القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 24
بني الأرض هل مِن سامع فأبثَّه
بني الأرض هل مِن سامع فأبثَّه / حديث بصير بالحقيقة عالم
جُبلنا على حبّ الحياة وإنها / مخيفة أحلام أطافت بحالم
سعى الناس والأقدار مخبوءة لهم / وناموا وما ليلُ الخطوب بنائم
جرت سفُن الأيام مشحونةً بنا / على بحر عيش بالردى متلاطم
تأمّلت في الأحياء طُرّاً فلم أجد / بهم باسماً إلاّ على ألف واجم
وربّ سعيد واحدٍ تمّ سعده / بألف شقىّ في المعيشة راغم
وما المرء إلاّ دوحة في تنوفةٍ / ملوّحةٌ أغصانها بالسمائم
لها ورق قد جفّ إلاّ أقلَّه / وعيدانها بين النيوب العواجم
ولابدّ أن تجتثّ يوماً جذورها / وتقلعها إحدى الرياح الهواجم
أرى العمر مهما ازداد يزداد نقصه / إذاً نحن في نقص من العمر دائم
ولولا انهدام في بناء جسومنا / لما احتيج في تعميرها للمطاعم
لحى الله بأساء الحياة كأننا / نكبّل من حاجاتها بالأداهم
نروح كما نغدو نجاهد دونها / أموراً دعتنا لارتكاب الجرائم
فلو كنت في هذا الوجود مخيّراً / وفي عدمي لاخترته غير نادم
هل الموت إلا سالك وحياتنا / إليه سبيل مُستبين المعالم
وما زال هذا الدهر غضبان آخذاً / على الناس من سيف المنون بقائم
تبصّرْ تجد هذي البسيطة منزلاً / كثير اليتامى عامراً بالمآتم
وليس الذي آسى له فقد هالك / ولكن ضياع المفجعات الكرائم
أرامل تستذري الدموع وحولها / يتامى كأفراخ القطا والحمائم
وكائنْ ترى مخدومة في جلالها / سعت حيث أبكاها الردى سعي خادم
فليت المنايا حين قوّضن بيتها / بدأنَ بها من قبل هدم الدعائم
أرى الخير في الأحياء ومض سحابة / بدا خلّياً والشر ضربة لازم
إذا ما رأينا واحداً قام بانياً / هناك رأينا خلفه ألف هادم
وما جاء فيهم عادل يستعيلهم / إلى الحق إلا صدّه ألف ظالم
جهلتُ كجهل الناس حكمة خالق / على الخلق طرّاً بالتعاسة حاكم
وغاية جهدي أنني قد علمته / حكيماً تعالى عن ركوب المظالم
رأيت لنفسي في الحياة كأنني / من العيش مُلقىً في شدوق الضراغم
يخاصمني منها على غير طائل / أناس فابدي الصفح غير مخاصم
وأقنع بالقوت الزهيد لطيبه / حذارَ وقوعي في خبيث المطاعم
وأترك ما قد تشتهي النفس نَيْله / لما تشتهيه قلة في دراهمي
وكم لي في بغداد من ذي عداوة / وما أنا في شيء عليه بجارم
إذا جئت بالقلب السليم يجيئني / بقلب له من كَثرة الحقدوارم
لله سرّ في الأنام مطلسم
لله سرّ في الأنام مطلسم / حار الفصيح بوصفه والأعجم
برأ ابن آدم وهو إن لم تلقهَ / في الخلق أقدم فهو فيه مقدّم
وإذا نظرنا في العجائب نظرةً / ظهر ابن آدم وهو منها الأغطم
أما العجيب من ابن آدم فهو ما / نسق الكلام به إذا نطق الفم
والوجه أعجب ما رأيت وإنه / لَيَحارُ في سحنائه المتوسّم
هو من طراز الله إلاّ إنّه / بسرائر النفس الحديثة معلم
أما الحواجب فيه فهي كواشف / والعين فيه عن الضمير تترجم
ولربّ خافيه يكتّمها الفتى / والوجه منه بسرّها يتكلم
كلٌ يشير إلى السريرة وجهُه / فكأنه بضميره متلثم
فالوجه فيه من القرونة مسحةٌ / للخافيات بها وضوح مبهم
صرع النهى فالوهم فيه تيقّن / تحت الملامح واليقين توهّم
ولرب وجه في تبسّمه البكا / ولرب وجه في بكاء تبسّم
والأنف في وجه ابن آدم زينة / فالوجه لولا أنفه متجهّم
كالهدُب في شفر العيون فإنه / لولاه تنشتر العيون وتسجم
إن الوجوه صحائف مطموسة / يمحو كتابتها ويثبتها الدم
بيناك تقرأ حرفها متفهّماً / يبدو تحرّفها فلا تتفهّم
فالعقل فيها عالم متجاهل / طوراً وطوراً جاهل متعلّم
إني أرى هذي الوجوه نواطقاً / بالسرّ لكنْ نُطقهنّ مجمجم
وأرى لحاظ عيونها متحدّثاً / عنها ولكنْ الحديث مرجّم
فكأنني البدويّ يسمع راطناً / وكأنما هي أعجمّي طمطم
ولربّ وجه يستبيك بحسنه / فتروح منه وأنت صبّ مغرم
يبدو إليك وأنت خلِوٌ من هوى / ويصدّ عنك وأنت فيه متيّم
وإذا تغّيب فالبدور مضيئة / وإذا أضاء فكل بدر مظلم
لله في وجه ابن آدم حكمة / يعنو السفيه لها ومن يتحكّم
أرى للروح بالبدن اتصالاً
أرى للروح بالبدن اتصالاً / خَفيّاً لا تبين له رسوم
تطيف به الهواجس شاعرات / وتعجز عن حقيقته الفهوم
فإن الروح للجثمان تلو / به منها ومنه بها وسوم
يتم كلاهما هذا بهذا / كذلك تمّ أمرهما القويم
فلا جسد يقوم بغير روح / ولا روح بلا جسد تقوم
هما متلازمان فما لكلٍ / بغير قرينه أبداً لزوم
لذلك كانت الأرواح منا / بحيث تهي إذا وهتِ الجسوم
