المجموع : 82
يومَ بدرٍ وأنت أعلى مَقاما
يومَ بدرٍ وأنت أعلى مَقاما / إن ذكرنا من بعدِكَ الأيّاما
ما ذكرنا بِكَ القَواضبَ يَقْظَى / أنتَ أيقظتَها شُعوباً نِياما
غَرقتْ في الظّلامِ لا تحسبُ البغ / يَ ذميماً ولا الفُسوقَ حراما
تَكرهُ العدَل في الحقوقِ وترضى / حين يأبَى سَاداتها أن يُقاما
استقم يا سواد في الصف واعلم / أن للجيش في الحروب نظاما
يا لها يا سَوادُ طعنةَ سَهْمٍ / صادفتْ مِنكَ أريحيّاً هُماما
لو يريدُ الأذى بها لم تُطِقْها / مَن يعافُ الأذى ويأبَى العُراما
عَدّلَ الصفَّ فَاسْتَوى وقَضَى الأمْ / رَ على شِرعةِ الهُدى فَاسْتَقاما
إنّها شِرعةٌ لربِّكَ يُمضي / ها فتهدِي الشُّعوبَ والأقواما
تَمنعُ المرءَ ذا البراءةِ أن يُؤ / ذَى وتحمِي الضَّعيفَ من أن يُضاما
وَتُريهِ القَوِيَّ يُذعِنُ للحَق / قِ ويبغِي بِجانبَيْهِ اعْتصاما
قُلتَ أَوْجَعْتَني وقد جِئتَ بالح / قّ وبالعدلِ رحمةً وسلاما
القَصاصَ القَصاصَ إنّي أراهُ / يا إمامَ الهُداةِ أمراً لِزاما
قال هذا بَطْنِي لِبطنِكَ كُفؤٌ / فَاسْتَقِدْ إنَّ للضّعيفِ ذِماما
طابَتِ النَّفسُ يا سَوادُ وعادَ ال / آنَ بَرْداً ما كانَ مِنها ضَراما
واعتنقتَ الرَّسولَ بعدَ شَكاةٍ / فاعتنقتَ الخِلالَ غُرّاً وِساما
وابتدرتَ البطنَ المطهَّرَ لَثْماً / فابتدرتَ الخيراتِ شَتَّى عِظاما
هَا هُنا العدلُ والسَّماحةُ والإح / سانُ أعظِمْ بذا المقامِ مَقاما
أدّبَ اللّهُ عَبْدَهُ وَهَداهُ / وَاصْطفاهُ للمتَّقِينَ إماما
أيُّ دِينٍ كدينِهِ في عُلاهُ / أيُّ قومٍ كالمسلمينَ القدامى
أرأيتَ الضّعافَ في كلِّ أرضٍ / كيف أمسوا للأقوياءِ طعاما
حَرَّموا الطيباتِ بَغياً وظُلماً / وَاسْتحلُّوا الذُّنوبَ والآثاما
رَبِّ إن شِئتَ للشُّعوبِ حَياةً / فابعثِ المُسلِمينَ والإسلاما
إبعثِ النُّورَ في الممالكِ يهدِي / كُلَّ شَعبٍ غَوَى ويمحو الظّلاما
طُفْ بالمصارعِ وَاسْتَمِعْ نَجواها
طُفْ بالمصارعِ وَاسْتَمِعْ نَجواها / وَالْثِمْ بأفياءِ الجِنانِ ثَراها
ضَاعَ الشَّذَى القُدسِيُّ في جَنَباتها / فَانْشَقْ وَصِفْ لِلمُؤمنين شذاها
حِلَلٌ يَروعُ جَلالُها ومنازلٌ / مِن نُورِ ربِّ العالَمِينَ سَناها
ضَمّتْ حُماةَ الحقِّ ما عَرَف امْرُؤٌ / عِزّاً لهم من دُونِهِ أو جاها
الطّالِعينَ بهِ على أعدائهِ / مَوْتاً إذا نشروا الجُنودَ طَواها
الخائِضينَ من الخُطوبِ غِمَارها / المُصْطَلِينَ مِنَ الحُروبِ لَظاها
الباذِلَين لَدَى الفِدَاءِ نُفوسَهُمْ / يَبغونَ عِند إلهِهمْ مَحياها
ما آثروا في الأرضِ إلا دِينَهُ / دِيناً ولا عَبدوا سِواهُ إلها
سَلكوا السَّبيلَ مُسدَّدين تُضيئهُ / آيُ المُفصَّل يَتبعونَ هُداها
قَومٌ هُم اتّخذوا الشَّهادةَ بُغيةً / لا يبتغونَ لَدَى الجِهادِ سِوَاها
هُمْ في حِمَى الإيمانِ أوّلُ صخرةٍ / فَسَلِ الصخورَ أما عرفن قُواها
حَملتْ جِبالَ الحقِّ في دنيا الهُدَى / بيضاً شواهقَ ما تُنالُ ذُراها
تُؤْتِي الممالكَ والشُّعوبَ حيَاتَها / وتُقيمُ من أمجادِها وعُلاها
ذَهبتْ تُرفرِفُ في مَسابحِ عزِّها / ومَضَتْ يَفوتُ مدَى النُّسورِ مَداها
تَجرِي الرياحُ الهُوجُ طَوْعَ قَضائِها / وتَخافُها فَتحيدُ عن مَجراها
طافَ الغمامُ مُهلِّلاً بظلالِها / فَسقتْهُ مِن بَركاتِها وسقَاها
شُهداءَ بدرٍ أنتمُ المثلُ الذي / بَلغَ المدى بعد المدى فتناهَى
عَلَّمتُمُ الناسَ الكفاحَ فأقبلوا / مِلْءَ الحوادثِ يَدفعونَ أذاها
أمّا الفِداءُ فقد قَضيتُمْ حَقَّهُ / وجَعلتموهُ شَريعةً نَرضاها
مَن رامَ تفسيرَ الحياةِ لقومِهِ / فَدمُ الشّهيدِ يُبينُ عن مَعناها
لولا الدِّماءُ تُراقُ لم نرَ أمّةً / بلغَتْ من المجدِ العَريضِ مُناها
أدنى الرجالِ من المهالك مَن إذا / عَرضتْ منايا الخالدينَ أباها
وأَجْلُّ من رفعَ الممالكَ مظهراً / بانٍ من المُهَجِ السِّماحِ بناها
كم أُمّةٍ لم تُوقَ عادِيةَ الرَّدى / لولا الذي اقْتَحَمَ الرَّدى فوقاها
تَسمو الشُّعوبُ بكلِّ حرٍّ ماجدٍ / وجَبتْ عليه حقوقُها فقضاها
ما أكرمَ الأبطالَ يَومَ تَفيَّأوا / ظُلَل المنايا يبتغون جَناها
راحوا من الدّمِ في مَطارِفَ أشرقتْ / حُمْرُ الجراح بها فكنَّ حِلاها
لو أنّهم نُشِرُوا رَأيتَ كُلومَهم / تَدْمَى كأنّكَ في القتالِ تراها
ليسوا وإن وَرَدُوا المنيَّةَ لِلأُلى / غَمَر البِلَى وُرّادَهَم أشباها
هُمْ عِندَ ربِّك يُرزَقون فَحيِّهم / وَصِفِ الحياةَ لأنْفُسٍ تَهواها
اللهُ باركَها بِبَدْرٍ وقعةً / كلُّ الفُتوحِ الغُرِّ مِن جَدْواها
مَنعتْ ذِمارَ الحقِّ حِينَ أثارَها / وحَمتْ لِواءَ اللهِ حين دَعاها
بَخِلَ الزمانُ فكنت من شُعرائها / لو شاءَ رَبِّي كنتُ من قَتلاها
كم دولةٍ للشّركِ زُلزِلَ عَرْشها / بدماءِ بَدْرٍ واسْتُبِيحَ حماها
في دولةٍ للمسلمين تشوقُهم / أيّامُها وتهَزُّهم ذِكراها
يا ويحَ لِلأممِ الضِّعافِ اتَنْقَضِي / دُنيا الشُّعوبِ وما انْقَضتْ بلواها
أُممٌ هَوالِكُ ما لَمستُ جِراحَها / إلا بكتْ وبكيتُ من جَرّاها
لم أدرِ إذ ذهبَ الزَّمانُ بريحِها / ماذا من القَدَرِ المُتَاحِ دَهاها
إنّ الذي خَلَقَ السّهامَ لِمثلِها / جَمعَ المصائبَ كُلَّها فَرماها
تعلّموا كيف تبني مجدَها الأممُ
تعلّموا كيف تبني مجدَها الأممُ / وكيف تمضِي إلى غاياتها الهِمَمُ
تعلّموا وخُذوا الأنباءَ صادقةً / عن كل ذي أدبٍ بالصدق يتّسمُ
أمن يقول فما ينفكُّ يكذبكم / كمن إذا قال لم يكذب له قلمُ
لكم على الدهر منّي شاعرٌ ثِقةٌ / تُقضَى الحقوق وترعى عنده الذممُ
تعلّموا يا بني الإسلامِ سيرته / وجدّدوا ما محا من رسمها القِدمُ
اللّه أكبر هل هانت ذخائره / فما لكم مُقتنىً منها ومُغتنمُ
بل أنتُم القومُ طاح المُرجفون بهم / وغالهم من ظنون السوء ما زعموا
ماذا تُريدون من ذكرى أوائلِكم / أكلُّ ما عندكم أن تُحشد الكَلِمُ
لسنا بأبنائهم إن كان ما رفعوا / من باذخ المجد يُمسِي وهو منهدمُ
إن تذكروا يوم بدرٍ فهو يذكركم / والحزنُ أيسر ما يلقاه والألمُ
سنّ السبيلَ لكم مجداً ومأثرةً / فلا يدٌ نشطت منكم ولا قدمُ
غازٍ يصول بجند من وَساوسه / وقائدٌ ماله سيف ولا عَلمُ
حيّوا الغُزاةَ قياماً وانظروا تجدوا / وفودَهم حولكم يا قوم تزدحمُ
ثم انظروا تارةَ أخرى تَروْا لهباً / في كل ناحيةٍ للحرب يضطرمُ
حيّوا الملائكةَ الأبرارَ يقدمُهُم / جبريلُ في غَمَراتِ الهولِ يقتحمُ
الأرضُ ترجف رُعباً والسماءُ بها / غيظٌ يظلّ على الكُفّار يحتدمُ
هم حاربوا اللهَ لا يَخشَوْنَ نَقمتَه / في موطنٍ تتلاقَى عنده النقمُ
مَن جانبَ الحقَّ أردته عَمايتُه / وأحزمُ الناس من بالحق يعتصمُ
الدّينُ دينُ الهدى تبدو شرائعُهُ / بِيضاً تَكشَّفُ عن أنوارها الظلمُ
ما فيه عند ذوي الألبابِ منقصةٌ / ولا به من سجايا السوء ما يصمُ
يحيي النفوسَ إذا ماتت ويرفعها / إذا تردّت بها الأخلاقُ والشِيَمُ
لا شيءَ أعظم خزياً أو أشدّ أذى / من أن يُطاعَ الهوى أو يُعبدَ الصنمُ
دينٌ تُصانُ حقوقُ العالمين به / ويستوي عنده الساداتُ والخدمُ
ضلّ الألى تركوا دُستورَهُ سفهاً / فلا الدساتيرُ أغنتهم ولا النُّظمُ
دعا النبيُّ فلبَّى من قواضبِه / بيضٌ مطاعمها المأثورةُ الخُذُمُ
حرَّى الوقائع غَرْثَى لا كِفاءَ لها / إن جدّ مُلتهِبٌ أو شدّ ملتهمُ
تَجرِي المنايا دِراكاً في مسايلها / كما جرى السَّيلُ في تيّاره العَرِمُ
قواضبُ الله ما نامت مَضاربُها / عن الجهادِ ولا أزرى بها سأمُ
يَرْمِي بها كلَّ جبارٍ ويقصمه / إن ظنَّ من سفهٍ أن ليس ينقصمُ
الجيش مُنطلِق الغاراتِ مُستبقٌ / والبأسُ محتدِمٌ والأمر مكتتمُ
الله ألّفَ بين المؤمنين فهم / في الحرب والسلم صفٌّ ليس ينقسمُ
كَرّوا سِراعاً فللأعمارِ مُصطَرعٌ / تحت العجاجِ وللأقدارِ مُصطَدمُ
مِن كلّ أغلبَ يمضي الحتف معتزِماً / إذا مضى في سبيل الله يعتزمُ
