القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : حافِظ إِبراهِيم الكل
المجموع : 39
حالَ بَينَ الجَفنِ وَالوَسَنِ
حالَ بَينَ الجَفنِ وَالوَسَنِ / حائِلٌ لَو شِئتَ لَم يَكُنِ
أَنا وَالأَيّامُ تَقذِفُ بي / بَينَ مُشتاقٍ وَمُفتَتِنِ
لي فُؤادٌ فيكَ تُنكِرُهُ / أَضلُعي مِن شِدَّةِ الوَهَنِ
وَزَفيرٌ لَو عَلِمتَ بِهِ / خِلتَ نارَ الفُرسِ في بَدَني
يا لَقَومي إِنَّني رَجُلٌ / حِرتُ في أَمري وَفي زَمَني
أَجَفاءً أَشتَكي وَشَقاً / إِنَّ هَذا مُنتَهى المِحَنِ
يا هُماماً في الزَمانِ لَهُ / هِمَّةٌ دَقَّت عَنِ الفِطَنِ
وَفَتىً لَو حَلَّ خاطِرُهُ / في لَيالي الدَهرِ لَم تَخُنِ
يا أَميرَ الحَجِّ أَنتَ لَهُ / خَيرُ واقٍ خَيرُ مُؤتَمَنِ
هَزَّكَ البَيتُ الحَرامُ لَهُ / هِزَّةَ المُشتاقِ لِلوَطَنِ
فَرِحَت أَرضُ الحِجازِ بِكُم / فَرحَها بِالهاطِلِ الهَتِنِ
وَسَرَت بُشرى القُدومِ لَهُم / بِكَ مِن مِصرٍ إِلى عَدَنِ
طُف بِالأَريكَةِ ذاتِ العِزِّ وَالشانِ
طُف بِالأَريكَةِ ذاتِ العِزِّ وَالشانِ / وَاِقضِ المَناسِكِ عَن قاصٍ وَعَن داني
يا عيدُ لَيتَ الَّذي أَولاكَ نِعمَتَهُ / بِقُربِ صاحِبِ مِصرٍ كانَ أَولاني
صُغتُ القَريضَ فَما غادَرتُ لُؤلُؤَةً / في تاجِ كِسرى وَلا في عِقدِ بورانِ
أَغرَيتُ بِالغَوصِ أَقلامي فَما تَرَكَت / في لُجَّةِ البَحرِ مِن دُرٍّ وَمَرجانِ
شَكا عُمانُ وَضَجَّ الغائِصونَ بِهِ / عَلى اللَآلي وَضَجَّ الحاسِدُ الشاني
كَم رامَ شَأوي فَلَم يُدرِك سِوى صَدَفٍ / سامَحتُ فيهِ لِنَظّامٍ وَوَزّانِ
عابوا سُكوتي وَلَولاهُ لَما نَطَقوا / وَلا جَرَت خَيلُهُم شَوطاً بِمَيدانِ
وَاليَومَ أُنشِدُهُم شِعراً يُعيدُ لَهُم / عَهدَ النَواسِيِّ أَو أَيّامَ حَسّانِ
أَزُفُّ فيهِ إِلى العَبّاسِ غانِيَةً / عَفيفَةَ الخِدرِ مِن آياتِ عَدنانِ
مِنَ الأَوانِسِ حَلّاها يَراعُ فَتىً / صافي القَريحَةِ صاحٍ غَيرِ نَشوانِ
ما ضاقَ أَصغَرُهُ عَن مَدحِ سَيِّدِهِ / وَلا اِستَعانَ بِمَدحِ الراحِ وَالبانِ
وَلا اِستَهَلَّ بِذِكرِ الغيدِ مِدحَتَهُ / في مَوطِنٍ بِجَلالِ المُلكِ رَيّانِ
أَغلَيتَ بِالعَدلِ مُلكاً أَنتَ حارِسُهُ / فَأَصبَحَت أَرضُهُ تُشرى بِميزانِ
جَرى بِها الخِصبُ حَتّى أَنبَتَت ذَهَباً / فَلَيتَ لي في ثَراهَ نِصفَ فَدّانِ
نَظَرتَ لِلنيلِ فَاِهتَزَّت جَوانِبُهُ / وَفاضَ بِالخَيرِ في سَهلٍ وَوِديانِ
يَجري عَلى قَدَرٍ في كُلِّ مُنحَدَرٍ / لَم يَجفُ أَرضاً وَلَم يَعمِد لِطُغيانِ
كَأَنَّهُ وَرِجالُ الرِيِّ تَحرُسُهُ / مُمَلَّكٌ سارَ في جُندٍ وَأَعوانِ
قَد كانَ يَشكو ضَياعاً مُذ جَرى طَلُقاً / حَتّى أَقَمتَ لَهُ خَزّانَ أَسوانِ
كَم مِن يَدٍ لَكَ في القُطرَينِ صالِحَةٍ / فاضَت عَلَينا بِجودٍ مِنكَ هَتّانِ
رَدَدتَ ما سَلَبَت أَيدي الزَمانِ لَنا / وَما تَقَلَّصَ مِن ظِلٍّ وَسُلطانِ
وَما قَعَدتَ عَنِ السودانِ إِذ قَعَدوا / لَكِن أَمَرتَ فَلَبّى الأَمرَ جَيشانِ
هَذا مِنَ الغَربِ قَد سالَت مَراكِبُهُ / وَذا مِنَ الشَرقِ قَد أَوفى بِطوفانِ
وَلّاكَ رَبُّكَ مُلكاً في رِعايَتِهِ / وَمَدَّهُ لَكَ في خِصبٍ وَعُمرانِ
مِن كُردُفانَ إِلى مِصرٍ إِلى جَبَلٍ / عَلَيهِ كَلَّمَهُ موسى بنُ عِمرانِ
فَكُن بِمُلكِكَ بَنّاءَ الرِجالِ وَلا / تَجعَل بِناءَكَ إِلّا كُلَّ مِعوانِ
وَاُنظُر إِلى أُمَّةٍ لَولاكَ ما طَلَبَت / حَقّاً وَلا شَعَرَت حُبّاً لِأَوطانِ
لاذَت بِسُدَّتِكَ العَلياءِ وَاِعتَصَمَت / وَأَخلَصَت لَكَ في سِرٍّ وَإِعلانِ
حَسبُ الأَريكَةِ أَنَّ اللَهَ شَرَّفَها / فَأَصبَحَت بِكَ تَسمو فَوقَ كيوانِ
تاهَت بِعَهدِ مَليكٍ فَوقَ مَفرِقِهِ / لِمُلكِ مِصرٍ وَلِلسودانِ تاجانِ
هَذا هُوَ المُلكُ فَليَهنَئ مُمَلَّكُهُ / وَذا هُوَ الشِعرُ فَلتُنشِدهُ أَزماني
أَثنى الحَجيجُ عَلَيكَ وَالحَرَمانِ
أَثنى الحَجيجُ عَلَيكَ وَالحَرَمانِ / وَأَجَلَّ عيدَ جُلوسِكَ الثَقَلانِ
أَرضَيتَ رَبَّكَ إِذ جَعَلتَ طَريقَهُ / أَمناً وَفُزتَ بِنِعمَةِ الرِضوانِ
وَجَمَعتَ بِالدُستورِ حَولَكَ أُمَّةً / شَتّى المَذاهِبِ جَمَّةَ الأَضغانِ
فَغَدَوتَ تَسكُنُ في القُلوبِ وَتَرتَعي / حَبّاتِها وَتَحُلُّ في الوِجدانِ
راعَيتَهُم حَتّى عَلِمتَ بِأَنَّهُم / بَلَغوا أَشُدَّهُمُ عَلى الأَزمانِ
فَجَعَلتَ أَمرَ الناسِ شورى بَينَهُم / وَأَقَمتَ شَرعَ الواحِدِ الدَيّانِ
لَو أَنَّهُم وَزَنوا الجُيوشَ بِمَشهَدٍ / رَجَحَت بِجَيشِكَ كِفَّةُ الميزانِ
لَو شاءَ زَلزَلَها عَلى أَعدائِهِ / أَو شاءَ أَذهَلَها عَنِ الدَوَرانِ
يَمشونَ في حَلَقِ الحَديدِ إِلى العِدا / وَكَأَنَّهُم سَدٌّ مِنَ الإِنسانِ
وَكَأَنَّ مَقدَمَهُم إِذا لَمَعَ الضُحى / سَيلٌ مِنَ الهِندِيِّ وَالمُرّانِ
يَتَواقَعونَ عَلى الرَدى وَصُفوفُهُم / رَغمَ الوُثوبِ كَثابِتِ البُنيانِ
فَإِذا المَدافِعُ في النِزالِ تَجاوَبَت / بِزَئيرِها وَتَلاحَمَ الجَيشانِ
وَإِذا القَنابِلُ دَمدَمَت وَتَفَجَّرَت / تَحتَ الغُبارِ تَفَجُّرَ البُركانِ
