المجموع : 16
إسأليني أجبك عن آلامي
إسأليني أجبك عن آلامي / علّ يجدي لديك شيئاً كلامي
لست اشكو لك السقام الذي بي / أنت تدرين قدر ذاك السقام
أنا والله صادق في ودادي / أبدي عهدي قوي ذمامي
لا يباهيك في الجمال مباهْ / لا يساميك في الكمال مسام
بك جنّ الأنام حبّاً ولكن / قد تغاضيت عن جنون الأنام
زوّدي الريح من أريجك بعضاً / إمنحيه للورد في الإكمال
إن يكن للرياض منك نصيب / فبكاء الطيور والأقلام
لم ينل منك وصلة ذو حياة / ليت شعري هل جدت للأرحام
ربما نالت النفوس مناها / منك لولا حوائل الأجسام
تجتليك الآمال لا بعيون / إنما تجتليك بالأفهام
قد تناءيت عن نُهى أقوامٍ / وتدانيت من نها أقوامِ
إن يحل بينك الزمان وبيني / فاطلبيني في مهبط الإلهام
أو دعيني أجدّ نحوك سعياً / أنا أولى بالجدّ والإقدام
أغتدي كل ذات حسن ورائي / فإذا شمتُ كنتِ أنت أمامي
خيّريني أني ارتضيت مقاماً / فعسى اهتدي لذاك المقامِ
هل كرهت العباد أخوان ودٍّ / فاصطفيت الليوث في الآجامِ
أم أنفتِ الذل الذي في الرعايا / أم تجنّبت قسوة الحكامِ
لم تصيبي ماذا تخافين منهم / أنت في منعةٍ من الأحكام
لم تريدي نعيق غربان أرضِ / فتمنّيت داعيات الحمامِ
أسأليها أي الأراك استطابت / واسأليها هل غيّرت أنغامي
أنا علّمتها الغناء فغنت / أنا ربيتها فهامت هيامي
أشبهتني في نغمتي وبكائي / واستمدت دموعها من غمامي
ودّعينا فيما الوداع كثير / في فراق يبقى إلى أعوامِ
إن تجودي على سوانا بسقيٍ / فاذكرينا إنّا إليك ظوامي
وإذا زرت من فروق ربوعاً / وتجلّيت فوق تلك الأكامِ
وكسوت الخليج منك شعاعاً / وأنرت البلاد بعد الظلامِ
فأقرأيها مني السلام عليها / ثم يأتيك بعد ذاك سلامي
ديار الحمى حيث القنا والصوارم
ديار الحمى حيث القنا والصوارم / تحييك من عيني الدموع السواجم
لقد طرقتك الحادثات فجأة / وأهلك في أمن وبأسك نائم
فبيناك والليلات فيك ولائم / إذا بك والأنهار فيك مآتم
لك الله لا تنفك عنك نوائح / ألم يبق في ذا الدوح إلا الحمائم
أدهرك ذا الوادي من الدم مترع / إذا أمسكت بالوبل عنه الغمائم
حلمنا بشيء وانتبهنا بضده / وما يجتبي من كاذب الحلم حالم
وكانت لجاجات فلما تيسرت / تزهد مشتاق وأقصر هائم
أقيم بناء بالعراء على شفا / ولم تقو آساس له ودعائم
فما ظن منه قائماً فهو مائل / ومن ظن منهم بانياً فهو هادم
وهل يتفع الأطلال تجديد عهدها / إذا درست آثارها والمعالم
لحى الله قوماً حملوك مغارماً / وراحوا وفي الأعناق منك مغانم
هم وعدوك العدل كي يظلموابه / أباً ظالماً لكن دهتك المظالم
ولا خير في ملك إذا جار شعبه / ولا خير في ملك إذا جار حاكم
وكيف أتقاء الخطب قد جل وقده / إذا بردت تحت الصدور العزائم
وأربعة مرت ولم تحل لامرىء / تهادت على الأقطار وهي سمائم
سعت بالنيوب العصل تنفث موتها / ولا عجب بعض السنين اراقم
تعوض يأساً من غدا وهو أمل / وشام يقيناً من سرى وهو واهم
ولما أباحوا حرمة الرأي للهوى / أهابت باطماع الغواة المآثم
