القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : الملك الأَمجَد الكل
المجموع : 15
دمعٌ جَرَى فأخجلَ الغماما
دمعٌ جَرَى فأخجلَ الغماما / سَقَّى الديارَ قطرُهُ انسجاما
مدامعٌ تُخبركُمْ عن لوعةٍ / قد قعدَ القلبُ لها وقاما
أذلتُها من بعدِ صوني برهةً / لها فأثبتُّ بها الغراما
وكنتُ مِن قبلِ ولُوعي بالهَوَى / أرى انبجاسَ مائها حراما
يا جيرةً أصبحَ صبحُ عيشتي / مِن بعدِ ما ترحَّلوا ظلاما
عهدي بأوطانِكُمُ آهلةً / تكْنُفُ مِن سكانِها أراما
مِن كلَّ هيفاءَ يُعيرُ قدُّها ال / غصنَ إذا ما خطرتْ قواما
بهنانةٌ ممكورةٌ خَمصانَةٌ / قد جرَّدتْ مِن لحظِها حُساما
كأنَّني كنتُ أرى وِصالَها / زمانَ جادَتْ لي بهِ مناما
والعيشُ لا تصحَبُهُ لذاذةٌ / اِلاّ إذا ما أشبَهَ الأحلاما
ما مزنةٌ أرخَتْ غزيرَ وبلِها / فروَّتِ الوهادَ والآكاما
جرَّتْ على وجهِ الثرى ذيولَها / كأنَّها تُشافِهُ الرَّغاما
عادتْ بهِ الأوشالُ في لصوبِها / مترعةً مِن دمعِها جِماما
مثلَ دموعي يومَ قيلَ ثَوَّروا / عيسَهُمُ وقوَّضوا الخِياما
باللهِ يا ريحَ الجَنُوبِ بلَّغي / عنّي إلى أحبابيَ السلاما
وعَرَّفيهمْ أنَّني في دارِهمْ / أَعلَّمُ النوحَ بها الحماما
منازلٌ أرعى ذِمامَ أهِلها / اِنَّ الكريمَ يحفظُ الذماما
أصبحَ صبري ناقصاً ولوعتي / يزدادُ وَقْدُ حرَّها ضِراما
مغاني الهوى لم يبقَ إلا رسومُها
مغاني الهوى لم يبقَ إلا رسومُها / سقاها مِنَ السُّحْبِ الغوادي هزيمُها
منازلُ أستسقى الدموعَ لتربِها / سِجاماً إذا الأنواءُ ضَنَّتْ غيومُها
طربتُ وقد لاحتْ بوارِقُ مزنةٍ / حِجازيةٍ عنها فبتُّ أَشيمُها
تُذَكَّرُني وجداً تقادمَ عهدُهُ / وأطْرَُب ذكرى العاشقينَ قديمُها
وعيشاً تولَّى في ذُراها زمانُهُ / وما هذه الدنيا بباقٍ نعيمُها
ليَ اللهُ مِن قلبٍ يهيمُ صبابةً / اِذا هبَّ عن بالي الطلولِ نسيمُها
يَحِنُّ إلى أوطانِها ويَزيدُه / بها شغفاً أوطارُ نفسٍ يرومُها
لياليَ أهدتْ لي عيونُ ظِبائها / سقاماً أعادَ الصبَّ وهو سقيمُها
فلو سُقِيَتْ تلكَ البلادُ مدامعي / لأَمْرَعَ مِن تَساكبهنَّ هشيمُها
وما عَنَّ ذكرُ الحبَّ إلا حسبتَني / نزيفاً سقاهُ الراحَ صِرْفا نديمُها
ولم يُبْقِ منّي الوجدُ إلا حُشاشةً / بنارِ الهوى والشوقِ يصلَى صميمُها
فيا ليلَ مالي قد سهِرُت ليالياً / لبعدكِ حتّى قد رَثَى لي بهيمُها
أمِنْ طربٍ ما نالني أم صبابةٍ / مِنَ الشوقِ يسري في حشايَ أليمُها
فهل تُبْلِغَنّي الدارَ وجناءُ حُرَّةٌ / يُبيدُ الفيافي وخدُها ورسيمُها
ينازِعُني فضلَ الزَّمامِ نشاطُها / الى أربُعٍ قد كنتُ فيها أَسيمُها
تزيدُ ولوعاً بالذميلِ إذا رأتْ / غراميَ في المَوماةِ وهو غريمُها
تؤمُّ بي المرمى البعيدَ كأنَّما / يَخُبُّ برحلي في الفلاةِ ظليمُها
لئن وَصَلَتْ نجداً ولاحتْ لعينِها / ذُرَى الهَضَباتِ البيضِ زالتْ غمومُها
واِنْ نفحتْ ريحُ الصَّبا مِن بلادِها / على الكَبِدِ الحَرَّى تَجَلَّتْ همومُها
يَقَرُّ بعيني أن أشيمَ بروقَها / ويسرحَ في تلكَ الخمائلِ ريمُها
خمائلُ يُصيبني ذكيُّ عَرارِها / اِذا فاحَ ما بينَ الرياضِ شَميمُها
ويَشْغَفُ قلبي أن يفيضَ جِمامُها / ويُصبِحَ رَيّانَ النباتِ جميمُها
هنالكَ تَخْدي بي وبالركبِ أينُقٌ / تُقَصَّرُ عما تنتحيهِ قرومُها
تواصلُ اِغذاذَ الرسيمِ على الوجَا / مطيٌّ تراهُ خَلَّةً لا تريمُها
تَضِلُّ فأهديها وهيهاتَ أن تَرَى / مُضَلَّلَةً تهوي ومثلي زعيمُها
وقفنا عى نُؤْيِ الربوعِ وعيسُنا / تَشكَّى صَداها في الخزائمِ هيمُها
فكم ليلةٍ فوقَ الرحالِ قطعتُها / تُساهِمُني طولَ السُّهادِ نجومُها
اِذا نامَ عن ليلِ المطالبِ عاجزٌ / وخالَ كراهُ نعمةً يستديمُها
فما نامَ يقظانٌ أثارَ مطيَّهُ / الى المجدِ تسري بالجَحاجِحِ كومُها
لعمريَ لم يبلغْ أخو العَجْزِ خُطَّةً / يؤمَّلُها ما دامَ حياً عظيمُها
اِذا ما جليلاتُ الأمورِ أرادَها / سِوى كُفْئها عَزَّتْ وخابَ لئيمُها
وكيف ينالُ النَكْسُ غايةَ سؤْلِهِ / ويَعْجِزُ عن نيلِ المعالي حميمُها
أبى الله إلا أن يعودَ مخيَّباً / اِذا رامَها دونَ البرايا ذميمُها
وما الفخرُ إلا رتبةٌ ما ينالُها / على خبثهِ الطبعُ الدنيُّ رنيمُها
اِذا طاولتني بالقريضِ عِصابةٌ / أقرَّتْ على كرهٍ بأنَّي عليمُها
أحوكُ بروداً مابدا لي نظيمُها / لدى معشرٍ إلا وخرَّ نظيمُها
قصائدَ كالمخدومِ تبدو واِنْ بدا / لغيريَ شِعرٌ قيلَ هذا خديمُها
سأبعثُها تحكي الرياضَ أنيقةً / يوشَّعُها لفظي فَتُصبي رقومُها
واِنْ غبطَتْني الفضلَ والعقلَ أُمَّةٌ / فمَنْ ذا على ما كانَ منها يلومُها
وما قصَّرَتْ بي عن مَدَى الشَّعرِ هِمَّةٌ / فَتُحوِجَني أرعى دَعّياً يضيمُها
هو الدمعُ أضحى بالغرامِ يُترجِمُ
هو الدمعُ أضحى بالغرامِ يُترجِمُ / وقد كانَ فيكَ الظنُّ قبلُ يُرَجَّمُ
فلا ماءَ إلا ما جفونُكَ سحبُه / ولا نارَ إلا في ضلوعِكَ تُضْرَمُ
توهَّمتَ أن البعدَ يَشْفي مِنَ الجوَى / وأدْوائهِ يا بئسَ ما تتوهَّمُ
ستقلَقُ أن جدَّ الفراقُ وأصبحتْ / أيانِقُ ليلى للرحيلِ تُقَدَّمُ
حرامٌ على عينيكَ نومُهما اِذا / أقمتَ بنجدٍ والركائبُ تُتهمُ
فلا جفَّ غَرْبُ العينِ أن بانَ حيُّها / وسارتْ بها اِبْلٌ نواحلُ سُهَّمُ
تجوبُ بها الهَجْلَ البعيدَ كأنَّها / اِذا ما سجا الليلُ الدجوجيُّ أَنْجُمُ
فيا صاحِبَيْ شكوايَ أن تنأَ عَلْوَةٌ / فلا تحسبا أنّي مِنَ الوجدِ أسلمُ
وما كنتُ أدري قبلَ فتكِ لحاظِها / بأنَّ الجفونَ البابليَّةَ أَسْهُمُ
