المجموع : 50
أَرى كُلَّ شيءٍ في البسيطةِ قد نَما
أَرى كُلَّ شيءٍ في البسيطةِ قد نَما / بعدْلِك حتى قد نَمَت أَنجمُ السما
تحلَّتْ بنجمٍ لا بل ابْتَسمتْ به / ومن سَرَّه شيءٌ يَسُرُّ تبسَّمَا
وما بَرِحَ الكفَّ الخضيبُ مُعَطَّلاً / فلما تحلَّى الدَّهرُ منكَ تختَّما
فلا يفتَخِرْ جوُّ السماءِ بنجْمِه / فكم أَطلَعَتْ أَفعالُكَ الغُر أَنْجُما
نجومُك ما أَعْيتْ على راصدٍ لها / وذا النجمُ أَعْيَا راصداً ومنجما
تخالفت الأقوال فيه وجمجت / ولم نر قولاً في معالِيكَ جَمْجَمَا
نراك نقلتَ الرُّمْحَ في الأُفْقِ راكِضاً / فأَبْقَيْت زُجّاً ثم أَلقيتَ لَهْذَما
وذا غلطٌ من فِكْرَتي إِذْ تَخَيَّلَتْ / وذا خَطَأٌ من خاطِري إِذ تَوَهَّما
أَبوك هو النجم الذي من مَحَلِّه / تطلَّع مُشْتاقاً إِليك مُسَلِّما
نُصرتَ بأَفلاكِ السماءِ فَشُهْبُهَا / خميسٌ به تُرْدِي الخميسَ الْعَرَمْرَمَا
فكم أَشرع الرمحُ السِّماكُ مُطاعِناً / عدوِّك حتَّى كادَ أَنْ يتَحطَّما
وما مَنْ غَدا في صفْحِة الأَرْض حاكماً / كمن ظلَّ في أُفْق السماءِ مُحَكَّمَا
رَقِيتَ إِلى أَنْ لم تَجِد لَك مُرتَقَى / وأَقدمْت حتى لم تَجِدْ مُتَقَدَّما
فما يُبرِم المقدارُ ما كنتَ ناقضاً / وما يَنْقُضُ المقدارُ ما كنت مُبرِما
فِدىً لابن أَيوبَ النجومُ فإِنهم / له خدم يُفدون منه المُخدَّما
وما زال أَعْلَى بالمكانةِ منهمُ / وما زالَ منهمْ بالهِداية أَعْلما
فلا تَقْرِبوه بالملوك فإِنَّهُ / أَجَلُّهُم أَرضاً وأَعلاهُم سَما
يَخِفُّون جهلاً حين يحلُم قُدْرةً / ويَخْفَون ذُلاً حين يبدُو تعظّما
إِذا بَخِلُوا أَعْطَى وإِن عَاقَبوا عَفا / وإِن غَدَرُوا أَوْفَى وإِن هَبَطُوا سَمَا
فَسيرَتُه لم تُبقِ في الأَرْضِ ظالِماً / ونائِلُه لم يُبق في الخلق مُعْدِمَا
له نَائِلٌ يَسْعى إِلى كُلِّ سَائِلٍ / فيطلبُه بالماءِ والزَّادِ أَيْنَما
وكم أَفْسَدَتْ أَموالُه قاصداً له / وقد يَرْجعُ الشِّيءُ الصحيحُ مُسقَّما
أَتاهُ فأَلفاه رَبيعاً وقبلَه / رأَى كلَّ جود في الأَنام المُحرَّما
ويَحْسبُه أَسْرى إِليه وإِنَّما / إِلى البَدْرِ أَسْرى أَو إِلى الْبَحر يَممَّا
أَصاب بكَ اللهُ البلادَ فَصَابَها / وهل يُخْطِئُ المرمَى ورَبُّكَ قد رَمى
ولو شَاءَ أَن يُغنِي الخلائقَ كلَّهم / لولاَّكَ أَرْزاقَ العِبادِ مُقَسِّما
