المجموع : 10
جَمَعَ الشُّجُونَ وبَدَّدَ الأحْلاَمَا
جَمَعَ الشُّجُونَ وبَدَّدَ الأحْلاَمَا / خَطْبٌ أَنَاخَ بكَلْكَلٍ وأَقَامَا
أَخْلَى الكِنَانَةَ مِنْ أَمَرِّ سِهَامِها / عُوداً وَرَاع النِيلَ والأَهْرَاما
وعدَا عَلَى رَوْضِ الشَّبَابِ وظِلِّهِ / فَغَدَا بِه رَوْضُ الشَّبَابِ حُطَاما
غُصْنَان هَزهُمَا الصِّبَا فتَمَايلا / وسَقَاهُما الأَمَلُ الرَّوِيُّ جِمَاما
نَجْمان غالهُما الزَّمانُ فأصْبحَا / بَعْدَ التَّألُّقِ والسُّطُوعِ رُكَاما
نَسْران لو رَضِيَ القَضَاءُ لحلَّقا / دَهْراً على أُفُقِ الدِّيارِ وَحَاما
اِبْكِ الشَّبَاب الغَضَّ في رَيْعَانِه / وأَفِضْ عَليه مِنَ الدُّمُوعِ سِجَامَا
وانْثُرْ أَزَاهِيراً عَلَى الزَّهْرِ الَّذي / كانَتْ لَه كُلُّ القُلوبِ كِماما
وابْعَثْ أَنينَكَ للسَّحابِ شِكَايةً / فإلاَمَ تحْتَبِسْ الأَنِينَ إِلاَما
لَهْفِي عَلَى أَملٍ مَضَى في لَمْحةٍ / لوْ دَامَ في الدُّنْيا السُّرورُ لَدَاما
لمْ نَشْكُرِ الأيَّامَ عند بَريقِهِ / حَتَّى أَخذْنَا نَشْتَكِي الأيَّاما
لم تَلْمَحِ العَيْنُ الطَّمُوحُ شُعَاعَه / حَتَّى رَأَتْ ذَاكَ الشُّعاعَ ظَلامَا
حَجَّاجُ لاقيْتَ اليقينَ مكَافِحاً / بَطَلاً ويا شُهْدِي قَضَيْتَ هُمَامَا
رَكِبَا الهَوَاءَ وكلُّ نفْسٍ لَو دَرَتْ / غَرَضٌ تَنَازَعُهُ المنُونُ سِهَامَا
والمَوْتُ يَلْقَى الأُسْدَ في عِرِّيسِها / ويَغُولُ حَوْلَ كِنَاسِها الآرَاما
الدِّرْعُ تُصْبِحُ حينَ تَبْطِشُ كَفُّه / دِرْعاً ولاَ السَّيْفُ الْحُسَامُ حُسَاما
رَكِبَا جَمُوحَ الْجَوِّ يَلْوِي رَأْسَه / كِبْراً ويَأْنَفُ أَنْ يُنيلَ زِمَامَا
في عَاصِفَاتٍ لم تُزَعْزِعْ مِنْهُما / عزْماً كَحَدِّ السَّيْفِ أَوْ إِقْدَاما
والْجَوُّ أَكْلَفُ والسَّماءُ مَرِيضَةٌ / واللَّيْلُ دَاجٍ والْخُطُوبُ تَرَامَى
والموْتُ يَخْفِقُ في جَنَاحَيْ جَارِحٍ / مَلأَ الفَضَاءَ شَرَاسَةً وعُرَاما
بسَمَا إِلى الْخطْب العَبُوسِ وإنّما / يَلْقَى الكميُّ قَضَاءَه بَسّاما
لَهْفِي عَلَى البَطَلين غالَهُمَا الرَّدَى / لَمْ يَمْلِكا دَفْعاً ولاَ إِحْجَاما
المَوْتُ تَحْتَهما يَصُولُ مُخاتِلاً / والمَوتُ فَوقَهما يَحُومُ زُؤَاما
ثَبَتَا لِحُكْمِ اللّه جَلَّ جَلاَلهُ / والْخطْبُ يَلْقَاه الكِرَامُ كِرَاما
والسَّيْفُ أَكْثَرُ ما يُلاقِي حَتْفَه / يومَ الكَرِيهةِ صَارِماً صَمْصَاما
قد يُنْسىءُ المَوتُ النِّمالَ بِجُحْرِها / ويَغُولُ في آجَامِه الضِّرْغَاما
يا هَوْلَها من لَحْظةٍ لا نَارُها / بَرْدٌ ولاَ كانَ اللَّهيبُ سَلاَما
هَلْ أَخْطَرا فِيها عَلَى بَالَيْهما / النيلَ والآباءَ والأَعْمَاما
والمَوْطِنَ الصَّدْيَانَ يَرْقُبُ عَوْدةً / وَيْلاَه قَدْ عادَا إِليه رِمَاما
أَتَقَاسَما فيها الوَدَاعَ بلَفْظَةٍ / أَمْ لَمْ تدَعْ لَهُمَا المَنُونُ كلاَما
هل فَكَّرا في الأُمِّ تندُب حَظَّها / والزَّوْجِ تُسْكِتُ وَالهِينَ يَتَامَى
إنّ السَّلامَةَ قد تَكُونُ مَذَلَّةً / ويَكُونُ إقْدامُ الجريءِ حِمَاما
والمرءُ يَلْقَى باختيارِ كِلَيْهِما / حَمْداً يُحلِّقُ بِاسْمِه أَوْ ذَاما
والمَجْدُ يَعْتَدُّ الْحَيَاةَ قَصِيرةً / ويَرَى فَناءَ الْخَالِدِين دَوَاما
هاتِ من وحي السماء الكلِما
هاتِ من وحي السماء الكلِما / واجعلِ الأيامَ والدنيا فمَا
وابْعثِ الشِّعْرَ جنَاحَيْ طائرٍ / كلّما شارفَ أُفْقاً دَوّما
أيُّ يَوْمٍ سعِدَتْ مِصْرُ به / كان في طيِّ الأماني حُلُمَا
مولدُ الفاروقِ يَوْمٌ بلغَتْ / رايةُ الإسلام فيه القِممَا
طافت الأملاكُ تَرْقي مهدَه / وتُناجي ربَّها أن يَسلَمَا
فرأتْ لما رأتْه ملَكاً / نورُه من نورِ سُكّانِ السَّما
يُطبِقُ الغَيمُ لدَى عَبْستِه / ثمّ يَنجابُ إذا ما ابتسمَا
