المجموع : 26
صَبِّر العقلَ للنفوسِ زِماماً
صَبِّر العقلَ للنفوسِ زِماماً / واعقِلِ النفس لا تَذَرْها سَواما
إن سَوْمَ النفوسِ للمرءِ داءٌ / فاعتقِِلْها عن المَراعي نِظاما
لا تذَرْها بمَعْرَكِ الجهل تزهُو / إن جهلَ النفوسِ أدهى سَقاما
فهْي شيطانُك الغَوِيُّ فصُنها / إن صونَ النفوسِ أعلى مقاما
إِنْ تذَرْها لدى الجهالةِ هامتْ / أَوْ تَرِدْها التُّقَى تَحِنُّ هُياما
تخبِط الأرضَ بالمَناسمِ جهلاً / لَيْسَ تدرِي مَاذَا يكون أَماما
شامتِ البرقَ مَوْهِناً فاستطارتْ / لَيْسَ كلُّ العروق تهمِي رِهاما
عَرَّها زِبْرِج الغرورِ فَهشَّتْ / إن كيد النفوسِ كَانَ غَراما
تأنفُ الوِرْدَ والفُرات بِفيها / وتَحُزُّ المقالَ تبغِي جَهاما
هَوِّني السعيَ لا تُراعِي بدَهشٍ / ليس لمعُ السرابِ يَشْفِي أُواما
واذْرِفي الدمعَ بالتَّعقل واهْمِي / ماءَ حزنٍ بوجنتَيكِ انسِجاما
وأَميطِي قَذاءَ عينيك من بَيْ / نِ زواياهُ تُدرِكيه رُكاما
دُونَكِ الجِدُّ فافرِغي الجهدَ فِيهِ / لَيْسَ ذا الهَزْل للنفوس قَواما
أنت بالغورِ ترزمين اشْتِياقاً / واشتِياقي بشِعْب وادي تِهاما
تَنْدُبِين اللِّوَى وأَندبُ نَجْداً / كلُّ عينٍ تبكي لشَجْوٍ غَراما
مَا شَجاني ذِكْرُ المَرابعِ لكنْ / رَشقتني يدُ الزمانِ سِهاما
كلما قوَّم الإلهُ قَناةً / جَرَّد الدهر للقناة حُساما
وَيْكَ يَا دهرُ أَقْصِر الخَطْوَ عني / إنّ من قَوّمَ الإلهُ اسْتقاما
واتقِ الله إن لله خَلْقاً / إِنْ يمرّوا باللَّغْوِ مَرّوا كِراما
هكذا الدهرُ بعكسِ الأمر شَرْعاً / كيْفَ نرجو من الزمان إماما
مَنْ لِغِرٍّ يَسُومه الدهرُ خَسْفاً / يَقْدَح الماءَ كي يَشُبّ الضِّراما
يَفْتِلنَّ مَنْسَج العَناكِب حَبْلاً / يَتَّخذْ منه للزمان خِطاما
أَيُّهَا المُنْكِحُ الثُّريّا سُهَيلاً / تَجمعُ الشرقَ بالمغيبِ ازدحاما
عَمْرَك اللهَ لَوْ رَقيتَ الثريا / لَمْ تجدْ غيرَ فيصلٍ عنك حامى
يبذُل النفسَ والنَّفيس إذَا مَا / نَسْرُ بَغْيٍ عَلَى الرعية حاما
مَلكٌ شَبَّ فِي السياسةِ طفلاً / وامتطى غاربَ العُلى والسَّناما
حِلية الدهرِ حَمْية الدين هَذَا / واهبُ الجَزْل بل ثِمال اليتامى
يَألف السُّهْدَ يُكرم الوَفْد يحمى / بيضةَ الدِّين خيفةً أن تُساما
قَرَّه الله للخلافة رِدْءاً / سَدُّ يأجوجَ دونَه إِنْ تَسامَى
جامعُ الفكرِ شاسع الذِّكْر يَقْظا / ن إذَا الفَسل بالجهالةِ ناما
قَدْ تسامتْ براحتيهِ المَعالي / واطمأنتْ لَهُ الليالي احتراما
واختمته قناصل الرومِ لما / أنْ رأت معجزاتِه لم تُراما
يسبق النطقَ حَدْسُه إن تراءى / أَلْسَنُ القومِ فِي المَلا قَدْ ترامى
يحسب الجاهلون لما رأوه / أَسْفَر الوجهَ للنزيل احتِشاما
إِنما البشرُ للنصارى حَرام / لَيْسَ بشرُ الوجوهِ يُدْعَى حراما
فالأَفاعي أشدُّ لِيناً وأَدْهَى / صاحبُ الغدرِ من يُريك ابتساما
إن ليلَ الشبابِ أَهْنا صَباحاً / وبياضُ المَشيب أدهَى ظلاما
لو ترقتْ عقولُهم فَهْمَ مَا قَدْ / أَنكر الجاهلون قالوا سلاما
لَوْ علمنا بعالَم الغيب مَاذَا / مَا ركبْنا مَدى الحياةِ أثاما
يُنكر العقلُ فِعْلَ مَا عَزَّ عنه / فهمُه أَوْ يكون غِرٌّ تَعامَى
لَيْسَ من حَقَّق التجاربَ طفلاً / مثلَ من يحسب الدَّبور نُعامَى
إن رأى مَا يَسرُّه كَانَ لَيْثاً / أَوْ دَهتْه الخطوبُ صار نعاما
يَرفع الفعلَ بالنواصبِ عَسْفاً / عنده نصدرُ القُعودِ قِياما
يحسب العارِضَ الهَتون إذَا مَا / ثارتِ الريحُ بالفَلاة قتاما
سَلِّم الأمرَ إِنْ خَفِي عنك واصْمت / تجدِ الصمتَ للنفوسِ زِماما
كلُّ من لَمْ ير الهلالَ عِياناً / سَلَّم الأمر للبَصيرِ اعْتِصاما
أَيْنَ أهلُ العقولِ من أهل نعما / ن ومن لَمْ يخشَ فِي الإله مَلاما
راقِبوا الله وأحْسِنوا الأمرَ فيما / بَيْنكم والمليكِ تبقُوا كِراما
واعلموا أنه الوحيد المُرَجَّى / آخرَ الدهرِ للملوك خِتاما
كم دهَتْه من النصارى خطوبٌ / صرتُ أخشَى تكونُ منهم لِزاما
فتجلَّى لكَشْفِها فاضْمحلَّتْ / تَقْرَع السِّنَّ إذ تولت عَلَى مَا
كلُّ من رام كيدَه أَوْ أَذاه / أَوْبقتْه يدُ الزمان اخْتِراما
لَيْسَ فِي الدهرِ من يُدانيه عقلاً / أَوْ فَعالاً ونائِلاً أَوْ كلاما
لَيْسَ فِي الدهرِ من يُشار إِلَيْهِ / إن دَجَا الخَطْبُ يكشفنَّ اللِّثاما
فاحمَدوا اللهَ أهلَ نعمان طُرّاً / واشكروه كما كَفاكم ضِماما
لا تكونوا كخابطِ الشوكِ يَجْنِي / ثَمراً يانِعاً فيُلفي حُطاما
رَبِّ أَيِّدْ مليكَنا الفَرْمَ وأظْهِر / شِرْعَة الدينِ واحمِها أن تُضاما
واسبلِ السِّتْر يَا إلهي عَلَى من / قام فِي الدين ناصحاً واستقاما
ربِّ واشدد عُرا المحقِّين واقطع / شَأْفَة البُطْل هَلْكة وانتقاما
واحمِ سلطانَنا إلهي وصُنْه / مَا عَلَى الدين بالحماية قاما
ثُمَّ صَلِّ عَلَى رسولِك مَا قَدْ / حَنَّتِ النوقُ بالحُمول رِزاما
أَوْ تَغنَّى وُرْق الحمائمِ وَهْناً / يندب الإِلْفَ والِهاً مستَهاما
وعلى الآلِ والصحابةِ جَمْعاً / كلما حَرّك النسيمُ الخُزامى
أتتْ تَسحبُ الأَذيالَ والليلُ أَقْنَمُ
أتتْ تَسحبُ الأَذيالَ والليلُ أَقْنَمُ / تدوسُ رداءَ الغُنجِ عُجْباً وتَبْسِمُ
تشقُّ عُبابَ الليلِ والليلُ زاخرٌ / وتحذَر ضوءَ الصبحِ والصبح أَرْثَم