جَزِعتُ وما بانَ الخليطُ ولا غدتْ / نجائبُه تشكو الكلالَ وتُرْزِمُ
ولا ناحَ مشتاقٌ تذكَّرَ اِلْفَهُ / ولا أن مهجور ولا حَنَّ مُغْرَمُ
فكيف إذا شطَّتْ وشطَّ مزارُها / وأصبحَ مِرْطُ الوصلِ وهو مُرَدَّمُ
وصدَّتْ إلى أن عادَ طيفُ خيالِها / على قربِ مسراه يَصُدُّ ويَسْأَمُ
ورفَّعَ حادُوها القِبابَ وأرقلتْ / نِياقٌ نماهنَّ الجَدِيلُ وشَدْقَمُ
وكُدَّ رَوِرْدُ القربِ بعدَ صفائهِ / وعهدي بهِ عذبُ المواردِ مُفعَمُ
وحالتْ عهودٌ كانَ عِقدُ وفائها / على قِدَمِ الأيامِ والدهرِ يُبْرَمُ
فلمّا تمادَى الشوقُ وانشقَّتِ العَصا / وأعرقتُ كرهاً والأكلَّةُ تُشئمُ
تنسَّمتُ أخبارُ العُذَيْبِ وأهلِهِ / شِفاهاً فما أجدَى عليَّ التنسُّمُ
فمِنْ دمعةٍ فوقَ الخدودِ مُذالةٍ / وأخرى على تُرْبِ المنازلِ تُسْجَمُ
فيا ليَ من ليلٍ طويلٍ سَهِرتُه / يُسامِرُني همٌّ كليليَ مُظلمُ
ومِن كَبِدٍ حرَّى وقد طوَّحتْ بها / مرامي النوى من جورِها تتظلَّمُ
أكابدُ منها هجرَها وبعادَها / وأيُّ قوًى مِن ذينِ لا تتهدَّمُ
وأشكو اليها ما أُعانيهِ منهما / فلم تُشكِني أن الصبابةَ مَغْرَمُ
فلو كانَ ما أشكوه مِن لاعجِ الهوى / الى صخرةٍ كانتْ تَرِقُّ وتَرْحَمُ
فيا ذِلَّةَ الشاكي إذا كانَ لا يرى / سِوى ظالمٍ مِن مثلِهِ يتعلَّمُ
أفي كلَّ يومٍ للوداعِ روائع / تروعُ فؤاداً بالتفرُّقِ يُكْلَمُ
فلم يلقَ قبلي مِن أذى البينِ مثلُ ما / لقيتُ على حسنِ الوفاءِ متيَّمُ
وما أحدٌ في الوجدِ مِنْ وِقْفَةِ الهوى / وشكوى تباريحِ الغرامِ مُسَلَّمُ
فمَنْ لي بأنْ تدنو الديارُ وأنْ أرى / زمانَ التداني بالأحبَّةِ يَبْسِمُ
زماناً يعيرُ الروضَ بهجةَ حسنِهِ / فأُسعَدَ فيه بالوصالِ وأنعَمَ
وأمنحهُ حُسْنَ الثناءِ بمقولٍ / يحوكُ بديعَ الشعرِ جزلاً وينظِمُ
أرقَّشُه بالنَّقْسِ حتى كأنَّه / على صفحاتِ الطَّرسِ وشيٌ مُنَمْنَمُ
قصائدُ ما فاهَ الرواةُ بشبهها / قديماً ولم يُفتحْ بمثلٍ لها فَمُ
اِذا أنشدُوها في النديَّ كأنَّما / تضوَّعَ مسكٌ في المحافلِ منهمُ
تأرَّجَ ما بينَ الأنامِ فنشرُه / كنشرِ ثرى الأحبابِ بالطيبِ مُفْغَمُ
خليليَّ مالي كلّما لاحَ بارقٌ / طرِبتُ اليه والخليّونَ نُوَّمُ
يُنَفَّرُ عن عيني كراها كأنَّهُ / وقَدْ عَنَّ عُلْوِيّاً عليها مُحَرَّمُ
سلا البانَ مِن نَعْمانَ هل لَعِبَتْ به / رياحُ صَباً يُحيا بها ويقوَّمُ
وهل رجَّعَتْ فوقَ الفروعِ حمائمٌ / لهنَّ على أعلى الغصونِ ترنُّمُ
تُهيَّجُ أشجانَ الفؤادِ كأنَّها / بما في ضميري مِن هوى الغيدِ تعلمُ
فللّهِ كم تُبدي الحمامةُ شجوَها / لديَّ على غصنِ الغرامِ وأكتمُ
تراها لِما عندي مِنَ الوجدِ والهوى / اِذا ذرفتْ منّي المدامعُ تفهمُ
وما ذاكَ عن علمٍ بما أنا منطوٍ / عليهِ ولكنَّ الحنينَ يُهَيَّمُ
يُذَكّرني الأُلافَ سجعُ هديلِها / وذِكرُ قديمِ الحبَّ للقلبِ مُؤْلِمُ
فأبكيهمُ دمعاً إذا فاضَ ماؤه / تحدَّرَ عن جفني وأكثرُه دمُ
وأستنشقُ الأرواحَ شوقاً اليهمُ / وأسألُ آثارَ المعاهدِ عنهمُ
فهل بعدَما بانوا وأقوتْ ربوعُهُمْ / تبلَّغُني الأحبابَ وجناءُ عَيْهَمُ
تواصلُ اِدمانَ الذميلِ فلا شكا / أليمَ الوَجا منها ولا الوخدَ مَنْسِمُ
تخوضُ الدجى والقفرَ حتى كأنّما / يناهِبُها البيدَ النعامُ المصلَّمُ
أزورُ بها الخرقَ الذي لا يزورُه / لخوفِ الصدى فيه المطيُّ المزمَّمُ
ومَنْ كانَ في أسرِ الصبابةِ قلبُه / سيبكيهِ نُؤْىٌ للدَّيارِ ومَعْلَمُ
ويلتذُّ طعمَ الحبَّ جهلاً واِنَّه / اِذا راجعَ العقلَ الصحيحَ لعلقمُ
على أَنَّني جلدٌ على كلَّ حادثٍ / يُزَعْزَعُ منه لو ألمَّ يَلَمْلَمُ
صبورٌ إذا ما الحربُ أبدتْ نيوبَها / بحيثُ الرَّماحُ السَّمهريَّةُ تُحْطَمُ
وعندَ لقاءِ الخيلِ في الرَّوعِ كلَّما / تَقَصَّدَ في القِرْنِ الوشيجُ المقوَّمُ
وحيث الكماةُ الحمسُ في غَمَراتِها / كأنَّهمُ في مُحكمِ السَّردِ عُوَّمُ
يشوقُهمُ في موقفِ الموتِ نَثْرَةٌ / وأسمرُ عسَالٌ وأبيضُ مِخْذَمُ
وجرداءُ مِثلُ الريح تَسبِقُ ظِلَّها / الى الغايةِ القصوى وأجردُ شيظَمُ
وفي كلَّ وجهٍ للمهندِ مَضْرِبٌ / وفي كلَّ نحرٍ للمثقَّفِ لهْذَمُ
وفي كلَّ أرضٍ مِن سنابِكِ خيلهمْ / عجاجٌ مثارٌ في العُنانِ مُخَيَّمُ
وللأرضِ ثوبٌ بالنجيعِ مُخَضَّبٌ / وللشمسِ وجهٌ بالقَتامُ مُلَثَّمُ
اِذا قلتُ أخرستُ الفصيحَ واِنْ أصُلْ / لحربٍ تحاماني الخميسُ العرمرمُ
ولكنَّ أهواءَ النفوسِ بدائها / مضتْ قبلَنا عادٌ عليها وجُرْهُمُ
اِذا رامَ ينهاني العذولُ عنِ الهوى / يمارسُ منّي مُصْعَباً ليسَ يُحْطَمُ
أأسمعُ فيه العذلَ منه ولو غدا / عليَّ وقد عاصيتُه القولَ يَنْقُمُ
وهيهاتَ لا أُصغي اليهِ واِنَّه / ليعلمُ رأيي في الوفاءِ فيَحجِمُ
فأقسمُ ما حوراءُ مِن سربِ حاجرٍ / تَحِنُّ وقد ضلَّ الطَّلا فَتُبَغَّمُ
تغيَّبَ ما بينَ الأرجاعِ فانثنتْ / أسيرةَ شوقٍ للنوى تتألَّمُ
تَمَلْمَلُ مِن حَرَّ الفراقِ كأنَّها / سليمٌ سقاه السمَّ أربدُ أرقمُ
بأوجعَ مِن قلبٍ يُوَزَّعُ حسرةً / على جيرةٍ بانوا وفكرٍ يُقَسَّمُ
برقٌ تألَّق مِن تِهامَه
برقٌ تألَّق مِن تِهامَه / صَدَعَ القلوبَ المُستهامَهْ
تصبو اليه إذا بدا / يهتزُّ في ذيلِ الغمامَهْ
يبدو ويخبو تارةً / كالسيفِ أغمدَهُ وشامَه
بَكَرَ العذولُ يلومُ / صَبّاً ليس تثنيه الملامَه
ما للمحبِّ وللملامِ / لقد نضا عنه لِثامَه
مِن أين يسمعُه عزيم / هوًى أطال بهِ غرامَه