فهبت هبوب الريح من كل جانب / تدافع عنها غيرها وتزاحم
فما تستطيب الحكم فيه مشارك / ولا تستلذ الغنم فيه مقاسم
ويمسي لديها طائع وهو خائف / ويضحي لديها آمر وهو واجم
وليس بمجد في الغواية ناصح / وليس بمجد في الصبابة لائم
وكيف يقر المجد في ظل دولة / وحامدها يحيى بها وهو ناقم
تداعوا لنصر والرجا عنك ذاهب / فهلا تداعوا والرجا لك قادم
وبت وبات الداهمون تعاضدوا / فإما تراخى داهم شد داهم
فلم أر خطباً مثل خطبك ناهضاً / يدافعه ملك كملكك جاثم
ولم أر مجداً مثل مجدك ناصعاً / يظله حظ كحظك قاتم
تطالعك الأقدار وهي عوابس / ويا طالما حيتك وهي بواسم
وترثي لبلواك المدائن رحمة / وقد حسدت فيك السرور العواصم
فيامن رأى تلك الفتوح التي خلت / تجرع أسى قد أعقبتها الهزائم
لإن كنت في شكران حالك جازماً / فما أنت في شكران ماضيك جارم
سنبكي لعهد عاره متجدد / ونأسى بعهد مجد متقادم
وفي الدمع والتأساء تخفيف لوعة / إذا أثقلها الكاربات الكواظم
ومعترك للموت أنت سماؤه / فنقع وأما أرضه فجماجم
تنازع فيه الضر خصمان أعزل / يدافع عن ملك وشاك يهاجم
تأخرت الأعلام عن مستقرها / وفر محاميها موقر المخاصم
تفزعت الآجام وهي شواهد / ضراغمها تسطو عليها الضراغم
نجاوبها من حولها في زئيرها / رعود لها في الخافقين زمازم
مدافع منها قسطل متراكب / بنادق منها عارض متراكم
وصائب حتف مستهل فواقع / وراجف روع مستطار فحائم
ووجه ردي في أوجه الكل ضاحك / ووجه رجا في أوجه البعض ساهم
كأن الوغى قد صار في أنفس الورى / هياماً فمن يقتل يمت وهو هائم
فما لهم غير الدماء مشارب / ولا لهم غير الرمام مطاعم
إذ آنسوا ضعفاً فكل محارب / وإن وجدوا بأساً فكل مسالم
وما خير سلم فوقه الشر عاصف / وموج المنايا تحته متلاطم
تشير أكف بالسلام خديعة / وتنزوا بأخرى للصدور الصوارم
وكم كان في هذي النفوس منافس / فلم يبق في هذي النفوس مساوم
ولم تبق في الدنيا لنفس فضائل / ولم تبق في الدنيا لطبع مكارم
هوت فرق كليسا عند أول صدمة / ولما يكن في قرق كليسا مصادم
أناف عليها جحفل متحامل / وطال عليها مأزق متلاحم
تقاعس عبد الله فيها عن العدى / ولم يلق عبد الله جيشاً يقاوم
وقد كان فيها سلة من ضراغم / فبادت وولت للنجاة النعائم
بدت تستغيث الهاربين من الردى / زيانب في أترافها وفواطم
سوافر في ذاك الدجى قد تبذلت / ترائب منها روعة ومعاصم
فليس لها عن مورد العار دافع / وليس لها من مصدر اليأس عاصم
أما كان في القوم المغيرين راحم / فقد قيل في القوم المغيرين راحم
أدرنة لا يبرح دعامك قائماً / فإن دعام الحرب تحتك قائم
عرمت عرام الدهر جاشت صروفه / وهل يستذل الدهر والدهر عارم
ألا إن هذا موسم المجد عائداً / ولا غرو للمجد الاثيل مواسم
يظل بنوك الباسلون بعزهم / وآناف اعداهم لديك رواغم
تبوأت بين الموت والهون موضعاً / اقرك فيه خطبك المتفاقم
فإن تشتهي موتاً يرق لك كأسه / وإن تسأمي هوناً فمثلك سائم
إذا نحن أعظمنا بلاءك روعة / فذاك بلاء أعظمته العظائم
فإن تسلمي تنسي رزينة هالك / وإن تهلكي لا يهنأ العيش سالم
