ونفسك كالصّدى في قاع بئر / ومثل الفجر ملتحفا بدجن
فما لك ليس يستهويك حسن / وأنت لمرء تعشق كلّ حسن؟
أتسكت والشباب عليك ضاف / وحولك للهوى جنّلت عدن؟
ركود الماء يورثه فسادا! / فقلت لها : استكيني واطمئني
فما حطمت يد الأيام روحي / وإن حطمت أباريقي ودنّي
ولم أعقد على خوف لساني / ولا ضنّا على الدنيا بفنّي
ولكنّي امرؤ للناس ضحكي / ولي وحدي تباريحي وحزني
إذا أشكو إلى خدن همومي / وفي وسعي السكوت ظلمت خدني
وتأبى كبريائي أن يراني / فتى مغرورقا بالدمع جفني
فأستر عبرتي عنه نئلا / يضيق بها وإن هي أحرقتني
ويبكي صاحبي فإخال أني / أنا الجاني وإن لم يتّهمني
فأمسح أدمعا في مقلتيه / وإن حكت اللهب وإن كوتني
لأني كلما رفّهت عنه / طربت كأنني رفّهت عنّي
كذلك كان شأني بين قومي / وهذا بين كلّ الناس شأني
أقول لكلّ نوّاح رويدا / فإنّ الحزن لا يغني ويضني
وجدت الدمع بالأحرار يزري / فليت الدمع لم يخلق بجفن!
سبيل العز أن تبني وتعلي / فلا تقنع بأنّ سواك يبني
ولا تك عالة في عنق جدّ / رميم العظم أو عبئا على ابن
فمن يغرس لكي يجني سواه / يعش ويموت من يحيا ليجني!
ألائمتي اتركيني في سكوني / ولومي من يضجّ بغير طحن
إذا صار السماع بلا قياس / فلا عجب إذا سكت المغني
أنا ولئن سكتّ وقال غيري / وجعجع صاب الصوت الأرنّ
إذا أنا لم أجد حقلا مريعا / خلقت الحقل في روحي وذهني
فكادت تملأ الأثمار كفّي / ويعيق بالشّذى الفوّاح ردني
وطن النجوم أنا هنا
وطن النجوم أنا هنا / حدّق أتذكر من أنا
ألمحت في الماضي البعيد / فتى غريرا أرعنا
جذلان يمرح في حقولك / كالنسيم مدندنا
ألمقتني المملوك ملعبة / و غير المقتنى !
يتسلّق الأشجار لا ضجرا / يحسّ و لا ونى
و يعود بالأعصان يبريها / سيوفا أو قنا
و يخوض في وحل الشّتا / متهلّلا متيمّنا
لا يتّقي شرّ العيون / و لا يخاف الألسنا
و لكم تشيطن كي يقول / الناس عنه " تشيطنا "
أنا ذلك الولد الذي / دنياه كانت ههنا !
أنا من مياهك قطرة / فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرّة / ماجت مواكب من منى
أنا من طيورك بلبل / غنّى بمجدك فاغتنى
حمل الطّلاقة و البشاشة / من ربوعك للدّنى
كم عانقت روحي رباك / وصفّقت في المنحنى ؟
للأرز يهزأ بالرياح / و بالدهور و بالفنا
للبحر ينشره بنوك / حضارة و تمدّنا
لليل فيك مصلّيا / للصبح فيك مؤذّنا
للشمس تبطيء في وداع / ذراك كيلا تحزنا
للبدر في نيسان يكحّل / بالضّياء الأعينا
فيذوب في حدق المهى / سحرا لطيفا ليّنا
للحقل يرتجل الرّوائع / زنبقا أو سوسنا
للعشب أثقله النّدى / للغصن أثقله الجنى
عاش الجمال متشرّدا / في الأرض ينشد مسكنا
حتّى انكشفت له فألقى / رحلة و توطّنا
واستعرض الفنّ الجبال / فكنت أنت الأحسنا
لله سرّ فيك يا / لبنان لم يعلن لنا
خلق النجوم و خاف أن / تغوي العقول و تفتنا
فأعار أرزك مجده / و جلاله كي نؤمنا
زعموا سلوتك ... ليتهم / نسبوا إليّ الممكنا
فالمرء قد ينسى المسيء / المفترى و المحسنا
و الخمر و الحسناء و الوتر / المرنّح و الغنا
و مرارة الفقر المذلّ / بلى و لذّات الغنى
لكنّه مهما سلا / هيهات يسلو الموطنا
قالت لجارتها يوما تسائلها
قالت لجارتها يوما تسائلها / عنّي و في طرفها الوسنان أشجان
ما بال هذا الفتى في الدّار معتزلا / كما توحّد نسّاك و رهبان
يأتي المساء عليه و هو مكتئب / و يرجع اللّيل عنه و هو حيران
يمرّ بالقرب منّا لا يكلّمنا / و للحديث مجال و هو ملسان
