المجموع : 9
كلهم في الهَوى يُزَيِّنُ دينَه
كلهم في الهَوى يُزَيِّنُ دينَه / أَلفُ مُفتٍ وَمالِكٌ بِالمَدِينَه
جَهِلوا لُجَّةَ البِحارِ وَمَسرى / ريحُها وَاِدَّعوا قيادَ السَفينه
كادَ يَهوي بِها إِلى القاع فَوضى / مِن دَعاوى الجَهالَةِ المَأفونه
نَجِّها رَبِّ إِنَّنا قَد جَعَلنا / كُلَّ فَنٍّ في غَيرِ مَن يُحسنونه
كُلُّ مَن صاحَ بِالنُبُوَّةِ فِينا / قامَ أَوسٌ وَخَزرَجٌ يَنصُرونَه
فَتنوهُ عَن نَفسِهِ فَتَعالى / وَاِدَّعى خَلقَ عصبةٍ يَخلُقونَه
مَلَئُوا رَأسَهُ مِن الوَهمِ حَتّى / ظَنَّ إِثماً أَنّ النُبوّةَ دونَه
وَلَهُ المُعجِزاتُ وَجهٌ صَفيقٌ / يُعجِزُ الصخرَ أَن يَكونَ قَرينَه
غاضَ ماءُ الحَياءِ مِن وَجهِهِ الصُل / بِ فَلا يَكسِرُ الحَديد متينَه
يَتَلَقّى وَحيَ السماجَةِ وَالحُم / قِ وَيُوحي لِعُصبَةٍ يَتبَعونَه
ولَدَيهِ آيٌ مِن العِيِّ إِن را / مَ حَديثاً لَم يَستَطع تَبيينَه
مُعجِزاتُ النبي علمٌ وَهَذا / مُعجِزٌ بِالجَهالَةِ المَفتونَه
لَيسَ ذنبُ الدعِيِّ هَذا وَلَكن / ذنبُ شَعبٍ بِالزُور يَمتَدِحونَه
كُلَّ يَومٍ يُكرِّمون دَعيّا / كانَ عَدل الجَزاءِ لَو يَرجمونَه
كُلَّما أَرسَلَ الحمارُ نَهيقاً / ظَنَّ أَهلَ السماءِ يَستَمِعونَه
وَيَخالُ السبع السَمواتِ نَشوى / مِن فُيوضاتِ جَهلِهِ وَالرُعونَه
قَد تَفَشّى التَمويهُ في مصرَ حَتّى / تَحسبُ الزَهرَ موهوا تَزيينَه
وَمَحا الادِّعاءُ كُلَّ يَقينٍ / فَشَكَكنا في الشَمسِ وَهيَ مُبينَه
فاِستَمع لِلغِناءِ تَسمَع صِياحاً / كَخُوارِ الثِيرانِ لَو يَصِفونَه
إِن تَغنّوا بِالحُبِّ عاد سُلوّاً / يُزعِجون الهَوى بِما يُسمِعونَه
كُلُّ آهٍ تَمحو مِن القَلبِ ذِكرى / وُتُميت الهَوى وَمَن يَعشَقونَه
نَغَماتٌ ما بَينَ غَربٍ وَعُربٍ / لَيسَ يُدرى أَحرّةٌ أَم هَجينَه
وَأَغانٍ مَجنونَةٌ في المَعاني / لَفَّقَتها صِياغَةٌ مَجنونَه
وَلَيالٍ تَضجُّ مِنها اللَيالي / تَدعُ اللَيلَ لا يَذوقُ سُكونَه
تَتَمَنّى الأَوتارُ لَو أَنَّها أَمسَت / سِياطاً تَشوي الوُجوهَ الثَخينَه
إِن مَلِلتُ الصِياحَ قالوا فَقَدِّر / فنَّهُ قُلتُ قَد مَلِلتُ فُنونَه
إِن أَصَبنا اللُحونَ نَفقِدهُ صَوتاً / أَو أَصَبنا صَوتاً فَقَدنا لحونَه
وَالَّذي حَيَّرَ العُقولَ مُغَنٍ / قَد خَلا مِنهُما وَهُم يُطرونَه