فحيَّت بطرفِ الجفنِ ثُمَّ تبسَّمت / فلم أَفهم التسليمَ لولا التبسم
تُسارِقني باللَّحْظِ مرتاعة الحَشا / كما رِيع بالبيداءِ رِيمٌ وأَعْصَم
فقلتُ لَهَا والليلُ مُرْخٍ رِداءه / رُوَيدَك إن الليل للسر أَكْتَم
أتيتُ ولا واشٍ يُبدِّد شملَنا / ولا طارقات الليلِ بالوصلِ تعلم
بَعُدْنا عن الأحياءِ فلا عَلَمٌ يُرَى / ولا نحن فِي نادٍ فيُخْشَى التكلمُ
فقالت وطرفُ الجفنِ يَطْرف بالبكا / ودُرُّ سقيطِ الدمعِ بالخد يُنْظَم
فما لي أرى جُنْحَ الشبيبةِ أَبْيضاً / وعهدِي بِهِ فَرْعٌ من الليلِ أَفْحَمُ
أتتْكَ صروفُ الدهرِ سُوداً فبَيَّضَتْ / عِذارَك فالأيامُ للحُرِّ تَهْضِم
لقد علم الأيامُ أن ذوي النُّهَى / تُضام وأن الدهرَ للنذلِ يُكرِم
تُسائِلُني والدمعُ يملأ بَحْرَها / وأسنانُها حزناً عَلَى الكفِّ تَكْدُم
أم القومُ إِذ حَلُّوا بمَسْقَطَ واعْتَدَوا / عَلَى الملك عِصياناً وللحرب أَلحمُوا
يقولون للهيجاءِ إِنَّا شَرارُها / إِذَا شَبَّت الهيجاءُ للحربِ نُضْرِم
ونحن أُباة الضيمِ من آل حارِثٍ / نَعافُ قَذاء الوِرْدِ إِنْ مَجَّهُ الفم
نرى المُلْك بَيْنَ الناس فِي الدهرِ دُولةً / وأن بناءَ المجدِ بالجِدِّ يُخْدَم
أما علم الأقوامُ أن أمامَهم / سَماسِرة العَلْياءِ للحربِ تُرْزِم
وأن بني سلطانَ للحربِ نارُها / شُموسُ سماءِ المجدِ بل هُم وأَنْجُم
يَهشُّون للهيجاءِ إِنْ جَنَّ خَطْبها / بنفسٍ لَهَا طولُ البقاءِ مُذمَّم
ملوكٌ لهم فِي الملك ساسُ عَراقةٍ / لدى أحمدٍ ذَاكَ الإمام المقدَّم
فبات رجالُ الحَرْثِ يَسْرُون بالدُّجَى / يَجوسون قصرَ الملكِ والليلُ مظلِم
فهَبَّت رياحُ النصرِ وَهْناً فنَبَّهت / مَليكاً لَهُ فِي الحرب رسمٌ مقدَّم
مليك بنَثْرِ الهامِ يخطُب سيفُه / وصدرَ عُصاة القومِ بالرُّمح يَنْظِم
ففَلَّ جيوشَ الخصمِ قَسْراً وأَدْبَرَتْ / كما تُدبِر الأغنامُ إنْ قام ضَيْغَم
وأضحتْ تُخومُ الأرضِ تَحْسو دماءهم / فما منهمُ إِلاَّ قتيلٌ ومُكْلَمُ
وأمسَوا وَقَدْ عَدّوا جيوشاً تجمَّعتْ / عَوابسَ فِي الهيجا ليوثٌ تحكَّموا
فلا زالت الصَّمْعاءُ تلثِم هامَهم / وسيفُ جنودِ الله فيهم محكَّم
ترى الأرض بالقتلى تَئِطُّ وتَنْزَوِي / ونَرزم من ثِقْلِ الدماءِ وتَبْغَم
وَقَدْ علم الطيرُ الجَوارح أنها / لَهَا من جسومِ القومِ كأسٌ وَمَطْعَمُ
كَأَنَّ بُزاةَ الطيرِ فَوْقَ رؤوسِهم / عَصائبُ رهبانٍ عَلَى الدَّيرِ حُوَّم
بهذِي الليالي السود يَا خِلُّ إِذ دَجَتْ / طَفِقتَ بأكمامِ المَشيب تَلثَّم
فويلِي عَلَى تِلْكَ الليالي وبُؤسِها / تُبيِّض هامَ الطفلِ كَرْهاُ وتُهرِم
أعارتْك يَا خِلِّي نُحولاً وشَيْبة / وكنتَ برَيْعانِ الشّبيبة تَنْعَم
أم الثأر من عبسٍ منى جئتَ زائراً / بكنْف إمام العدلِ للحرب تُقدِم
بجيشٍ تَجيش الأرضُ منه وتنطوِي / سباسبُ حَصْباها سِباعٌ وأَرْقَم
إِذَا سار فِي ليلٍ تَخَفَّت نجومُه / وللأرضِ من قَدْح السَّنابكِ أَنْجُم
فلا تسمع الآذانُ إِلاَّ زَمازِماً / صَهيلاً لجَوَّالٍ وأُخرى تُحمحِم
وأَصْهبَ معكومٍ عَلَى الجَرْي يرتمي / يَجُذَّ بمِصْراعِ الشّكيم ويَقْضَم
ونوقٍ كسُفْن البحرِ فَوْقَ رِحالها / رجالٌ بجِلباب المَنونِ تَلثَّمُوا
تُجاذبُ أَنساعَ الرِّجال كَأَنَّها / سَفينٌ بموجِ البحرِ تجري وتَلْطِمُ
وبِتْنا كَأَنَّ النصر تَحْتَ رِحالنا / ولكنما الأقدارُ فِي المرءِ تَحكمُ
عَلَى أن نفسَ المرءِ تَعْجَب إِن رأت / لكثرتها بأساً إِذَا الرب تُحدِم
وجِيءَ بأشياخِ العُبوس وكُبِّلت / وَقَدْ أُدرِجوا فِي السجن والأنفُ أَرْغَم
فلم تر إِلاَّ أن نزورَ ديارَهم / عَلَى أننا جيشٌ عَديدٌ عَرَمْرَم
فكُنا كما كَانَتْ عصابةُ أحمدٍ / بيوم حُنينٍ حينَ لن تَغْنَ عنهمُ
فلا ضيرَ أن السيفَ ينْبُو وإنما / ترى الليثَ عن أكلِ الفَريسة يُحجم
فلا يحسِب الأعداءُ أنّ مليكَنا / وهيَ ناكِلاً عن عزمِه حين يُبرِم
ولكنما شأنُ القديرِ إِذَا رأى / ذليلاً فيعفو أَوْ قوياً فيَنْقم
فجَذَّت صروفُ الدهرِ حيناً بمِقْوَدي / عَلَى أنني فِي الحرب شهمٌ غَشَمْشم
سقتْني يد الأيام صاباً وعَلْقَماً / فلا ضيرَ إن الدهر للحُرِّ علقم
فإن تُصب الأعداء يوماً مَقاتِلي / فإن الفتى للموتِ حتما مُسلّم
فلم تُوهن الأعداءُ بالقتل صَعْبَنا / فموتُ الفتى بالمهدِ فينا محرَّم
فلا تجزعي يَا هندُ إنّ شَبيبتي / تولتْ فإن المرءَ بالشيبِ يحلُم
فإن تقطعي وَصْلي فإنك مُخلِف / وإن أَك وصّالاً فإني متمِّم
وإن كنت بالسلوان عنيَ ناكلاً / فإني لحبل الوصل يَا هند مُصرِم
ألم تعلمي يَا هند أني عن الصبا / كبرتُ وأن الأمر إن طال يُسأَم
فليتَ مَشيب الرأسِ كَانَ مقدَّماً / لتُعلِمَني الأيامُ أَنْ لستُ أندم
وإني شديدُ العزم إِنْ عَضَّ غارِبي / زمانٌ لرَيْعان الشبيبةِ يَخرِم
سوى سُخْط مولاي المعظم إنه / شديدٌ عَلَى وُسْعي عظيم معظَّمُ
فواشِقوةَ الأيامِ إن كنتَ غالياً / فمن كَانَ فِي سخطٍ فأَيانَ يَسْلَمُ
وأنَّى ينال الصفحَ من كَانَ مجرِماً / كما عَظُمتْ ذنباً رِيامٌ وأَجْرَمُوا
يَبوءون بالعصيانِ والدهرُ مُطرِق / ألا فِي طروقِ الدهر دَهْياءٌ صَيْلم
إِذَا مَا أراد الله أمراً بخَلْقه / فلا تسمع الآذانُ مَا ينطِق الفم
ومن يركبِ العَشْوَاءَ والليلُ مظلمٌ / فإن لَهُ سُودَ المَهالكِ مَقْحَم
