المجموع : 22
للهِ خَدٌّ بَدَتْ من حُسْنِه حُجَجٌ
للهِ خَدٌّ بَدَتْ من حُسْنِه حُجَجٌ / تُريح عاشقَه من عَتْبِ لائمِهِ
قد أودع الحسنُ فيه ما يَضِنُّ به / واحتاط فالخالُ فيه طبعُ خاتَمِهِ
كفحمةٍ عَمَّ صِبْغُ النارِ ظاهرَها / وغادر البعضَ من مُسْوَدِّ فاحِمه
مزينٌ قد تَناهَى في صناعِتِه
مزينٌ قد تَناهَى في صناعِتِه / إلى لطافةٍ معنىً فاقتِ الحُكَما
خَفَّت مواقعُ مُوساهُ فلو حَلَقتْ / في كفه شعرَ جسمِ الخدِّ ما عَلِما
كأنما هي نورٌ في أنامله / يُومِي فيَجْلو بها عن هامِنا الظُّلَما
يا رَعَى اللهُ مُبدِعَ الحَمّامِ
يا رَعَى اللهُ مُبدِعَ الحَمّامِ / فلقد فاقَ حكمةً في الأنامِ
روضةُ العينِ لَذّةُ العقلِ والحس / نِ جِلاءُ القلوبِ والأجسام
لو توقَّي امرٌّو بشيءٍ من المو / تِ لكانت أَحْرَى بدفِع الحِمَام
حَمّامُنا هذه حِمامُ
حَمّامُنا هذه حِمامُ / وإنما صُحِّف الكلامُ
أقلُّ أوصافِها ثلاثٌ / البردُ والنَّتْن والظلام
يَلْسَع بردُ البلاطِ فيها / فالناسُ في وسطِها قِيام
وبين جدارنِها شُقوقٌ / يكُمن في جوفِها الهَوام
وللبراغيثِ في نواحي / بيوتِها عَسْكَرٌ لُهام
ما قَصْدُها في دمٍ ولحمٍ / بالعضِّ بل قَصْدُها العِظام
كأنما سقفُها مِدادٌ / يَقْطُر من دونِه السُّخام
والماءُ فيها أقلُّ شيءٍ / يُدْرَك بالجهدِ أو يُرام
وليس ذا كله عجيبا / فيها بلِ الأَعجبُ الرخام
يخرج عنها اللبيبُ يجري / عريانَ يَحْتَثَّه الهزام
وهْو لَعَمْرِي مما يراه / من شدةِ الهول لا يُلام
لا زلتَ سامعَ ما يصفو من النَّغَمِ
لا زلتَ سامعَ ما يصفو من النَّغَمِ / ولابسا كلَّ ما يصفو من النِّعَمِ
والحمد والشكر مقرونان فيك بما / أَوليت في الناسِ من جودٍ ومن كَرم
والعز والسعد في رأيٍ تشير به / وأنت من حادثاتِ الدهر في حَرَمِ
إذا همتَ بقصدٍ في الضمير أتَتْ / به السعادةُ قبلَ الأمرِ بالكَلِم
وإني لأَعْجبُ من شائبٍ
وإني لأَعْجبُ من شائبٍ / يُنقِّى البياضَ كي يَتكَتِمْ
وهل ذاك إلا كقَطِّ الذُّبالِ / إذا خمدت فبِهِ تَضْطَرم
وكالبئرِ يَنْزِفُها الماتحون / وفي الحال من نَزْفِها تَسْتَجِم
يُرجِّى بذلك ردَّ الشبابِ / وهيهاتَ أنْ يَرجع المُخْتَرَم
إذا خان سَمْكَ الجدارِ الأساسُ / فقد ضاع من فوقه ما يُرَمُّ
وكم قَدْرُ ما يستقرُّ الظلام / إذا ما الصباح عليه هجم
إذا ما أسِفت على فائتٍ / فحَظُّك منه الأسى والندم
أنت صديقُ الناسِ ما لم تكنْ
أنت صديقُ الناسِ ما لم تكنْ / ترغبُ فيما عندهم من حُطامْ
فإن تعرضتَ إلى رِفْدِهم / كنت عدوا لهمُ والسلام
فلا يَغُرَّنّك ما أظهروا / من مَلقٍ مستعملٍ وابتسام
فالمرض المؤلم أسبابهُ / صادرةٌ عن طيِّباتِ الطعام
فاقبلْ ولُمْنِى أو فخالف ولُمْ / نفسَك من بعدى أشدَّ المَلام
تُرى ثغرُ ذاك الثغرِ بالقربِ يَبْسِمُ
تُرى ثغرُ ذاك الثغرِ بالقربِ يَبْسِمُ / فأغدو وعيشِى مثل ما كان مَعْكُمُ
لياليَ لا طَرْفِي من الدمع مُكْثِر / عليكم ولا قلبي من الصبر مُعْدِم
ولا زَفَراتُ الشوقِ تحدو تأسُّفِى / فتُنجِد ما بين الضولع وَتُتْهِم
ليالٍ كأوساطِ الآلى فسِلْكُها / يُفصَّلُ باللذات فينا ويُنْظَم
كأني وذاك العيشُ طيفٌ تَبرَّعتْ / به سِنَةٌ لم يَرْوَ منها مُهَوِّم
صحةٌ في سلامةٍ ونعيمِ
صحةٌ في سلامةٍ ونعيمِ / وبقاءٌ في عزِّ مُلْكٍ مُقيمِ