وَدَعىٍّ في الدينِ وَالدينُ يَشكو / فَعَلاتٍ كَالكُفرِ مِنهُ لعينَه
نالَ ما يَشتَهي مِن الجاهِ باسم الد / دين زُوراً في الأُمّةِ المسكينَه
هُوَ فيهم كَالذئبِ بَينَ دَجاجٍ / أَو شِياهٍ يَختارُ مِنها السمينَه
فَقَد الدينَ وَاليَقينَ وَصارَ ال / مالُ وَالجاهُ دِينَهُ وَيَقينَه
تَخِذَ الإِفكَ وَالتَمَلُّقَ ديناً / فَجَميعُ الأَديانِ تَلعَنُ ما دينَه
وَلَكَم يدَّعون عطفاً على البؤ / سِ وباسمِ الفقيرِ ما يَجمَعونَه
وَلَكَم بائِسٍ يَرى الجُوعُ مِنه / جَسَداً لا تكادُ أَن تَستَبينَه
وَعُضالُ الأَسقامِ أَذواهُ حَتّى / لا تُحسَّ الأُساةُ إِلا أَنينَه
كَبَقايا الجُدرانِ لَم يَدَعِ الزل / زالُ مِنها إِلا رُسوماً حَزينَه
راحَ يَبغي عَلى السَقام مُعيناً / فَأَبَت دُورُ طبِّهم أَن تُعينَه
طَرَدوهُ عَنها وَقَد شَيَّدوها / باسم عانٍ قَد أَعوَزته المَعونَه
وَأُلوفُ الأُلوفِ تُنفَقُ فيها / وَلِغَير الإِلَه ما يُنفِقونَه
مِن طَعامٍ وَمِن دَواءٍ وَطِبٍّ / لِذَوي الجاهِ وَالغِنى يَبذُلونَه
وَليَمُت في البِلاد كُلُّ فَقيرٍ / فَهوَ كَلٌّ عَلَيهمُ وَمؤُونَه
وَتَعالوا إِلى الدَواوينِ إِن ال / حالَ فيها يُذرى الدموعَ السَخينَه
كُلُّ شَيءٍ في جَوِّها بَينَ جَهلٍ / سائِدٍ أَو كِفايَةٍ مَغبونَه
كَم رَئيسٍ لَولا القَوانينُ تحمي / جَهلَهُ كانَ طَردُهُ قانونَه
ذُو جُنونٍ وَزاد فيهِ جُنوناً / أَن يَرى ذا الحِجا يُطيعُ جنونَه
أيُّ شعبٍ يُعطي على الظلمِ أجراً / غير مصرٍ ومَن طغى يَرفَعونَه
وَمَتى تُضمَنُ العَدالةُ وَالظا / لِمُ فيها أَرزاقُهُ مَضمونَه
غَلب المدَّعون في الفَنِّ حَتّى / أخرَسوا بِالصياحِ مَن يُتقنونَه
كَدَّرُوا وِردَهُ الشَهيَّ فَعافت / هُ أُباةُ النُفوسِ لا يرِدُونَه
كُلُّ فَنٍّ في مصرَ عادَ طِلاءً / فَأَخُو العَقلِ مَن يُسيءُ ظُنونَه
كُلُّ يَومٍ فيها نشيِّعُ فَنّاً / هالِكاً لا يُحِسُّ مَن يَبكونَه
عظَّمَ اللَهُ أَجرَكُم في حَياةِ ال / عِلمِ لاقَى بِالأَدعياءِ مَنُونَه
عاوَد القَلب حَنينُه
عاوَد القَلب حَنينُه / مَن عَلى الشَوقِ يُعينُه
وَيحَ قَلبي مِن غَرامٍ / هاجَ بِالذِكرى كَمِينُه
يا لخفّاقٍ إِذا ما / قَرَّ هَزَّتهُ شُجونُه
واصِلٌ مَن صَدَّ عَنهُ / صائِنٌ مَن لا يَصُونُه
خانَهُ الصَبرُ وَلَولا الصَ / صَدُّ ما كانَ يَخونُه
يا زَماناً لَم تَكُن إِلا / هُنيهاتٍ سِنينُه