كما قَدْ سعتْ بالجهلِ والبغيِ حِمْير / وطال لها فِي القتل كَفٌّ ومِعْصَم
ومَدَّت عَلَى وجهِ البَسيطَةِ باعَها / كَأَنَّ لهم مالَ الخليفة مَغْنَم
فكم من ضعيفٍ بات يشكو من الأذى / ودمعتُه فِي الخد والنَّحر تَسْجُم
ينادي غِياثَ الخلقِ بنُصْرةٍ / فإنك يَا مولاي بالخَلْقِ أرحم
وإنك للمظلومِ غوثٌ ومَلْجَأ / تُجيب المنادِي إن دعاك وتَرْحَمُ
فإن بني نَبْهانَ قوم تَجبَّرُوا / تَضِجُّ بقاعُ الأرض غَوْثاء منهمُ
لقد حَلَّلوا مالَ اليتامى ونافَسوا / ملوكَ بني سلطانَ فِي الملكِ واحتَمُوا
ألم يعلموا أن الملوك إِذَا سَطَوا / يُجَذُّ بهم أنفُ العزيزِ ويُهْشَم
وأنهمُ إِنْ دخلوا الدار عنوةً / يَهدّوا أعالي الراسياتِ ويَهْدِموا
فلم تُغنِهم يومَ اللقاءِ حصونُهم / ولا الشّنْشِنة الشمّاء عنهم ستعصِم
أَتتْهم جنودُ الله غَوْثاً لخلقِه / بأيديهمُ كأسٌ من الموتِ مُفْعَم
فهَيْهَاتَ لا يُغني مَنيعاً سلاحُه / إِذَا سُلَّ من كفِّ الخليفةِ مِخْذَمُ
ولا يمنع المقدورَ درعٌ ومِغْفَر / فإن قضاءَ اللهِ أمرٌ محتَّم
تؤيده الأقدارُ أَنّى توجهتْ / كتائبُه والنصرُ بالسيفِ يُقْسَم
يظن بنو نبهانَ أنّ عديدَهم / سيُجديهمُ نفعاً وأنْ لَيْسَ يُهْزَمُوا
وأن البروجَ الشُّمَّ تحمِي ذِمارَهم / إِذَا مُوِّقت فِيهَا رماحٌ وأَسْهُم
فما راعَهم إِلاَّ صُموع ومِدْفَعٌ / تُخرِّق هاماتِ الرجالِ وتَقْصِم
وأَروعُ يُزْجِي الجيشَ شهمٌ بكفِّه / مُهنَّدُ مشحوذُ الغِرَارينِ لَهْذَم
تَجرَّد من عزمِ الخليفة مُصلَتاً / يقطِّع أعناقَ الكُماةِ ويَحْطِم
فلا يمتطي العلياءَ إِلاَّ غَشَمْشم / ولا يركب الأهوالَ إِلاَّ مصمِّم
فكم لُجّةٍ بالسيف خاض عُبابَها / سليمانُ والموتُ الزُّؤامُ مُخيِّم
فحام عَلَى أهل النزار حِمامُهم / كما حام بازٍّ بالفَلاة وقَشْعَم
فظلوا حَصيداً والرَّصاصُ يَنوشُهم / وفرشانُ عبسٍ بالحديد تَعمَّموا
يودون أن يُقضَى عَلَى القوم نَحْبُهم / حَزازاتُ مهضومٍ عَلَى القلب تُضْرَم
وحَمدان ذَاكَ السَّهم ضاق ذِراعه / متى قام مِقدام الكتِيبة مُعْلَم
تَعرَّى عن البيت المَنيع تخوُّفاً / وأَسْلَمه رغماً لكي هو يَسْلَمُ
فظلَّ سَليب المُلكِ فِي الأرض تائهاً / يُخمِّن أيَّ الأرض فِيهَا يُيمِّم
لقد راعهُ بالسيف سيفٌ وإنما / إِذَا شِيمَ سيفُ الحق هَيْهات يُكْهِمُ
أخو الحربِ خَوَّاض المَكارِه أَرْوع / لَهُ سِمةُ العلياءِ سيف ومِخْذَم
يقوم بأعباءِ الأمور مُناصِحاً / ويَهشِم أنف المعتدين ويُرغِم
فكم سُورةٍ أضحتْ بكل غريبةٍ / عَلَى الخَلْق تُتلى والزمانُ يُترجِم
مَدى الدهرِ فِي أعلى المنابر أَنْشِدتْ / بإقدامِ سيفٍ حين تُشْدَى وتُرْسَم
فلا زال فِي أمر الخليفة مُعلِناً / بسيفٍ يَقُدُّ الجسمَ ثمت يَصْرِم
تولى قتالَ المعتدين بسيفه / فأضحتْ بروجُ المعتدين تُهدَّم
أصيبت بنو نبهانَ بالقتل وانثنت / قُذال كما ذِيل الجبانُ وتُهْضَم
فمن نازعَ السلطانَ فِي الملك لَمْ يجد / عن القتل مَا يَحميه عنه ويَعْصِم
فمن كأَميري فِي الملوكِ مُبرهِناً / يرى ظاهِراً مَا فِي النفوس ويفهم
تُواتيه بالإذعان كلُّ خَفيةٍ / تَدِقُّ عَلَى فهم العَليم وتَعظُم
هو الفَيْصل المِقدام والشيد الَّذِي / تُعانقه العَلْياء شوقاً وتَلْثم
هو الفيصل المعروف فِي البأْس والندى / تَذِلُّ لَهُ الأبطال رُعباً وتُحجِم
كَأَنَّ قضاءَ الله قال لفيصل / بما شئتَ فِي الأيام أنت محكَّم
ضمينٌ لكفَّيْك المنيةُ والمُنَى / فإن شئتَ أن تُفْنِي وإن شئت تُنعِم
قطعتَ يد الإقتارِ بالجود واللُّهى / فإنك للإقتار سيف ومَرْهم
إِذَا مَا رأيت الوفد عَجَّلت نَيْلهم / فلم يبقَ فِي كفيك فَلْس ودرهمُ
كَأَنَّ ذوي الحاجاتِ حولَك عُكَّفاً / ركودٌ عَلَى البيتِ الحرام وحُوَّم
ضمنتَ لأهل الأرض نيلَ عطائِهِم / فصرتَ لأرزاق العباد تُقسِّمُ
سبقتَ ملوك الأرض عفواً وقُدرةً / فأنت عَلَى كل الخَلائق أَكرَم
تَقيك بدُ الأقدار كلَّ مُلِمة / وتَفديك بالأرواح عُرْب وأعْجُم
عزيزٌ عَلَى قلبي فراقُك ساعةً / فإن شفا المهمومِ منك التَّبسُّم
كفى المرءَ قتلاً أن يكون مبعَّداً / فبُعدك داءٌ للقلوب مُبَرْسِم
جفاؤُكَ فهْو الداءُ لا شكَّ والقَنا / فحَسْبُ الفتى بالسخط لو كَانَ يَعْلم
فكيفَ يَلَذُّ العيشَ من بات فِي قِلّي / وكيف يذوق النومَ من فيك مُجرِم
فلا ربحتْ نفسٌ دَهتْك بِغيلةٍ / ولا سعدتْ نفس لنُعْماك تكتُم
ولا عاش بالحُسنى كَفورٌ لفضله / فغن كَفور الفضل أَطْغَى وأَظْلَم
وهيَ جَلَدِي عن وُسْع فضلِك شاكِراً / فإن لساني عن ثَنائك يُفْحَم
فليس سوى عجزِي إِلَيْكَ وسيلتي / عن الشكرِ فالإقرارُ بالعجز أَسْلَم
متى يخلُص العبدُ الأسير من الولا / إِذَا كَانَ من نَعْمائك اللّحمُ والدم
أُلِمُّ والشوقُ أَشفَى داءه اللَّمَم
أُلِمُّ والشوقُ أَشفَى داءه اللَّمَم / لعل جرحَ النَّوى بالوصل يَلْتَئمُ
أُهاجَه وَلَعٌ يومَ النَّوى فغدَتْ / أَحشاؤُه بسَعيرِ الوَجْدِ تَضْطَرِم
فلَجَّ من شَغَفٍ بالرَّكْبِ يُزْعجه / والبينُ يَصْرعه والشوقُ يَحْتدم
يَبيت من فُرقة الأحبابِ وَلَهٍ / يُقَطِّع الليل سُهْداً والدموعُ دم
تذكَّر العهدَ دهراً كَانَ فِي دَعةٍ / وزَهْرة العمر والأيامُ تبتسم
مُتيَّم كلما جَدَّ النِّياق بِهِ / تجددتْ بالهوى أيامه القُدُم