ورأت في ابن فؤَادٍ ناشئاً / يملأ الدنيا ويُحيي أممَا
وكريماً بشَّرَ استهلالُه / أنَّ في فيه الهدى والْحِكمَا
وجَبيناً علويّاً مُشْرِقاً / يبهَرُ العينَ ويمحو الظُّلمَا
كتب اللّه عليه أسْطُراً / تَقْرأ النُبْلَ بها والشّمَمَا
وَيداً إنْ سكنت في يومِها / هزّت السيف غداً والقلمَا
يتمنى الغيْثُ لو ساجلها / أو تلقّى عن نداها الكرمَا
زُهِيَ المهدُ فَمَنْ أنبأه / أنه يحوي العُلا والهِممَا
وشدا الكونُ لدى مَوْلده / أينما سرت سمعْتَ النَّغَمَا
وتنادت بُشْرَياتٌ باسمه / صُدّحاً في كلِّ أفق حُوّمَا
ومضت أصداؤها هاتفةً / أنجبت مصرُ فتاها المعلَمَا
ومشَى الدهرُ إلى ساحتهِ / رأسُه كاد يُداني القدَمَا
والّليالي خاشعاتٌ حولَهُ / يترقبن رضاه خَدَما
وُلِدَ السعدُ على أبوابِه / ونَما في ظلِّه لمَّا نمَا
فأتى التاريخُ في أبطالِه / يلمحون العَبْقَرِيَّ المُلهَمَا
وبدا العرشُ وقد حلَّ به / يَفْرَعُ الشمسَ ويعلو الأنجمَا
ما رأى بعَد سليمانَ له / مُشبهاً في عدلهِ إنْ حَكمَا
زانه الفاروقُ من خَيْرِ أبٍ / فدعِ المأمونَ والمعتصِمَا
حينَ عزَّ الدينُ والملكُ به / هَنَّأَ المِنْبرُ فيه العَلَمَا
لا ترىَ العينُ به إلاَّ عُلاً / كلّما تسمو له العَيْنُ سَمَا
أين شعري وفُنوني مِنْ مدىً / لو مضَى حَسّانُ فيه أُفحِمَا
أنا من فَيْضِ له مُتّصِلٍ / أنعُمٌ تمضِي فألقَى أنعُمَا
ليس بِدعاً أنْ زَهَا شعري به / يزدهي الروضُ إذا الغَيْثُ همَا
كفَاكَ حَسْبُكَ هذا أغْمِدِ القَلما
كفَاكَ حَسْبُكَ هذا أغْمِدِ القَلما / أصبحتَ في الكاتبين المُفردَ العَلَمَا
ملأتَ للشرْبِ كاساتٍ مُشَعْشَعَةً / ماذا عليكَ إذا سَمَيتها كَلِما
أهديتها من عصيرِ الفكرِ صافيةً / فما أثِمْتَ ولا شرَابُها أثِما
تفُلُّ من موطِن الأسرارِ سَوْرته / وتوقظٌ الدينَ والآدابَ والكَرما
نراك فينا غلاماً في غضارتِه / وفي كتابك شيخاً ينثُرُ الْحِكما
بدا الخيالُ به في زِيَ ذي شَبَحٍ / فكاد يلمِسُهُ قرَاؤه وهَما
مالت له أُذُني من بعد جَفْوتِها / وكم حديثٍ تمنَّتْ عنده الصَمَمَا
أبدعتَ فيه فآلَى كلُّ ذي قلمٍ / من المجيدينَ أَلاَ يحمِلَ القَلما
وسُقتَ فيه حكيمَ الرأيِ منتَخَلاً / وصُغْتَ فيه كَريمَ اللَفْظِ ملتئِما
ورُعْتَ كلَّ فتاةِ في قِلادتِها / بِدُرِّ لفظِكَ منثُوراً ومُنتظِما
كأنَما لفظُه ألحانُ ساجعةٍ / بدائعُ الكونِ فيها صُوِّرتْ نَغَما
أو روضُ حَزْنٍ أعار المِسْكَ نفحتَه / إذا بكَى الغَيثُ في أنحائِه ابتسما
أقسمتُ أنَكَ في الكُتَاب سيَدهُم / لا يرهَبُ الحِنْثَ من لَمْ يُخْطىء القسَما
ملكتْ مصرُ زِمامَ العالمين بالعلومْ
ملكتْ مصرُ زِمامَ العالمين بالعلومْ / في حديثٍ للمعالي وقديمْ
ذكرُها حلَقَ بين الأولين للنجوم / ووعاهُ الدهرُ والدهرُ فطيمْ
كوكَبٌ في الظلماتِ روضةٌ وسطَ فلاةِ / رمزُ عزمٍ وحياةِ
مصرُ أنتِ مُذْ نشأتِ / صفحة المجدِ سجلُ الخالدينْ
نحنُ حرَّاسٌ على الكنزِ المصونْ العقُولْ / كَنْزُ مصر ومُنى المستقبلِ
نحنُ للأخلاق في مصرَ حصُونْ لاتزُولْ / عِزَةُ الشعبِ بعز المعْقِل
كم غَرسْنا من نبات عبقريُ النفحاتِ / مُورقٌ داني الجناة
كم جهِدْنا كم سهِدْنا / نهدمُ الجهل ونبني الناشئينْ
تلك في الأرضِ حياة الأنبياء والهُداةْ / شَرَفٌ أعظِمْ به من شَرَفِ
نحنُ للأرواحِ إن عزَّ الدَوَاْ الأساة / كم وقينا مهجةً من تلفِ
وَألَنَا مِنْ قَناةِ في اعتزامٍ وأناةِ / بالخلال الطيَباتِ
كَمْ بلغْنا ما أَردْنَا / من صلاح النفسِ في رفقٍ ولينْ
نرقبُ اللَه ونرجُوهُ الثوابْ في العَمَلْ / وعُلا مصر المنالُ الأوحدُ
ما لنا إلاَ نهُوضٌ بالشبابْ مِنْ أَمَلْ / قَوَةُ الأوطانِ عقلُ ويدُ
حسبنا من حسناتِ أننا في النَهَضَاتِ / أهلُ جدٍ وثباتِ