ولست أظنّ أن الروح تبقى / إذا مُحيِت من الجسد الرسوم
وربَّتَما يكون لها دوام / ولكنْ غير شاعرة تدوم
وما هبطت من الخضراء لكن / من الغبراء أنبتها الحكيم
وأما هذه الأجسام منا / فتبنيها الماكل والطعوم
وتُرويها المشارب والمحاسي / وتذويها اللوافح والسموم
ويُوهِنها التقشَف والتضنّي / ويحسنها التترّف والنعيم
ويعض من مطاعمنا غذاء / تُحاك على العظام به اللحوم
وبعض من مطاعمنا وَقود / تُديم به حرارتها الجسوم
له في جوف آكله احتراق / تكون رَمادَه فيها الشحُوم
وللأرواح كالأجساد زادٌ / به تنمو المشاعر والحُلوم
هو النَغَم الرقيق من المثاني / هو الأدب الرفيع هو العلوم
فإن الروح تغذوها الأغاني / ويجلو هَمها الصَوت الرخيم
ويصقلها الجمال إذا رأته / وتصدئها القبائح والهموم
فلا تنفر بسمعك من غناءٍ / به غنّتك شادية بغوم
ولا تترفَعنّ عن الملاهي / ولو شهدتْ برفعتك النجوم
وكن في المُطربات فتىً طروباً / فإن الناس أطربُها الكريم
وقف عند الحدود بلا تعدّ / إلى ما ليس يحمده الحليم
ولا تشتطَّ في طرب ولهو / فكلّ مُقارفٍ شَططاً ذميم
فإن وافقتني وجربت جَريي / وإلا فاتَك الطبع السليم
أيّ خطب دها ربوع الشام
أيّ خطب دها ربوع الشام / يوم أمست تبكي بطرف دام
وبأي الأسى رمتها الليالي / فاكتست للحداد ثوب ظلام
إن تكن افجعت بشهم بني العظ / م فأعظم بخطبها المترامي
ذلك الماجد الذي أدرك المج / د بأيدٍ إلى العلاء سوام
سل دمشقاً تجبك عن شيم في / ه تعالت عن أن تزنّ بذام
قد بكته شجواً يسبع عيون / في رباها تجود بالتسجام
ورثته بألسن من معالي / ه حداد تفلّ حدّ الحسام
فقدت من محمد خير ندب / ذائد عن حياضها ومحام
وغدت تشتكي إلى بَرَداها / من أحرّ الأسى أحرّ الأوام
لهف نفسي عليه ساعة أودى / من كريم غمر الرداء همام
إن قلبي قد استطير بمنعا / ه اختطافاً بمنسر الآلام
فكأن الناعي لدى النعي أهوى / نحو قلبي بمرهف صمصام
قد فقدنا منه خلائق تحكي / زهر الروض غبّ صوب الغمام
يا أبا خالد وما هذه الدن / يا بدار معدّة لمقام
إن تكن هالكاً فكم لك ذكر / في العلا خالد مدى الأيام
خطفت عمرك المنون اختلاساً / كاختلاس المنى يد الأوهام
فكأنّ المنون خافت على تل / ك المعالي ذبولها بالسقام
فلذا أحرزتك غضاً طرياً / وكذا كم يكون موت الكرام
فسقى الله تربةً أنت فيها / صوب وطفاء من غوادٍ هوام
قضى والليل معتكر بهيم
قضى والليل معتكر بهيم / ولا أهل لديه ولا حميم
قضى في غير موطنه قتيلاً / تمجّ دمَ الحياة به الكلوم
قضى من غير باكية وباك / ومن يبكي إذا قتل اليتيم
قضى غضَّ الشبيبة وهو عفّ / مُطهّرة مآزره كريم
سقاه من الردى كأساً دهاقاً / عفاف النفس والعرض السليم
تجرّعها على طرب ولكن / بكف اليتم ليس له نديم
على حين الربابة في نواح / يساجلها به العود الرخيم
بحيث رقائق الألحان كانت / بها الأشجان طافية تعوم
كأنّ ترنم الأوتار نعيٌ / وصمت السامعين لها وجوم
فجاء الموت ملتفعاً بخزي / ومِلْء إهابه سفهٌ ولوم
فأطلق من مسدسه رصاصاً / به في الرمي تنخرق الجسوم
فخرّ إلى الجبين به نعيم / كما انقضّت من الشهب الرجوم
فإن مودّعاً بعد ارتثات / حياة لا تناط بها الوصوم
لئن لم تبك من أسف عليه / سفاهتنا فقد بكت الحلوم
ولودرت النجوم له مصاباً / بكته على ترفعّها النجوم
عسى الشهباء تثأره فتبدي / إلى الزوراء ما يبدي الخصيم
ولم يقتله إبراهيم فيما / أرى بل إن قاتله سليم
أليس سليم الملعون أغوى / نعيماً فهو شيطان رجيم
وأخرجه من الشهباء غراً / بتيماً ماله أبداً زعيم
وجاء به إلى بغداد حتى / تخرّمه بها قتل أليم
سأبكيه ولم أعبأ بسلاح / وأندبه وإن سخط العموم
ولّما أن ثوى ناديت أرّخ / ثوى قتلاً بلا مهل نعيم
على قاسم شيخ الطريقة قد بكت
على قاسم شيخ الطريقة قد بكت / جواهر فضل مالها الدهر قاسم
بكاه التقى والعلم والحلم والنهى / وحسن السجايا والعلا والمكارم
فقدنا الذي قد كان في العلم عيلما / فماجت لمنعاه البحار العيالم
لئن قد طواه الموت عنّا فذكره / من العلم منشور على الدهر دائم
رزئناه حبراً في الطريقة مرشداً / به اتضحت للساكين المعالم
عفت أربع الإرشاد بعد ارتحاله / وكانت به منها تقوم الدعائم
حليف التُقى مادنّس الدهر ثوبه / باثم ولا مرت عليه المحارم
ترحل للأخرى وأبقى مناقباً / تضيء من الدنيا بهنّ المواسم
يصوم نهار الصيف لله طائعاً / ويحيي الليالي وهو لله قائم
إذا ما بدا للقوم لاحت بوجهه / دلائل من نور الهدى وعلائم