رَعَى الإله ليالٍ كنتُ أَعْهَدها / تقادَمتْ مسرعاتٍ كلُّها حلُم
أيامَ غصنُ التصابي مُورِق نَضِر / وكأسُنا بالتَّصافي سائغٌ شَبِم
أُطارِحُ الحِبَّ صَفْوَ الودِّ مُمتزِجاً / بخالصٍ من رحيقِ الوصلِ يَنْسجم
إخال برقَ الهوى فِي غيره كذباً / وحبُّه فِي صميمِ القلب مرتسِم
أَأَكذِب اللهَ فِي غيره كَلَفي / هيهاتَ واللهِ لَيْسَ الحبُّ ينقسِم
أُشرِّف الرأسَ سَعْياً فِي مَحبَّته / إِذَا سعتْ فِي رِضى معشوقِها القَدَمُ
أيامَ ذَاكَ الحِمَى عُودِي عَلَى دَنِفٍ / تبيضُّ من حبه الهاماتُ واللِّمم
إن بَدَّل الهجرُ أحوال المُحِبِّ فلا / يَصُدُّني مَلَلٌ عنه ولا سَأم
أَوَّه من زمني أَوَّاه من سَكني / بَيْنَ الهوى والنوى أضنانيَ السَّقم
أَرانيَ الحبُّ أني فِي الهوى قبَسٌ / برأسِ أَرْعَن للعشّاقِ أَوْ عَلَم
نشرتُ شَرْعَ الهوى بَيْنَ الورى عَلَماً / فكلُّ أهلِ الهوى فِي قَبْضَتي خَدمُ
تراهمُ حولَ ناري يهتدون بِهَا / يَغْشوهُم من لَظى أشواقيَ الضَّرَمُ
بخمرتي سَكِروا من نَهْلتي شَربوا / أنا مليك الهوى والمُدَّعون همُ
سقيتُهم من غرام الحب صافيةً / فحين مَا شربوا من قهوتي هُدِموا
يَقودني صَبْوَتي والهجرُ يُزعجني / فباعِثي للهوى الأشواقُ والهمم
شددتُ رَحْل الصِّبي والشوقُ راحِلتي / فظلْتُ فِي مَهْمَه العُشّاق أقتحِم
وجَدَّ بي الهوى وَجْدي وبَرَّح بي / فإن بَرْحَ الهوى للصبِّ يَخْترم
فخطتي فِي الهوى بَيْنَ الورى مثلاً / من دونها هِممُ العشاقِ تزدحِم
أحبابَنا لو علمتم فيكمُ كَلَفي / داويتُم تَلفي فيكم بقُربكم
صبرتُ محتسِباً فيكم ومرتقِباً / وِصالَكم فمتى ذا الهجرُ ينحسِم
فراقِبوا الله فِي قتلي بكم كَلَفاً / إِن الهوى والنوى بَيْنَ الحَشا أَلَم
أَساءني الدهرُ فِي هِجْرانكم وكذا / شِعاره للأديب الحرِّ يهتضِم
يَشُنّ غارته من كل مُعضِلة / فلم تكد بمرور الدهر تنفصِم
لكنما ثقتي بالله محتسِباً / توكُّلاً وبحبلِ الله أَعتصم
وهل يضيق زمانٌ بأمري عَلَى / كرسيِّه فيصلٌ غوثُ الوَرى الحَكم
مملَّكٌ دولةُ الأقدارِ تخدمه / موفَّقٌ من رقابِ الخَلْق ينتقم
باسمه مُدِّدت الأحكامُ وانفصلت / لذاك فيصلٌ فِي الأَكوانِ يحتكمُ
قَدْ مَهَّدن دولةَ الإسلامِ دولتُه / لولاء قَدْ كادتِ الأحكامُ تنهدم
تسيل من كرمٍ مثل النسيم عَلَى / زُهْر الرياض بِهِ الأخلاق والشِّيم
فتى بِهِ جادتِ الأيامُ مكرِمة / من بعده رَحِم الأيامِ يَنْعقِم
نشأتُ فِي ظله والدهرُ مقتَبِلٌ / وَلَمْ أزل فِي غنى والدهرُ منهزِمُ
بوَبْلهِ نبتتْ أجسامُنا ونَمَتْ / أرزاقُنا فكذاك النَّبْتُ والدِّيَم
سقتْه غادِيةٌ بالجود قَدْ سُقِيتْ / أَعراقها ونَمَتْها السادةُ البُهَم
سُلالةٌ نُتِجت فِي المجد وانتشأتْ / أكارِمٌ لَمْ تزل فِي الملك تَنْتَظِم
ليوثُ مَلحَمة أقطابُ مملكةٍ / بحور أنديةٍ بالعُرف تَلْتَطِم
سماءٌ مجدهُمُ أقمارُ مطلعِها / وغُرّة فِي جبين المَكرُمات همُ
من دَوحةٍ نبتتْ بالفضل واتَّسقتْ / أَغصانُها بذُرَى العَلْيَاء ترتسِم
همُ الأئمة أعلامُ الهدى وهمُ / قَساوِرٌ أسودُ الحرب تلتحِم
لا زال ملكهمُ فِي الأرض متسعاً / وحودُهم والعُلى والمجد والكرم
نجومُ مملكةٍ تزهو السماء بهم / والأرضُ والبحر والأكوان والأمم
فكلُّهم فِي عقودِ المجد واسِطةٌ / بِمُلْكهِم تبدأ العَلْيا وتَختتِم
عُوفيتَ يَا بهجةَ الأيامِ من ألمِ
عُوفيتَ يَا بهجةَ الأيامِ من ألمِ / مَا كنت بالدهر كَانَ الدهرُ فِي سَلَمِ
إنّا من العيش فِي خَفْضٍ وَفِي دَعَةٍ / مَا دمتَ بالدهر محفوظاً من السَّقَم
لا كَدَّر اللهُ ملكاً أنت جوهرُه / مَا زلت تَكْلَؤُهُ من حادث النَّقَمِ
عِشْنا بعيشِك مغبوطين فِي سَعةٍ / أبقاك ربُّك فِي ملك وَفِي نِعم
نَفديك بالنفس والأموال قاطبةً / والخَلقِ أجمعَ من عُرْب ومن عَجَمِ
فاحفظ لنا يَا إله العرش نعمتنا / وادفعْ عظيم البَلا يَا دافع النقم
وابسط لنا نعمة نجنِي بغبطتها / من فيصلٍ باسطِ النعماءِ والكرم
وارفعْ عن الملك الميمون مل أسى / واصرِفه للخصم أَيَّاً كَانَ من أُمم
إِنّا بصحته تَحيى ورؤيته / نسلو وصحبته نعلو عن الوَصَم
وامدُد لَهُ صحةً يسعى بقوتها / فِي نفع معتصِمٍ وقَمْعِ مختصِم
واجعله يَا ربنا قيدَ الحياة لنا / بدراً بِهِ نهتدي فِي حِنْدِس الظُّلَمِ
ما عَسْعس الليلُ أَوْ شَقَّ الصباحُ لنا / باقٍ عَلَى الدهر مثل النار فِي عَلَمِ
من دارةِ العلم يبدو طالِع الحِكَمِ
من دارةِ العلم يبدو طالِع الحِكَمِ / لولاه مَا خَطَّتِ الأفلامُ بالكَلِمِ
قَدْ طار ذو العلمِ فَوْقَ النجم مرتفِعاً / وانحطّ ذو الجهلِ بالقاعاتِ والتُّخَمِ
لا يمتطي المجدَ بُطّال ولا ضَجِر / فالمجدُ بالجِدِّ لَيْسَ المجدُ فِي السَّأم
من طال بالعلم يوماً طلب مَسْكَنُه / يَا مُزنةَ العلمِ هَلاّ رَشْفَةً بفمي
يا ضيعةَ العُمر يَا للعُرب من ضَعةٍ / قَدْ هَدَّموا مَا بنى الآباء من هِمم
شادت حصونَ العُلى قِدْماً أوائلُهم / واليومَ من بعدِهم تبكي لبُعدهم
لم يبق بالأرض قاعٌ والسما حُبك / إِلاَّ بِهِ عَلَم من طودِ عِلْمِهِم
كم أيةٍ لهم فِي الفضلِ قَدْ كُتبت / فِي جبهةِ الدهرِ مثلَ النار فِي عَلَم
للهِ من سُورةٍ فِي المجد قَدْ قُرئت / للعُرب قَدْ كُتبت بالسيف والقلم