وَإِذا البَنادِقُ أَرسَلَت نيرانَها / طُلُقاً وَأَسبابُ الهَلاكِ دَواني
أَبصَرتَ جِنّاً في مَسالِخِ فِتيَةٍ / وَشَهِدتَ أَفئِدَةً مِنَ الصُوّانِ
مُرهُم يَخوضوا الزاخِراتِ وَيَنسِفوا / شُمَّ الجِبالِ بِقُوَّةِ الإيمانِ
ثَلِجَت صُدورُهُمُ وَقَرَّ قَرارُهُم / لَمّا حَلَفتَ بِأَوثَقِ الأَيمانِ
تَاللَهِ ما شَكّوا بِصِدقِكَ دونَها / هُم يَعرِفونَ شَمائِلَ السُلطانِ
لَكِنَّهُم دَرَجوا عَلى سَنَنٍ بِهِ / لِوِقايَةِ الدُستورِ خَيرُ ضَمانِ
ياأَيُّها الشَعبُ الكَريمُ تَماسَكوا / وَخُذوا أُمورَكُمُ بِغَيرِ تَواني
ما لي أُذَكِّرُكُم وَتِلكَ رُبوعُكُم / مَرعى النُهى وَمَنابِتُ الشُجعانِ
أَدرَكتُمُ الدُستورَ غَيرَ مُلَوَّثٍ / بِدَمٍ وَلا مُتَلَطِّخاً بِهَوانِ
وَفَعَلتُمُ فِعلَ الرِجالِ وَكُنتُمُ / يَومَ الفَخارِ كَأُمَّةِ اليابانِ
فَتَفَيَّئوا ظِلَّ الهِلالِ فَإِنَّهُ / جَمُّ المَبَرَّةِ واسِعُ الإِحسانِ
يَرعى لِموسى وَالمَسيحِ وَأَحمَدٍ / حَقَّ الوَلاءِ وَحُرمَةَ الأَديانِ
فَخُذوا المَواثِقَ وَالعُهودَ عَلى هُدى ال / تَوراةِ وَالإِنجيلِ وَالفُرقانِ
وَتَذَوَّقوا مَعنى الحَياةِ فَإِنَّها / في مِصرَ أَلفاظٌ بِغَيرِ مَعاني
وَدَعوا التَقاطُعَ في المَذاهِبِ بَينَكُم / إِنَّ التَقاطُعَ آيَةُ الخِذلانِ
وَتَسابَقوا لِلباقِياتِ وَأَظهِروا / لِلعالَمينَ دَفائِنَ الأَذهانِ
وَلّى زَمانُ المُعتَدينَ كَما اِنطَوَت / حِيَلُ الشُيوخِ وَإِمرَةُ الخِصيانِ
لا الشَكُّ يَذهَبُ بِاليَقينِ وَلا الرُؤى / تُجدي المُسيءَ وَلا رُقى الشَيطانِ
وُضِعَ الكِتابُ وَسيقَ جَمعُهُمُ إِلى / يَومِ الحِسابِ وَمَوقِفِ الإِذعانِ
وَتَوَسَّموهُم في القُيودِ فَقائِلٌ / هَذا فُلانٌ قَد وَشى بِفُلانِ
وَمُلَبِّبٌ لِغَريمِهِ وَمُطالِبٌ / بِدَمٍ أُريقَ بِمَسبَحِ الحيتانِ
قَد جاءَ يَومُهُمُ هُنا وَأَمامَهُم / بَعدَ النُشورِ هُناكَ يَومٌ ثاني
سُبحانَ مَن دانَ القَضاءُ بِأَمرِهِ / لِيَدِ الضَعيفِ مِنَ القَوِيِّ الجاني
يا يَومَ عادَ النازِحونَ لِأَرضِهِم / يَتَسابَقونَ لِرُؤيَةِ الأَوطانِ
لِلَّهِ كَم أَطفَأتَ مِن نارٍ ذَكَت / دَهراً وَكَم هَدَّأتَ مِن أَشجانِ
هَذا يَطيرُ إِلى فَروقَ وَمَن بِها / شَوقاً وَذاكَ إِلى رُبى لُبنانِ
خَلَعوا الشَبابَ عَلى البَشيرِ وَأَخلَقوا / بِاللَثمِ عَهدَ خَليفَةِ الرَحمَنِ
وَتَعانَقوا بَعدَ النَوى كَخَمائِلٍ / يَحلو بِهِنَّ تَعانُقُ الأَغصانِ
فَتَرى النِساءَ مَعَ الرِجالِ سَوافِراً / لا يَتَّقينَ عَوادِيَ الأَجفانِ
عَجَباً لَهُنَّ وَقَد خُلِقنَ أَوانِساً / يَبرُزنَ في فَرَحٍ وَفي أَحزانِ
أَهلاً بِحاسِرَةِ اللِثامِ وَمَن إِذا / سَفَرَت عَنّا لِجَمالِها القَمَرانِ
خَطَرَت فَعَطَّرَتِ المَشارِقَ عِندَما / هَبَّت نَسائِمُها مِنَ البَلقانِ
يا لَيتَها خَطَرَت بِمِصرَ وَأَشرَقَت / في يَومِ أَسعُدِها عَلى طَهرانِ
أَضناهُما شَوقٌ قَدِ اِبيَضَّت لَهُ / كَبِداهُما وَتَصَدَّعَ القَلبانِ
عَرَفَ الوَرى ميقاتَها فَتَرَقَّبوا / تَمّوزَ مِثلَ تَرَقُّبِ الظَمآنِ
شَهرٌ بِهِ بُعِثَ الرَجاءُ وَأُنشِرَت / أُمَمٌ وَبُدِّلَ خَوفُها بِأَمانِ
فَلَهُ عَلى الدُنيا الجَديدَةِ نِعمَةٌ / يَشدو بِذِكرِ صَنيعِها الفَتَيانِ
وَعَلى فَرَنسيسِ الحَضارَةِ مِنَّةٌ / تُتلى أَناشيدٌ لَها وَأَغاني
تَمّوزُ أَنتَ أَبو الشُهورِ جَلالَةً / تَمّوزٌ أَنتَ مُنى الأَسيرِ العاني
هَلّا جَعَلتَ لَنا نَصيباً عَلَّنا / نَجري مَعَ الأَحياءِ في مَيدانِ
أَيَعودُ مِنكَ الآمِلونَ بِما رَجَوا / وَنَعودُ نَحنُ بِذَلِكَ الحِرمانِ
تَمّوزُ إِنَّ بِنا إِلَيكَ لَحاجَةً / فَمَتى الأَوانُ وَأَنتَ خَيرُ أَوانِ
مِنّي عَلى دارِ السَلامِ تَحِيَّةٌ / وَعَلى الخَليفَةِ مِن بَني عُثمانِ
وَعَلى رِجالِ الجَيشِ مِن ماشٍ بِهِ / أَو راكِبٍ أَو نازِحٍ أَو داني
وَعَلى الأُلى سَكَنوا إِلى الحُسنى سِوى / ذاكَ الَّذي يَدعو إِلى العِصيانِ
والي الحِجازِ الخارِجِيِّ وَما بِهِ / إِلّا اِقتِناصُ الأَصفَرِ الرَنّانِ
ما لِلشَريفِ المُنتَمي حَسَباً إِلى / خَيرِ البَرِيَّةِ مِن بَني عَدنانِ
أَمسى يُمالِئُهُ وَيَنصُرُ غَيَّهُ / وَضَلالَهُ بِحُثالَةِ العُربانِ
تَاللَهِ لَو جَنَّدتُما رَملَ النَقا / وَنَزَلتُما بِمَواطِنِ العِقبانِ
وَغَرَستُما أَرضَ الحِجازِ أَسِنَّةً / وَأَسَلتُما بَحراً مِنَ النيرانِ
وَأَقَمتُما فيها المَعاقِلَ مَنعَةً / مِن أَرضِ نَجدٍ إِلى خَليجِ عُمانِ
لَدَهاكُما وَرَماكُما وَذَراكُما / ماحي الحُصونِ وَماسِحُ البُلدانِ
إِن تَأتِيا طَوعاً وَإِلّا فَأتِيا / كَرهاً بِلا حَولٍ وَلا سُلطانِ
وَإِلَيكَ يا فَرعَ الخَلائِفِ مِدحَةً / عَزَّت شَوارِدُها عَلى حَسّانِ
مِن شاعِرٍ تَثِبُ النُهى لِقَريضِهِ / وَثبَ النُفوسِ لِرَنَّةِ العيدانِ
يُهدي المَديحَ إِلى المَليكِ سَبائِكاً / تَعنو لَهُنَّ سَبائِكُ العِقيانِ
إِنَّ المُلوكَ إِذا اِستَوَت أَلبَستُها / بِالمَدحِ تيجاناً عَلى تيجانِ
يا صاحِبَ الرَوضَةِ الغَنّاءِ هِجتَ بِنا