طاب هذا الحَمّامُ واجتمع الحُس / ن إليه في جملة التقسيم
فهْو مثْلُ العروسِ تُجْلَى على الأب / صارِ زهوا في حُلَّةٍ من رَقيمِ
فيه حُسْنٌ بادٍ وحسن خَفِىٌّ / ليس يبدو إلا لكلِّ حكيم
وشموسٌ قد جاورتْها بدور / ونجومٌ لكنْ بغيرِ رُجوم
وسيولٌ تَفيضِ بالحار والبا / رد لكنها بغير غيوم
بخارٌ كأنه نكهة المَعْ / شوقِ في أنف عاشق محروم
وطيورٌ تكاد تَشْدو ووحشٌ / رُتَّعٌ في فواكهٍ وكُروم
وقيان تكاد تُفْصِح بالإي / قاع بين الثقيل والمزموم
وحياضٌ راقتْ ورقَّتْ فأبدتْ / كلَّ في ضِمْنِها مكتوم
كلمْته سعادةُ الآمِر المُحْ / ي بجَدْواهُ كلَّ بالٍ رَميم
الإمامِ المنصور أكرمِ مخلو / قٍ وقَولى على سبيل العموم
واعَجَبا من جنةٍ في ضِرامْ
واعَجَبا من جنةٍ في ضِرامْ / وروضةٍ زاهرةٍ في رُخام
تُدْعَى بحمّامٍ على أنها / تحيا بها الأنفسُ بعد الحِمام
قد كَمُلت حُسْنا فأوصافُها / يَعْجَز عنهن فصيحُ الكلام
فيها نجومٌ في نهارٍ بَدتْ / بين شموسٍ أشرقتْ في ظلام
على الجانبِ الإسكندريِّ سلامُ
على الجانبِ الإسكندريِّ سلامُ / يُكرِّره مني عليه دوامُ
سلامٌ يُناجِى ذلك الثغر مُضحِكا / رُباهُ بنَوْرٍ قد بَكاهُ غَمام
ذكرتُ زماني فيه والعيشُ أخضر / وإذ أنا طفلٌ والزّمان غلام
وأيامُنا كالدرِّ فُصِّل عِقْدُه / وتم ولم ينفكَّ منه نظام
محلٌّ به مَوْتَى حياةٍ شَهيةٍ / تَلذُّ وعيِشي في سِواه حِمام
ففي الجانبِ الغربيِّ منه مَدافنٌ / وفيهنَّ أَجْداث عليَّ كِرام
سَقتْها دموعُ الغيثِ بَدْءاً وَعَوْدَة / ففيها عِظامٌ قد بَلِينَ عِظام
عِظامٌ لها أصلانِ فرعُهما أنا / وحَسْبُك فَهْمٌ منهما وجُذام
مُنيفان فوق الراسياتِ تَطاوُلا / تُقصِّرُ رَضْوَى عنهما وشَمام
ولو لم يكونا لي لَكانتْ فضائلي / تُحقِّق ما قد قال قبلي عِصام
قبور على الدِّيماسِ أضحتْ وفضلُها / له في ظهورِ النّيِّراتِ زحام
بها طاب ذاك التُّرْبُ حين بطيبِها / تَأَرَّج فيه عَبْهَرٌ وخُزام
فرَياّ رياضِ الخِصبِ بعضُ ثَنائِهم / لها في مناجاةِ الأنوف كلام
فكم همةٌ فيها وكم أريحيةٌ / وفضلٌ ومجدٌ شامخ وذِمام
وجوهٌ نأتْ عني وبيني وبينها / ذراعٌ يُواريه ثَرىً ورِجام
فكنتُ إذا ما اشتقْتُها خفض الأسى / دُنُوٌّ إلى أَجْداثها ولِمام
فكيف وقد صار البعادُ ثلاثةً / مماتٌ وبَينٌ نازحٌ وسَقام
فلا قربَ في الدنيا سوى أن يزورني / خيالٌ وهيهاتَ النَّوى ومَنام
فيا طالَما شِيمَ الحَيا من أَكُفِّها / وفي غُرَرٍ منها الحياءُ يُشام
سأبِكي مدى الدنيا عليها فريضةً / مؤكدةً فالصبر بعدُ حرام
لقيتُ في الحب ما لاقاه من هِممى
لقيتُ في الحب ما لاقاه من هِممى / فقَصْدُه ضدُّ ما تَرْضَى به شِيَمِي
فليس يَظْهر حتى في تَمكُّنه / إلا بلَحْظةِ عينٍ أو بقَوْلِ فم
فخَلْوَتي ليس يرتاب الغيور بها / مع التجني على المِسْواك واللُّثُم
ولست أَرضَى لمن اَهْوَى وإنْ رَضِيتْ / طِباعُه بالذي يدعو إلى الندم
أَعَفُّ معْ ما أُلاقِي عند مقدرتي / فلستُ فيه على أمرٍ بمتَّهم
لوَأنّ وهمي أتى ما يُسْتَراب به / في الطيفِ جَنَّبتُ عيني لذةَ الحُلُم
هَبِ المآثمَ لا تَخْشَى عَواقبَها / نفسُ الفتى أين منه نخوة الكرم
لولا نتائجُ ما تقِضى العقولُ به / على النفوسِ لكانَ الناسُ كالنَّعَم
إنْ لم تكن بوجودِ العيشِ مُجْتِلبا / كَسْبَ الفضائلِ كان الفضلُ للعَدَم