يهوَى لُمَى ظبي الصريمِ / فهل يَرى يوماً لمامَه
مازالَ يسألُ أو يرومُ / عن النقا أو ريمِ رامَه
ألهتْهُ حمرَةٌ ريقِهِ / في الحبِّ عن شربِ المُدامَه
عَطِرٌ تأرَّجَ عَرْفُه / كالمِسكِ تَسلُبهُ خِتامَه
ملَكَ الغرامُ عِنانَه / واقتادَ للبلوى زِمامَه
وأذلَّهُ مِن بعدِ عِزّ / كانَ لا يخشى انفصامَه
فأضاعَهُ مَنْ كانَ / يأمُلُ أنَّه يرعى ذِمامَه
والحبُّ ما منعَ البليغ / على بلاغتِهِ كلامَه
يلقى الحبيبَ فما يُطيقُ / إليه أن يشكو اهتِضامَه
ما أومضَ البرقُ اللموعُ / على رُبا نجدٍ فشامَهْ
اِلاّ وذكَّرَهُ مِنَ / المحبوبِ في الليلِ ابتسامَه
ما زارهَ كالبدرِ تجلو / منه غرَّتُه ظلامَه
اِلاّ وحيّاهُ محيّاهُ / بما روّى اُوامَه
يا راكباً يفلي الفلا / مِن فوقٍ أعيسَ كالنعامَه
ذرعَ القفازٌ وقد أطار / الاْينُ في المرمى لُغامَه
كالسهمِ في الخرقِ القصيِّ / يكادُ أن يشأى سَمامَه
مِن فوقهِ كَلِفٌُ يحنُّ / إذا تغرَّدتِ الحمامَه
ما غرَّدتْ إلا وعاودَ / مِن تذكُّرِه هُيامَه
باللهِ أن جئتَ الحِمى / ورأيتَ عن بعدٍ خيامَه
بلِّغْ أُغيلمَةً بهنَّ / إذا مررتَ بها سلامَه
عن مغرمٍ دَنِفٍ بَرَى / تَذكارُ قربهمُ عظامَه
ماهبَّ مِن روضِ الحمى / اِلاّ وأذكرنَي بَشامَه
يسري بريحِ ثُمامهِ / سقَّى حيا جفني ثُمامَه
تذكَّرَ أيامَ الصَّبا فتألَّما
تذكَّرَ أيامَ الصَّبا فتألَّما / وعصراً لِرَيْعانِ الشبابِ تَصَرَّما
ومدَّةَ لهوٍ قصَّرَتْها حبائبٌ / سُقِيتُ بها خمرَ الرُّضابِ مُخَتَّما
فأجريتُ مِن عينيَّ دمعاً مُوَرَّدا / فلم أدرِ ماءً ما تحدَّرَ أم دما
وأجَّجَ في قلبي الغرامُ لواعجاً / مِنَ الشوقِ يبعثنَ الزفيرَ المضرَّما
ليَ اللهُ مِن قلبٍ إذا ذَكَرَ النوى / توجَّعَ مِن أيامِها وتظلَّما
ومما شجاني معهدٌ ما عَهِدتُه / خَلاءً وربعٌ بعدَهنَّ تهدَّما
ديارُ الأولى أضحتْ وقد بانَ أهلُها / بأيدي البِلى والبينِ نهباً مقسَّما
عبرتُ بها فاستوقفَتْني ملاعبٌ / سحبتُ بها بُردَ الشبيبةِ مُعْلَما
فلم أعرفِ الأطلالَ وهي دوارسٌ / خوالٍ مِنَ الأحبابِ إلا توهُّما
لقد كانَ ميقاتُ الدنوَّ بقربهمْ / حميداً فلمّا عزَّ صار مذمَّما
أليسَ عجيباً والعجائب جَمَّةٌ / فصيحٌ يناجي بالصَّبابةِ أَعْجَما
يسائلُ آثارَ الديارِ عنِ الذي / ترحَّلَ عنها أين حلَّ وخيَّما
وقد كَرَبتْ لما ألمَّ مخاطباً / لعرفانِه الأطلالُ أن تتكلَّما
منازلُ أحبابٍ يَحُثُّ مسارعاً / اليهنَّ فتلاءَ الذراعينِ عَيْهَما
تُلاعبُ أثناءَ الزَّمامِ وعندَها / أليمُ وجاً لم يُبقِ للوخدِ مَنْسِما
تَرفَّعُ أخفاقُ المطيَّهِ عن دمٍ / اِذا نَظَرتْهُ العينُ خالتْهُ عَنْدَما
فِانْ أنجدَ الأحبابُ أنجدَني الهوى / واِنْ أتهموا عادَ الغرامُ فأتهَما
خليلَّي هلاَّ تُسعدانِ أخاكما / وقد قرَّبَ الحيُّ المطيَّ المخزَّما
أمِنْ بعدِ ما تنأى به غُربَةُ أن النوى / تُعينانِ صبّاً بالأحبَّةِ مُغرَما
وماذا عسى تُجدي الاِعانةُ سرتْ / بهمْ قُلُصٌ تشأى النعامَ المُصَلّما
اِذا رُفِعتْ تلكَ القِبابُ عنِ الحِمى / وغرَّدَ حادي عيسِها فترنَّما
دعاني وما ألقاهُ مِن لاعجِ الهوى / فلا أنتُما منّي ولا أنا منكُما
أعينَيَّ هذا موقفُ البينِ فاسفَحا / مدامعَ تُغني الصبَّ أن يتذممَّا
فمالي اِذا حُمَّ الفراقُ وأزمعوا / رحيلاً سوى حثُ النياقِ وأنتُما
أجوبُ بها مِنْ شاسعِ البيدِ مَخرِما / اِذا جاورتهُ العيسُ يمَّمتُ مَخْرِما
أُغذُّ ومِن تحتِ الرفاقِ أيانِقٌ / لواغبُ يتبعنَ النجيبَ المزممَّا
سواهمُ مِن نسلِ الجديلِ وشدقمٍ / كرائمُ خَجَّلنَ الجديلَ وشَدْقَما
أخوضُ بها بحرَ السرابِ وتَنثني / فتجتابُ قَطْعاً مِن دجى الليلِ مظلما
أصاحبُ فيه مِن ظُبى الهندِ صارماً / وأسمرَ عسالاً وأجردَ شَيْظَما
وعزماً إذا خامَ الكماةُ وأحجموا / عنِ الموتِ في يومِ النزالِ تَقَدَّما
وفرسانُ حربٍ لاتَمَلُّ صدورهُمْ / لقاءَ الأغادي والوشيج المقوَّما
الى حيثُ كانوا في البلادِ فاِنَّني / أرى العيشَ إلا بالتواصلِ مَغْرَما
لئن قرَّبَ الأحبابُ منّي مزارهمْ / وأصبحَ زَنْدُ البينِ بالوصلِ أجذَما
وأصغُوا إلى نجوايَ فهي شكايةُ / وجدتُ لها طعماً حكى الصّابَ عَلْقَما
بثثتُهمُ والدارُ تجمعُ شملَنا / على غِرَّةِ الواشينَ وَجْداً مكتَّما
بلفظٍ يَغارُ الروضُ منه وقد بدا / يروقُكَ مُوشِيَّ اللَّباسِ مُنَمْنمَا
تخلَّلَ أنواعَ النباتِ بديعَه / بساطٌ غدا بالأُقحُوانِ مرقَّما
وما مزنةٌ أرختْ شآبيبَ وَبْلِها / فأسبلَ مِن فوقِ الربوعِ وديمَّا
تجلجلَ فيها الرعدُ والبرقُ لامعٌ / يُطرَّزُ بُرداً للسحابِ مسهَّما
بأغزرَ مِن دمعي عُقَيْبَ نواهمُ / وقد زُرْتُ للغادينَ ربعاً ومَعْلمَا
عشيَّةَ عَجُنْا بالمطيَّ الرواسمِ
عشيَّةَ عَجُنْا بالمطيَّ الرواسمِ / على الدارِ أبكتْنا رسومُ المعالمِ
وقفنا فكم فاضتْ على الربعِ عبرةٌ / لِما هاجَهُ منّا بكاءُ الحمائمِ
فللّهِ هذا القلبُ كم يستفزُّه / تعطُّفُ أغصانِ القدودِ النواعمِ
ويُعجِبُهُ لمعُ الثغورِ كأنَّها / بوارقُ تبدو مِنْ خِلالِ المباسمِ
ويصبوا إلى باناتِ سَلْعٍ إذا انبرتْ / تَمايلُ مِن مرَّ الرياحِ النواسمِ
سقاها مِنَ الوسميَّ كلُّ مجلجِلٍ / هتونِ ربابِ المزنِ أوطفَ ساجمِ
الى أن ترى الروضَ الأريضَ موشَّعاً / كما وشَّعَتْهُ بالحيا كفُّ راقمِ
وحيّا السحابُ الجَونُ أغصانَ دوحِه / دِراكاً كموجِ اللُّجَّةِ المتلاطمِ
اِذا حرَّكتْهنَّ الرياحُ تناثرتْ / الى تُرْبِهِ أزهارُها كالدراهمِ