يا صاحِبَ الرَوضَةِ الغَنّاءِ هِجتَ بِنا / كُرى الأَوائِلِ مِن أَهلٍ وَجيرانِ
نَشَرتَ فَضلَ كِرامٍ في مَضاجِعِهِم / جَرَّ الزَمانُ عَلَيهِم ذَيلَ نِسيانِ
إِنّي أُحَيِّيكَ عَنهُم في جَزيرَتِهِم / وَفي العِراقِ وَفي مِصرٍ وَلُبنانِ
جَلَوتَ لِلغَربِ حُسنَ الشَرقِ في حُلَلٍ / لا يُستَهانُ بِها نَسّاجَ هِرناني
ظَنّوكَ مِنهُم وَقَد أَنشَأتَ تَخطُبُهُم / بِما عَنا لَكَ مِن سِحرٍ وَتِبيانِ
ما زِلتَ تَبهَرُنا طَوراً وَتَبهَرُهُم / حَتّى اِدَّعاكَ وَحَيّاكَ الفَريقانِ
لَولا اِسمِرارُكَ فازوا في اِدِّعائِهِمُ / بِواصِفٍ وَخَسِرنا أَيَّ خُسرانِ
غَرَستَ مِن زَهَراتِ الشَرقِ طائِفَةٍ / في أَرضِ هيجو فَجاءَت طُرفَةَ الجاني
حَديقَةً لَكَ لَم نَعهَد لَها شَبَهاً / بَينَ الحَدائِقِ في زَهرٍ وَأَفنانِ
يُحيي شَذاها نُفوسَ الوافِدينَ وَما / مَرّوا بِوَردٍ وَلا طافوا بِرَيحانِ
لَكِنَّها مِن أَزاهيرِ النُهى جَمَعَت / ما لا تُنافِحُهُ أَزهارُ بُستانِ
بِالأَمسِ كانَ لَها شَرقٌ تَضوعُ بِهِ / وَاليَومَ صارَ لَها بِالغَربِ شَرقانِ
أَسمَعتَهُم مِن نَسيبِ القَومِ فَاِنطَلَقَت / شُؤونُ كُلِّ شَجِيِّ القَلبِ وَلهانِ
وَزِدتَهُم مِن كَلامِ البُحتُري قِطَعاً / مِثلَ الرِياضِ كَسَتها كَفُّ نَيسانِ
سَل أَلفَريدَ وَلامَرتينَ هَل جَرَيا / مَعَ الوَليدِ أَوِ الطائي بِمَيدانِ
وَهَل هُما في سَماءِ الشِعرِ قَد بَلَغا / شَأوَ النَواسِيِّ في صَوغٍ وَإِتقانِ
وَدّا وَقَد شَهِدا بِالحَقِّ أَنَّهُما / في بَيتِ أَحمَدَ لَو يَرضى نَديمانِ
أَمسى كِتابُكَ كَالسيما يُعيدُ لَهُم / مَرأى الحَوادِثِ مَرَّت مُنذُ أَزمانِ
قَد شاهَدا فيهِ تَحتَ النَقعِ عَنتَرَةً / يُصارِعُ المَوتَ عَن عَبسٍ وَذُبيانِ
وَشاهَدوا أَسَداً يَمشي إِلى أَسَدٍ / كِلاهُما غَيرُ هَيّابٍ وَلا واني
هَذا مِنَ العُربِ لا يُلوي بِهِ فَزَعٌ / وَذاكَ أَروَعُ مِن آسادِ خَفّانِ
لِلَّهِ دَرُّ يَراعٍ أَنتَ حامِلُهُ / لَو كانَ في أَنمُلي يَوماً لَأَغناني
وَقَفتَ تَدفَعُ عَن آدابِنا تُهَماً / كادَت تُقَوِّضُ مِنها كُلَّ بُنيانِ
فَكُنتَ أَوَّلَ مِصرِيٍّ أَقامَ لَهُم / عَلى نَبالَةِ مِصرٍ أَلفَ بُرهانِ
ما زِلتَ تُلقي عَلى أَسماعِهِم حُجَجاً / في كُلِّ نادٍ وَتَأتيهِم بِسُلطانِ
حَتّى اِنثَنَيتَ وَما لِلعُربِ مُجتَرِئٌ / عَلى البِناءِ وَلا زارٍ عَلى الباني
مَحَوتَ ما كَتَبوا عَنّا بِقاطِعَةٍ / مِنَ البَراهينِ فَلَّت قَولَ رينانِ
أَنحى عَلى الأَدَبِ الشَرقِيِّ مُفتَرِياً / عَلَيهِ ما شاءَ مِن زورٍ وَبُهتانِ
ظَنَّ الحَقيقَةَ في الأَشعارِ تَنقُصُنا / وَاللَفظَ وَالقَصدَ وَالتَصويرَ في آنِ
وَأَنَّنا لَم نَصِل فيها إِلى مِئَةٍ / عَدّاً وَذاكَ لِعَيٍّ أَو لِنُقصانِ
وَلَو رَأى اِبنَ جُرَيجٍ في قَصائِدِهِ / لَقالَ آمَنتُ في سِرّي وَإِعلاني
مالي أُفاخِرُ بِالمَوتى وَبَينَ يَدي / مِن شِعرِ أَحيائِنا ما لَيسَ بِالفاني
في شِعرِ شَوقي وَصَبري ما نَتيهُ بِهِ / عَلى نَوابِغِهِم دَع شِعرَ مُطرانِ
بورِكتَ يا اِبنَ الوَزيرِ الحُرِّ مِن رَجُلٍ / لَم يَختَلِف فيهِ أَو في فَصلِهِ اِثنانِ
بَلِّغ إِذا جِئتَ باريزاً أَفاضِلَها / عَنّا التَحِيّاتِ وَاِشفَعها بِشُكرانِ
وَخُصَّ كاتِبَهُم زولا بِأَطيَبِها / كَيما يُقابَلُ إِحسانٌ بِإِحسانِ
وَاِجعَل لِسِفرِكَ ذَيلاً في شَواعِرِنا / وَقِف لَهُنَّ هُناكَ المَوقِفَ الثاني
وَاِنثُر عَلى الغَربِ مِن تِلكَ الحُلى وَأَشِد / بِكُلِّ حُسّانَةَ فينا وَحُسّانِ
وَعُد إِلى الشَرقِ عَودَ الفاتِحينَ لَهُ / وَخُذ مَكانَكَ فيهِ فَوقَ كيوانِ
وَاِشكُر رِعايَةَ عَبّاسٍ وَمِنَّتَهُ / وَاِشرَح وَلاءَكَ يا غالي لِعُثمانِ
وَاِضرَع إِلى اللَهِ أَن يَرعى أَريكَتَنا / مَرفوعَةَ الشانِ ما مَرَّ الجَديدانِ
وَرَدَ الكِنانَةَ عَبقَرِيُّ زَمانِهِ
وَرَدَ الكِنانَةَ عَبقَرِيُّ زَمانِهِ / فَتَنَظَّري يا مِصرُ سِحرَ بَيانِهِ
وَأَتى الحُسانُ فَهَنِّئوا مُلكَ النُهى / بِقِيامِ دَولَتِهِ وَعَودِ حُسانِهِ
النيلُ قَد أَلقى إِلَيهِ بِسَمعِهِ / وَالماءُ أَمسَكَ فيهِ عَن جَرَيانِهِ
وَالزَهرُ مُصغٍ وَالخَمائِلُ خُشَّعٌ / وَالطَيرُ مُستَمِعٌ عَلى أَفنانِهِ
وَالقُطرُ في شَوقٍ لِأَندَلُسِيَّةٍ / شَوقِيَّةٍ تَشفيهِ مِن أَشجانِهِ
يُصغي لِأَحمَدَ إِن شَدا مُتَرَنِّماً / إِصغاءَ أُمَّةِ أَحمَدٍ لِأَذانِهِ
فَاِصدَح وَغَنِّ النيلَ وَاِهزُز عِطفَهُ / يَكفيهِ ما عاناهُ مِن أَحزانِهِ
وَاِذكُر لَنا الحَمراءَ كَيفَ رَأَيتَها / وَالقَصرَ ماذا كانَ مِن بُنيانِهِ
ماذا تَحَطَّمَ مِن ذُراهُ وَما الَّذي / أَبقَت صُروفُ الدَهرِ مِن أَركانِهِ
واهاً عَلَيهِ وَأَهلِهِ وَبُناتِهِ / أَيّامَ كانَ النَجمُ مِن سُكّانِهِ
إِذ مُلكُ أَندَلُسٍ عَريضٌ جاهُهُ / وَشَبابُهُ المَبكِيُّ في رَيعانِهِ
الفَتحُ وَالعُمرانُ آيَةُ عَهدِهِ / وَكَتائِبُ الأَقدارِ مِن أَعوانِهِ
لَبِسَت بِهِ الدُنيا لِباسَ حَضارَةٍ / قَد كانَ يَخلَعُهُ عَلى جيرانِهِ
زالَت بَشاشَتُهُ وَزالَ وَأَقفَرَت / مِن أُنسِهِ الدُنيا وَمِن إِنسانِهِ