من لم يُفِدْ حكمةً أو يُستفادُ به / فما لصورته فضلٌ على الصنم
لولا المعاني التي يرجو الحياةَ لها / ذوو النُّهَى كانتِ الأحياءُ كالرِّمَم
يَحْظَى اللبيبُ بما يَشْقى الجهولُ به / كفاصدِ العرقِ يَبْغِى البُرْءِ بالألم
طِيبُ الثناءِ حياةٌ لا نَفادَ لها / محروسةٌ من عَوادِى الشيبِ والهَرَم
فانهضْ إذا كانتِ العَلياءُ ماثلةً / أولا فقُمْ في تَرجِّيها على قَدَم
فآفةُ المرءِ في كسبِ العُلى سببٌ / من قوله سوف أو من قوله فكم
لا تتكل في تَرقِّيها على نسبٍ / واعملْ لنفسِك واحذرْ خطةَ السَّأمِ
هذا ابنُ مَنْ دانتِ الدنيا لِهمَّتِه / واستعبدَ الخلقَ من عُرْبٍ ومن عجم
الأفضل الملك العَدْل الذي عَظُمتْ / أَخْطارُه فهْي تستغنى عن العِظَم
هَذاكَ ملْكُ يديه والملوكُ له / والدهرُ والفَلَك الجاري من الخدم
لم يرضَ أنْ ملك العلياءَ أجمعَها / حتى بَنى باللُّهَى والسيف والقلم
والعزمِ والحزمِ والآراءِ صائبةً / والعلمِ والحلمِ والتوفيقِ والشِّيَم
إنْ شئتَ أنْ تبصرَ الدنيا ومن جَمَعتْ / فانظرْ إلى بابِ دارِ المُلْك من أَمَم
تُبصِرْ جِباهَ ملوكِ الأرضِ ساجِدةً / على ثرىً هو فيها أشرفُ الذَّمم
ثَرىً تَودُّ نجومُ الأفقِ لو جُعلتْ / حَصْباءَهُ وعَلا منها على القمم
دارٌ تدور الليالي عن أوامره / فيها لمُحتَرَمٍ سامٍ ومجترِم
هو الورى وهي الدنيا وساعتُها / عُمْرٌ وزائرُها للأمن في حَرَم
أقلُّ ما أَسْأرتْ فيها مَواهبُه / أضعافُ ما قيل في الأخبار عن إِرَم
مواهبٌ جمعتْ شملَ الثناءِ له / ببعضِ ما فَرَّقت في الناس من نِعَم
مَثِّلْ بوَهْمِك شاهِنْشاهَ واقترحِ ال / جَدْوَى عليه وخُذْها غيرَ متهم
إن لم تَمُنَّ على الدنيا مَواهبُه / بصَحْوةٍ غَرِقَتْ في سَيِله العَرِم
هذا على أن سَجْلا من صَوارِمه / يُعيدها من طُلا الأعداءِ بحرَ دمِ
صَوارمٌ أَضرمتْ فيها عَزائُمه / نارا تعود بها الأبطالُ كالحُمَم
عزائمٌ ما يَشيم الدهرُ وامِضَها / إلا نَخوَّف منها خوفَ منتِقم
فما تمر بمَلْكٍ غيرِ مُنعفرٍ / ولا تقابل جيشاً غير منهزمٍ
يخافُها القَدَرُ الجاري فتأمره / بكلِّ ما تبتغيه أمرَ مُحتكِم
تَبيتُ من أجلها العَنْقاءُ خائفةً / والعُصْمُ في النِّيق والآسادُ في الأجَم
والفُتْخ في الجو والنِّينان في لُجج / والشُّهْب في أُفْقها والجِنُّ في الظُّلَم
كم صارعتْ من قُوىَ خَطْبٍ فما وَهَنتْ / وصارعتْ من سَنا صعب فلم تَخِم
جلستَ إذ قامتِ الأَملاكُ خائفةً / وقُمتَ إذ قَعدتْ عجزا فلم تَقُم
لبَيَّتَ صارخَ دينِ اللهِ منتصِرا / له وأَسماعُهم للخوفِ في صَمَم
حتى أعدتَ له روحَ الحياةِ وقد / أودى بحدِّ اعتزامٍ غيرِ مُنثلِم
مَناقبٌ خَصَّك الفضلُ العَميم بها / وكلُّ ما لم يكن في الطبع لم يَدُم
تكميلُ وصفِك بالإسهاب ممتنِعٌ / ومرتجِى ذاك ممسوسٌ من اللَّمَم
كالمُبتغِى كَيْلَ ماءِ البحرِ في لُججٍ / وحاسبِ القَطْرِ في مُستغزِر الدِّيَم
هيهاتَ قَصَّرتِ الأوصافُ عنك مع ال / إطنابِ فيك وحارتْ أعينُ الحَكَم
إنِ اخْتَصرتُ قَريضي في المديحِ فقد / يُنال سامي العُلَى بالباترِ الخذم
ويبلغُ النَّبْلُ للرامي على قِصَرٍ / فيها أتمَّ المُنَى من أنفُسِ البُهُم
إنْ كان لا بدَّ من عجزِ المُطيل فلل / تقَّصيرُ أَوْلَى بطبعِ الحاذق الفَهِم
فأَحكمُ القولِ إيجازٌ يبين به ال / معنى فإن طال زالتْ حِكمةُ الكَلِم