و إن نكلّمه لا يفقه مقالتنا / إلاّ كما يفقه التّسبيح سكران
إذا تبسّم لا تبدو نواجده / و إن بكى فله نزع و إرنان
فلا ابتسام ذوات الغنج يطربه / و لا ابنة الحان تصيبه و لا الحان
أماله أمل حلو يلذّ به / كما تلذّ بمرأى النّور أجفان
أماله جيرة في الأرض يألفهم / يا جارتي كان لي أهل و جيران
فبتّت الحرب ما بيني و بينهم / كما تقطّع أمراس و خيطان
فاليوم كلّ الذي في مهجتي ألم / و كلّ ما حولهم بؤس و أحزان
و كان لي أمل إذ كان لي وطن / فيه لنفسي لبانات و خلّان
فجرّدته اللّيالي من محاسنه / كما يعرّى من الأشجار بستان
فلا المغاني التي أشتاق رؤيتها / تلك المغاني و لا السّكان سكّان
لو المروءة تدري أيّ فاجعة / بالشام ناح عليها الإنس و الجان
و لو يبثّ بنو لبنان لوعتهم / لاهتزّت الأرض لمّا اهتزّ لبنان
قالت : شكوت الذي بالخلق كلّهم / و ما كذبتك إنّ الحرب طوفان
تساوت الناس في البلوى فقلت لها / هيهات ما هان قوم مثلما هانوا
أمن يموت و لا ستر يظلّله / كمن عليه أكاليل و تيجان ؟
قالت و يا ويح نفسي من مقالتها / كفكف دموعك بعض الحزن أهوان
لو كان قومك أهلا للحياة لما / ماتوا و في أرضهم ترك و ألمان
و كلّ من لا يرى في الذّلّ منقصة / لا يستحقّ بأن يبكيه إنسان
كفّي ملامك يا حسناء و اتّئدي / فإنّ مدح ذوي العدوان عدوان
و أنت من أمّة تأبى خلائقها / أن يقتل الطّير في الأقفاص سجّان
و إنّ قومي طيور غير كاسرة / سطت عليها شواهين و عقبان
لا تحسبي أنّني أبكي لمصرعهم / فكلّنا للرّدى شيب و شبّان
لكن بكيت من الباغي يعذّبهم / و هم شيوخ و أطفال و نسوان
ورحت أشكو إليها و هي ساهية / لكنّما قلبها الخفّاق يقظان
حتّى انتهيت فصاحت و هي مجهشة / يا ليت ما قلته زور و بهتان
بل ليتني لم أسائل جارتنا / بل ليت قلبي إذ ساءلت صوّان
ياليت شعري و هذي الحرب قائمة / هل تنجلي و لنا في الشّام إخوان
؟و هل تعود إلى لبنان بهجته / و هل أعود و في لبنان نيسان ؟
فأسمع الطير تشدو في خمائله / و أبصر الحقل فيه الشّيخ و البان ؟
بني بلادي و لا أدعو بخيلكم / غير البخيل له قلب ووجدان
بني بلادي و لا أدعو جبانكم / ما للجبان و لا لي فيه إيمان
بني بلادي و كم أدعو ...! أليس لكم / كسائر الخلق أكباد و آذان ؟
لا تضحكوا و بأرض الشّام نائحة / و لا تناموا و في لبنان سهران !
منذ افترقنا لم أذق وسنا
منذ افترقنا لم أذق وسنا / للّه ما صنع الفراق بنا
قل للخليّين الهناء لكم / ألحبّ قد خلق العذاب لنا
لم أنس قولتها التي ملأت / نفسي أسى وجوانحي شجنا
ماذا جنينا كي تفارقنا / أمللتنا وسئمت صحبتنا
فأجبتها بلسان معتذر / لم تجني أنت ولا مللت أنا
لكن رأيت الماء منطلقا / ريا فإن هو لم يسر أجنا
والسيف إن طال الثواء به / يصدأ ويصيح حدّه خشنا
والسحب إن وقفت وما هطلت / لم ترو أودية ولا قتنا
إنّ الحياة مع الجمود قذى / ومع الحواك بشاشة وهنا
لا تعذليني فالقرى أربي / حيث الحياة رغائب ومنى
حيث النجوم تلوح سافرة / لم تلتحف سترا ولا كفنا
والفجر ملء جيوبه أرج / والطير يملأ شدوها الوكنا
وعلى الرّبى الأظلال راقصة / ويد النسيم تداعب الغصنا
وبح المدائن إنّ ساكنها / كالميت لم يطمر ولا دفنا
كم رحت أستسقي سحائبها / فهمت ولكن محنة وضنى
ولكم سهرت فلم أجد قمرا / ولكم شدوت فلم أجد أذنا
لو كان يألف بلبل غرد / قفصا أحبّ الشاعر المدنا
كره الورى طول المقام بها / فاستنبطوا العجلات والسفنا
ولقد ظفرت بمركب لجب / فخرجت أطوي السهل والحزنا
