القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 36
فخار الملوك بأعوانها
فخار الملوك بأعوانها / وخير البلاد بعمرانها
وما ثبّت الله من دولة / بغير عدالة سلطانها
ألست ترى دولة المسلمين / وما كانَ من آل عثمانها
وما رفع الله من قدرها / وما عظّم الله من شأنها
وما بلغت فيه من قوة / تضاف لقوة إيمانها
فدان الأنامُ إلى حكمها / ولا حكم إلاَّ بقرآنها
فكان الفتوح على عهدها / وسعد البلاد بأزمانها
فيا لك من دولة أسِّسَتْ / قواعد أركان بنيانها
بما شرع الله بين العباد / وأبطل سائر أديانها
وما جاءنا سيّد المرسلين / وقام الدليل ببرهانها
إلى عهد أيام عبد العزيز / مجدّد أحكام إتقانها
فولّى الأمور لأربابها / وأهدى السيوف لأجفانها
فنعم الرجال ونعم الكمال / بأفكارها وبأذهانها
فلم تر يوماً كآرائها / ولا للحروب كشجعانها
صناديد أبطالها في الوغى / وأبطال أقيال فرسانها
وقد صدقته بما عاهدت / عليه العلى جهد إيمانها
ومن نعمة شكرت للمليك / وقد أوجبت حق شكرانها
أحال العراق إلى نامقٍ / ليصلح ما شان من شانها
فذلّل منها صعاب الأمور / وقاد المعالي بأرسانها
إذا افتخرت دولة بالرجال / وباهت محاسن أقرانها
فمن فخر دولتنا نامق / بحسن المزايا وإحسانها
وما زال نائله مَنْهلاً / لصادي الحشاشة ظمآنها
أباد الطغاة وأفنى العصاة / ودمّرها بعد عصيانها
وألبَس بغداد تاج الفخار / وقرّب أشراف قطانها
فكانت إليه أحبَّ الديار / وحبّ الديار لسكانها
ومكّنه الله من عِزَّةٍ / من الأمن غاية إمكانها
فلاحت عليه سطور الهنا / قرأنا السرور بعنوانها
وكم فتنة أوقدت قبله / فكان الخمود لنيرانها
أحلّ رعيته في أمان / أقرّ الجميع بأوطانها
وكلٌّ له منه ما يستحق / بوزن الرجال ورجحانها
لدولته صارم باتر / يبت الخطوب بإيمانها
وحزب من الله في عونها / وذلك أكبر أعوانها
ومنذ تولى أمور العراق / وكفَّ يَدَيْ ظلم عدوانها
أراح البلاد وسرّ العباد / وكان جلاءً لأحزانها
وفي البصرة الآن سعد السعود / يلوح لها من سليمانها
أميرٌ عليها رؤوف بها / حريص على جلب أعيانها
محبَّته مُزِجَت بالقلوب / مزاج النفوس بجثمانها
تريك فصاحة ألفاظه / مجاني فصاحة سحبانها
وإنَّ البلاغة حيث انتمت / إليه قلائد عقيانها
وتعرف من لفظه حكمةً / تُفَسِّرُ حكمة لقمانها
عقول الرجال بأقلامها / وفضل العقول بعرفانها
كأنَّ ترسله خمرةٌ / تطوف النوادر في حانها
ويبعث إملاؤه نشوةً / فيهدي السرور لنشوانها
وإنَّ القوافي لدى فضله / تباع بأنفس أثمانها
فمن ثمَّ يقطف نوارها / ويجني أزاهير بستانها
وفي البصرة الفصل في حكمه / لعهد المسرة إبانها
ولما أراد بها أنْ تكون / كروح الجنان وريحانها
تسبّب في حفر أنهارها / ومنع خبائث جيرانها
وعادت هنالك ماءً طهوراً / وعذباً فراتاً لعطشانها
وكانت لعمرك فيما مضى / تشاب بأقذار أدرانها
عسى أنْ تكون لسلطانها / مليك الملوك وخاقانها
إليها برأفته لفته / بسد المياه وطغيانها
فحينئذ لم نجد آفةً / بدفع مضرة طوفانها
يا نائباً غابَ عنِّي الصّبر مُذْ بانا
يا نائباً غابَ عنِّي الصّبر مُذْ بانا / هلاّ سألتَ عن المشتاق ما عانى
ما راق في عينه شيء يروق لها / ولا اصطفى غير من صافيت إخوانا
ولا إذا غرَّدت ورقاء في فنن / أملَت عليَّ من الأوراق أشجانا
وصرت في حال من لا يبتغي بدلاً / بالأهل أهلاً وبالجيران جيرانا
ما زلت أخضِلُ أجفاني بأدمعها / إذا تذكَّرتُ أوطاراً وأوطانا
أشدّهم في الوغى بأساً وأكرمهم / كفًّا وأعظمهمُ في قدره شانا
خليفة الله في الأقطار محترم / إنَّ العزيز عزيز حيث ما كانا
فلا كنامق والٍ للعراق ولا / كمثل عبد العزيز اليوم سلطانا
فلو وزنت ملوك الأرض قاطبة / لزادهم في الندى والبأس رحجانا
أراعها ما رأته من عزائمه / فأذعنت لمليك الأرض إذعانا
ولم يربه ركوب البحر من خطر / لما تنقل بلداناً فبلدانا
كالشمس إذ تملأ الدنيا أشعتها / لا تستطيع لها الأقطار كتمانا
قد صان مملكة الإسلام أجمعها / فصانه الله حِفظاً مثلما صانا
وما ادّعى الفخر مجدٌ في صنائعه / إلاَّ أقام عل ما قال برهانا
الله يكلأه مما يحاذره / وزاده الله بعد الأمن إيمانا
وهل يبالي بشيءٍ أو يحاذر من / أمرٍ ويرهب أمثالاً وأقرانا
من كانَ مستنصراً بالله متخذاً / حزب الملائك أجناداً وأعوانا
رأت من الملك السامي جلالته / فطأطأت أرؤساً منها وتيجانا
أبدت خضوعاً وقرّت أعيناً وجلت / عن القلوب من الأضغان أدرانا
صافى فصوفي حتَّى لم تجد أحداً / إلاَّ ويوليه بالنعماء شكرانا
صلب على الخصم لو تلقى الخطوب به / في نارها طول هذا الدهر ما لانا
يقضي النهار بأحكام يُدَبّرها / رأياً ويتلو بجنح الليل قرآنا
وأظهرت بالعراق العدل رأفته / من بعد ما مُلِئت ظلماً وعدوانا
فانقادت الناس عن أمرٍ لطاعته / طوع القياد فلا تأباه عصيانا
نعم الرجال رجال يحدقون به / كانوا لدولته الغَرّاء أركانا
كم أحرقت شهبه للماردين فما / أبقَتْ على الأرض للباغين شيطانا
رأت له معجزات الفخر فاختلقت / مذاهباً في معاليه وأديانا
فأجمعت أممُ الإفرنج واتَّفَقَت / على محبَّته شيباً وولدانا
بينا تراهم أسودَ الحرب إذ وُجِدوا / يحلّقون بجوّ الفخر عُقبانا
يقاتلون العدى صَفًّا فتحسبهم / في يوم معترك الأعداء بنيانا
فالبصرةَ الآن في خفضٍ وفي دعةٍ / وكلّ خير أتاها من سليمانا
أجاد فيما يراه من سياستها / فزان ما كانَ قبل اليوم قد شانا
وكيفَ أسلو أحبَّاءً مُنِيت بهم / وما وجدت لهذا القلب سلوانا
يا شدَّ ما راعني يوم الفراق ضحًى / ودَّعْتُ فيه من الغادين أظعانا