حَرّانَ يُحسَبُ إذ يرمي بمهجته / نشوانَ يزدادُ سكراً أو به لممُ
لِلحقِّ نَشوتُهُ في نفس شاربِه / وليس يشربه إلا امرؤٌ فَهِمُ
وأظلمُ النّاسِ من ظنَّ الظنونَ به / ما كلُّ ذي نشوةٍ في الناس مُتّهمُ
طال القتالُ فما للقوم إذ دَلَفوا / إلا البلاءُ وإلا الهولُ يرتكمُ
وقام بالسيفِ دون اللّيثِ صاحبهُ / يَذودُ عنه وعزّ الليثُ والأَجَمُ
ماذا يظن أبو بكرٍ بصاحبه / إنّ الرسولِ حِمىً للجيش أو حرمُ
أَمْنُ النفوسِ إذا اهتاجت مخاوفُها / والمُستغاثُ إذا ما اشتدّتِ الغُمَمُ
هل يَعظُم الخطبُ يرميه امرؤٌ دَرِبٌ / أفضى الجلالُ إليه وانتهى العِظَمُ
راع الكتائبَ واستولت مهابتُهُ / على القواضبِ تَلقاه فتحتشمُ
دعا فماجت سماءُ اللهِ وانطلقت / كتائبُ النّصرِ مِلءَ الجوّ تنتظمُ
لا هُمَّ غَوْثَكَ إنّ الحقَّ مطلبُنا / وأنت أعلمُ بالقوم الألَى ظلموا
تلك العصابة مالله إن هلكت / في الأرضِ من عابدٍ للحقّ يلتزم
جاء الغياثُ فدينُ الله مُنتصرٌ / عالي اللواءِ ودينُ الشركِ مُنهزمُ
جَنى على زعماءِ السّوءِ ما اجترحوا / وحاق بالمعشر الباغين ما اجترموا
ما الجاهليّةُ إلا نكبةٌ جَللٌ / تُردِي النفوس وخطبٌ هائلٌ عممُ
هذي مَصارِعُها تجري الدماءُ بها / وتشتكي الهُونَ في أرجائها الرِّممُ
هذا أبو الحكمِ انجابتْ عَمايتُه / لما قَضى السيفُ وهو الخصم والحكم
ماذا لَقِيتَ أبا جهلٍ وكيف ترى / آياتِ ربّك في القومِ الذين عموا
هذا القليبُ لكم في جوفه عِبرٌ / لا اللوْمُ ينفعكم فيها ولا النَّدمُ
ذوقوا العذاب أليماً في مضاجعكم / ما في المضاجع إلا النّارُ والحُمَمُ
لا تجزعوا واسمعوا ماذا يُقال لكم / فما بكم تحت أطباق الثَرى صَممُ
الشّركُ يُعوِلُ والإسلامُ مُبتسمٌ / سُبحانَ ربِّي له الآلاء والنّعمُ
يا قومنا إنّ في التاريخِ موعظةً / وإنّه للسانٌ صادقٌ وفمُ
لنا من الدم يجري في صحائفه / شيخٌ يُحدّثُنا أنّ الحياةَ دمُ
هذا إمامُ الدينِ في أعلامهِ
هذا إمامُ الدينِ في أعلامهِ / والدّينُ مُعتصِمٌ ببأسِ إمامهِ
يَحمِي حَقيقَتَهُ بِقوَّةِ بطشهِ / ويصونُ بَيْضَتَهُ بحدِّ حُسَامِهِ
شيخُ الجهادِ يَودُّ كلُّ مجاهدٍ / لو كان يُدْعى في الوَغَى بِغُلاَمِهِ
عالي اللّواءِ يُقيمُهُ بِحُدُودِهِ / ويُبَيِّنُ المأثورَ من أحكامهِ
المُصلحونَ على الزّمانِ سُيُوفُهُ / وجنودُه في حربِهِ وسلامهِ
عَرِفُوا الجِهَادَ به ومنه تَعَلَّمُوا / ما صَحَّ من دُستُورِهِ ونظامِهِ
غَضِبَتْ قُرَيْشٌ أن جَفَا أصنامَها / ووَفَى بعهدِ إلههِ وذِمَامِه
يغزو فوارِسَهم ويَقتُلُ جمعَهم / حتّى يَدينَ مَرامُهم لمرامِهِ
ويرى المحجَّةَ كلُّ غاوٍ مِنهمُ / فَيكفَّ عن طُغيانِهِ وعُرامِهِ
ويثوبَ جاهلُهُم إلى دينِ الهُدَى / والنّورِ من دينِ العَمى وظلامِهِ
دلَفوا إليه وظَنَّ أكذبُهُم مُنىً / أنْ قد سَقَتْهُ يداه كأسَ حِمامِهِ
أَكذاكَ ينخدِعُ الغبيُّ وهكذا / يَتَخَبَّطُ المفتونُ في أوهامِهِ
مَهْلاً أبيُّ لقد ركبتَ عظيمةً / وأردتَ صرحاً لستَ من هُدَّامِهِ
صَرْحٌ بناه اللَّهُ أوَّلَ ما بنى / وأطالَ من عِرْنِينِهِ وَسَنامِهِ
لا يبلُغُ الباني ذُراه ولا يُرى / في الدّاعِمِينَ بِناؤُه كدِعامِهِ
مَهلاً أبيُّ فإن جَهلتَ مكانَه / فانْهضْ إليه إن استطعتَ وَسَامِهِ
أقدِمْ فخذها يا أبيُّ سُقِيتَها / فانظرْ إلى السّاقِي ورَوعةِ جامِهِ
خَدشٌ كوقعِ الظُّفْرِ أو هُوَ دونه / لِمَ تشتكِي وتَضِجُّ من آلامِهِ
أأُبيُّ أين العودُ والعَلَفُ الذي / أعددتَهُ وجعلته لطعامِهِ
إذهبْ لكَ الويلاتُ من مُتَمَرِّدٍ / عادَى الإِلهَ ولجَّ في آثامه
لكَ من قتيلِ الكبشِ أشأمُ صاحبٍ / يُلْقِي إلى غُولِ الرَّدى بزمامِهِ
أخذ النبيَّ بضربةٍ كانت له / حَتْفَاً يُمَزِّقُ لحمَهُ بعظامِهِ
ولمَن تقدَّمَ فوقَ صهوةِ عاثرٍ / أشقَى وأخيبُ آخد بلجامهِ
هو في الحفيرةِ دُونَ حِصنِ مُحمدٍ / جَثَمَ الحِمامُ عليه قبل قيامهِ
ألقى القضاءُ عليه من أَثقاله / مترامياً ينصبُّ في أجرامِهِ
أرداه بابنِ الصِّمَّةِ البطلِ الذي / أعيا الرَّدى المحتالَ فضُّ صِمامِهِ
يغشاهُ سيفُ العامريِّ فينثني / ودَمُ الجريحِ يَبُلُّ حرَّ أُوامِهِ
سَلمتْ يداك أبا دُجانةَ من فتىً / وَسْمُ المنيَّةِ من حِلَى صَمْصَامِهِ
أحسنتَ ذبحَ المشركينَ فأشبهوا / ما يذبحُ الجزَّارُ من أنعامهِ
يا ويلهم إذ يقذفون نبيَّهم / بحجارةٍ تهوِي هُوِيَّ سهامِهِ
كسروا عَوَارضَهُ وشجُّوا وجهَهُ / من كلِّ غاوٍ جَدَّ في إجرامِهِ
يجري الدَّمُ المدرار من مُتهلّلٍ / طلقِ المحيَّا في الوغَى بَسَّامِهِ
لا يعجبِ الكفارُ من مَسفوحِهِ / فلقد جَرَى من قبلُ في إلهامِهِ
ما ظَنُّهم باللَّهِ يُؤثِرُ عَبْدَهُ / بالبالغِ الموفورِ من إنعامهِ
لن يستطيعِ سِوَى الضلالةِ مذهباً / مَن ليس بالمصروفِ عن أصنامِهِ
لم يخذلُوهُ ولم تَفُتْهُ كرامةٌ / هم عند نُصرتِهِ وفي إكرامِهِ
صَبْرُ المشمِّرِ للجهادِ على الأذَى / خُلُقٌ يتمُّ المجدُ عِندَ تمامِهِ
هذا مَقَامُ محمدٍ في قومِهِ / هل لامرئٍ في الدهرِ مِثلُ مَقامِهِ
القادةُ الهادونَ من أتباعِهِ / والسّادةُ البانونَ من خُدَّامهِ
اللَّهُ أرسله طبيباً شافياً / للعالَمِ الوَحشيِّ من أسقامِهِ
الأمرُ بانَ فأين يلتمسُ الهدى / مَن ضلَّ بينَ حَلالِهِ وحرامِهِ
ركبُ النبيِّ إلى المدينةِ عائدٌ / يَمشِي به جبريلُ في أعلامهِ
يتوسّطُ الجرحَى تَسيلُ دماؤُهم / فوقَ الحصَى من خَلفِهِ وأمامِهِ
ويَمُدُّ فوق المؤمناتِ جَناحَهُ / يقضِي لهنَّ الحقَّ من إعظامِهِ
أَدَّيْنَ مَسنونَ الجهادِ وذُقْنَ في / وَهَجِ الجِلادِ الحقِّ حَرَّ ضرامهِ
شَمتَ اليهودُ وأرجفَ النفَرُ الأُلَى / طَبعَ النِّفاقُ قلوبَهم بختامهِ
قالوا أُصيبَ مُحمدٌ في نفسِهِ / ورجالِهِ وأُصيبَ في أحلامِهِ
ما تلك مَنزلةُ النبيِّ فإنما / يُؤتَى النبيُّ النَّصرَ عِندَ صِدَامِهِ
جَلّتْ مَطالبهُ فراحَ يُريدُهُ / مُلكاً يَدومُ جَلالُهُ بدوامهِ
لو أنّ قتلى الحربِ كانوا عندنا / ما هدَّ هالكُهُم ذَوِي أرحامِهِ
هاجوا مِن الفاروقِ غَضْبةَ واثِقٍ / باللَّهِ لا يُصغِي إلى لُوَّامهِ
فدعا أَيُتْرَكُ رأسُ كلِّ مُنافقٍ / في القومِ يُؤذينا بسوءِ كلامِهِ
قال النَّبيُّ وكيف تَقتلُ مُسْلِماً / أفما تخافُ اللَّهَ في إسلامِهِ
صلَّى عليكَ اللَّهُ من مُتحرِّجٍ / جَمِّ الأناةِ يعفُّ عن ظَلَّامِهِ
سمحِ الشَّريعةِ والخلالِ مُسَدَّدٍ / في نَقضِهِ للأمرِ أو إبرامِهِ
اذهبْ حُيَيُّ مُذمماً مشؤوما
اذهبْ حُيَيُّ مُذمماً مشؤوما / أَحَشَدْتَ إلا جمعَكَ المهزوما
إن تغضبوا لبني النضيرِ فإنّه / خَطبٌ يراه بنو أبيكَ عظيما
القوّةُ انصدعت فكيف بكم إذا / ترك الهداةُ بناءكم مهدوما
سرتم تحكّون الجراحَ ولا أرى / مثل الجراحِ إذا امتلأنَ سُموما
رحِّبْ أبا سُفيانَ إنّ لمثلهم / من مثلك الترحيبَ والتسليما
جمع الهوى بعد التفرُّقِ بينكم / بئس الهوى يُصلِي النفوس جحيما
تُذكي سيوفُ اللَّهِ من أضغانكم / ناراً تُصيب من القلوب هشيما
ضُمُّوا القبائلَ واجمعوا أحزانكم / سترون بأس محمدٍ مضموما
قال ابنُ حربٍ لليهودِ مقالةً / لم تلقَ إلا فاسقاً وأثيما
إن كان حقَّاً ما زعمتم فاعبدوا / ما نحن نَعبدُ وانبذوا التحريما
خَرُّوا لآلهة ابن حربٍ سُجَّداً / لا ينكرونَ صنيعه المذموما
كُفرٌ على كُفرٍ رمُوا بركامه / والكفرُ أقبحُ ما يُرى مركوما
سُئِلُوا عن العلمِ القديمِ فزوَّروا / وأذى المزَوِّرِ أن يكونَ عليما
قالوا شَهِدنا دينُكم خيرٌ لكم / من دينِ صاحِبكم وأصدقُ سيما
خَفَّ الرجالُ إلى البَنيَّةِ إنهم / كانوا أخفَّ من اليهودِ حلوما
عقدوا لهم حِلفاً على أستارها / واللَّهُ يعقد أمره المحتوما
هل ألصقوا الأكبادَ من سفه بها / أم ألصقوا إحَناً بها وكلوما
غطفانُ هُبِّي للكريهةِ واغنمي / من تمرِ خيبرَ حظَّكِ المقسوما
كذب اليهودُ وخاب ظنُّكِ إنهم / لم يبلغوا أن يرزقوا المحروما