ولما مضى للخلد قلت مؤرخاً / لقد بات على أعلى الفراديس قاسم
يقولون في الإسلام ظلماً بأنه
يقولون في الإسلام ظلماً بأنه / يَصُدّ ذويه عن طريق التقدم
فإن كان ذا حقّاً فكيف تقدّمت / أوائله في عهدها المتقدم
وإن كان ذنب المسلم اليوم جهله / فماذا على الإسلام من جهل مسلم
هل العلم في الإسلام إلاّ فريضة / وهل أمة سادت بغير التعلُّم
لقد أيقظ الإسلام للمجد والعلا / بصائر أقوام عن المجد نُوَّم
وحلّت له الأيام عند قيامه / حُباها وأبدت منظر المتبسّم
فأشرق نور العلم من حَجَراته / على وجه عصر بالجهالة مظلم
ودّك حصون الجاهلية بالهدى / وقَوّض أطناب الضلال المخيّم
وأنشط بالعلم العزائم وابتنى / لأهليه مجداً ليس بالمتهدّم
وأطلق أذهان الورى من قيودها / فطارت بأفكار على المجد حُوَّم
وفَكّ أسار القوم حتى تحفّزوا / نهوضاً إلى العلياء من كل مَجْثَم
فخلَّوا طريقاَ للبداوة مَجهَلاً / وساروا بنهج للحضارة مُعلَم
فدَوَّت بمُستَنّ العلا نهضَاتهم / كزعزع ريح أو كتيّار عَيْلَم
وعمّا قليل طبّق الأرض حكمهم / بأسرع من رفع اليدَيْن إلى الفم
وقد حاكت الأفكار عند اصطدامها / تلألؤ برق العارض المُتَهّزِم
ولاحت تباشير الحقائق فانجلت / بها عن بني الدنيا شكوك التوهُم
وما ترك الإسلام للمرء ميزة / على مثله ممَّن لآدم ينَتمي
فليس لمُثْرٍ نقصُه حقَ مُعدِم / ولا عربيٍ بخسه فضل أعجم
ولا فخرَ للإنسان إلاّ بسعيه / ولا فضلَ إلا بالتُقى والتكرُّم
وليس التقى في الدين مقصورةً على / صلاة مُصلَّ أو على صوم صُيَّم
ولكنها ترك القبيح وفعل ما / يؤدي من الحُسنى إلى نيل مَغْنَم
فتَقوى الفتى مَسعاه في طلب العلا / وما خُصَّت التقوى بترك المحرّم
فهل مثل هذا الأمر يا لأولي النُهى / يكون عثاراً في طريق التقدّم
وإن لم يكن هذا إلى المجد سُلَّماً / فأيّ ارتقاءٍ بعدُ أم أيّ سلّم
ألا قل لمن جاروا علينا بحكمهم / رُوَيداً فقد قارفتم كل مأثمَ
فلا تنكروا شمس الحقيقة أنها / لأظهَرُ من هذا الحديث المُرَجَّم
عَلَوْنا وكنتم سافلين فلم نكن / لنُبدي إليكم جَفوة المتهكِّم
ولم نترك الحُسنى أوان جدالكم / وتلك لعمري شِيمة المتحلِّم
فلما استدار الدهرُ بالأمر نحوكم / كشفتم لنا عن منظر متجَهِّم
فلا تأمنوا الأيام أن صُرُوفها / كما هي إذ أودت بعاد وجُرْهُم
رمت مسمعي ليلاً بأنّه مؤلَم
رمت مسمعي ليلاً بأنّه مؤلَم / فألقت فؤادي بين أنياب ضيغم
وباتت توالي في الظلام أنينها / وبتّ لها مُرمىً بنهشة أرقم
فيهفو بقلبي صوتها مثلما هفت / بقلب فقير القوم رنّةُ درهم
إذا بعثت لي أنّةّ عن تَوَجُّع / بعثت إليها أنّةً عن ترحُّم
تقطع في الليل الأنين كأنّها / تقطّع أحشائي بسيف مُثَلَّم
يهُزّ نياطَ القلب بالحزن صوتُها / إذا اهتزّ في جوف الظلام المخيّم
تردّده والصمت في الليل سائد / بلحن ضئيل في الدُجُنَّة مُبهَم
كأنّ نجوم الليل عند ارتجافها / تُصيخ غلى ذاك الأنين المُجَمْجَم
فما خفقان النجمِ إلاّ لأجلها / وما الشهب إلاّ أدمع النجم ترتمي
لقد تركتني مُوجَعَ القلب ساهراً / أخا مَدمَع جار ورأس مهوَم
أرى فحمة الظلماء عند أنينها / فأعجب منها كيف لم تتضرّم
فأصبحتُ ظمآن الجفون إلى الكرى / وإن كنت ريّان الحشا من تألُّمي
وأصبح قلبي وهو كالشعر لم تدع / له شعراء القوم من مُتَرَدَّم
وبيت بكت فيه الحياة نحوسةً / ولاحت بوجه العابس المُتَجَهِّم
به ألقت الأيامُ أثقالَ بؤسها / فهاجت به الأحزان فاغِرة الفم
كأنّي أرى البنيان فيه مهدَّماً / وما هو بالخاوي ولا المتهدّم
ولكنّ زلزال الخطوب هوى به / إلى قعر مهواة الشقاء المجسَّم
دخلتُ به عند الصباح على التي / سقاني بكاها في الجدى كأس علقم
فألقيتُ وجهاً خدّد الدمعُ خدَّه / ومحمرَّ جَفن بالبكار مُتَورَمَّ
وجسماً نحيفاً أنهكته همومُه / فكادت تراه العينُ بعضَ تَوَهُّم
لقد جَشَمتْ فوق الترابِ وحولها / صغرٌ لها يرنو بعينيْ مُيَتَّم
تراه وما أن جاوز الخمسَ عمرُهُ / يُدير لحاظ اليافع المتفّهِم
بكى حولها جوعاً فغذّته بالبكا / وليس البكا إلاّ تَعِلَّةَ مُعدِم
وأكبر ما يدعو القلوبَ إلى الأسى / بكاءُ يتيم جائع حول أيِّم
وقفتُ وقد شاهدت ذلك منهما / لمريم أبكى رحمةً وابن مريم
وقفت لديها والأسى في عيونها / يكلمني عنها ولم تتكلّم
وساءلتها عنها وعنه فأجهَشَتْ / بكاءً وقالت أيها الدمع ترجِم
ولما تناهتْ في البكاء تضاحكت / من اليأس ضحك الهازئ المتهكّم