الكفاحْ والفَلاحْ / شيمةُ الحُرِّ ودأبُ العاملينْ
كم صنَعْنَا مِنْ عقُولٍ ورجَالْ للَوطنْ / عُرِفُوا بالنبلِ فيمن عُرِفَا
ليس فيهم من دعَا الحقُ فَمالْ أَوْ وَهَنْ / هو مصريٌّ صميمٌ وكفَى
هُوَ من نسلِ الكُماةِ الأماجيدِ السُراةِ / من أَتَوْا بالمعْجزاتِ
من يُباهي من يُضاهِي / ما لمصرٍ في مدَى المجدِ قرينْ
منشىءُ الأجيالِ أستاذُ الشعوبْ والأُمَمْ / قَلَما يبلغ في الدُنيا مُنَاهْ
شعلةٌ تعلو وتخبُو وتذُوبْ في الضِرَمْ / لتقودَ النشىءَ في ليلِ الحياةْ
يا لهَا من صفحاتْ طاهراتٍ ناصعاتْ / مُلئت بالصالحاتْ
كلُّ خَطْبٍ كُلَ صَعْبٍ / هَيَنٍ إنْ صَحَّ عَزْمُ الصابرينْ
عاشَ فاروقٌ أماناً وَرَجاءْ عَاشَ عَاشْ / رافعُ العَلَمِ ومُحيي الأملِ
بلغَتْ مصرُ به أوْجَ السَماءْ عَاشَ عاشْ / وغَدَتْ سيَدة في الدُوَلِ
عاشَ ربُ المكرماتْ والأيادي السابغاتْ / يُفتدى بالمهجاتْ
المليك المليك / حُبُّه ملء قلوب المخلصينْ
بَدَتْ أعلامُها فهفا وهامَا
بَدَتْ أعلامُها فهفا وهامَا / سلاماً دُرَّةَ الوادي سلاَمَا
بعثْنَا بالتحيَةِ خَفْق قلبٍ / يطيرُ إليكِ شوْقاً واضطراما
تحياتٌ إذا رفَّتْ أثارتْ / أريجَ المسكِ أو ريحَ الْخُزامى
نظمْنَا لؤلؤَ الفِرْدَوسِ فيها / وسمَيناه تضليلاً كلاما
عروسَ الشرقِ دونكِ كُلُّ مَهْرٍ / وأين لمِثل مهرِك أنْ يُساما
فجوهرُ ثغرِكِ الفتَانِ فَرْدٌ / تأبَّى أَنْ يرىَ فيه انقساما
بَهرْتِ بني الزمانِ حُلىً وحُسناً / ودلَّهتِ الأواخرَ والقدامَىَ
فمكُسكِ مُشْرِقُ البسماتِ ضاحٍ / ورملُكِ جنَةٌ طابت مُقامَا
ترامَى المْوجُ فوق ثَراه صَبَاً / وكم صَبٍّ تمنى لو تَرامى
ونزهتكِ البديعةُ ما أحيلى / وما أبهَى اتَساقاً وانسجاما
إذا انتثرتْ أزاهرُها نِثارا / جمعن الحسنَ فانتظم انتظاما
جرى التاريخُ بين يَدَيْكِ طفلاً / وشمس الأفقِ لم تَعْدُ الفِطاما
وصال البحرُ حولكِ منذُ مينا / عظيماً يدفَعُ الكُرَبَ العِظاما
يحوطُ حماكِ أبيضَ أَحْوَذيَاً / كما جرَدتِ من غمدٍ حُساما
فكم غازٍ به أمسى رميماً / وكم فُلْكٍ به أمست حُطَامَا
يمدُّ يَدَيه نحوكِ في حنانٍ / ويغمرُكِ اعتناقاً واستلاما
ويشدو في مسامعكِ الأغاني / بلحنٍ علَّم السجعَ الحَماما
بعثتِ النورَ من زمنٍ تولَّى / وكنتِ لنهضةِ العِلْمِ الدِعاما
وفي فجرِ الزمانِ طلعتِ فجراً / على الدنيا فأيقظتِ النِياما
دهتك نوازلٌ لو زُرْنَ رَضْوَى / لما أبقَيْنَ رَضْوَى أو شمامَا
فكم بعثوا عَلَى ظَمأٍ غَماماً / لئيمَ البرقِ قد حَجب الغماما
أبابيلاً نشأنَ مُلَعَّناتٍ / تسوقُ أمامها الموتَ الزُؤاما
وأسراب الجحيمِ مُحلِّقاتٍ / إذا ما حوَمتْ قذفتْ ضِرامَا
فلا أمَاً تركن ولا رضيعاً / ولا شيخاً رحِمْن ولا غلاما
وخلفَكِ رابضاً جيشٌ لُهامٌ / يصولُ مُناجزاً جيشاً لُهَاما
إلى العلمين أبدَى ناجذَيْه / وزمجَرَ غاضباً وسطا وحاما
وهوَّل ما يهوِّلُ واستطارت / بُروقٌ تنشُرُ النبأَ الجُسَاما
فما أطلقتِ صيحةَ مُستجيرٍ / ولا شرَدْتِ عن عينٍ مناما
تحدَيتِ الخطوبَ تزيدُ هَوْلاً / فتزدادين صبراً واعتِزاما
إذا عصفتْ بجْوِّكِ عابساتٍ / ملأتِ الجوَّ هُزْءاً وابتساما
عمودُكِ في سمائِكِ مُشْمخرٌّ / عليه السحْبُ ترتطمُ ارتطَامَا
وحصنُكِ لا يلينُ له حديدُ / ولو شُهُبُ الدُجَى كانت سهاما
وصخرُكِ لا يزال اليومَ صخراً / يفُلُّ عزائماً ويشقُّ هَاما
أتَوْكِ مُناجزين أسودَ غابٍ / وشالوا بعد نكبتهم نَعاما
ومن يكن الإلهُ له نصيراً / فحاشا أن يُضَيَعَ أو يُضاما
أحقاً أنَ ليلكِ صار ليلاً / وَمغْنَى اللهوِ قد أمسى ظلاما
وأنَ حِدادَ ليلِكِ طرَزتْه / دُموعٌ للثواكِل واليتامى
وأنَ ملاعباً ضحِكَتْ زماناً / غدت بيد البِلَى طلَلاً رُكَاما