شطلجة لا تنفك عنها خضارم / كذلك لا تنفك عنك خضارم
فيا عجباً للويل فيه مشاكل / ويا عجباً للويل منه ملائم
يا بلادي مالي لا ارى غير واطيء / ثراك ألما يبقى في الناس لائم
توالتك تيجان فشادت لك العلى / فلما أستتمت هدمتها العمائم
لإن كان في الأسلاف بينك غالب / فما كان في الأسلاف بينك حازم
لقد بان عنك الرأي مذبان كامل / وقد مات فبك البأس مذ مات ناظم
طغى الشرفي بعض النفوس ولم يزل / يرب إلى أن اعلن الشر كاتم
ألا جمح الغاوون فيك جماحهم / فهيهات تجدي بعد هذا الشكائم
تولوا سراعاً حين سلت بواتر / وعادوا سراعاً حين صلت دراهم
فجاؤا يسوسون الأنام سياسة / سدى لم تسسها قبل ذاك البهائم
فكم عالم صاحوا به أنت جاهل / وكم جاهل قالوا له أنت عالم
أقاموا وما فيهم عن الزور تائب / وظلوا وما فيهم على الختل نادم
عزيز علينا أن ذا الملك ذاهب / وأن الذي قد أذهب الملك دائم
صحا كل شعب فاسترد حقوقه / فياليت يصحو شعبك المتناوم
هو الشعب أفنى دهره وهو خادم / وليس له فيمن تولوه خادم
يقلب كم عهد لعهد على الأذى / إذا زال عنه غاشم جد غاشم
أعادينا حكمتم السيف بيننا / فجار وحكم السيف كالسيف صارم
فلا تطمعوا أن تهضمونا بهذه / فليس لحر في البرية هاضم
أما آن أن يسترجع الدهر ما مضى
أما آن أن يسترجع الدهر ما مضى / فترجع آمال وتقوى عزائم
لقد كدت أنهى النفس عما تريدهُ / من النصح لو لا ما تجر العمائمُ
ومازالت الأيام حرباً على النهى / فإن سالمت حيناً فختلا تسالمُ
أرى الناس هاموا بالمعالي صبابة / ولا عجبٌ إني كذلك هائمُ
وهذي طباع لا يرحبّى انتزاعها / تناط بقوم إذ تناط النمائمُ
ستبقى بلاد الله تطلب مصلحاً / وهيهات أن ترضى بذاك الصوارمُ
سكت اليراع عن الكلام
سكت اليراع عن الكلام / الحكم في حد الحسام
خفتت أغاريد المحبة / بين زأرات الخصامِ
عادت حروب الجاهلية / فالسلام على السلام
لم يبق نيّر مأمل / اليأسُ أقبل بالظلامِ
من ذا نلوم ومن جنى / لا يتّقى عاب الملامِ
طرب إذا ذكر الوغى / طرب النديم إلى المدامِ
متربع عرش الغرور / متوّج تاج الإثامِ
غرّ بملك من بني ال / جرمان مضطرب الدعام
يسطو على الجيش اللهام / هناك بالجيش اللهامِ
في فتية ألفوا العنا / د من الحران إلى العرام
مثل الضواري الساغبا / ت تسير في طلب الرّمامِ
لا يرتوون من الدما / ء فهم لها أبداً ظوامي
فكأنهم رجل الدبى / في البيد أو خيط النعام
كرهوا الحلال وأقبلوا / يتزاحمون على الحرامِ
لم يسأموا في دهرهم / جمع الحطام على الحطام
فتكوا بأسراب المها / فتك الأجادل بالحمام
ما وقّروا الشيخ القعي / د ولا رعوا ضعف الغلام
يا رب قد شقي الأنا / م فهل غضبت على الأنام
لمّا تعاموا عن هدا / ك أتى العمى بعد التعامي
كفروا بما أوليتهم / من فيض أنعمك السجام
جهلوا على من فوقهم / جهل اللئام على الكرام
والظلم يرضعهُ نفوس / الناس من قبل الفطام
فيظل يكمن بينها / ويربّ عاماً بعد عام
من شفه طول الضنى / فالسيف اذهب للسقام