ولا يميل إذَنْ إلاَّ إلى شرف / ذو اللبّ متّخذ الأَشراف أخدانا
ولا سمعت بشيء من مناقبه / إلاَّ انثنيت بما أسمعت نشوانا
تَتَبَّعوا المجد حتَّى قال قائلهم / أحْيَتْ ملوكُ بني عثمان عثمانا
فأطلقت ألْسُنَ الدنيا مدائِحُه / وأسْمعت مَن بها سرًّا وإعلانا
جمعت منها قلوباً قلَّما اجتمعت / محبَّة فيك ساداتٍ وأَعيانا
وإنْ تلفَّظت في نطق وفي قلم / قرّطت من دور الأَلفاظ آذانا
لقد حكيت وما فاتتك فاتنة / قسّ الفصاحة أو ناظرت سحبانا
أحْسَنْتَ في كلِّ ما دبّرْت من حكم / جُزِيتَ عن ذلك الإِحسان إحسانا
فمن كمالك عن رأي ومعرفة / وضعت للعدل والإِنصاف ميزانا
فضل من الله أُوتينا الكمال به / فضلتَ غيرك معروفاً وعرفانا
لله درّك بين الناس من فطن / حيّرت في ذهنك الوقَّاد أذهانا
حلم به تترك النيران باردةً / وعزمة تترك الأَمواه نيرانا
لا تُنزلُ الجود إلاَّ في منازله / وما عزّ عندك من شيء وما هانا
أبصرت أشياءَ لا تخفى منافعها / كأن الأَوائل عنها الدهر عميانا
والناس من ذلك التنظيف يومئذٍ / كأنَّما انتشقت روحاً وريحانا
سقيتنا الماء عذباً ما به رنق / فأصبح الظَّامئ العطشان ريَّانا
ولم تدع وجميع الناس تملأه / ممَّا يزيد بمرضى البحر بحرانا
صحت بك البصرة الفجار من مرض / أضرَّ بالناس أرواحاً وأبدانا
من بعدما كانَ الأَمراض قد صبغت / منها الوجوه بصبغ الموت ألوانا
من ذا الَّذي ينكر الأَشياء حينئذٍ / وقد قلبت من الأَبدان أعيانا
يا دوحة المجد نزكو في مغارسها / أصلاً وفرعاً وأغصاناً وقضبانا
على جبينك خَطَّ المجدُ أسطُرَه / وكم قرأت لذاك الخطّ عنوانا
ويا لك الله إن حرَّزت من رجل / يمثّل السحر ألفاظاً وتبيانا
تجنى ثمار المعالي من رسائله / حتَّى غدت عن رياض الفضل بستانا
ومذ بدا وجهك الزَّاهي لأعيننا / جلا عن البصرة الفيحاء أحزانا
وفي قدومك ما تمَّ السرور به / وربَّما غابت الأَقمار أحيانا
لِيَهْنِك ما بَلَغْتَ من الأماني
لِيَهْنِك ما بَلَغْتَ من الأماني / فَلَمْ تَبْرَح بأيَّام التَّهاني
تُسَرُّ وقد تَسُرُّ الناس طرًّا / ببيضِ فعالك الغرّ الحسان
وفيما قدْ فَعَلْتَ جُزيتَ خيراً / وهل تجزى سوى خلد الجنان
فَعَلْتَ الواجبَ المأمور فيه / وما سنّ النَّبيُّ من الختان
وأولَمْتَ الوَلائم فاستَلَذَّتْ / لها الفقراءُ من قاصٍ ودانِ
وأكثَرْتَ الطعام بهنّ حتَّى / لقَدْ ضاق الطعام عن الجفان
وجاء الناس أفواجاً إليها / فلمْ يعرف فلان من فلان
شرابُهم شرابٌ سُكَّريٌّ / وممّا يشتهون لحوم ضان
لقد قيل الطعام فلم تدان / وقد قيل السماع فلم تدان
بذكر الله إنَّك قبل هذا / قد استغنيتَ عن كلّ الأغاني
وما تلهو عن السَّبْع المثاني / بأصواتِ المثالثِ والمثاني
خَتَنْتَ بَنيك في أيّام سَعْدٍ / بمعتَدِل الفصولِ من الزمان
وأربعمائة خُتِنَتْ وكانت / يَتامى لم تُسَنَّنْ بالختان
كسَوتَهم الملابسَ فاخراتٍ / فراحوا مثلَ روض الأقحوان
فمن خضرٍ ومن صُفرٍ وحُمرٍ / كأمثال الشقيق الأرجواني
كأزهار الرَّبيع لها ابتهاجٌ / وقد سُقيَت حيا المزن الهتان
أتيت بها من الصَدقات بكراً / وما كانت لعمرك بالعوان
أرَدْتَ بذاكَ وجْهَ الله لا ما / يقالُ ويستفاض من اللسان
أُحِبُّكَ لا لمالٍ أقْتَنيه / ولا طمعٌ بجود وامتنان
ولا أثني عليكَ الخيرَ إلاَّ اعت / قاداً باللّسان وبالجَنان
وكيفَ وأنتَ للإسلام ركنٌ / تُشاد به القواعدُ والمباني
أعَزَّ الله فيك الدينَ عِزًّا / ولم يَكُ قبلَ ذلك بالمُهان
فكنتَ الرَّوح والمعنى المعالي / فقلْ ما شئت عن روح المعاني
تقولُ الحقَّ لا تخشى ملاماً / ولست عن المقالة بالجبان
ولا داريتَ أو ماريتَ قوماً / برفعة منصبٍ وعلوِ شان
ولم تحكمْ على أمرِ بشيءٍ / إلى أنْ يستبينَ إلى العيان
فتدرك ما تحاول بالتأني / وإنْ رمتَ الجميل فلا توان
محمّد الأمين أمِنْتَ مما / تحاذِرُه وإنَّك في أمان
كفاك الله ألسِنَةً حداداً / لها وخزٌ ولا وخزُ السنان
ولم أسمَعْ مقالاً فيك إلاَّ / مقالَ الخير آناً بعد آن
بَقيتَ لنا وللدنيا جميعاً / وكلٌّ غيرُ وجهِ الله فانِ
ما زلت أوَّلَ مُغْرَمٍ مفتونِ
ما زلت أوَّلَ مُغْرَمٍ مفتونِ / فتكت به حَدَقُ الظباء العينِ
وَجَنَتْ عليه بما جنته لواحظ / تركته منها في العذاب الهون
ماذا يقيك من الموائس بالقنا / إنْ طاعنتك قدودها بغصون
وسطت عليك جفونها بصوارمٍ / ما أُغْمِدَتْ أمثالها بجفون
إنَّ العيون البابليَّة طالما / جاءت بسحرٍ للعقول مُبين
لانت معاطف من تحب وإن قسا / قلباً فلم يكُ وَصْلُه بمدين
هَوِّنْ عليك فإنَّ أرباب الهوى / لا زال تشكو قسوة من لين
ويلي من اللحظات ما لقتيلها / قَوَدٌ وليس أمينها بأمين
والمسعدون من الغرام بمعزل / عني فهل من مسعدٍ ومعين
ظعن الذين أحبّهم فتناهبت / مهج القلوب حواجب بعيون
وتركْنَ أرباب الرجال كأنما / شربت زعاف السم بالزرجون
ما إنْ أطلْتُ إلى الديار تلفّتي / إلاَّ أطلْتُ تلفّتي وحنيني
ولقد وقفت على المنازل وقفة / فقضيت للأطلال فرض ديون
وجرت بذياك الوقوف مدامعي / ومَرَتْ لهاتيك الديار شؤوني
فسقى مصاب المزن كلّ عشية / عهداً يصوب عليه كل هتون
يا سعد قد نفرت أوانس ربرب / بنوىً يشطّ به المزار شطوني
فاسعد أخاك على مساعدة الجوى / إنْ كانَ دينك في الصبابة ديني
كانت منازلنا منازل صبوة / وديار وجد علاقة وفتون
تتلاعب الآرام في عرصاتها / فيجدّ بي تلفي وفرط شجوني
جمعت فكانت ثَمَّ مجتمع الهوى / ظبي الكتاس بها وليث عرين
أيام كنت أُديرها ياقوتة / حمراء بين الورد والنسرين
والروض متفق المحاسن زهره / بعد اختلاف الشكل والتلوين