ولكن دموع العين أثناء ضحكها / هواطل مهما يسجم الضحك تسجم
فقد جمعتْ ثغراً من الضحك مُفعَماً / إلى مَحْجِر باك من الدمع مفعم
فتُذرىِ دموعاً كالجمان تناثرت / وتضحك عن مثل الجمان المنظَّم
فلم أرَ عيناً قبلها سال دمعها / بكاءً وفيها نظرة المتبسّم
فقلت وفي قلبي من الوجد رعشةٌ / أمجنونة يا ربّ فارحم وسلّم
ومذ عرضت للإبن منها الْتِفاتةٌ / أشارت إليه بامدامع أن قْم
فقام إليها خائر الجسم فانثنت / عليه فضمّته بكفّ ومِعصم
وظلّت له ترنو بعينِ تجوده / بفَذّ من الدمع الغزير وتَوْءَم
فقال لها لما رآنيَ واقفاً / اردِّد فيه نظرةٍ المتوسِّم
سلى ذا الفتى يا أم أين مضى أبي / وهل هو يأتينا مساءً بمَطْعَم
فقالت له والعين تجري غروبها / وأنفاسها يَقذِفنَ شعلة مُضرَم
أبوك ترامت فيه سفرة راحل / إلى الموت لا يرجى له يومُ مَقْدَم
مشى أرمنيّاً في المعاهد فارتمتْ / به في مهاوى الموت ضربةُ مسلم
على حينَ ثارت للنوائب ثورةٌ / أتت عن حزازات إلى الدين تنتمي
فقامت بها بين الديار مذابح / تخوَّض منها الأرمنيّون بالدم
ولولاك لاخترت الحِمام تخلّصاً / بنفسيَ من أتعاب عيش مذمَّم
فأنت الذي أخّرت أمك مريماً / عن الموت أن يودي بامك مريم
أمريم مهلاً بعضَ ما تذكرينه / فإنك ترمين الفؤاد بأسهم
أمريم أن اللّه لا شك ناقمٌ / من القوم في قتل النفوس المحرَّم
أمريم فيما تحكمين تبصَّري / فإن أنت أدركتِ الحقيقة فاحكمي
فليس بدين كلُّ ما يفعلونه / ولكنّه جهل وسوء تفهُّم
لئن ملؤوا الأرض الفضاء جرائماً / فهم أجرموا والدين ليس بمجرم
ولكنهم في جِنح ليل من العمى / تمشّوا بمطموس العلائم مبهَم
وقد سلكوا تَيْهاء من أمر دينهم / فكم مُنجِدٍ في المخزيات ومُتْهِم
ولما رأيت اللَوم لؤماً تجاهها / سكتُّ فلم أنبِسْ ولم أتبرَّم
وأطرقتُ نحو الأرض أطلب عفوها / وما أنا بالجاني ولا بالمتيَّم
وظلتُ لها أبكي بعين قريحة / جرت من أماقيها عصارةُ عندم
بكيت وما أدري أأبكي تضَجُّراً / من القوم أم أبكي لشِقوة مريم
أخْصِ في العلم إن أردت كمالاً
أخْصِ في العلم إن أردت كمالاً / ووصولاً إلى الفَخار الأتمّ
وإذا رُمت في التعلُّم حذفاً / فاتركِ النفس والذي هي ترمي
واجتنب قَسرها على ما أبَتْه / أن قسر الطباع أكبر ظلم
إنّما المّيل في الغرائز تَيّا / رٌ ومَن ذا يَرُدّ تيّار يَمّ
أطعِم العقل ما اشتهاه من العل / م وإلا اسْتقَأت من سوء هَضم
ليس في أرؤس الرجال دماغ / هاضم في ذكائه كل علم
فمِن النقص أن تحاوِل أن تض / رب في كل ذي العلوم بسهم
حُسن فهم الأخصّ أكثر نفعاً / لذويه من قبح فهم الأعمّ
وبُغاة العلوم مثل رُماة الصيَ / د فاعلم وليس مُنْمٍ كمُصمْ
وإذا ما اشتغلت بالجِدّ ساعا / ت فهازل سُويعةً واستجم
وتَرَفّقِ إذا جهدت فإن الر / فق يُذكي الفؤاد والعُنف يُعمي
ولقد يَبلغ العجول مَداه / بالتأني بلوغ خَضم بقَضم
كل مَن كانت العلوم لديه / جَمّةً كان نفعه غير جم
أيّ فضل لعالم غير بدع / ليس في العلمُ يرتجي للمهمّ
سارَ شوطاً لكلّ علم ولَكن / لم يَنَل فيه غاية المستَتمّ
هَبْه أبدى من العلوم نُجوماً / في ليال من المَشاكل دُهْم
أو ليس البدر التمام وإن كا / ن وحيداً يربو على ألف نجم
كن قوياً في كل ما تَدّعيه / إنما الفَوز للقويٍّ المِلَمّ
أيها العاجز الضعيف رُوَيداً / أقْرَن الضأن فاتك بالاجمّ
إذا كان جهل الناسَ مدعاة غيّهم
إذا كان جهل الناسَ مدعاة غيّهم / فليس سوى التعليم للرُشد سُلَّم
فلو قيلَ من يستنهض الناس للعلا / إذا ساءَ محياهم لقلت المعلمّ
معلّم أبناء البلاد طبيبهم / يُداوي سَقام الجهل والجهل مُسقِم
وما هو إلاّ كوكب في سمائهم / به يهتدي الساري إلى المجد منهم
فلا تَبخسَنْ حق المعلّم أنه / عظيم كحقّ الوالدين وأعظم
فإن له منك الحجا وهو جوهر / وللوالدين العظم واللحم والدم
ألا إنما تعليمنا الناس واجب / وأن على الجهال أن يتعلّموا
وما أخذ اللّه العهود على الورى / بأن يعلَموا حتى قضى أن يُعلِّموا
لدار شِنِلَّر في القدس فضل
لدار شِنِلَّر في القدس فضل / به تَنْسَى تَيَتُّمها اليتامى
وبحمده من الفقراء طفل / يذُمّ لفقد والده الحِماما
بها يجد اليتيم لهُ مقاماً / إذا ما الدهر أفقده المقاما
يرى عن أمه أماً عَطوفا / عليه وعن أبيه أباً هُماما
تُمِيت نهارها فيه ليَحْيا / وتُحْيي الليل فيه لكي يناما
فتُشْرِب نفسَه حبّ المعالي / وتطعم جسمه منها الطعاما
