المجموع : 24
بني الأرض هل مِن سامع فأبثَّه
بني الأرض هل مِن سامع فأبثَّه / حديث بصير بالحقيقة عالم
جُبلنا على حبّ الحياة وإنها / مخيفة أحلام أطافت بحالم
سعى الناس والأقدار مخبوءة لهم / وناموا وما ليلُ الخطوب بنائم
جرت سفُن الأيام مشحونةً بنا / على بحر عيش بالردى متلاطم
تأمّلت في الأحياء طُرّاً فلم أجد / بهم باسماً إلاّ على ألف واجم
وربّ سعيد واحدٍ تمّ سعده / بألف شقىّ في المعيشة راغم
وما المرء إلاّ دوحة في تنوفةٍ / ملوّحةٌ أغصانها بالسمائم
لها ورق قد جفّ إلاّ أقلَّه / وعيدانها بين النيوب العواجم
ولابدّ أن تجتثّ يوماً جذورها / وتقلعها إحدى الرياح الهواجم
أرى العمر مهما ازداد يزداد نقصه / إذاً نحن في نقص من العمر دائم
ولولا انهدام في بناء جسومنا / لما احتيج في تعميرها للمطاعم
لحى الله بأساء الحياة كأننا / نكبّل من حاجاتها بالأداهم
نروح كما نغدو نجاهد دونها / أموراً دعتنا لارتكاب الجرائم
فلو كنت في هذا الوجود مخيّراً / وفي عدمي لاخترته غير نادم
هل الموت إلا سالك وحياتنا / إليه سبيل مُستبين المعالم
وما زال هذا الدهر غضبان آخذاً / على الناس من سيف المنون بقائم
تبصّرْ تجد هذي البسيطة منزلاً / كثير اليتامى عامراً بالمآتم
وليس الذي آسى له فقد هالك / ولكن ضياع المفجعات الكرائم
أرامل تستذري الدموع وحولها / يتامى كأفراخ القطا والحمائم
وكائنْ ترى مخدومة في جلالها / سعت حيث أبكاها الردى سعي خادم
فليت المنايا حين قوّضن بيتها / بدأنَ بها من قبل هدم الدعائم
أرى الخير في الأحياء ومض سحابة / بدا خلّياً والشر ضربة لازم
إذا ما رأينا واحداً قام بانياً / هناك رأينا خلفه ألف هادم
وما جاء فيهم عادل يستعيلهم / إلى الحق إلا صدّه ألف ظالم
جهلتُ كجهل الناس حكمة خالق / على الخلق طرّاً بالتعاسة حاكم
وغاية جهدي أنني قد علمته / حكيماً تعالى عن ركوب المظالم
رأيت لنفسي في الحياة كأنني / من العيش مُلقىً في شدوق الضراغم
يخاصمني منها على غير طائل / أناس فابدي الصفح غير مخاصم
وأقنع بالقوت الزهيد لطيبه / حذارَ وقوعي في خبيث المطاعم
وأترك ما قد تشتهي النفس نَيْله / لما تشتهيه قلة في دراهمي
وكم لي في بغداد من ذي عداوة / وما أنا في شيء عليه بجارم
إذا جئت بالقلب السليم يجيئني / بقلب له من كَثرة الحقدوارم
لله سرّ في الأنام مطلسم
لله سرّ في الأنام مطلسم / حار الفصيح بوصفه والأعجم
برأ ابن آدم وهو إن لم تلقهَ / في الخلق أقدم فهو فيه مقدّم
وإذا نظرنا في العجائب نظرةً / ظهر ابن آدم وهو منها الأغطم
أما العجيب من ابن آدم فهو ما / نسق الكلام به إذا نطق الفم
والوجه أعجب ما رأيت وإنه / لَيَحارُ في سحنائه المتوسّم
هو من طراز الله إلاّ إنّه / بسرائر النفس الحديثة معلم
أما الحواجب فيه فهي كواشف / والعين فيه عن الضمير تترجم
ولربّ خافيه يكتّمها الفتى / والوجه منه بسرّها يتكلم
كلٌ يشير إلى السريرة وجهُه / فكأنه بضميره متلثم
فالوجه فيه من القرونة مسحةٌ / للخافيات بها وضوح مبهم
صرع النهى فالوهم فيه تيقّن / تحت الملامح واليقين توهّم
ولرب وجه في تبسّمه البكا / ولرب وجه في بكاء تبسّم
والأنف في وجه ابن آدم زينة / فالوجه لولا أنفه متجهّم
كالهدُب في شفر العيون فإنه / لولاه تنشتر العيون وتسجم
إن الوجوه صحائف مطموسة / يمحو كتابتها ويثبتها الدم
بيناك تقرأ حرفها متفهّماً / يبدو تحرّفها فلا تتفهّم
فالعقل فيها عالم متجاهل / طوراً وطوراً جاهل متعلّم
إني أرى هذي الوجوه نواطقاً / بالسرّ لكنْ نُطقهنّ مجمجم
وأرى لحاظ عيونها متحدّثاً / عنها ولكنْ الحديث مرجّم
فكأنني البدويّ يسمع راطناً / وكأنما هي أعجمّي طمطم
ولربّ وجه يستبيك بحسنه / فتروح منه وأنت صبّ مغرم
يبدو إليك وأنت خلِوٌ من هوى / ويصدّ عنك وأنت فيه متيّم
وإذا تغّيب فالبدور مضيئة / وإذا أضاء فكل بدر مظلم
لله في وجه ابن آدم حكمة / يعنو السفيه لها ومن يتحكّم
أرى للروح بالبدن اتصالاً
أرى للروح بالبدن اتصالاً / خَفيّاً لا تبين له رسوم
تطيف به الهواجس شاعرات / وتعجز عن حقيقته الفهوم
فإن الروح للجثمان تلو / به منها ومنه بها وسوم
يتم كلاهما هذا بهذا / كذلك تمّ أمرهما القويم
فلا جسد يقوم بغير روح / ولا روح بلا جسد تقوم
هما متلازمان فما لكلٍ / بغير قرينه أبداً لزوم
لذلك كانت الأرواح منا / بحيث تهي إذا وهتِ الجسوم
ولست أظنّ أن الروح تبقى / إذا مُحيِت من الجسد الرسوم