فاسَعْد بعامِك واستقبلْ بَشائرَه / في نعمةٍ وبقاءٍ غيرِ منُصرِم
عامٌ يَعُمُّ ببُشراهُ التي نطقتْ / بطولِ عمرك فيه سائرُ الأمم
حَيِيتَ فيه وفي أمثاله أبداً / طَيِّبَ الحياةِ على التَّأْبيد والقِدَم
لئِن أَنْكَرَتْ مُقلتاها دَمَهْ
لئِن أَنْكَرَتْ مُقلتاها دَمَهْ / فمنه على وَجْنتَيْها سِمَهْ
وها في أناملها بعضُه / دَعَتْه خِضابا لكي توُهِمَهْ
إذا كان لم يَجْنِ غيرَ الهوى / فيُقتَل بالهجرِ ظلما لِمَهْ
فقالت نَما سُقْمُه والدموع / فأظهر من سِرّه مُعظَمه
فديتُك دمعىَ مَنْ سَحَّه / سواك وجسميَ من أسقمه
أَلاَ يا نسيمَ الريحِ إنْ كنتَ عابِرا
أَلاَ يا نسيمَ الريحِ إنْ كنتَ عابِرا / على الثغرِ فاقْرِى الساحَليْن سلامي
فبالرملِ من شرقيِّه مَنْ بحُبِّه / سَرائرُ تَسْرى في أدق عظامي
عزيزٌ على قلبي ولا سيَّما إذا / أطالتْ عليه العاذلات مَلامي
مريض جُفونِ الطَّرْفِ من غيرِ علةٍ / فهنّ سقيماتٌ بغير سَقام
بفيهِ لآلٍ في عقيقٍ كأنها / أَقاحىُّ رملٍ في سُلاف مُدام
وفي خَدِّه نارٌ وماء تَألَّفا / ومن عَجبٍ ماءٌ خِلال ضِرام
كأن غصون البانِ في كُثُب النّقا / جُذِبْنَ على رِدْفٍ له وقَوام
وكم ليلةٍ بِتْنا وبيني وبينه / عَفافٌ يُناجِى في العناق غرامي
وقد ضَمَّنا شوقٌ كما ضم ساهِرا / ثَوَى لكَرَى جَفْنيْه عند مَنام
وقائمُ سيِفي في يَميني وجِيدُه / بيُسراى في عِقْدٍ بغير نظام
حِذارا علينا من غيور مُبادِرٍ / يُسابِقني بالضرب قبل قيامي
فواهاً على الإسكندرية كلما / تَنكَّد عيشي دونَها بدَوام
ديارٌ بها أحبابُ قلبي ومَنْشَئِي / وقوميَ من فتيانِ آل جُذام
فلى من جُذام عصبةٌ جَرَوِيةٌ / صَفَتْ كزُلالٍ من مُتونِ غَمام
هي الذهبُ الإبريزُ صَفَّتْ نضارةً / يدُ السَّبْكِ من عيبٍ يَشوب وذام
إذا اليمنُ اعتدّتْ بأوفَى فضيلةٍ / وَجدْتُهم فيها أَمامَ أَمام
أسودُ وَغًى ولا ترتِضى نيلَ مكسب / وإنْ جَلَّ إلا مِن قناً وحُسام
يَبيتون خُمْصا والمَطاعمُ جَمةٌ / إذا شِيبَ أدنى ذلةٍ بطعام
ومالموت إلا الذلُّ في العيشِ عندهم / وما العيشُ إلا عزةٌ بحمِام
طِوالٌ حَكَوا خَطِّيةً بأَكُفِّهم / ثِقاتٌ لدى الهَيْجا بفَرْطِ ذِمام
إذا شئتَ أصلَ المجدِ والفخرِ فابْغِه / وحَسْبُك من شيخٍ لهم وغُلام
أخَفُّ إلى الهيْجاءِ من وَفْدِ عاصفٍ / وأَثَبتُ حِلْما من هِضاب شَمام
حَيُّيون أَنْدَى أوجُها وأَناملا / من الغيثِ وإلىَ وَدْقَة بسِجام
يَصونون ما تحوِى المآزرُ من تُقىً / وفضلٍ وما في بُرْقعٍ ولثام
إذا قيلتِ العَوْراء غَضَّوا وغودِرت / بأسماعِهم منها أَحرُّ كِلام
أَلاَ هلْ إلى الإسكندريةِ أَوْبَةٌ / تُبرِّد أشواقي وحَرَّ أُوامى
كأنّى على إفراطِ شيبٍ أصابني / عليها رضيعٌ في حَديث فِطام
وإني وإنْ باشرتُ أرفعَ رتبةٍ / بمدحِ ملوكٍ أُعجبتْ بكلامي
لَكالطيرِ تُدْنَى في القصورِ لصوتِها / فتبكي على أَوكارِها بمَوام
وما الشوقُ للأوطانِ من أجلِ طِيبِها / ولا شرفٍ فيها وفضلِ مُقام
ولكنه في النفسِ طبعٌ لأجله / تُجادل في تفضيلها وتُحامي
كذا الطفل يبغي الأُمَّ معْ سوء شخصِها / ويَشْنَا سِواها وهْي ذاتُ وَسام
ومن غربةٍ يبكي الجنينُ إذا بدا / وقد كان في ضيقٍ وفرطِ ظلام
ويُعذَر من يشتاق أسوأَ موطنٍ / فكيف مُقاما طيبا كمقامي
يُحب الفتى أوطانه وبها العِدا / فكيف بأحبابٍ علىَّ كِرام