وأنَ الغيدَ فيكِ وكنَ زَهْراً / تحَيرن الْخُدورَ لها كِمَامَا
وأنَ البحرَ لم ينعَمْ بوجهٍ / صَباحيٍّ ولم يهصِرْ قَواما
ولم تَمشِ السواحرُ فيه صُبْحاً / ولم تملأ شواطئَه غراما
حَناناً إنها شِيَمُ الليَالي / إذا كشَفْن عن غَدْرٍ لِثاما
ولولا صَوْلةُ الأحداثِ فينا / لما عرَف الورَى حمداً وذاما
وقد يُخفي الهلالَ مِحاق ليْلٍ / ليظهرَ بعده بدراً تمامَا
أبنتَ البحرِ والذكرَى شُجونٌ / إذا لمستْ فؤاداً مُستهاما
ذكرتُ صِبايَ فيكِ وأين منَي / صباي إلامَ أنشُدُه إلاما
فعذراً إن وصلتُكِ بعد هجرٍ / وما هَجَر الذي حفِظ الذِمَامَا
فهل تَدْرِي النوَى أنَا التقيْنا / كما ضمَ الهوى قُبلاً تُؤَاما
وأنَا بين عَتْبٍ واشتياقٍ / نناغي الحبَ رشْفاً والتزاما
سعَى لكِ من حُماةِ الطبِ حَشْدٌ / فكنتِ كريمةً لاقتْ كِراما
إذا اختلفوا لوجهِ الحقِّ يوماً / مشَوْا للحقِ فالتأموا التئاما
ملائكةٌ إذا لَمَسوا عليلاً / أزاحا الداءَ واستلُّوا السَقَاما
وجندٌ في شجاعتِهم حياةٌ / إذا جلَب الجنودُ بها الحِماما
فكم أودَى بهم داءٌ عُقامٌ / إذا ما حاربوا داءً عُقاما
أمَاماً يا رجالَ الطبِّ سيروا / فإنَ لكلِّ مَرْحَلةٍ أمامَا
أقمتم مِهْرجانَ الطبِّ يحُيي / مَعالمَ دَرْسِه عاماً فعاما
وطفتم حوْلَ شيخٍ عبقريٍّ / فألقيتم بكفْيِّهِ الزِماما
دعوناه أبا حسنٍ عليَاً / فقلتم نحن ندعوه الإماما
وفودَ العُربِ غنَاكم قريضي / وحنَ إلى معاهدكم وهاما
رمَى الشرقُ الغمامةَ بعد لأيٍ / وألقى تحت رجْلَيْه الخِطاما
عقدنا للعرُوبةِ فيه عهداً / فلا وَهْناً نخافُ ولا انفصاما
تَلُمُّ شتاتَنا أَنَّى نزلنا / حِجازاً أو عِراقاً أو شَآما
ونمشي إن دعتْ صَفَاً فصفَاً / نصافحُ تحتَ رايتِها الوِئاما
عَاج الْخَيالُ فلم يَبُلَّ أُوَامَا
عَاج الْخَيالُ فلم يَبُلَّ أُوَامَا / ومَضَى وخَلَّفَ في الضلُوعِ ضِرامَا
مالي ولِلْكَحْلاءِ هِجْتُ عُيُونَها / فَمَلأْنَ قَلْبِي أَنْصُلاً وسِهاما
يا قَلْبُ وَيْحَك ما سَمِعْتَ لناصِحٍ / لَمَّا ارْتَميْتَ ولا اتَّقيْتَ مَلاما
لَعِبَتْ بِكَ الْحَسْناءُ تَدْنُو ساعةً / فَتُثِيرُ ما بِكَ ثُمَّ تَهْجُرُ عَاما
والْحُبُّ ما لَمْ تَكْتَنِفْهُ شَمائِلٌ / غُرَ يَعُودُ مَعَرَّةً وَأَثاما
والْحُبُّ أَحْلاَمُ الشَّبابِ هَنِيئةً / ما أطْيَبَ الأَيَّامَ والأَحْلاَما
والْحُبُّ نازِعَةُ الْكَرِيمِ تَهُزُّهُ / فَيَصُولُ سَيْفاً أَو يَسِيلُ غَماما
والْحُبُّ مَلْهَاةُ الْحَياةِ وَطِبُّهَا / وَلَقَدْ تكُونُ بِهِ الْحَياةُ سَقامَا
والْحُبُّ نِيرَانُ الْمَجُوسِ لَهِيبُهَا / يُحْيِي النفُوسَ ويَقْتُلُ الأَجْساما
والْحُبُّ شِعْرُ النَّفْسِ إنْ هَتَفَتْ بِهِ / سَكَتَ الْوُجُودُ وَأَطَرَقَ استْعظَاما
وَالْحُبُّ مِنْ سِرِّ السَّماءِ فَسمِّهِ / وَحيْاً إِذَا ما شِئْتَ أو إِلْهَامَا
لَوْلاَهُ ما أَضْحَى وَلِيدُ زَبيبَةٍ / يَوْمَ التَّفَاخُرِ سَيِّداً مِقْداما
وَلَمَا رَمَى في الْجَحْلَلَيْنِ بِصَدْرِهِ / لاَ يَتَّقِي رُمْحاً ولا صَمْصَاما
الْحُبُّ أَلْبَسَهُ الْمُرُوءَةَ يافِعاً / وَأَعَدَّهُ لِلْمَكْرُماتِ غُلاما
يا شَدَّ ما فَعَلَ الْغَرَامُ بِمُهْجَةٍ / ذابَتْ أَسىً وَصَبابَةً وَهُيَاما
كَانَتْ صَؤُولاً لا تُنِيلَ خِطامَها / فَغَدتْ أَذَلَّ السَائِماتِ خِطَاما
سَكنَتْ إِلَى حُلْوِ الْغَرَام وَمُرِّهِ / ورَعَتْ عُهُوداً لِلْهَوَى وذِمَاما
وَطَوَتْ أحَادِيثَ الْجَوَى فَطَوَتْ بِها / دَاءً يَدُكُّ الرَاسِيَاتِ عُقَامَا
نَالَ الضَّنَى مِنْها الَّذِي قَدْ نَالَهُ / فَعَلامَ رَوَّعَها الصُدُودُ عَلاما
يا زَهْرَةً نَمَّ النَسِيمُ بِعَرْفِهَا / وَجَرَى بِها ماءُ النَّعِيمِ جِمَاما
يا جنَّةً لَوْ كانَ يَنْفَعُ عِنْدَهَا / نُسْكٌ لَبِتْنَا سُجَّداً وقِيَاما