لحا اللهُ قلبي كم يَحِنُّ إلى الحمى / وقد بانَ أهلوه حنينَ الروائمِ
وحتامَ لا يَفني بليلى ولوعُه / كأنَّ عليه الوجدُ ضربةُ لازمِ
ومما شجاني قولُها يومَ بينِها / وفي القلبِ منه مثلُ لذعِ السمائمِ
تُراكَ إذا طالتْ مسافةُ بيننا / تعودُ لأسرارِ الهوى الهوى غيرَ كاتمِ
فقلتُ لها تأبى المروءةُ والنُّهى / اِذاعةَ سِرَّينْا وشرعُ المكارمِ
فلو كنتَ يوم البينِ يا حارِ حاضراً / لقبَّحتَ كالعُشّاقِ لومَ اللوائمِ
وعاينتَ لا عاينتَ للبينِ موقفاً / يُهَوَّنُ أخطارَ الأمورِ العظائمِ
وقد سِرنَ عن تلكَ الديارِ مُغِذَّةً / نياقهمُ نحوَ النقا فالأناعمِ
فكم مِن فمٍ شوقاً وقد سرنَ سُحرةً / لماثلِ أطلالِ المنازلِ لاثمِ
ومِن مدنفٍ لاقى البعادَ وهولَهُ / بأنف على حكم التفرُّقِ راغمِ
ومِن راحةٍ قد نهنهتْ فيضَ عبرةٍ / وأُخرى على أحشائهِ والحيازمِ
فليت المطايا حين سِرْنَ عَنِ الحمى / وباشرنَ حَزْنَ المنحنى بالمناسمِ
عُقِرنَ فلم يعملنَ في البيدِ أذرعاً / ولا جادَها للرِىَّ دَرُّ الغمائمِ
ولا برحتْ في القفرِ هيماً تجوسُهُ / نواحلَ يُعييهنَّ قطعُ المخارمِ
فلو كان هذا البينُ مما يَصُدُّهُ / صُدورُ العوالي أو ظهورُ العزائمِ
دفعناه بالخيلِ العتاقِ مغيرةً / تَمطَّى بفرسانِ الوغى في الشكائمِ
عليها رجالٌ يستضيئونَ كلَّما / غدا النقعُ مسوّداً ببيضِ الصوارمِ
اِذا أُلبسوا الماذيَّ خِلْتَ عنابساً / الى الموتِ تمشي في سلوخِ الأراقمِ
مطاعينُ في يومِ الكريهةِ كلَّما / بدا الموتُ محمرّاً بزرقِ الهاذمِ
اِذا رجموا صدرَ العجاجةِ بالقنا / تفرَّجَ ضيقُ المأزقِ المتلاحمِ
أسودٌ إذا هاجتْ ضراغمُ بيشةٍ / تلقَّيتُها منهم بمثلِ الضراغمِ
مناجيدُ حربٍ تعثُر الخيلُ تحتهمْ / اِذا ما ارتدوا أسيافَهم بالجماجمِ
غَنَوا بي فهم في الحربِ ما دار قطبُها / جناحٌ له عزمي مكانَ القوادمِ
وفي حلبةِ الأشعارِ سابقُها الذي / ترفَّعتُ فيها عن دعيًّ مقاومِ
وعن كلَّ نظّامٍ بضائعُ شعرِه / اِذا عرضوها لم تفزْ بمساومِ
عزيزٌ عليه أن يعودَ بنظمِه / عليماً وكم كدَّى به غيرَ عالمِ
له نظراتٌ كدَّرَ الحقدُ شزرَها / تَدُلُّ على ما عندَهُ مِن سخائمِ
فما الفضلُ في أهلِ الشرابيشِ سُبَّةً / ولا العلمُ مخصوصاً بأهلِ العمائمِ
اِذا سمعوها في ندىًّ فحظُّهمْ / مِن الحَسَدِ المبغوضِ عَضُّ الأباهمِ
وما انتفعوا منها بما يسمعونَهُ / كأنَّي قد أسمعتُها للبهائمِ
أهلُ الهوى بالذي أهواهُ قد علموا
أهلُ الهوى بالذي أهواهُ قد علموا / اِنْ كان حقاً فتعذيبي بهمْ نِعَمُ
يكفي المحبينَ لطفٌ منهمُ ويدٌ / متى أحاطَ بما يَلْقونَ علمُهمُ
أحبّة بعدوا عني ولو علموا / بما أُعانيهِ مِن بُعدِ الهوى رَحموا
تَهُزُّني نشوةُ التَّذكارِ قاتلةً / اِذا أدارَ عُقارَ الشوقِ ذكرُهمُ
وأنثني مِن لظى الأشواقِ في حُرَقٍ / اِذا استقلتْ عنِ الجرعاءِ عيسُهمُ
لا كنتُ أن لم أمتْ من بعدِهم أسفاً / وهل يردُّ عليَّ الفائتَ الندمُ
قومٌ إذا قلتُ طولُ البُعدِ يُحِوجُني / الى سلوَّهم أغرانيَ الَدَمُ
قومٌ أسلموني إلى البلوى فليتهمُ / مِنَ الزمانِ ومِن احداثهِ سَلِموا
ابكي ويبكي / اِذا سطّرتُ مشتكياً
مِنَ الفراقِ ومِن ساعاتهِ / القلمُ
اِنْ كنتُ أضمرتُ غدراً أو هَمَمْتُ به / فلا سَعَتْ بي إلى أوطانِهم قَدَمُ
هويتُهمْ والصَّبا تندى نضارتُه / وما سلوتُ وهذا الشيبُ والهرمُ
ألقى الغرامَ على العلاّتِ مِن جسدي / بناحلٍ شفَّهُ التبريحُ والسقمُ
متى تبسَّمَ ثغرُ البرقِ قلتُ له / قبل النوى هكذا قد كنتُ أبتسمُ
ساروا فعندي مِنَ الأشواقِ ما عجزتْ / عن حملِ أيسرِه الوخّادَةُ الرسُمُ
لم القَ يومَ النوى إلا حشاً قَلِقاً / ومدمعاً بأتيَّ الدمعِ ينسجمُ
يا حارِ أين ليالينا بذي سَلَمِ / مرَّتْ سراعاً وساعاتُ الدُّنا حُلُمُ
أنظرْ معي هل تبدَّى البرقُ منصلِتاً / كالنَّصلِ أو لاحَ لي مِن ارضهم علمُ
فِانَّ طرفي وقد سارتْ ركائبُهم / عنِ الربوعِ بفيضِ الدمعِ مُتَّهَمُ
واعجبْ لنارِ هوًى عندي وان ذَرَفَتْ / عيني الدموعَ من التفريقِ تَضْطَرِمُ
في مسمعيَّ عنِ العُذّالِ ويحَهمُ / وعن زخاريفِ ما جاؤوا به صَمَمُ
أأشتكيهمْ وهمْ مَنْ قد شكوتُ لهمْ / وجدي قديماً فما ملُّوا ولا سئموا
أكاد أعتبهم حيناً فيمنعني / ما كنت ألقى من الاحسان عندهم
معاذَ قلبيَ أن ينسى جميلَهمُ واِنْ أضاعوه / أو يُلهيهِ غيرُهمُ
في كلَّ ما شَعرةٍ منّي أخو كَلَفٍ / مغرًى بعهدهمُ لا حالَ عهدُهمُ
أين الأحبَّةُ لا شيءٌ يعادِلُهمْ / عندي ولو عدلوا في الحكمِ أو ظلموا
همُ المنى لو وردتُ الموتَ مِن ظمأ / وقيلَ لي ما الذي تختارُ قلتُ همُ
بانوا فلم يبقَ لي من بعدِهم أملٌ / قد كنتُ أرجوه إلا وَهْوَ بيْ ألَمُ
ما بالُ دمعي كما قد كان منسفحاً / مِنَ الفراقِ وهذي دارُهمْ أَمَمُ
أمِنْ تغيُّرِ ما بيني وبينهمُ / وقد وثقتُ بودًّ ليس ينفصمُ
أم مِن توقُّعِ بينٍ بتُّ أَحْسَبُهُ / خوفاً على مُهجتي لا عشتُ بعدهمُ
سقتكِ ديمةُ جفني يا ربوعَهمُ / حفظاً لعهدكِ أن لم تسقِكِ الدَّيَمُ
وكيف تَروي صدى الأطلالِ / لا ظمئتْ مدامعٌ ردَّها التفريقُ وهي دمُ
تبدَّلتْ وحشةً من بعدِما ظعنوا / عن ربعِها لا عدا الآثارِ انسُهمُ
ما كانَ عندي وقد كنتُ الضنينَ به / في مثلِ حبَّهمُ أن تُخفرَ الذَّمَمُ
ولا علمتُ وهذي شيمةٌ عُرِفَتْ / مِنَ الزمانِ بأنَّ الحُرَّ يُهتضَمُ
واِنَّما الحظُّ يحيا أو يموتُ كما / تَبلَى وتُنشَرُ مِن أجداثِها الرَّمَمُ