وتَفَنُّنُ الورقاء في أفنانها / ينبيك أنَّ الورق ذات فنون
والكأس تبسم في أكُفِّ سقاتها / عن در مبتسم الحباب ثمين
ضمنت لشاربها السرور فحبذا / ذاك الضمان لذلك المضمون
ومهفهفٍ ينشقّ في غسق الدجى / من ليل طرته صباح جبين
وأنا الطعين بسمهريّ قوامه / يا للرجال لصبّه المطعون
قد بعته روحي ولا عوضٌ لها / ورجعت عنه بصفقة المغبون
علم الضنين بوصله في صدّه / أنِّي ببذل الروح غير ضنين
قارعت أيامي لعمرك جاهداً / حتَّى انتضيت لها حسام الدِّين
جرّدته عضباً يلوح يمانياً / جادت بصقيله يمين القين
فإذا ركنت إلى نجيب لم يكن / إلاَّ إلى ذاك الجناب ركوني
أعلى مقامي في عليّ مقامه / فرأيت منزلة الكواكب دوني
وظفرت منه بما به كانَ الغنى / عن غيره في العزّ والتّمكين
وصددتُ عن قوم كأنَّ نوالهم / مالُ اليتيم وثروةُ المسكين
فتكاثرت نعم عليَّ بفضله / من فضله وأقلّها يكفيني
السيّد السند الَّذي صدقت به / فيما تحدّث عن علاه ظنوني
يمحو ظلام الشك صبحُ يقينه / والشكُّ ينفيه ثبوت يقين
متيقظ الأفكار يدرك رأيه / ما لم يكن بالظنّ والتخمين
من أُسْرَةٍ رغموا الأُنوف وأصبحوا / من أنف هذا المجد كالعرنين
قوم يصان من الخطوب نزيلهم / ونوالهم بالبر غير مصون
اللابسون من الفخار ملابساً / ومن الوقار سكينة بسكون
إنّ الَّذي نجبت به أمُّ العُلى / ظفرت به في الأكرمين يميني
ما زلت في وُدّي له متمسّكاً / أبداً بحبل من عُلاه متين
أنْفَكُّ أقسمُ ما حييت أليَّةً / بالله بل بالتين والزيتون
لولاه ما فارقت من فارقته / وهجرت ثمة صاحبي وخديني
ووجدت من شغفي إليه زيارتي / ضرباً من المفروض والمسنون
وحثثت يومئذٍ ركائبي الَّتي / لفّت سهول فدافد بحزون
كم من يد بيضاء أنهلني بها / ما أنهلّ من وبل السحاب الجون
ورأيت من أخلاقه بوجوده / ما أبدع الخلاق بالتكوين
ولكم تجلّى بالمسرّة فانجلى / صدأ الهموم لقلبي المحزون
حيث السعادة والرئاسة والعلى / تبدو بطلعة وجهه الميمون
يا من جعلت لما يقول مسامعي / أصداف ذاك اللؤلؤ المكنون
إنِّي أهشُّ إذا ذُكِرتُ فأجتلي / راحاً تَسُرُّ فؤاد كل حزين
وإذا صحوت ففي حديثك نشوتي / وإذا مَرِضتُ فأنت من يشفيني
بفكاهة تشفي الصدور وبهجة / قَرَّت بها في الأنجبين عيوني
أطلقتُ ألسنة الثناء عليك في / ما أبدعته بأحسن التنظيم
إنْ دوَّنوا فيك المديح فإنَّما / مدح الكرام أحقُّ بالتدوين
فاسلم ودم أبداً بأرغد عيشة / تبقى المدى في الحين بعد الحين
أيُّها القبر لا بَرِحْتَ مَصوباً
أيُّها القبر لا بَرِحْتَ مَصوباً / من غزيرِ الحيا بصيّب مُزْنِ
دفنوا في ثراك أكرمَ مَيْتٍ / خال ما بينه المَنونُ وبيني
من أبٍ كانَ بي رؤوفاً رحيماً / جُزِيَ الخيرَ والمثوبة عني
سوف أبكيه ما حييت وإن كا / ن بكائي عليه ليس بمغن
نال من ربِّه مقاماً كريماً / يتمنّى مكانه المتمنِّي
قلت لما مضى وأرَّختُه قد / نِلتَ عبد الوهاب جنَّاتِ عدن
في رحمة الله مضى وانقضى
في رحمة الله مضى وانقضى / قَرْمٌ له بين الورى شانُ
قد كانَ طود المجد حتَّى هوتْ / له برغم المجد أركان
مات شهيداً فإلى روحه / من ربّه عفوٌ وغفران
وكم مضت قومٌ لهم صَولةٌ / حتَّى كأَنَّ القومَ ما كانوا
ماتَ ابنُ غنَّام فأرّخته / في الخلد قد راحَ سليمان
هُنِّيت بالفرمان والنيشانِ
هُنِّيت بالفرمان والنيشانِ / من جانب المَلِك العظيم الشانِ
ملكٌ إذا عُدَّ الملوك وَجَدْتَها / من دونه بالعزِّ والسلطان
متفردٌ في العالمين وواحدٌ / بين الأنام فما له من ثان
وتقول إنْ أبْصَرْته في موكبٍ / أسَدُ الأُسودِ بحومَةِ الميدان
خَلَبَ القلوبَ جمالهُ وجلالُهُ / فجلالهُ وجمالهُ سيَّان
نَعِمَتْ بدولته البلاد وأشرقَتْ / إشراقَ دين الله في الأَديان
وأمَدَّها من سيرةٍ نبويَّةٍ / في حكمةٍ بالأَمنِ والإِيمانِ
ولقد أعزَّ الدِّين دينَ محمَّد / عبد العزيز بملكه الخاقاني
ولقد تلافى الله فيه عبادَه / فالناس منه بحوزةٍ وأمان
فبالله يعلم والبريَّة كلُّها / أنَّ المليك خليفةُ الرحمن
كالشمس في كبد السماء وضوؤها / يغشى بكلِّ النفع كلَّ مكان
قد كانَ سِرُّ اللطف فيه مكتَّماً / حتَّى استبان وضاقَ بالكتمان
ولقد أراد الله في تأييده / أن يرجعَ الطاغين بالخذلان
وإذا نظرت إلى طويَّة ذاته / نظراً إلى المعروف والإِحسان
أيقَنْتَ أنَّ وجوده لوجودنا / كالماء يَنْقَعُ غلَّةَ الظَّمآن
ملك إذا زخرَتْ بحار نواله / يُخشى على الدُّنيا من الطوفان
فاقَتْ بنو عثمان في سلطانها / بالدِّين والدُّنيا بني ساسان
فَتَحوا البلادَ ودَوَّخوها عنْوَةً / وجَرَتْ مدائحهم بكلِّ لسان
فهم العباد الصَّالحون وذكرهم / قد جاءَ بعد الذكر في القرآن
هذا أمير المؤمنين وهذه / آثاره من حازمٍ يقظان
جعل العراق بنامق في جنَّة / محفوفةً بالرَّوح والرَّيحان
فردٌ من الأَفراد بين رجاله / لم يختصم بكماله اثنان
تعم المشيرُ عليه في آرائه / الصادق العرفات في الثوران
ما حلَّ في بَلَدٍ وآب لمنزلٍ / إلاَّ وآمنها من الحدثان
لا تعجبنَّ لنامق في فتكه / ليثُ الحروب وفارس الفرسان
تروي صوارمُه الفخار عن الوغى / لا عن فلانٍ حديثها وفلان
يَفْتَضُّها بالمشرفيَّة والقنا / بكراً من الهيجاء غيرَ عوان
ولربَّما أغْنَتْهُ شدَّة بأسه / عن كلِّ هنديٍّ وكلّ يماني
أعيانُ من رفع الوزارة شأنها / ألفَتْهُ عينَ أولئك الأَعيان
يا أيُّها الرُّكن الأشدّ لدولة / بنيت قواعدها على أَركان
دارَتْ بشانيها رَحى تدميرها / فكأَنَّها الأَفلاك بالدوران
أحكَمْتَها بالصِّدقِ منك مبانياً / في غاية الإِحكام والإِتقان