والشوق يدفعه ويدفعني / حتى بلغت المنزل الحسنا
قف يا قطار على ربوعهم / إنّ الأحبة يا قطار... هنا
هذي منازلهم تهشّ لنا / أخطأت ... بل هذي منازلنا
ما حلّ منهم موضعا أحد / إلا وصار لكلّنا وطنا
((سورية)) في ((كانتن)) نغم / عذب (( ولبنان)) شذى وسنا
وإذا الحياة طوت محاسنها / عني وصار نعيمها محنا
مثّلتهم في خاطري فإذا / دنياي فيها للسرور دنى
يا قوم هذا اليوم يومكمو / من ينتهزه ينل رضى وثنا
فلتنبسط أيديكمو كرما / ألسحب أنفعها الذي هتنا
أنا لاأرى مثل البخيل فتى / يضوى ويهزل كلما سمن
من لا يشيد بماله أثرا / أو يستفيد بماله مننا
ويعيش مثل العنكبوت يعش / في الناس مذموما وممتهنا
فابنوا وشيدوا تكرموا رجلا / كم قد سعى من أجلكم وبنى
وطن وأهل لا ئذون بكم / أفتخذلون الأهل والوطنا؟
((قطنا)) بنوك اليوم قد نهضوا / فتمجدي ببنيك يا ((قطنا))
أنا أن أغمض الحمام جفوني
أنا أن أغمض الحمام جفوني / ودوى صوت مصرعي في المدينة
وتمشىّ في الأرض دارا فدارا / فسمعتِ دويّه ورنينه
لا تصيحي واحسرتاه لئلّا / يدرك السّامعون ما تضمرينه
و إذا زرتني و أبصرت وجهي / قد محا الموت شكّه و يقينه
و رأيت الصّحاب جاثين حولي / يندبون الفتى الذي تعرفينه
و تعال العويل حولك ممّن / مارسوه و أصبحوا يحسنونه
لا تشقي على ثوبك حزنا / لا و لا تذرفي الدموع السخينه
غالبي اليأس و اجلسي عند نعشي / بسكون إنّي أحبّ السّكينة
إنّ للصمت في المآتم معنى / تتعزّى به النّفوس الحزينة
و لقول العذّال عنك بخيل / هو خير من قولهم مسكينة
و إذا خفت أن يثور بك الوجد / فتبدو أسرارنا المكنونة
فارجعي و اسكبي دموعك سرّا / و امسحي باليدين ما تسكبينه
يا ابنة الفجر من أحبّك ميْتٌ / و لأنت بمثل هذا مهينة
زايل النور مقلتيه و غابت / تحت أجفانه المعاني المبينة
فأصيخي هل تسمعين خفوقا / كنت قبلا في صدره تسمعينه
وانظري ثمّ فكّري كيف أمسى / ليس يدري عدوّه من خدينه
ساكتا لا يقول شيئا و لا يسـ / ـمع شيئا و ليس يبصر دونه
لا يبالي أأودعوه الثريا / أم رموه في حمأة مسنونة
و إذا الحارسان ناما عياء / و رأيت أصحابه يتركونه
فتعالي و قبّلي شفتيه / و يديه و شعره و جبينه
قبل أن يسدل الحجاب عليه / و يوارى عنك فلا تبصرينه
واحذري أن تراك عين رقيب / و لئن كان جل ما تحذرينه
فاذا ما أمنت لا تتركيه / قبلما يفتح الصّباح جفونه
و إذا السّاعة الرّهيبة حانت / و رأيت حرّاسه يحملونه
و سمعت النّاقوس يقرع حزنا / فيردّ الوادي عليه أنينه
زوّدي الرّاحل الذي مات وجدا / بالذي زوّد الغريق السفينة
نظرة تعلم السماوات منها / أنّه مات عن فتاة أمينة
طوت الأرض من طوى الأرض حيّا / و علاه من كان بالأمس دونه
و اختفى في التراب وجه صبيح / و فؤاد حرّ و نفس مصونه
و إذا ما وقفت عند السّواقي / و ذكرت وقوفه و سكونه
حيث أقسمت أن تدومي على العهـ / ـد وآلى بأنّه لن يخونه
حيث علّمته القريض فأمسى / يتغنّى كي تسمعي تلحينه
فاذكريه مع البروق السّواري / واندبيه مع الغيوث الهتونه
و إذا ما مشيت في الروض يوما / ووطأت سهوله و حزونه
و ذكرت مواقف الوجد فيه / عندما كنت بالهوى تغرينه
حيث علّمته الفتون فأضحى / يحسب الأرض كلّها مفتونة
حيث وسّدته يمينك حتّى / كاد ينسى شماله و يمينه
حيث كنت و كان يسقيك طورا / من هواه و تارة تسقينه
حين حاك الربيع للروض ثوبا / كان أحلى لديه لو ترتدينه
فالثمي كلّ زهرة فيه إنّي / كنت أهوى زهوره و غصونه
ثمّ قولي للطير مات حبيبي / فلماذا يا طير لا تبكينه !