ما تشتكي مُهُجاتنا / أتت السهام على السهام
فتنبّهي يا حادثا / ت ويا عيون الأمن نامي
ضاقت ميادين القتا / ل عن المضارب والخيام
وتدفعت لجج الدما / ء تعبُ أبحرها الطوامي
تمتد من واد لوا / دٍ في الفدافد والموامي
تسمو غواربها بها / بين اضطراب وارتطام
فكأنما الطوفان قد / أوفى لميعاد قدام
من يطلب منه أعتصا / ماً يمس من غير اعتصام
فتلفعت زهر المدا / ئن بالدخان وبالضرام
وتواقعت من عزها / آثار أسلاف عظام
فكأنها بين الربو / ع وقد عفت بعض الرجام
تبدو المغاني ثم تخ / فى في ثنيات الفتام
مثل الكواكب حين تط / لع ثم تغرب في الغمام
خفت حواليها الربى / ما بين أصداء وهام
جثث على جثث علت / مثل الأكام على الأكام
فيهن أوصال مزي / لة وأكباد دوامي
في مشهد أهواله / أهوال ساعات القيام
يبن القنابل والفتا / والموت مختلف المرامي
والجند دامية الظبي / والخيل دامية الحوام
تسمو جباه ثم تس / فل بين أمواج الزحام
متعرضات للحمام / ونعم أضحية الحمام
من أين جدّ اليوم هذا الخصام
من أين جدّ اليوم هذا الخصام / يا أمم الغرب نقضت الذمام
كنا استعدنا الأمسَ عهدَ الصَّفا / فلم يدم أمس ولا العهد دامْ
كنا نسينا ما جرى بيننا / وكاد يبدو في الجراح التئامْ
واستُجمعت في الصفو اهواؤنا / وعادت الوصلة بعد انصرامْ
أريتنا في الودّ معنى الجفا / وجئتنا بالحرب تحت السلام
إختلف التسليم ما بيننا / يد تحيى ويد في الحسام
لا تبسمي من بعد هذا لنا / قد غرّنا فيما مضى الابتسام
وأمّة ما اشبهت أمّة / تفردت بالغدر بين الأنام
تسومنا الضيم بلا علة / يا بنت روما إننا لن نضام
هذي قلوب لا تهاب الحمام / هذي صدور لا تبالي الصدام
فاضرمي بين الثرى والسما / ناراً تلج ما بين ذاك الضرام
هل تُستبى أمّ أسود الشرى / والأسدُ ما بين يديها قيام
أم يستباح اليوم ذاك الحمى / وفيه أمثال طغورد نيامْ
أم جندنا أضحوا كسرب المها / أم أصبح العُرب كخيط النعام
مهلاً فلا تستقدمنْ خطوة / قد يرغم الآناف هذا الرغام
يا رُبَّ همٍّ أصلهُ من هيام / ورُبَّ غرم فادح من غرام
يشوي الفراش النورُ في ناره / وقد تميت الكاس صبّ المدام
وهذه الأقدار مجهولة / والكون لا يبقى عليه انتظام
ما يبلغ الأسطول من معشر / أسطولهم في البرشم الأكام
منيفة ثابتة صلبة / منيعة جانبها لا يرام
تهوي عوالي الطير من دونها / وينثني عن مرتقاها الغمام
يا علَمُ اخفق يا طبول ارعدي / ويا أسود استقدمي للأمام
والله لا نتركها للعدا / تدوس بالأرجل تلك العظام
حتى تروّى إرضها من دمٍ / وتختفي بطاحها في الرمام
وتصبح الدأماء في حمرة / وتغتدي آفاقُها في ظلام
فلا يلمنا بعدها لائم / من أيقظ الشرّ عليه الملام
صاحت طرابلس بأبنائها / لبّيك أمّاه دعوت الكرام
إن تندموا ليس يفيد الندم
إن تندموا ليس يفيد الندم / قد قضي الأمر وجفّ القلم
الله خلاق الورى عادلٌ / فلا يلومَنْ غيره من ظلم
يا أمة يقتلها جهلها / جهلك لا يشبه جهل الأمم
هكذا كنت أيهذا الهمام
هكذا كنت أيهذا الهمام / خافقات من فوقك الأعلام