فحظيتَ من ملك الزَّمان بما به / فخرٌ على الأَمثال والأَقران
ولقد بلغتَ من العناية مبلغاً / يسمو برتبتها على كيوان
سُسْتَ العراقَ سياسة ملكيَّة / ما ساسها ذو التَّاج نوشروان
وَسَّعْتَ كلّ الضيق من أحوالها / حتَّى من الطرقات والبنيان
قرَّبتَ أرباب الصَّلاح بأسرهم / ومَحوْتَ أهل البغي والعصيان
وكذا الهماوند الذين تنمَّروا / وتمرَّدوا بالظلم والعدوان
دمَّرْتَهُمْ لمَّا عَلِمْتَ فسادَهم / وضِرارهم بالأَهل والأَوطان
خَلَعوا من السلطان طاعتَه الَّتي / في غيرها نَزْعٌ من الشيطان
لله درُّك من حكيمٍ عارفٍ / إنَّ الحسام دواء داء الجاني
جَرَّدْتَ من هِمَمِ الرَّئيس مهنَّداً / ما أغْمَدَته القين في الأَجفان
وعَلِمْتَ ما في بأسه من شدَّةٍ / معْ أنَّه في لُطفه روحاني
لبَّاك حينَ دعوتَه لقتالهم / لا بالبطيء لها ولا المتواني
فمضى بأعناق العصاة غرارهُ / والسَّيف لم يقطعْ بكفِّ جبان
فكسا بما أمضى بهم بيض الظبا / بدمٍ من الأَوداج أحمرَ قاني
وسَرَتْ به من طيب ذاتك نفحةً / عطريَّة الأَنفاس والأَردان
هُنِّيت بالولد الجميل ونَيلِهِ / رُتَبَ العُلى من حضرة السلطان
أضحى أميرَ لوائه في عسكرٍ / لا زال منصوراً مدى الأَزمان
وبما حباك الله في تأييده / والفخرُ في نيشانك العثماني
لاحتْ أشِعَّته عليك لجوهر / كالنجم لا بل كالشمس في اللَّمعان
هذا محلُّ الافتخار فدم به / بالعزِّ والتمكين والإِمكان
فرن المؤيّد جوهراً في جوهرٍ / فرأت به بغداد سعْدَ قران
فرحٌ على فرحٍ يدوم سروره / تجلو القلوب به من الأَحزان
هذه الدَّارُ ما عسى أن تكونا
هذه الدَّارُ ما عسى أن تكونا / فاقضِ فيها لها عَليك دُيونا
كانَ عهدي بها ومن كانَ فيها / أشرَقَتْ ولانتْ غصونا
يا دياراً عَهِدتُها قبلَ هذا / جنَّةً أزْلِفَتْ وحوراً وعِينا
كنتِ للشادن الأَغنّ كناساً / مثلما كنتِ للهزبر عرينا
قَد وقفنا على بقايا رسومٍ / دارساتٍ كأسطرٍ قد مُحينا
فبذلنا لها ذخائر دمعٍ / كانَ لولا الوقوف فيها مصونا
ذكَّرتْنا الهوى وعهد التَّصابي / فذكرنا من عهدها ما نسينا
هلْ عَجِبْتُمْ والحبُّ أمرٌ عجيبٌ / كيفَ يَستعذبُ العذابَ المهينا
أو سألتم بعد النوى عن فؤادي / فسَلوا الظاعنين والنازحينا
وبنفسي أحبَّة يومَ بانوا / حَرَّموا النومَ أنْ يمَسَّ الجفونا
عَرَّضوا حين أعرضوا ثمَّ قالوا / قَدْ فتنَّاك في الغرامِ فتونا
إنْ أطلنا الحنينَ شوقاً إليكم / فعلى الصَّبِّ أنْ يطيل الحنينا
ربَّ ورقاءَ غَرَّدَتْ فشجتني / وكذاك الحزين يشجي الحزينا
رَدَّدَتْ نَوحَها فردَّدت منِّي / زفرةً تصدع الحشا وأنينا
ردِّدي ما استطعت أيَّتها الوُرْقُ / شجوناً من الأَسى ولحونا
وأعيدي شكوى الغرام عَلَيْنا / واجهدي لا شقيتِ أنْ تسعدينا
لو شكوناك ما بنا لشرحنا / لكِ من لوعة الغرامِ متونا
ما أطعنا اللُّوَّامَ والحبُّ يأبى / أنْ يطيعَ المتيَّمُ الَّلائمينا
لهف نفسي على مراشف ألْمى / أوْدَعَ الثغرَ منه داراً ثمينا
لانَ عطفاً مهفهفُ القدِّ قاسٍ / كلَّما زادَ قسوةً زدْتُ لينا
يا شفائي من عِلَّةٍ بَرَّحَتْ بي / إنَّ في القلبِ منك داءً دفينا
يا ترى تجمع المقادير ما كانَ / وأنَّى لنا بها أنْ تكونا
في ليالٍ أمضيتُها بعناق / لا يظنُّ المريب فينا الظنونا
فرَّقَتْنا أيدي النوى فافترقنا / ورمينا ببَيْنها وابتلينا
بينَ شرقٍ ومغربٍ نَنْتَحيه / فشمالاً طوراً وطوراً يمينا
أسعدَ الله فِرقَةَ العزِّ لمَّا / كانَ عبد الرحمن فيها خدينا
قدَّمتْه الولاةُ واتَّخذته / في الملمَّات صاحباً ومعينا
واستَمدَّتْ من رأيه فَلَقَ الصُّبحِ / بَياناً منه وعلماً رصينا
جَذَبَ النَّاسَ بالجميل إليه / وحباهم بفضله أجمعينا
فرأتْ ما يَسُرُّها من كريمٍ / من سُراة الأَشراف والأَنجبينا
شِيَمٌ عن إبائه في المعالي / أسلَكَتْه طريقها المسنونا
تَستَحيل الحزونُ فيه سهُولاً / بعدَ ما كانت السهول حزونا
ويهون الأَمر العظيمُ لديه / وحَرِيٌّ بمثلِهِ أنْ يهونا
زانَ ما شان في حوادث شتَّى / ومحا ما يشين في ما يزينا
فإذا قستُه بأَبناء عَصري / كانَ أعلى كعباً وأندى يمينا
قد وَجَدْناك والرِّجال ضروبٌ / والتجاريبُ تظهرُ المكنونا
عروةٌ من عُرا السَّعادة وثقى / قد وثقنا بها وحبلاً متينا
هذه النَّاس منذ جئتَ إليها / زَجَرَتْ منك طائراً ميمونا
كلّ أرضٍ تحلُّها كانَ أهلو / ها بما ترتجيه مستبشرينا
وإذا رُوِّعَتْ ومثلُك فيها / أصبحوا في ديارهم آمنينا
يا شريفَ الأَخلاق وابنَ شريفٍ / أشرفَ النَّاس أثبتَ النَّاس دينا
أحمِدُ الله أن رأتكَ عيوني / فرأتْ ما يَقُرُّ فيك العيونا
وشَمَمْنا من عَرف ذاتك طيباً / فكأنِّي إذ ذاك في دارينا
وَوَرَدْنا نداك عذباً فراتاً / إنَّما أنتَ منهلُ الواردينا
لك في الصالحات ما سوفَ يبقى / ذكرها في الجميل حيناً فحينا
حُزتَ فهماً وفطنةً وذكاءً / وتَفَنَّنْتَ في الأُمور فنونا
وتولَّيتَ في الحقيقة أمراً / كانَ من لطفه المهيمن فينا
سيرة ترتضى جُبِلَتْ عليها / ومزايا ترضي بها العالمينا
فاهنأ بالصَّوم والمثوبة فيه / وجزيل الصِّيام في الصَّائمينا
وبعيدٍ يعودُ في كلِّ عامٍ / لكَ بالخيرِ كافلاً وضمينا
هذه الدارُ وهاتيك المغاني
هذه الدارُ وهاتيك المغاني / فَسَقاها بِدَمٍ أحْمَر قاني
دَنِفٌ عَبْرَته مُهراقةٌ / مثلما أهْرَقَت الماءَ الأواني
في رسومٍ دارسات لقِيَتْ / ما يلاقي الحرُّ في هذا الزمان
كانَ عهد اللهو فيها والهوى / خَضِلَ المنبَتِ حلويَّ المجاني
تزدهي بالغيد حتَّى خَلْتُها / روضةً تنبتُ بالبيض الحسان