و إذا ما جلست وحدك في اللّيـ / ـل و هاجت بك الشّجون الدّفينة
و رأيت الغيوم تركض نحو الـ / ـغرب ركضا كأنّها مجنونه
و لحظت من الكواكب صدا / و نفارا و في النسيم خشونه
فغضبت على اللّيالي البواقي / و حننت إلى اللّيالي الثّمينه
فاهجري المخدع الجميل وزوري / ذلك القبر ثمّ حيّي قطينه
وانثري الورد حوله و عليه / واغرسي عند قلبه ياسمينه
ذهب الربيع ففي الخمائل وحشة
ذهب الربيع ففي الخمائل وحشة / مثل الكآبة من فراقك فينا
لو دمت لم تحزن عليه قلوبنا / و لئن أضعنا الورد و النّسرينا
فلقد وجدنا في خلالك زهرة / المفترّ و الماء الذي يروينا
و نسيمة السّاري كأنفاس الرّضى / و شعاعه يغشى المروج فتونا
حزت المحاسن في الربيع و فقته / إذ ليس عندك عوسج يدمينا
يا أشهرا مرّت سراعا كالمنى / لو أستطيع جعلتكنّ سنينا
و أمرت أن يقف الزمان عن السّرى / كيلا نمرّ بساعة تبكينا
و نمدّ أيدينا فترجع لم تصب / و تعود فوق قوبنا أيدينا
خوفا عليها أن تساقط حسرة / أو أن تفيض لواعجا و شجونا
قد كنت خلت الدّهر حطّم قوسه / حتّى رأيت سهامه تصمينا
فكأنّما قد ساءه و أمضّه / أنّا تمتّعنا بقربك حينا
ما لقلبي يلجّ في الخفقان
ما لقلبي يلجّ في الخفقان / لا أنا عاشق و لا أنا جان
أبتغي أن أقول شيءا فيعصاني / لساني و السحر تحت لساني
أنا كالطائر الذي اندفق السحر / عليه فغصّ بالألحان
أو كفلك في البحر أوفى عليها / عارض بعد عارض هتّان
غلبتني عواطف الصّحب حتّى / صرت في حاجة إلى ترجمان
أين في موكب القريض لوائي / قد طواه بيانهم و طواني
أيّها المادحون خمري رويدا / منكم الخمرة التي في دناني
من أنا ؟ ما صنعت ؟ كي تعصبوا بالتاج / رأسي و أيّ شأن شأني ؟
لا افتخار لنحلة حقلا / فعادت من زهرة بالمجّاني
أنا من روضكم قطفت أزاهيري / و من بحركم غرفت جماني
إن أكن فرقدا فأنتم سمائي / أو هزارا فأنتم بستاني
أيّ بدع إن أخرج الحقل للناس / صنوف النبات في نيسان ؟
ليس لي من قصائدي غير أوزان / و ليست أصيلة أوزاني
أصدق الشعر في الحياة و فيكم / ليس غير الأظلال في ديواني
ما هو الشعر ؟ . إنّني ما رأيت / اثنين إلاّ وفيه يختصمان
قال قوم " وحيّ ينزّله الله / " و قوم " نفث من الشيطان "
ضلّ هذا وذا فما حفز الانسان / شيء للشعر كالإنسان
يعشق المرء ذاته في سواه / و يحبّ " الإنسان " في الأكوان
أنا من أجله بنيت قصوري / و فرشت الدروب بالرّيحان
أنا من أجله سكبت خموري / وشددت الأوتار في عيداني
أنا من أجله رجعت من الروضة / في راحتيّ بالألوان
و استعرت التهليل من جدول / الوادي و ضحك الرضى من الغدران
و من الشمس في الأئل / و الإصباح ذوب اللّجين و العقيان
و حملت الجلال من أرض ( سوريا ) / إليه و السحر من لبنان )
نحن أهل الخيال أسعد خلق / الله في حالة الحرمان
كم زهدنا بثروة من نضار / قنعنا بثروة من أماني
وانطوينا موكب من ضياء / و سطعنا في غمرة من دخان
نتراءى على الصعيد صعاليك / و لكن أرواحنا في العنان
إن ظمئنا وعزّ أن نرد الماء / روانا تصوّر الغدران
و إذا غابت النجوم اهتدينا / بالرؤى بالرجاء بالإيمان
لا يعدّ الورى علينا اللّيالي / نحن قوم نعيش في الأزمان
ردّ عنّي الكؤوس يا أيّها السّاقي / فروحي نشوى بخمر المعاني
بالقوافي ( جداولا ) من وفاء / و الأغاني ( خمائلا ) من حنان
زهد الناس حين دارت عليهم / بالتي في كؤوسهم و القناني
أيّها اللّيل أنت أبهى من الفجر / و إن كنت أسود الطيلسان
بالوجوه الزهراء بالأنفس السمحاء / من يعرب و من غسّان
بملوك البيان بالأدب الرائع / بالمنشدين بالألحان
بالغواني فديتهنّ فأسمي الشعر / و الفنّ في الحياة الغواني
هذه الشمس هل رأى الناس / وجها مثلما في البهاء و اللّمعان
تتجلّى لنا على اليسر و العسر / و نمشي في نورها الفتّان