يا طَلْعَةَ الروْضِ النضِيرِ تَحِيَّةً / ومُجَاجَةَ المِسْكِ الذكيِّ سَلاَما
أرشيدُ لا جُرْحٌ ولا إيلامُ
أرشيدُ لا جُرْحٌ ولا إيلامُ / عاد الزمانُ وصحّتِ الأحلامُ
وتمثّلتْ فيكِ الحياةُ فَتِيّةً / من بعدِ ما عبثَتْ بكِ الأيام
يا زينةً بيْنَ الثغورِ وفتنةً / سحرَ الممالكَ ثغرُكِ البسّام
يا وردةً بين الرمالِ نضيرةً / تُزْهَى بها الأغصانُ والأكمام
يا درّةَ البحرِ التي بوميضها / ضحِكَ الصباحُ وأشرق الإظلام
يا دَوْحةً نَبت القريضُ بأرضِها / فأصولُها وفروعُها إلهام
يا روضةً فتن العيونَ جمالُها / وتحدّثت بأريجِها الأنسامُ
يا همسةَ الأملِ الوسيمِ رُواؤه / لو كان للأملِ الوسيم كلام
يا صحوةَ المجدِ القديمِ تحدَّثي / طال الزمانُ بنا ونحن نيام
يا طلعةً للحسنِ شاع ضياؤها / وانجاب عنها البحرُ وهو لِثامُ
أرشيدُ يا بلدي ويا ملهَى الصبا / بيني وبين مَدَى الصبا أعوام
أيامَ لي في كلِّ سَرْحٍ نَغْمَةٌ / وبكلِّ ركنٍ وقفةٌ ولِمام
أيام لا أمسِي يجُرُّ وراءه / أسفاً ولا يومي عليّ جَهام
ألهو كما تلهو الطيورُ حديثها / شدْوٌ وَرَفُّ جَناحِها أنغام
متنقِّلاتٍ بين أزهارِ الرُّبا / الجوُّ مَتْنٌ والنسيمُ زِمامُ
ومطالبي لم تَعْدُ مدَّةَ ساعدي / بُعْداً فما استعصَى عليّ مرام
لهوُ الطفولة خيرُ أيامِ الفتَى / إنّ الحياةَ وكَدَحَها أوهام
أرشيدُ فيكِ لُبانتي وصَبابتي / والصِّهْرُ والأخوالُ والأعمام
لمستْ حنو الحبِّ فيكِ تمائِمي / ورأيتُ فيكِ الدهرَ وهو غلام
ونشأتُ في ظلِّ النخيل يَهُزُّني / شوقٌ إلى أفيائِها وغرام
أرختْ شعوراً للنسيمِ كأنّما / أظلالُها تحت الغَمامِ غمام
تهفو ويمنعها الحياءُ فتنثني / كالغيدِ روّعَ سِرْبَها اللُّوام
إنا كبِرْنا يا نخيلُ وحبُّنا / بين الجوانحِ شُعْلةٌ وضِرامُ
كم طوَّقَتْ منكِ القُدودَ سواعدي / ولكم شفاني من جَناكِ طعام
ولكم هززتِ فتاكِ حين حملتهِ / كالأمِّ تُلْهي الطفلَ حين ينام
إن يُقْصِني عنكِ الزمانُ وأهْلهُ / فالْحُبُّ عهدٌ بيننا وذِمام
مِيسي كأيامِ الطفولةِ وارْفُلي / فالجوُّ صَفْوٌ والنعيمُ جِمام
غنَّى لك القلمُ الذي أرهفتهِ / أرأيتِ كيف تغرِّدُ الأقلام
هذا وليدُك جاء يُنشد شعرَه / ما كلُّ ما تحوي الخيوطُ نِظام
أصغَى له الوادي وغنّتْ باسمه / بغدادُ واهتزَّت إليهِ الشام
إن قال مال له الوجودُ برأسهِ / ورنَت له الأسماعُ والأفهامُ
ملك العَصي من القريضِ بسحره / طَوْعاً فما استعصَى عليه خِطام
أرشيدُ هل في أن يبوحَ أخو الهوى / حَرَجٌ وهل في أن يَحِنَّ ملام
يا مَرْتعَ الآرامِ رَنحها الصِّبا / كيف المراتعُ فيكِ والآرام
من كلِّ لفَّاء المعاطفِ طَفلْةٍ / جِيدٌ كما يهَوى الهوَى وقَوام
سترت ملاحتَها المُلاءَةُ مثلما / ستر الغمامُ البدرَ وهو تمامُ
يدنو الجمالُ بها فيحجبها التُقَى / كَظباءِ مكةَ صيدُهنّ حرَام
فإذا نظرتَ فخذْ لنفسِك حِذْرها / إنّ العيونَ كما علمتَ سهام
أرشيدُ مجدُكِ في القديمِ صحيفةٌ / بيضاءُ لا لبْسٌ ولا إبهَامُ
ملأتْ مآذِنكِ السماءَ شوامخاً / بين السحابِ كأنّها أعلام
كم شاهدتْ قوماً زهتْ أيامُهم / حيناً وجاءت بعدَهم أقوام
سبحانَ من لا مجدَ إلاّ مجدُه / نَفْنَي وَيبقَى الواحدُ العلاَّم
خذْ من زمانِكَ ما استطعْت فما لما / أخذتْ يداكَ من الزمان دوام
وارضَ الحياةَ نعيمَها أو بؤسَها / نُعْمى الحياةِ وبؤسُها أقسام
أرشيدُ لم نسمَعْ لصدرِك أَنّةً / للنّازلاتِ الدُّهْمِ وهي جِسام
أجملتِ صبراً للحواديثِ فانثنت / إنّ الكرامَ على الخطوبِ كِرام
اليومَ جدّدْتِ الشبابَ فأَقْدِمي / معنى الشبابِ العزمُ والإقدامُ
سعت الوفودُ إلى مصيفِك سبّقاً / يتلو الزحامَ إلى سناه زحام
النيلُ والبحرُ الْخِضَمُّ يحوطُه / والباسقاتُ على الطريق قيام