وتَرْأم كل من فُجعوا بيُتم / صغاراً قبل ما بلغوا الفِطاما
ويدخلها يتيم القوم طفلاً / فتُخرجه لهم يَفَعاً غلاما
عليماً بالحياة يسير فيها / على علم فيَخْترِق الزحاما
وقد لبِس الفضيلة وارتداها / وشَدّ عليه من حَزمِ حزاما
وقفت بها أعاطيها التَحايا / وأستسقي لساكنها الغَماما
وأشكر فضلها والشكر عَجْز / إذا هو لم يكن إلا كلاما
أدار شنلّر لا زلت مأوىً / لأبناء الأرامل والأيامى
أثابَكِ مالك الملكوت عنهم / مَثُوبة كل من صلّى وصاما
ضَمِنتِ لهم رغيد العيش حتى / أخذت على الزمان لهمِ ذماما
وجار الدّهر مُعتدِياً عليهم / فكنت لهم من الدهر انتقاما
إذا ما أبكت الدنيَا يتيماً / أعدتِ بكاءه منه ابتساما
لقد هَوَّنت رُزء اليتم حتى / غفرنا للزمان بك الأثاما
وكاد إذا رأى مغناك راء / يَوَدّ بأن يكون من اليتامى
ليَمْكُث فيك مُغتبطَاً سعيداً / ويكسب عندك الشرف الجُساما
ويعلم كيف يدّرع المعالي / ويعرِف كيف يَبْتِدر المَراما
وما فَقَد المسيحَ الناسُ لمّا / أعدتِ لهم خلائقه الكراما
فنُبْت عن المسيح وقمت حتى / لقد شكر المسيح لك القياما
ولا عجبٌ فقد جَدَّدت منه / عواطف كان عمّ بها الأناما
شَمَخْت على رُبا القدس اعتلاءً / فكنت لهنّ من شرف وساما
ولُحْت بأفْقها بدراً منيراً / جلا من ليل أبْؤسها الظلاما
ألا أن النجوم بشِعرَيَيَهْا / لتَحَسُد من مَرابعك الرغاما
هزَزْت الطُور فهو يكاد يمشي / إليك على تَقَدُّسه احتراما
وجاذَبْتِ الكرامة خير قبر / به دُفِن المسيحِ ومنه قاما
تباهي القدس مكة فيك حتى / تفاخر فيك مشَعرَهَا الحراما
فلا برِحتُ رُبوعك عامرات / نسُلّ على الشقاء بها حساما
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا / فلمّا قام أثقله القيام
ووالَىِ بينها لُقماً ضِخاماً / فما مَرِئت له اللُقم الضخام
وعاجَل بلعَهنّ بغير مضغ / فهنّ بفيه وضع فالْتهام
فضاقّت بطنه ِشبعا وشالت / إلى أن كاد ينقطع الحزام
فأرسلت اللحاظ إليه شَزْراً / وقلت له روَيدك يا غلام
أرى اللقمات تأخذها حلالاً / فتدخل فاك وهي به حرام
قد انتضدت بجوفك مُفردات / تخلَّل بينها الداء العُقام
أتزدرد الطعام بغير مضغ / على أيام صحتك السلام
فلا تأكل طعامك بأزدراد / معاجلةً فيأكلَك الطعام
ألا أن الطعام دواء داء / به ابتُليَت من القِدم الأنام
فداوِ سَقام جُوعك عن كَفاف / فأكثار الدواء هو السَقام
وما أكل المطاعم لألتِذاذ / ولكن للحياة بها دوام
طعام الناس أعجب ما أحبّوا / فمنه حياتهم وبه الحِمام
يقودهم الزمان إلى المنايا / وما غير الطعام لهم ِزمام
وأعجب منه أن الناس راموا / تنَوُّعه ألا بئس المرام
إذا أستَعصى القَفار عليك أكلاً / كفاك من القَراح له أدام
حَذارِ حذار من جَشَع فإني / رأيت الناس أجْشعها اللئام
وأغبى العالمين فتىً أكول / لفِطنَتِه ببِطنَتِه انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري / لصمت فكان دَيدَنيَ الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم / تكاثر في فُطورهم الطعام
إذا رمضان جاءهم أعَدُّوا / مَطاعم ليس يُدركها انهضام
فإن وضح النهار طَوَوا ِجياعاً / وقد نهِموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تُجِعنا / فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا مُتْخَمين على امتلاء / وقد يتجَشّؤُون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض / ألا ما هكذا فُرض الصيام
لم أر بين الناس ذا مَظْلِمه
لم أر بين الناس ذا مَظْلِمه / أحقّ بالرحمة من مسلمه
منقوصة حتى بميراثها / محجوبة حتى عن المَكْرُمه
قد جعلوا الجهل صواناً لها / من كل ما يدعو إلى المَأثمه
والعلم أعلى رتبةً عندهم / من أن تلقّاه وأن تعلمه
ما تصنع المرأة محبوسة / في بيتها أن أصبحت معدِمه
ضاقت بها العيشة إذ دونها / سُدّت جميع الطُرُق المُعلَمَه
كم في ُبيوت القوم من حرّة / تبكي من البؤس بعينَيْ أمه
قد لَوَّحت نار الطَوى وجهها / وأعمل الفقر به ميسمه
عاب عليها قومها ِضلّةً / أن تكسِب القُوت وأن تَطْعَمَه
من أيّ وجه تبتغي رزقها / وطرقها بالجهل مستَبْهِمه
وكيف والقوم رأوا سعيها / في طلب الرزق من المَلأْمه
وكم فتاة فقدت بعلها / من بعد ما قد َولَدتْ تَوْءمه
فأنقطعت في العيش أسبابها / وأصبحت للبُؤس مستسلمه
تَبِيت لم تحمَد لفرط الجوى / لا قمر الليل ولا أنجمه