حَتَّى رأَوا فِي المَعالي لا تظيرَ لَهُم / ظنوا الأعاجمَ لا تعلو عَلَى القِمم
ناموا بعِزتهم فِي اللهو وانتبهتْ / قومٌ عزائمهُم فِي المجد لَمْ تنَم
أبدَياً لنا من غريبِ الصُّنْع مَا عَجَزتْ / عن صنعه حكمةُ اليونان من قِدَم
كم حكمةٍ من بني الإفرنج قَدْ خرجتْ / كَانَتْ عَلَى القلب لَمْ تَخْطر وَلَمْ تَرُم
قَدْ وُلدت من عوالي الفكرِ فانْتَشَأت / أبكارُ مَا طُمِثتْ فِي غابر الأمم
يَا حَسْرَتي لضياع العمر وأاسفي / كم صحتُ من غَمْرة فِي الجهل واندمي
أصبحتُ منتبِهاً والعيشُ فِي قلَقٍ / والنفسُ فِي فَرَق والقلب فِي ضَرَم
والصبحُ أَسْفر من فَوْديَّ منبثِقاً / بمحو بطُرَّته ليلاً عَلَى لِمَعي
فالمرءُ ينظر مَهْمَا عاش فِي زمنٍ / عَجائباً تترك الأفكارَ كالرِّمَمِ
ما ظنّ ذو بصرٍ أن الجماد لَهُ / نطقٌ بِهِ تَصْدَح الحِيطان بالنَّغم
حَتَّى تَرفَّع ذَاكَ التِّيلفونُ عَلَى / عرشِ الخلافةِ يشدو ناطقاً بفمِ
من عهدِ آدَم لَمْ نسمع بِهِ أبداً / كلا ولا سمعتْ أَدْناي من إِرَم
أَجزاءُ قَدْ رُكِّبت أَجْرامُ قَدْ حُمِّلت / رُوحاً من البرقِ لَمْ تنفخ بذي رَحِم
أَسلاكُه سَلَكت طُرْق الهُدى ورَقَتْ / أعلى المراتبِ بيتَ المجدِ والكرمِ
قَدْ حَلَّ مرتقِباً بالعز فِي حَرَمٍ / فامتد من حرمٍ سعياً إِلَى حرم
من مركزٍ بالعلى شِيدَتْ دَعائِمه / كم حَلَّه من عظيمِ القدر محترم
حَتَّى سما قصرَ تيمورٍ فحلَّ بِهِ / يُبدي لَهُ من بديع النُّطق مُنسجِم
قَدْ مدّ أسبابَه فِي كل مَسْطبةٍ / للسمع مسترِقاً من كل مُكتتَم
يحتا بالقصرِ مثل الصِّلِّ تحسبه / حَرْساً من الجِن وحَرْساً من الخَدم
يمشي بلا قدمٍ مشيَ العناكبِ فِي / عِيدانَ قَدْ نُصبت فِي القاع والأَكَمِ
يَرْنُو ويسمع لا عينٌ بِهَا بَصَر / كلا ولا أُذن تخشى من الصَّمم
إن كَانَ بالشرق أَوْ بالغرب من خبرٍ / يأتي بِهِ كوميض البرقِ فِي الظُّلَم
إني لأَحسُد هَذَا التَّيلفون عَلَى / مَا فاز من حضرة السلطان بالكرم
قَدْ صار من أقرب النُّدمان منزلةً / إذ حلَّ والملِكُ الميمون فِي حَرَم
يَا قائلاً ولسانُ الحالِ يُسْمِعُنِي / يَكفيك مدحُك هَذَا الشيم فاستقِمِ
امدحْ إماماً لقد عزّ الوجودُ بأنْ / يأتي مثيلاً لَهُ فِي العُرْب والعجم
قلت اقترحتَ عظيماً وانتدبتَ أخا / عجزٍ كذاك قَدْ استسمنتَ ذا ورم
لا يُحصَر المدحُ فيمن فِيهِ قَدْ حُصِرت / آياتُ مجدٍ وفضلٍ غير منقسِم
إِن جئت ممتدحاً قالت مكارمُه / أتيتَ نفسَك لَيْسَ الحصرُ من شِيمي
مدحِي لَهُ ببديع الغول مُحتقَر / كالبحرِ بالماء مستغنٍ عن الدِّيَمِ
قَدْ قَصَّرت هممُ المُدّاح عنه وَقَدْ / ضاقتْ لدى الفضل إحصائها هممي
قَدْ أُحكمت بالقضا آياتُ نشأتِه / إِذ قيل يَا فيصلٌ مَا شئتَ فاحتِكم
أَفضالُه والسَّجايا الغُرّ مشرِقة / كالشمس مسفِرةً والبدرُ فِي الظلم
ذو هيبةٍ بِنصلِ السَّعْد قَدْ قُرِنت / لو حارب الفَلك الدَّوّار منه رُمِي
عَزَّ الجِوارُ كما ذل النُّضَارُ لَهُ / فالمال مبتذَلٌ والجار فِي حَشَم
آباؤه فَخَرت كلُّ الملوك بِهِم / أَعْظِمْ بمفتخِرٍ بسمو بفَخْرِهم
هَذَا الَّذِي من عظيم الفَضل حَمَّلني / أطْوادَ لو أنها بالطُّور لَمْ يَفُم
لا زلتُ أَرسف فِي قيدِ الولا أبداً / لا فكَّ عنيَ ذَاكَ القيد من قدمي
فِي صَبْوتي بسُلوك الرِّقِّ منتظِمٌ / أستغفر الله كَيْفَ العِتقُ فِي هَرَمي
نفسُ الحياةِ حياةُ النفسِ مَشْهَدُه / والبعدُ عنديَ عنه أعظمُ النِّقَم
لا يسمح اللهُ أن أَرْمَى بسهمِ قِلىً / أقسمتُ بالله أن الرق من قِسَمي
إني تعوذت بالرحمنِ من زمن / قَدْ حَكَّم البينَ مَا بيني وبينهمِ
إن تَمَّ لي كل مَا أرجوه من أملٍ / فالشملُ بالمَلك السلطان من لَزَمي
فالفضلُ مبتدِئ فِيهِ ومختتِم / يَا حُسْنَ مبتدأِ فِيهِ ومختتم
خِيام العز تُقْرِيك السَّلامَا
خِيام العز تُقْرِيك السَّلامَا / سقاكِ الغيثَ سَحّاً وانْسِجاما
رحلْنا عنك لا نبغِي بَديلاً / ولا مِثْلاً وَلَمْ نُرِد انْصِراما
ولكنْ منك كي نزداد حباً / فزُرْ غِبّاً تَجِدْ حُباً مُداما
سَقانا الدهرُ كاساتِ التصابي / فعُمْنا البحرَ ننتشِق النُّعامى
بغلمانٍ يجرون المواشي / كَأَنَّ الليل يكسوهم ظلاما
طَفِقنا نقطع الدَّوّاء بحراً / وساقي الأُنس يُهدينا مُداما
كَأَنَّ الجوَّ شوبٌ زِبْرِجي / وظهرَ البحرِ من روض الخُزامَى
ظللنا نَصْطَبحْ كاساتِ أنس / تخالُ الدهرَ صَبّاً مُستَهاما
تطوف بِنَا المواشي قاطعاتٍ / أَديم البحرِ من رهْوٍ تَرامَى
تُجلِّلنا المهابةُ من مليكٍ / كَأَنَّ عَلَيْهِ من فرح ضِراما
فضَضْنا مجلسَ الإيناسِ بِكْراً / كَأَنَّ الدهر نَحْمِله غلاما
هَمِّي أتى من هِمَمِي
هَمِّي أتى من هِمَمِي / وصحتي من سَقَمِي
من عِلَّة البدءِ أنا / فِي علةٍ من هَرَمي
أفضِي حياتي تَعِساً / مذ كنتُ طَيَّ الرَّحِم
مُنغَّصاً فِي عيشةٍ / وإِن تكن كالدِّيَم
أسعَى ضَئيلاً مثلَما / يسعى بكفِّي قلمي
أودُّ أني لَمْ أكن / لكنّ سهمي قَدْ رُمي
فها وجودي عدمٌ / ليت وجودي عدمي
فإن أَعِشْ دهراً فطو / لُ العيشِ أدنَى الحُلُم
مَا ذقتُ أشهى مَطْعماً / إِلاَّ كصابٍ عَلْقم
إن أشْتهيها نِعَماً / من مَلْبَس أَوْ مَطعم
تَكدَّرت لداتُها / من السؤال الأعظم
رَبَّاه مَا أغناك عن / وجدان عبدٍ مجرِم
كم نعمةٍ أَوْليتَه / فذو الحِجَا لَوْ يَنْعَم