والتوتُ والصَّفْصافُ يهتفُ طيرُه / فتردِّدُ الكُثْبانُ والآكامُ
والزهرُ في جِيدِ الرياضِ قلائدٌ / والنهرُ في خَصْرِ الرياضِ حِزام
والموجُ كالخيلِ الجوامحِ أُطْلِقت / وانحلّ عنها مِقْوَدٌ ولجام
تجري السفائنُ فوقَه وكأنّها / والريحُ تدفع بالشراعِ حمام
ومناظرٌ يَعْيا القريضُ بوصفِها / ويضِلُّ في ألوانها الرّسام
والناسُ بين ممازحٍ ومداعبٍ / والأنسُ حتمٌ والسرورُ لِزَامُ
من شاء في ظلِّ السعادةِ ضَجْعَةً / فهنا تُشادُ صُرُوحُها وتُقام
أو رام نِسْيانَ الهموم فها هنا / تُنْسَى الهمومُ وتذهَبُ الآلام
رأيتُها في سربها
رأيتُها في سربها / كالبدرِ بين أنْجُمِ
جاءت فقبلتْ يدي / بثغرها الُمنَظَّم
فليتَ كفِّي خدُّها / وليتَ ثَغْرَها فمي
ذُؤابةُ مجدٍ ما أجلَّ وما أسْمَى
ذُؤابةُ مجدٍ ما أجلَّ وما أسْمَى / ووثْبَةُ شَأْوٍ كاد يستبقُ النجمَا
وماذا يقولُ الشعْرُ والوهْمُ جُهْدُه / وقَدْرُ عَليٍّ يبَهرُ الشعْرَ والوَهْما
وأنّى يمدُّ ابنُ القوافي جَناحَهُ / إلى رقمةٍ شمَّاءَ أعجزتِ العُصْما
يضيقُ البيانُ العبقريُّ مَهابةً / إذا لمح الآثارَ والحسَبَ الضخْما
يَهُمُّ فيعروه القُصورُ فينثني / وقد كان يقتادُ النجومَ إذا هَمّا
ومَنْ رامَ تصويرَ الملائِكِ جاهداً / فكيف له أنْ يُحكِمَ النقشَ والرسمْا
رُوَيْدَكَ قلْ يا شعرُ ما تستطيعُهُ / وغرِّدْ بما لا تستطيعُ له كَتْمَا
إذا اليَمُّ أعيا أن تُلِمَّ بِحَدِّهِ / فيكفيك عند الشَّطِّ أن تصفَ اليَمَّا
ويكفيك أنْ تدعو أبا الطبِّ باسمِهِ / فإنَّ العُلا صارتْ له لَقَباً واسما
فقلْ وانثُرِ الأزهارَ فوق مناقبٍ / تماثلُها حُسناً وتشبهُها شَمّا
وخُذْ من فَم الدنيا الثناءَ فطالما / أشادتْ به نثراً وغنّتْ به نظما
وحدِّث به الآفاقَ إنْ شئتَ إنَّها / وقد عَرَفَتْهُ لن تزيدَ به عِلمْا
دعوني أوفِّي بالقريضِ ديُونَه / فقد عاد غُرْماً ما توهمتُه غُنْما
سَمَوْتُ إليه والظلامُ يلُفُّني / فيملؤُني رُعْباً وأمْلؤُه هَمَّا
أسيرُ وفي قلبي من الحزنِ لوعةٌ / تكادُ تُذيبُ الصُّمِّ لو مسَّتِ الصُّمَّا
تركتُ ببيتي جُنَّةً آدميّةً / كأنَّ هلالَ الشكِّ كان لها جسما
شكتْ سُقْمَها حتى بكاها وِسادُها / وكاد عليها يشتكي السُّهْدَ والسُّقُما
يمزِّقها الموتُ العنيفُ صِراعُهُ / بأظفاره حُمْراً وأنيابِه سُحما
ففي البطن قَرْحٌ لا يكُفُّ لهيبُه / وفي الرأس نارٌ لا تبوخُ من الْحُمَّى
إذا قلبَتْها العائداتُ حَسِبْنها / خَيالاً فلا عَظْماً يَرَيْنَ ولا لحما
وقد وقف الطبُّ الحديثُ حِيالَها / عَيِيّاً يكادُ العجزُ يقتُله غمّا
وغادرها جَمْعُ الأساةِ كأنّهم / طيورٌ رمَى الرامي بدَوْحَتِها سَهْما
فلم يبقَ إلاَّ اليأسُ واليأسُ قاتلٌ / وأقتلُ منه نِيَّةٌ لم تجِدْ عَزْمَا
فقلتُ عليٌّ ليس للأمرِ غيرُه / إذا ما أدار الدهرُ صفحتَه جَهْما
أبو الحسنِ الْجَرّاحُ فخرُ بلادِهِ / وأكرمُ مَنْ يُرْجَى وأشرفُ من يُسْمَى
فَزُرْ داره يلقاكَ قبل ندائِه / فَثَمَّ الذي ترجوه من أملٍ ثَمّا
فما سرتُ نحو البابِ حتى رأيتُه / تقدَّمَ بسَّامَ الأساريرِ مهتمّا
وقد فهِمَتني عينُه وفهمْتُه / وكان بحمدِ اللّهِ أسرَعَنا فهما
وجاء وجِبْريلُ الأمينُ أمامَهُ / يَمُدُّ جَناحاً من حَنانٍ ومن رُحْمَى
وجسَّ مكانَ الداءِ أَوَّلَ نَظرةٍ / كأنَّ له عِلْماً بموضِعه قِدْما
فما هو إلاّ مِبْضَعٌ في يمينِه / أطاح بناب الموتِ واستأصل السُّمَا
وردّ إلى أهلي حياةً عزيزةً / وبدّلهم من بُؤسِ أيامِهم نُعْمى
متى ذكروه في خُشوعٍ تذكَّروا / مآثِرَهُ الْجُلَّى ونائَله الْجَمّا
إذا ما امرؤ أهدَى الحياةَ لميِّتٍ / فذلك قد أهدَى الوجودَ وما ضَمَّا
له مِبْضَعٌ تجري الحياةُ بحدِّه / يُصيب حُشاشاتِ المنونِ إذا أدْمى