كُنتَ رَوضاً حالياً بِالوَص / لِ قَد رَفَّت غُصونُه
حُلُمٌ إِن يَمحُهُ الدَه / رُ فَفي الذِكرى مَصُونُه
كُلَّما مَرَّ بِقَلبي / ذِكرُهُ جُنَّ جُنونُه
لَو شَهِدتِ النَجمَ أَرعا / هُ وَتَرعاني عُيونُه
أَو رَأَيتِ اللَيلَ أَشكو / هُ وَتَشكُوني دُجُونُه
وَمِهادَ النَومِ كَم يقسُو / عَلى جَنبيَّ لِينُه
آهِ لَو تَدرِينَ ما بي / ضاقَ بِالقَيدِ سَجينُه
أَنتِ تَدرِينَ وَلَكن / لِصِبا الغِيدِ فُتُونُه
أَنتِ لي كُلُّ شئوني / وَيلَ مَن أَنتِ شُئونُه
كانَ لي دَمعٌ فَمالي / جفَّ مِن دَمعي مَعِينُه
مَن لِصَبٍّ غَدَرَ الوا / في بِهِ حَتّى جُفُونُه
كُلَّما منّاهُ ظَنٌّ / عادَ بِاليَأسِ يَقِينُه
سَكَنَ اللَيلُ فَما لل / قَلب يَجفُوهُ سُكونُه
كَم وَكَم أَقسَم أَن يَسلُو / فَما بَرَّت يَمينُه
كُلَّما ظَنَّ سُلوّاً / كَذَبَت فيهِ ظُنونُه
كَم فُنونٍ ذاقَ في الحُب / بِ وَلِلحُبِّ فُنونُه
فَليذُق ما شاءَ مِنهُ / ما رَعى العَهدَ أَمينُه
أَيُّها اللائِمُ دَعهُ / فَلَهُ في الحُبِّ دِينُه
ما غَناءُ الراحِ قَد ظَلَّت سِنيناً
ما غَناءُ الراحِ قَد ظَلَّت سِنيناً / حَدِّثينا تَبعَثي النَشوَةَ فينا
فَمُك الكاسُ فَهاتِي نَصطَبِح / مِن سُلافٍ لَذَّةٍ لِلشارِبينا
أَسمِعينا نَبَراتٍ أَخجَلت / وَتَر العُودِ حَناناً وَحَنيناً
وَاِنطِقي تُصغي الأَمانيُّ عَسى / أَن تَشائِي قَولَ كُوني فَتَكونا
وَاِبعَثي شَجوَ الهَوى مِن مَنطِقٍ / يَلمِسُ النَفسَ فيُذكِيها شُجُونا
وَاِنفُثي مِن سحرِهِ في مَيِّتٍ / تَبعَثِيهِ قَبلَ بَعثِ العالَمينا
وَاِهمِسي في يابِس النَبتِ بِهِ / تُلبِسيهِ نضرَةً لِلناظِرينا
مَلَكٌ أَنتِ فَإِن شَكّ امرُؤٌ / حَدِّثيه يَعُدِ الشَكُّ يَقينا
أَلهميهِ مِنك فُرقانَ الهَوى / في حَديثٍ يَجعَل الصَبوةَ دِينا
لَو عَلَى المِحرابِ مِنهُ كَلِمٌ / خَشَع المِحرابُ قَبلَ الخاشِعينا
تُوشِكُ النسمَةُ إذ تحمِلُه / عنك أن تحسُدَ فيهِ السامِعينا
وَدَّت النَسمةُ لَو ضَنَّت بِهِ / وَضَنينٌ كُلُّ مَن يَحوِي ثَمينا
تَتَمنّى العَينُ فيهِ لَو غَدَت / أُذُناً تَحظى بِحَظِّ المُنصِتينا
وَمُنى الآذانِ إِذ تَسمَعُ عَن / مُجتَلى حُسنِكَ لَو كانَت عُيونا
فِتنَةٌ جلَّ الَّذي أَودَعها / فِيكِ لا نُدرِكُها إِلا ظُنونا
لَكِ حَبّاتُ القُلوبِ اِنتَظَمَت / طَوِّقي جيدَك مِنها وَالجَبينا