وربَّتَما يكون لها دوام / ولكنْ غير شاعرة تدوم
وما هبطت من الخضراء لكن / من الغبراء أنبتها الحكيم
وأما هذه الأجسام منا / فتبنيها الماكل والطعوم
وتُرويها المشارب والمحاسي / وتذويها اللوافح والسموم
ويُوهِنها التقشَف والتضنّي / ويحسنها التترّف والنعيم
ويعض من مطاعمنا غذاء / تُحاك على العظام به اللحوم
وبعض من مطاعمنا وَقود / تُديم به حرارتها الجسوم
له في جوف آكله احتراق / تكون رَمادَه فيها الشحُوم
وللأرواح كالأجساد زادٌ / به تنمو المشاعر والحُلوم
هو النَغَم الرقيق من المثاني / هو الأدب الرفيع هو العلوم
فإن الروح تغذوها الأغاني / ويجلو هَمها الصَوت الرخيم
ويصقلها الجمال إذا رأته / وتصدئها القبائح والهموم
فلا تنفر بسمعك من غناءٍ / به غنّتك شادية بغوم
ولا تترفَعنّ عن الملاهي / ولو شهدتْ برفعتك النجوم
وكن في المُطربات فتىً طروباً / فإن الناس أطربُها الكريم
وقف عند الحدود بلا تعدّ / إلى ما ليس يحمده الحليم
ولا تشتطَّ في طرب ولهو / فكلّ مُقارفٍ شَططاً ذميم
فإن وافقتني وجربت جَريي / وإلا فاتَك الطبع السليم
أيّ خطب دها ربوع الشام
أيّ خطب دها ربوع الشام / يوم أمست تبكي بطرف دام
وبأي الأسى رمتها الليالي / فاكتست للحداد ثوب ظلام
إن تكن افجعت بشهم بني العظ / م فأعظم بخطبها المترامي
ذلك الماجد الذي أدرك المج / د بأيدٍ إلى العلاء سوام
سل دمشقاً تجبك عن شيم في / ه تعالت عن أن تزنّ بذام
قد بكته شجواً يسبع عيون / في رباها تجود بالتسجام
ورثته بألسن من معالي / ه حداد تفلّ حدّ الحسام
فقدت من محمد خير ندب / ذائد عن حياضها ومحام
وغدت تشتكي إلى بَرَداها / من أحرّ الأسى أحرّ الأوام
لهف نفسي عليه ساعة أودى / من كريم غمر الرداء همام
إن قلبي قد استطير بمنعا / ه اختطافاً بمنسر الآلام
فكأن الناعي لدى النعي أهوى / نحو قلبي بمرهف صمصام
قد فقدنا منه خلائق تحكي / زهر الروض غبّ صوب الغمام
يا أبا خالد وما هذه الدن / يا بدار معدّة لمقام
إن تكن هالكاً فكم لك ذكر / في العلا خالد مدى الأيام
خطفت عمرك المنون اختلاساً / كاختلاس المنى يد الأوهام
فكأنّ المنون خافت على تل / ك المعالي ذبولها بالسقام
فلذا أحرزتك غضاً طرياً / وكذا كم يكون موت الكرام
فسقى الله تربةً أنت فيها / صوب وطفاء من غوادٍ هوام
قضى والليل معتكر بهيم
قضى والليل معتكر بهيم / ولا أهل لديه ولا حميم
قضى في غير موطنه قتيلاً / تمجّ دمَ الحياة به الكلوم
قضى من غير باكية وباك / ومن يبكي إذا قتل اليتيم
قضى غضَّ الشبيبة وهو عفّ / مُطهّرة مآزره كريم
سقاه من الردى كأساً دهاقاً / عفاف النفس والعرض السليم
تجرّعها على طرب ولكن / بكف اليتم ليس له نديم
على حين الربابة في نواح / يساجلها به العود الرخيم
بحيث رقائق الألحان كانت / بها الأشجان طافية تعوم
كأنّ ترنم الأوتار نعيٌ / وصمت السامعين لها وجوم
فجاء الموت ملتفعاً بخزي / ومِلْء إهابه سفهٌ ولوم
فأطلق من مسدسه رصاصاً / به في الرمي تنخرق الجسوم
فخرّ إلى الجبين به نعيم / كما انقضّت من الشهب الرجوم
فإن مودّعاً بعد ارتثات / حياة لا تناط بها الوصوم
لئن لم تبك من أسف عليه / سفاهتنا فقد بكت الحلوم
ولودرت النجوم له مصاباً / بكته على ترفعّها النجوم
عسى الشهباء تثأره فتبدي / إلى الزوراء ما يبدي الخصيم
ولم يقتله إبراهيم فيما / أرى بل إن قاتله سليم
أليس سليم الملعون أغوى / نعيماً فهو شيطان رجيم
وأخرجه من الشهباء غراً / بتيماً ماله أبداً زعيم
وجاء به إلى بغداد حتى / تخرّمه بها قتل أليم
سأبكيه ولم أعبأ بسلاح / وأندبه وإن سخط العموم
ولّما أن ثوى ناديت أرّخ / ثوى قتلاً بلا مهل نعيم
على قاسم شيخ الطريقة قد بكت
على قاسم شيخ الطريقة قد بكت / جواهر فضل مالها الدهر قاسم
بكاه التقى والعلم والحلم والنهى / وحسن السجايا والعلا والمكارم
فقدنا الذي قد كان في العلم عيلما / فماجت لمنعاه البحار العيالم
لئن قد طواه الموت عنّا فذكره / من العلم منشور على الدهر دائم
رزئناه حبراً في الطريقة مرشداً / به اتضحت للساكين المعالم
عفت أربع الإرشاد بعد ارتحاله / وكانت به منها تقوم الدعائم
حليف التُقى مادنّس الدهر ثوبه / باثم ولا مرت عليه المحارم
ترحل للأخرى وأبقى مناقباً / تضيء من الدنيا بهنّ المواسم
يصوم نهار الصيف لله طائعاً / ويحيي الليالي وهو لله قائم
إذا ما بدا للقوم لاحت بوجهه / دلائل من نور الهدى وعلائم