لن يُطعموكِ سوى سيوفِ محمدٍ / وستعلمين ذُعافَها المطعوما
ما أكذَبَ الأحزابَ يوم تعاهدوا / أن لا يبالوا الصادقَ المعصوما
جعلوا أبا سفيانَ صاحبَ أمرهم / كن يا ابن حربٍ قائداً وزعيما
كن كيف شِئتَ فلن ترى لك ناصراً / ما دمت للَّهِ العليِّ خصيما
جمعوا الجنودَ وجاء ركبُ خزاعةٍ / يُبدي الخفيَّ ويُظِهرُ المكتوما
حمل الحديثَ إلى الرسولِ فزاده / بأساً وزاد المسلمينَ عزيما
نزلوا على الشورى بأمر نبيّهم / يبغي لأُمَّتهِ السبيلَ قويما
قال انظروا أَنُقِيمُ أم نمضي معاً / نلقى العدوَّ إذا أراد هجوما
فأجابه سلمانُ نحفرُ خندقاً / كصنيعِ فارِسَ في الحروبِ قديما
حملوا المساحِيَ والمكاتِلَ ما بهم / أن يحملوها أنفُساً وجُسوما
هي عندهم للَّهِ أو هم عندها / خُدّامُهُ سبحانه مخدوما
دلفت قرومُ محمدٍ في شأنها / تلقى بِيَثْرِبَ من ذويه قروما
يسعى ويعمل بين عَيْنَي رَبِّهِ / طلقَ الجلالةِ بالهدى موسوما
دَأبَ الإمامُ فما ترى من رَائثٍ / إنّ الإمامَ يُصَرِّفُ المأموما
حَمَلَ التُّرابَ فَظَلَّ يُثقِلُ ظَهرَهُ / ويُقَلقِلُ الأحشاءَ والحيزوما
وإذا رأيتَ خليفتيه رأيتَه / للَّهِ في ثوبيهما ملموما
ومضت بعمَّارٍ وزيدٍ هِمَّةٌ / لم تُبْقِ من هِمَمِ الجهادِ مروما
سلمانُ أحسنتَ الصَّنيعَ ونِلتَهُ / نَسباً مضى فقضى لك التقديما
لمّا تنافَسَ فيك أعلامُ الهدى / حكم النَّبيُّ فأنصف المظلوما
سلمانُ منّا آلَ بيتِ محمدٍ / ولقد نُسبتَ فما نسبتَ زنيما
الدين يجمعُ ليس منّا من يرى / في أهله عَرَباً ويعرفُ روما
والأكرمُ الأتقى تبارك ربُّنا / إنّا نطيعُ كتابه المرقوما
اللَّهُ مولاكم وأنتم شعبُهُ / لا تذكروا شعباً ولا إقليما
سلمانُ دعها كُدْيَةً تُوهِي القُوَى / وتردُّ كلَّ مُحدَّدٍ مثلوما
اضربْ رسولَ اللهِ كم من صخرةٍ / لم تألُها صدعاً ولا تحطيما
من ليس يبلغُ من جبابرةِ القوى / ما أنت بالغه فليس ملوما
بَشِّرْ جُنودَكَ بالفتوحِ ثلاثةً / تدع العزيزَ من العروشِ مَضيما
وصِفِ المدائنَ والقصورَ لمعشرٍ / مَثّلتها صُوراً لهم ورسوما
أبصرتَها في نُورِ ربّك ما رأت / عيناك آفاقاً لها وتخوما
ما زلت تُحدثُ كلَّ أمرٍ مُعجِزٍ / لولا النُّبوَّةُ لم يكن مفهوما
جَهِلَ العجائِبَ مَعشرٌ لم يعرفوا / منهنَّ إلا السِّحرَ والتنويما
للَّهِ أسرارٌ تُرِيكَ جلاله / إن شاء فَضَّ كتابها المختوما
والعلمُ إن ضلَّ السَّبيلَ ولم يلد / ما يُرشِدُ الجهلاءَ كان عقيما
بلوى ذوي الأسقامِ أكثرها أذىً / بَلْوَى أخي عقلٍ تراه سقيما
بلغ الطَّوى بالقومِ غايةَ جُهدهِ / وكأنّما طُعمُوا الصفايا الكوما
جيشٌ يصومُ على الدؤُوبِ ولم يكن / لولا أمانةُ ربِّهِ ليصوما
مِن كلِّ مبتهلٍ يضجُّ مُكبِّراً / في الحربِ يدعو الواحد القيّوما
كانت فتاتُكَ يا ابنَ سعدٍ إذ أتت / غَوْثَاً وخيراً للغُزاةِ عميما
جاءت ببعض التَّمرِ تُطعِمُ والداً / بَرّاً وخالاً في الرجالِ كريما
ألقى عليه اللَّهُ من بركاتِهِ / فكفى برحمتِهِ وكان رحيما
أخذ النبيُّ قَليلَهُ فدعا الطوى / داعي الرحيلِ وما يزالُ مقيما
جمع الجنودَ وقال هذا رزقُكم / فكلوا هنيئاً واشكروه نعيما
فرحوا بنعمةِ ربِّهم وتبدّلوا / حالاً تزيد الكافرين وجوما
هذا الذي صنع الشُّوَيهَةَ قادمٌ / أحببْ بذلك مشهداً وقدوما
حيَّا النبيَّ وقال جِئْتُكَ داعياً / ولقد أراني في الرجالِ عديما
مالي رعاك اللَّهُ غير شُوَيهةٍ / لو زادها ربِّي بذلتُ جسيما
أعددْتُها لك يا محمدُ مطعماً / يَشفيكَ من سَغَبٍ أراه أليما
يكفيك من ألم الطوى وعذابِهِ / حَجَرٌ يظلُّ على الحشا محزوما
سار الرسولُ بجندِهِ ومشى الذي / صَنَعَ الشويهَةَ حائراً مهموما
يا ربِّ صاعٌ واحدٌ وشويهةٌ / دَبِّرْ وداوِ فقد دَعوتُ حكيما
وُضِعَ الطعامُ فَظَلَّ يُشْرِقُ وجهُهُ / بِشْراً وكان من الحياءِ كظيما
وضع النبيُّ يديه فيه فزادهُ / ربٌّ يَزيد رسولَهُ تكريما
تلك الموائدُ لو يُقَالُ لها انظمى / شَمْلَ الشُّعوبِ رأيتَهُ منظوما
كَرَمٌ صميمٌ راح يُورِثُ جابراً / شرفاً يفوت الوارثين صميما
والأشهليّةُ إذ يجيءُ رسولُها / يمشي بِجَفْنَتِها أغَرَّ وسيما
اللَّهُ علّمها مَناقِبَ دينهِ / فشفى الخبالَ وأحسن التعليما
لولا مَرَاشِدُهُ تُقَوِّمُ خَلْقَهُ / لم يعرفوا الإصلاحَ والتقويما
نهض الحماةُ به ولو لم يهتدوا / لم يبرحوا في القاعدين جُثوما
مَن يَنَمْ عن لَهْذَمٍ أو مِخْذَمِ
مَن يَنَمْ عن لَهْذَمٍ أو مِخْذَمِ / فَابْنُ بشرٍ ساهرٌ لم يَنَمِ
يَحرسُ القُبّةَ ما فيها سِوَى / حارسُ الجيشِ وحَامي العَلَمِ
هَبَّ يدعو يَا ابْنَ بشرٍ خَلِّنِي / إنّها الخيلُ أراها ترتمي
كُلُّ لحمٍ من جُنودي ودمٍ / فهو لحمي يا ابن بشر ودمي
خَلِّني واذهَبْ إلى القومِ الأُلى / قذفونا بالرّعيلِ المُقْدِمِ
امضِ في صحبِكَ إنّي ها هنا / في حِمَى اللَّهِ الأجلِّ الأعظمِ
احرسوا الخندقَ وَارْمُوا دُونه / لا تخافوا كلَّ غاوٍ مُجرِمِ
أدرِكوا سعداً وكونوا مِثلَهُ / إن رَمَى في اللَّهِ سَهماً أو رُمِي
حَارِسُ الثّلمةِ يُلقِي حَولَها / صخرةً من عَزمِهِ لم تُثلَمِ
أدركوه واهزموها قُوَّةً / لن تنالوا النّصرَ ما لم تُهزَمِ
انصروا اللَّهَ وصُونُوا دِينَهُ / إنّ خيرَ الدّينِ دِينُ المسلمِ
هو إن طَمَّ على الأرضِ الأذى / رحمةُ الأرضِ ومَحيَا الأُمَمِ
وإذا ما أظلمتْ أرجاؤُها / فهو نورُ اللَّهِ ماحِي الظُّلَمِ
ذَهَبَ الصَّحبُ كِراماً وَرَمَوْا / بِيَدِ اللَّهِ الأعزِّ الأكرمِ
يَذهَبُ السَّهمُ سديداً راشداً / فهو مِلءُ العينِ أو ملءُ الفمِ
وهو في النَّحرِ قَضاءٌ آخِذٌ / نافذٌ في كلِّ سَدٍّ مُحكَمِ
عادتِ الخيلُ سِراعاً وبها / مِن جُنودِ اللَّهِ مِثلُ اللَّمَمِ
وتَوَلَّى الجندُ في زلزلةٍ / تَصدعُ الفيلقَ إن لم تَهدِمِ
حارَتِ الأحزابُ ماذا تنتوي / وبِمَنْ فيما دَهاها تَحتَمِي
خَذَلَتْهَا في الوغى آلهةٌ / لو هَوَى الوادِي بها لم تَعْلَمِ
تَطلبُ الغوثَ وما من سامعٍ / أيُّ غوثٍ يُرْتَجى من صَنَمِ
يا زعيمَ القومِ أيقِنْ وَاسْتَفِقْ / إنّه الحقُّ الذي لم تَزعُمِ
يا زعيمَ القومِ هل من نادمٍ / إنّما يَهلكُ مَن لم يندمِ
نَهَضَ القومُ برأيٍ مُبصِرٍ / وَدَهَتْكم عَثرةُ الرأيِ العَمي
استفيقوا وانبذوا أربابَكم / أو فذوقوا البأسَ مُرَّ المطعمِ
إنّكم مِمَّن كرهتم دِينَهم / بين نابَيْ كلِّ صِلٍّ أرقمِ
يا مُطعِمَ الجيشِ أشبعتَ السُّيوفَ دَما
يا مُطعِمَ الجيشِ أشبعتَ السُّيوفَ دَما / لولاكَ ما شَبعتْ يَوماً ولا طَعِما
أنتَ الحياةُ جَرَتْ في كلِّ مُنطَلقٍ / تَغشَى الكميَّ وتغشى الصَّارِمَ الخَذِما
تَتابع الجودُ لا بُخلٌ ولا سَأَمٌ / دِينُ المروءةِ يأبى البُخلَ والسَّأما
المسلمونَ يَدٌ للَّهِ عَامِلَةٌ / تَمضِي أصابعُها في شأنِها قُدُما
لا تشتكِي إصبعٌ من إصبعٍ وَهَنَاً / ولا تُغايِرُها إذ تَشتكِي الألما
يا سعد أدَّيتَ حقَّ اللَّهِ من ثَمَرٍ / لو كانَ من ذَهَبٍ ما زِدْتَه عِظَما
كذلك الخيرُ يُدعَى المُرءُ مُغتَنماً / إن راحَ يَنْهَبُه في القومِ مُغْتَنِما
زَادَتْكَ نَخْلُكَ يا سعدُ بن ساعدةٍ / فَضلاً وزادَتْ على أمثالِها كرما
هذا جَنَاهَا بأيدِي القومِ مُنْتَهَبٌ / واللَّهُ يكتبُ فَانْظُرْ هل تَرَى القَلَمَا
أحْصَاه يا سعدُ عَدّاً ثم ضَاعَفَهُ / فلستَ تُحْصِيهِ حَتّى تُحْصِيَ الأُمَما
ادفع عُيينةَ واردعْ جهلَ صاحِبِهِ / إنّ الحديثَ حديثُ الدّهرِ لو عَلِما
تَمْرُ المدينةِ ما فيه مُسَاوَمَةٌ / أو يَرْجِعَ السَّيْفُ عنه مُترَعاً بَشِما
طَعَامُ كلِّ فَتىً للَّهِ مُنتَدَبٍ / لا يغمدُ السَّيْف عَمَّنْ يُطعِمُ الصَّنما
مَنَعْتَهُ ونصرتَ اللَّهَ في هَمَلٍ / من عُصبةِ الشِّركِ لا يَرْضَوْنَهُ حَكَما
وَصُنْتَهُ عَلَماً للحقِّ تَحفظُهُ / لا يحفظُ العِرضَ مَن لا يحفظُ العَلَمَا