أَرسِلي سِحرَكِ في صَوتٍ إِذا / ما سَرى فيَّ اليَأسِ مَنَّى اليائِسينا
صاغَهُ اللَهُ مِن الرِفق كَما / صاغَ ظِلَّ الخُلدِ وَالفَيضَ المعينا
ذابَ حَتّى كادَ يَخفى رِقّة / لَستُ أَدري أَرَنيناً أَم أَنِينا
حَدِّثينا وَأَعِيدي ما مَضى / مِن حَدِيثٍ واحسَبي أَنّا نَسينا
ضَرَبَت عَلى وَتَرِ الحَنانِ
ضَرَبَت عَلى وَتَرِ الحَنانِ / نَفسي فِداؤُكِ مِن بَنانِ
وَشَدَت بِعاجٍ مِن أَنا / مِلِها عَلى عاجِ البيانِ
مَرَّت عَلَيهِ مِثلَما / مَرَّت عَلى القَلبِ الأَماني
أَو مِثلَما مَرّ الخَيا / لُ يُعيدُ تذكارَ المَغاني
واِفتَنَّ في سِحر النُهى / شَدوُ الأَنامِلِ وَاللِسانِ
وَهَفا بِلُبِّكَ في أَفا / نِينِ الصَبابَةِ ساحِرانِ
رَنّاتُ ساحِرَةِ الغِنا / ءِ تُجيبُ رَناتِ المَثاني
بَثَّت إِلى الأَوتارِ مِن / حَرِّ الصَبابَةِ ما تُعاني
كَم أَودَعَت أَلحانَها / في الشَوقِ مِن سِحرِ المَعاني
فَتُحِسُّ أَوتارَ البيا / نِ وَقَلبها يَتَشاكَيان
لَم يَعرِفِ الحُبَّ المُبر / رحَ مِثل أَفئِدَةِ الغَواني
فَلرُبَّ حابِسَة الدُمو / عِ وَدَمعُها في الصَدرِ قاني
حَبَس الحَياءُ بُكاءَها / فَبَكَت بِتَرجيعِ الأَغاني
نَشَرَت صَحيفَةَ لَحنِها / رَمزاً يَدِقُّ عَلى البَيان
رَمَزُوا إِلى أَلحانِهِم / صَوناً لَها عَن الامتهانِ
وَاللَحنُ مِن سِرِّ المَلا / ئِكِ غَيرُ مُبتَذَلِ الصِيانِ
وَحيٌ تَنزَّلَ مِن سَما / ءِ قَريحَةٍ ذاتِ افتِنانِ
تُنسِي الوَقُورَ وَقارَهُ / طَرَباً وَتَمضي بِالجَبانِ
وَتَخالُ بِالأَوتارِ نا / رَ الشَوقِ تُضرِمُها اليَدان
لاقَت أَنامِلُها البيا / نَ كَما تَلاقى عاشِقان
يَتَضاحَكانِ مِن السُرو / رِ وَفي الأَسى يَتباكَيانِ
في نَغمَةٍ أَحسَستُ مِن / طَرَبٍ بِها طَربَ المَكان
وَتَجاذَبا ذِكرَ الهَوى / وَحَديثَ أَيّامٍ حِسان
وَلَيالياً طابَت وَأَث / مارُ المُنى فيها دَواني
وَمَجالِساً هَبَطت إِلى الد / دُنيا بِها عُليا الجِنان
زَمنٌ تَولّى صَفوُهُ / أَيَعودُ صَفوُكَ يا زَماني
آناءُ لَهوٍ خَلَّفَت / حُزناً عَلَيها كُلَّ آنِ
لَم أَنسَها يا صاحِبي / وُدّي وَلَكن ذَكِّراني
إِني لَيُطرِبُني الحَدِي / ثُ وَإِن مَلَأتُ بِها جَناني
زِيدا فُؤادي لَوعَةً / لا تَطَمَعا أَن تُسلِياني
مَن لَم يَذُق أَلَمَ الحَيا / ةِ قَضى سِنِيها وَهوَ فانِ