يرمي بطرفٍ دونَه / مَرْمَى شهابِ الأَنجُم
فلم يزل مُنغَّصاً / بعقلهِ المحتدِم
رُحماك ربي إنني / فِي بحر فكرٍ مُفْعَم
تحيط بي أمواجُه / فلك أكد أن أَسْلَم
ربَّاه إني بالحِمى / أرعى مَراعيَ الغَنم
أَهيم لا أدري بما / يضمّ كفي أَوْ فمي
يغيبُ عن فكريَ مَا / يَنطِق عنه كَلِمي
عجائبُ الكونِ لَهَا / تجري دموعي بدمِي
في كل آنٍ كم لَهَا / تطورٌ لَمْ يُحْسَم
صار خيالي غَرضاً / ترميه كلُّ الأَسهُمِ
إذَا أتيت حَرَماً / أتى الأسى من حَرَم
كَأَنَّ قلبي فِي فضا ال / أفكارِ سيراً يرتمي
يَطير فِي أفكاره / طَيْرانَ أُم قَشْعَمِ
ربَّاه إني لَمْ أزل / عن كل مَا يأتي عَمِي
تطير نفسي شَرراً / إذَا ذكرتُ مَأْثَمِي
ونادبُ البينِ يصي / ح نادِباً فِي مَأْتمي
رُحماك ربي إن أكن / فِي حالِ موتٍ مؤلم
يبكون حولي وأنا / فِي حالةٍ لَمْ تُعلَم
تنزِع نفسي مُكرَهاً / وقبلَ ذا لَمْ تُسَم
فيا لَهَا من جُرعةٍ / يَغَذُّ منها غَلْصَمي
هناك يبدو مَا خَفِي / من حَسَن أَوْ جُرُم
هناك يبدو ندمي / من حَيْثُ لاتَ مَنْدَم
حَتَّى أُدَسَّ صاغِراً / فِي جَدثٍ مُلتئمِ
يضمُّني ملتزِماً / ضماً يدق أعظُمي
يا وحشتي فِي مسكنٍ / يطول فِيهِ مَجْثمي
مَاذَا يكون بعد ذا / رَبَّاه من تيمُّمي
يطوف بي مُطهَّمٌ / يمرق مثل الزَّلم
يقوده مَلائِكٌ / يَسْعَون مثلَ الخدم
حَتَّى أُوافِي جنة / محفوفة بالنِّعم
أبقَى بِهَا مخلَّداً / عَلَى صفوفِ الكَرم
أو للشفا يَدُعُّني / موكَّلٌ بالحَطَم
يجرني قَهْراً إِلَى / دارِ الشقا جهنم
رباه جسمي لَمْ يُطِق / عَلَى مَسيس الضَّرم
هناك ربي لَمْ يكن / غيرَ الرجا مُعتصَمي
فارحمْ إلهي شَيْبَتي / فالويلُ إن لَمْ تَرْحم
بلَوْتَني مختبِراً / فلم أكن أن أَحتمي
فاصفحْ إلهي عن فتى / من الأسى لَمْ يَنَم
يطوِي الدَّياجي عِبَراً / تسيل مثلَ العَنْدم
رباه إن تغفرْ فما / أحلاهُ من مُقدَّم
وإِن تعاقبْني فوي / لي دائماً وانَدَمي
فاجعلْ رجائي شافعاً / عن زَلّةٍ بالقَدَمِ
قِفَنْ بنا وانظرِ الآسادَ فِي الأَجَمِ
قِفَنْ بنا وانظرِ الآسادَ فِي الأَجَمِ / وانزلْ برَجْلِك دونَ الروض والخِيَمِ
واربعْ بنا واقصُرِ الأقدامَ من حَذَر / فالمرءُ قَدْ يحذر الزَّلاّتِ بالقدم
وانزلْ بنا طرقاً دون الحِمى ومتى / تأمنْ فدونَك ركنَ الحيِّ فالتزِم
واقصدْ هنالك بابَ الجود مُلتزِماً / وابسُطْ يديك عَلَى أعتابِه وقُم
واسبِلْ رداءَ الحيا واشددْ يديك عَلَى / خُفوقِ قلبِك إن الحيَّ ذو حَشَمِ
وانثرْ بِهِ دُرَّ لفظٍ منك منتظِماً / فالبحرُ يقذف دراً غيرَ منتظِم
ثُمَّ التقط نثر جودٍ نظمُه ذهبٌ / من كف تيمورَ يَكْفِي عِلَّةَ العَدم
شِبْلٌ تَسَلْسل من آسادِ سلطنةٍ / عظيمُ مرتبةٍ من سادةٍ بهُمِ
قَدْ ماز بالحلمِ عن أقرانِه وكذا / حاز المكارمَ طِفلاً غير مُحتلِم
قومٌ لهم بِفنونِ الملكِ معرفةٌ / مأخوذةٌ من سطور اللَّوح والقَلم
تَوارَثوا الملكَ من آبائهم قِدَماً / فأَعظِمْ بِهِ من تُراثٍ نِيلَ من قِدَم
كم صفحةٍ بطُروس المجدِ قَدْ كتبوا / بالسيف والرمح من أعدائهم بدم
وكم وكم لهمُ من خطة شهدت / أن الملوك همُ والناس كالخدم
لقد بنَوا بسيوف الهندِ بيت عُلى / كما بنى منزلاً تيمور ذو العِظَم
تناولتْ كفُّه كفَّ السحاب فما / أَعلاهُ من منزلٍ نال السما بفم
بناه للضيفِ والملهوفِ إِن طَرَقا / كَهْفاً وكَنْفاً فلم يَسْغَب وَلَمْ يَضِم
أَكرِمْ بِهِ منزلاً تَأوِي العُفاةَ بِهِ / يبقى عَلَى الدهر عالٍ غيرَ منهدمِ
وَلَمْ يزل واكفُ الأنواءِ يُمطِره / والأرضُ تنبت بالنسرين والعَتم
تبكي السماءُ عَلَيْهَا وهْي ضاحكةٌ / فاعْجَبْ عَلَى ضاحكٍ يبكي لمبتسِم
والورد أكمامُه بالروضِ قَدْ فُتحت / بكف سَحْسيحَ يبري القلب من ألم
والطَّلحُ يبسط نحوَ الزهرِ ساعدَه / يشير بالكف أن الوردَ من خدمي
ذَاكَ البنفسجُ والرَّيجانُ بَيْنَهما / تَخاصُمٌ يَنْصِبان الوردَ للحُكُم
والجُلَّنار يقول الزهرُ يشهد لي / بأنني بارِقٌ قَدْ لاح من إِضَم
والياسَمينُ شقيقُ الوردِ يفخر من / حُسن البياضِ يقول الحسنُ من شِيَمي
والروضُ يضحك إِن قام النزاعُ بِهِ / مَا بَيْنَ منتصر فِيهِ ومنهزِم
تطاردت سَطَراً أشجارُهُ وغدتْ / معكوسةً باشتباك الأصل والقمم
من كل فاكهةٍ زوجانِ قَدْ نظِما / بسلكِ روضٍ بديعِ الحسنِ منتظِم
يَحُفّه النهرُ ثَجّاجٌ لَهُ زَجَلٌ / ينهلُّ تيارُه من بحرِه الخَضِم
والطيرُ ترجز بالألحانِ مطرِبةً / يَهيم مَا بَيْنَها الشُّحرور بالنَّغَم
يظل قلبُ الفتى بالشَّجْوِ مُنفطراً / والشيخُ فِي زهدِه يَصْبو إِلَى التُّهَمِ
وقفتُ أسأل رَكْباً بالحِمى نزلوا / والقلبُ من لاعجِ الأشواق فِي ضَرَم
يَا أَيُّهَا الركبُ هل قبلَ النزولِ لكم / من أهل هَذَا الحمى باللهِ من ذِمَمِ
خلفتْمُ مُغْرماً يَقْفُو النِّياق أَلا / تَهْدون صَبّاً بسهمِ المُشكلات رُمي
يهوَى أُهَيْلَ الحمى والحظُّ يُبعِده / والعمرُ قَدْ آن للتَّرحال والهَرم
يؤخر الرَّجْل طَوراً ثُمَّ يُقْدِمها / عَلَى السلوِّ فلم يُقْدِم وَلَمْ يخِم
قضى الحياةَ وحاجاتُ الفؤادِ لَهَا / غُلْيُ المَراجلِ لَمْ تَهْدأ وَلَمْ تَعِم
قَدْ كَانَ والرأسُ كفُّ الليل تَمسحه / فما دَرَى غيرَ كفِّ الصبح باللُّمم
قَدْ هاجَه واجِسٌ ظلتْ هَواجِسُه / تَئِطُّ من باهظِ الإحساس والندم