ولما مضى للخلد قلت مؤرخاً / لقد بات على أعلى الفراديس قاسم
يقولون في الإسلام ظلماً بأنه
يقولون في الإسلام ظلماً بأنه / يَصُدّ ذويه عن طريق التقدم
فإن كان ذا حقّاً فكيف تقدّمت / أوائله في عهدها المتقدم
وإن كان ذنب المسلم اليوم جهله / فماذا على الإسلام من جهل مسلم
هل العلم في الإسلام إلاّ فريضة / وهل أمة سادت بغير التعلُّم
لقد أيقظ الإسلام للمجد والعلا / بصائر أقوام عن المجد نُوَّم
وحلّت له الأيام عند قيامه / حُباها وأبدت منظر المتبسّم
فأشرق نور العلم من حَجَراته / على وجه عصر بالجهالة مظلم
ودّك حصون الجاهلية بالهدى / وقَوّض أطناب الضلال المخيّم
وأنشط بالعلم العزائم وابتنى / لأهليه مجداً ليس بالمتهدّم
وأطلق أذهان الورى من قيودها / فطارت بأفكار على المجد حُوَّم
وفَكّ أسار القوم حتى تحفّزوا / نهوضاً إلى العلياء من كل مَجْثَم
فخلَّوا طريقاَ للبداوة مَجهَلاً / وساروا بنهج للحضارة مُعلَم
فدَوَّت بمُستَنّ العلا نهضَاتهم / كزعزع ريح أو كتيّار عَيْلَم
وعمّا قليل طبّق الأرض حكمهم / بأسرع من رفع اليدَيْن إلى الفم
وقد حاكت الأفكار عند اصطدامها / تلألؤ برق العارض المُتَهّزِم
ولاحت تباشير الحقائق فانجلت / بها عن بني الدنيا شكوك التوهُم
وما ترك الإسلام للمرء ميزة / على مثله ممَّن لآدم ينَتمي
فليس لمُثْرٍ نقصُه حقَ مُعدِم / ولا عربيٍ بخسه فضل أعجم
ولا فخرَ للإنسان إلاّ بسعيه / ولا فضلَ إلا بالتُقى والتكرُّم
وليس التقى في الدين مقصورةً على / صلاة مُصلَّ أو على صوم صُيَّم
ولكنها ترك القبيح وفعل ما / يؤدي من الحُسنى إلى نيل مَغْنَم
فتَقوى الفتى مَسعاه في طلب العلا / وما خُصَّت التقوى بترك المحرّم
فهل مثل هذا الأمر يا لأولي النُهى / يكون عثاراً في طريق التقدّم
وإن لم يكن هذا إلى المجد سُلَّماً / فأيّ ارتقاءٍ بعدُ أم أيّ سلّم
ألا قل لمن جاروا علينا بحكمهم / رُوَيداً فقد قارفتم كل مأثمَ
فلا تنكروا شمس الحقيقة أنها / لأظهَرُ من هذا الحديث المُرَجَّم
عَلَوْنا وكنتم سافلين فلم نكن / لنُبدي إليكم جَفوة المتهكِّم
ولم نترك الحُسنى أوان جدالكم / وتلك لعمري شِيمة المتحلِّم
فلما استدار الدهرُ بالأمر نحوكم / كشفتم لنا عن منظر متجَهِّم
فلا تأمنوا الأيام أن صُرُوفها / كما هي إذ أودت بعاد وجُرْهُم
رمت مسمعي ليلاً بأنّه مؤلَم
رمت مسمعي ليلاً بأنّه مؤلَم / فألقت فؤادي بين أنياب ضيغم
وباتت توالي في الظلام أنينها / وبتّ لها مُرمىً بنهشة أرقم
فيهفو بقلبي صوتها مثلما هفت / بقلب فقير القوم رنّةُ درهم
إذا بعثت لي أنّةّ عن تَوَجُّع / بعثت إليها أنّةً عن ترحُّم
تقطع في الليل الأنين كأنّها / تقطّع أحشائي بسيف مُثَلَّم
يهُزّ نياطَ القلب بالحزن صوتُها / إذا اهتزّ في جوف الظلام المخيّم
تردّده والصمت في الليل سائد / بلحن ضئيل في الدُجُنَّة مُبهَم
كأنّ نجوم الليل عند ارتجافها / تُصيخ غلى ذاك الأنين المُجَمْجَم
فما خفقان النجمِ إلاّ لأجلها / وما الشهب إلاّ أدمع النجم ترتمي
لقد تركتني مُوجَعَ القلب ساهراً / أخا مَدمَع جار ورأس مهوَم
أرى فحمة الظلماء عند أنينها / فأعجب منها كيف لم تتضرّم
فأصبحتُ ظمآن الجفون إلى الكرى / وإن كنت ريّان الحشا من تألُّمي
وأصبح قلبي وهو كالشعر لم تدع / له شعراء القوم من مُتَرَدَّم
وبيت بكت فيه الحياة نحوسةً / ولاحت بوجه العابس المُتَجَهِّم
به ألقت الأيامُ أثقالَ بؤسها / فهاجت به الأحزان فاغِرة الفم
كأنّي أرى البنيان فيه مهدَّماً / وما هو بالخاوي ولا المتهدّم
ولكنّ زلزال الخطوب هوى به / إلى قعر مهواة الشقاء المجسَّم
دخلتُ به عند الصباح على التي / سقاني بكاها في الجدى كأس علقم
فألقيتُ وجهاً خدّد الدمعُ خدَّه / ومحمرَّ جَفن بالبكار مُتَورَمَّ
وجسماً نحيفاً أنهكته همومُه / فكادت تراه العينُ بعضَ تَوَهُّم
لقد جَشَمتْ فوق الترابِ وحولها / صغرٌ لها يرنو بعينيْ مُيَتَّم
تراه وما أن جاوز الخمسَ عمرُهُ / يُدير لحاظ اليافع المتفّهِم
بكى حولها جوعاً فغذّته بالبكا / وليس البكا إلاّ تَعِلَّةَ مُعدِم
وأكبر ما يدعو القلوبَ إلى الأسى / بكاءُ يتيم جائع حول أيِّم
وقفتُ وقد شاهدت ذلك منهما / لمريم أبكى رحمةً وابن مريم
وقفت لديها والأسى في عيونها / يكلمني عنها ولم تتكلّم
وساءلتها عنها وعنه فأجهَشَتْ / بكاءً وقالت أيها الدمع ترجِم
ولما تناهتْ في البكاء تضاحكت / من اليأس ضحك الهازئ المتهكّم