ما يَصنَعُ النَّاسُ إن ضاعتْ مَحارِمُهم / وما على الأرضِ أن لا تحمل الرِمَما
ألم تُهِبْ يوم بَدرٍ بالأُلَى نفروا / للحربِ يَصْلَونَ من نيرانِها ضَرَما
يا قومُ إنّ جُموعَ الكُفرِ حاشدةٌ / فأين يذهبُ دِينُ اللَّهِ إن هُزِما
إن لم يَبِتْ ناجياً من سوءِ ما اعْتَزَمُوا / فلا نَجَا أحدٌ منّا ولا سَلِما
يا باعِثَ القومِ شَتَّى من مَجَاثِمهم / ما بالُ عَزْمِكَ في آثارِهِم جَثَما
من حَيَّةِ السُّوءِ أَلقَيتَ السِّلاحَ على / كُرْهٍ وَرُحْتَ تُعانِي الهمَّ والسَّقَمَا
كُنتَ الحريصَ عليها وَقْعَةً جَلَلاً / لم تُبقِ للكُفرِ مِن آطامِهِ أُطُمَا
كذاكَ قالَ رسولُ اللَّهِ فابتهجتْ / مِنكَ المَشاهِدُ لم تنقِلْ لها قَدَمَا
أَعطَاكَ سَهْمَكَ يَجزِي نِيَّةً صَدَقَتْ / شَرِيعةُ اللَّهِ ما حابَى ولا ظَلَمَا
مِنكَ الحنينُ ومنه ما هو أَعظَمُ
مِنكَ الحنينُ ومنه ما هو أَعظَمُ / لو يَستطيعُ أتاكَ لا يتلوَّمُ
البيتُ أنتَ به أحق وإن أبَى / من أهلِ مَكةَ جاهلٌ لا يعلمُ
ما أصدقَ الرُؤيا وأقربَ حِينَها / فاصبِرْ على ثقةٍ وربُّكَ أكرم
إن يَخْلُ منها اليومُ فالغدُ بعده / بالخيرِ والرضوانِ منها مُفعَمُ
سِرْ يا رسولَ اللَّهِ جُندُكَ باسلٌ / وقُواكَ مُحْصَدَةٌ ورَأْيُكَ مُحكم
آثرتَ رَبَّكَ وحده لا تَشتكِي / فيهِ من الأهوالِ ما تَتجشم
وَمضيتَ مُعتمِراً بِصحبِكَ مُحرماً / والهَدْيُ حالٍ بالقلائدِ مُعْلَمُ
والمؤمناتُ الصَّالحاتُ كأَنَّما / فيهن سَارَةُ والرضيَّةُ مَريَم
من كلِّ أُمٍّ بَرَّةٍ لم يُلهِهَا / بَعْلٌ ولم يَغْلِبْ نوازعها ابْنَمُ
يا طِيْبَ ما لَبَّيتَ رَبَّكَ إنّه / لَلحقُّ يُزلِفُهُ فُؤادُكَ والفم
أين الشَّريكُ لمن تَصرَّفَ وحده / في مُلكِهِ أَمَّنْ سِواهُ المُنعِم
لَبَّيْكَ رَبِّي إن قَضيتَ لنا الهدى / فَكِتابُكَ الهادي وأنتَ المُلْهِم
تلكم قُريشٌ أقبلتْ في غَضبةٍ / مَشبوبةٍ وحميَّةٍ تَتضرّم
قالت أيدخلُها علينا عَنْوَةً / السَّيفُ أولَى أن يُحكَّمَ والدَّم
وَرَوى ابنُ سُفيانَ الحديثَ فلو دَرى / لُغةَ السُّيوفِ لَخَالها تَتَكلّم
أَصغتْ إليه فلم يَقِرَّ بغمدِه / منها على طولِ التحلّمِ مِخْذَم
يَجِدُ التقاةُ المحرمونَ ولا كما / يَجِدُ التقيُّ من السُّيوفِ المُحْرِمُ
أبدتْ تَباريحَ الهُمُومِ شديدةً / وأَشدُّ منها ما تُجِنُّ وتَكْتُمُ
وَدَّتْ لَو اَنَّ اللَّهَ قالَ لها اضرِبي / فَمضتْ تُظلِّلها النسورُ الحُوَّمُ
قال النبيُّ أَنَتَّقيها خُطَّةً / هي ما علمتم أم نَجِدُّ وَنُقدِمُ
فأجابه الصِّدِّيقُ بل نمضي إلى / ما كنتَ تنوِي بالخروجِ وتعزم
وَرَمَى بها المقدادُ خُطبةَ مُؤمنٍ / يَرمي الخطوبَ بنفسِهِ لا يُحجِم
ومضوا يرون المشركين بذي طوى / والخيلُ شتَّى والخميسُ عَرَمْرم
أَبِلالُ أَذِّنْ للصّلاةِ فإنّها / أسنى وأشرفُ ما يُحبُّ المسلم
نَهَضَ النبيُّ يُقيمها في صحبهِ / للَّهِ تُبْدأُ بالخشوعِ وَتُختَم
وأعدَّ طائفةً تقومُ فتتَّقي / كيدَ العدوِّ إذا يَكرُّ ويهجم
حتى إذا سَجَدَ الرفاقُ تخلَّفوا / عنهم فَضُوعِفَ أجرُهم والمغنم
جيشُ الهدى واليُمنِ عند جلالِهِ / بِيَمينِ قائدِهِ يُصَفُّ وَيُنظَمُ
جَعَلَ ابنَ بِشرٍ في الجهادِ لخالدٍ / يَلقاهُ إن جَمعَ الفوارسَ مَأزِمُ
سلكوا الطريقَ الوعرَ يَسطعُ نُوره / وأضلَّ غيرَهم الطريقُ المُظلِمُ
يمضي الدليلُ بهم ويذهبُ مُوقِناً / ثَبْتاً فما يرتابُ أو يتوهّم
بُوركتَ ناجِيةَ بن جندبَ من فتىً / جَلْدٍ على الضراءِ لا يتبرّم
وَجَب الثناءُ لأسلميٍّ ماجدٍ / شَرفتْ به نَسباً وعزّتْ أَسلَمُ
تلك الحُدَيبِيةُ المحبَّبُ ذِكْرُها / للحقِّ فيها منزلٌ وَمُخيَّم
نَزَلَ الهداةُ بأرضِها فكأنَّما / طلعت لأهل الأرضِ فيها الأنجمُ
يا مَبركَ القُصوَى أتلك رسالةٌ / جاءتكَ أم هي من كَلالٍ ترْزمُ
أَبتِ المُضِيَّ ولم يكن ليعوقها / لو شاءَ ربُّكَ مَبركٌ أو مجثَمُ
لو شاءَ أرسلَها فزلزلَ مكّةً / خَطبٌ يَضِجُّ له الحطيمُ وزمزم
أبديلُ أقبِلْ في رِجالِكَ والتمسْ / عِلم اليقينِ لمن يَظنُّ وَيَزعُم
قال النبيُّ أتيتُ غير مُحاربٍ / وانظرْ فإنّ الحربَ لا تتَلثم
الهَدْيُ حولك والسُّيوفُ كما ترى / مَقروبةٌ وكأنّما هِيَ نُوَّم
ما جئتُ إلا لِلْبَنِيَّةِ زائراً / أَقضِي لربِّي حقَّها وأُعَظّمُ
ارجَعْ إلى القومِ الغضابِ وقل لهم / ردُّوا النّفوسَ إلى التي هي أقوم
إن تمنعوا البيتَ العتيقَ يَكُنْ لكم / يَومٌ من الحِدثانِ أَربدُ أقتم
البيتُ بيتُ اللَّهِ جلَّ جَلالُه / ولَنحنُ أولى بالمناسكِ مِنهمُ
نَصَحَ ابنُ ورقاءَ الرجالَ فيا له / من ذي مُناصَحةٍ يُسَبُّ وَيُشتم
قالوا أَنذعِنُ صاغِرينَ وأقسموا / أن ينبذوا المثلى فبئس المَقْسم
وتتابعتْ رُسُلٌ فمنهم غادِرٌ / يَبغي الفسادَ وحَاذِرٌ يتأثّم
ومُقَسَّمُ الأخلاقِ يُحسِنُ مَرّةً / وَيُسِيءُ أخرى في الحوارِ فَيعرم
أهوى عَلى يدهِ المغيرةُ ضارباً / لولا الأَناةُ لطار منه المِعْصَمُ
ما انفكَّ يضربُه بِمقبضِ سَيْفِهِ / والسَّيفُ يُغضِي والمنيّةُ تَحلم
أسرفتَ عُروَةُ فاقتصِدْ واقبضْ يَداً / رِيعَ السِّماكُ لها وَغِيظَ المرزمُ
كيف ارتقيتَ إلى محلٍّ ماله / راقٍ ولو أنّ الكواكبَ سُلّم
أبِلحْيَةِ المختارِ تُمسك إنّها / لَتُصانُ في حَرَمِ الجلالِ وَتُعصَم
أحسنتَ قولَكَ في الذين ذَممتَهم / وأَبَى الذين طَغَوْا فأنتَ مُذمَّم
عَابوكَ إذ قُلتَ الصَّوابَ جَهالةً / أَيُعابُ مَن يأبى النِّفاقَ ويُوصَمُ
صَدَقَ الحُلَيْسُ فأوجعوه ملامةً / والقومُ لِليَقِظِ المُسَدَّدِ لُوَّم
بَعثَ الهُداةُ الهَدْيَ ثُمَّتَ أقبلوا / يلقونه فعناه هَمٌّ مؤلم
جاءوه شُعْثاً يرفعون لربّهم / صوتاً يُردِّدُه الأصمُّ الأبكم
فَهَفَتْ جَوانِحُه وقال على أسىً / سُبحانَ ربِّي ما لنا نَتجرَّم
سُبحانه أنصدُّهم عن بيتِهِ / إنّا إذاً قومٌ نَجورُ ونظلم
مولى الأحابيشِ الذينَ تألّهوا / لا يتبعون سبيلَ أقوامٍ عَمُوا
نبذتْ قريشٌ رأيَهُ واستكبرتْ / والغَيُّ أنكدُ ما علمتُ وأشأمُ
اذهب خراشُ إلى قريشٍ ناصحاً / فلعلّها تبغي الصَّوابَ فتفهم
عقروا بَعيرَكَ ناقِمِيْنَ وأوشكوا / أن يقتلوك فليتهم لم يَنقِموا
لولا الأحابيشُ استُحِلَّ بظلمهم / منه دَمٌ ما يُستحَلُّ مُحرَّم
ذَهَبَ ابنُ عفّانٍ إليهم يَبتغِي / أن يؤثروا الرأيَ الذي هو أحزم
فأبوا وقالوا لا فكاكَ لكم وما / نحن الألى نأبى الهوانَ فَنُرْغَمُ
هُمْ أمسكوه ثلاثةً في صحبه / ورموا بها مَلمومةً تتقحَّم
أفلا رَعَوْا رُسُلَ النبيِّ وَصِهْرَهُ / إن العقولَ على المراسِ لتعقم
دَبَّ ابنُ حصنٍ في الظلامِ فراعه / يقظانُ مثل الصلِّ ليس يُهوِّم
حمل ابنُ مُسلمةٍ فغادرَ صحبَه / ومضَى فلا رَجَعَ الجبانُ الأيهم
جاؤوا المعسكرَ أربعينَ يقودُهم / أَسْرَى عليهم للمذلّةِ ميسَمُ
وأتى الرّماةُ فجال في أحشائهم / سَهمٌ تظلُّ به السهامُ تُحطَّم
مَنعَ الأسَى وشَفى كُلومَ قتيلهِم / شكوى قلوبٍ من قريشٍ تُكْلَم
أشقَى الأَذى والغَدرُ جَدَّ رجالِهم / وَجَرَى لهم بالأسرِ طَيْرٌ أسحم
سقطوا فحسبُ القومِ ما يجدونه / وكفى شهيدَ الحقِّ ما يَتَسنَّمُ
بَعَثَتْ قُريشٌ أطلِقوا أصحابنَا / وخذوا الرهائنَ والأُسارَى مِنكمُ
صُدموا بقارعةٍ تَفاقَم صَدعُها / لولا سفاهةُ رأيهم لم يُصدَموا
لولا الضّراعةُ من سُهَيْلٍ هَدَّهُمْ / بأسٌ تُهَدُّ به الجنودُ وَتُهدَمُ
بئس المآبُ لعصبةٍ تأبى الهُدَى / بِيضاً مَعالمُه ونعمَ المقدم
يا تاركَ الطغيانِ يَعبسُ جَدُّه / أقبلْ فَجدُّكَ مُقْبِلٌ يتبسَّم
من حقِّ ذي النُّوريْنِ أن يَدَعَ الدُّجَى / خَزْيانَ يُلْطَمُ وَجهُه المُتجهِّمُ
أإليكَ مَدَّ ذوو العَمَى أظفارَهم / فانظرْ إلى الأظفارِ كيف تُقلَّم
هي بَيْعَةُ الرضوانِ لم تتركْ لهم / ليلاً يُنامُ ولا صَبَاحاً ينعمُ
سُهْدٌ يَشُقُّ على العُيونِ مُبرّحٌ / وأسىً يعَضُّ على القلوبِ مُسمَّم