كل ساع وراءك اليوم يبكي / نعشك اليوم وحده بسام
نم هنيئاً لقد سهرت كثيراً / فتساليا بها جنودك ناموا
رقدة هذه كأنك فيها / والد حوله بنوه قيام
لا أرى مثل فقدك اليوم فقداً / كل أبطالنا به أيتام
ولئن تبت عن كلام البرايا / مثل ذا الصمت للبيب كلام
فر منك الحمام بين ملونا / وبمصر سطا عليك الحمام
غاظه الله لم يهادنك يوماً / وعلى الخصم تصبر الأخصام
والعدو الكريم يهجع في أم / ن إذا كان في عداه كرام
سوف تبكي الأقلام سيفك دهراً / رب سيف تبكي له الأقلام
الجبال التي وقفت عليها / لم ينل مثل مجدها الأهرام
قد تمنى لو فاز منك بما فا / زت فغنت له به الأعوام
ما تعالى إلا بضيم الاساري / وأساراك مثلهم لم يضاموا
ودعوا منك سيداً حين ساروا / ورأوا منك والداً ما أقاموا
لا أحب الوغى ولا أنا منه / كل ما يقتل النفوس حرام
غير أن الأنام تهوى المعالي / وبسمر الوشيج تعلو الأنام
وبلاد الفتى تعز عليه / وعظام الأباء فيها عظام
وعهود الصبا عهود غوال / وغرام الوفي ذاك الغرام
يوم تأتي فروق تلق ليوثاً / أكبرتها وراءك الآجام
تتثنى لديك تلك العوالي / حين ينجاب عنك ذاك الغمام
وتظل القبور تهتز شوقاً / في الفيافي وتهتف الأرمام
هي كانت من قبل هذا قبوراً / فإذا ما حللت فهي خيام
كلما هب من فروق نسيم / فهو من أهلها عليك سلام
مظلومة تشكو إلى مظلوم
مظلومة تشكو إلى مظلوم / هذي همومك هل عرفت همومي
ما ترتجين من أمرئ لا يرتجى / ومتى السقيم غدا طبيب سقيم
قد حاربوك وحاربوني ضلة / ما في خصومك منصف وخصومي
أن انتصف لك أو لنفسي منهم / ما حيلتي في النازل المحتوم
ما في الزمان ولا بنيه كرامة / فيصان قدر كريمة وكريم
فتساجلي العبرات أنت وشاعر / كل يجود بدره المنظوم
إنا تقاسمنا الشدائد بيننا / ولقد رضيت بحظي المقسوم
لو يستقيم الدهر في أحكامه / ما ضاع حق الآيس المحكوم
إن السماء إذا تغير ودها / سدت معارجها على المظلوم
يعلى الدعاء فينثني من دونها / بصواعق يرمى بها ورجوم
هل مثل هذا الصدر يصبح منزلاً / للواعج ترمى به وغموم
كلا فلو كنت الأله جعلته / وقفاً لثغر الشاعر المحروم
يرنو إليه من بعيد والهاً / يختار في موضع التعظيم
ويرومه فيرده فيرومه / حتى ينال بذاك كل مروم
في وحدتي والناس حولي نيام
في وحدتي والناس حولي نيام / أشكو إلى الله ذنوب الغرام
يا قلبها أفنيت قلبي جوى / يا قلبها والله هذا حرام
كأن ليلي لون حظي بها / فهو ظلام دائم في ظلام
سيدتي مالكتي مهجتي / إن مت وجداً فعليك السلام
ذكر الصب مغانيه فهاما
ذكر الصب مغانيه فهاما / فسلاماً واديَ النيل سلاما
إن لي فيك غراماً عالياً / جل حتى لا أسميه غراما
شفني ما شفني منه فما / أحسن الوجد وما أهنا السقاما
آن للآفاق أن لا تنزوي / ولطرف النجم أن لا يتعامى
فليطب قوم كرام سلفوا / أنهم قد خلفوا قوماً كراما
رشقوا الأيام في كرانها / بسهام أعقبت فيها السهاما
فجثا الدهر لديهم خاضعاً / وأتى نحو حماهم يترامى
يا بني مصر كلام ناصح / وأولو الحكمة يدرون الكلاما