أحَنُّ على المجروحِ من أمِّ واحدٍ / وأرفقُ من طفلٍ إذا داعب الأمّا
تعلَّمَ منه البرقُ سرعَةَ خَطْفِهِ / إذا ما جَرى يستأصلُ اللحمَ والعظما
تكادُ وقد شاهدتَ وَمْضَ مَضائِهِ / تظنُّ الذي شاهدتَ من عَجَبٍ حُلْما
كأنّ به نوراً من اللّه ساطعاً / يُضيءُ له نَهْجَ الطَّريقِ إذا أَمَّا
أصابع أَجْدَى خِبْرَةً من أشعةٍ / وأصدقُ إنْ مرّتْ على جسدٍ حُكْما
فكم من حياةٍ في أنامِلها التي / تكادُ شفاهُ الطب تلثِمُها لَثْما
وكم من يَدٍ أسْدَتْ إذا شئتَ وصفَها / ضلِلْتَ بها كيْفاً وأخطأتها كَمّا
زها الشرقُ إعجاباً به وبمثلِه / وقد عاش دهراً قبلَه يشتكي العُقْما
إذا قَسَم اللّهُ الكريمُ لأمّةٍ / بنابغةٍ فَرْدٍ فقد أجزل القَسْما
هنيئاً لك العمرُ السعيدُ فإنّه / عُصارةُ دهرٍ ضمَّتِ العزمَ والحزما
بلغتَ به عُلْيا السنينَ وكلُّها / مَدارجُ مجدٍ تفرَعُ القِمَمَ الشُّما
كأنّك منه فوقَ ذِرْوةِ شامخٍ / ترَى من أمورِ الدهرِ أبعدَها مَرْمَى
زمانٌ مضَى في الْجِدِّ ما مَسّ شُبْهةً / ولا وصلتْ كفُّ الزمانِ به ذَمّا
بنيتَ به عزّاً لمصرَ فأينما / تلفَّتَّ تلقَى صَرْحَهُ سامقاً فَخْما
بذلتَ لها من صحّةٍ ورَفاهةٍ / فأولئك حُبّاً ما أبرَّ وما أسْمَى
وألهمتَها معنى الثناء ولفظَهُ / كريماً فخذْه اليومَ من فَمِها نَغْما
إذا كان للرحمنِ في الناسِ آيةٌ / فإنّك بينَ الناسِ آيتُهُ العُظْمى
تلاْلؤُ رأْيٍ يسلُبُ الشمسَ ضوءَها / وكاملُ خُلْقٍ علَّم القمرَ التِّمّا
فإن كرّمتْكَ اليومَ مصرُ فإنّما / تُكَرِّمُ من أبنائِها رجلاً شَهْما
فقل للذي يبغي لَحَاقَك جاهداً / رُوَيْدَكَ حتَّى يدخلَ الْجمَل السَّمَا
إذا ما رأى الناسُ المكارمَ حِلْيةً / فأنت تراها في العُلا واجباً حَتْما
فعش واملأ الدنيا حياةً وذُكْرَةً / فمثلُك يُعلى ذِكْره العُرْب والعُجْما
ملكت بما أوتيت ناصية النجمِ
ملكت بما أوتيت ناصية النجمِ / وحُزْت عِنانَ المجدِ والشرفِ الجمِّ
وعُدْت زعيمَ الفاتحين تقودُه / يدُ اللّهِ مِنْ غُنْمٍ لمصرَ إلى غُنْمِ
تطالعُكَ الأعلامُ نشوىَ كأنّها / بكلِّ الذي أوليْت مِصْر على عِلْمِ
خوافِقُ تنأى في السماءِ وتلتقي / كما مال رِتْمٌ في الفلاةِ إلى رتْمِ
ويُطرِبُها عالي الهتافِ فتنثني / كما رقصتْ هيفُ العذارى على غمِ
فُتنَ بألوانِ الرياض وحسنِها / فقاسَمْنَها في الحُسنِ أو جُرن في القسمِ
وكادَ سروراً ما بها من أهلّةٍ / يتيه على ابن الليل في ليلة التم
لها نشوةٌ لو أنَّ للكرمِ مثلها / لما كانَ إثْماً أنْ تساغَ ابنةُ الكرْمِ
زهاها على الرياتِ أن انتصارَها / على الدهرِ لم يُقْسَم لعُرْبٍ ولا عُجْمِ
وأن فَتَاها لم يقفْ في ثيابه / أخو نجدَةٍ في يومٍ حربٍ ولا سلمِ
حمَاهَا وأعْلاَهَا على النجْمِ سعيُه / فلله من يُعلى اللواءَ ومن يحمي
أبَى المجدُ أن يدنو بفضلِ عنانه / لغير بعيدِ الغَوْرِ والرأيِ والسهمِ
وما خضعَ النصرُ الأشمُّ لفاتحٍ / إذا لم يكُنْ من خيرة السادةِ الشُّمِ
حملنا له الأزهارَ تندَى نضارةً / وتهتز عن طيبٍ وتَفْتر عن بَسْمِ
وأنفسُ شيءٍ في الحياةِ أزاهِرٌ / يُبعثرها شعبٌ على قدمَيْ شهمِ
وجئنا بغُصنِ الغارِ تاجاً لجبهةٍ / عليها سطورٌ من إِباءٍ ومن عزْمِ
أقامَ طويلاً بالرياضِ كأنَّمَا / أُصيبتْ بناتُ المجدِ في مصرَ بالعُقْمِ
سعى الشعبُ أفواجاً إليكَ تسوقُه / نوازعُ حُب قد طَغيْن على الكتْمِ
رأينا به الأذى يهدرُ ماؤه / وجرجرةُ الأمواجِ في لُجّةِ اليم
صفوفٌ بناهَا اللّهُ في حب مُصطفى / تنزّهنَ عن صَدْعٍ وعُوفينَ من ثأمِ
بها اجتمعت كلُّ المدائنِ والقُرى / فما شئتَ من كيفٍ وما شئتَ من كَمِّ
إذا حاولَ الوهمُ المصوّرُ رسمها / على صفحةِ القُرطاسِ عزّتْ على الوهمِ
وأصواتُ صدقٍ بالدعاء تتابعت / لها كدَوِيِّ النحلِ في أذُنِ النجمِ