فكأنما في كلِّ عينٍ مِبرَدٌ / وكأنّما في كلِّ قلبٍ أَرقَم
المسلمون يُبايعونَ نبيَّهم / يَستمسكونَ بعُروةٍ ما تُفصَم
لا يحسبون دمَ المُجَاهدِ مَغرماً / هو عندهم إنْ لم يُرِقْهُ المغرم
إن ضمَّهم عند الشَهادةِ مَورِدٌ / لَذَّ المذاقُ لهم وطابَ المطعم
اللَّهُ مولاهم ونصرُ رسولِهِ / حَقٌّ عليهم في الكتابِ مُحتَّم
نهضوا خَفافاً لو رأيتَ جُموعَهم / لَعَلِمتَ أيَّ النّاسِ إيماناً هُمُ
ما مِنهمُ إلا على يَدِهِ يَدٌ / للَّهِ ينظرُ نورها المتوسّم
لُثِمَتْ بإيمانِ القلوبِ وإنّها / لَتُرَى على مَرِّ الزَّمانِ فتُلثَم
نعم العطاءُ لمعشرٍ ما بينهم / نَكِدٌ يُرَدُّ ولا شَقِيٌّ يُحرمُ
ما جلَّ مُدَّخرٌ فَخِيمٌ شأنُهُ / إلا الذي ادَّخروا أَجَلُّ وأفخم
هذا سُهَيْلٌ جاءَ يحملُ سُؤْلَهم / وَيَعيبُ ما صَنَعَ الرُّماةُ وَيندم
ويقولُ دَعْهَا يا مُحَمَّدُ خُطّةً / يُرمَى بها الشّرفُ الرفيعُ فيُثلَمُ
إنّا نخافُ العارَ فَلْيَكُ بيننا / صُلْحٌ نَدِيْنُ بهِ وعهدٌ مُبْرَمُ
الحربُ تُوضَع بيننا أوزارُها / وَتَعودُ إن جَمعَ الحجيجَ الموسمُ
لكَ من سلاحِكَ ما تَقَلَّدَ مُنجِدٌ / يَبغِي السلامَةَ أو تَزوَّدَ مُتهِم
واجعل سُيوفَكَ في الغُمودِ ولا تَضِقْ / بالشرِّ يُدرَأُ والمضَّرةِ تُحسَم
حدُّ المُقامِ ثلاثةٌ فإذا انقضتْ / فَدعوا منازِلَنا وَيثربَ يَمِّموا
من جاءَ منكم لا يُرَدُّ ومن يَجيءْ / مِنّا فمردودٌ إلينا مُسْلَم
هذا الذي نَرضى فهل من كاتبٍ / يَشفِي الصُّدورَ بما يَخُطُّ ويَرقُم
رَضِيَ النبيُّ يُريدُ رَحمةَ رَبِّهِ / هُوَ عبدُه وهو الأبرُّ الأرحَمُ
صَاحَ الرجالُ وَرَاحَ فاروقُ الهدى / يَهتاجُ في بُرْدَيْهِ فَحلٌ مُقْرِمُ
ويقول للصدِّيقِ مَن هو يا أبا / بكرٍ وَأَيَّةَ مِلّةٍ نَترسَّمُ
أهُوَ الرسولُ ونحنُ نتبعُ دِينَهُ / فَلِمَ الهوانُ وما لنا نَسْتَسْلِمُ
اللينُ من خُلُقِ الضَّعيفِ وَدَأْبهِ / وَمِنَ العجائِبِ أن يَلينَ الضَّيغمُ
مَهْلاً هداكَ اللَّهُ وَالْزَمْ غَرْزَهُ / إن كنتَ تطلبُ خيرَ غَرزٍ يُلزَم
إهنأ أبا بكرٍ قَضيتَ بحُجَّةٍ / صَدَع اليقينُ بها وأنتَ مُتَرْجِم
وأبو عُبيدَةَ إذ يَعوذُ بربّهِ / يَخشى بَوادرَ صَدْعُها لا يُلأم
يَرقى من الفاروقِ نَفْساً صعبةً / تأبى عَوارِمُها إذا ما تُعْجَم
قالَ النبيُّ كفاكَ يا عُمَرُ اتَّئِدْ / فالحقُّ في سُلطانِهِ لا يُهزَمُ
أَرْضَى وتأبى أنتَ إنّ وراءَنا / لو كنتَ تعلمُ ما نُحِبُّ ونرأم
إني رسولُ اللَّهِ ليس بِخاذِلي / واللَّهُ يَقْدِرُ ما يشاءُ وَيَقْسِمُ
الأمرُ غَيْبٌ ما لمثلِكَ مطمعٌ / في علمِهِ والغيبُ بابٌ مُبْهَم
اكتُبْ عَليُّ فلن ترى من جامحٍ / إلا يُزَمُّ على الزّمانِ وَيُخطَم
وَأبَى سُهَيْلٌ أن يكونَ كتابُه / سَمْحاً عليه من النبوّةِ رَوْشَمُ
قالَ امْحُ باسمِ اللَّهِ وامْحُ رَسُولَهُ / أَتُريدُها صاباً بِسُمٍّ تُؤدَم
الدّينُ مختلفٌ وليس لنا سِوَى / ما كان أورثَنا الزمانُ الأقدم
فأبَى عليٌّ ما أرادَ وهاجَهُ / حَرَدُ الأبيِّ فَغيظُه ما يُكظَم
قال النبيُّ افعلْ وسوفَ بمثلها / تُسْقَى فَتُغْضِي الطَّرْفَ وَهْيَ العلقم
نظر ابنُ عمروٍ نظرةً فرأى ابْنَهُ / يَبغِي الخُطَى عَجْلَى ويَأبَى الأدهم
قال ارجعوه فذاك أوّلُ عهدكم / فلئن أبيتم لَهْوَ عَهدٌ أَجْذَمُ
وانقضَّ يضربُهُ فيا لكَ مُسلِماً / في اللَّهِ يُضربُ من أبيهِ ويُلْطَمُ
رقَّتْ قلوبُ المسلِميْنَ لخطبه / فجوانحٌ تَهفو وَدَمعٌ يَسجُم
أَخَذَ النَبيُّ بثوبِهِ فأعادَهُ / يَبْنِي لِأُمَّتِهِ البِنَاءَ وَيَدْعَمُ
قال انقلبْ وكَفَى بربِّكَ حافظاً / إنَّ التوكُّلَ للسلامَةِ تَوْأَمُ
فمضى يقولُ ألا ذِمَامٌ لامرئٍ / يَبْغِي الفِرارَ بدينهِ يَستَعْصِمُ
عُدْ في قُيُودِكَ واصطَبِرْ إنّ الأذى / لأضرُّ ما انتجعَ الرجالُ وأوخمُ
كم للأُلَى اتَّبعُوا الهُدَى مِن مَغنَمٍ / في حُرمَةٍ تُلغَى وحقٍّ يُهْضَمُ
خيرٌ على خيرٍ يَضُمُّ رُكَامَهُ / شرٌّ على شَرٍّ يُضَمُّ وَيُرْكَمُ
يَتَرَنَّمُ الباكي وإن بَلَغَ الأَسى / مِنه ويبكِي النَّاعِمُ المُتَرَنِّمُ
أخذوا الصحيفةَ فَهْيَ في أوهَامِهم / كالكنزِ يأخذُهُ الفقيرُ المُعْدِمُ
طاروا بها فَرَحاً وبين سُطُورِها / دهياءُ بارزَةُ النَّواجذِ صَيْلَمُ
نصرٌ مَضَى لمظفَّرينَ أعزَّةٍ / لم يَمْضِ منهم مَخْذَمٌ أو لَهذَم
ليس التَّصَرُّفُ للقواضِبِ إنّها / بالرأيِ تَحكمُ في الرقابِ وتُحكم
للبغيِ حِينٌ ثم يُقصَمُ صُلبُهُ / والعَدْلُ صُلْبٌ قائمٌ ما يُقْصَم
ولقد يُقامُ العرسُ من سَفَهِ الألى / فَرِحُوا وأولى أن يقامَ المأتمُ
من مَكْرُماتِ الحقِّ أنّ وَلِيَّهُ / بأشدِّ ما يُرمَى يُعانُ ويُخدَمُ
وأحقُّ مَن حَمَلَ اللّواءَ مجاهدٌ / ماضٍ على هَوْلِ الخُطُوبِ مُصَمِّمُ
وَفِّ المطالبَ حَقَّها واصبِرْ تَفُزْ / ما خابَ إلا من يَملُّ وَيَسأمُ
هذا نِظامٌ للشعوبِ ومَنهجٌ / حقٌّ يراه فَصِيحُها والأعجم
نزل الكتابُ بِهِ فأيقَنَ مُهتَدٍ / وَارْتابَ ضِلِّيلٌ ولَجَّ مُرَجِّمُ
طِبُّ الهُدى الشّافِي وأعجبُ ما أرى / طِبٌّ تَصِحُّ به النُّفوسُ وتَسْقُمُ
رَحمةٌ يا أبا بصيرَ وَنُعمَى
رَحمةٌ يا أبا بصيرَ وَنُعمَى / أَذِنَ اللَّهُ أن تُحَلَّ وتُحْمَى
جاءك الغوثُ فانطلقتَ حثيثاً / سِرْ طليقاً كفاكَ حَبْساً وَهَمّا
أنت أفلتَّ من حَبائِلِ قومٍ / ذُقْتَ منهم أذىً كثيراً وَظُلما
جَعَلُوا الحقَّ خَصمَهُم مِن غَبَاءٍ / وغَبِيٌّ من يجعل الحقَّ خَصما
جِئتَ دَارَ النبيِّ فادخُلْ وَسَلِّمْ / وَارْعَ حقَّ المقامِ رُوحاً وجسْما
كَم تَمنّيتَ أن ترى لك حصناً / فَتَأمَّلْ حُصونَ ربِّكَ شُمَّا
وَارْضَ حُكمَ الرسولِ إنّكَ مَرْدُو / دٌ ومَنْ مِثْلُهُ قضاءً وحُكما
ذَا خُنَيْسٌ وذا كتابُ ابنِ عَوْفٍ / فَالْزَمِ الصَّبْرَ أصبحَ الأمرُ حَتما
سألا العهدَ عِندَ أكرمِ مَسْؤُو / لٍ فأعطاهما وَفَاءً وَحِلما
انقلبْ يا أبا بَصيرَ فليسَ ال / دينُ دينُ الهُدَاةِ غَدْراً وإثما
حَسْبُكَ اللَّهُ إنّهُ لَكَ عَوْنٌ / وسيكفيكَ كلَّ خطبٍ ألمَّا
هو مولى المستضعفينَ ينجّي / همْ إذا ما طَغَى البَلاءُ وطَمَّا
عاد يُخفي لصاحِبَيْهِ مِنَ الشن / آنِ ما يَملأُ الجوانِحَ سُمَّا
وشَفَاهَا بذِي الحُلَيْفَةِ نَفْساً / أوشكَتْ أن تزولَ هَمّاً وغَمّا
نظر السيفَ في يَدَيْ أحدِ الخَصْ / مَيْنِ يُبدي من المنيّةِ وَسْما
وَهْوَ يُطْرِيهِ في غُرورٍ وَيَسْقِي / هِ نُفُوسَ الكُماةِ ظَنّاً وَزَعْما
قال بل أعطنيهِ أَنْظُرْهُ إنّي / بسجايا السُّيوفِ أكثرُ علما
ثم غشَّاهُ ضربةً عَلَّمَتْهُ / كيف يخشى الهِزبرَ مَن كان شهما
جاء يصطاده غُرواً فأردا / هُ وكان الغُرورُ شرّاً وَشُؤما
صدَّ عنه رَفيقُهُ وتولَّى / يتوقَّى قَضاءَهُ أن يَحُمّا
طار يهفو كالسّهمِ يَمضِي بعيداً / وهو أنأَى مَدَىً وأبعد مَرْمَى
طَلَبَ السّيف نفسَهُ وَهْيَ وَلْهَى / لو تذوقُ الردَى لما مَرَّ طَعْما
كذب الوهمُ ما الحياةُ سِوَى الأم / نِ وشرُّ الأمورِ ما كان وَهْما
وَقَعَ الطّائِرُ المُسِفُّ على النَّس / رِ الذي يملأُ السماواتِ عَزْما
الرسول الذي تَدينُ له الأر / ضُ وتهفو إليه حَرْباً وسِلما
قال إنّي لهالِكٌ فأَجِرْنِي / لا تَدَعْنِي لبعضِ صحبِكَ غُنْما
رُدَّ عنّي أبا بصيرٍ فحسبي / ما جناهُ عليَّ صَدْعاً وكَلْما
جَرَّعَ الحتفَ صاحبي وانبرى يط / لبُ قَتلِي لِيُتْبِعَ الجُرمَ جُرما
إنّه جاءَ راكضاً يحملُ السَّي / فَ فهب لي دَمِي لَكَ الشّكرُ جَمَّا
عَفَّ عنه وقال ما ثَمَّ شَيءٌ / يا نَبِيَّ الهُدَى أرى الأمرَ تَمّا
صَدَقَ العَهدُ وانقَضَى الردُّ فانظرْ / ما تَرَى فاقضِهِ سَداداً وَحَزْما
قال فاذْهبْ فقد بَرِئْتَ وظُلمٌ / أن يُلامَ البريءُ أو أن يُذَمّا
لك ما شِئْتَ أن تَحُلَّ من الأر / ضِ سِوَى أرضِ يثربٍ أو تَؤُمّا