قد نسينا شعاعها و سناها / عندما أشرقت وجوه الحسان
قسّم الدهر - أنت يا ليل شطر / من حياتي و العسر شطر ثان
أنت عصر مستجمع في سويعات / ودنيا رحيبة في مكان
قد تلاقت فيك القلوب على الحبّ / تلاقي الأجفان بالأجفان
لا تقولوا دقائق و ثوان / ذاهيات فالعمر هذي الثّواني
أنا ما عشت سوف أذكر بالشّكر / جميل الرّفاق و الأخوان
و إذا متّ في غد فسيأتيكم / ثنائي من ظلمة الأكفان
إنّي عرفت من الإنسان ما كانا
إنّي عرفت من الإنسان ما كانا / فلست أحمد بعد اليوم إنسانا
بلوته و هو مشتدّ القوى أسدا / صعب المراس و عند الضّعف ثعبانا
تعود الشّرّ حتّى لو نبت يده / عنه إلى الخير سهوا بات حسرانا
خفه قديرا و خفه لا اقتدار له / فالظّلم و الغدر إمّا عزّ أو هانا
ألقتيل ذنب شنيع غير مغتفر / و القتل يغفره الإنسان أحيانا
أحلّ قتل نفوس السائمات له / و الطيّر و القتل قتل حيثما كانا
أذاق ذئب الفلا من غدره طرفا / فلا يزال مدى الأيام يقظانا
و نفّر الطير حتّى ما تلمّ به / إلاّ كما اعتادت الأحلام و سنانا
سروره في بكاء الأكثرين له / و حزنه أن ترى عيناه جذلانا
كأنّما المجد ربّ ليس يعطفه / إلاّ إذا قدّم الأرواح قربانا
هو الذي سلب الدّنيا بشاشتها / وراح يملأها همّا و أحزانا
لا تصطفيه و إن أثقلته منّنا / يعدو عليك و إن أولاك شكرانا
قالوا ترّقى سليل الطّين قلت لهم / ألآن تمّ شقاء العالم الآنا
إنّ الحديد إذا ما لان صار مدى / فكن على حذر منه إذا لانا
و المرء وحش و لكن حسن صورته / أنسى بلاياه من سمّاه إنسانا
قد حارب الدّين خوفا من زواجره / كأنّ بين الورى و الدّين عدوانا
ورام يهدم ما الرحمن شيّده / و ليس ما شيّد الرّحمن بنيانا
إنّي ليأخذني من أمره عجب / أكلّما زاد علما زاد كفرانا ؟
و كلّما انقادت الدّنيا و صار له / زمامها انقاد للآثام طغيانا ؟
يرجو الكمال من الدّنيا و كيف له / نيل الكمال من الدّنيا و ما دانا ؟
إذا ارتدى المرء ما في الأرض من برد / و عاف للدّين بردا عاد عريانا
هو الحياة التي ما غادرت جسدا / إلاّ اغتدى الميت أحيامنه وجدانا
و هو الضّياء الذي يمحو الظّلام فمن / لا يهتدي بسناه ظلّ حيرانا
و المنهل الرائق العذب الورود فمن / لا يسقي منه دام الدّهر عطشانا
ليس المبذّر من يقلي دراهمه / إنّ المبذّر من للدّين ما صانا
ليس الكفيف الذي أمسى بلا بصر / إنّي أرى من ذوي الأبصار عميانا
بيني و بين العيون سرّ
بيني و بين العيون سرّ / الله في السّرّ و العيون
إذا عصت فكرتي القوافي / أوحت لنفسي بها الجفون
هات اسقني الخمر جهرا / و لا تبال بما يكون
إن كان خير أو كان شرّ / إنّا إلى الله راجعون !!
بأبي خيال لاح لي متلفّفا
بأبي خيال لاح لي متلفّفا / بعياءة من عهد فخر الدين
يمشي على مهل ويرسل طرفه / في حيرة المستوحش المحزون
من أنت يا شبحا كئيبا صامتا؟ / قل لي فإنّك قد أثرت شجوني
أخيال خصم أتّقي نزواته؟ / أم أنت يا هذا خيال خدين؟
فأجابني مترفّقا متحبّبا / فسمعت صوت أب أبرّ حنون
يا شاعري قل للألى هجروني / أنا ما نسيتكم فلا تنسوني
ما بالكم طوّلتم حبل النوى / يا ليت هذا الحبل غير متين
قد طفتم الدنيا فهل شاهدتم / جبلا عليه مهابني وسكوني؟
أوردتم كمناهلي ؟ أنشقتم / كأزاهري في الحسن والتلوين؟
ولقد تظلّلتم بأشجار فهل / رفّت غصون فوقكم كغصوني؟
وسمعتم شتّى الطيور صوادحا / أسمعتم أشجى من الحسّون؟
هل أنبتت كالأرز غيري بقعة / في مجده وجلاله الميمون؟
أرأيتم في ما رأيتم فتنة / كالبدر حين يطلّ من صنّين؟
أو كالغزالة وهي تنقض تبرها / عند الغيب على ذرى حرمون؟
مرّت قرون وانطوت وكأنني / لمحاسني كوّنت منذ سنين
أبليتها وبقيت إلاّ أنّني / للشوق كاد غيابكم يبليني
لبنان! لا تعذل بنيك إذا هم / ركبوا إلى العلياء كلّ سقين