من لَمْ تُفدِه صروفُ الدهرِ تجربة / فلْيَرْعَ بَيْنَ المَها والشاء والنَّعَم
يا ركبُ مَهْمَا تكن بالحي ذا كَلَفٍ / فنادِه عَلَّه يُبْديك بالكَلِم
وأخبرْه مستفهِماً عني سأَنشُده / عسى يرقُّ لقلب صار كالحِمَم
قَدْ أَوْقد الحبُّ فِي سودائِه لهباً / فناله من صروف الدهرِ والِّلمَم
أقول والقلبُ مني بالحِمى وَلِهٌ / والعين مَهْمَا هَوِيتَ الحيَّ لَمْ تنم
يا منزلاً بالحمى قَدْ شِيد بالهمم / أصبحتَ فِي ذِروة العَلْياء كالعَلم
لا زلتَ فِي أفق الإسعادِ شمسَ ضُحى / تَسْقِيك واقيةُ الرحمنِ بالدِّيَمِ
بنتْك كفُّ العلى والمجدُ ساعدها / صَرْحاً مُمَرَّد للترحيبِ والكرم
فأنت يَا منزلٌ طاب النَّزِيلُ بِهِ / من حل فيك كمن قَدْ حل بالحرَم
يَأْوِيك ذو حاجةٍ عز الزمانُ بِهَا / تَشْفيه من بَهْظة الأيام والسَّقَم
أَنْعِم بِهِ منزلاً جادتْ مَوارِده / يَسْقي العِطاشَ ندى قَدْ شُجَّ من شَبِمِ
حُيِّيتَ من منزلٍ زانتْ ظفارُ بِهِ / يزهو بطَلْعته كالبدر فِي الظُّلَم
وَلَمْ تزل سُحُب وَطْفَاءٌ ماطرةٌ / تسقى حِماك بوَبْلٍ هاطِلٍ رَذِم
سقاكِ والروضَ نَهلاً قَدْ سقيت بِهِ / حَتَّى الخيام ومن بالروض من أُمم
لله من خِيَمٍ شُدَّت فَواصلُها / بعروةِ المجد شدا غير مُنفصِم
يكاد ينطح قرنَ الشمس منكبُها / كَأَنَّها سحبٌ تعلو عَلَى العُصُم
أرستْ سفينُ العلى مذ هَبَّ عاصفُها / بنهرِ أرزات حَيْثُ الجودُ كالدِّيم
فاربعْ بنا يَا أخا الحاجاتِ إِن لنا / بمنزلِ الجودِ أطواراً من النِّعَم
وادعُ الإله عظيمَ المَنِّ مبتهِلاً / أن يحفظ المنزلَ المأنوسَ من نِقَم
يظلُّ بالدهر معموراً بساكنه / بالمجد والجود لا بالضال والسَّلم
أرَّختُه مذ علا بالجو مرتفِعاً / ينمو علوّاً كمثل النار فِي العَلم
بَرح الخَفاء وزالتِ الأوهامُ
بَرح الخَفاء وزالتِ الأوهامُ / وَعَلَى الهنا تَتبسَّم الأعوامُ
وعَوالمُ الأكوانِ تُعلن بالثَّنا / وَتَخُط من كلماتِها الأَقلامُ
والجنُّ تهتف بالتشكُّر والمَلا / فَرحاً وثغرُ المجتدِي بَسّام
والأرضُ تُضحك والسما تبكي نَدًى / والبحرُ من طربٍ عَراه هُيام
نشوانُ من خمر السرورِ كَأَنَّما / بسروره قدمَته إلمام
يرتاح حَتَّى أنه من موجِه / ضُربت عَلَيْهِ من السحاب خِيام
والقفرُ أصبح بالنبات مُطرَّزاً / فبَنَفسجٌ بمُروجِه وبَشّام
والريحُ تسحبُ بالمروجِ ذيولَها / وبكفها تَتفتح الأكمام
والذئبُ والأَنعامُ تَرْتَع بالفَلا / عُقدت لَهُ والشائمات ذِمام
والسحبُ تُمطر والرياضُ نَوافِح / فكأنما بالمسك فُضَّ خِتام
والشمسُ قَدْ ضحيت لَوافح حَرِّها / وكأنما بالزَّمهرير لِثام
سِيّانِ شأنُك يَا زمانُ وشأن من / سكن الجِنانَ تَساوت الأحكام
وإذا الليالي بالسرور تَواتَرَت / حِجَجاً فكلُّ شهورِهن تَمام
تِيهي ظفار فقدَ شَرُفْتِ كمثلما / تيمورُ قَدْ شَرُفتْ بِهِ الأيام
أصبحت فِي روض السعادة تَرتعِي / والناسُ من أمن المَليك نِيام
والعزُّ فِي مَثْواك أضحى راتعاً / وَعَلَى حصونك تُنشَر الأعلام
أمسيتِ فِي وجه الممالك غُرّةً / وذووك فِي فلك السعود قِيامُ
قَدْ طال مَا كَانَتْ رِكابُك غُفَّلاً / والآنَ فِي كل الأُنوفِ خِطامُ
فألقِ الزِّمامَ بكفِّ أَروعَ باسلٍ / فيممتُه لَكَ حارسٌ وزمام
ثُمَّ اسحبِي ذيلَ الفَخارِ تَبختُراً / فيَحقُّ منك تبخترٌ وغَرامُ
قَدْ كنتِ كالرِّعْدِيدِ مُرتعِدَ القُوى / ينتاشُك الضَّيْوَنُّ والضُّرْغام
حَتَّى أتاكِ أبو سعيدٍ فاستوت / بأمانه الأوهاد والآكام
فاليومَ صرتِ من المَخاوف جَنَّةً / كظِباءِ مكةَ صيدُهن حَرام
فظِباك فِي أنس الكِناسِ أَوانِسٌ / والطيرُ فِي وُكُناتهن نِيامُ
فلْيَهْنَ قطرُك يَا ظفار بمَرْبع / لأبي سعيدٍ طال فِيهِ مُقام
للهِ أنت فلا عَدتْكَ كرامةٌ / إِذ أنت بالملكِ الأمين عِصام
ملكٌ أرقُّ من النسيم خَلائِقاً / وأشد خُلْقاً إِذ يكون خِصام
لا يَحذرنَّ من المخاوفِ جارُه / أبداً وَلَيْسَ أخو الجوار يُضام
أَنْدَى من المطرِ المُلِثِّ نَداؤُه / وأجلُّ مَهْمَا عُدَّت الأوهام
وأحدُّ من نظرِ العليم ذكاؤُه / فتَحار من تخمينِه الأفهام
كم ذا أُعالج فكرتي بمديحه / فيَعُزُّني عن دَرْكه الإقدام
لا زال كَنْفاً للوجود وملجأً / والدهرُ فِي كفيه ثَمَّ حُسام
فمشيتُ أعثر والخمولُ يَصدُّني / علماً بأنّ عَذِيريَ الإحجامُ
فركبت صعباً والسماحةُ عُدَّني / إني عَلَى التقصير لستُ أُلام
فأتيت فِي قَيْد الولاء مهنئاً / عيداً يُجدِّد عهدَه الإسلام
فَلْيَهنأِ العيدُ السعيد تَشرُّفاً / بمليكه ولْيَهنأ الأَقوام
ولْيَهْنَ دهرٌ أنت بدرُ كمالِه / وسديدُ ملكٍ أنت فِيهِ ختام
إِلَى نيلِ العُلى كم من رسومِ
إِلَى نيلِ العُلى كم من رسومِ / قَطَعْنا بالسُّرَى ولكَم تَخُومِ
بجُردٍ مُنْشَئاتٍ من سَمومِ / ورَكْبٍ كالنجوم عَلَى نجومِ
مَرَقْن من الفَلاة بِهِ مُروقا /
حَنايا كالقِسِيِّ بهم تَهاوَى / بحورُ نَدَى إِذَا مَا الضيفُ آوى
وإِن مرضَ الزمانُ بِهِم تَداوَى / سَرَيْنَ بِهِم كَأَنَّهمُ نَشَاوى
عَلَى الأَكْوار قَدْ شربوا رَحيقا /
تَخُبُّ نِياقُنا والبدرُ سارِ / وقَدْحُ خِفافِها شُعلات نارِ
فلا تدري بليلٍ أَوْ نهارٍ / وصوءُ الفجرِ مثلُ النهر جار
ترى بدرَ الدُّجى فِيهِ غريقا /