فتولَّى إلى مكانِ يَزيدُ ال / كفرَ والكافِرينَ خَسْفاً وَرَغْما
كلُّ مالٍ تُقِلُّ عِيرُ قُريشٍ / بين عينيهِ ظاهرٌ ليس يُكْمَى
إنّه الأرقمُ الأصَمُّ تَداعَتْ / فارتمتْ حوله الأراقمُ صُمّا
مُؤمِنٌ حلَّ في العراءِ مَحَلّاً / جَمَعَ المؤمنينَ فيهِ وَضَمَّا
أقبلوا يَنسلون مِن كلِّ أَوبٍ / يَطلبونَ المَصَالَ قَرْمَا فقرما
لمَّ ذو العرشِ شَملهم بعد صَدْعٍ / وَخَلِيْقٌ بشَملِهِم أن يُلَمَّا
يا أبا جندلٍ عليك سلامٌ / جِئتَ بالخيلِ تَرجُمُ الأرضَ رَجْما
اغتَفِرْ ما جَنَى أبوك سُهَيْلٌ / يومَ يطغَى عليك ضَرباً ولَطْما
إنّما الصابِرونَ أوفى نَصيباً / يا أبا جَندلٍ وأَوفرُ قِسْما
أعملوا القتلَ والنِّهابَ وَرَدُّوا / كلَّ غُنمٍ أصابه القومُ غُرْما
غارةٌ بعد غارةٍ تأكلُ الما / لَ وتَطوي الرجالَ خَضْماً وَقَضْما
زُلزِلُوا من أبي بَصيرٍ بخطبٍ / بالغٍ صَدْعُهُ أبَى أن يُرَمّا
مِخذَمٌ قاطعٌ ومِسْعَرُ حربٍ / جَرَّبتْهُ البِيضُ القواطِعُ قِدْما
ضاقتِ السُّبْلُ والفجاجُ عليهم / واستحالَ الفضاءُ سَدّاً ورَدْما
عادَ رَتْقَاً كأنّه سدُّ يأجو / جَ ومأجوجَ ما ترى فيه ثَلْما
جأروا يشتكون وادَّكروا الأر / حامَ يستشفعون جُبْناً ولُؤْمَا
واستمدّوا الحنانَ من أعظمِ النّا / سِ حَناناً وأقربِ الرُّسْلِ رُحْما
قال ذُو أمرِهِم أَغِثْنا ولا تَعْ / نَفْ علينا إنّ القلوبَ لَتَعْمَى
أفْسَدَ العهدُ أمرَنَا فَعَرفْنا / هُ وماذا لنا إذا الأمرُ غُمّا
قد تركنا لك الرجالَ فأمسِكْ / كلَّ من شِئتَ مِنهُمُ أن تُذِمّا
حَسْبُنا السّلْمُ يا مُحمدُ إن تَبْ / سُطْ علينا ظلاله فَنِعِمّا
بدَّدَ الضُرَّ والأذى بكتابٍ / نَظَمَ البِرَّ والمُروءةَ نظما
لم يَدَعْهُ أبو بَصيرٍ وَرَامِي ال / موتِ يُلقي عليهِ سَهْماً فسهما
جادَ بالنّفسِ وهو في يدِهِ يَت / لُوهُ ما أعظَمَ المقامَ وأسمى
آخرُ الزادِ إن أردنا له اسماً / وأراهُ أجلُّ من أنْ يُسَمَّى
قال أَقْبِلْ وَفَرِّقِ النّاسَ وليع / فوا فحسبُ الطُّغَاةِ قَمْعاً وَوَقْما
رَجَعَ القومُ راشدينَ ومن أر / شَدُ مِمَّنْ رَمَى الضلالَ فَأَصْمَى
وأبو جندلٍ يؤمُّ رسولَ الل / هِ في رُفْقَةٍ إلى اللهِ تُنْمَى
كوكبُ الحقِّ والهدى يَتَلَقَّى / من ذويهِ الهُداةِ نَجماً فنجما
طَلَعُوا والزمانُ أسوَدُ داجٍ / فجلوا من ظلامِهِ مَا ادْلَهَمَّا
وَرَمَوْا بالشُّعاعِ مقتلَ دِينٍ / ردَّ وجهَ الحياةِ أغْبَرَ جَهْما
اعْرِفِ الحقَّ لا تَرُعْكَ الدَّعاوى / فالمروآتُ والمناقبُ ثَمَّا
أيُّ مجدٍ في الأرضِ أو أيُّ فضلٍ / لم يكونوا له أساساً وَجِذْما
إن في حِكمَةِ الرسولِ لَذِكْرَى / للبيبٍ أصابَ عَقْلاً وفهما
هَدمَ الله ما بنى العهدُ من آ / مالِ قومٍ يبغونَ للدينِ هَدْما
كم رأوا من مَشَاهِدِ الوهمِ فيه / مَشهداً رائعَ التهاويلِ فخما
لاَ يَغُرَّنَّهم من الغيثِ وَكفٌ / إنّه السيلُ مُوشِكٌ أن يَعُمَّا
هِمَّةٌ من هُدَى الرسولِ وَلُودٌ / تُورِثُ الشِّرْكَ والضَلالَةَ عُقْما
لم تزل تَضرِبُ الطواغيتَ حَتَّى / جَرَّعَتْها الرُزأَيْنِ ثُكْلاً وَيُتْما
إنّ للحقِّ بعدَ لينٍ وضعفٍ / قُوَّةً تَحسمُ الأباطيلَ حَسْما
هو الدينُ ما في الدينِ غُنمٌ ولا غُرمُ
هو الدينُ ما في الدينِ غُنمٌ ولا غُرمُ / هو المغنمُ الوافي هو المقتنى الضَّخمُ
أتى القومُ يبغونَ القتالَ لمأربٍ / وعند رسولِ اللهِ من أمرهم عِلمُ
فقال ارجعوا لا تجعلوا المالَ هَمَّكم / ولا تجهلوا إنَّ الجهادَ هو الهمُّ
فمن جاءنا يبغي مَغانِمَ خَيبرٍ / فليس له فيها نَصيبٌ ولا سَهمُ
هو الدينُ دِينُ اللَّهِ يا قوم خالصاً / فإنْ تُلحدوا فيهِ فذلكم الظُّلمُ
ألم أدْعُكُمْ من قبلُ فانصرفتْ بكم / عن اللَّهِ دُنيا الناسِ وانتقضَ العَزمُ
عَمِيتُمْ عن المُثلى وأقبلَ مَعشرٌ / مَناجِيدُ لا عُمْيُ القلوبِ ولا صُمُّ
رَمَوْا في صُدورِ المبطلينَ وجاهدوا / لِنُصرةِ رَبٍّ حَقُّه وَاجِبٌ حَتْمُ
أولئكَ أوفى النّاسِ قِسْماً وخيرُهم / جَزاءً فعودوا لا جَزاءٌ ولا قِسْمُ
هُوَ الدَّمُ والحقُّ المحتَّمُ فاعلموا / وللهِ ما يَقضِي له الأمرُ والحُكمُ
قُم وَدَّعِ الأوثانَ والأصناما
قُم وَدَّعِ الأوثانَ والأصناما / أفما تَرى بُرهانَ رَبِّكَ قاما
يا خالدُ اعمدْ للتي هي عِصمةٌ / لِذَوِي البصائرِ وانبذِ الأوهاما
اللَّهُ ربُّ العالمينَ ودينُهُ / دِينُ السّلامِ لمن أراد سلاما
اقرأ كِتابَ أخيكَ مالك مصرفٌ / عمّا يُريدُ ولن ترى الإحجاما
أقْبِلْ رَعاكَ اللهُ إنّك لن ترى / كسبيلِ رَبِّكَ مَطلباً ومَراما
سَألَ النبيُّ بأيِّ حالٍ خالدٌ / أفما يَزالُ يُجانِبُ الإسلاما
إنّي رأيتُ لخالدٍ من عقلِهِ / فيما يُمارسُ مُرشداً وإماما
ما مِثلهُ يرتابُ في دينِ الهُدى / فَيرى الضّياءَ المستفيضَ ظلاما
إنّا لنَعرفُهُ رشيداً حازماً / ونراه شَهماً في الرجالِ هُماما
لو أنّه جَعلَ المضرَّة والأذى / للمشرِكينَ لما استحقَّ مَلاما
ولكان عِنديَ يا وليدُ مُقَدَّماً / يَلْقَى لَدَيَّ البرَّ والإكراما
أقبِلْ أخي وتَلافَ أمرَكَ لا تكن / مِمَّنْ إذا وَضَحَ السّبيلُ تَعامَى
كم مَوطنٍ جَلَلٍ لو اَنّك لم تَغِبْ / عنه لكنتَ إذاً أجلَّ مَقاما
يَكفيكَ ما ضيَّعت ليس بحازمٍ / من لا يزالُ يُضيِّعُ الأياما
نشط الهمامُ وراحَ يُدرِكُ نفسَه / يبغِي لها عِندَ النبيِّ ذِماما
ألقَى إلى الوادي الخصيبِ بِرَحْلِهِ / فأصابَ فيه مَرْتعاً ومَساما
أيُقيمُ بالوادي الجديبِ فلا يرى / إلا سَراباً كاذباً وجَهاما
لاقى بعكرمةٍ وبابنِ أُميَّةٍ / شَرّاً يَعُبُّ عُبَابَهُ وعُراما
قالَ ائْتِيَا نَبغِي النجاةَ فأعرضا / وتَنازعا قولاً يشبُّ ضِراما
وأجابها عثمانُ دعوةَ ناصحٍ / يأبى الهوى ويُجانِبُ الآثاما
مَضَيا على سَنَنِ الطريقِ فصادفا / عَمْراً فقالا ما لنا وإلى ما
يا عَمْرو دِينَ اللَّهِ لسنا كالأُلَى / جعلوا الحلالَ من الأمورِ حَراما
قال اهتديتُ ولن أكونَ كمن يُرى / طُولَ الحياةِ لنفسهِ ظَلّاما
وَمَشَوْا فما بَلَغَ الرسولَ حَدِيثُهُم / حتّى بدا متهلّلاً بَسّاما
سرَّته مَكَّةُ إذ رَمَتْ أفلاذَها / كَبِداً تُكِنُّ الحُبَّ والإعظاما
بعثَتْ إليهِ من الجبالِ ثلاثةً / رَضوَى يُصاحِبُ يَذْبُلاً وشِماما
خَفَّ الوليدُ يقولُ لا تتمهّلوا / إنّ الحديثَ إلى النبيِّ تَرامى
حُثُّوا المَطِيَّ فإنّه مُتَرقِّبٌ / وأرى جوانحكم تَرِفُّ أُواما
وَفَدوا كِراماً يؤمنون بربّهم / ورسولِهِ بيضَ الوجوهِ وِساما
نَفَضُوا الهوانَ عن الجباهِ فأصبحوا / شُمَّ المعاطسِ يرفعونَ الهاما
أفيعبدونَ مع الغُواةِ حِجارةً / أم يَعبدونَ الواحدَ العلاَّما
كُشِفَ اللِثامُ عن اليقينِ ولن تَرى / كالجهلِ سِتراً والغرورِ لِثاما
لو طَاوعَ النَّاسُ الطبيبَ لما اشتكى / مَن يَحملُ الأدواءَ والآلاما
اعرفْ لربّكَ حقَّهُ فَلِحكمةٍ / خَلَقَ العُقولَ وأنشأَ الأحلاما
أرأيتَ كالإسلامِ دِيناً قَيّماً / سَاسَ الأُمورَ ودبَّرَ الأحكاما
اللهُ أحكمَ أمرَهُ وأقامَهُ / للعالمينَ شريعةً ونِظاما
نادَى النبيُّ به فأفزعَ صوتُه / أُمماً بآفاقِ البلادِ نِياما
ودَعَا إليه وسَيْفُه بِيَمينِهِ / يمضِي حياةً مَرَّةً وحِماما
تَمضِي أباطيلُ الحياةِ ولن ترى / لِسوَى الحقائقِ في الزّمانِ دَواما
صُعقتْ نُفوسُ المشركينَ وهالهم / هَمٌّ إذا انجلتِ الهمومُ أقاما
قالوا فقدناهم ثلاثةَ قادةٍ / ما مِثلُهمُ بأساً ولا إقداما
ما أعظمَ البلوى ويا لكِ نَكبةً / ملَكتْ علينا النقضَ والإبراما
نزل البلاءُ بنا فكانَ مُضاعفاً / وجَرَى العذابُ معاً فكانَ غَراما
إني إخالُ البَيْتَ يُشرقُ جَوُّهُ / وإخالُ مَكّةَ ترفَعُ الأعلاما
يا ابن الوليدِ لك الأعِنَّةُ كلّها / فَالْقَ المقانِبَ وادفعِ الأقواما
سترى المشاهِدَ تَرجُفُ الدنيا لها / وترى الحصونَ تَميدُ والآطاما
بَشِّرْ حُماةَ الشِّركِ منك بوقعةٍ / تُوهِي القُوَى وتُزلزِلُ الأقداما