ومد لِجينَ على الأكوارِ رنَّحَهمْ / فرطُ النعاسِ فمالتْ منهمُ القِمَمُ
أفناهمُ فوقها طولُ الذميلِ فما / تطوي المهامةَ إلا العيسُ والهِمَمُ
في حيث للبيدِ آلٌ عَبَّ زاخرُه / وموجُه بعتاقِ العيسِ يَلتطِمُ
ضلوّا فأرشدَهمْ والسبلُ طامسةٌ / رأيٌ ودون المرادِ البيدُ والظلمُ
وربَّ حلبةِ شعرٍ جئتُ سابقَها / لم يَثنِ جامحَ شعري دونها الُّلجُمُ
فما ارجحنَّتْ دواعي الفكرِ آونةً / حتى رأيتُ القوافي الغرَّ تزدحمُ
ما استوقفتْها ولا وسَّمنَ شرّّبها / وقد شُنِقْنَ على آنافِها الحكَمُ
تأتي وفي لفظِها ما راقَ مسمعُه / حسناً وفي طيَّها الأمثالُ والحِكَمُ
مِن كلَّ قافيةٍ ما زلتُ أرصفُها / بالفكرِ فهي على الاِيثارِ تلتئمُ
كالدرَّ نَظَّمتُها حتى إذا اتسقتْ / تعلمَّ الدرَّ منها كيف تَنْتَظِمُ
فمثلَها / وهي في عصرٍ يؤخَّرُها
فليُنتجِ الفكرُ أو فلتنَظمِ الأممُ /
هل بعد ذا كَلَفٌ بكم وغرامُ
هل بعد ذا كَلَفٌ بكم وغرامُ / جسدٌ يذوبُ وعَبرةٌ وسَقامُ
وحمامةٍ تدعو الهديلَ وطالما / جلبَ الحنينَ حمامةٌ وحمامُ
هتفتْ وكم شاقتكَ فوقَ غصونِها / وُرْقٌ تَجاوَبُ والعيونُ نيامُ
فسهِرتُ مِن دونِ الرفاقِ لنوحِها / ولبارقٍ بالرقمتينِ يُشامُ
أمسى يلوحُ / ولي فؤادٌ خافقٌ
بوميضِه دونَ القلوبِ يُضامُ /
رحلَ الأحبَّةُ عن زرودَ وخلَّفوا / مضنًى تكنَّفَهُ أسًى وهُيامُ
ومتى خلا ربعُ الهوى مِن أهلِه / فكرى الجفونِ على الجفونِ حرامُ
واِذا قضى بالبينِ بعدَ دنوَّهم / عبثُ النوى فعلى الحياةِ سَلامُ
جنفَ العواذلُ في الملامِ وما ارعوى / وجدي وقد عَنَفوا عليه ولاموا
مَنْ مبلغٌ جيراننا بِطُوَيلِعٍ / أنّي سَهِرتُ مِنَ الغرامِ وناموا
قومٌ إذا ذُكِروا طربتُ صبابةً / فكأنَّما دارتْ عليَّ مدامُ
بانوا وقد كانوا عليَّ أعزَّةً / وهمُ واِن بانوا عليَّ كرامُ
أهوى رجوعَ الراحلينَ وطالما / كَذَبَتْ أمانيٌّ وعَزَّ مَرامُ
هيهاتَ أين رجوعُ أيامِ الحمى / ذهبتْ فدمعي اِثرهنَّ سِجامُ
أم كيف تُرجى للأحبَّةِ عودَةٌ / ويَلَمْلَمٌ مِن دونهم وثِمامُ
طلبُ الحبائبِ ضلَّةٌ مِن بعدِما / قعدَ العواذلُ حولهنَّ وقاموا
هُجِرَ المحبُّ تجنباً وأُضيعُ في / شرعِ الهوى عهدٌ له وذمامُ
فكأنَّما أيامُه بالمنحنى / كانتْ لطيبِ العيشِ وهي منامُ
فسقتْ صوادي الربعِ ديمةُ جفنِه / سَحّاً إذا ما ضَنَّ فيه غمامُ
ربعٌ أسائلهُ وفي قلبي له / مِنْ مؤلمِ الشكوى اليه ضِرامُ
عن جيرةٍ ظعنوا وأوحشَ منهمُ / نادي السرورِ في الفؤاد اقاموا
كانتْ ليالي القربِ أعياداً بهمْ / تُزهى وكان الدهرُ وهو غلامُ
واليومَ أخفقتِ المطامعُ بعدما / ساروا وأمسى البينُ وهو لِزامُ
جيرانَنا مَنْ باتَ مشغوفاً بكمْ / ونأيتمُ عنه فكيف ينامُ
ميعادُ شوقي أن تَهُبَّ مِنَ الحمى / نفسُ الصَّبا أو أن تلوحَ خيامُ
ونجائبٍ ترمي الفِجاجَ ضوامرٍ / هنَّ القِسيُّ وركبهُنَّ سهامُ
طلبتْ ربوعَ الظاعنينَ يحثُّها / سَبَبا غرامٍ جِنَّةٌ وعُرامُ
وتجنَّبتْ زَهْرَ الجميمِ إلى الحمى / ومواردَ الوادي وهنَّ حُمامُ
تسننُّ بينَ دَهاسِهِ فكأنَّها / في المَرْتِ تسخرُ بالرَّياحِ نَعامُ
مِن كلَّ جائلةِ الوضينِ كانَّها / مما عراها في الزَمامِ زِمامُ
أو مُصعَبٍ لم يثنِ مارنَ أنفِه / في البيدِ مِن قَلَقِ النشاطِ خِطامُ
يسري ولا لأخِي الغرامِ ولا له / في منزلٍ بعدَ الخليطِ مُقامُ
واِذا تغيَّرَ مَنْ حَفِظْتَ ودادَهُ / وغدتْ حبالُ العهدِ وهي رِمامُ
فدعِ الملامةَ لا تلُمْهُ فقلَّما يجدي / وقد نقضَ العهودَ مَلامُ
ولشرُّ أربابِ المواثقِ حُوَّلٌ / فيها يؤنَّبُ تارةً ويُلامُ
ومتى تفاخرَ بالنظيمِ عصابةٌ / نبغوا فاِنَّي للجميعِ اِمامُ
ختموا بأشعاري وكان ختامهم / مسكاً ويضحي المسك وهو ختام
آليتُ لا حِلْتُ ولا حِلْتُمُ
آليتُ لا حِلْتُ ولا حِلْتُمُ / عن كلَّ ما أعهدُهُ منكمُ
وبالذي ارعاه مِن عهدِكمْ / بعدَ نواكمْ يُعرَفُ المغرمُ
قد كنتُ أبكي والنوى لم تَحِنْ / بعدُ فما الحيلةُ أن بِنتمُ
وكيف لا يَقلَقُ مِنْ لم يزلْ / يُقْلِقُهُ حبُّكمُ الأقدَمُ
أرتاحُ للريحِ إذا ماسرتْ / مشمولةً تُخبِرُني عنكمُ
كأنَّها تأسو جِراحَ الهوى / فهي لقلبي دونكمْ مرهمُ
ما عَلِمَ الرُّكبانُ ما حلَّ بي / في الوجدِ لو لم يَلُحِ المَعْلَمُ
كتمتُه حتى إذا ما بدا / أظهرتِ العبرةُ ما أكتمُ
ولم تزلْ تُظهِرُ سرَّ الهوى / منّي إذا ما زرتُها الأرسُمُ
أسألُها عن أهلِها ضَلَّةً / كأنّها تسمعُ أو تَفْهَمُ
وربَّما أعربَ عن كلَّ ما / يزيدُ وجدي ربعُها الأعجَمُ
منازلٌ قد صِرْتُ أبكي لها / مِن بعدِ ما كنتُ بها أَبسِمُ
بادمعٍ مِن بعدِ أهلِ الهوى / على ثرى أطلالِهم تَسْجُمُ
اِنْ أعوزَ الغيثُ وان أنجمَتْ / سحائبُ الرَّىَّ انبرتْ تَثجِمُ
والدهرُ حالانِ فطوراً له / بؤسي وطوراً بعدها أنعُمُ
فلا تَضيقَنَّ بأفعالِه / فربَّما هانَ الذي يَعظُمُ
أحبابَنا لا تَرِدوا أدمعي / فاِنَّها بعدَ نواكُمْ دَمُ
بَعُدْتُمُ فالدهرُ في ناظري / بغيرِ أنوارِكمُ مُظلِمُ
وعيشتي البيضاءُ بعدَ النوى / كدَّرها هجركُمُ الأدهَمُ
لولا دموعي يومَ توديعكمْ / لم تكُ أسرارُ الهوى تُعلَمُ
أأشتكيكمْ أم إلى جورِكمْ / أشكو الذي قد حلَّ بي منكمُ
ولا أرى في مذهبي أَنَّهٌ / يُنصِفُني مَنْ لم يزلْ يَظلِمُ
شِنْشنَةٌ صارتْ له مذهباً / وهو لها دونَ الورى أخزَمُ
أحبَّةٌ لو قيلَ ماذا الذي / نختارُه ما قلتُ إلا همُ
هم أسلموني لاِسارِ الهوى / ظلماً وظنُّوا أنَّني أسلمُ