وَطَوى الثَرى سِرَّ الزَوالِ فَيا تُرى / هَل ضاقَ صَدرُ الأَرضِ عَن كِتمانِهِ
فَتَكَلَّمَت تِلكَ الطُلولُ وَأَفصَحَت / لَمّا وَقَفتَ مُسائِلاً عَن شانِهِ
وَلَعَلَّ نَكبَتَهُ هُناكَ تَفَرُّقٌ / وَتَعَدُّدٌ قَد كانَ في تيجانِهِ
عِبَرٌ رَأَيناها عَلى أَيّامِنا / قَد هَوَّنَت ما نابَهُ في آنِهِ
وَحَوادِثٌ في الكَونِ إِثرَ حَوادِثٍ / جاءَت مُشَمَّرَةً لِهَدِّ كِيانِهِ
سُبحانَ جَبّارِ السَمَواتِ العُلا / وَمُقَلِّبِ الأَكوانِ في أَكوانِهِ
أَهلاً بِشَمسِ المَشرِقَينِ وَمَرحَباً / بِالأَبلَجِ المَرجُوِّ مِن إِخوانِهِ
أَشكو إِلَيكَ مِنَ الزَمانِ وَزُمرَةٍ / جَرَحَت فُؤادَ الشِعرِ في أَعيانِهِ
كَم خارِجٍ عَن أُفقِهِ حَصَبَ الوَرى / بِقَريضِهِ وَالعُجبُ مِلءُ جَنانِهِ
يَختالُ بَينَ الناسِ مُتَّئِدَ الخُطا / ريحُ الغُرورِ تَهُبُّ مِن أَردانِهِ
كَم صَكَّ مَسمَعَنا بِجَندَلِ لَفظِهِ / وَأَطالَ مِحنَتَنا بِطولِ لِسانِهِ
مازالَ يُعلِنُ بَينَنا عَن نَفسِهِ / حَتّى اِستَغاثَ الصُمُّ مِن إِعلانِهِ
نَصَحَ الهُداةُ لَهُم فَزادَ غُرورُهُم / وَاِشتَدَّ ذاكَ السَيلُ في طُغيانِهِ
أَوَ لَم تَرَ الفُرقانَ وَهوَ مُفَصَّلٌ / لَم يَلفِتِ البوذِيَّ عَن أَوثانِهِ
قُل لِلَّذي قَد قامَ يَشأو أَحمَداً / خَلِّ القَريضَ فَلَستَ مِن فُرسانِهِ
الشِعرُ في أَوزانِهِ لَو قِستَهُ / لَظَلَمتَهُ بِالدُرِّ في ميزانِهِ
هَذا اِمرُؤٌ قَد جاءَ قَبلَ أَوانِهِ / اِن لَم يَكُن قَد جاءَ بَعدَ أَوانِهِ
إِن قالَ شِعراً أَو تَسَنَّمَ مِنبَراً / فَتَعَوُّذاً بِاللَهِ مِن شَيطانِهِ
تَخِذَ الخَيالَ لَهُ بُراقاً فَاِعتَلى / فَوقَ السُها يَستَنُّ في طَيَرانِهِ
ما كانَ يَأمَنُ عَثرَةً لَو لَم يَكُن / روحُ الحَقيقَةِ مُمسِكاً بِعِنانِهِ
فَأَتى بِما لَم يَأتِهِ مُتَقَدِّمٌ / أَو تَطمَعُ الأَذهانُ في إِتيانِهِ
هَل لِلخَيالِ وَلِلحَقيقَةِ مَنهَلٌ / لَم يَبغِهِ الرُوّادُ في ديوانِهِ
إِنّا لَنَلهو إِذ نَجِدُّ وَإِنَّهُ / لَيَجِدُّ إِذ يَلهو بِنَظمِ جُمانِهِ
أَقلامُهُ لَو شاءَ شَكَّ قَصيرُها / هامَ الثُرَيّا وَالسُها بِسِنانِهِ
يُملي عَلَيها عَقلُهُ وَجَنانُهُ / ما لَيسَ يُنكِرُهُ هَوى وِجدانِهِ
بَسلٌ عَلى شُعَرائِنا أَن يَنطِقوا / قَبلَ المُثولِ لَدَيهِ وَاِستِئذانِهِ
عافَ القَديمَ وَقَد كَسَتهُ يَدُ البِلى / خَلَقَ الأَديمِ فَهانَ في خُلقانِهِ
وَأَبى الجَديدَ وَقَد تَأَنَّقَ أَهلُهُ / في الرَقشِ حَتّى غَرَّ في أَلوانِهِ
فَجَديدُهُ بَعَثَ القَديمَ مِنَ البِلى / وَأَعادَ سُؤدُدَهُ إِلى إِبّانِهِ
وَرَمى جَديدَهُمُ فَخَرَّ بِناؤُهُ / بِرُواءِ زُخرُفِهِ وَبَرقِ دِهانِهِ
شُعَراءُ نَفحِ الطيبِ أَنشَرَ ذِكرُهُم / في أَرضِ أَندَلُسٍ أَديبُ زَمانِهِ
وَدَّ اِبنُ هانِئَ وَاِبنُ عَمّارٍ بِها / لَو يَظفَرانِ مَعاً بِلَثمِ بَنانِهِ
وَلَوِ اِستَطاعا فَوقَ ذاكَ لَأَقبَلا / رَغمَ البِلى وَالقَبرِ يَستَبِقانِهِ
يا كَرمَةَ المَطَرِيَّةِ اِبتَهِجي بِهِ / وَاِستَقبِلي الظَمآنَ مِن أَخدانِهِ
مُدّي الظِلالَ عَلى الوُفودِ وَجَدِّدي / عَهداً طَواهُ الدَهرُ في بُستانِهِ
كَم مَجلِسٍ لِلَّهوِ فيهِ شَهِدتُهُ / فَسَكِرتُ مِن ديوانِهِ وَدِنانِهِ
غَنّى مُغَنّيهِ فَهاجَ غِناؤُهُ / شَجوَ الحَمامِ عَلى ذُوائِبِ بانِهِ
فَتَرَنَّحَت أَشجارُهُ وَتَمايَلَت / أَعوادُها طَرَباً عَلى عيدانِهِ
فَكَأَنَّ مَجلِسَنا هُناكَ قَصيدَةٌ / مِن نَظمِهِ طَلَعَت عَلى عُبدانِهِ
فَالحَمدُ لِلَّهِ الَّذي قَد رَدَّهُ / مِن بَعدِ غُربَتِهِ إِلى أَوطانِهِ
فَتَنَظَّروا آياتِهِ وَتَسَمَّعوا / قَد قامَ بُلبُلُكُم عَلى أَغصانِهِ
يا كاسِيَ الخُلُقِ الرَضِيِّ وَصاحِبَ ال
يا كاسِيَ الخُلُقِ الرَضِيِّ وَصاحِبَ ال / أَدَبِ السَرِيِّ وَيا فَتى الفِتيانِ
إِن رَشَّحوكَ فَأَنتَ مِن بَيتٍ رَمى / بِسِهامِهِ عَن حَوزَةِ الأَوطانِ
زَكّاكَ إِقدامٌ وَرَأيٌ شاهِدٌ / وَنَقِيُّ إيمانٍ وَحُسنُ بَيانِ
لَو كُنتَ بَينَ الناخِبينَ لَأَدرَكوا / ما فيكَ يا حِفنِيُّ مِن رِضوانِ
حَيّا بَكورُ الحَيا أَرباعَ لُبنانِ
حَيّا بَكورُ الحَيا أَرباعَ لُبنانِ / وَطالَعَ اليُمنُ مَن بِالشَأمِ حَيّاني
أَهلَ الشَآمِ لَقَد طَوَّقتُمُ عُنُقي / بِمِنَّةٍ خَرَجَت عَن طَوقِ تِبياني
قُل لِلكَريمِ الَّذي أَسدى إِلَيَّ يَداً / أَنّى نَزَحتَ فَأَنتَ النازِحُ الداني
ما إِن تَقاضَيتُ نَفسي ذِكرَ عارِفَةٍ / هَل يَحدُثُ الذِكرُ إِلّا بَعدَ نِسيانِ
وَلا عَتَبتُ عَلى خِلٍّ يَضِنُّ بِها / ما دامَ يَزهَدُ في شُكري وَعِرفاني
أَقَرَّ عَينِيَ أَنّي قُمتُ أُنشِدُكُم / في مَعهَدٍ بِحُلى العِرفانِ مُزدانِ
وَشاعَ في سُرورٌ لا يُعادِلُهُ / رَدُّ الشَبابِ إِلى شَعري وَجُثماني
لي مَوطِنٌ في رُبوعِ النيلِ أُعظِمُهُ / وَلي هُنا في حِماكُم مَوطِنٌ ثاني
إِنّي رَأَيتُ عَلى أَهرامِها حُلَلاً / مِنَ الجَلالِ أَراها فَوقَ لُبنانِ
لَم يَمحُ مِنها وَلا مِن حُسنِ جِدَّتِها / عَلى التَعاقُبِ ما يَمحو الجَديدانِ