ولكن دموع العين أثناء ضحكها / هواطل مهما يسجم الضحك تسجم
فقد جمعتْ ثغراً من الضحك مُفعَماً / إلى مَحْجِر باك من الدمع مفعم
فتُذرىِ دموعاً كالجمان تناثرت / وتضحك عن مثل الجمان المنظَّم
فلم أرَ عيناً قبلها سال دمعها / بكاءً وفيها نظرة المتبسّم
فقلت وفي قلبي من الوجد رعشةٌ / أمجنونة يا ربّ فارحم وسلّم
ومذ عرضت للإبن منها الْتِفاتةٌ / أشارت إليه بامدامع أن قْم
فقام إليها خائر الجسم فانثنت / عليه فضمّته بكفّ ومِعصم
وظلّت له ترنو بعينِ تجوده / بفَذّ من الدمع الغزير وتَوْءَم
فقال لها لما رآنيَ واقفاً / اردِّد فيه نظرةٍ المتوسِّم
سلى ذا الفتى يا أم أين مضى أبي / وهل هو يأتينا مساءً بمَطْعَم
فقالت له والعين تجري غروبها / وأنفاسها يَقذِفنَ شعلة مُضرَم
أبوك ترامت فيه سفرة راحل / إلى الموت لا يرجى له يومُ مَقْدَم
مشى أرمنيّاً في المعاهد فارتمتْ / به في مهاوى الموت ضربةُ مسلم
على حينَ ثارت للنوائب ثورةٌ / أتت عن حزازات إلى الدين تنتمي
فقامت بها بين الديار مذابح / تخوَّض منها الأرمنيّون بالدم
ولولاك لاخترت الحِمام تخلّصاً / بنفسيَ من أتعاب عيش مذمَّم
فأنت الذي أخّرت أمك مريماً / عن الموت أن يودي بامك مريم
أمريم مهلاً بعضَ ما تذكرينه / فإنك ترمين الفؤاد بأسهم
أمريم أن اللّه لا شك ناقمٌ / من القوم في قتل النفوس المحرَّم
أمريم فيما تحكمين تبصَّري / فإن أنت أدركتِ الحقيقة فاحكمي
فليس بدين كلُّ ما يفعلونه / ولكنّه جهل وسوء تفهُّم
لئن ملؤوا الأرض الفضاء جرائماً / فهم أجرموا والدين ليس بمجرم
ولكنهم في جِنح ليل من العمى / تمشّوا بمطموس العلائم مبهَم
وقد سلكوا تَيْهاء من أمر دينهم / فكم مُنجِدٍ في المخزيات ومُتْهِم
ولما رأيت اللَوم لؤماً تجاهها / سكتُّ فلم أنبِسْ ولم أتبرَّم
وأطرقتُ نحو الأرض أطلب عفوها / وما أنا بالجاني ولا بالمتيَّم
وظلتُ لها أبكي بعين قريحة / جرت من أماقيها عصارةُ عندم
بكيت وما أدري أأبكي تضَجُّراً / من القوم أم أبكي لشِقوة مريم
أخْصِ في العلم إن أردت كمالاً
أخْصِ في العلم إن أردت كمالاً / ووصولاً إلى الفَخار الأتمّ
وإذا رُمت في التعلُّم حذفاً / فاتركِ النفس والذي هي ترمي
واجتنب قَسرها على ما أبَتْه / أن قسر الطباع أكبر ظلم
إنّما المّيل في الغرائز تَيّا / رٌ ومَن ذا يَرُدّ تيّار يَمّ
أطعِم العقل ما اشتهاه من العل / م وإلا اسْتقَأت من سوء هَضم
ليس في أرؤس الرجال دماغ / هاضم في ذكائه كل علم
فمِن النقص أن تحاوِل أن تض / رب في كل ذي العلوم بسهم
حُسن فهم الأخصّ أكثر نفعاً / لذويه من قبح فهم الأعمّ
وبُغاة العلوم مثل رُماة الصيَ / د فاعلم وليس مُنْمٍ كمُصمْ
وإذا ما اشتغلت بالجِدّ ساعا / ت فهازل سُويعةً واستجم
وتَرَفّقِ إذا جهدت فإن الر / فق يُذكي الفؤاد والعُنف يُعمي
ولقد يَبلغ العجول مَداه / بالتأني بلوغ خَضم بقَضم
كل مَن كانت العلوم لديه / جَمّةً كان نفعه غير جم
أيّ فضل لعالم غير بدع / ليس في العلمُ يرتجي للمهمّ
سارَ شوطاً لكلّ علم ولَكن / لم يَنَل فيه غاية المستَتمّ
هَبْه أبدى من العلوم نُجوماً / في ليال من المَشاكل دُهْم
أو ليس البدر التمام وإن كا / ن وحيداً يربو على ألف نجم
كن قوياً في كل ما تَدّعيه / إنما الفَوز للقويٍّ المِلَمّ
أيها العاجز الضعيف رُوَيداً / أقْرَن الضأن فاتك بالاجمّ
إذا كان جهل الناسَ مدعاة غيّهم
إذا كان جهل الناسَ مدعاة غيّهم / فليس سوى التعليم للرُشد سُلَّم
فلو قيلَ من يستنهض الناس للعلا / إذا ساءَ محياهم لقلت المعلمّ
معلّم أبناء البلاد طبيبهم / يُداوي سَقام الجهل والجهل مُسقِم
وما هو إلاّ كوكب في سمائهم / به يهتدي الساري إلى المجد منهم
فلا تَبخسَنْ حق المعلّم أنه / عظيم كحقّ الوالدين وأعظم
فإن له منك الحجا وهو جوهر / وللوالدين العظم واللحم والدم
ألا إنما تعليمنا الناس واجب / وأن على الجهال أن يتعلّموا
وما أخذ اللّه العهود على الورى / بأن يعلَموا حتى قضى أن يُعلِّموا
لدار شِنِلَّر في القدس فضل
لدار شِنِلَّر في القدس فضل / به تَنْسَى تَيَتُّمها اليتامى
وبحمده من الفقراء طفل / يذُمّ لفقد والده الحِماما
بها يجد اليتيم لهُ مقاماً / إذا ما الدهر أفقده المقاما
يرى عن أمه أماً عَطوفا / عليه وعن أبيه أباً هُماما
تُمِيت نهارها فيه ليَحْيا / وتُحْيي الليل فيه لكي يناما
فتُشْرِب نفسَه حبّ المعالي / وتطعم جسمه منها الطعاما