سكنتُ بها الدنيا فلما تركتُها / سكنتُ دَفينا في بُطونِ رِجام
عَلَى أنني فيما كَرِهتُ مُحَسَّد / وأَحْسَدُ من يبِغيه كلُّ هُمام
يرى الأَرْىَ ما أعتدُّ شُرْبا ويستقِى / بما أَتوقَّى من وشيكِ سِمام
وبعدُ فما أوطانُنا إنْ تَحققتْ / سوى حُفَرٍ في جَنْدَلٍ ورَغام
فما منزل الإنسانِ فيها مَقرُّه / وإن كان ذا خَيْمٍ بها وخِيام
ولكنه رَهْنُ المنايا لمدةٍ / محرَّرةٍ معلومةٍ بإمام
غريبٌ وإنْ لم يَنْتزِح عن بلادِه / فقيدٌ على عز وبُعْد مَرام
تغرَّب في الأحشاء عن ظهر والدٍ / وغَرَّبه الميلاد بعد زحام
وفي غربةِ الدنيا له أيُّ حسرةٍ / ومن بعدِها لا شكَّ غربةُ سام
وغُربته عند الحساب أشدُّها / فأيُّ أمورٍ لا تُطاق جِسام
وما قَصْدُه من بعدِ هذا وهَمُّه / سِوى مكسبٍ يَحْظَى به ويُسامى
وما حَظُّه من كسْبه غيرُ قُوتِه / ويَجمع للوُرّاثِ كلَّ حَرام
ومن سَعْدِه ألا يكونَ فإنْ يكن / يَمُت وهْو في الأحشاء ليس بِنامي
فما هو للآفات إلا دَريئةٌ / لوَخزِ رماحٍ أو لرَشْقِ سِهام
وغايتُه حالان إِما لجنةٍ / لها من جوارِ اللهِ خيرُ مُقام
وإِما إلى نارٍ فيا لك غربةٌ / وطولُ عذاب دائمٍ ولِزام
سِيّان سترُ غرامي فيكِ والعَدَمُ
سِيّان سترُ غرامي فيكِ والعَدَمُ / أَسْكنتُه حيث لا تَرْقَى له التهَم
ليس السماحةُ بالأسرار من شِيَمى / فالشُّحُّ بالسر في دين الهوى كرم
وقد تحمَّل حتى هجرِكم جَلَدى / لكنْ مع البينِ لم يثبُت له قَدَم
فإن تُفُرِّس بي ظنٌّ فموجِبُه / خَليفتاك علىَّ الدمعُ والسَّقَم
هَبْني اعتذرتُ لسُقْمى أنه مرض / ما حِيلتي في دموعٍ وَبْلُها دِيَم
جرتْ كجرىِ المطايا يومَ بَيْنِكُم / عن مُقلتي فهْي في ألأجفانَ تزدحم
دمعٌ وأحسَب قلبي ذاب بعدكمُ / شوقا ففاضتْ به عيناي وهْو دم
إني لأَعجبُ من قلبٍ تَلهُّبُه / ما بينَ جنبيَّ باقٍ وهْو عندكمُ
لقد تَخوَّف حتى لا يخاف أسى / وقد تألمّ حتى ما به ألم
أين العهودُ التي كانتْ بكاظمةٍ / عيناك أَوْهَمتاني أنها ذِمَم
حيث لنسيمُ عليلٌ والكثيب نَدٍ / والروض حالٍ وعِقْدُ الطَّلِّ منتظم
والطيرُ تشدو على الأغصان مُطرِبةً / كما تَغَّنت بألحانٍ لها العَجَم
شَدْوٌ يفيد مَعاني اللهوِ مُجمَلةً / لسامعيه بلفظٍ ليس يَنْفَهِم
والماءُ تكسوه أنفاسُ الصَّبا زَرَدا / مقدَّرا فيه مَسْرود ومنفِصم
خلالَ أخضرَ لم يَعْبَث بزاهرِه / إلا النسيمُ وطَلٌّ بارد شَبِم
تدنو الشَّقيقةُ فيه من أَقاحَتِه / حتى كأنهما خد ومُبْتَسَم
كأَنه قد تَغذَّى من نوالِ أبى / عبد الإله الذي تَرْوَى به الأُمَم
وقولُ لا ليس يبدو في عبارته / حتما وأكثرُ مسموع له نَعَم
هذا على أنها شكر يفضَّله / فعلا فقول نعم من فضله نِعَم
أَحيْا له اللهُ مَنْ أحيا الأنامَ به / عمرا يجدده التأبيد والقِدَم
الأفضلَ الملك العَدْل الذي عَظُمتْ / أفعالُه ولها يُسْتَحقَرُ العِظَم
يَخِرُّ ذو المُلْكِ من تذكارْه رَهَبا / من السرير ويَفْنَى خوفَه البُهَم
أحيا مَناقبَه طِيبُ الثناءِ بما / أوْلَى وأخبارُ أملاكِ الورى رِمَم
يُعطي إذا بخلوا يَدْرِي إذا جَهِلوا / يأْوِى إذا رَفَضوا يبني إذا هدموا
فاختاره اللهُ واختارتْك همتُه ال / عُليا التي عجزت عن بعِضها الهِمم
يا من إذا خاف فَوْتا غيرُ آمِله / من مطلبٍ فله من قصده كَرَم
إليك أشكو زمانا ظَلَّ حادِثُه / يَعْدو على حَطِّيَ الواهِي وينتقِم