لم يهجروك ملالة لكنّهم / خلقوا لصيد اللؤلوّ المكنون
ورثوا اقتحام البحر عن فينقيا / أمّ الثقافة مصدر التمدين
لّما ولدتهم نسورا حلّقوا / لا يقنعون من العلى بالدون
والنسر لا يرضى السجون وإن تكن / ذهبا فكيف محاسن من طين؟
ألأرض للحشرات تزحف فوقها / والجوّ البازي وللشاهين
فأجابني والدمع ملء جفونه / كم ذا تسلّيني ولا تسليني؟
أنا كالعرين اليوم غاب أسوده / وتفرّقوا عنه لكلّ عرين
ألأرمنّي على سفوحي والربى / يبني الحصون لنفسه بحصوني
وبنو يهوذا ينصبون خيامهم / في ظلّ أوديتي وفوق حزوني
وبنّي عنّي غافلون كأنّني / قد صرت في الأشياء غير ثمين
أنتم ديون لي على آميركا / ومن المروءة أن تردّ ديوني
أو ليس من سخر القضاء وهزته / أن يأخذ المثرى من المسكين؟
عودوا فإنّ المال لا يغنيكم / عنّي ولا هو عنكم يغنيي
...فشجيت مّما قاله لكنّني / لّما رأيتكم نسيت شجوني
لبنان فيكم ماثل إن كنتم / في مصر أو في الهند أو في الصين
إن بنتم عنه فما زال الهوى / يدنيكم منه كما يدنيني
وحراككم لعلائه وسكونكم / وإلى ثراه حنينكم وحنيني
لو أمست الدنيا لغيري كلّها / ورباه لي ما كنت بالمغبون
أنا في حمالكم طائر مترنّم / بين الأقاح الغضّ والنسرين
أنتم بنو وطني وأنتم إخوتي / وأنا امرؤ دين المحبّة ديني
سألتني و قد رجعت إليها
سألتني و قد رجعت إليها / و على مفرقي غبار السنينا :
أيّ شيء وجدت في الأرض بعدي ؟ / قلت : إنّي وجدت ماء و طينا
جمع الحسن و الدمامة و الإق / دام و الخوف و النهى و الجنونا
و الرجاء الذي يصير به الفد / فد روضا و شوكه نسرينا
و القنوط الذي يعرّي من الأو / راق في نشوة الربيع الغصونا
ووجدت الهوى كما كان قدما / ثقة تارة و طورا ظنونا
و شبابا سكران من خمرة الوهم / يخال المحال أمرا يقينا
فإذا شاخت الرؤى و تلاشت / وصحا بات جزمه تخمينا
لا يزال الإيمان نوعا من / الرّهبة و الحسن للغرور خدينا
لا يزال الغنيّ يختال في الأر / ض و إن كان جاهلا مأفونا
كلّ من قد لقيت مثلك يا نف / سي في ما تبدين أو تخفينا
فانظري مرّة إليك مليّا / تبصري الأوّلين و الآخرينا
لا تبغض ((الرّوس)) لكن لا تحبّهم
لا تبغض ((الرّوس)) لكن لا تحبّهم / فحربنا حرب أقران لأقران
ولا ((الفرنسيس)) ما هم بالعداة لنا / لكنّهم غير أصحاب وإخوان
إنّا نبادلهم والنّع منسدل / لكنّهم بطعن ونيرانا بنيران
وذي بيارقنا في ((الفوج)) خافقة / وجيشنا ظافر في كلّ ميدان
قلوبنا ليس فيها غير موجدة / ذو الشّيب فيها وفحم الشّعز سيّان
نهوى ونحن جموع لا عداد لها / كواحد وكذا نقلى كإنسان
عدوّنا واحدº الكلّ يعرفه / ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
تردّنا عنه أمواج يلوذ بها / سميكة كالنّجيع اليابس القاني
أرى به وهو في الطّوفان مختبىء / طوفان غيظ توارى خلف طوفان
قد أصبح الماء يحميه ويمنعه / الويل للماء منّا إنّه جان
قفوا أمام القضاء العدل كلكم / وليحلفنّ يمينا كل ألماني
غليظة كالحديد الصّلب صارمة / كالموت تبقّى لأزهار وأزان
أن نبغض البغض لا تبلى مرائره / ولا يقاس ولا يحصى بميزان
وان نردّده في كلّ ناحية / وأن نكرّره تكرير ألحان
وأن نعلّم منّا كلّ ذي كبد / أن يبغض القوم في سرّ وإعلان
بغضا إلى نسلينا بالإرث منتقلا / إلى بنيهم ومن جيل إلى ثاني
عدوّنا واحد الكلّ يعرفه / ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
ألا اسمعوا أيّها الألمان واعتبروا / فأنتم أهللا ألباب وأذهان
... في حقل جلس الوّاد كلّم / كمحكم العقد أو مرصوص بنيان
وقام واحدهم والكأس في يده / كأنّها قبس أو عين غضبان
فقال: يا قوم ((هذا سرّ يومكم)) / ألا اشربوا º إنّ اليوم سرّان
مقالة فعلت في الجمع فعلتها / فأصبحوا وكأنّ الواحد اثنان
ما ضربة السّيف من ذي مرّة بطل / ومستطير اللّظى من قلب صوّان