بَنِي بَكرٍ وما يُغني الملامُ
بَنِي بَكرٍ وما يُغني الملامُ / تَلَظَّى البأسُ وانتقضَ الحُسامُ
ذِمَامٌ صادِقٌ ودَمٌ حَرَامُ / وَعِزٌّ من خُزاعَةَ لا يُرامُ
يَقومُ عليه حامٍ لا يَنامُ /
أعانكم الأُلى نَبَذُوا الوفاءَ / وَراحَ القومُ يمشونَ الضَّراءَ
وما تَخفَى جَريرَةُ مَن أساءَ / سُيوفُ مُحمّدٍ جُعلتْ جَزاءَ
فما البَغْيُ الذَّميمُ وما العُرامُ /
قَتلتُم من خُزاعَةَ بالوتيرِ / رِجالاً ما أتاهم من نَذيرِ
لَبِئْسَ الغدرُ من خُلُقٍ نكيرِ / ويا للناسِ للحَدَثِ الكبيرِ
أكان محمدٌ مِمّن يُضَامُ /
أَتَوْهُ يَنشدونَ الحِلْفَ وَفْدا / تَهُدُّ شَكاتُهُ الأحرارَ هدّا
فقال لهم نُصِرتُم واسْتَعَدَّا / وَرَاحَ يَسوقُهُ للحربِ جُنْدَا
تُظلّلهُ الملائِكةُ الكِرامُ /
أبا سُفيانَ ذلك ما تراهُ / هو البأسُ المصمِّمُ لا سِواهُ
أليسَ الحِلفُ قد وَهنتْ عُراهُ / فكيف تُشَدُّ بعدئذٍ قُواهُ
أبا سُفيانَ ليس لكم ذِمامُ /
كتمتَ الحقَّ تطمعُ في المحالِ / فما بالُ الثِّقاتِ من الرجالِ
فتحتم بالأذى بابَ القتالِ / فما دُونَ اللقَاءِ سِوَى ليالِ
وَيَفتحُ مَكَةَ الجيشُ اللُّهامُ /
دَعِ الأرحامَ ليس لكم شفيعُ / لقد حَاولْتَ ما لا تستطيعُ
رُويدَكَ إنّه الرأيُ الجميعُ / وإنّ اللهَ ليس له قَرِيعُ
تَعالَى جَدُّهُ وَسَمَا المقامُ /
رَجعتَ وأزعجتكَ الحادثَاتُ / فَسِرْتَ تقولُ هل قَدمَ الغُزاةُ
نَعَمْ قَدَم الميامينُ الهُداةُ / وتلكَ جِيادُهم والمُرهفاتُ
فَدَعْ دينَ الغُواةِ وقُلْ سَلامُ /
أبا سُفيانَ هل أبصرتَ نارا / كنارِ القومِ إذ باتوا سُهارى
أَبَتْ وأَبَوْا فما تألو استعارا / ولا تُحْصَى وإن عُدَّت مِرارا
هو الفَزَعُ المؤجَّجُ لا الضَّرامُ /
لقد أنذرتَ قومَكَ فاستطاروا / وراحوا ما يقرُّ لهم قَرَارُ
نَبَتْ بهمُ المنازلُ والديارُ / وضاقَ سبيلهُم فيها فحاروا
وقال سَرَاتُهُم خطْبٌ جُسَامُ /
فدعهُم يا ابن حربٍ تَلْقَ رُشْدَا / وبالحقِّ اعتصِمْ فالحقُّ أجدى
سبيلَ مُحمّدٍ فَاسْلكه أهدى / وخذه يا ابن حربٍ منه عهدا
لِبيتِكَ فيه من شرفٍ دِعامُ /
مع العباس سِرْتَ إلى الرسولِ / لأعظَمِ مطلبٍ وأجلِّ سُولِ
لِدينِ اللهِ دينِ ذوي العُقُولِ / مِنَ النَّفرِ المساميحِ العُدولِ
صَدقْتُكَ ليس كالنّورِ الظّلامُ /
لَقيتَ مُحمداً حُرّاً رشيدا / فَعُدْتَ بِيُمنِهِ خَلقاً جديدا
هُدِيتَ وكنتَ جَبَّاراً عَنيداً / هَنيئاً فاصحبِ الجَدَّ السعيدا
بما أولاك صاحبُكَ الهُمامُ /
أصبتَ الخيرَ أجمعَ والرشادا / على يدِهِ وَنِلْتَ به المُرادا
أفادَكَ يا ابن حربٍ ما أفادا / فباركَ فيكَ ربُّكَ ثم زادا
وعند الله يُلْتَمَسُ التّمامُ /
نظرتَ فهل رأيتَ أشدَّ صبرا / وأحسنَ منظراً وأجلَّ قَدْرا
كتائبُ من جُنودِ اللّهِ تَتْرَى / تَمُرُّ عليكَ واحدةً فأخرى
لها مِن دِينِها العالي نِظامُ /
تُكبِّرُ رَبَّها وتَراهُ حقّا / وتَبذُلُ فيه أَنْفُسَها فَتَبْقَى
لَكَ البُشْرَى نعمتَ وكنتَ تشقى / فماذا من أيادِي اللهِ تَلْقَى
لقد جَلَّتْ فليس لها انصرامُ /
لَنِعْمَ الصّاحبانِ الناجيانِ / على طُولِ التَّرَدُّدِ والتَّوانِي
حكيمٌ وابن ورقاءَ اللذانِ / أرادا اللَّهَ فيما يَبغيانِ
فليس بغير سُنّتِهِ اعتصامُ /
كِلا الرجلينِ غِطريفٌ كريمُ / له في قومِهِ حَسَبٌ قَدِيمُ
زعيمٌ جاءَ يصحبه زعيمٌ / كذلك يظهر الدينُ العظيمُ
فتعرفُهُ الغطارفةُ العِظَامُ /
مَضَى لك يا حكيمُ ولابن حربِ / قَضَاءٌ زادَ حُبّاً كُلَّ قلبِ
ومَن أولَى من الهادِي بِحُبِّ / وأجدرُ من عشيرتِهِ بِقُربِ
قريشٌ قومه وهو الإمامُ /
إذا جَعَلتْ قلوبُ الناسِ تهفو / فمن بَيْتَيْكُما حِرْزٌ وكَهْفُ
وعندكما ظِلالُ الأمن تضفو / وَوِرْدُ العيشِ للوُرّادِ يصفو
هما البيتانِ كُلّهما حَرامُ /
وفي حَرَمِ اللّواءِ لكلِ نَفْسِ / تَلُوذُ بهِ كِفايَةُ كُلِّ بأسِ
يَراهُ سَراةُ مَكّةَ فوق رَأْسِ / لِميمونِ النَّقيبةِ غيرِ نِكْسِ
مِنَ النفرِ الأُلَى صَلُّوا وصَاموا /
لِواءُ أبي رُوَيْحَةَ ما أعزّا / لِواءٌ قامَ للإيمانِ رَمْزا
يَهُزُّ قُلوبُ أهلِ الشِّركِ هَزّا / وَيترُكُ بأسَهُمْ ضَعْفاً وعَجْزا
فَمَنْ للقومِ إن وَقَعَ الصّدامُ /
لَكَ اللهُ أَقبِلْ أبا خَيْثَمهْ
لَكَ اللهُ أَقبِلْ أبا خَيْثَمهْ / فِللّهِ صُنْعَكَ ما أَكْرَمَهْ
قَعدتَ فلما كَرِهتَ القُعودَ / نَفرت حَثيثاً إلى المَلْحَمَهْ
دَخلتَ العَريشَ على نَعجتيك / فَسُبحانَ ربِّكَ ما أعظَمَهْ
نَعِيمٌ يَروقُ وظِلٌّ يشوقُ / وعَيشٌ يَسرُّكَ أن تَغْنَمَهْ
فذكَّرَكَ اللهُ حَرَّ الجهاد / وألهمَ قلبكَ ما ألْهَمَهْ
فقلتَ أيمضي الرسولُ الكريم / يُكابِدُ في اللَّهِ ما جَشَّمَهْ
وأبقى هُنا في هَوى نَعْجَتيّ / وَحُبِّ العريشِ كذِي الملأمَهْ
وَسِرْتَ فأدركَتَهُ في تبوك / وللجيشِ من حَوْلِهِ هَمْهَمَهْ
يقولون مَن ذا وما خطبهُ / ألا إنّه لأبو خَيْثَمَهْ
ألم يَكُ في المعشرِ القاعدين / فماذا عراهُ وما أَقْدَمَهْ
هُوَ اللَّهُ يَهدِي نُفوسَ الرجال / ويَرزقها البِرَّ والمَرْحَمَهْ
خَفُّوا يُلاقونَ النبيَّ بيثربٍ
خَفُّوا يُلاقونَ النبيَّ بيثربٍ / من بعدِ ما كَرِهوا الخُروجَ فأحْجَموا
فَنَأى وأعرضَ لا يُريدُ لِقاءَهم / وتَكشَّفوا فَمُبَغَّضٌ ومُذَمَّمُ
وَتقطَّعتْ أسبابُهم فكأنّهم / سَرْحٌ يُبدَّدُ أو بِناءٌ يُهدَمُ
سُودُ الوجوهِ تَرى العُيونُ قَتامها / فَتظلُّ تُطْعَنُ باِللِّحاظِ وَتُرْجَمُ
يَتلفَّتونَ إذا مَشَوْا وإخالُهم / لو يَقدِرونَ مِنَ الحياءِ تَلثَّموا
يَتقلَّبُ الآباءُ في حَسَرَاتِهم / وكأنّما الأبناءُ ليسوا مِنْهُمُ
هَجْرٌ وإعراضٌ وَطُولُ قَطيعةٍ / فالعيشُ سُمٌّ نَاقِعٌ أو عَلْقَمُ
هُمْ أجْرَمُوا فَهُوَ الجزاءُ وَهكذا / يُجْفَى ويُجْتَنَبُ المُسِيءُ المجرِمُ
وَيْحَ الثلاثةِ إنّهم مما لَقُوا / لأَشدُّ خَطباً في الرجالِ وأعظمُ
وَدُّوا لَو اَنَّ الأرضَ زالتْ فَانْطَوَتْ / ثُمَّ انْطَوَوْا فكأنّهم لم يأثَموا
ضاقتْ جَوانِبُها فلا مُتأخَّرٌ / فيها لأنفُسِهم ولا مُتقَدَّمُ
كلٌّ له في العالَمين جَزاؤُه / ومِنَ الجماعةِ حَاكِمٌ لا يَظْلِمُ
يَقْضُونَ إنْ عَقَلوا قَضاءً صالحاً / هُوَ للنّفوسِ مُهذِّبٌ ومُقَوِّمُ
فإذا هُمو جَهِلُوا فليس لدائِهم / طِبٌّ وليس لمثلِهم أن يَحْكُموا
سُبحانَ ربِّكَ ذي الجلالةِ إنّه / لم يُوجبِ الشُّورى لِمَنْ لا يَفْهَمُ
الرَّأيُ رأيُ ذَوِي المعارِفِ والنُّهَى / ومِنَ الرجالِ بَهائِمٌ لا تَعْلَمُ
قُدومٌ من أبي مُوسَى الهُمامِ
قُدومٌ من أبي مُوسَى الهُمامِ / وَوفدِ الأشعريِّينَ الكِرامِ
وَعَوْدٌ من غريبِ الدارِ ناءٍ / رَمى برحالهِ للبَيْنِ رامِ
يَفرُّ بدينِهِ ويُريدُ ربّاً / أقامَ رسولُه دينَ السّلامِ
أبا مُوسَى لَك البُشْرَى وأهلاً / بركبكَ في حِمَى خَيرِ الأنامِ
لَقيتَ مِنَ الأحبَّةِ كلَّ سمحٍ / وفيِّ العهدِ مأمونِ الذّمامِ
وَنِلتَ بدارِهم ما رُمتَ منهم / فهل لك بعد ذلكَ من مرامِ
إذا رقَّتْ قلوبُ القومِ كانت / بعافيةٍ من الدّاءِ العُقامِ
تَجولُ حقائقُ الأشياءِ فيها / فَمنِ غَلَقٍ يُفَضُّ ومن خِتامِ
وتُوقِظُها إذا الأكوانُ نامتْ / فما تلهو بأحلامِ النِّيامِ
إلى الإيمانِ والحِكَمِ الغوالي / سما نَسَبٌ بكم عالي المقامِ
شهادةُ أصدقِ الشُّهداءِ طُرّاً / وأنطقِهم بمأثورِ الكلامِ
أبا موسى نَهضتَ إلى محلٍّ / يَشُقُّ على ذَوِي الهِمَمِ العِظامِ
وَفُزْتَ بها حياةً ما لنفسٍ / تُجانِبُها سِوى الموتِ الزُّؤامِ
نِظامُ الدِّينِ والدنيا جميعاً / وهل شيءٌ يكونُ بلا نِظامِ
إلى اللَّهِ فارْغَبْ يا عَديَّ بن حاتمِ
إلى اللَّهِ فارْغَبْ يا عَديَّ بن حاتمِ / وَدَعْ دِينَ مَن يبغِي العَمى غيرَ نَادِمِ
إلى اللهِ فارغب وَاتَّبِعْ دِينَهُ الذي / يدينُ به المبعوثُ من آلِ هاشِمِ