فَفَخْراً لقدْ أَصبحتَ للخلق مَالِكاً / وأَصبحتَ فيهم للجميل متمِّما
وإِن أَخْطَئُوا لم يُخطِئُوا من جهالةٍ / عليكَ ولكن يُخْطِئُون لِتَحلُما
وسكتةُ حلم تُسْمع النَّهْيَ للنُّهى / وشكوةُ حَزْم يَخْفِض الدَّم للدِّمَا
لقد نُصِر الإِسلامُ منكَ بناصرٍ / يرى مغْنماً في الدِّين ما كان مَغْرَما
يذُبُّ عن البيتِ المحرِّم جُنْدُه / فلولاهُمُ ما كان بيتاً مُحرَّما
ولولاهُمُ ما كانَ زمزمُ زمزماً / ولولاهُمُ كان الحطيم مُحَطَّما
وأُقْسِم ما صَلَّى الحديدُ ترنُّما / ولكنَّه صلَّى عليه وسَلَّما
وأَثْنَى عليه كلُّ شيءٍ محبةٍ / وعادَ فصيحاً فيه ما كان أَعْجما
ففي مدحه صار النَّسيبُ مؤخَّراً / ومن أَجْله عاد المديحُ مقدَّما
رأَى ما دِحُوه المدح أَوْلَى فأَقْبلوا / عليه وخَلَّوا ذكر سُعدى وَكُلْثُما
ولو أَنصفَ الصبُّ المتيّمُ نفسَه / لما عَشِقَ الأَلْمَى ولا قبَّل اللَّما
ولولا اعتقادٌ للنفوسِ محبَّبٌ / لكان الكَرى كالسُّهدِ والرِّيُّ كالظَّما
له مُنْصُلٌ لا يَنْقَضي فرضَ حَجَّةٍ / فبالضرب لبَّى وهو بالسَّلِّ أَحرما
تنسَّك بالإِسلام لكن رأَيتُه / يَحِلُّ به بالشَّرعِ أَنْ يشْرَبَ الدِّما
فكم سَلَّ لمَّا سُلَّ من بطْنِ غِمدِه / لسانَ دَم من ضَرْبَةٍ خَلَقَتْ فَمَا
إِذا ما صلاحُ الدينِ سَار بجَيْشِه / فليس الحِمَى إِنْ أَمَّه الجيشُ بالحِمَى
تكاثَفَ فيه النَّقعُ واسْتُلَّت الظُّبى / بآفاقِه حتَّى أَضَاءَ وأَظْلَما
طليعتُه الوحشُ الضَّواري مُشيحةً / وساقَتُه الطَّيرُ الجوانحُ حُوَّما
يَقُولُ الذِي يَلْقَاه كَمْ فيه فَارساً / فَيُخْبِرُه المهزُوم كَمْ فيه ضَيْغَما
وكمْ فيه مَنْ يَلْقَى الكميَّ مقنعاً / بفرْحَةِ من يَلْقى الحبيبَ مُعَمَّمَا
وكم فيه من يَرْمِي ببعضِ سِهَامِه / فَيتْرُك دِرْع القِرْن بَرْداً مسَّهما
فيا قائِمَ الإِسلامِ حقّاً لقد غَدا / بك الدِّين دِيناً مثلَ ما قيلَ قيِّما
أَعدت إِلى مصرٍ سياسةَ يوسُفٍ / وجدَّدت فيها من سَمِيِّكَ مَوْسِمَا
فلم تُرَ إِلاَّ بهجةُ العدل منكما / ولم تُرَ إِلا سُنَّةُ العدلِ عنكما
كما أَنت فيها عادلٌ كان عادلاً / كما أَنْتَ فيها مُنْعِمٌ كان مُنْعِمَا
وأَحييتَ فيها الدِّينَ بعد مَماتِه / فأَنْتَ ابْنُ يعقوبٍ وأَنت ابنُ مَرْيَما
بقيتَ إِلى أَنْ تملكَ الأَرضَ كلَّها / ودُمْتَ إِلى أَنْ يرجعَ الكفرُ مُسْلِما