تتهادى مثل بانات النقا / بقدودٍ خطرت من خوطِ بان
أثمرَتْ بالحسن إلاَّ أنّها / لم تكنْ مُدَّتْ إليها كفُّ جاني
فاتكاتٍ بعيون من ظباً / طاعناتٍ بقوامٍ من سنان
مَنْ مُجيري من هواهنَّ وما / حيلتي بين ضِرابٍ وطعان
أهوَنُ الأشياء فيهنّ دمي / والهوى أكبرُ داعٍ للهوان
قد رماني شادنٌ من يَعرُبٍ / لا رمى الله بسوءٍ من رماني
مستبيحاً دمَ صبٍّ طَلَّهُ / سَهْمُ عينيه حراماً غير واني
حسرةً أورثتُها من نَظرةٍ / ما لها في ملتقى الصَّبْر يدان
يا لها من نظرةٍ يشقى بها / دون أعضائي طرفي وجناني
نَفَرَتْ أسرابُ هاتيك المها / وذَوى من بعدها غصنُ الأماني
وتناثَرْنَ عُقوداً طالما / نظمتْ في جمعنا نظم الجمان
ما قضى دَيْنِيَ عنِّي ماطل / كلّما استقضيتُه الدَين لواني
يا أحبائي على شحط النوى / كم أعاني في هواكم ما أعاني
مُستَلذّاً في أحاديثُكُم / لَذَّةَ الشارب من خَمر الدّنان
ما صُحا فيكم لعمري ثَمِلٌ / لَمْ يَذُقْ راحاً ولا طاف بحان
أترى الورقاءَ في أفنانها / قد شجاها في هواكم ما شجاني
فكأنْ قد أخَذَتْ من قَبلها / عن قماري الدَّوح أقمارُ القيان
رابَ سلمى ما رأت من همة / نهضت مني وحَظٍّ متوان
لم تكن تدري ومن أينَ لها / مَبْلَغُ العلم وما تعرفُ شاني
واثقاً بالله ربي والغنى / من ندى عبد الغنيِّ في ضمان
قرن الإحسان بالحسنى معاً / فأراني فيهما سَعْدَ القِران
لم يَرُعني حادثٌ أرهَبُه / أنا ما عِشْتُ لديه في أمان
هو ركنُ المجد مَبنى فخره / لا وَهَتْ أركان هاتيك المباني
جعَلَ الله به لي عصمةً / فإذا استكفيته الأمرَ كفاني
ففداه من لديه ما له / بمكان الرّوح من نفس الجبان
ثاني اثنين مع الدُّرِّ سَنىً / واحدٌ ليس له في النَّاس ثان
عَجبٌ منه ومن أخلاقِه / لو تَتبَّعْتَ أعاجيب الزمان
كَرمٌ محضٌ وبأسٌ وندى / في نجيبٍ قلّما يجتمعان
وأذَلَّ المالَ معطاءٌ يَرى / عزَّةَ الأنفس بالمال المهان
بأبي من لم يزل منذ نشا / خضلَ الراحة منهلّ البنان
بُسِطَتْ أنْملُه العَشْرُ فما / زِلتُ منها حشوَ جنات ثمان
وله مبتكرات في العلى / ترفع الذكر إلى أعلى مكان
قائلٌ في مثلها قائلها / هكذا تُفْتَضُّ أبكارُ المعاني
رجلٌ في مَوقفِ الليث له / فتكةُ البِكرِ من الحَرب العوان
تَحت ظلِّ النَّقْع في حَرِّ القنا / فوقَ رَحبِ الصَّدْرِ موّار العنان
والمواضي البيض ما إنّ أشرقَتْ / شَرِقَتْ ثَمَّ بلَونٍ أرجواني
ولك الله فقد أمَّنْتَني / كلَّما عشتُ صروف الحدثان
إنّما قَيَّدتني في نِعمة / أطلَقَتْ في شكرها اليومَ لساني
دونك النَّاس جميعاً والربا / أبَداً تَنْحَطُّ عن شُمّ الرّعان
يا أبا محمود يا هذا الَّذي / عَمَّ بالفضل الأقاصي والأداني
منزلي قَفْرٌ ودهري جائر / فأجرني سيّدي من رَمضان
وزمانٍ منه حَظّي مثلما / كانَ حظّ الشّيب من وُدِّ الغواني
لستُ أدري والَّذي في مثله / أنْزَلَ القرآن والسبعَ المثاني
أفأيّامُ صيام أقبَلَت / هيَ أمْ أيامُ بؤسٍ وامتحان
ساءني منه لعمري شَرَفٌ / ليَ من تلك الحروف الثُلثان
لو أرى لي سفراً قطّعته / إرَباً بالأنْيُق النجب الهجان
نائياً عن وَطَنٍ قاطنه / يحسُد اللاّطمُ وجهَ الصحصحان
يا غماماً لم يَزل صَيِّبُه / وأكفَ الدِّيمَة آناً بعدَ آن
صُمْ كما شِئت بخيرٍ واغتَنم / أجْرَ شهرِ الصَّوم بالخير المدان
ما جزاءُ الصَّوم في أمثاله / غَير ما نوعَدُ فيه بالجنان
وتهنّا بعدَه في عيدهِ / إنَّ أعيادَك أيامُ التهاني
لا خلاك الله من دنياً بها / كلّ شيء ما خلا مجدك فان
في زمانٍ أصْبَحَ الجودُ به / والمعالي أثَراً بعدَ عيان
في رحمة الله وغفرانه
في رحمة الله وغفرانه / وفي المحلِّ الأَشْرَفِ الأَمْكَنِ
من كانَ في الدُّنيا بها محسناً / فعاد في الأخرى إلى محسن
أصابَهُ الرَّامي على عمده / من حيث لم يشعر ولم يفطن
ومات في ساعته صائماً / في شهر صَوْم المسلم المؤْمِن
في رميةٍ مات شهيداً بها / جرت عليه أدمع الأعيُن
دمٌ لعمري لم يمت ثاره / على مَدَى العمر ولم يدفن
أوى إلى الله فيا حبَّذا / مأوى جميل الظَّنّ مستيقن
في جنَّة الخلد الَّتي أزلفت / أَرَّخْته مكان عبد الغني
وَرَدَ السُّرورُ وطافَ بحانِها
وَرَدَ السُّرورُ وطافَ بحانِها / مَن كانَ صاحبَها ومن أَخدانِها
جُلِيَتْ فكان من الحَباب نِثارها / وقلائد العِقيان نظم جمانها
والصُّبحُ قد سَفَرتْ محاسِنُه لنا / وشجون وُرقِ الدَّوح من أشجانها
تُملي على فَنَنِ الغصون فنونَها / ورقاءُ قد صَدَحَتْ على أَفنانها
وتجيد أوتار القيان لحونها / فاشرب على النغمات من ألحانها
وانظر إلى الأَزهار كيف يروقها / إشراقُ بهجتها وطيبُ زمانها
وعلى اتّفاق الحُسنَ من أشكالها / وَقَعَ الخلافُ فكان من ألوانها
يَهَبُ النَّسيمُ عبيرَها من روضةٍ / لا زال طفل الطّلّ في أحضانها
يا حبَّذا زَمنٌ على عهد الصبا / ومواسم اللذَّات في إبّانها
حيث الهوى وطرٌ وأبيات الحمى / أَقمارُ مطْلَعِها وجُوهُ حِسانها
ويُديرُ بدرٍ التِّمِّ في غَسَق الدُّجى / كأساً حصى الياقوت من تيجانها
لله أوقاتُ السُّرور وساعة / تجري كميتُ الرَّاح في ميدانها
ضَمِنَتْ لنا الأَفراحَ كأسُ مدامةٍ / وَفَت المسرَّة برهة بضمانها
ويروقها ذاك الحَبابُ فَعَقْدُهُ / من نَظْم لؤْلؤِها ومن مرجانها
مِسْكِيَّةُ النفحات يسْطعُ طيبها / ما افتضَّ ربّ الحان ختم دنانها
في مجلسٍ دارت به أقداحُها / فكأَنَّها الأَفلاكُ في دورانها
يا طالب اللّذّات حسبُكَ لذَّة / ما سال في الأَقداح من ذوبانها
باكِرْ صَبوحَك ما استَطَعْتَ وعُجْ إلى / كأسِ الطلا واحرصْ على ندمانها