وقد تَمادَى على ظُلْمِي وأنت له / مَوْلىً وجودُك فيما بيننا حَكم
وحقِّ ما فيك من جودٍ ومن كرمٍ / فما يُشاب بحِنْثٍ ذلك القَسَم
القائد السيد النَّدْب الذي خُلِقت / لراحتيه اللُّهَى والسيف والقلم
أقلُّ ما فيه من فضل ومن كرم / تَحارُ في وصفه الأشعارُ والحِكم
إذا أُولُوا الفضلِ غالُوا في مدائحِه / منها فقد جَهِلُوا أضعافَ ماعلموا
في جرأةِ السيفِ من إقدامه شَبَهٌ / وفي ندى الغيثِ من إعطائه شِيَمُ
يكاد خاطِرهُ لولا نَدى يدِه / إذا تكرر فيه الفكرُ يَضْطرِم
تبدو شموسُ المَعاني من بَديهتِه / إذا دَجَتْ في رَوِياّتِ النُّهَى الظُّلَم
له من العزمِ ما اشتدتْ مَريرتُه / فليس يَعْقُبه في فعله ندم
يرىفي اليومِ ما يأتِي به غَدُه / والشهرُ والعامُ حتى ليسَ يَنْخرِم
سعادةُ الدهرِ أنْ يأتي ببُغْيَتِه / تجرِي وأيامُه في قَصدِه خَدم
تَناسبَ الناسُ طُرّا في مَحبَّتِه / كأنما جُبِلت من ذلك النَّسَم
قَضى به اللهُ حاجاتِ النفوسِ فلا / كِبْرٌ يُؤَخِّره عنها ولا سأم
وكلُّ فضلٍ ففي كفَّيْهِ مَوْرِدُه / جَمْعا ومن راحتَيْه يُقْسَم القِسَم
لا خاب وافدُ مالٍ قد أتاكَ به / حادِى الرجاءِ بحبلٍ منك يَعتصِم
فاهتْ بحمدِك حتى الطير صادحةً / فشَكْرُها ذلك الترجيعُ والنَّغَم
من أكرمَ الناسَ إكراما مَنَتْ به / فشكرُه مثلُ شكرٍ نِلْتَه لَزِم
ومن بنى في المعالي ما بنيتَ بها / فإنه بين ساداتِ الورى عَلَم
فاسعَدْ بوافدِ عيدِ النحرِ مُقتبِلا / أَمثالَه في سرورٍ ليس يَنصرِم
في ظلِّ نعمةِ شاهِنْشاهَ مشتملا / بفضلِه حيث لا ضعفٌ ولا هَرَم
هَناكَ الفخرُ يا شهرَ الصيامِ
هَناكَ الفخرُ يا شهرَ الصيامِ / بقُربِ الآمرِ الملكِ الهُمامِ
فحَسْبُك منه منزلةً ومجدا / زذارةُ مرةٍ في كلِّ عام
لَليلةُ قَدْرِك الغراءُ تحكِى / طريقةَ قَدْرِهِ بين الأَنام
وكلٌّ جَلَّ عن شَبَهٍ ومِثْلٍ / وفاق عن المُطاوِل والمُسامِى
هو السببُ الذي لولاه فينا / لَمَا عُرِف الحلالُ من الحرام
ولم يَتَملَّ قلبٌ من أمانٍ / ولم تَتَرَوَّ عينٌ من منام
يُبخِّل جودُه دِيَمَ الغَوادِي / ويُخجِل وجهُه بدر التَّمام
ويحْذر بأسَه صَرْفُ الليالي / ويَرْجو رِفْدَه صَوْبُ الغمام
نَوالٌ كالحَيا والبحرِ هامٍ / وعزمٌ كالمُثقَّف والحُسام
تذلّ له الملوك الصِّيدُ قَسْرا / على فَرْطِ المَهابة والعُرام
له جيشٌ سَماويٌّ خَفِيٌّ / كظاهرِ جيشِه اللَّجِبِ اللُّهام
تَقُدُّ صَوارمُ العُلْويِّ بَدْءا / إذا الأرضيُّ همَّ بضَرْبِ هام
هو المنصورُ تسميةً وفِعْلا / وبعضُ الفِعْلِ أضعافُ الكلام
حَوَى شرفَ المَناقبِ باختراعٍ / له وبإِرْثِ آباءٍ كِرام
هُداةٌ كالكواكبِ وهْو بدر / وعِقْدٌ وهْو واسِطةُ النِّظام
شموسٌ أشرقتْ في الغَرْبِ لكنْ / مَطالعُها من البيتِ الحَرام
وآلُ الحِجْر والحَجَرِ المُعلَّى / وأربابُ المقامة بالمَقام
أميرَ المؤمنينَ هَناكَ نصرٌ / قريبٌ جاءَ بالتُّحَف الجِسام
كنصرِ أبيك في يومَىْ حُنينٍ / وبَدْرٍ عند مُعْتَرك الحِمام
فتوحُ الأرضِ شرقا ثم غربا / بسيفك والبداية بالشآم
وذلك وعد وحىِ اللهِ قِدْما / ونصرك حين غايات التَّمام
فذا أبدا هناءٌ ليس يفنَى / مدى الدهرِ المُقيمِ على الدوام
صلاةُ اللهِ وما جَرتِ الليالي / عليك ختامُها طِيبُ السلام
لِهذا الجلال الذي لا يُرامُ