وتَرْأم كل من فُجعوا بيُتم / صغاراً قبل ما بلغوا الفِطاما
ويدخلها يتيم القوم طفلاً / فتُخرجه لهم يَفَعاً غلاما
عليماً بالحياة يسير فيها / على علم فيَخْترِق الزحاما
وقد لبِس الفضيلة وارتداها / وشَدّ عليه من حَزمِ حزاما
وقفت بها أعاطيها التَحايا / وأستسقي لساكنها الغَماما
وأشكر فضلها والشكر عَجْز / إذا هو لم يكن إلا كلاما
أدار شنلّر لا زلت مأوىً / لأبناء الأرامل والأيامى
أثابَكِ مالك الملكوت عنهم / مَثُوبة كل من صلّى وصاما
ضَمِنتِ لهم رغيد العيش حتى / أخذت على الزمان لهمِ ذماما
وجار الدّهر مُعتدِياً عليهم / فكنت لهم من الدهر انتقاما
إذا ما أبكت الدنيَا يتيماً / أعدتِ بكاءه منه ابتساما
لقد هَوَّنت رُزء اليتم حتى / غفرنا للزمان بك الأثاما
وكاد إذا رأى مغناك راء / يَوَدّ بأن يكون من اليتامى
ليَمْكُث فيك مُغتبطَاً سعيداً / ويكسب عندك الشرف الجُساما
ويعلم كيف يدّرع المعالي / ويعرِف كيف يَبْتِدر المَراما
وما فَقَد المسيحَ الناسُ لمّا / أعدتِ لهم خلائقه الكراما
فنُبْت عن المسيح وقمت حتى / لقد شكر المسيح لك القياما
ولا عجبٌ فقد جَدَّدت منه / عواطف كان عمّ بها الأناما
شَمَخْت على رُبا القدس اعتلاءً / فكنت لهنّ من شرف وساما
ولُحْت بأفْقها بدراً منيراً / جلا من ليل أبْؤسها الظلاما
ألا أن النجوم بشِعرَيَيَهْا / لتَحَسُد من مَرابعك الرغاما
هزَزْت الطُور فهو يكاد يمشي / إليك على تَقَدُّسه احتراما
وجاذَبْتِ الكرامة خير قبر / به دُفِن المسيحِ ومنه قاما
تباهي القدس مكة فيك حتى / تفاخر فيك مشَعرَهَا الحراما
فلا برِحتُ رُبوعك عامرات / نسُلّ على الشقاء بها حساما
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا
أكبّ على الخِوان وكان خِفّا / فلمّا قام أثقله القيام
ووالَىِ بينها لُقماً ضِخاماً / فما مَرِئت له اللُقم الضخام
وعاجَل بلعَهنّ بغير مضغ / فهنّ بفيه وضع فالْتهام
فضاقّت بطنه ِشبعا وشالت / إلى أن كاد ينقطع الحزام
فأرسلت اللحاظ إليه شَزْراً / وقلت له روَيدك يا غلام
أرى اللقمات تأخذها حلالاً / فتدخل فاك وهي به حرام
قد انتضدت بجوفك مُفردات / تخلَّل بينها الداء العُقام
أتزدرد الطعام بغير مضغ / على أيام صحتك السلام
فلا تأكل طعامك بأزدراد / معاجلةً فيأكلَك الطعام
ألا أن الطعام دواء داء / به ابتُليَت من القِدم الأنام
فداوِ سَقام جُوعك عن كَفاف / فأكثار الدواء هو السَقام
وما أكل المطاعم لألتِذاذ / ولكن للحياة بها دوام
طعام الناس أعجب ما أحبّوا / فمنه حياتهم وبه الحِمام
يقودهم الزمان إلى المنايا / وما غير الطعام لهم ِزمام
وأعجب منه أن الناس راموا / تنَوُّعه ألا بئس المرام
إذا أستَعصى القَفار عليك أكلاً / كفاك من القَراح له أدام
حَذارِ حذار من جَشَع فإني / رأيت الناس أجْشعها اللئام
وأغبى العالمين فتىً أكول / لفِطنَتِه ببِطنَتِه انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري / لصمت فكان دَيدَنيَ الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم / تكاثر في فُطورهم الطعام
إذا رمضان جاءهم أعَدُّوا / مَطاعم ليس يُدركها انهضام
فإن وضح النهار طَوَوا ِجياعاً / وقد نهِموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تُجِعنا / فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا مُتْخَمين على امتلاء / وقد يتجَشّؤُون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض / ألا ما هكذا فُرض الصيام
لم أر بين الناس ذا مَظْلِمه
لم أر بين الناس ذا مَظْلِمه / أحقّ بالرحمة من مسلمه
منقوصة حتى بميراثها / محجوبة حتى عن المَكْرُمه
قد جعلوا الجهل صواناً لها / من كل ما يدعو إلى المَأثمه
والعلم أعلى رتبةً عندهم / من أن تلقّاه وأن تعلمه
ما تصنع المرأة محبوسة / في بيتها أن أصبحت معدِمه
ضاقت بها العيشة إذ دونها / سُدّت جميع الطُرُق المُعلَمَه
كم في ُبيوت القوم من حرّة / تبكي من البؤس بعينَيْ أمه
قد لَوَّحت نار الطَوى وجهها / وأعمل الفقر به ميسمه
عاب عليها قومها ِضلّةً / أن تكسِب القُوت وأن تَطْعَمَه
من أيّ وجه تبتغي رزقها / وطرقها بالجهل مستَبْهِمه
وكيف والقوم رأوا سعيها / في طلب الرزق من المَلأْمه
وكم فتاة فقدت بعلها / من بعد ما قد َولَدتْ تَوْءمه
فأنقطعت في العيش أسبابها / وأصبحت للبُؤس مستسلمه
تَبِيت لم تحمَد لفرط الجوى / لا قمر الليل ولا أنجمه