وإذا سََرحتَ إلى الرِّياض فنَلْ إذَنْ / من رَوحها أرَجاً ومن رَيْحانها
ومُوَرَّدِ الوَجَنات جنَّةُ وَجْهِهِ / تَصلى بأحشائي لظى نيرانها
ومهفهفٍ ذي طلعةٍ قَمَرِيَّةٍ / أَجْني ثمارَ الحُسن من بستانها
ما زالَ تَفْعَلُ بالعقول لحاظه / ما تفعلُ الصَّهباءُ في نشوانها
يَسقي فأَشربُ من لمَاه وكأسُه / ما يُنعِشُ الأَرواح في جثمانها
يشفي مريض القلب من أَلم الجوى / ولذا تَقَرُّ النَّفسُ من هيمانها
ويبلُّ غلَّةَ وامقٍ مستغرم / بالرّيّ من صادي الحشا ظمآنها
تَسْتَحْسِنُ الأَبصار ما بُليت به / وبَلِيَّةُ العشَّاق باستحسانها
إنَّ النقيب القادريّ لعوذتي / من حادث الدُّنيا ومن عدوانها
شهمٌ تذلّ المال عزَّةُ نفسه / ومنزّل الأَموال دار هوانها
السّيّد السَّنَدُ الرَّفيعُ مكانه / حيث النجوم وحيث سعد قرانها
الطاهر البَرّ الرَّؤوف بأُمَّةٍ / اللهُ وفَّقها إلى إيمانها
كم حُجَّةٍ قد أَنبأَتك بفضله / قام الدليل بها على برهانها
الباسطُ الأَيدي لكلِّ مؤمِّل / وجداول الإِحسان فيض بنانها
تزِنُ الرِّجال عوارفُ ومعارفٌ / يتميّز الرّجحان في ميزانها
قل للمُفاخرِ سادةً قرشيَّةً / ما أَنتَ يوم الفخر من فرسانها
فهُمُ الجبال الرَّاسيات وإنَّهم / بين الجبال الشّمّ شم رعانها
بَنَت المباني في العُلى آباؤه / من قبله فبَنى على بنيانها
ما زلتُ أُبصرُ منك كلّ أبيَّةٍ / ما كانَ غيرك آخذاً بعنانها
حتَّى إذا بلَغَتْ سماوات العُلى / رَفَقَتْكَ حينئذٍ على كيوانها
نفسٌ لعمرك في النفوس زكيَّةً / الله فضَّلها على أَقرانها
ما فوق أيديه لذي شرفٍ يدٌ / لا في سماحتها ولا إحسانها
كم من يدٍ لكَ في الجميل ونِعمةٍ / تَسْتَغْرِقُ العافين في طوفانها
فالسَّعْدُ والإِقبالُ من خُدَّامها / والعالم العلويُّ من أَعوانها
ذاتٌ مطهَّرة ومجدٌ باذخٌ / في سِرِّها لطف وفي إعلانها
لله فيه سريرةٌ نبويّةٌ / عَرَفَتْ جميعُ الخلق رفعة شانها
نشرت صحائف فضله بين الورى / فقرأت سطر المجد من عنوانها
إنِّي لأَشكُرُ من جميلك نِعمةً / وأَعوذُ بالرَّحمن من كفرانها
أُلْبِسْتُها منك الجميل صنايعاً / سطعت بطيب الشُّكر من أردانها
ها أنتَ في الأَشْرافِ واحد عصرها / ونجيبُ عنصرها رضيعُ لبانها
إلاَّ تَنَلْ قومٌ عُلاك فإنَّهم / طالوا وما بلغوا رفيع مكانها
أَوْ عُدَّت الأَعيان من نُقبائها / ما كنتَ إلاَّ العَينَ من أَعيانها
إنَّ القوافي في مديحك لم تزلْ / تُثني عليك بلفظها ولسانها
بحيث انعطف البانُ
بحيث انعطف البانُ / قويمُ القدِّ فتَّانُ
وللقامات أغصان / وفي الأرداف كثبان
رويداً أيها السَّاقي / فإنِّي بك سكران
وهذا قدّك النشوا / ن من عينيك نشوان
فلي من روضك الزاهي / بروض الحسن بستان
فمن وجنتك الوَرْدُ / ومن قامتك البان
ومن عارضك المخضرّ / لي رَوحٌ وريحان
وفي فيك لنا خمرٌ / وأنت الخمر والحان
وإنِّي لجنى ريقتك / العذبة ظمآن
جنود منك في الحب / على قتليَ أعوان
فمن جفنيك صمصام / ومن قدّك مرّان
نعم في طرفك الموقظ / وجدي وهو وسنان
وما أنتَ كمن يُسلى / وما لي عنك سلوان
وجنّات دخلناها / فقلنا أين رضوان
وفيها من فنون الحُ / سْن في الدَّوحة أفنان
وفيها اختلفت للز / هر أشكال وألوان
فللنرجس أحداقٌ / كما للآس آذان
وهذا الأٌقحوان الغضُّ / تبدو منه أسنان
وقد حضّ على شرب / المدام الصّرف ندمان
وطافت بكؤوس الراح / والراحات غلمان
وطاسات من الفضة / فيها ذاب عقيان
فما وسْوَسَ للهمِّ / بصَدْر الشَّرب شيطان
وقال اشرب على حبّي / فإنَّ الحبَّ سلطان
وهذا القدح الفارغ / أضحى وهو ملآن
رعى الله لنا في الحيّ / أحباباً وإن خانوا
ذكرناهم على النأي / وإن شطوا وإن بانوا
وفي الذكرى تباريحٌ / وأشجان وأحزان
كأنَّا في رياض الحزن / لا كُنَّا ولا كانوا
سقى عهدهم الماضي / مُلِثُّ القَطر هتَّان
فما تغمض من بعدهم / للصبِّ أجْفان
وأظمى كبدي الحرّى / بَرودُ الثغر ريَّان
بذلنا أنفساً تغلو / لها في الحب أثمان
ألا لا سَلِمَ المال / وفي الأنجاب سلمان
قرين الشرف الباذخ / والأشراف أقران
على طلْعَته الغرّاء / للإقبال عنوان
همُ القومُ إذا عُدّوا / بهم تفخر عدنان
أباةُ الضَّيْم أشراف / لغير الله ما دانوا
وها هم في سبيل الله / ما جاروا وما مانوا
هم الصُّمُّ إذا يَقْسون / والماءُ إذا لانوا
وإمَّا حَلَّقوا في جوِّ / علياءٍ فعُقبان
شيوخ لم تزل تسمو / إلى المجد وفتيان
أذلّوا عزّة المال / فما ذلّوا وما هانوا
وصانوا المجد في البذل / فما أحسَنَ ما صانوا
فَهُمْ للدِّين أطوادٌ / وهم للدِّين أركان
رجال كوشفت بالحقّ / لا يحجبها الرّان
فيا عين العُلى أنْتِ / لعين العزّ إنسان
وفي آثارك الغُرّ / من السادات أعيان
إذا ما وُزِنَ القومُ / ففي وزنك رجحان
وفي مدحك للأقلام / تغريدٌ وألحان
وفي شكري لنعمائك / إعلامٌ وإعلان
أرادَ الله في شأنك / أن يُرْفَعَ لي شان
ومما زاد في حُسْنِك / عند النَّاس إحسان
فمدحٌ لم يكن فيك / فتزويرٌ وبهتان
وربحٌ لم يكن منك / فذاك الربح خسران
وعن فضلك والصبح / وما يخفيه كتمان
وسارت بثنائي لك / في الأقطار ركبان
فلا زِلْتَ بعلياءٍ / لها ينحطُّ كيوان
وغادةٍ لو بروحي بعتُ رؤيتَها
وغادةٍ لو بروحي بعتُ رؤيتَها / لكنْتُ والله فيها غيرَ مغبونِ
ما البَدر والغصن أحلى من شمائلها / كأَنَّها من بَناتِ الحُور والعينِ
عفا الله عن ذاك الحبيبِ وإنْ جنى
عفا الله عن ذاك الحبيبِ وإنْ جنى / دَعاني به المشتاقُ في صدِّه العَنا
قَسَا قلبُهُ في قول واشٍ وحاسدٍ / وعهدي به رطب المحبَّة ليِّنا