أصاخَ إليها الصمُّ يستمعونَها / فإن جحدُوها فالعفاء على الصمّ
تُحس أزيزَ النار في نبراتِها / وتلمحُ فيها قوّةَ العَزْمِ والجزْمِ
تكادُ تميدُ الأرضُ بالحشدِ فوقها / وتنسدُّ أرجاءُ الفضاءِ من الزحْمِ
زعمتُ بأن أطوِي لك الجمعَ سابحاً / فللهِ كَمْ لاقيتُ من ذلك الزعْمِ
أحاطت بي الأمواجُ من كُلِّ جانبٍ / أغُوص إلى لحمٍ وأطفُو على لحمِ
إذَا نالَ مني الوكْزُ ما كانَ يشتهي / خلصت إلى ما لا أحب من اللكْم
سددت عليّ الطُرْقَ لم ألْقَ مَسْلكاً / وأوسعت طُرْقَ المجدِ والحسبِ الضخمِ
تمنيتُ لو لامستُ كَفاً هي المُنَى / خواتِمُها قد صاغها الشعبُ من لَثْمِ
وشاهدتُ شهماً كلّما رمتُ رسمَهُ / تصوّرتُ أخلاق الملائكِ في الرسْمِ
وفزتُ بوجهٍ من سنَا اللّهِ ضوؤه / كريمُ المحيّا لا قطوبٍ ولا جهْمِ
إذا قدّرَ الشعبُ الرجالَ فإِنَهُ / قمينٌ بالاستقلالِ في الرأيِ والحكْمِ
دعْونَاكَ للجلّى فكنت غِياثَها / وقد عبثتْ خيلُ الحوادثِ باللّجْمِ
عليكَ من اللّهِ العزيزِ مفاضةً / من الحق لم تأبه لرمْحٍ ولا سهمِ
تصولُ على العدوان تستّلُ نابَهُ / وتصدع بالأيمانِ غاشيةَ الظلْمِ
وترفعُ صدراً كانَ حِصْناً وموئِلاً / لمصرَ فأغناهَا عن الحصْنِ والأطَمِ
رميتَ فسدّدتَ الرمَاءَ وإنَّما / هُو اللّهُ يرمي عن يمينك إذْ ترْمي
وما كل ذي سهمٍ أصابت يمينُه / ولا كل سهمٍ في إصابتهِ يُصْمِي
وجنّدتَ من آرائِكَ الغرِ جحفلاً / طلائِعُه أغَنتْ عن البيضِ والدُّهْمِ
وأرسلتَ صوْتاً في البلادِ مجلجِلاً / سمعنا به زأرَ الضراغِمِ في الأجْمِ
ففتّحت آذاناً وأيقظت أعيُناً / وصنتَ رِباطَ العنصرين من الفصْمِ
فلَمْ يرضَ جنبٌ أن ينَام على أذى / ولم يَرْضَ حَق أن ينامَ على هضْمِ
وطار بنُو مِصْرٍ لنجدةِ أمهم / سِرَاعاً فأكرِمْ بالبنين وبالأمِ
ونَالتْ بك استقلاَلَها مِصْرُ كَامِلاً / على الرغم من كيدِ الزمانِ على الرغْمِ
وحطّمتَ أغلالَ الإسارِ وقد لوتْ / يَدُ الدهرِ واستعصتْ طويلاً على الحَطْمِ
إذا عظمت نفسُ امرىء جلّ سعيُه / وجلّ فَلْم يُوصَمْ بزهْوٍ ولا عظمِ
تحدّثت الدنيا بسعدٍ ومصطفى / وهل قُرئتْ أم الكتابِ بِلاَ بسمِ
أبانَ لكَ الطرْقَ اللَّواجب للعُلا / فجلّيت فعلَ الفارسِ البطلِ القرمِ
بنيت وهدّمتَ الضلالَ مُجاهداً / فكنت كريماً في البناءِ وفي الهدْمِ
بك اهتزّت الآمالُ واخضر عودُهَا / كما اهتزّ روْضٌ جاده واكِفُ السَجْمِ
وربَّ رِجالٍ كالسحائبِ خُلّباً / تسد مصابيحَ السماءِ ولا تهمي
يرون من الحلمِ القرارَ على الأذى / وأين قرارَ الهَوْنِ من خُلقِ الحلْمِ
إذا شهوةُ الدنيا دهت عقْلَ عاقلٍ / غدَا وهو أذكى الناسِ شراً من الفدم
وإن عشقتْ روحُ الفتى راحةَ الفتى / فلا خير في روحٍ ولا خيرَ في جسْمِ
وقفتَ لنصر الحقِّ في قصر منترو / وقوف وضيء الرأيِ مجتمع الحزْم
وحولَكَ من أصحابِكَ الصيدِ فتية / خفافٌ إلى المولى شِدادٌ على الخَصْمِ
يروْنَ من الحتم الوفاء لقومِهمْ / وليست بشاشاتُ الحياةِ من الحتْم
كأنّ غبارَ النصر في لهواتِهم / جنى النحلِ أو أشهى وأطيب في الطعْمِ
لك الحججَ البيضَ الصلاَب كأنّها / نصال سهامٍ قد حززن إلى العَظْمِ
أمن جعل الضيف النزيل كواحدٍ / من الأهْلِ يُرْمَى بالجفاءِ وبالذم
فهمنا ولكن للسياسةِ منطقٌ / عزيزٌ على الأذهانِ صعبٌ على الفهْمِ
ومثلُكَ مَنْ ردّ العقُولَ لمنهجٍ / سديدٍ وأرْدَى الشك بالمنطقِ الحسْمِ
فما زلتَ حتى أدركتْ مِصرُ سؤْلَهَا / رفيعة شأوِ المجدِ موفورةَ السهْمِ
وأصبحَ حُبّاً كل ما كان من قلا / لمصرَ وغُنْماً كل ما كانَ من غُرْم
هنيئاً لَكَ الفتح المبين فإنّه / سيبقى على التاريخِ متضحَ الوسْمِ
نثرتُ له زَهْراً وأنظمتُ لؤلؤاً / فأحسنتُ في نثري وأبدعتُ في نظْمي