حَسِبتُ نَفسي نَزيلاً بَينَكُم فَإِذا / أَهلي وَصَحبي وَأَحبابي وَجيراني
مِن كُلِّ أَبلَجَ سامي الطَرِف مُضطَلِعٍ / بِالخَطبِ مُبتَهِجٍ بِالضَيفِ جَذلانِ
يَمشي إِلى المَجدِ مُختالاً وَمُبتَسِماً / كَأَنَّهُ حينَ يَبدو عودُ مُرّانِ
سَكَنتُمُ جَنَّةً فَيحاءَ لَيسَ بِها / عَيبٌ سِوى أَنَّها في العالَمِ الفاني
إِذا تَأَمَّلتَ في صُنعِ الإِلَهِ بِها / لَم تَلقَ في وَشيِهِ صُنعاً لِإِنسانِ
في سَهلِها وَأَعاليها وَسَلسَلِها / بُرءُ العَليلِ وَسَلوى العاشِقِ العاني
وَفي تَضَوُّعِ أَنفاسِ الرِياضِ بِها / رَوحٌ لِكُلِّ حَزينِ القَلبِ أَسوانِ
أَنّى تَخَيَّرتَ مِن لُبنانَ مَنزِلَةً / في كُلِّ مَنزِلَةٍ رَوضٌ وَعَينانِ
يا لَيتَني كُنتُ مِن دُنيايَ في دَعَةٍ / قَلبي جَميعٌ وَأَمري طَوعُ وِجداني
أَقضي المَصيفَ بِلُبنانٍ عَلى شَرَفٍ / وَلا أَحولُ عَنِ المَشتى بِحُلوانِ
يا وَقفَةً في جِبالِ الأَرزِ أَنشُدُها / بَينَ الصَنَوبَرِ وَالشَربينِ وَالبانِ
تَستَهبِطُ الوَحيَ نَفسي مِن سَماوَتِها / وَيَنثَني مَلَكاً في الشِعرِ شَيطاني
عَلّي أُجاوِدُكُم في القَولِ مُقتَدِياً / بِشاعِرِ الأَرزِ في صُنعٍ وَإِتقانِ
لا بِدعَ إِن أَخصَبَت فيها قَرائِحُكُم / فَأَعجَزَت وَأَعادَت عَهدَ حَسّانِ
طيبُ الهَواءِ وَطيبُ الرَوضِ قَد صَقَلا / لَوحَ الخَيالِ فَأَغراكُم وَأَغراني
مَن رامَ أَن يَشهَدَ الفِردَوسَ ماثِلَةً / فَليَغشَ أَحياءَكُم في شَهرِ نَيسانِ
تاهَت بِقَبرِ صَلاحِ الدينِ تُربَتُها / وَتاهَ أَحياؤُها تيهاً بِمَطرانِ
يَبني وَيَهدِمُ في الشِعرِ القَديمِ وَفي ال / شِعرِ الحَديثِ فَنِعمَ الهادِمُ الباني
إِذا لَمَحتُم بِشِعري وَمضَ بارِقَةٍ / فَبَعضُ إِحسانِهِ في القَولِ إِحساني
رَعياً لِشاعِرِكُم رَعياً لِكاتِبِكُم / جَزاهُما اللَهُ عَنّي ما يَقولانِ
أَرى رِجالاً مِنَ الدُنيا الجَديدَةِ في ال / دُنيا القَديمَةِ تَبني خَيرَ بُنيانِ
قَد شَيَّدوا آيَةً بِالشامِ خالِدَةً / شَتّى المَناهِلِ تَروي كُلَّ ظَمآنِ
لَئِن هَدَوكُم لَقَد كانَت أَوائِلُكُم / تَهدي أَوائِلَهُم أَزمانَ أَزمانِ
لا غَروَ إِن عَمَّروا في الأَرضِ وَاِبتَكَروا / فيها أَفانينَ إِصلاحٍ وَعُمرانِ
فَتِلكَ دُنياهُمُ في الجَوِّ قَد نَزَعَت / أَعِنَّةَ الريحِ مِن دُنيا سُلَيمانِ
أَبَت أُمَيَّةُ أَن تَفنى مَحامِدُها / عَلى المَدى وَأَبى أَبناءُ غَسّانِ
فَمِن غَطارِفَةٍ في جِلَّقٍ نُجُبٍ / وَمِن غَطارِفَةٍ في أَرضِ حَورانِ
عافوا المَذَلَّةَ في الدُنيا فَعِندَهُمُ / عِزُّ الحَياةِ وَعِزُّ المَوتِ سِيّانِ
لا يَصبِرونَ عَلى ضَيمٍ يُحاوِلُهُ / باغٍ مِنَ الإِنسِ أَو طاغٍ مِنَ الجانِ
شَقَقتُ أَسواقَ بَيروتٍ فَما أَخَذَت / عَينايَ في ساحِها حانوتَ يوناني
فَقُلتُ في غِبطَةٍ لِلَّهِ دَرُّهُمُ / لَيسَ الفَلاحُ لِوانٍ غَيرِ يَقظانِ
تَيَمَّموا أَرضَ كولُمبٍ فَما شَعَرَت / مِنهُم بِوَطءِ غَريبِ الدارِ حَيرانِ
سادوا وَشادوا وَأَبلَوا في مَناكِبِها / بَلاءَ مُضطَلِعٍ بِالأَمرِ مِعوانِ
إِن ضاقَ مَيدانُ سَبقٍ مِن عَزائِمِهِم / صاحَت بِهِم فَأَرَوها أَلفَ مَيدانِ
لا يَستَشيرونَ إِن هَمّوا سِوى هِمَمٍ / تَأبى المُقامَ عَلى ذُلٍّ وَإِذعانِ
وَلا يُبالونَ إِن كانَت قُبورُهُمُ / ذُرا الشَوامِخِ أَو أَجوافِ حيتانِ
في الكَونِ مَورِقُهُم في الشامِ مَغرِسُهُم / وَالغَرسُ يَزكو نِقالاً بَينَ بُلدانِ
إِن لَم يَفوزوا بِسُلطانٍ يُقِرُّهُمُ / فَفي المُهاجَرِ قَد عَزّوا بِسُلطانِ
أَو ضاقَتِ الشَأمُ عَن بُرهانِ قُدرَتِهِم / فَفي المُهاجَرِ قَد جاؤوا بِبُرهانِ
إِنّا رَأَينا كِراماً مِن رِجالِهِمُ / كانوا عَلَيهِم لَدَينا خَيرَ عُنوانِ
أَنّى اِلتَقَينا الِتَقى في كُلِّ مُجتَمَعٍ / أَهلٌ بِأَهلٍ وَإِخوانٌ بِإِخوانِ
كَم في نَواحي رُبوعِ النيلِ مِن طُرَفٍ / لِليازِجِيِّ وَصَرّوفٍ وَزَيدانِ
وَكَم لِأَحيائِهِم في الصُحفِ مِن أَثَرٍ / لَهُ المُقَطَّمُ وَالأَهرامُ رُكنانِ
مَتى أَرى الشَرقَ أَدناهُ وَأَبعَدَهُ / عَن مَطمَعِ الغَربِ فيهِ غَيرَ وَسنانِ
تَجري المَوَدَّةُ في أَعراقِهِ طُلُقاً / كَجِريَةِ الماءِ في أَثناءِ أَفنانِ
لا فَرقَ ما بَينَ بوذِيٍّ يَعيشُ بِهِ / وَمُسلِمٍ وَيَهودِيٍّ وَنَصراني
ما بالُ دُنياهُ لَمّا فاءَ وارِفُها / عَلَيهِ قَد أَدبَرَت مِن غَيرِ إيذانِ
عَهدُ الرَشيدِ بِبَغدادٍ عَفا وَمَضى / وَفي دِمَشقَ اِنطَوى عَهدُ اِبنِ مَروانِ
وَلا تَسَل بَعدَهُ عَن عَهدِ قُرطُبَةٍ / كَيفَ اِنمَحى بَينَ أَسيافٍ وَنيرانِ
فَعَلِّموا كُلَّ حَيٍّ عِندَ مَولِدِهِ / عَلَيكَ لِلَّهِ وَالأَوطانِ دَينانِ
حَتمٌ قَضاؤُهُما حَتمٌ جَزاؤُهُما / فَاِربَأ بِنَفسِكَ أَن تُمنى بِخُسرانِ
النيلُ وَهوَ إِلى الأُردُنَّ في شَغَفٍ / يُهدي إِلى بَرَدى أَشواقَ وَلهانِ
وَفي العِراقِ بِهِ وَجدٌ بِدِجلَتِهِ / وَبِالفُراتِ وَتَحنانٌ لِسَيحانِ
إِن دامَ ما نَحنُ فيهِ مِن مُدابَرَةٍ / وَفِتنَةٍ بَينَ أَجناسٍ وَأَديانِ