ولا السّفينة في التّيار جارية / ولا الشهاب هوى في إثر شيطان
أمضى وأنفذ منها وهي خارجة / من فيه كالسّهم من أحشاء مرتان
فضاء من كان في الكأس التي ارتفعت / ومن يريد ويعني القائل العاني؟
بني بريطانيا نادوا جموعكم / واستصرخوا الخلق من إنس ومن جان
وابنوا المعاقل والأسوار من ذهب / واستأجروا الجند من بيض وعبادن
مروا أساطيلكم في البحر ترصدنا / وترصد البحر من موج وحيتان
تاللّه لا ذي ولا هذي تردّ يدا / إذا رمت دكت البنيان والباني
لا نبغض الرّوس لكن لا نحبّهم / فحربنا حرب أقران لأقران
ولا الفرنسيس ما هم بالعداة لنا / لكنّهم غير أصحاب وإخوان
إنّا نبادلهم والنّقع منسدل / طعنا بطعن ونيرانا بنيران
نأتي ويأتون والهيجاء قائمة / بكل ماض وفتّاك وطعّان
لكنّما في غد يرخي السّلام على / هذي الوغى وعليهم سترنسيان
ويمّحي كلّ بغض غير بغضكم / فإنّه آمن من كلّ نقصان
حقد القلوب عليكم لا يزول وإن / زلتم وزلنا وزال العالم الفاني
في الأرض بغضكم والماء مثلهما / والبغض في الحرّ مثل البغض في العاني
الكوخ يبغضكم والقصر يبغضكم / وكلّ ذي مهجة منّا ووجدان
نهوى ونحن جموع لا عداد لها / كواحد وكذا نقلى كإنسان
عدوّنا واحدٌ والكلّ يعرفه / ذاك الحسود الخبيث الماكر الشّاني
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني
طوى بعض نفسي إذ طواك الثّرى عني / وذا بعضها الثاني يفيض به جفني
أبي خانني فيك الرّدى فتقوضت / مقاصير أحلامي كبيت من التّبن
وكانت رياضي حاليات ضواحكا / فأقوت وعفّى زهرها الجزع المضني
وكانت دناني بالسرور مليئة / فطاحت يد عمياء بالخمر والدّنّ
فليس سوى طعم المنّية في فمي / وليس سوى صوت النوادب في أذني
ولا حسن في ناظريَّ وقلّما / فتحتهما من قبل إلاّ على حسن
وما صور الأشياء بعدك غيرها / ولكنّما قد شوّهتها يد الحزن
على منكبي تبر الضحى وعقيقه / وقلبي في نار وعيناي في دجن
أبحت الأسى دمعي وأنهبته دمي / وكنت أعدّ الحزن ضربا من الجبن
فمستنكر كيف استحالت بشاشتي / كمستنكر في عاصف رعشة الغصن
يقول المعزّي ليس يجدي البكا الفتى / وقول المعزّي لا يفيد ولا يغني
شخصت بروحي حائرا متطلعا / إلى ما وراء البحر أدنو وأستدني
كذات جناح أدرك السيل عشّها / فطارت على روع تحوم على الوكن
فواها لو اني كنت في القوم عندما / نظرت إلى العوّاد تسألهم عنّي
ويا ليتما الأرض انطوى لي بساطها / فكنت مع الباكين في ساعة الدفن
لعلّي أفي تلك الأبوّة حقّها / وإن كان لا يوفى بكيل ولا وزن
فأعظم مجدي كان أنك لي أب / وأكبر فخري كان قولك: ذا إبني
أقول : لو انّي كي أبرّد لوعتي / فيزداد شجوي كلّما قلت : لو أني
أحتّى وداع الأهل يحرمه الفتى / أيا دهر هذا منتهى الحيف والغبن
أبي! وإذا ما قلتها فكأنني / أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني
لمن يلجأ المكروب بعدك في الحمى / فيرجع ريّان المنى ضاحك السنّ؟
خلعت الصبا في حومة المجد ناصعا / ونزّه فيك الشيب عن لوثة الأفن
فذهن كنجم الصّيف في أول الدجى / ورأى كحدّ السّيف أو ذلك الذهن
وكنت ترى الدنيا بغير بشاشة / كأرض بلا ماء وصوت بلا لحن
فما بك من ضرّ لنفسك وحدها / وضحكك والإيناس للجار والخدن
جريء على الباغي عيوف عن الخنا / سريع إلى الداعي كريم بلا منّ
وكنت إذا حدّثت حدّث شاعر / لبيب دقيق الفهم والذوق والفنّ
فما استشعر المصغي إليك ملالة / ولا قلت إلاّ قال من طرب : زدني
برغمك فارقت الربوع وإنّنا / على الرغم منّا سوف نلحق بالظعن
طريق مشى فيها الملايين قبلنا / من المليك السامي إلى عبده القنّ
نظنّ لنا الدنيا وما في رحابها / وليست لنا إلاّ كما البحر للسفن
تروح وتغدو حرّة في عبابه / كما يتهادى ساكن السجن في السجن