نظموا المجد بمجد بعده / إن خير المجد ما كان نظاما
شاب هذا القطر في أيامنا / فاجعلوه بعد إذ شاب غلاما
عالجوه إنه ذو علة / أطربوه أنه يهوى المداما
إن يكن صبر فيكفي ما مضى / ليس يرضي الحر يوماً أن يضاما
بليت أجسام آباء لنا / فلنرح في الترب هاتيك العظاما
طال ليلي وأظلما
طال ليلي وأظلما / قتل الليل أرقما
بات جفني مؤرقاً / غربه يمطر الدما
فارق الارض لحظه / وأعتلى يطلب السما
كلما اجتاز أنجماً / راح يرتاد أنجما
رب سر مكتم / لم نجده مكتما
حفظ السر كله / فإذا شئت ترجما
رحم الله مهجة / لم تجد منه أرحما
ابدأ تذكر الحمى / آه من ذكرها الحمى
أيها الناس مالكم / تبغضون الميتما
اتركوه يجد له / جنة أو جهنما
أشكو إليك صبابتي لترق لي
أشكو إليك صبابتي لترق لي / ولها ولكن ليس قلبك يفهم
أنزلت روحي من غرامك جنة / وإذا بها للعاشقين جهنم
أيها النائم المطيل المناما
أيها النائم المطيل المناما / قد أتينا نهدي إليك السلاما
إستمع ما نقول بعدك عنا / علم الصامتين منا الكلاما
ما صبرنا على فراقك عاماً / كيف نرجو أن نصبر الأعواما
وداوم الأسى يزيل التأسي / وتمادي السقام ينمي السقاما
والقلوب التي تكون كراماً / في التداني في البعد تبقى كراما
والحبيب العظيم إن غاب أبقى / لأحبائه شجوناً عظاما
أوحشتنا شمائل معك غابت / هام فيها معاشروك هياما
يا صريع الزمان بعدك أضحت / حسنات الزمان فيك أثاما
فهو أبكى على وفائك مصراً / وهو أبكى على وفاك الشاما
وطناك اللذان عشت كريماً / فبهذا كهلاً وذاك غلاما
من يداوي لبنان عنك بصبر / من يعزي عن فقدك الأهراما
ما علمنا بين الورى لك خصماً / فأمنا عليك ألا الحماما
سل من غمده عليك حساماً / فتلقيت بالثبات الحساما
وتجلدت شيمة الحر لم تج / زع ولم تلف في اللقاء كهاما
أجهشوا بالدموع حولك من حز / ن فكفكفتها لهم بساما
هكذا عشب بينهم مقداماً / هكذا مت بينهم مقداما
خادعتنا الأيام حتى انخدعنا / قاتل الله هذه الاياما
قد أنارت لنا محياك حيناً / ثم أسفت على سناه الرغاما
كالهلال الذي بدا في سماه / ثم ساقت له الرياح الغماما
يا ضجيعاً في لحده منذ عام / نحن نبكي على ثراك قياما
إن تكن تحته بقايا عظام / منك إنا نجل تلك العظاما
لم نعز الأحياء عنك ولكن / قد حسدنا على لقاك الرماما
ما تغربت إذ ترحلت عنا / لتلاقي بعد الأنام أناما
أستطابوا ظل السكون فقروا / في مقام أسلاهم ذا المقاما
فتدانت من النفوس نفوس / حين بزت وراءها الأجساما
جاوزت موطن الفناء فحلت / موطناً لا تشك فيه الدواما
ذهبت شرة المطامع منهم / فاستقاموا في أمرهم واستقاما
فهم بعد خوف جور الليالي / إرتضوا من قضائها الأحكاما
كان سر الحياة عنهم خفياً / فاماطت عنه المنون اللثاما
كيف يأسى على القصور أناس / استعاضوا عنها هناك الرجاما
لك شكور في القلوب عهود / لست أخشى يوماً عليها انصراما
ما حميناك من عوادي المنايا / قد عجزنا لكن سنحيي الذماما
يا ملك الشعر أطلت المنامْ
يا ملك الشعر أطلت المنامْ / استيقظ اليوم وعد للكلام