لِهذا الجلال الذي لا يُرامُ / مَعانِ تَحَيَّر فيها الكلامُ
وقد طَوَّلت وصفَها المادِحون / وأقصرُ ما مرَّ فيها التَّمام
فيا ابنَ البَتولِ سليلَ الرسولِ / أبوك الوَصِىُّ وأنت الإمام
أبوك الذي سار فوق البُراقِ / وفي يد جِبريلَ منه زمام
فلما انتهى سِدْرَة الْمُنْتَهى / مَقاما له جَلَّ ذاك المَقام
دنا قابَ قوسَيْن من ربه / على يقظةٍ لم يَشُبْها منام
فما كذب القلبُ ما قد رآه / فهل حُجّةٌ في خلافٍ تُقام
فضائلُ جاء بهنّ الكتاب / وآياتُه المُحكَمات العِظام
فيا عروةٌ لم يَخِبْ من له / بمثياقِها سببٌ واعتصام
تَطوَّلتَ حتى احتذاك الغَمام / وصُلْت فخافك حتى الحِمام
وسار بشكرك حتى الرياح / وغنى بمدحك حتى الحمام
فما للبلاد ولا للعباد / بغيرِك في كل أرضٍ قَوام
ولولا عزائمُك النافذات / لأصبح للكفر فيها عُرام
أَمِنّا بسيفك من خوفه / فسيفُك كالشمس وهْو الظلام
أتى العيدُ يَغْنم من راحتيك / من الفضل ما غَنمتْه الأنام
هنيئاً له حين قابلتَه / وأبدى له شكرك الإبتسام
فمن حاسديه على أنْ رآك / فشرَّفتَه زمزمٌ والمقام
بقيتَ بقاءً أَخصُّ الطباع / بأوصافه اللازمات الدوام
ولا زلتَ تَنْدَى ويرجو يديك / بنو الدهرِ يوم وشهر وعام
وصلَّى الإلهُ وأهلُ السماء / عليك صلاةً يليها السلام
يا دارُ ماذا فيك من مُلَحٍ
يا دارُ ماذا فيك من مُلَحٍ / دلتْ على شَرَفٍ من الهِمَم
لكنْ لمن تَنْميك همتُه في الفضلِ / قَدْرٌ جَلَّ عن إرم
كم شاد في العلياءِ من شرفٍ / يزداد تجديدا على القِدَم
فرِواقُه بالحمدِ مرتِفع / وأساسُه بالجود والكرم
للقائدِ المولى الأَجلِّ به / ذِكرُ يوَقِّيه من العَدَم
لا زال طيبُ ثنائِه أبدا / في الدهرِ مفروضا على الأُمم
في ظلِّ شاهِنْشاهَ مرتِفعٌ / عن نائبات الدهر في حَرَم
ينهى ويأمر كلَّ حادثةٍ / فتطيع وهْي له من الخدم
لَهْفِي على الإسكندري
لَهْفِي على الإسكندري / ةٍ كيف يَسْكُنها اللئامُ
بلد عَدِمتُ بها السرو / ر كما بها عُدِم الكرِام
حَسُنتْ وقُبِّح أهلها / فضِياؤُها بهمُ ظلام
قومٌ إذا استيقظتَهم / لمَكارمِ الأخلاقِ ناموا
قوم إذا قعد الكرا / م على بساط العز قاموا
فحلالُهم من شُحِّهم / في كل مسألةٍ حَرام
قوم إذا استطعَمْتَهم / في يومِ عيدِ الفطر صاموا
أرى الشرَّ طبعَ نفوسِ الأنامْ
أرى الشرَّ طبعَ نفوسِ الأنامْ / يُصرِّفها بين عابٍ وذامْ
ولكنّها زُجرِت بالعقول / كزَجْر الجموحِ بجذب اللجام
وقد يَبْدُر الخيرُ من فِعْلها / كما عَرضتْ نَبْوةٌ للحُسام
فلا يَغْرُرنَّك ما أظهرتْه / فتحتَ الرمادٍ أحرُّ الضِّرام
فأَنفعُهم لك منْ لا يَضُرّ / ومن ليس يأخذ أوفَى الذِّمام
وإنْ كان لا بُدَّ من قُرْبِهم / فقَلِّلْ على حذرٍ واتّهام
فما هو إلا كأكلِ المريض / لشهوته من أَضَرِّ الطعام
ومهما عتبتَ على من جَفاك / فإنك أَوْلَى بذاك المَلام
فأصلُ وقوعِك فيما كرهتَ / من الناس من صحبةٍ والتئام
فعِشْ إنْ قدرتَ قليلَ الحديثِ / قليل الجَليس قليل الخِصام
فلو أخطأ المرءُ في صمتِه / لَكان له كصَواب الكلام
وكن أشجعَ الناسِ حِلْما إذا / دنا الغيظُ منك بجيشٍ لُهام
فصبرُ الحليم جميل المآل / كشرب الدواءِ لدَفْعِ السَّقام
وإياك والعُجْبَ إن الكَريم / يُذَمُّ مع العجب ذَمَّ اللئام
كما بالتواضعِ يسمو اللئيم / ويَرْقَي من الفضلِ أعلى مقام
تنال ببِشْرِك ما لا يَنال / قَطوبٌ ببذل العطايا الجِسام