وزنت بسرّ الموت فلسفة الورى / فشالت وكانت جعجعات بلا طحن
فأصدق أهل الأرض معرفةً به / كأكثرهم جهلا يرجم بالظّنّ
فذا مثل هذا حائر اللبّ عنده / وذاك كهذا ليس منه على أمن
فيا لك سفرا لم يزل جدّ غامض / على كثرة التفصيل في الشّرح والمتن
أيا رمز لبنان جلالا وهيبة / وحصن الوفاء الحصن في ذلك الحصن
ضريحك مهما يستسرّ وبلدة / أقمت بها تبني المحامد ما تبني
أحبّ من الأبراج طالت قبابها / وأجمل في عينيّ من أجمل المدن
على ذلك القبر السلام فذكره / أريج به نفسي عن العطر تستغني
ما طائر كان في بيداء موحشة
ما طائر كان في بيداء موحشة / فساقه قدر نحو البساتين
فبات تسعده فيها بلابلها / حينا ويسعدها بعض الأحايين
مني بأسعد حظا مذ نزلت بكم / يا معشر السادة الغرّ الميامين
فررت من برد كانون فقابلني / في أرضكم بالأقاحي شهر كانون
أنسام ((أيار)) تسري في أصائلها / وفي عشياتها أنفاس ((تشرين))
توزّع السحر شطرا في مغارسها / ولآخر في لحاظ الخرّد العين
كلّ الشتاء ربيع في شواطئها / وكلّ أيامها عيد الشعانين
لكن ميامي وإن جلّت مفاتنها / لولا وجودكم ليست لتغريني
إني لأشهد دنيا من عواطفكم / أحبّ عندي من دنيا الرياحين
وكلما سمعت نجواكم أذني / ظننت أني في دنيا تلاحين
لأنتم النور لي والنور منطمس / وأنتم الماء إذ لا ماء يرويني
أحيبتكم حبّ إنسان لإخوته / إذ ليس بينكم فوقي ولا دوني
إن كان فيكم قوي لا يقاهرني / أو كان فيكم ضعيف لا يداجيني
قل لامرىء مثل قارون بثروته / إني امرؤ بصحابي فوق قارون
من يكتسب صاحبا تبق مودته / فهو الغنّي به لا ذو الملايين
فاختر صحابك وانظر في اختارهم / إلى الطبائع قبل اللون والدين
ليس الوداد الذي يبق إلى أبد / مثل الوداد الذي يبقى إلى حين
والمرء في هذه الدنيا عواطفه / إن تندرس فهو بيت غير مسكون
لوفاتني كلّ ما في الأرض من ذهب / ولم تفتني فإني غير مغبون
لو القوافي تؤاتيني شكرتكم / كما أريد ولكن لا تؤاتيني
لا يمدح الورد إنسان يقول له / يا ورد إنك ذو عطر وتلوين
فاستنطقوا القلب عني فهو يخبركم / فالحبّ والقلب مكنون بمكنون
لولا المحبة صار الكون أجمعه / طوبى الأفاعي وفردوس السراحين
إني سأحفظ في قلبي جميلكم / وسوف أذكره في العسر واللين
عندما أبدع هذا
عندما أبدع هذا / الكون ربّ العالمينا
و رأى كلّ الذي / فيه جميلا و ثمينا
خلق الشاعر / كي يخلق للناس عيونا
تبصر الحسن / و تهواه حراكا و سكونا
وزمانا و مكانا / و شخوصا و شؤونا
فارتقى الخلق / و كانوا قبله لا يرتقونا
واستمر الحسن في / الدنيا و دام الحبّ فينا
إنّه روح كريم لبس / الطين المهينا
و نبيّ بهر الخلق / و ما أعلن دينا
يلمح النّجم خفيّا / و يرى العطر دفينا
و يرينا الطّهر حتّى / في النّجاة الآثمينا
و يحسّ الفرح الأسمى / جريحا أو طعينا
كلّما شاعت دماه / أملا في البائسينا
من سواه فيه / وقار الناسكينا
من سواه عابد / فيه جنون الثائرينا
من سواه عانق / الله يقينا لا ظنونا
من ترى إلاّه يحيا / نغمات و لحونا
من ترى إلاّه يفني ذاته / في الآخرينا
لو أبى الله علينا / و هليه أن يكونا
عادت الأرض و هادا / شاحبات و حزونا
ترتدي الوحشة و الهول / ضبابا و دجونا
و أقاحيها هشيما / لا أريجا و فتونا
و سواقيها سرابا / هازئا بالظامئينا
و شواديها دمى / خرساء تؤذي الناظرينا
و استفاق الجدول الحالم / غيظا و جنونا
و استوى النهر على / وجه الثرى جرحا ثخينا
وانطوت دنيا الرؤى فيها / و مات الحالمونا
أي و ربّي لو مضى / الشاعر عنّا لشقينا
و لعشنا بعده في / غصص لا ينتهينا
ولأمسى الله مثل / الناس مغموما حزينا !
زعموا ولّى و لن يرجع / ويح الجاهلينا
لم يمت من كان لله / خليلا و خدينا
عاش حينا و سيحيى / بعدما غاب قرونا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025