من حيث لا تملك من دهرها / ما جَلَّ أو َدقَّ ولو سِمْسِمه
جَفَّ على مُرضَعها ثَديُها / فأضطرّها ذلك أن تَفطِمه
فعاش عيش الأم لم يُوفِه / ملبَسَه الدهرُ ولا مطعمه
فشبّ منهوك القُوى مثلها / يشكو من الدهر الذي أيتمه
فهذه حالة ِنسواننا / وهي لعمري حالة ُمؤلمه
ما هكذا يا قوم ما هكذا / يأمرنا الأسلام في المسلمه
فهل بكم من راحم للنسا / فهنّ أولى الناس بالمرحمه
هي المنى كثغور الغِيد تبتسم
هي المنى كثغور الغِيد تبتسم / إذا تطرّبها الصمامة الخَذِم
دع الأمانيّ أو رُمهنّ من ظُبةٍ / فإنما هنّ من غير الظبي حُلُم
والمجدَ لا تَبنِه إلا على أسس / من الحديد وإلاّ فهو منهدم
لو لم يكن السيف ربّ المُلك حارسه / ما قام يسعى على رأس له القلم
مَن سلَهُ في دجى الآمال كان له / فجراً تحُلّ حُباها دونه الظُلَم
والعلم أضَيع من بذر بمُسبخة / إن لم تُجَلِّله من نَوْء الطبى دِيَم
إن الحقيقة قالت لي وقد صدقت / لا ينفع العلم إلاّ فوقه عَلَم
والحق لا يُجتَنى إلا بذي شُطَب / ماء المنيّة في غربَيْه منسجم
إن أسمعت ألسن الأقلام ظالمها / بعضَ الصرير كمن يبكي وينظلم
فللحسام صليل يرتمي شرراً / مفتِّقاً إذن مَن في إذنه صمم
هب اليراعة ردء السيف تأزره / فهل على الناس غير السيف محتكم
فالعلم ما قارنَتْه البيض مفخرةٌ / والحق ما وازرته السمر محترم
وإنما العيش للأقوى فمن ضَعُفت / أركانه فهو في الثاوين مُختَرم
والعجز كالجهل في الأزمان قاطبةً / داءٌ تموت به أو تُمسخ الأمم
والمجد يأثل حيث البأس يدعَمُه / حتى إذا زال زال المجد والكرم
وإن شَأو المعالي ليس يُدركه / عزم تسَّرب في أثنائه السَأم
آهاً فآهاً على ما كان من شرف / لليعربيّين قد ألوى به القِدم
أيام كانوا وشمل المجد مجتمع / والشعب ملتئم والملك منتظم
كانوا أجلّ الورى عزاً ومقدرة / إذا الخطوب بحبل البَغي تحتزم
وأربط الناس جأشاً في مواقفة / من شدّة الرعب فيها ترجُف اللمم
قوم إذا فاجأتهم غُمّة بدروا / وأوْفزتهم إلى تكشيفها الهمم
على الحصافة قد ليثت عمائهم / وبالحّزامة شُدّت منهم الحُزُم
قضَوْا أعاريب أقحاحاً وأعقبهم / خَلْف هم اليوم لا عُرب ولا عجم
جار الزمان عليهم في تقلُّبه / حتى تبدّلت الأخلاق والشيَم
دبّ التباغض في أحشاهم مَرَضاً / به انْبَرَت أعظم منهم وجَفَّ دم
فأصبح الذُل يمشي بين أظهرهم / مشي الأمير وهم من حوله خدم
فأكثر القوم من ذلّ ومَسكَنة / تلقى الذباب على آنافهم يَنِم
كم قد نَحت لهم في اللوم قافية / من الحفيظة بالتقريع تحتدم
وكم نصحت فما أسمعت من أحد / حتى لقد جفّ لي ريق وكلّ فم
يا راكباً متن منطاد يطير به / كما يطير إذا ما أفزع الرَخَم
يمرّ فوق جناح الريح مخترقاً / عرض الفضاء ويَعدو وهو مُعتزِم
حتى إذا حطّ منقضّاً على بلد / ينقضّ والبلد الأقصى له أمَم
أبلغ بني وطني عنّي مُغَلغَلةً / في طيّها كلم في طيّها ضَرَم
ما بالهم لم يُفيقوا من عَمايتهم / وقد تبلّج أصباح المنى لهم
إلى متي يَخفرون المجدَ ذمّتَه / أليس للمجد في أنسابهم رَحِم
ومَن يعِش وهو مِضْياع لفُرصته / ذاق الشقاءَ وأدمى كفّه الندم
وكل من يدّعي في المجد سابقةً / وعاش غير مجيد فهو متهم
هي النفوس وإن لم تَبلُغ الحُلُما
هي النفوس وإن لم تَبلُغ الحُلُما / مطبوعة إن لؤماً وإن كرما
تجري على ما اقتضاه الطبع جامحةً / ولن يُغيّر منها نصحك الشِيمَا
إن الحديد على ما القَين يطبَعه / عليه في الكُور إن سيفاً وإن جَلَما
قد كنت أحسَب أن اللؤم أجمعه / على الحسينَيْن في مصر قد انقسما
حتى بدت مُخزيات اللؤم مشركةً / من الحِجاز حسيناً ثالثاً بهما
لكنما ذاك قد أربَت جريمته / عليهما فهو أخزى جارم جرما
فذان قد أخجل الأهرامَ بَغيُهما / وبغي هذاك أبكى البيت والحرما
مَن مُبلغُنّ بني الإسلام مألُكةً / تبكي لها عين خير المرسلين دما
بأن مكة قد أمست معطَّلةً / فلا حجيج ولا للركن مستلما
هذا الذي منه تنشق السماء أسىً / والأرض ترتجّ حتى تقذف الحُمَما
فأنتِ يا قدرة الله التي عظُمت / خذي حسيناً بذنب منه قد عظُما
وأنت يا أرض مُجّي نحوه ضَرَما / ويا سماء عليه أمطري نِقَما
بغَى ففرّق شملاً كان مجتمعاً / للمسلمين وشعباً كان مُلتئما
قالوا الشريف ولو صحّت شرافته / لم يَنقُض العهد أو لم يخفرِ الذمما
وكيف وهو الذي بانت خيانته / فصرحت عن طباع تخجل الكرما
لم تكفه في مجال البَغي فتنته / حتى غداء بعدوّ الله معتَصِما