رَأَيتُ رَأي المَعَرّي حينَ أَرهَقَهُ / ما حَلَّ بِالناسِ مِن بَغيٍ وَعُدوانِ
لا تَطهُرُ الأَرضَ مِن رِجسٍ وَمِن دَرَنٍ / حَتّى يُعاوِدَها نوحٌ بِطوفانِ
وَلّى الشَبابُ وَجازَتني فُتُوَّتُهُ / وَهَدَّمَ السُقمُ بَعدَ السُقمِ أَركاني
وَقَد وَقَفتُ عَلى السِتّينِ أَسأَلُها / أَسَوَّفَت أَم أَعَدَّت حُرَّ أَكفاني
شاهَدتُ مَصرَعَ أَترابي فَبَشَّرَني / بِضَجعَةٍ عِندَها رَوحي وَرَيحاني
كَم مِن قَريبٍ نَأى عَنّي فَأَوجَعَني / وَكَم عَزيزٍ مَضى قَبلي فَأَبكاني
مَن كانَ يَسأَلُ عَن قَومي فَإِنَّهُمُ / وَلَّوا سِراعاً وَخَلَّوا ذَلِكَ الواني
إِنّي مَلِلتُ وُقوفي كُلَّ آوِنَةٍ / أَبكي وَأَنظِمُ أَحزاناً بِأَحزانِ
إِذا تَصَفَّحتَ ديواني لِتَقرَأَني / وَجَدتَ شِعرَ المَراثي نِصفَ ديواني
أَتَيتُ مُستَشفِياً وَالشَوقُ يَدفَعُ بي / إِلى رُباكُم وَعودي غَيرُ فَينانِ
فَأَنزِلوني مَكاناً أَستَجِمُّ بِهِ / وَيَنجَلي عَن فُؤادي بَرحُ أَحزاني
وَجَنِّبوني عَلى شُكرٍ مَوائِدَكُم / بِما حَوَت مِن أَفاويهٍ وَأَلوانِ
حَسبي وَحَسبُ النُهى ما نِلتُ مِن كَرَمٍ / قَد كِدتُ أَنسى بِهِ أَهلي وَخُلّاني
قُل لِلطَبيبِ الَّذي تَعنو الجِراحُ لَهُ
قُل لِلطَبيبِ الَّذي تَعنو الجِراحُ لَهُ / ماذا اِعتَدَدتَ لِجُرحِ العاشِقِ العاني
قَد كانَ مِبضَعُهُ وَالجُرحُ يَرمُقُهُ / يُمنى الحَبيبِ تُواسي صَدرَ وَلهانِ
هَذا كِتابٌ مَذ بَدا سِرُّهُ
هَذا كِتابٌ مَذ بَدا سِرُّهُ / لِلناسِ قالوا مُعجِزٌ ثاني
أَثابَكَ اللَهُ عَلى جَمعِهِ / ثَوابَ عُثمانَ بنِ عَفّانِ
أَراكَ وَأَنتَ نَبتُ اليَومِ تَمشي
أَراكَ وَأَنتَ نَبتُ اليَومِ تَمشي / بِشِعرِكَ فَوقَ هامِ الأَوَّلينا
وَأوتيتَ النُبُوَّةَ في المَعاني / وَما دانَيتَ حَدَّ الأَربَعينا
فَزِن تاجَ الرِئاسَةِ بَعدَ سامي / كَما زانَت فَرائِدُهُ الجَبينا
وَهَذا الصَولَجانُ فَكُن حَريصاً / عَلى مُلكِ القَريضِ وَكُن أَمينا
فَحَسبُكَ أَنَّ مُطرِيَكَ اِبنُ هاني / وَأَنَّكَ قَد غَدَوتَ لَهُ قَرينا
يا ساكِنَ البَيتِ الزُجا
يا ساكِنَ البَيتِ الزُجا / جِ هَبِلتَ لا تَرمِ الحُصونا
أَرَأَيتَ قَبلَكَ عارِياً / يَبغي نِزالَ الدارِعينا
يا يَومَ تَكريمِ حِفني
يا يَومَ تَكريمِ حِفني / أَرهَفتَ لِلقَولِ ذِهني
فَيا قَريضُ أَجِبني / وَيا بَيانُ أَعِنّي
عَلّي أَفي بَعضَ دَيني / إِن كانَ ذَلِكَ يُغني
يا مَن ضَرَبتَ بِسَهمٍ / في كُلِّ عِلمٍ وَفَنِّ
بَنَيتَ لِلشِعرِ فينا / وَالنَثرِ أَعظَمَ رُكنِ
وَما خُلِقتَ لَعَمري / في الشَرقِ إِلّا لِتَبني
فَكُلُّ رَبِّ يَراعٍ / في مِصرَ خِرّيجُ حِفني
إِن قالَ شِعراً فَراحٌ / تُدارُ في يَومِ دَجنِ
أَو قالَ نَثراً فَرَوحٌ / يَجتازُنا غِبَّ مُزنِ
فَإِن بَدَأتَ بِقَولٍ / مِنهُ فَبِالكَأسِ ثَنِّ
وَطِر إِلى اللَهوِ وَاِرغَب / عَن حِكمَةِ المُتَأَنّي
فَالعَيشُ في بِنتِ فِكرٍ / تُجلى وَفي بِنتِ دَنِّ
وَإِن طَلَبتَ مَزيداً / فَفي مُناجاةِ خِدنِ
لَولا الحَياءُ وَلَولا / ديني وَعَقلي وَسِنّي
لَقُمتُ في يَومِ حِفني / أَدعو لِسَكرَةِ يَنّي
وَلا أَقولُ لِحِفني / ما قيلَ قِدماً لِمَعنِ
لا تَنسَ عَيشاً تَوَلّى / ما بَينَ شَرحٍ وَمَتنِ
وَلّى شَبابُكَ فيهِ / ما بَينَ مَدٍّ وَغَنِّ
وَذُقتَ مِن جاءَ زَيدٌ / وَمِن شُروحِ الشُمُنّي
وَمِن حَواشي الحَواشي / عَلى مُتونِ اِبنِ جِنّي
ما لَم تُذِقكَ اللَيالي / قَلَبنَ ظَهرَ المِجَنِّ
أَيّامَ سُلطانُ يَلهو / بِمَشِّهِ وَيُغَنّي
يَبيتُ يَقصَعُ ما لَم / أُسَمِّهِ أَو أُكَنّي
يَشكو إِلَيكَ وَتَشكو / إِلَيهِ عيشَةَ غَبنِ
أَيّامَ يَدعوكَ حِفني / مِنَ الحَياةِ أَجِرني
هاتِ المُسَدَّسَ إِنّي / سَئِمتُ مَشّي وَجُبني
مَن لي بِدِرهَمِ لَحمٍ / عَلَيهِ حَبَّةُ سَمنِ
قَرِمتُ وَاللَهِ حَتّى / صاحَت عَصافيرُ بَطني
أَيّامَ عيدُكَ يَومٌ / تَفوزُ فيهِ بِدُهنِ
أَيّامَ مَهيَأَ أَشهى / إِلَيكَ مِن سَن جُوَنّي
أَقولُ هَذا وَإِنّي / لَمُحسِنٌ فيكَ ظَنّي
فَإِن غَدَوتَ وَزيراً / يَوماً وَجِئنا نُهَنّي
فَلا تَكُن ذا حِجابٍ / وَلا تُطِل في التَجَنّي
وَلا تَقُل مِن غُرورٍ / يا أَيُّها الناسُ إِنّي
أَخشى عَلَيكَ المَنايا / حَتّى كَأَنَّكَ مِنّي
إِذا شَكَوتَ صُداعاً / أَطَلتُ تَسهيدَ جَفني
وَإِن عَراكَ هُزالٌ / هَيَّأتُ لَحدي وَقُطني
وَإِن دَعَوتُ لِحَيٍّ / يَوماً فَإِيّاكَ أَعني
عُمري بِعُمرِكَ رَهنٌ / فَعِش أَعِش أَلفَ قَرنِ
نَبقى وَإِبليسَ فيها / نُبلي اللَيالي وَنُفني
أَسرَفتُ في المَزحِ فَاِصفَح / يا سَيِّدي وَاِعفُ عَنّي
فَالذَنبُ ذَنبُ شُدودي / فَاِلعَن شُدودي وَدَعني
قَد سَنَّ فينا مُزاحاً / عَلى الحَقيقَةِ يَجني
ذُقتُ الأَمَرَّينِ مِنهُ / فَسَل سَليماً وَسَلني
وَاِسمَع مَديحَ مُحِبٍّ / يُطري بِحَقٍّ وَيُثني
لَقَد جَمَعتَ خِلالاً / تَضَمَّنَت كُلَّ حُسنِ
مُفَتِّشاً وَفَقيهاً / وَقاضِياً وَاِبنَ فَنِّ
إِنَّ المَعارِفَ فازَت / بِمُنيَةِ المُتَمَنّي
بِحِشمَتٍ وَعَلِيٍّ / أَبي الفُتوحِ وَحِفني
يا سَيِّدي وَإِمامي
يا سَيِّدي وَإِمامي / وَيا أَديبَ الزَمانِ