خرجتَ حَذَارَ القتلِ من آل طيّئٍ / وما أنتَ من بَلوى القَتيلِ بسالمِ
كفَى النَّفسَ قَتلاً أن تَضِلَّ حَياتُها / وتذهبُ حَيْرَى في مَدَبِّ الأراقِم
أما ضِقْتَ ذَرعاً إذ علمتَ من العمى / مكانَك أم أنت امرؤٌ غيرُ عالم
عَدِيُّ اسْتَمِعْ أنباءَ أُختِكَ واسْتَعِنْ / برأيٍ يُجَلِّي ظُلمَةَ الشَّكِّ حَازِمِ
صَغَا قلبُه فاختارها خُطّةً هُدىً / تُجنِّبُ مَن يَختارُها كُلَّ لائِمِ
وسارت مَطاياهُ تَؤُمُّ مُحمّداً / وِضَاءَ الحوايا والخُطَى والمناسِمِ
فَأنزلَهُ في دارِهِ وأحلَّهُ / مَحلاً تَمنَّى مِثلَهُ كلُّ قادمِ
وقال له إنّي لأعلمُ بالذي / تَدِينُ بهِ فَاشْهَدْ تَكُنْ غيرَ آثِمِ
ألم تأخذ المرباعَ وَهْوَ مُحرَّمٌ / كدأبِ الأُلى سَنُّوه من كلِّ ظالم
فقال بَلَى إنّي إلى اللَّهِ تائبٌ / وإنّي رأيتُ الحقَّ ضربةَ لازِم
لأنتَ رسولُ اللَّهِ ما فيك مِرْيةٌ / لِمن يَمترِي والحقُّ بادِي المعالِمِ
تداركتُ بالإسلامِ نَفْسِي فأصبحَتْ / بعافيةٍ من دَائِها المُتفاقِمِ
هُو العِصمةُ الكبرى إذا لم تَفُزْ بها / نُفوسُ البرايا خَانَها كلُّ عاصِمِ
تأمَّلْ عَديٌّ ما يَقولُ محمدٌ / وَنَبِّهْ مِنَ القومِ العِدَى كلَّ نائمِ
سَيبسطُ دِينُ اللهِ في الأرضِ ظِلَّهُ / ويحكمُ من ساداتِها كُلَّ حاكم
وسوف يَفيضُ المالُ في كلِّ موطنٍ / وأرضٍ فما من آخذٍ أو مُزاحمِ
وتخرجُ ذاتُ الخِدْرِ ما إن تَروعُها / إساءةُ جانٍ أو مَضرّةُ جَارِمِ
فتُقبِلُ من بَصرى إلى البيتِ مالها / على الضَّعفِ والٍ من حُماةِ المَحارِمِ
هو اللَّهُ فاعْرِفْ يا عديُّ سَبيلَهُ / وَدَعْ خطراتِ الوهمِ من كلِّ واهمِ
هُنا يا سَراةَ الأَزْدِ حُطُّوا رِحالَكُمْ
هُنا يا سَراةَ الأَزْدِ حُطُّوا رِحالَكُمْ / فما أطيبَ المثوَى وما أشرفَ الحِمَى
هنا البِرُّ والتَّقوى هُنا الخيرُ كُلُّه / لِمَنْ كانَ يرجو أن يفوزَ وَيغنما
هُنا المنزلُ الميمونُ ما من مُوَفَّقٍ / يُريدُ سِواهُ مَنزلاً أو مُخَيَّما
أجِلْ يا ابنَ عبدِ اللهِ عينَيْكَ واقْتَبِسْ / مِنَ النُّورِ ما يَجلو الغياهِبَ عنهما
تبيَّنْ هَداكَ الله إنّك ناظرٌ / أجلَّ بني الدُّنيا جميعاً وأعظما
هَداكم به رَبٌّ تَدراكَ خَلْقَهُ / فجادَ به نُوراً مُبيناً وأنْعَما
وولاكَ أمرَ القومِ تمضِي مُجاهداً / بهم مَنْ يَلِيهم من رجالٍ ذَوِي عَمَى
شَكَتْ جَرَشٌ طولَ الحِصَارِ وما اشْتَكَتْ / لكم هِمَمٌ يرمِي بها اللَّهُ مَن رَمَى
رجعتم تُريدونَ المكيدةَ فَاعْتَرى / أذى الوهمِ من عُمَّارِها من تَوهّما
رأى شَكَرٌ من خطبِهم وبلائِكُمْ / مشاهِدَ هَزَّتْهُ فحيَّا وسَلّما
أكنتم كما ظنّوا تخافونَ بأسَهُمْ / ألم يَكْفِهِمْ أن يُضحِكوا السَّيْفَ والدَّما
هُمُ البُدْنُ بُدْنُ اللهِ ضَلَّتْ فمالها / سِوَى النَّحرِ تَلْقاهُ قضاءً مُحَتَّما
كذلك قال الصادِقُ البَرُّ إنّه / لَيُلْقِي الذي يُلْقِي من القولِ مُلْهمَا
أكانَ حديثاً للرسولَيْنِ ساقه / لقومهما أم كان جَيْشاً عَرَمْرما
هُما نبّآهم فَارْعَوَوْا عن ضلالِهم / وقالوا رسولٌ جاءَ بالدِّينِ قيِّما
وأصبح نورُ اللهِ مِلءَ ديارِهم / يُضِيءُ لهم ما كانَ من قبلُ مُظْلِما
يا بَنِي الحارثِ بن كَعْبٍ سَلامُ
يا بَنِي الحارثِ بن كَعْبٍ سَلامُ / أَذْهَبَ الرِّجْسَ عَنكمُ الإسلامُ
جاءكم خالدٌ بدعوةِ حقٍّ / فاستجبتم ما عابكم إحجامُ
عَظُمَتْ نِعمةُ النبيِّ عليكم / فاعرفوا دِينَهُ وكيف يُقامُ
كلُّ ما تَكرَهُ النُّفُوسُ من البَغْ / يِ وَسُوءِ الصّنيعِ فيه حَرامُ
لا يحلُّ القتالُ إلا بحقٍّ / وَهْوَ حَقٌّ مؤكّدٌ وذِمامُ
أنتمُ القومُ ما عليكم مَلامُ / قُضِيَ الأمرُ واسْتَراحَ الحُسامُ
وعجيبٌ إذا بَدا الحقُّ طَلْقاً / أن تَضِلَّ العقولُ والأحلامُ
يا بَنِي الحارثِ بنِ كعبٍ نزلتم / في حِمَى اللهِ مَنزلاً لا يُرامُ
ها هُنا ها هنا يَطيبُ المقام / هذه يَثرِبٌ وهذا الإمامُ
أرأيتم عِزَّ النبوَّةِ فيما / عَرَفَ النَّاسُ أو رَأى الأقوامُ
لا النبيُّونَ أوّلَ الدهرِ نالوا / بعضَ هذا ولا الملوك العِظامُ
قالَ وهو العليمُ إذ كلَّمَ القو / مَ ومِنْ مثلهِ يَطيبُ الكلامُ
بِمَ كُنتم في الجاهليّةِ تستع / لون بالنصرِ حين يحمَى الصِّدامُ
فأجابوه ذلكم أنّنا كن / نا جميعاً تضمُّنا الأرحامُ
صادِقي البأسِ للقلوبِ اتّحادٌ / حِينَ تَمضي وللصُّفوفِ الْتِئَامُ
صَخْرَةٌ ما تَطيرُ أو تَتفرَّى / إن تَفرَّى الحصَى وَطَارَ الرَغامُ
ثم كنَّا لا نَبدأُ النّاسَ بالظل / مِ نَعافُ الذي يَعافُ الكِرَامُ
نَكرهُ الشَّرَّ قادرِينَ ونأبا / هُ وللشَّرِّ في النُّفوسِ اضْطِرامُ
قال حقّاً لقد صدقتم وما كا / نَ ليُرجَى للظالِمينَ دَوامُ
إنّ زيداً أميركم فَاعْرِفُوه / وَاسْتَقِيموا لكلِّ أمرٍ نظامُ
سُنَّة اللهِ ليس للقومِ بدٌّ / من رئيسٍ يُلْقَى إليه الزِمامُ
عُدْ بخيرٍ يا ابنَ الحصينِ ونُعمَى / إنّك اليومَ لَلرئيسُ الهُمامُ
أَقْبِلْ رِفاعَةُ لا مُعَرَّجُ لامْرِئٍ
أَقْبِلْ رِفاعَةُ لا مُعَرَّجُ لامْرِئٍ / يَبغِي الذي تَبغِي ولا مُتَلَوَّمُ
جِئتَ الرسولَ المجتبَى من ربِّهِ / وقدِمتَ تتبعُه فنِعمَ المَقدِمُ
أكرمتَ نفسك فانطلقت تُريدُه / دِيناً هو الشّرفُ الأجلُّ الأعظمُ
يَبني الحياةَ على أساسٍ ثابتٍ / من قُوةِ اللَّهِ التي لا تُهْدَمُ
إن شئتَ أن ترقى بنفسِكَ صاعِداً / فعليكَ بالإيمانِ فهو السُّلَّمُ
وَهْوَ الجناحُ فإن ظَفِرتَ به فَطِرْ / واطْوِ الجِواءَ فأنتَ أنتَ القَشْعَمُ
لا تنهضُ الهِمَمُ الكِبارُ بغيرِه / سبباً ولا تَسمُو النُّفوسُ الحُوَّمُ
سَعِدَ الغُلامُ كما سَعِدَت وربّما / خَدَمَ السّعيدُ فكان مِمّن يُخْدَمُ
عَزَّت بسيّدِهِ العوالمُ أرضُها / وسماؤُها وَهوَ الأعزُّ الأكرمُ
أَفْضَى إليكَ بأمرِ قومِكَ فَاضْطَلِعْ / وَاعْزِمْ رِفاعةُ إنّ مثلَكَ يعزِمُ
وَخُذِ الكتابَ مُباركاً ما مثلُه / كتبتْ يَدٌ فيما يُخَطُّ وَيُرقَمُ
إقرأه مُتَّئِداً عليهم وَادْعُهم / أن يتبَعوكَ إلى التي هِيَ أقْوَمُ
وَلِمَنْ عَصاكَ مدىً فإنْ بلغوا المدَى / فاللّهُ يَقْضِي ما يشاءُ ويَحكمُ
أوَ ما كفى شهرٌ يجرُّ وراءَهُ / شَهراً لِمن يبغِي المحَجَّةَ مِنهُمُ
للّهِ قَومُكَ يا ابنَ زيدٍ إنّهم / سمعوا الكِتابَ فشايعوكَ وأسلموا
نُورٌ على نورٍ ونُعْمى زادها / من فضلِهِ الأوفى الكريمُ المنعِمُ
عَلِمَتْ خزاعةُ بعد جهلٍ فَاهْتَدَتْ / وإلى الحقائقِ يَهتدي مَن يعلمُ
إن يذكروا فَضْلَ الرجالِ وأيُّهم / أرْبَى فأنتَ السابقُ المتقدّمُ
بني سُلَيمٍ أَعُدُّوا الخيلَ وَاحْتَرِسُوا
بني سُلَيمٍ أَعُدُّوا الخيلَ وَاحْتَرِسُوا / إن كانَ يَنفعُكُم كَرٌّ وإقدامُ
زيدُ بنُ حارثةٍ زيدُ بنُ حارثةٍ / خَطبٌ جليلٌ وجُرحٌ ليس يَلتامُ
هل عِندكم أنْ تغشَّتْكُم سَرِيَّتُهُ / للسَّيفِ سَيْفٌ ولِلضِرغَامِ ضِرغامُ
مَشَى إليكم فهل قَرَّتْ منازلُكُم / وَاسْتَمسكَتْ مِنكُمُ الأعناقُ والهامُ
لولا التي انطلَقَتْ تَهْدِيهِ ما عُرِفَتْ / مِنكم ومنهنَّ آياتٌ وأعلامُ
فما الجَمومُ وما ضمّتْ مَنازِلُهُ / إلا ظنونٌ خَفِيَّاتٌ وأَوهامُ
أين الأناسيُّ جَلَّ اللَّهُ هل مُسِخُوا / لمّا رَأوْكَ فَهُمْ يا زيدُ أنعامُ
ما ثَمَّ إلا الأُلَى أَدركتَهم قَنصاً / لم يُغِنهِ إذ هَوَى خَوْفٌ وإحجامُ
عُدْ بالأُسارَى وبالغنمِ التي قَسَمَتْ / لَكَ القواضِبُ إنّ الغُنْمَ أقسامُ
يا زيدُ ما حقّ مَن دَلَّتكَ إذ صَدَقتْ / أسْرٌ تَضِيقُ به ذَرعاً وإرغامُ
مَنَّ النبيُّ عليها ثم أكرمَها / في مشهدٍ كُلِّهِ مَنٌّ وإكرامُ
نَالتْ بِنِعْمَتِهِ مِن بَعلِها هِبَةٌ / زَالَتْ لها كُرَبٌ شتَّى وآلامُ
بَني سُلَيمٍ أَفي دِينِ الفُسوقِ لكم / إلا ذُنوبٌ تَغَشَّاكُمْ وآثامُ
ما أخيبَ النفسَ في الدُّنيا وأخسرَها / إن أخطأ النفسَ إيمانٌ وإسلامُ
يا للبَلاءِ أَيُعْصَى اللَّهُ ليس له / كُفؤٌ وتُعْبَدُ أوثانٌ وأصنامُ