سَراةٌ فَوْقَ أفلاكٍ كَأَنَّا / مَصابيحٌ إِذَا مَا الليل جَنّا
ففت أخلاقنا الأحقادَ عنا / تحث مَطِيَّنا الأشواقُ منا
ونقطع بالأحاديثِ الطريقا /
لَمْ تكتحِلْ مُقْلتي غَمْضاً وعزتِكُمْ
لَمْ تكتحِلْ مُقْلتي غَمْضاً وعزتِكُمْ / مذ جَدَّت العِيسُ وَهْناً يومَ رحلتِكُمْ
أَوحشْتُموني أَلا مُنّوا برجْعَتكم / باللهِ مَا استحسنتْ من بعدِ فُرقتِكم
عيني سواكم ولا استمتعتُ بالنظر /
ما حَرَّك الريحُ من أَوْطانِكم شَجناً / إِلاَّ بفُرقتكم قَدْ زادني شَجَنا
ولا قَضى الحسنُ من غيركم شجناً / إن كَانَ فِي الأرض شيءٌ بعدَكم حَسَنا
فإن حسنَكُم غَطَّى عَلَى نظري /
سَموتُ إلى أَوْجِ المَعالي بهمةٍ
سَموتُ إلى أَوْجِ المَعالي بهمةٍ / وعاكستُ أفلاكَ الخُطوبِ بعزمةٍ
وإن ساءني الدهرُ الخَئونُ بصدمةٍ / سأصبِر حَتَّى تَنْجَلي كلُّ غُمة
وتأتي بما تَهْواهُ نفسي المَقادرُ /
أُكابِر من دهري سِنيناً أُحامِسا / وَلَمْ أر طبعَ الدهرِ إِلاَّ مُعاكِسا
سأَجْهَده صبراً وإِن ظل شامِساً / وإِن لَبِئْسَ العبدُ إِن كنت آيِسا
من اللهِ إِن دارتْ عليَّ الدَّوائر /
فما أنا فِي الورى ملكاً مُقَدَّمْ
فما أنا فِي الورى ملكاً مُقَدَّمْ / ولا بطلاً بيومِ الرَّوْع مُعْلَم
ولا حملت كفاي رُمحاً ولَهَذم / ولا صحبتنِيَ الفرسانُ إِن لَمْ
أُصاحبْها بمأمونِ الغِرارِ /
ولا سَدتُ المَلا والأنفُ أرغمْ / ولا خُضتُ الوَغى والجوُّ أَقْتم
ولا رعتُ الكَمِيَّ إِذن فأَحجم / ولا خافتني الأملاكُ إِن لَمْ
أصبِّحها بملتفِّ الغبارِ /
إني لَفي قلقٍ من بعد فَقْدهمُ
إني لَفي قلقٍ من بعد فَقْدهمُ / لا أملك النفسَ إِذ هامتْ بوَجْدهمُ
أَبيت فِي أرقٍ أدعو بردِّهمُ / لا أَوْحَش اللهُ من قومٍ لبُعدهم
أمسيتُ أحسد من بالغُمض يكتحلُ /
أودعتُهم مُهجتي والقلبُ منزلُهم / فكان أظلمُهم فِي الحب أَعْدلَهم
لا رَبَّح اللهُ مَنْ بالهجرِ حَمَّلهم / غابوا وألحاظُ أفكاري تُمثِّلهم
لأنهم فِي ضميرِ القلب قَدْ نزلوا /
أصبحتُ من بعدِهم أبكيهمُ شَغَفاً / والقلبُ من لاعجِ الأشواقِ قَدْ تَلَفا
أَوّاه واشِقْوتي أواه والهَفَا / ساروا وَقَدْ قَتلوني بعدَهم أَسفا
يا ليتهم أَسَروا فِي الركب من قتلوا /
قَدْ صرتُ من بعدِهم أَسعى بلا قَدَمِ / وأُمزج الدمعَ من فقدانِهم بدمِ
ما بالهم تركوني اليومَ فِي عدمِ / وخلَّفوني أَعضُّ الكفَّ من ندم
وأُكثِر النَّوحَ لما قَلَّت الحِيَلُ /
فالنفسُ خلفهمُ فِي السُّقْم هائمةٌ / وأَسهُمُ البينِ بالهجران راميةٌ
وأَلْسُن النَّوح بالويلاتِ داعيةٌ / أقول فِي إِثْرِهم والعينُ دامية
والدمعُ منهمِر منها ومنهمِل /
جازوا عليّ وَلَمْ يَخْشَوا مُعاقَبةً / وَمَا رَعوا فِي الهوى مني مُصاحَبةً
فقلت للنفسِ وَهْماً أَوْ مغالطةً / مَا عَوَّدوني أحبائي مُقاطعة
بل عَوَّدوني إذَا قاطعتُهم وَصَلوا /
قَدْ حِرتُ فِي أمرهم والجسمُ قَدْ مَرِضا / وأقبلَ الحَيْنُ يومَ البين معترِضا
فلم أجد فِي حياتي بعدَهم غَرضاً / فسِرتُ فِي إِثرهم حيرانَ مُرْتَمِضا
والعِيسُ من ظِلِّها تَحْفَى وتنتعل /
إذَا الدهرُ أَقَصْى عنك خِلاًّ مُكَرّماً
إذَا الدهرُ أَقَصْى عنك خِلاًّ مُكَرّماً / فلا تُكثرِ الأحزان يَا ذا وتندما
لعلَّ بأنْ يأتي قريباً ويَقْدَما / لقد يجمعُ الله الشَّتِيتَيْن بعدما
يظنانِ كلَّ الظَّنِّ أَنْ لا تَلاقِيا /
نَشرتُ شِراعَ الشوقِ لما هَوِيتكُمْ
نَشرتُ شِراعَ الشوقِ لما هَوِيتكُمْ / وسافرتُ فِي الأمواجِ حَتَّى أتيتكُمْ
نقضتُ عهودَ الود لما وفيتكُم / طفوتُ عَلَى بحرِ الهوى فدعوتُكُم
دعاءَ غريقٍ مَا لَهُ مُتعوَّمُ /
أُناديكُم والعينُ تجري بدمعةٍ / وبحرُ الهوى يُفضِي عليَّ بغَمْرةٍ
فما لِي أدعوكم دعاءً بأَنَّةٍ / لتَسْتنقذوني أَوْ تُغيثوا برحمةٍ
فلم تستجيبوا لي وَلَمْ تَترحَّموا /
فهل يحسبوا أني أُحدِّثُ عنهمُ
فهل يحسبوا أني أُحدِّثُ عنهمُ / بما أَوْدعوني من هواهم ومنهمُ
أمَا علموا أني أمينٌ عليهمُ / وأني من القوم الَّذِين همُ همُ
إذَا استُودِعوا الأسرارَ كَانُوا قبورَها /
إذَا الدهرُ أَقْضى عنك خلا مكرَّماً
إذَا الدهرُ أَقْضى عنك خلا مكرَّماً / فلا تُكثِر الأحزانَ يَا ذا وتَنْدَما
فرُبَّ بعيدٍ أَنْ سيأتي ويَقْدَما / لقد يجمعُ الله الشَّتِيتَين بعدما
يَظنانِ كلَّ الظن أَنْ لا تَلاقِيا /
أقول إذَا مَا البرقُ وَهْناً تَبسَّما
أقول إذَا مَا البرقُ وَهْناً تَبسَّما / وذَكَّرني عهداً قديماً تَصرَّما
أيا برقُ إِنْ جئتَ الخيامَ مسلِّماً / لَكَ اللهُ إِني بالحمى وذوي الحمى
رهينُ الأَسى والدمعُ تَهْمِي هَواطِلُهْ /
خَليليَّ عُوجاً بي قليلاً وَأَقْرَبا / عَلَى ساحةِ الفَيْحا لأبكي وأَنْدُبا
زمانَ الصِّبا إذ كنت لا أعرف الصبا / جهلتُ الهوى إذ كنت فِي شِرَّة الصِّبا
غَريراً بِهِ لَمْ أدرِ مَا هو فاعلُه /
لقد زادَ همي فِي الهوى وتحسُّري / عَلَى فائتٍ لَمْ يُجْدِ فِيهِ تَصبُّري
فآهٍ لأمر طال فِيهِ تحيُّري / نعمتُ وَمَا أنعمت فِيهِ تبصُّري
نعم ضاع مني الحزمُ فيما أحاوله /
أَلا يَا نسيمَ الروحِ رِفْقاً يجسمُها
أَلا يَا نسيمَ الروحِ رِفْقاً يجسمُها / وإياك تطمعْ يا نسيم بلَثْمها
وحاذرْ تُنادي يَا نسيمُ باسمها / أغار عَلَيْهَا من أبيها وأمها
ومن لوحةِ المِسْواكِ إن لاح بالفم /