إذ راح بالانكليز اليوم ممتنعاً / فضاعف الشرّ فيما جرّ واجترما
فسوف يَحْتَزّ منه عُنقه جَزَعاً / ولا أقول سيُدمى كفّه ندما
وسوف يدركه الجيش الذي تركت / أيّامه الغُرّ وجه العزّ مبتسما
جيش ابن عثمان مولانا الخليفة من / أضحى به شمل هذا الملك منتظِما
هو الرشاد الذي يحمي خلافتنا / ويرشد العُرب والأتراك والعجما
قد أشرق العدل في أيامه فَمَحت / أنواره كل ظلم أنتج الظُلمَا
جيش إذا صال صال النصر يتبعه / كالريح إن شدّ أو كالموج إن هجما
إذا السماء عرَاها نَقع مَلحمةٍ / تراه أرفع من جَوْزائها همما
والأرض إن زلزلت يوماً بمعركة / تراه أثبت من أطوادها قَدَما
يرُدّ كل عزوم عن مواقفه / ولا يُرَدّ له عز إذا اعتزما
سل عنه طوسند إذ سُدّت مسالكه / فظلّ في الكوت يشكو بالطوى ألما
وسل هملتون إذ في الدردنيل غدا / يستعظم الهول حتى بات منهزما
هذا نجا هارباً والبحر أنجده / وذاك أسلم منه السيف منثلما
ففي العراق وثغر الدردنيل جرت / وقائع أكسبتنا العزّ والشمما
وسوف يذكرها التأريخ مُنبهراً / في وصفها يُتعِب القرطاس والقلما
وسوف تَبقى على الأيام خالدةً / حتى تعيش زماناً تهرم الهرما
مناقب كنجوم الليل مُشرقةً / تَهدي إلى المجد في أنوارها الأمما
قال قولاً به استحقّ احتراماً
قال قولاً به استحقّ احتراماً / وتهدّاه فاستحق ملاما
رجل قد تنكّب الحق قوساً / ومن البُطل ظلّ يرمي سِهاما
كان منه المقال نوراً فلما / حان الفَعال كان ظلاما
خاض حرب العِدى بمِقول حرّ / فاق فيها المهنّد الصمصاما
وبذا عرّف الورى أنّ قول ال / مرء في الحرب قد يَفوق الحُساما
إذ غدا ناطقاً بمرقد واشن / طون نطقاً شفى به الأسقاما
معرباً عن مباديء محكمات / ساميات تُحرّر الأقواما
قال حرية الأنام هي الغا / ية لي في الوغى فغَرَّ الأناما
فاشرَأبَ الورى إليه وظنَوا / أنهم سوف يَبلغون المراما
واطمأنّت له القلوب بفَوْز / يغتدي في فم الزمان ابتساما
شام منه الورى بوارقِ غَيم / من وراء البحر المحيط تَرامى
فتصدّى لغَيثه كل قوم / قد شكَوْا غُلّةً بهم وأُواما
ثم خابت ظنونهم فيه لَما / مرّ في الجوّ خُلَّباً وجَهاما
مَدَّ ولسون في السياسة حَبلاً / جمع النقض فيه والأبراما
فلبعض الأنام كان عِصاماً / ولبعض الأنام كان خِصاما
ملأ الدهر في فيومة فخراً / وبازمير أخجل الأيّاما
إن إزمير صيّرت ما لولسو / ن من الخر في فيومة ذاما
فهل الحق عنده في سوى الغَر / ب حقير أقلّ من أن يُحامى
أو هل الشرق وحده في الأقالي / م مباح أن يُستبى ويضاما
أو هل القوم عاهدوا الله في أن / لا يراعوا للمسلمين ذِماما
مالهم أرهقوا بني الشرق ظلماً / وعلى الترك أْشَلُوا الأرواما
فاستباحوا حريم إزمير مهباً / واستحلُّوا من الدماء حراما
حيث جاسوا خلالها بجنودٍ / ركِبت في عُتُوّها الآثاما
أيها المجلس الرباعيّ مهلاً / فلقد جُرت في الأمور احتكاما
أنت سكران خمرةِ النصر فاحذَر / حين تصحو ندامة ولِواما
لك عين ترى السها في الدياجي / وعن الشمس في الضحا تتعامى
أوَ لم تَدرِ أن للدهر عيناً / إن تَنَمْ عين أهله لن تناما
لا تكن تابعاً هوى النفس فيما / أنت فيه تقرّر الأحكاما
فهوى النفس قد يُضِلّ ذويه / فيَطيشون في الورى أحلاما
ويرون الجُسام أمراً صغيراً / ويرون الصغير أمراً جساما
لا يغُرَّنّك الزمان إذا ما / لك أبدى بشاشة وابتساما
كم أشال الزمان أعلام قوم / في الذُرا ثم نكّس الأعلاما
مثلما دار للفرنج على الجَرْ / مَن حرباً فأدركُوا الإنتقاما
أيها المسلمون لستم من الغَر / ب بحال تستَوْجِبون احترما
إنما أنتم لدى الغرب قومٌ / خُلِقُوا عن سوى الشرور نياما
فإذا ما وسِعتم الناس حلماً / عدّه الغرب شِرّةً وعُراما
وإذا ما ملأتم الأرض عَدلاً / عُدّ جَوراً أو مفخراً عدّ ذاما
وإذا ما فعلتم الخير يوماً / حسبوه جناية وإثاما
وإذا زَلَّةً لكم دَفَن الده / رُ أملّوا بنَبْشِها الأقلاما
وإذا ما افترى عليكم عدوّ / أيدوه وصدّقوا الأوهاما
وإذا ما جنى عليكم إناس / سكتوا عنهم ومرّوا كراما
كم بأرض البلقان منكم قتيِل / وأيامي مضاعة ويتامى
نثر الظالمون في الأرض منهم / جُثَثاً تملأ الفضاء وهاما
لو أتَينا تلك البلاد رأينا ال / يوم منهم جَماجماً وعظاما
ما نضا في الدفاع عنهم بنو الغر / بِ حساماً ولا أحاروا كلاما
إن تكن هذه السياسة عدلاً / فإلى الظلم نشتكي الآلاما
رحم الله أمةً أصبح الغر / بُ يرى كل ذنبها الإسلاما