من حيث لا تملك من دهرها / ما جَلَّ أو َدقَّ ولو سِمْسِمه
جَفَّ على مُرضَعها ثَديُها / فأضطرّها ذلك أن تَفطِمه
فعاش عيش الأم لم يُوفِه / ملبَسَه الدهرُ ولا مطعمه
فشبّ منهوك القُوى مثلها / يشكو من الدهر الذي أيتمه
فهذه حالة ِنسواننا / وهي لعمري حالة ُمؤلمه
ما هكذا يا قوم ما هكذا / يأمرنا الأسلام في المسلمه
فهل بكم من راحم للنسا / فهنّ أولى الناس بالمرحمه
هي المنى كثغور الغِيد تبتسم
هي المنى كثغور الغِيد تبتسم / إذا تطرّبها الصمامة الخَذِم
دع الأمانيّ أو رُمهنّ من ظُبةٍ / فإنما هنّ من غير الظبي حُلُم
والمجدَ لا تَبنِه إلا على أسس / من الحديد وإلاّ فهو منهدم
لو لم يكن السيف ربّ المُلك حارسه / ما قام يسعى على رأس له القلم
مَن سلَهُ في دجى الآمال كان له / فجراً تحُلّ حُباها دونه الظُلَم
والعلم أضَيع من بذر بمُسبخة / إن لم تُجَلِّله من نَوْء الطبى دِيَم
إن الحقيقة قالت لي وقد صدقت / لا ينفع العلم إلاّ فوقه عَلَم
والحق لا يُجتَنى إلا بذي شُطَب / ماء المنيّة في غربَيْه منسجم
إن أسمعت ألسن الأقلام ظالمها / بعضَ الصرير كمن يبكي وينظلم
فللحسام صليل يرتمي شرراً / مفتِّقاً إذن مَن في إذنه صمم
هب اليراعة ردء السيف تأزره / فهل على الناس غير السيف محتكم
فالعلم ما قارنَتْه البيض مفخرةٌ / والحق ما وازرته السمر محترم
وإنما العيش للأقوى فمن ضَعُفت / أركانه فهو في الثاوين مُختَرم
والعجز كالجهل في الأزمان قاطبةً / داءٌ تموت به أو تُمسخ الأمم
والمجد يأثل حيث البأس يدعَمُه / حتى إذا زال زال المجد والكرم
وإن شَأو المعالي ليس يُدركه / عزم تسَّرب في أثنائه السَأم
آهاً فآهاً على ما كان من شرف / لليعربيّين قد ألوى به القِدم
أيام كانوا وشمل المجد مجتمع / والشعب ملتئم والملك منتظم
كانوا أجلّ الورى عزاً ومقدرة / إذا الخطوب بحبل البَغي تحتزم
وأربط الناس جأشاً في مواقفة / من شدّة الرعب فيها ترجُف اللمم
قوم إذا فاجأتهم غُمّة بدروا / وأوْفزتهم إلى تكشيفها الهمم
على الحصافة قد ليثت عمائهم / وبالحّزامة شُدّت منهم الحُزُم
قضَوْا أعاريب أقحاحاً وأعقبهم / خَلْف هم اليوم لا عُرب ولا عجم
جار الزمان عليهم في تقلُّبه / حتى تبدّلت الأخلاق والشيَم
دبّ التباغض في أحشاهم مَرَضاً / به انْبَرَت أعظم منهم وجَفَّ دم
فأصبح الذُل يمشي بين أظهرهم / مشي الأمير وهم من حوله خدم
فأكثر القوم من ذلّ ومَسكَنة / تلقى الذباب على آنافهم يَنِم
كم قد نَحت لهم في اللوم قافية / من الحفيظة بالتقريع تحتدم
وكم نصحت فما أسمعت من أحد / حتى لقد جفّ لي ريق وكلّ فم
يا راكباً متن منطاد يطير به / كما يطير إذا ما أفزع الرَخَم
يمرّ فوق جناح الريح مخترقاً / عرض الفضاء ويَعدو وهو مُعتزِم
حتى إذا حطّ منقضّاً على بلد / ينقضّ والبلد الأقصى له أمَم
أبلغ بني وطني عنّي مُغَلغَلةً / في طيّها كلم في طيّها ضَرَم
ما بالهم لم يُفيقوا من عَمايتهم / وقد تبلّج أصباح المنى لهم
إلى متي يَخفرون المجدَ ذمّتَه / أليس للمجد في أنسابهم رَحِم
ومَن يعِش وهو مِضْياع لفُرصته / ذاق الشقاءَ وأدمى كفّه الندم
وكل من يدّعي في المجد سابقةً / وعاش غير مجيد فهو متهم
هي النفوس وإن لم تَبلُغ الحُلُما
هي النفوس وإن لم تَبلُغ الحُلُما / مطبوعة إن لؤماً وإن كرما
تجري على ما اقتضاه الطبع جامحةً / ولن يُغيّر منها نصحك الشِيمَا
إن الحديد على ما القَين يطبَعه / عليه في الكُور إن سيفاً وإن جَلَما
قد كنت أحسَب أن اللؤم أجمعه / على الحسينَيْن في مصر قد انقسما
حتى بدت مُخزيات اللؤم مشركةً / من الحِجاز حسيناً ثالثاً بهما
لكنما ذاك قد أربَت جريمته / عليهما فهو أخزى جارم جرما
فذان قد أخجل الأهرامَ بَغيُهما / وبغي هذاك أبكى البيت والحرما
مَن مُبلغُنّ بني الإسلام مألُكةً / تبكي لها عين خير المرسلين دما
بأن مكة قد أمست معطَّلةً / فلا حجيج ولا للركن مستلما
هذا الذي منه تنشق السماء أسىً / والأرض ترتجّ حتى تقذف الحُمَما
فأنتِ يا قدرة الله التي عظُمت / خذي حسيناً بذنب منه قد عظُما
وأنت يا أرض مُجّي نحوه ضَرَما / ويا سماء عليه أمطري نِقَما
بغَى ففرّق شملاً كان مجتمعاً / للمسلمين وشعباً كان مُلتئما
قالوا الشريف ولو صحّت شرافته / لم يَنقُض العهد أو لم يخفرِ الذمما
وكيف وهو الذي بانت خيانته / فصرحت عن طباع تخجل الكرما
لم تكفه في مجال البَغي فتنته / حتى غداء بعدوّ الله معتَصِما