وقرَّتِ بسيف الدِّين عينُك إِنَّه / حُسَامٌ به تُزرِي الحُسامَ المُصَمْصَما
شبيهُك عدلاً أَو شريكُك نسبةً / فيا طيبَ أَصلٍ فيكما قد تقسَّما
وكَمْ قائلٍ من يملكُ الدَّهرَ قادراً / عليه فقلْتُ المالكانِ له هُمَا
رأَيتُ طرفكَ يوم الْبَيْنِ حين هَمَى
رأَيتُ طرفكَ يوم الْبَيْنِ حين هَمَى / فالدَّمعُ ثغرٌ وتكحيلُ الجُفُونِ لَمَى
فاكفُف ملامَك عنِّي حين أَلْثُمُه / فما شككتُ بأَنِّي قد لثمتُ فَمَا
لو كان يَعلَمُ مع عِلْمِي بقسوتِه / تأَلَّم القلبِ من وَخْزِ الملاَمِ لَما
رنا إِليَّ فقال العاذلون رَنَا / وما أَقولُ رَنا لكن أَقول رَمى
رمَى فأَصمى ولو لم يَرْمِ متُّ هوىً / أَما ترونَ نُحولي في هَواهُ أَمَا
وبات يَحْمي جُفوني عَنْ طروق كرىً / ولم أَرَ الظَّبيَ منسوباً إِليه حِمى
وصاد طائرَ قلبي يوم ودَّعني / يا كعبةَ الحُسْن قد أَحْلَلْتِه حَرَما
يا كعبةً ظلَّ فيها خالُها حجراً / كم ذا أَطوفُ وكم أَلْقاه مستلما
مذ شَفّ جِسْمِيَ عن نار الغرام ضنىً / رُئِيَ الشُّعاعُ على خدَّيه مُضْطَّرما
وشفَّ كأْسُ فمٍ منه لرقته / فلاحَ فيه حُبَابُ الثَّغْرِ مُنْتظِمَا
يا كَسرةَ الجفنِ لِمْ أَسْمَوْكِ كَسْرتَه / وجيشهُ بكِ للأَرواحِ قد غَنِما
ولِمْ أَغَرْتِ على الأَرواحِ ناهِبَةً / إِن كان ذلك عن جُرْمٍ فلا جَرَما
مولاكِ فاق مِلاحَ الأَرض قاطبةً / فهْوَ الأَميرُ أَضْحَوا له حَشَما
أَقولُ والرِّيحُ قد أَعْلَتْ ذوائِبَه / أَصبحتَ فيهمْ أَميراً بل لَهُمْ عَلَمَا
شكوتُ طيفكَ في إِغبابِ زورته / لأَن مِثليَ لا يستَسْمن الوَرَمَا
ولستُ أَطلبُ منه رِفْدَةُ أَبداً / لأَن ذا الحِلْمِ لا يَسْتَرْفِد الحُلُما
لكنَّ عهداً قديماً منكَ أَذكرُه / ورُبَّما نُسي العهدُ الذي قَدُما
وزاد حُبِّي أَضعافاً مضاعفَةً / وطالما صَغُر الشيءُ الذي عَظُما
ولستُ أُنكر لا رَيْباً ولا تُهماً / من يَعْرفِ الحبَّ لا يستنكِر التُّهَما
ولست أُتبع حبِّي بالملال كما / لا يُتْبِع ابنُ عليِّ بِرَّه نَدَمَا
ذاك الأَجلُّ الذي تلْقَى منازِله / فوقَ السِّماكِ وتلْقَى جُودَه أَكَمَا
أَغْنى وأَقْنى وأَعطَى سُؤْلَ سائِله / وأَوجَد الجودَ حتى أَعْدم العَدَما
وقصَّر البحرُ عنه فهو مكتئبٌ / أَمَا تراه بكفَّيْ مَوْجِه الْتَطَما
وولَّت السُّحبُ إِذ جارته باكيةً / أَما ترى الدَّمعَ من أَجفانها انْسَجَما