قلبي على ما نالَهُ منهمُ / لا يعرفُ البثَّ ولا يسأمُ
اِنْ أنجدوا أو أتهموا لم يزلْ / وهو المَرُوعُ المنجِدُ المتهِمُ
وناظرٍ لم يَغْفُ خوفَ النوى / والبينِ لمّا هجعَ النوَّمُ
جيرانَنا ها أنا باقٍ على / عهدي فهل أنتمْ كما كنتمُ
ما غيَّرَ الدهرُ لنا وجهُهُ / عنِ الرَّضى حتى تغيَّرتُمُ
وفَيْتُ لمّا خانَ أهلُ الهوى / ولم أقلْ إِنكمُ خنتُمُ
كنايةٌ في طيَّها كلُّ ما / يُوهنُني منكمْ وما يؤلمُ
فليتكمْ لمّا سرتْ عيسُكمْ / عن أبْرَقِ الحنّانِ ودَّعتُمُ
آهاً على طيبِ ليالي الغَضا / لو أنَّها عادَتْ ولو عُدْتُمُ
غبتمْ فما لذَّ لنا عيشُنا / ولا استُحِثَّ الكاسُ مذ غِبتُمُ
فالغيثُ والمنثورُ هذا أسًى / للبينِ يبكيكمْ وذا يَلطِمُ
وأصفرُ الزهرِ ومبيضُّهُ / هذاكَ دينارٌ وذا درهمُ
والروضُ مخضلٌّ بقطرِ الندى / فالطيبُ مِن أرجائهِ يَفْغَمُ
وللهوى في كبدي جذوةٌ / تبيتُ مِن خوفِ النوى تُضرَمُ
فهل أرى حيَّهمُ باللَّوى / يُدنيهِ منّي البازلُ المُكْدَمُ
كأنَّه في هَبَواتِ السُّرى / يُثيرُهنَّ الخاضِبُ الأصلَمُ
كم رُفِعَتْ أخفافهُ عنْ دَمٍ / كأنَّه في اِثرِه عَنْدَمُ
ترتاعُ للصوتِ واِرهابِه / كأنَّما في ثِنيهِ أرقمُ
يا أيُّها النظمُ نداءَ امرئٍ / يَشغَفُهُ مذهبُكَ الأقومُ
تَعُبُّ كالسيلِ على خاطرٍ / طمى عليه بحرُكَ المُفْعَمُ
أُثني بما فيكَ على رُتْبَةٍ / لم يُعْطَها عادٌ ولا جُرْهُمُ
لو كنتَ في عصرِ رجالٍ مَضَوا / صَلَّوا على لفظكَ او سَلَّموا
أرسمَ الهوى العذريَّ دمعُكَ في الرسمِ
أرسمَ الهوى العذريَّ دمعُكَ في الرسمِ / دليلٌ على ما في الجوانحِ مِن نُعْمِ
وقفتَ به قبلَ التفرُّقِ باكياً / كانَّكَ بالتفريقِ قد كنتَ ذا عِلْمِ
وأصبحَ في الأطلالِ قِسمُكَ وافراً / مِنَ الدمعِ والتبريحِ والبينِ والسُّقْمِ
مرابعُ ما طولُ الوقوفِ بنافعٍ / على ما شجاني مِن أثافيَّها السُّحْمِ
وليس سؤالُ الربعُ إلا علالةً / متى رمتَ نطقاً مِن ملاعبِه العجْمِ
ملاعبُ خُلانٍ تعرَّفَها البِلى / فا شكلتِ الآثارُ حتى على الوهمِ
وقد دَرَستْ إلا بقيةُ معهدٍ / على وَجَناتِ التربِ أخفى مِنَ الوشمِ
فأَغْنَى وليُّ الدمعِ فيه وطالما / تحدَّرَ وسميّاً فأغنى عنِ الوسمي
علامةُ أربابِ الغرامِ وقوفُهمْ / على الدارِ مِن بعدِ الخليطِ على رغمِ
فمِنْ مشتكٍ بيناً اليها وناشدٍ / فؤاداً أضاعوه ومِنْ عَبْرَةٍ تهمي
وليلٍ بطيءٍ الفجرِ خِلْتُ غدافَه / وقد باتَ مكتوفَ الجناحينِ مِن همَّي
تطلَّبتُ فيه شاردَ النوم ضَلَّةً / وأين كرى جفنٍ تعلَّقَ بالنجمِ
وشاطرتُ فيه النيَّراتِ سهادَها / فهل مِن مُعينٍ لي على السَّهَرِ الجَمَّ
سألتكَ يا حزبَ الفراقِ وحربَه / بيومِ النوى إلا جنحتَ إلى السلمِ
أرادَ عسوفُ القصدِ تشتطُ كلَّما / بدتْ لكَ اسرارُ المحبينَ في الحُكْمِ
وكيف أُرجَّي منكَ سلماً وهذه / سهامُ النوى والهجرِ داميةَ الكَلْمِ
وقد كنتُ مِن قبلِ المحبّةِ حازماً / ولكنَّها الأهواءُ تَذْهَبُ بالحزمِ
ومبتسمٍ أضحتْ لآليءُ ثغرِهِ / تُخَجَّلُ منضودَ الفرائدِ بالنظمِ
لبهنانةٍ نمَّ العواذلُ في الهوى / عليها فأضحى البينُ في حبَّها خصمي
همُ حَلاَّوْا الظمآنَ عن رشفاتِه / وذادوه لا ذادوه عن باردِ الظَّلْمِ
ولما رأيتُ الركبَ صرعى صبابةٍ / على الربعِ يُفْتُنونَ المعالمَ باللثمِ
بكيتُ بدمعٍ في الطلولِ مورَّدٍ / على موجعاتِ البينِ مذ لجَّ في ظُلمى
فجسمي ورسمُ الدارِ لما تشابها / عفاءً سألتُ الركبَ أيُّهما جسمي
وخَرقٍ به البزلُ المراسيلُ جُنَّحٌ / نواحلُ كالأرسانِ تنفخُ في الخُطمِ
برى نَيَّها طولُ الوجيفِ وأصبحتْ / طِلاحاً عجاناً فهي جلدٌ على عظمِ
غدتْ كالحنايا فوقَ كلَّ نجيبةٍ / مِنَ القومِ ماضي العزمِ أنفذُ من سهمِ
فهنَّ سفينُ البرَّ يُقْذَفْنَ كلَّما / بدا لامعاً بحرٌ مِنَ الآلِ كاليَمَّ
على شُعَبِ الأكوارِ منهنَّ فتيةٌ / قريبونَ مِن مدحٍ بعيدونَ مِن ذمَّ
يصمُّونَ عن داعي الشنارِ نزاهةً / ويُسمِعُهمْ في الروعِ قرعُ القنا الصُّمَّ
له نسبٌ في المكرماتِ مؤثَّلٌ / يذودُ الدنايا عن عرانِينها الشُّمَّ
وحَلْبَةِ شعرٍ أقبلتْ فيه سُبَّقاً / جيادُ قريضي وهي تَمزَعُ في اللُّجمِ
تُغيظُ بُناةَ الشَّعرِ منها قصائدٌ / تَدِقُّ معانيهنَّ إلا على فهمي
رياضُ قريضٍ قد رقمتُ بساطَها / بفكرٍ عزيزِ المثلِ في صنعةِ الرَّقْمِ
ينقَّحُها فكري فتأتي سليمةً / مبرأةَ الألفاظِ مِن خَجَلِ الخَرْمِ
اذا أُنشدتْ هزَّ النديَّ سماعُها / وفكَّتْ وثَاقَ القلبِ مِن رِبقةِ الهمَّ
دعْ عنكَ ما زخرفَ الواشي وما زَعَما
دعْ عنكَ ما زخرفَ الواشي وما زَعَما / لم يَصْحُ قلبي مِنَ البلوى ولا عَزَما
أمارَةُ الوجدِ عندي أدمعٌ ذُرُفٌ / على الديارِ وجسمٌ يألَفُ السَّقما
ومسمعٌ كلَّما زادَ العذولُ على / وجدي بليلى ملامًا زادَهُ صَمَما
لم أنسَ يومَ النوى والعيسُ مُحدَجَةٌ / والبينُ قد جَمَعَ التوديعَ والعَنَما
وكلَّما أرمضتْني مِن ملامتهِ / قوارصٌ أضرمتْ في مهجتي ضَرَما
يا حارِ والحرُّ مَنْ لم يُضْحِ في شُغُلٍ / مِنَ الغرامِ ومَنْ لم يُمسِ مُهتَضَما
اِنْ كنتَ أنكرتَ مِنْ دمعي نميمتَهُ / والقومُ عن حاجرٍ قد قوَّضوا الخِيَما
فما تحدَّرَ إلا مِن هوًى ونوًى / قد أحوجاه إلى اِظهارِ ما كتما
حالٌ تَذِلُ لها غلْبُ الأُسودِ وقد / أعزَّ اِقدامُهُنَّ الغِيلَ والأَجَما
أحبابَنا سُقيتْ أيامُ قربِكمْ / وجادَها الغيثُ منهلاًّ ومُنسجِما
مَضَتْ سِراعًا وما أدرى لسرعتها / أيقظةً ما أراني الدهرُ أم حُلُما