يا قوم لا تتكّلموا
يا قوم لا تتكّلموا / إن الكلام محرَّم
ناموا ولا تستيقظوا / ما فاز إلاّ النُوَّم
وتأخّروا عن كل ما / يَقضي بأن تتقدّموا
ودَعُوا التفهُّم جانباً / فالخير أن لا تَفهموا
وتَثّبتُّوا في جهلكم / فالشرّ أن تتعلَموا
أما السياسة فاتركوا / أبداً وإلاّ تنموا
إن السياسة سرّها / لو تعلمون مُطلسَم
وإذا أفَضْتم في المباح من الحديث فجَمجموا /
والعَدلَ لا تتوسَّموا / والظلمَ لا تتجَّهموا
من شاء منكم أن يعيش اليوم وهو مُكرَّم /
فَليُمسِ لا سمعٌ ولا / بصر لديه ولا فم
لا يستحق كرامة / إلاّ الأصمّ الأبكم
ودَعُوا السعادة إنما / هي في الحياة توّهُم
فالعيش وهو منّعم / كالعيش وهو مذمَّم
فارضَوْا بحكم الدهر مهما كان فيه تحكُّم /
وإذا ظُلِمتم فاضحكوا / طرباً ولا تتظلّموا
وإذا أُهِنتم فاشكروا / وإذا لُطِمتم فابسِموا
إن قيل هذا شهدكم / مُرّ فقولوا علقم
أو قيل إن نهاركم / ليل فقولوا مُظلم
أو قيل إن ثِمادكم / سَيل فقولوا مُفعَم
أو قيل إن بلادكم / يا قوم سوف تُقسَّم
فتحمدوا وتشكّروا / وترنّحوا وترنّموا
لواعج الهمّ في جنبيّ تضطرم
لواعج الهمّ في جنبيّ تضطرم / والهم مِقداره من أهله الهمم
كم قد أذاقتني الأيام من حُرَق / من فوقها أسف من تحتها ألم
أكلما قلت شعراً قال سامعه / نارٌ تَفوه بها للناس أم كَلِم
ما بال شعرك مثلَ النار ملتهباً / يذكو على أنه كالماء منسجم
إنا لنعجب من شعر تؤجّجه / ناراً ولم يحترق في كفّك القلم
لا تعجبوا فالأسى في النفس ملتهب / والعزم مُتقِد والهم محتدم
استبرد النار من حَرّت عزائمه / واستصغر الخَطب من في نفسه عظم
وأن أصدق برق أنت شائمه
وأن أصدق برق أنت شائمه / برق تنسَّم عنه الصارم الخَذِم
واخصب الأرض أرض لا تَسحّ بها / إلا من النَقع في يوم الوغى دِيم
من كان يُكذبني أن الحياة مُنىً / فليس يكذبني إن الحياة دم
وإنه في كلا حالَيُه منبعها / يدور في الجسم أو في الأرض ينسجم
وإنه وهو فوق الأرض منتثِر / كمثله وهو تحت الجوف منتظم
إني أرى المجد في الأيام قاطبة / إلى عبيط دم المحَيا به قَرَم
فالمجد يَنبُت حيث العلم منتشِر / من حيث تعترك الأبطال والبُهم
والمجد أعطى الضُبى ميثاق معترف / أن ليس يضحك إلا حين تبتسم
فَلْيذهب اليأس عنّي خاسئاً أبداً / إني بحبل رجائي اليوم معتصم
وَلست ممَن إذا يسعى لحادثة / يسعى وأرجله بالخوف تصطدم
لا تسأمَنّ إذا حاولت منزلةً / فيها يرِفّ عليك المجد والكرم
فالعيش تستبشع الأذواق مطعمه / إذا تسرّب في أثنائه السأم
وكن صَليباً إذا عضتك حادثةٌ / تَعَضّ منك بعُود ليس ينعجم
إن الحِصال التي تسمو الحياة بها / عزم وحزم وإقدام ومقتحم
لا يكسب النفس ما ترجوه من شرف / إلا الإباء وإلا العز والشمم
لا يُؤسنَّك إن الحرّ محتقَر / عند اللئام وإن الوَغد محتَرَم
فالعقل يتهم الدهر المسيء بذا / وما يعيبك أن الدهر متهم
هذي ملامتكم يا قوم فاستمعوا / منها إلى كَلِم في طيها حِكَم
قد أنشد الشعر تعريضاً بسامعه / فهل وعى ما أردت السامع الفَهِم
أطربتهم بلحنها الأنغام
أطربتهم بلحنها الأنغام / حين أدمت قلوبنا الآلام
فأقاموا مجالس الإنس حتى / رقص العار بينهم والذام
أضحكوا أوجه السفاهة ضحكاً / قد بكت في خلاله الأحلام
إن في مصر للكريمة عُرساً / سوف تعنى بشرحه الأقلام
أوقدوا فيه للسرور سراجاً / عمّ من نوره البلاد ظلام
ذاك عرس تكشّر اللؤم فيه / عن نيوب كأنهنّ سهام
وتغنّت للقوم فيه قيان / أنكر العهد صوتها والذمام
فلعين الحليم فيه بكاء / ولثغر السفيه فيه ابتسام
أيها المولمون في مصر مهلاً / إن إيلامكم لنا إيلام
أتغنّيكم القيان بيوم / قام في مأتم به الإسلام
لبست هذه البلاد حِداداً / وتحلّت بوشيها الأهرام
وجرت أعين الفرات دموعاً / وجرى النيل ثغره بسّام
أشماتاً بالمسلمين وقد دا / رت عليهم بنحسها الأيام
إذ رمتهم يد الزمان بخطب / جلل ما لنقضه إبرام
فهوت في مصارع الحرب منهم / جثث تملأ الفضاء وهام
وتخلَّوا عن البلاد وأبقَوا / حرمات تدوسها الأقدام
يا بني مصر صغيةً لسؤال / فيه عتب لكم وفيه ملام
أتناط الفتوح في خنصر الك / فِّ ازدياناً إن قطّت الإبهام
أدماء القَتلى لديكم خضاب / أم أنين الجَرحى لكم أنغام
أم تريدون أن تكونوا كقوم / أسكرتهم بين القبور مدام
أم أصختم إلى الأغاريد كي لا / تسموا كيف تنحب الأيتام
لست أدري وقد سمعت بهذا / يقظة ما سمعته أم منام