ولو رأَى ابنُ أَبي سُلمى مواهِبَه / رأَى جَدَا هَرمٍ مثل اسمه هَرِما
ولو أَعار شَمَاماً من خَلائِقه / حلماً لأَصبح في عِرْنِينِه شَمَماً
ومذ رأَيت نَفاذاً في يَراعته / رأَيتُ بالرمح من أَخبارها صَمَماً
إِذا امتطى القلمَ العالي أَناملُه / جلا الطروسَ وجلَّى الظُّلمَ والظُّلمَا
قَضَى له اللهُ مُذْ أَجْرى له قَلَماً / بالسَّعْدِ مِنْه وَقَدْ أَجْرى به الْقَلَما
ذاتُ العِمادِ يمينٌ قد حَوَتْ قَلَماً / وهو العمادُ لمُلْكٍ قد حَكَى إِرَما
يُريك في الطَّرسِ وهْوَ الأُفْقُ زاهرةً / وقد يُرى منه زهرُ الرَّوضِ مُبْتَسِما
ويَرْقُم الوشيَ فيه من كتائِبه / وما سَمِعنا سِواه أَرْقَماً رَقَما
سطورُه ومعانيها وما اسْتَتَرت / هُنَّ السُّتُور وهذي خَلْفَهُنَّ دُمَى
تبرَّجَتْ وهَيَ أَبكارٌ ولا عجب / إِنَّ التخفُّر من أَبكارها ذُمِماً
فخراً لِدَهْرٍ غدا عبدُ الرحيم به / بالأَمر والنَّهْي يُبْدي الحُكْم والحِكما
أَسْمَى الوَرَى وهْوَ أَسْنَاهُمْ يداً وندى / وأَوسعُ النَّاسِ صدراً كلَّما سَئِما
وأَعْرَقُ النَّاسِ حقّاً في رِيَاستِه / وأَقدَمُ النَّاسِ في اسْتِحقاقِهَا قَدَمَا
كساكَ ربُّك نوراً من جَلالَتِه / يَلقى الحسودَ فيكسو ناظِريْهِ عَمَى
يلُوحُ في الصَّدْرِ منه البدرُ حين سَما / والغيثُ حين هَمَى والبَحْرُ حين طَمَا
يُغْضِي حياءَ ويُغْضَى من مهابته / فما يُكَلَّم إِجلالاً إِذا ابتسما
لما عَلِقْتُ بحبلْ من عِنايَتهِ / صالحْتُ دَهْري فلم أُوسع له ذَمَمَا
وحين طاله طرفي سَعْدَ طلْعَتِه / رأَيتُ طرْفي في أَفق العلاَ نَجَما
وكان قَدْماً ذَوُو الأَقدارِ لي خَدما / فصرتُ منه أَرَى الأَقدار لي خَدما
يأَيُّها الفاضلُ الصِّديق منطقُه / إِنِّي عَتيقُكَ والمقصودُ قَدْ فُهِما
أَعَدْتَ للعبدِ لما جئتَ عائِدَهُ / رُوحاً وأَهلكتَ من حُسَّاده أُمَمَا
تركتهمْ ليَ حُساداً على سَقَمِي / وكَمْ تمنَّوْا لي الأَدْواءَ والسَّقَمَا
فقلتُ ما بي إِليهم ثم قُلْتَ لهُم / لا تَسْلمُوا إِنَّ هذا العبدَ قد سَلِمَا
تفضُّلٌ منك أَعْلَى بينهم قِيمي / ومِنَّةٌ منكَ أَعْلَتْ فوقَهُم قِمَمَا
هبْلي من القول ما أُثني عيك بِه / بُخْلاً فإِنَّك قد أَهلكتَني كَرَما
شُكْرِي لِنُعْمَاك دَيْنٌ لي أَدِينُ به / والكُفْرُ عِنْدِيَ أَن أَشْكُرَ النِّعما
مَدَحْتُ السُّرى وهي الحقيقةُ بالَّمِّ