قَد عاقَني سوءُ حَظّي / عَن حَفلَةِ المِهرَجانِ
وَكُنتُ أَوَّلَ ساعٍ / إِلى رِحابِ اِبنِ هاني
لَكِن مَرِضتُ لِنَحسي / في يَومِ ذاكَ القِرانِ
وَقَد كَفاني عِقاباً / ما كانَ مِن حِرماني
حُرِمتُ رُؤيَةَ شَوقي / وَلَثمَ تِلكَ البَنانِ
فَاِصفَح فَأَنتَ خَليقٌ / بِالصَفحِ عَن كُلِّ جاني
وَعِش لِعَرشِ المَعاني / وَدُم لِتاجِ البَيانِ
إِن فاتَني أَن أُوَفّي / بِالأَمسِ حَقَّ التَهاني
فَاِقبَلهُ مِنّي قَضاءً / وَكُن كَريمَ الجَنانِ
وَاللَهُ يَقبَلُ مِنّا ال / صَلاةَ بَعدَ الأَوانِ
عَجِبتُ لِلنيلِ يَدري أَنَّ بُلبُلَهُ
عَجِبتُ لِلنيلِ يَدري أَنَّ بُلبُلَهُ / صادٍ وَيَسقي رُبا مِصرٍ وَيَسقينا
وَاللَهِ ما طابَ لِلأَصحابِ مَورِدُهُ / وَلا اِرتَضَوا بَعدَكُم مِن عَيشِهِم لينا
لَم تَنأَ عَنهُ وَإِن فارَقتَ شاطِئَهُ / وَقَد نَأَينا وَإِن كُنّا مُقيمينا
يُرغي وَيُزبِدُ بِالقافاتِ تَحسَبُها
يُرغي وَيُزبِدُ بِالقافاتِ تَحسَبُها / قَصفَ المَدافِعِ في أُفقِ البَساتينِ
مِن كُلِّ قافٍ كَأَنَّ اللَهَ صَوَّرَها / مِن مارِجِ النارِ تَصويرَ الشَياطينِ
قَد خَصَّهُ اللَهُ بِالقافاتِ يَعلِكُها / وَاِختَصَّ سُبحانَهُ بِالكافِ وَالنونِ
يَغيبُ عَنهُ الحِجا حيناً وَيَحضُرُهُ / حيناً فَيَخلِطُ مُختَلّاً بِمَوزونِ
لا يَأمَنُ السامِعُ المِسكينُ وَثبَتَهُ / مِن كُردُفانِ إِلى أَعلى فِلَسطينِ
بَينا تَراهُ يُنادي الناسَ في حَلَبٍ / إِذا بِهِ يَتَحَدّى القَومَ في الصينِ
وَلَم يَكُن ذاكَ عَن طَيشٍ وَلا خَبَلٍ / لَكِنَّها عَبقَرِيّاتُ الأَساطينِ
يَبيتُ يَنسُجُ أَحلاماً مُذَهَّبَةً / تُغني تَفاسيرُها عَنِ اِبنِ سيرينِ
طَوراً وَزيراً مُشاعاً في وِزارَتِهِ / يُصَرِّفُ الأَمرَ في كُلِّ الدَواوينِ
وَتارَةً زَوجَ عُطبولٍ خَدَلَّجَةٍ / حَسناءَ تَملِكُ آلافَ الفَدادينِ
يُعفى مِنَ المَهرِ إِكراماً لِلِحيَتِهِ / وَما أَظَلَّتهُ مِن دُنيا وَمِن دينِ
لاحَ مِنها حاجِبٌ لِلناظِرين
لاحَ مِنها حاجِبٌ لِلناظِرين / فَنَسوا بِاللَيلِ وَضّاحَ الجَبين
وَمَحَت آيَتُها آيَتَهُ / وَتَبَدَّت فِتنَةً لِلعالَمين
نَظَرَ إِبراهامُ فيها نَظرَةً / فَأَرى الشَكَّ وَما ضَلَّ اليَقين
قالَ ذا رَبّي فَلَمّا أَفَلَت / قالَ إِنّي لا أُحِبُّ الآفِلين
وَدَعا القَومَ إِلى خالِقِها / وَأَتى القَومَ بِسُلطانٍ مُبين
رَبِّ إِنَّ الناسَ ضَلّوا وَغَوَوا / وَرَأَوا في الشَمسِ رَأيَ الخاسِرين
خَشَعَت أَبصارُهُم لَمّا بَدَت / وَإِلى الأَذقانِ خَرّوا ساجِدين
نَظَروا آياتِها مُبصِرَةً / فَعَصَوا فيها كَلامَ المُرسَلين
نَظَروا بَدرَ الدُجى مِرآتَها / تَتَجَلّى فيهِ حيناً بَعدَ حين
ثُمَّ قالوا كَيفَ لا نَعبُدُها / هَل لَها فيما تَرى العَينُ قَرين
هِيَ أُمُّ الأَرضِ في نِسبَتِها / هِيَ أُمُّ الكَونِ وَالكَونُ جَنين
هِيَ أُمُّ النارِ وَالنورِ مَعاً / هِيَ أُمُّ الريحِ وَالماءِ المَعين
هِيَ طَلعُ الرَوضِ نَوراً وَجَنىً / هِيَ نَشرُ الوَردِ طيبُ الياسَمين
هِيَ مَوتٌ وَحَياةٌ لِلوَرى / وَضَلالٌ وَهُدىً لِلغابِرين
صَدَقوا لَكِنَّهُم ما عَلِموا / أَنَّها خَلقٌ سَيَبلى بِالسِنين
أَإِلَهٌ لَم يُنَزِّه ذاتَهُ / عَن كُسوفٍ بِئسَ زَعمُ الجاهِلين
إِنَّما الشَمسُ وَما في آيِها / مِن مَعانٍ لَمَعَت لِلعارِفين
حِكمَةٌ بالِغَةٌ قَد مَثَّلَت / قُدرَةَ اللَهِ لِقَومٍ عاقِلين
نَبِّئاني إِن كُنتُما تَعلَمانِ
نَبِّئاني إِن كُنتُما تَعلَمانِ / ما دَهى الكَونَ أَيُّها الفَرقَدانِ
غَضِبَ اللَهُ أَم تَمَرَّدَتِ الأَر / ضُ فَأَنحَت عَلى بَني الإِنسانِ
لَيسَ هَذا سُبحانَ رَبّي وَلا ذا / كَ وَلَكِن طَبيعَةُ الأَكوانِ
غَلَيانٌ في الأَرضِ نَفَّسَ عَنهُ / ثَوَرانٌ في البَحرِ وَالبُركانِ
رَبِّ أَينَ المَفَرُّ وَالبَحرُ وَالبَر / رُ عَلى الكَيدِ لِلوَرى عامِلانِ
كُنتُ أَخشى البِحارَ وَالمَوتُ فيها / راصِدٌ غَفلَةً مِنَ الرُبّانِ
سابِحٌ تَحتَنا مُطِلٌّ عَلَينا / حائِمٌ حَولَنا مُناءٍ مُداني
فَإِذا الأَرضُ وَالبِحارُ سَواءٌ / في خَلاقٍ كِلاهُما غادِرانِ
ما لِمَسّينَ عوجِلَت في صِباها / وَدَعاها مِنَ الرَدى داعِيانِ
وَمَحَت تِلكُمُ المَحاسِنَ مِنها / حينَ تَمَّت آياتُها آيَتانِ
خُسِفَت ثُمَّ أُغرِقَت ثُمَّ بادَت / قُضِيَ الأَمرُ كُلُّهُ في ثَواني
وَأَتى أَمرُها فَأَضحَت كَأَن لَم / تَكُ بِالأَمسِ زينَةَ البُلدانِ
لَيتَها أُمهِلَت فَتَقضي حُقوقاً / مِن وَداعِ اللِداتِ وَالجيرانِ
لَمحَةً يَسعَدُ الصَديقانِ فيها / بِاِجتِماعٍ وَيَلتَقي العاشِقانِ
بَغَتِ الأَرضُ وَالجِبالُ عَلَيها / وَطَغى البَحرُ أَيَّما طُغيانِ
تِلكَ تَغلي حِقداً عَلَيها فَتَنشَق / قُ اِنشِقاقاً مِن كَثرَةِ الغَلَيانِ
فَتُجيبُ الجِبالُ رَجماً وَقَذفاً / بِشُواظٍ مِن مارِجٍ وَدُخانِ
وَتَسوقُ البِحارُ رَدّاً عَلَيها / جَيشَ مَوجٍ نائي الجَناحَينِ داني
فَهُنا المَوتُ أَسوَدُ اللَونِ جَونٌ / وَهُنا المَوتُ أَحمَرُ اللَونِ قاني
جَنَّدَ الماءَ وَالثَرى لِهَلاكِ ال / خَلقِ ثُمَّ اِستَعانَ بِالنيرانِ