البلبل الشادي وباكي الحمام / كلاهما يهدي إليك السلام
لكن ستر القبر لا يرفعُ / وأنت من مثواك لا تطلعُ
لكل قوم شاعر مفلقُ / لسانه عن مجدهم ينطقُ
وأنت من سابقهم أسبقُ / تفوت من فات ولا تُلحق
كالبرق في عليائه يلمعُ / وكل طرف إثره يطلعُ
بكى امرؤ القيس على منزل / بين الدخول القفر أو حوامل
وضج من ليل الهوى الأليلِ / فصاح يا ليل ألا فانجلي
وراح في ضلته يمزعُ / إذا دعت أهواؤهُ يتبعُ
وشأن هومير بإلياذته / شأن إله الحرب في غارته
جرى مع الشعب على عادته / كالعبد لا يعصى هوى سادته
وشاعر الأمة إذ يخضعُ / كالخادم الخائن إذ يخدعُ
جمال كأن النفس بعض شعاعه
جمال كأن النفس بعض شعاعه / إذا غاب أمسى موضع النفس مظلما
أظل أناجيه فالفيه صامتاً / ولو أدركته لوعتي لتكلما
رعى الله هذا القلب لم يؤت رحمة / لقد كنت أرجو أن أذوب ويرحما
هلموا بنا نحو الأمير نسلم
هلموا بنا نحو الأمير نسلم / سلام على عباس مصر المعظم
ألا إن في الاكباد شوقاً مبرحاً / إليه فقد كادت من الشوق تدَّمي
سئمنا النوى لم يبق للصبر موضع / ومن يتجرع لوعة النأي يسأم
ومن كان ذا ود على السخط والرضى / إذا صرمته فرقة لم يصرم
أمولاي إن المادحين ترنموا / بمدحك فاسمعني فهذا ترنمي
سأجزيك عن عهد الصبا شكر مخلص / فقد جزتني فيه بآلاء منعم
وما زلت من دهري بركنك أحتمي / وما زلت في فخري لمجدك أنتمي
وإني لتسمو بي إليك سجية / من الشعر تجري في عروقي مع الدم
فيأتيك منه كل زهر منثر / ويأتيك منه كل در منظم
ويخلد للأيام فيك مكرراً / يخف على أذن ويعذب في فم
تسام بمصر رب مصر إلى العلى / وإن وقفت في سيرها فتقدم
فكم لك فيها من جديد مشيد / وكم كان فيها من قديم مهدم
لك العزمات الصادقات إذا انبرت / ترد فضاضاً لك عزم مصمم
أحاطت بآمال لديك فتية / فإن تنتهزها مصر بالرأي تغنم
وما مصر إلا دولة في شبابها / فإن تبتذله في الغواية تهرم
وإن لم تفق من نومها يبق نومها / وإن لم تكرم نفسها لم تكرم
وإن لم يقومها إذا اعوج عودها / فتى صادق في نصحه لم تقوم
وأن لم ينرها بالمعارف أهلها / إذا حلكت فيها الجهالة تظلم
وإن لم يفيدوها الثراء بجدهم / وإن كثرت فيها النفائس تعدم
فكم ترغب العلياء عن وصل معرض / وكم ترغب العلياء في وصل مغرم
وعصبة شر قد أتت بعد مثلها / كذلك يأتي أشأم بعد أشأم
تشاهد أفراح البلاد عميمة / فتغدو لأفراح البلاد بمأتم
وإن تبتسم مصر تبكي من الأسى / وإن تبك مصر من أسى تتبسم
وترفل من ثوب الشبابا بصحة / ولكنها في لوعة المتألم
وتبغض طبعاً كل أمر ممدح / وتعشق طبعاً كل أمر مذمم
فويل لززور عندها متكشف / وويل لحق عندها متلئم
لحا الله هاتيك النفوس فإنها / وإن تتجبر عرضة المتهضم
فما بينها من ناظر متأمل / ولا بينها من سامع متفهم
بسطت عليها الحلم لا متحلماً / فما شكرت والحلم غير التحلم
ولو كنت ترضى رميها لرميتها / بضربة عدل أو بضربة مخذم
ليبق لك القلب الذي صيغ رحمة / فمن يؤت منا مثل قلبك يرحم
وإن يخدم الأوطان صاحب أمرها / كما تخدم الأوطان بالعين يخدم