مَن لِقَلبٍ بَينَ الجَوانح عانِ
مَن لِقَلبٍ بَينَ الجَوانح عانِ / جَمَع اليَأسَ وَالمُنى في مَكانِ
شاعِرٌ في الضُلوعِ يَخفق بِالمعنى / فَيَعيا عَنهُ بَيانُ اللِسانِ
كَم خَيالٍ لَهُ يَضيق بِهِ اللَفظ / فَيسمُو إِلَيهِ بِالخَفَقانِ
وَأَمانيَّ فيهِ كَالزَهر مِنها / ما ذَوى وَالقَليلُ في رَيعان
فَهوَ راثٍ لما ذَوى مِن أَما / نيهِ وَمُستَبشِرٌ بِباقي الأَماني
باكياً شَجوَه وَآناً تَراهُ / يَتَغَنّى بِأَعذَبِ الأَلحانِ
فَهوَ كَالعُودِ في يَدِ الدَهرِ يَشدو / بِالَّذي شاءَ دَهرُهُ مِن أَغاني
قَطَعَ العَيشَ بَينَ خَوفٍ وَأَمنٍ / وَرَجاءٍ ناء وَآخَر دانِ
فَتَراهُ حِيناً يَلِجُّ بِهِ الوَج / دُ وَحيناً يَلوذ بِالسُلوان
وَتَراهُ يَسيلُ كَالماءِ لُطفاً / وَتَراهُ كَالنارِ في الثَوَران
صامِتٌ وَهوَ لا يَني عَن حَديثٍ / مُطمئِنٌّ في ثَورَةِ البُركانِ
يا لسُلطانِهِ القَويِّ وَلا شَي / ءَ عَلَيهِ في الأَرضِ ذُو سُلطانِ
لا تَلُمني إِذا اِتَّبعتُ هَواهُ / هُوَ بَعضي وَآخِذٌ بِعناني
كَم حَداني إِلى هَوىً لَم يَدَعني / فيهِ أُصغي لِفكرَتي وَجَناني
قادَني لِلهَوى وَلَو كانَ يَدري / ما يُلاقيهِ في الهَوى لَنَهاني
لَجَّ فيهِ فَكانَ شَرّاً عَلَيهِ / لَيتَني قَد عَصَيتُهُ إِذ عَصاني
عَصَف الحُبُّ بِالقُلوب فَقلب ال / لَيثِ في حَربِهِ كَقَلبِ الجَبانِ
مُضغةٌ في الضُلوعِ يُؤلِمُها ال / مَسُّ غَدَت نُهيةً لِصَرفِ الزَمانِ
فَوقَ مَوجِ الآلامِ تَذهَبُ حَيرى / كَسَفينٍ تَسري بِلا رُبّانِ
فَهيَ بَينَ الأَحزانِ تَفنى وَيُح / ييها خَيالُ التَعليلِ وَالنسيانِ
جَلَّ مَن صاغَها مُيولاً وَأَهواءً / وَلَم يَعدُ طِينَةَ الإِنسانِ
وَبَراها مِن المَلائِكِ نُوراً / تَتَراءى في صُورة الجُثمان
فَهيَ بَينَ الضُلوع لا تَملأ ال / كفَّ وَفيها صَحيفةُ الأَكوانِ
نَفَّرتَ طَيفَ السُرورِ عَنّي
نَفَّرتَ طَيفَ السُرورِ عَنّي / بِحرمَةِ الفَنِّ لا تُغَنِّ
رَخاوَةٌ في الغِناء كادَت / تُذهِبُ عَزمَ الرِجالِ مِنّي
أَرَدتَ بينَ الغِناءِ مَزجاً / فَجاءَ خَلطاً بِغَيرِ فَنِّ
ما بَينَ شَرقٍ وَبَينَ غَربٍ / حَيَّرتَ في حالتَيك ظَنّي
في كُلِّ مَعنىً تَنُوحُ قُل لي / أَنادِبٌ أَنتَ أَم مُغَنّي
تَبكي إِذا ما الحَبيبُ وافى / ما أَشبَهَ الوَصلَ بِالتَجَنِّ