لا تَتْهَمُوا القلبَ بالسُّلوانِ بعدَكُمُ / فمذ عَرَفْتُ الهوى ما كنتُ متَّهَما
لم يبقَ لي أملٌ مِن بعدِ بينكمُ / اِلاّ وغادرَهُ صَرْفُ النوى أَلَما
أكادُ أبكي إذا سطَّرتُ مشتكياً / مِنَ الفراقِ ومِن أفعالِه القَلَما
ما للخيالِ ومالي ما ألمَّ بنا / اِلاّ وأورثَني اِلمامُه لَمَما
حيّا وفارقَني في الحالِ مُنصرِفاً / عنَّي فمتُّ على آثارِه نَدَما
طوى المهامهَ حتى جاءَ منفرِداً / اليَّ لم يَهَبِ البيداءَ والظُّلمَا
ودونهُ مِن فِجاجَ البيدِ مُنطمِسٌ / كاليمَّ مَجْهَلُه يستوقفُ الهِمَما
ما أوجفَ الركبُ أو ضلَّ الدليلُ به / اِلاّ وشيَّبَ مِنْ رُكبانِه اللَّمَما
يا دارُ ما لكِ قد عُوَّضتِ بعدهمُ / كُرْهاً بحكمِ النوى الغِربانَ والرَّخَما
لو كنتِ مِن حَدَثانِ الدهرِ سالمةً / لكانَ فيكِ فؤادي ربَّما سَلِما
ومنزلٍ عجتُ مِن بعدِ الخليطِ ضحًى / عليه أسألُ مِن أطلالِه الرُّسُما
فلم يُجبني وكم في الصَّمتِ من لَسَنٍ / فَهِمْتُه فجرى دمعي له وهَمَى
لمّا ذكرتُ به هنداً وجيرتَها / أيامَ قد كان شملُ الحيَّ ملتئما
تحدَّرتْ مِن جفوني فوقَهُ دِيَمٌ / اِذا استهلَّ حياها أخجلُ الدَّيَما
اِنَّ الكريمَ يرى ذكرَ الذين نأوا / وان أضاعوا عهودَ المنحنى ذِمَما
أين الحبائبُ في أيامِ جِدَّتِه / أولَينَهُ بشفاعاتِ الهوى نِعَما
نُفَرنَ عنه وهذي شيمةٌ عُرِفتْ / مِنَ الأوانسِ لمّا شارفَ الهَرَما
ما روضةٌ وشَّعتْها كلُّ غاديةٍ / فوشَّحتْها الثُّمامَ الغَضَّ واليَنَما
حاكَ الغمامُ لها مِن وشيهِ حُلَلاً / فيها فيا حسنَ ما وشَّى وما رَقَما
هِمْنا وقد هبَّ معتلُّ النسيمِ بها / كأنَّه بأحاديثِ الحِمى نَسَما
وخصَّني دونَ أصحابي بسَّرِهمُ / كأنَّه بالذي ألقاه قد عَلِما
يوماً بأحسنَ مِن تفويفِ ما نَظَمَتْ / قرائحي مِن كلامٍ يُنتِجُ الحِكَما
حوى العلومَ فأضحى في جزالتهِ / وسبكهِ بينَ أشعارِ الورى عَلَما
ولا الفراتُ كدمعي في غواربهِ / يوماً إذا جاشَ في تيّارِه وطَمَا
ولا الحمائمُ في نوحي ولا قلقي / غداةَ أضحتْ تُبكَّي الضّالَ والسَّلَما
متى ترنَّمَ منها طائرٌ غَرِدٌ / وقلتُ شعراً غدونا نَنْشُرُ الرَّمَما
وقد رضيتُ بقاضي العقلِ لي حَكَماً / فيما أقولُ وحسبي رأيُه حَكَما
ما لحبلِ الوصلِ قد أمسى رِماما
ما لحبلِ الوصلِ قد أمسى رِماما / ولزومِ الصدَّ قد صار لِزاما
يا أحبائي إذا لم تحفظوا / ذلكَ العهدَ فمَنْ يرعى ذِماما
شِيَمٌ لستُ أراها لكمُ / قعدَ القلبُ لجرّاها وقاما
ما عهدناها ولكنْ هذه / عادةُ الأيامِ تعتامُ الكراما
لا ولا كُنّا نُرجَّي منكمُ لِعُرى الوصلِ / وحاشاها انفصاما
أين أيامي على كاظمةٍ / جادَها الدمعَ انسكاباً وانسجاما
وزمانٌ بالحمى قضَّيتُه / ليته كانَ على العلاّتِ داما
زمنٌ لو عادَ أضحى مُكْرَهاً / لي هجيرُ الهجرِ برداً وسلاما
حبذا الريحُ غدتْ حاملةً / أرجَ الطيبِ وأنفاسَ الخُزامى
كلَّما مرَّتْ لها هَينمَةٌ / خلتُها مِن نحوِ أحبابي كلاما
فلماذا حرَّموا النومَ وما / كان لولا البينُ والهجرُ حراما
ومباحٌ لهمُ أن يمنعوا / لرضاهمْ مقلتي مِن أن تناما
مَنْ لقلبٍ كلَّما قلتُ خَبَتْ / نارُه أذكتْهُ لي ريحُ النُّعامى
وغريمِ الوجدِ مِن أهلِ الحمى / نفحةُ الريحِ تعاطيني الغراما
أرجٌ لولا أُهيلُ المنحنى / ما نشقناه ولا سُفْنا الرغَّاما
ورياضٍ بتُّ في أرجائها / باكياً روَّيتُ بالدمعِ الثُّماما
كلَّما مرَّتْ عليها شَمْأَلٌ / نبهَّتْ منها عَرارا وبَشاما
رقدتْ للنَّورِ فيها أعينٌ / والهوى يمنعُ عينَّي المناما
فاِذا غنَّتْ على أغصانِها / هُتَّفُ الوُرْقِ غدا دمعي المُداما
يا لَقَومي مِن حنينٍ زادَني / سَقَماً منه وما نلتُ مراما
لمعتْ لي بارقاتُ المنحنى / وهي تُبدي في دجى الليلِ ابتساما
خلتُها لمّا بدت مسلولةً / مِن قِرابِ المزنِ تهتزُّ حُساما
أو غدتْ مشبهةً مِن لوعتي / نارَها حَرّاً ووَقْداً وضِراما
ليت شعري والأماني ضَلَّةٌ / هل أرى الربعَ وهاتيكَ الخياما
منزلاً راقَ لعيني منظراً / وبهاءً ومُناخاً ومُقاما
حيث لم أسمعْ ولم تسمعْ بنا / زينبٌ مِن زخرفِ الواشي ملاما
ما وجدنا لليالي حاجرٍ / ولأيامِ الحمى في الدهرِ ذاما
ذاكَ دهرٌ سوف أُطريِه بما / يُخْجِلُ الدُّرَّ اتساقاً ونظاما
كلَّما رَدَّدَ شعري منشدٌ / في نديًّ عَلَّمَ النوحَ الحماما
بقريضٍ كلَّما أنشدَهُ / خلتَهُ فضَّ عنِ المسكِ الختاما
كلُّ أشعارِ الورى مؤتَّمةٌ / وهو للأشعارِ قد أضحى إِماما
زعموا أنِّي خَؤونٌ في الهوى
زعموا أنِّي خَؤونٌ في الهوى / في الهوى أنِّي خَؤونٌ زعموا
أثِموا حقاً وقد ظنُّوه بي / بي وقد طنُّوه حقاً أثِموا
ظلموا لمّا رأوني مُنصِفاً / مُنصِفاً لمّا رأوني ظلموا
علموا ما في فؤادي منهمُ / منهمُ ما في فؤادي علموا
نقموا فرطَ ولوعي بهمُ / بهمُ فرطَ ولوعي نقموا
سلموا مِن لوعةٍ بي في الحشا / في الحشا من لوعةٍ بي سلموا
حكموا لمّا رأوني طائعاً / طائعاً لمّا رأوني حكموا
كَرُموا أصلاً وطابوا عنصراً / عنصراً طابوا وأصلاً كَرُموا
فَهِموا وجدي فجاروا عامداً / عامداً جاروا ووجدي فَهِموا
حرَّموا وصلي وقتلي حلَّلوا / حلَّلوا قتلي ووصلي حرَّموا
فهُمُ قصدي ومنهمُ راحتي / راحتي منهمُ وقصدي فهُمُ
نَعِموا أين استقلَّتْ بزلُهمْ / بزلُهمْ أين استقلَّتْ نَعِموا
حرامٌ على الجفنِ القريحِ منامُه
حرامٌ على الجفنِ القريحِ منامُه / اِذا بانَ مَنْ تهوى وغزَّ لِمامُهُ
حياةُ الفتى / والعيسُ تُحدَجُ للنوى