إذ راح بالانكليز اليوم ممتنعاً / فضاعف الشرّ فيما جرّ واجترما
فسوف يَحْتَزّ منه عُنقه جَزَعاً / ولا أقول سيُدمى كفّه ندما
وسوف يدركه الجيش الذي تركت / أيّامه الغُرّ وجه العزّ مبتسما
جيش ابن عثمان مولانا الخليفة من / أضحى به شمل هذا الملك منتظِما
هو الرشاد الذي يحمي خلافتنا / ويرشد العُرب والأتراك والعجما
قد أشرق العدل في أيامه فَمَحت / أنواره كل ظلم أنتج الظُلمَا
جيش إذا صال صال النصر يتبعه / كالريح إن شدّ أو كالموج إن هجما
إذا السماء عرَاها نَقع مَلحمةٍ / تراه أرفع من جَوْزائها همما
والأرض إن زلزلت يوماً بمعركة / تراه أثبت من أطوادها قَدَما
يرُدّ كل عزوم عن مواقفه / ولا يُرَدّ له عز إذا اعتزما
سل عنه طوسند إذ سُدّت مسالكه / فظلّ في الكوت يشكو بالطوى ألما
وسل هملتون إذ في الدردنيل غدا / يستعظم الهول حتى بات منهزما
هذا نجا هارباً والبحر أنجده / وذاك أسلم منه السيف منثلما
ففي العراق وثغر الدردنيل جرت / وقائع أكسبتنا العزّ والشمما
وسوف يذكرها التأريخ مُنبهراً / في وصفها يُتعِب القرطاس والقلما
وسوف تَبقى على الأيام خالدةً / حتى تعيش زماناً تهرم الهرما
مناقب كنجوم الليل مُشرقةً / تَهدي إلى المجد في أنوارها الأمما
قال قولاً به استحقّ احتراماً
قال قولاً به استحقّ احتراماً / وتهدّاه فاستحق ملاما
رجل قد تنكّب الحق قوساً / ومن البُطل ظلّ يرمي سِهاما
كان منه المقال نوراً فلما / حان الفَعال كان ظلاما
خاض حرب العِدى بمِقول حرّ / فاق فيها المهنّد الصمصاما
وبذا عرّف الورى أنّ قول ال / مرء في الحرب قد يَفوق الحُساما
إذ غدا ناطقاً بمرقد واشن / طون نطقاً شفى به الأسقاما
معرباً عن مباديء محكمات / ساميات تُحرّر الأقواما
قال حرية الأنام هي الغا / ية لي في الوغى فغَرَّ الأناما
فاشرَأبَ الورى إليه وظنَوا / أنهم سوف يَبلغون المراما
واطمأنّت له القلوب بفَوْز / يغتدي في فم الزمان ابتساما
شام منه الورى بوارقِ غَيم / من وراء البحر المحيط تَرامى
فتصدّى لغَيثه كل قوم / قد شكَوْا غُلّةً بهم وأُواما
ثم خابت ظنونهم فيه لَما / مرّ في الجوّ خُلَّباً وجَهاما
مَدَّ ولسون في السياسة حَبلاً / جمع النقض فيه والأبراما
فلبعض الأنام كان عِصاماً / ولبعض الأنام كان خِصاما
ملأ الدهر في فيومة فخراً / وبازمير أخجل الأيّاما
إن إزمير صيّرت ما لولسو / ن من الخر في فيومة ذاما
فهل الحق عنده في سوى الغَر / ب حقير أقلّ من أن يُحامى
أو هل الشرق وحده في الأقالي / م مباح أن يُستبى ويضاما
أو هل القوم عاهدوا الله في أن / لا يراعوا للمسلمين ذِماما
مالهم أرهقوا بني الشرق ظلماً / وعلى الترك أْشَلُوا الأرواما
فاستباحوا حريم إزمير مهباً / واستحلُّوا من الدماء حراما
حيث جاسوا خلالها بجنودٍ / ركِبت في عُتُوّها الآثاما
أيها المجلس الرباعيّ مهلاً / فلقد جُرت في الأمور احتكاما
أنت سكران خمرةِ النصر فاحذَر / حين تصحو ندامة ولِواما
لك عين ترى السها في الدياجي / وعن الشمس في الضحا تتعامى
أوَ لم تَدرِ أن للدهر عيناً / إن تَنَمْ عين أهله لن تناما
لا تكن تابعاً هوى النفس فيما / أنت فيه تقرّر الأحكاما
فهوى النفس قد يُضِلّ ذويه / فيَطيشون في الورى أحلاما
ويرون الجُسام أمراً صغيراً / ويرون الصغير أمراً جساما
لا يغُرَّنّك الزمان إذا ما / لك أبدى بشاشة وابتساما
كم أشال الزمان أعلام قوم / في الذُرا ثم نكّس الأعلاما
مثلما دار للفرنج على الجَرْ / مَن حرباً فأدركُوا الإنتقاما
أيها المسلمون لستم من الغَر / ب بحال تستَوْجِبون احترما
إنما أنتم لدى الغرب قومٌ / خُلِقُوا عن سوى الشرور نياما
فإذا ما وسِعتم الناس حلماً / عدّه الغرب شِرّةً وعُراما
وإذا ما ملأتم الأرض عَدلاً / عُدّ جَوراً أو مفخراً عدّ ذاما
وإذا ما فعلتم الخير يوماً / حسبوه جناية وإثاما
وإذا زَلَّةً لكم دَفَن الده / رُ أملّوا بنَبْشِها الأقلاما
وإذا ما افترى عليكم عدوّ / أيدوه وصدّقوا الأوهاما
وإذا ما جنى عليكم إناس / سكتوا عنهم ومرّوا كراما
كم بأرض البلقان منكم قتيِل / وأيامي مضاعة ويتامى
نثر الظالمون في الأرض منهم / جُثَثاً تملأ الفضاء وهاما
لو أتَينا تلك البلاد رأينا ال / يوم منهم جَماجماً وعظاما
ما نضا في الدفاع عنهم بنو الغر / بِ حساماً ولا أحاروا كلاما
إن تكن هذه السياسة عدلاً / فإلى الظلم نشتكي الآلاما
رحم الله أمةً أصبح الغر / بُ يرى كل ذنبها الإسلاما
يا قوم لا تتكّلموا