من الغيد فتَّاك بقدٍّ ومقلة / إذ لاحَ وسنانُ النواظر بالسنا
ففي لحظه استكفَى عن الضرب بالظبا / وفي قَدِّه استغنى عن الطعن بالقنا
فأَينَ غصون البان منه إذا انثنى / وأَينَ الظباء العُفر منه إذا رنا
فيا سالبي صَبري على البعد والنَّوى / ويا مُلبسي ثوباً من السُّقم والضَّنى
لقد فَتَنَتْني منك عينٌ كحيلةٌ / وما خُلِقت عيناك إلاَّ لتفتنا
وليلٍ بإرغام الرَّقيب سَهِرْتُهُ / كأَنَّ علينا للكواكب أعينا
نَعمْنا به من لذَّة العيش ليلةً / وقد طافت الأَقداح من طربٍ بنا
فمِنْ كأس راح للمسرَّات تحتسي / ومن وَرْد خدٍّ ما هنالك يجتنى
إلى أنْ ذوى روض الدُّجى بصباحه / وبدَّلَ من وَرْدِ البنفسج سَوْسَنا
أَعِدْ ذكر هاتيك اللَّيالي وإنْ مضتْ / ولم تَكُ بعد اليوم راجعة لنا
إذا ما جَرَتْ تلك الأَحاديث بيننا / أَمالَ عليها غصنَه البانُ وانحنى
وإنْ عرض اللاّحي ولامَ على الهوى / فصرِّح بمن تهوى ودَعْني من الكنى
إلى الله أشكو من تجنّيه شادناً / أَحِلُّ مكاناً في الحشى فتمكَّنا
أُشيرُ إلى بدر الدجنَّة طالعاً / وإيَّاه يعني بالإِشارة من عنى
ويا ويحَ قلبي كيفَ يرمينَ أعينٌ / تعلَّمْنَ مرمى الصّيد ثمَّ رَمَيْنَنا
خليليَّ هل أحظى بها سِنَةَ الكرى / لعلَّ خيالاً يطرُقُ العينَ مُوهنا
فما أنا لولا النازحون بمهرقٍ / فُرادى دموع ينحدرنَ ولا ثُنا
رَعَيْتُ لهم عهداً وإنْ شطَّت النوى / بهم واستبين الودُّ بالصّدق معلنا
وإنِّي لأرعى للمودَّة حقَّها / ولا يهدمنَّ الوُدَّ عندي من بنى
ولا خير في ودّ امرئٍ إنْ تلوَّنت / بيَ الحال من ريْب الزَّمان تلوُّنا
حبيبٌ إليَّ الدَّهرَ من لا يريني / ويرعى مودَّات الأَخلاّءِ بيننا
وكلّ جواد يقتني المال للندى / وينفق يوم الجود أنفس ما اقتنى
لئنْ كنت أغنى النَّاس عن سائر الورى / فما لي عن سلمان في حالة غنى
إذا هَتَفَ الدَّاعي مجيباً باسمه / زَجَرْتُ به طيراً من السَّعد أيمنا
تأَمَّلتُ بالأَشراف حُسناً ومنظراً / فلم أرَ أبهى من سناه وأحسنا
بأكرَمهمْ كفًّا وأوْفرِهم ندًى / وأرفعِهم قدراً وأمنعِهم بِنا
وكم حدَّثوا يوم النَّدى بحديثه / فقلتُ أحاديث الكلام إلى هنا
وما زالَ يروي الشّعر عن مكرماته / حديث المعالي عن علاه معنعنا
بكلِّ قصيدٍ يحصُد العقد نظمها / تفنَّنَ فيها المادحون تفنُّنا
بروحي من لا زالَ منذُ عرفْتُه / إذا ما أساء الدَّهرُ بالحرِّ أحسنا
نَبا لا نَبا عنِّي بجانب ودِّه / ومَنْ لي به لو كانَ بالوَرْدِ قد دنا
وبي فيه من حُرِّ الكلام وجَزله / مقالٌ من العتبى وعتبٌ تضمَّنا
إذا برزتْ لي حجَّةٌ في عتابه / أعادت فصيح النطق بالصّدق ألكنا
أبا مصطفى إنِّي وإنْ كنت أخرساً / فما زالَ كلِّي في ثنائك أَلسُنا
أبا مصطفى أمَّا رضاكَ فمُنْيَتي / ومن عَجَبٍ فيك المنيَّة والمنى
إذا كانَ عزِّي من لدنك ورفعتي / فلا ترتضِ لي موطن الذُّلِّ موطنا
ألستُ امرأً أنزلْتُ فيك مقاصدي / بمنزلةٍ تستوجب الحمد والثنا
وشُكرانُ ما أوْلَيْتَنيه من النَّدى / لمتَّخذِ المعروف في البرّ ديدنا
وما كانَ ظنِّي فيك تصغي لكاذبٍ / وتقبل قول الزُّور من ولد الزِّنا
فتبدلني بعد المودَّة بالقلى / وتغضب ظلماً قبل أنْ تَتَبيَّنا
وأَنْتَ الَّذي جرَّبْتَي وبَلَوْتني / وأَنْتَ الَّذي في النَّاس تعرف من أنا
أَبيٌّ أَشَمُّ الأَنفِ غيرُ مداهن / قريبٌ من الحسنى بعيدٌ عن الخنا
صددت وأيم الله لا عن جنايةٍ / وما كانَ لا والله صدُّك هيِّنا
أَبنْ واستبن أمراً تحيط بعلمه / لعلّك أنْ تَستكشِفَ العذر بيننا
وَهَبْني مُسيئاً مثلَ ما يزعمونني / بلا ثقةٍ منهم فكنْ أَنْتَ محسنا
وسُرَّ إذَنْ نفسي ودع عنك ما مضى / فلا زلتَ مسروراً ولا زلتَ في هنا
نَزَلوا بحيثُ السّفْحُ من نُعمانِ
نَزَلوا بحيثُ السّفْحُ من نُعمانِ / حيثُ الهوى وملاعبُ الغزلانِ
هامَ الفؤاد بهم وزادَ صبابةً / يا شدَّ ما يلقى من الهَيَمان
يا لَيتهم عَلموا على بعدِ النوى / ماذا أُلاقي بَعدهم وأُعاني
كيفَ السلوُّ ولي فؤادٌ مُغرمٌ / في مَعزلٍ مني عن السُّلوان
أصْبو إلى وادي العقيق وأدفعي / لشبيهةُ وأبيك بالعِقيان
وبمهجتي نارٌ تشبُّ من الجوى / إنّ الجوى لمهيُّجُ النيران
لا تُكثرا عذلي فإنَّ مسامعي / صُمَّت عن اللاّحي إذا يلحاني
يا صاحبيّ ترَفَّقا إنِّي أرى / فيما أُعاني غيرَ ما تَريان
هذا الفُؤاد وهذه أعلاقُه / ضاق الغرام به عن الكتمان
فعلَ ادِّكاري بي لأيام مضَتْ / ما تفعل الصهباءُ بالنشوان
أيامَ كنتُ لَهوْتُ في زمن الصبا / وطرِبْتُ بين مثالثٍ ومثاني
أيامَ نادمْتُ البدور طوالعاً / والشمسُ تُشرق من بروج دنان
راحٌ إذا علَّ النديمُ بكاسها / ما للهموم عليه من سلطان
بَرَزتْ لنا منها السُّقاة بقَرفٍ / قد كلِّلت بالدُّر والمرجان
ويُديرها أحوى أغنَّ إذا رنا / سَحرَ العقول بناظرٍ وسْنان
ومُهفهفِ الأعطافِ خِلْتُ قوامَه / من خَوْط بانٍ يا له من بان
في روضةٍ تزهو بمنهلّ الحيا / بتنوُّعِ الأشكال والألوان
وتأرَّجَتْ فيها بأنفاس الصِّبا / زهر الرُّبا بالرَّوْح والرَّيحان
تتَرنَّم الأوتار في نَغماتها / من غير ألفاظٍ أتَتْ لمعاني
فكأنَّما تلك القِيانُ حمائمٌ / تُملي عليك غرائب الألحان
زمن الشبيبة مُذْ فَقدْتُك لم أجِدْ / للَّهو عندي والهوى بمكان
فارقتُ مذ فارقتُ عَصْرك أوجهاً / طَلعَتْ علينا كالبدور حسان
تسطو على العشاق من لحظاتها / بصوارمٍ مشحوذة وسِنان
وصَحَوتُ من شكر الشباب وغيّةِ / وأرَحْتُ من قد لامني ولحاني
وعَرَفتُ إذ حلَّ المشيبُ بعارضي / أنَّ الهوى سَببٌ لكلّ هوان