حِمامٌ واِنْ لم يُقضَ فيها حِمامُهُ /
ومضنًى بكى في الربعِ حتى بكى له / به رحمةً عُذّالُهُ وسَقامُهُ
به لاعجٌ مِن شدَّةِ الوجدِ مُقلِقُ / يزيدُ على بعدِ المزارِ ضِرامُهُ
غريمُ الهوى العذريِّ في كلَّ حالةٍ / على ما يراهُ وجدُهُ وغرامُهُ
حمامَ الحِمى قلْ لي هلِ البانُ مثمرٌ / وويحَ المُنى أن لم يُحِبني حَمامُهُ
فهذا الحِمى والبانُ والأثلُ قد بدا / لعيني وأين المنحنى وخيامُهُ
وأين غزالٌ كان يهدي مع الصَّبا اليَّ / إذا ما بانَ عنّي سلامُهُ
يُذكِّرنُي ومض البروقِ اِذا بدتْ / تلوحُ على وادي الأراكَ ابتسامُهُ
وألمحُ ذاكَ الثغرَ يلمعُ برقُه / متى حُطَّ عن درِّ الثنايا لِثامُهُ
له مِن غزالِ الرملِ جيدٌ ومقلةٌ / وما شانَهُ اِذ ليس فيه بُغامُهُ
فكلُّ كلامٍ في الحشا مِن حديثهِ / اِذا ذُكِرَتْ ألفاظُه وكلامُهُ
مِنَ الحور وَدَّ البدرُ مِن فرطِ حسنهِ / وفرطِ الحيا لوعادَ وهو غلامُهُ
فلم أُعطِ يوماً للعذولِ مسامعي / عليه ولم يَثنِ الغرامَ ملامُهُ
هو البدرُ إلا أنَّه غيرُ خائفٍ / مِنَ النقصِ يوماً حين تمَّ تمامُهُ
وأين الحِمى يبدو أنيقاً جميمُه / ومنهَلهُ الفياضُ تطغى جِمامُهُ
وتلكَ الرياضُ الفيحُ فيه وزهرُها / تَفتَّحُ عن مثلِ الثغورِ كِمامُهُ
وخرقٍ أزرناه النجائبَ سُهَّما / يُسابِقُها مِن كلَّ مَرْتٍ نعامُهُ
فتنأى النعامَ الرُّبدَ فيه لواغباً / واِنْ بَعُدَتْ أعوارُه وأكامُهُ
أمامَ المطايا شاهقُ الكُورِ أهوجٌ / تَخَمَّطَ أن يَثنيهِ عنه خِطامُهُ
تناثرَ في البيداءِ وردُ خِفافِه / وَيندِفُ ندفَ البُرسِ فيها لُغامُهُ
بحيث تراه في الفلاةِ كأنَّما / تقاضاه وجدي بالحِمى وغرامُهُ
هما سَبَبا ذاكَ التماسكِ بعدَما / أضرَّ به اِرقالُه ودوامُهُ
يناحلُه في البيدِ وهو مُهربِدٌ / الى الجِزعِ يشأى الواخداتِ زِمامُهُ
ودارٍ وقفنا بعدَما بانَ أهلُها / بها فسقاها دمعُ جفني غمامُهُ
حبستُ بها صحبي مِن الوجدِ لاثماً / ثرى منزلٍ يَشفي الغليلَ التثامُهُ
مُسائلَ أطلالٍِ صحبتُ بها الهوى / حليفايَ فيها عهدُهُ وذِمامُهُ
وليلٍ عقدتُ الطرفَ وجداً بنجمهِ / وقد بانَ مَنْ أهوى وعزَّ مَرامُهُ
فيا حارِ أن جئتَ العقيقَ فحيِّهِ / واِنْ بانَ عنه أهلُه وكِرامُهُ
تحيِّةَ مشغوفِ الفؤادِ مُلَدَّدٍ / يُروِّعُه اِصباحُه وظلامُهُ
اِذا ذُكِرَ الأحبابُ أثجمَ دمعُه / وطالَ على بالي الرسومِ انسجامُهُ
وأنشدَ فيها مِن نتائجِ فكرِه / فريداً تساوى قَدُّهُ وقَوامُهُ
يُحيِّرُ أربابَ النظيمِ إذا بدا / وقد راقَ في سلكِ القريضِ نظامُهُ
ويفعلُ في عقلِ الأريبِ سماعُهُ / من السكرِ ما لم تستطعْهُ مُدامُهُ
تَعطَّرَ مِن دياركمُ النسيمُ
تَعطَّرَ مِن دياركمُ النسيمُ / وهبَّ فكِدْتُ مِن شوقٍ اهيمُ
وطالَ زمانُ نايكمُ فقلنا / لربعكمُ متى هذا القدومُ
أُعلَّلُ باقترابِ الدارِ قلباً / يُعذَّبُه فراقكمُ الأليمُ
اِذا عاتبتُه فيكم عصاني / وأين مرامُه مما أرومُ
أُريدُ سُلُوَّهُ عنكمُ وفيه / غرامٌ حَرُّ لوعتِه غريمُ
يطالبُني بكم فيزيدُ شوقاً / ودونكمُ تبالَةُ والغميمُ
وفرسانٍ إذا اشتبكَ العوالي / وكلَّحَ خوفَ مِتَها اللئيمُ
رأيتَهمُ وقد نَفَروا خِفافاً / وما شُدَّتْ مِن العَجَلِ الكُلُومُ
مِنَ القومِ الذين نمتْ وطابتْ / مغارسُ أصلِهمْ وزكا ألأُرومُ
بناةُ المجدِ في شرقٍ وغربٍ / يَدُلُّ عليهمُ خُلْقٌ كريمُ
لقد رَزُنوا على النظراءِ حِلماً / واِنْ خفَّتْ بغيرهمُ الحلومُ
ولمّا ثوَّبَ الداعي لحربٍ / وقد كَرَبتْ على ساقٍ تقومُ
تمطَّتْ في أعنَّتِها اليها / عتاقُ الخيلِ يَجرحُها الشكيمُ
فما حَمِيَ الجِلادُ بهم إلى أنْ / رأيتَ القومَ في عَلَقٍ تعومُ
وكم مِن قائلٍ لمّا رآني / ولي دمعٌ على سرَّي نمومُ
تَغَيَّرَ عهدُ مَنْ تهوى سريعاً / وكنتُ تظنُّه مِما يدومُ
اِذا ظلمَ الذي قد كنتَ ترجو / عواطفَ عدلِه فلِمَنْ تلومُ
لقد طُبِعَ الزمانُ على خلافٍ / وأهلُوه فحالُهمُ ذميمُ
صحيحُ الودَّ بينهمُ إذا ما / بلوتَهمُ لتَخْبُرَهمْ سقيمُ
وروضٍ بتُّ فيه حليفَ راحٍ / وقد مالتْ إلى الغربِ النجومُ
أُروَّحُ بالمُدامةِ فيه قلباً / غَلَبنَ على مسرَّتهِ الهمومُ
أرقُّ مِنَ النسيمِ إذا تمشَّى / عليلاً في جوانبهِ النسيمُ
كأنَّ حَبابَها في الكأْسِ وهناً / على وَجَناتِها درٌّ نظيمُ
يكادُ يطيرُ مِن فرحٍ إذا ما / أُديرتْ في زجاجتِها النَّديمُ
على روضٍ جِمامُ الماءِ فيه / يسيحُ فيرتوي منه الجَميمُ
غدا النُّوّارُ مبتسماً أنيقاً / غداةَ بكتْ على الروضِ الغيومُ
وربعِ هوًى سقاه مِن دموعي / هزيمٌ باتَ يَتبعُه هزيمُ
وقفتُ على معالمهِ ونِضْوي / طليحٌ قد أضرَّ به الرسيمُ
فجدَّدتِ الشجونَ لنا بليلي / وجيرتِها المرابعُ والرسومُ
فلا زمنٌ نَلَذُّ به ابتهاجاً / وقد بانتْ ولا عيشٌ حليمُ
فمَنْ للهائمِ الولهانِ يوماً / اِذا ما عادَهُ الوجدُ القديمُ
وطالَ عليه والتَّذكارُ يذكي / ضِرامَ غليلِه الليلُ البهيمُ
ولاحَ البرقُ مِن أعلامِ رضوى / فأمسى لا ينامُ ولا يُنيمُ
فمِنْ كَبِدٍ مضرَّمةٍ وعينٍ / تبيتُ لكلَّ لامعةٍ تَشيمُ
ومِن نظمٍ أُنضَّدُهُ ونثرٍ / سَقتْهُ خلاصةَ الأدبِ العلومُ
سأنشرُ منه ما قد ماتَ دهراً / ويَشكرُني له عَظْمٌ رميمُ
ويُسعِدُني على المختارِ منه / اِذا حبَّرتُه فكرٌ سليمُ
له النسبُ المؤثَّلُ في البوادي / ومِن أبياتِ مفخرِها الصميمُ
فأشعارُ الأنامِ له عبيدٌ / بحكمِ الفضلِ وهو لها زعيمُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025