يا قوم لا تتكّلموا / إن الكلام محرَّم
ناموا ولا تستيقظوا / ما فاز إلاّ النُوَّم
وتأخّروا عن كل ما / يَقضي بأن تتقدّموا
ودَعُوا التفهُّم جانباً / فالخير أن لا تَفهموا
وتَثّبتُّوا في جهلكم / فالشرّ أن تتعلَموا
أما السياسة فاتركوا / أبداً وإلاّ تنموا
إن السياسة سرّها / لو تعلمون مُطلسَم
وإذا أفَضْتم في المباح من الحديث فجَمجموا /
والعَدلَ لا تتوسَّموا / والظلمَ لا تتجَّهموا
من شاء منكم أن يعيش اليوم وهو مُكرَّم /
فَليُمسِ لا سمعٌ ولا / بصر لديه ولا فم
لا يستحق كرامة / إلاّ الأصمّ الأبكم
ودَعُوا السعادة إنما / هي في الحياة توّهُم
فالعيش وهو منّعم / كالعيش وهو مذمَّم
فارضَوْا بحكم الدهر مهما كان فيه تحكُّم /
وإذا ظُلِمتم فاضحكوا / طرباً ولا تتظلّموا
وإذا أُهِنتم فاشكروا / وإذا لُطِمتم فابسِموا
إن قيل هذا شهدكم / مُرّ فقولوا علقم
أو قيل إن نهاركم / ليل فقولوا مُظلم
أو قيل إن ثِمادكم / سَيل فقولوا مُفعَم
أو قيل إن بلادكم / يا قوم سوف تُقسَّم
فتحمدوا وتشكّروا / وترنّحوا وترنّموا
لواعج الهمّ في جنبيّ تضطرم
لواعج الهمّ في جنبيّ تضطرم / والهم مِقداره من أهله الهمم
كم قد أذاقتني الأيام من حُرَق / من فوقها أسف من تحتها ألم
أكلما قلت شعراً قال سامعه / نارٌ تَفوه بها للناس أم كَلِم
ما بال شعرك مثلَ النار ملتهباً / يذكو على أنه كالماء منسجم
إنا لنعجب من شعر تؤجّجه / ناراً ولم يحترق في كفّك القلم
لا تعجبوا فالأسى في النفس ملتهب / والعزم مُتقِد والهم محتدم
استبرد النار من حَرّت عزائمه / واستصغر الخَطب من في نفسه عظم
وأن أصدق برق أنت شائمه
وأن أصدق برق أنت شائمه / برق تنسَّم عنه الصارم الخَذِم
واخصب الأرض أرض لا تَسحّ بها / إلا من النَقع في يوم الوغى دِيم
من كان يُكذبني أن الحياة مُنىً / فليس يكذبني إن الحياة دم
وإنه في كلا حالَيُه منبعها / يدور في الجسم أو في الأرض ينسجم
وإنه وهو فوق الأرض منتثِر / كمثله وهو تحت الجوف منتظم
إني أرى المجد في الأيام قاطبة / إلى عبيط دم المحَيا به قَرَم
فالمجد يَنبُت حيث العلم منتشِر / من حيث تعترك الأبطال والبُهم
والمجد أعطى الضُبى ميثاق معترف / أن ليس يضحك إلا حين تبتسم
فَلْيذهب اليأس عنّي خاسئاً أبداً / إني بحبل رجائي اليوم معتصم
وَلست ممَن إذا يسعى لحادثة / يسعى وأرجله بالخوف تصطدم
لا تسأمَنّ إذا حاولت منزلةً / فيها يرِفّ عليك المجد والكرم
فالعيش تستبشع الأذواق مطعمه / إذا تسرّب في أثنائه السأم
وكن صَليباً إذا عضتك حادثةٌ / تَعَضّ منك بعُود ليس ينعجم
إن الحِصال التي تسمو الحياة بها / عزم وحزم وإقدام ومقتحم
لا يكسب النفس ما ترجوه من شرف / إلا الإباء وإلا العز والشمم
لا يُؤسنَّك إن الحرّ محتقَر / عند اللئام وإن الوَغد محتَرَم
فالعقل يتهم الدهر المسيء بذا / وما يعيبك أن الدهر متهم
هذي ملامتكم يا قوم فاستمعوا / منها إلى كَلِم في طيها حِكَم
قد أنشد الشعر تعريضاً بسامعه / فهل وعى ما أردت السامع الفَهِم
أطربتهم بلحنها الأنغام
أطربتهم بلحنها الأنغام / حين أدمت قلوبنا الآلام
فأقاموا مجالس الإنس حتى / رقص العار بينهم والذام
أضحكوا أوجه السفاهة ضحكاً / قد بكت في خلاله الأحلام
إن في مصر للكريمة عُرساً / سوف تعنى بشرحه الأقلام
أوقدوا فيه للسرور سراجاً / عمّ من نوره البلاد ظلام
ذاك عرس تكشّر اللؤم فيه / عن نيوب كأنهنّ سهام
وتغنّت للقوم فيه قيان / أنكر العهد صوتها والذمام
فلعين الحليم فيه بكاء / ولثغر السفيه فيه ابتسام
أيها المولمون في مصر مهلاً / إن إيلامكم لنا إيلام
أتغنّيكم القيان بيوم / قام في مأتم به الإسلام
لبست هذه البلاد حِداداً / وتحلّت بوشيها الأهرام
وجرت أعين الفرات دموعاً / وجرى النيل ثغره بسّام
أشماتاً بالمسلمين وقد دا / رت عليهم بنحسها الأيام
إذ رمتهم يد الزمان بخطب / جلل ما لنقضه إبرام
فهوت في مصارع الحرب منهم / جثث تملأ الفضاء وهام
وتخلَّوا عن البلاد وأبقَوا / حرمات تدوسها الأقدام
يا بني مصر صغيةً لسؤال / فيه عتب لكم وفيه ملام
أتناط الفتوح في خنصر الك / فِّ ازدياناً إن قطّت الإبهام
أدماء القَتلى لديكم خضاب / أم أنين الجَرحى لكم أنغام
أم تريدون أن تكونوا كقوم / أسكرتهم بين القبور مدام
أم أصختم إلى الأغاريد كي لا / تسموا كيف تنحب الأيتام
لست أدري وقد سمعت بهذا / يقظة ما سمعته أم منام

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025