تَبلّدَ الحسُّ مِنكَ حَتّى / يَئستَ في مَوضِع التَمَنّي
تُعذَرُ في النَوح إِذ تُعَزّى / قُل لي فَما العُذرُ إِذ تُهني
أقسِمُ لَم أَهجُهُ وَلَكِن / يَقولُ لي الحَقُّ لا تَخُنّي
قَد سَحَرتَ النُهى بِسحرٍ مُبِينِ
قَد سَحَرتَ النُهى بِسحرٍ مُبِينِ / فاتَّقِ اللَهَ يا يَراعَ أَمينِ
وَسَلَبتَ القُرّاءَ أَفضَل ما أَو / دَعهُ اللَهُ في سَليلِ الطينِ
وَعَجيبٌ لِسارِقٍ حَدُّهُ الشَر / عيُّ فينا تَقبيلُ تِلكَ اليَمينِ
جَنَّةٌ في يَراعِكَ الخِصبِ تُؤتي / أُكلَها طَيِّبَ الجَنى كُلَّ حِينِ
قَلَمٌ لَم يَقُدهُ في الطِرس إِلا / دَفعُ شَكٍّ أَو اِجتِلابُ يَقِينِ
ما جَرى مَرَّةً بِغِلٍّ وَلا تُب / صِر يَوماً بِحَدِّهِ مِن طَعِينِ
وَيَميناً لَو أَنَّهُم أَنصَفوهُ / كَتَبُوا فَيضَهُ بِماءِ العُيُونِ
يا مُؤنِسَ المَسجونِ في سِجنِه
يا مُؤنِسَ المَسجونِ في سِجنِه / وَسَلوَةَ المَحزونِ مِن حُزنِه
إِن كُنتَ في السجنِ لَهُ صاحِباً / فَسِجنُهُ الجَنَّةُ في حُسنِه
أَساءَ بِالعالَمِ ظَنّاً وَلَو / أَدرَكتَهُ حَسَّنَ مِن ظَنِّه
وَجادَ بِالدُنيا اِحتِقاراً لَها / وَلَو رآكَ اِشتَطَّ في ضَنِّه
فَلَم يَجد سِحراً بِجَنّاتِه / كَسِحرِ هَذا النَثرِ في فَنِّه
وَكَم تَمَنّى لَو تَحِلُّ الطِلا / تُنسيهِ دَهراً لَجَّ في غَبنِه
فَدُونَهُ نَثركَ فَليَصطَبِح / مِن كَأسِهِ وَليَروَ مِن دَنِّه
خَلَّدتَه أَكثَرَ مِن شِعرِه / فَصارَ عُمرُ الدَهرِ في سِنِّه
لَو أَنَّهُ خُيِّرَ في عَينِه / وَفيكَ لاختارَكَ عَن عَينِه
شَرُفَت بِحُسنِ بَيانِكَ اللُغَتانِ
شَرُفَت بِحُسنِ بَيانِكَ اللُغَتانِ / وَمَدَدتَ لِلفُصحى يَدَ الإِحسانِ
أَطلَقتَ مِن أُمِّ اللُغاتِ عِنانَها / فَشَأَت لُغات الغَربِ في المَيدانِ
وَأَرَيتَ عائِبها بِعَجز أَدائِها / أَنَّ الجَهالَةَ آفَةُ الإِنسانِ
جَهِلوا ذَخائِرَها وَقَصَّر عِلمُهم / عَن سرِّها فَرَمَوا بَني عَدنانِ
يا كاتِباً يَكسو المَعاني حُلَّةً / مِن حُسنِ تَصويرٍ وَسِحرِ بَيانِ
فَرِحَت بِمَوطِنِها الجَديدِ كَأَنَّها / لَم تَنأَ أَوطاناً إِلى أَوطانِ
نُقِلَت فَلَم تَفقِد بِنَقلِكَ رُوحَها / نَقلَ الغُروسِ عَلى يَدي بُستاني
كَلِمٌ يُؤَلِّفُ بَينَ مُفتَرِق الهَوى / ما أَبعَدَ السكسُونَ عَن قَحطانِ
إِن حَيَّتِ اللُغَةُ الكَريمَةُ كاتِباً / فَتَحيَّةُ الفُصحى إِلى بَدرانِ