كانَ النسيبُ شقيقَ روحي والهوى / في مهجتي وقراره بجنابي
فهجرتُه هجرَ الخليلِ خَليلَه / من بعد ما قد حَلَّني وجَفاني
وأخَذتُ أُنشِدُ في الثناء قصائدي / بالسيّد السَنَد العظيم الشان
قَلَّدْتُه غُرُر الثناء قلائداً / ما لم تكنْ لقلائد العقيان
أشفي الصُّدور بمدحِه ومديحُهُ / كالماء يَنْقعُ غُلَّة الظمآن
إنَّ المناقبَ والمعاليَ كلَّها / بِعَليّ هذا العالم الإنساني
وإذا تَعرَّضْنا لجودِ يمينه / عَرَضتْ لنا بالعارض الهتَّان
شَمِلتْ مكارمُه العُفاة فلم تجد / إلاَّ غريقاً منه بالإحسان
مُتفرِّدٌ بالمجد واحدُ عصرِه / ما في الرِّجال لمجدِه من ثان
إنْ عُدَّتِ الأعيان من ساداتها / أبصَرتْ عينَ أولئك الأعيان
هذا النقيب الهاشميُّ ويا له / إنسانُ عين العزِّ من إنسان
هذا عليُّ القَدْرِ وابنُ علائِه / المنتمي شَرفاً إلى عَدنان
كم شنَّفَتْ أذناً مناقبُه الَّتي / تُلِيَت محاسنُها بكلّ لسان
وإذا شَهِدتْ جمالَه وجلالَه / أبصَرتْ ما لا تسمع الأذُنان
لو يدَّعي فيه الفخارُ مُفاخرٌ / ما احتاج يومئذٍ إلى برهان
حازوا الرئاسة والسيادة والعلى / أبناء عبد القادر الكيلاني
شيخُ الطريقة والحقيقة مقتدى / لقمان عمَّا جاءَ عن لقمان
كُشِفَتِ له الأسرار وهي غوامضٌ / دَقَّتْ على الأفكار والأذهان
غَوثُ الصَّريخ المستجير ببابه / لا مُعرضٌ عنهُ ولا متواني
مُذْ فاز حيًّا في كرامة ربّه / ومن الكرامة فاز بالرضوان
ومن المواهب لا يزال مريدهُ / يعطي مزيد الأمن والإيمان
من زارَ مرقده الشريفَ أمدَّه / بالرُّوح من إمداده الروحاني
لا يستطيع الملحدون بزَعمِهم / إنكارَ ما شَهِدتْ به الثقلان
وإذا الفتى شَمِلَتْه منه عناية / أغْنت عن الأنصار والأعوان
هو قطب دائرة يدور مدارها / أبد الزمان ومنتهى الدَوَران
بعوارفٍ ومعارفٍ ولطائفٍ / تُجلى القلوب بها من الأدران
مولاي أنتَ وأَنْتَ غاية مطلبي / وإليك منتجعي وعنك بياني
قد حُزت من شهر الصيام ثوابَه / وغَنِمتَ فيه الأجر من رمضان
فليَهْنَك العيدُ السَّعيدُ بعَوْده / واسلم ودُم فينا أبا سلمان
يا أيُّها الرَّكب قفوا بي ساعةً
يا أيُّها الرَّكب قفوا بي ساعةً / أَقْضي لِرَبْعٍ في الحمى دِيونا
ولم أشِمْ وامض برقٍ لامعاً / إلاَّ ذكرت الثغر والجبينا
وحين لاحَ الشَّيب في مفارقي / وكانَ ما لم أرضَ أن يكونا
وما خَلَفْتُ للغرام طاعةً / وما نَكَثْتُ حبلها المتينا
أَئِنُّ مَّما أضْمَرَت أضالعي / وكنتُ ممَّن أعْلَن الأَنينا
وما وَجَدْتُ في الهوى على الهوى / غير بكائي للأَسى مُعينا
يا صاحبيَّ والخليلُ مُسْعِدٌ / إنْ لم تعينا كلفاً فبينا
وأرَّقتني الوُرْقُ في أفنانها / تردِّد التغريد واللُّحونا
كم أجَّجتْ من الفؤاد لوعةً / وأهْرَقَتْ من عَبرة شؤونا
كم أرْغَمَتْ أَنْفَ الحسود سطوةً / وغَمرتْ بالبرّ معتفينا
يا شدَّ ما كابد من صبابةٍ / في صَبْوةٍ عذابها المُهينا
وفارقَ المَوْصلَ في قدومه / ليثٌ هزبرٌ فارقَ العرينا
من أشرف النَّاس وأَعلى نسباً / وكانَ من أَندى الورى يمينا
وكلَّما أَمْلَتْ تباريح الجوى / تفَنَّنَتْ بنَوْحِها فنونا
عوَّدَهُ على الجميل شيمةٌ / وأوْرَثَتْه شدَّةً ولينا
وحلَّ في الزَّوراء شَهمٌ ماجدٌ / نُقرُّ في طلعته العيونا
أُولئك القوم الذين أنْجَبَتْ / أَصلابها الآباء والبنينا
وطوَّقَتْه في العُلى أطواقها / وقَلَّدَتْهُ دُرَّها الثَّمينا
وأَظهروا ما أَضمروا من كيدِهم / وكانَ في صدورهم كمينا
يحفظُك الحافظُ من كيد العدى / وكانَ حصناً حفظه حصينا
وخيَّب الله به ظنونَهم / وطالما ظنُّوا به الظّنونا
وعُذْتُ بالرَّحم وهي عَوْذَةٌ / أخزَتْ به شيطانها اللَّعينا
لو كانَ للأيَّام وجهٌ حسنٌ / كانَ له الوجنة والعيونا
قد طبعوا على الجميل كلّه / وإنْ أساءَ الدَّهر محسنينا
أقولُ للشَّامت لمّا بدا
أقولُ للشَّامت لمّا بدا / يُكْثِرُ بالتَّعْنيف والشَّيْنِ
ألَيْسَ يكفيني فخاراً وقد / أصْبَحْتُ في قيدِ وَزيرين
ناحَتْ مُطَوَّقَةٌ في البان تُزْعِجُني
ناحَتْ مُطَوَّقَةٌ في البان تُزْعِجُني / بما تُهَيِّجُ من وَجْدي وأشجاني
كأَنَّما هي إذ تشدو على فَنَن / تشدو بذكر أُصَيْحابي وجيراني
يا وُرْقُ مالكِ لا إلفٌ أُصِبتِ به / ولا تناءَيْتِ عن دار وأوطان
فإنْ بكيتِ كما أبكي على سكن / فأَينَ منك همول المدمع القاني
إنِّي لفي نارِ وجدٍ لا خمود لها / وأنتِ حَشْوَ جنانٍ ذات أفنان
وفي الحشاشة ما ألقاه من ظمأٍ / إلى غرير بماء الحُسن ريَّان
إذا جنى الطّرف منِّي عنده نظراً / أَماتَني طرفُهُ الجاني وأحياني
كنَّا وكان وأيَّامي بذي سَلَمٍ / بيضٌ وقد صارَمَتْني منذ أزمان
فهلْ يُبَلُّ غليلُ الوجد بعدهم / من مُغْرَمٍ دَنفٍ يا سعد ظمآن
يا سَعْدُ لا الوعدُ بالقاصي أرِقت له / ولا اصطباري بعد النأي بالداني
ولستُ أَنْفَكُّ والأَحشاء ظامئة / وإنْ سَقَتْها بوبل الدَّمع أجفاني
أصبو إذا سَجَعَتْ في البان ساجعةٌ / وقد أُراعُ لذكر البين والبان
بَقِيتَ أبا الثَّناء مدى اللَّيالي
بَقِيتَ أبا الثَّناء مدى اللَّيالي / على الدَّاعي لكم خضل اليدين
يحولُ نداك ما بين الرَّزايا / إذا هَطَلَتْ يداك به وبيني
تواعدني بك الآمال وعداً / رأيت نجازه من غير مين
تجود على محبّك كلّ عام / بلبس عباءة وتقرّ عيني
سِرْ بحفظِ الله وارجَعْ سالماً
سِرْ بحفظِ الله وارجَعْ سالماً / راغماً بالعِزِّ أنْفَ الحاسدين
راكباً في مركبٍ أرَّخْتُه / إركَبوا فيه بخيرٍ آمنينْ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025