وَدَعا السُحبَ عاتِياً فَأَمَدَّت / هُ بِجَيشٍ مِنَ الصَواعِقِ ثاني
فَاِستَحالَ النَجاءُ وَاِستَحكَمَ اليَأ / سُ وَخارَت عَزائِمُ الشُجعانِ
وَشَفى المَوتُ غِلَّهُ مِن نُفوسٍ / لا تُباليهِ في مَجالِ الطِعانِ
أَينَ رِدجو وَأَينَ ما كانَ فيها / مِن مَغانٍ مَأهولَةٍ وَغَواني
عوجِلَت مِثلَ أُختِها وَدَهاها / ما دَهاها مِن ذَلِكَ الثَوَرانِ
رُبَّ طِفلٍ قَد ساخَ في باطِنِ الأَر / ضِ يُنادي أُمّي أَبي أَدرِكاني
وَفَتاةٍ هَيفاءَ تُشوى عَلى الجَم / رِ تُعاني مِن حَرِّهِ ما تُعاني
وَأَبٍ ذاهِلٍ إِلى النارِ يَمشي / مُستَميتاً تَمتَدُّ مِنهُ اليَدانِ
باحِثاً عَن بَناتِهِ وَبَنيهِ / مُسرِعَ الخَطوِ مُستَطيرَ الجَنانِ
تَأكُلُ النارُ مِنهُ لا هُوَ ناجٍ / مِن لَظاها وَلا اللَظى عَنهُ واني
غَصَّتِ الأَرضُ أُتخِمَ البَحرُ مِمّا / طَوَياهُ مِن هَذِهِ الأَبدانِ
وَشَكا الحوتُ لِلنُسورِ شَكاةً / رَدَّدَتها النُسورُ لِلحيتانِ
أَسرَفا في الجُسومِ نَقراً وَنَهشاً / ثُمَّ باتا مِن كِظَّةٍ يَشكُوانِ
لا رَعى اللَهُ ساكِنَ القِمَمِ الشُم / مِ وَلا حاطَ ساكِنَ القيعانِ
قَد أَغارا عَلى أَكُفٍّ بَراها / بارِئُ الكائِناتِ لِلإِتقانِ
كَيفَ لَم يَرحَما أَنامِلَها الغُ / رَّ وَلَم يَرفُقا بِتِلكَ البَنانِ
لَهفَ نَفسي وَأَلفَ لَهفٍ عَلَيها / مِن أَكُفٍّ كانَت صَناعَ الزَمانِ
مولَعاتٍ بِصَيدِ كُلِّ جَميلٍ / ناصِباتٍ حَبائِلَ الأَلوانِ
حافِراتٍ في الصَخرِ أَو ناقِشاتٍ / شائِداتٍ رَوائِعَ البُنيانِ
مُنطِقاتٍ لِسانَ كُلِّ جَمادٍ / مُفحِماتٍ سَواجِعَ الأَفنانِ
مُلهَماتٍ مِن دِقَّةِ الصُنعِ مالا / يُلهَمُ الشِعرُ مِن دَقيقِ المَعاني
مِن تَماثيلَ كَالنُجومِ الدَراري / يَهرَمُ الدَهرُ وَهيَ في عُنفُوانِ
عَجَبٌ صُنعُها وَأَعجَبُ مِنهُ / صُنعُهُ تِلكَ قُدرَةُ الرَحمَنِ
إيهِ مِسّينَ آنِسي اليَومَ بُمبِي / يَ فَقَد أَوحَشَت بِذاكَ المَكانِ
آنِسي الدُرَّةَ الَّتي كانَتِ الحِل / يَةَ في تاجِ دَولَةِ الرومانِ
غالَها قَبلَكِ الزَمانُ اِغتِيالاً / وَهيَ تَلهو في غِبطَةٍ وَأَمانِ
جاءَها الأَمرُ وَالسَراةُ عُكوفٌ / في المَلاهي عَلى غِناءِ القِيانِ
بَينَ صَبٍّ مُدَلَّهٍ وَطَروبٍ / وَخَليعٍ في اللَهوِ مُرخى العِنانِ
فَاِنطَوَوا كَاِنطِواءِ أَهلِكِ بِالأَم / سِ وَزالَت بَشاشَةُ العُمرانِ
أَنتِ مِسّينَ لَن تَزولي كَما زا / لَت وَلَكِن أَمسَيتِ رَهنَ الأَوانِ
إِنَّ إيطاليا بَنوها بُناةٌ / فَاِطمَئِنّي ما دامَ في الحَيِّ باني
فَسَلامٌ عَلَيكِ يَومَ تَوَلَّي / تِ بِما فيكِ مِن مَغانٍ حِسانِ
وَسَلامٌ عَلَيكَ يَومَ تَعودي / نَ كَما كُنتِ جَنَّةَ الطُليانِ
وَسَلامٌ مِن كُلِّ حَيٍّ عَلى الأَر / ضِ عَلى كُلِّ هالِكٍ فيكِ فاني
وَسَلامٌ عَلى الأُلى أَكَلَ الذِئ / بُ وَناشَت جَوارِحُ العِقبانِ
وَسَلامٌ عَلى اِمرِئٍ جادَ بِالدَم / عِ وَثَنّى بِالأَصفَرِ الرَنّانِ
ذاكَ حَقُّ الإِنسانِ عِندَ بَني الإِن / سانِ لَم أَدعُكُم إِلى إِحسانِ
فَاِكتُبوا في سَماءِ رُدجو وَمِسّي / نا وَكالَبرِيا بِكُلِّ لِسانِ
هاهُنا مَصرَعُ الصِناعَةِ وَالتَص / ويرِ وَالحِذقِ وَالحِجا وَالأَغاني
أَنكَرَ النيلُ مَوقِفَ الخَزّانِ
أَنكَرَ النيلُ مَوقِفَ الخَزّانِ / فَاِنثَنى قافِلاً إِلى السودانِ
راعَهُ أَن يَرى عَلى جانِبَيهِ / رَصَداً مِن مَكايِدِ الإِنسانِ
يا مَن خَلَقتَ الدَمعَ لُط
يا مَن خَلَقتَ الدَمعَ لُط / فاً مِنكَ بِالباكي الحَزين
بارِك لِعَبدِكَ في الدُمو / عِ فَإِنَّها نِعمَ المُعين
فِتيَةَ الصَهباءِ خَيرَ الشارِبين
فِتيَةَ الصَهباءِ خَيرَ الشارِبين / جَدِّدوا بِاللَهِ عَهدَ الغائِبين
وَاِذكُروني عِندَ كاساتِ الطِلا / إِنَّني كُنتُ إِمامَ المُدمِنين
وَإِذا ما اِستَنهَضَتكُم لَيلَةً / دَعوَةُ الخَمرِ فَثوروا أَجمَعين
رُبَّ لَيلٍ قَد تَعاهَدنا عَلى / ما تَعاهَدنا وَكُنّا فاعِلين
فَقَضَيناهُ وَلَم نَحفِل بِما / سَطَّرَت أَيدي الكِرامِ الكاتِبين
بَينَ أَقداحٍ وَراحٍ عُتِّقَت / وَرَياحينٍ وَوِلدانٍ وَعين
وسُقاةٍ صَفَّقَت أَكوابَها / بَعضُها البَلّورُ وَالبَعضُ لُجَين
آنَسَت مِنّا عِطاشاً كَالقَطا / صادَفَت وِرداً بِهِ ماءٌ مَعين
فَمَشَت بِالكاسِ وَالطاسِ لَنا / مِشيَةَ الأَفراحِ لِلقَلبِ الحَزين
وَتَواثَبنا إِلى مَشمولَةٍ / ذاتِ أَلوانٍ تَسُرُّ الناظِرين
عَمَدَ الساقي لِأَن يَقتُلَها / وَهيَ بِكرٌ أَحصَنَت مُنذُ سِنين
ثُمَّ لَمّا أَن رَأى عِفَّتَها / خافَ فيها اللَهَ رَبِّ العالَمين
وَأَجَلنا الكاسَ فيما بَينَنا / وَعَلى الصَهباءِ بِتنا عاكِفين
وَشَفَينا النَفسَ مِن كُلِّ رَشاً / نَطَقَت عَيناهُ بِالسِحرِ المُبين
وَطَوى مَجلِسَنا بَعدَ الهَنا / وَاِنشِراحِ الصَدرِ تَكبيرُ الأَذين
هَكَذا كُنّا بِأَيّامِ الصَفا / تَنهَبُ اللَذّاتِ في الوَقتِ الثَمين
لَيتَ شِعري هَل لَنا بَعدَ النَوى / مِن سَبيلٍ لِلِقا أَم لاتَ حين

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025