وَعَوِّدْ لسانَك صِدْقَ المَقالِ / ولو كان في الصدق شربُ السِّمام
وإياك من كذبٍ يَطَّبِيك / ولو كان فيه حياةُ الدوام
وإن شئتَ عيشَ الغَنى العزيز / وحُرمةَ من ليس بالمُسْتَضام
ففُزْ بالقناعةِ كنزا يَقيك / ويُغنيك دون حسودٍ مُسام
ولا تَتَّبع طمَعا إنه / لفقرِ الغنىِّ وذُلِّ الهمُام
فما لمَطالبه غايةٌ / مدى الدهر إلا لقاءَ الحِمام
وكافِى الجميلَ بأمثاله / وإلا فبالشكر والإهتمام
فإِن الثناء لمُولِى الجميل / يَقوم مَقامَ الأَيادي العِظام
ومهما قدَرتَ على ظالميك / فعَفْوٌ عن الظلمِ والإجترام
فإنْ أنت كافيتهم ناصَبوك / وما ثلتَهم بالأذى والأَثام
وبادْر بجودك قبلَ السؤال / بلا مِنةٍ ولْيَكُنْ في اكتِتام
وكن أسعدَ الناسِ حظا بكسب / ثناءٍ وأجرِ ببَذْل الحُطام
وسِرُّك فاكتُمْه كتمَ البخيلِ / بقيةَ ماءٍ غَداةَ الهُيام
وإلا كروحِ جبانٍ أصاب / حِجابا من الموتِ عندَ انهزام
وقَدِّرْ فؤادَك قبرا له / وقُلْ باللسانِ صَمامِ صَمام
وراعِ الأمانةَ والزمْ لها / شروطَ المروءةِ أيَّ التزام
وشاورْ ذوي الحزم قبلَ الدخول / على غَرَرٍ مُطْمِعٍ واقتحام
وإنْ عَرضتْ فرصةٌ لا تُخاف / عَواقبُها فَلْتَكُن ذا اعْتِزام
وساعدْ على الخيرِ مهما استطعتَ / بمالٍ ورأىٍ وجاهٍ مُحام
وسُسْ أهلَ عصرِك فيما يَقِلُّ / ويكثر حتى يبذل السلام
وكن سائِسا آمِرا في الملوكِ / وسائسْ لأَمرك أقلَّ الأنام
فقد ينتهي شَرُّ من لا يُخاف / إلى غايةٍ في الأَذى والعُرام
كما يفتك النملُ وهْو الضعيف / بشِبْلِ الهِزَبْرِ البعيدِ المَرام
وعلِّمْ بلُطْفٍ إذا ما علمت / كراعٍ خبيرٍ برَعْىِ السَّوام
وبادر ب لم أَدْرِ عندَ السؤال / إذا ما جهلتَ بغير احْتِشام
فمن صابَ كنتَ شريكا له / ومن زَلّ بايَنْتَه باعْتِصام
وإنْ جهلوا وهلمتَ انفردْتَ / بأخذِ الفضيلة بعد الزِّحام
ولا تَحْقِرنْ حكمةً تُستفاد / وخُذْها ولو من أَقلِّ الطَّغَام
فقدرُ امرىءٍ حَسْبُ ما عنده / منَ العلمِ لا مالَه من وَسام
فما للرماحِ على طولها / مع البعدِ مثلُ قصيرِ السِّهام
ولا تَبْخَس الناسَ أقدارَهم / فما البَخْس إلا أقلُّ الحرام
وكن شاكرا فضلَ ما فيهمُ / بغيرِ تَغال ودونَ اهتضام
ورَفِّع بتبجيلك المستحق / ولو كان طفلا دُوَيْنَ احْتِلام
وقفْ دونَ ما أنت مُستوجِب / فَقَدْرُك مهما تواضعتَ سام
ولاحظْ عيوبَك وافطِنْ لها / وكن من عيوبِ الورى ذا تَعام
وأنصِف وإنْ لم تجد مُنصفا / وسامحْ بواجبِ حقٍّ لِزام
ودُمْ طالبَ الفهم للغامضات / فمفتاحُ مُغْلَقِها في الدوام
وإنْ تُدْعَ للخير فانهضْ وهُمَّ / وإنْ تدع للشرِّ قلْ لا هَمام
وجَدُّك أَسْرِ به في السماءِ / وجِدَّ ارتفاعا أمامَ أمام
وكن عالِمَ الشرِّ لا عامِلا / لتَخلُصَ من مُوبِقات المَرام
فلن يَصلُحَ الشيءَ عند امرىءٍ / بفرطِ محبته ذي غرام
وكن بعُرَا الحقِّ مستمسِكا / أَلاَ إنها غيرُ ذات انفصام
فلا تَفْتِنَنَّك دنيا الغِنى / ومَثِّلْ مُقامَكما في الرِّجام
وكن في حياتك كالمُبتغِي / من السوق زادا لبُعْد المَرام
فما المال والعيش إلا كطيفِ / خيالٍ سَرَى طارِقا في مَنام
فخُذْها وصيةَ مَنْ قَصْدُه / بها الأجرُ لا حُسْنُ نفسِ النِّظام
فإنْ خلُصت عند سَبْكِ العقولِ / فسهمٌ أصابَ به غيرُ رام
وإنْ زُيِّفتْ فاعترافِي يَقوم / شَفيعا لها آخِذا بالزمام