مَدَحْتُ السُّرى وهي الحقيقةُ بالَّمِّ / لفرقةِ أَرضٍ غاب عن أُفْقِها نجمي
إِذا خَلَتِ الأَوطانُ ممن أُحبُّه / فلا قامَ فيها للحَيَا موسُم الوَسْم
ديارٌ رأَيتُ الصُّبحَ من بعدِ أَهْلِها / أَشدَّ سواداً من حَنادسِه الدُّهْم
خَلَتْ من حبيبِ القلب إِلا خيالَه / كجسمي خَلاَ بالبَينِ إِلاَّ من السُّقْم
يُسائِلُني عنه صداها لظَنِّه / بأَن الصَّدى والرَّسمَ صَوْتي مَعَ الجسم
حَبيبي له مِّني الفؤادُ صَبَابةً / بأَجْمَلَ من جُمْلٍ وأَنعَمَ من نُعْم
قرأتُ كتابَ الحُسْنٍ من خَطِّ خدِّه / أَلم تَره في خَدِّه واضحَ الرَّقْم
فباءُ عِذَارٍ فَوْقَه سِيْن طُرَّةٍ / إِلى ميمِ ثَغْرٍ فَهْو أَوَّلُه بَسْم
وقيل تُسَمَّى الخمرُ إِثماً وإِن يكن / فريقتُه الإِثم البَرِيءُ من الإِثم
كأَنيَ لم أَسْكَر بخمرةِ رِيقه / وعَرْبَدْت لكنْ فَوْقَ خدَّيهِ باللَّثم
ولم أَر غُصْناً مائِلاً مِنْ قَوَامِه / يُقوِّمه لكِنْ عِنَاقِيَ أَو ضَمِّي
ولم أَصرع العذَّالَ في مَعْركَ الهوى / ومن قدِّه رُمْحِي ومِنْ لَحْظِه سَهْمِي
ولم تَلْتقِ الرُّوحان رُوحِي ورُوحُه / وغايةُ غيرِي يَلْتقي الجسمُ بالْجسْم
ولم أَرْضَ منه جنَّةً هان عِنْدَها / عليَّ دخولُ النارِ فيها عَلى عِلْم
زمانٌ كأَنِّي لم أَفُزْ فيه بالمُنىَ / ولم تَنْزِلِ اللَّذاتُ فيه على حُكْمي
فحِلْميَ إِلاَّ فيه حِلْمُ ذوي النَّهى / وصَبْرِيَ إِلاَّ عنه صبرُ أُولي العزم
وذاك دنوٌّ آل مني إِلى النَّوى / وذاك سرورٌ آل منه إِلى الهمِّ
كذا خُلِقَتْ فالقربُ للبعْدِ والرِّضَا / إِلى السُّخْطِ والقَصْرُ المشيدُ إِلى الْهَدْم
نَسيتُ سِوى دارٍ بكيتُ برَسْمِها / وذَلِكَ رَسْمي إِنْ وَقَفْتُ على الرَّسم
وديعةُ مسكٍ في ثَراها وجْدتُها / فصيِّرتُ لَثْمِي للوَدِيعةِ كالخَتْمِ
على سُنَّةِ العُشَّاقِ أَو بِدْعةِ الهوى / حَمَلْتُ بجهْلي إِذْ جهِلْتُ على حِلْمِي
ولكنني أَنْشَرْتُ فهمِي من البِلَى / كما أَنَّنِي أَيقظْتُ حِلْمي من الحُلْمِ
وأَقبل نُسْكِي حينَ ولَّتْ شَبيبَتي / وآضَ اجْتِرامِي حين عاتَبَه حزْمِي
فجِئْتُ إِلى الإِسكندريةِ قاصداً / إِلى كعبةِ الإسلامِ أَو عَلَمِ العِلْم
إِلى خيرِ دينٍ عنده خَيْرُ مُرشِدٍ / وخيرِ إِمامٍ عنْدَهُ خيرُ مُؤْتَمِّ
إِلى أَحمدَ المُحيي شَريعةَ أَحمدٍ / فلا عَدِمتْ منهُ أَباً أُمَّهُ الأُمِّي
حَمَى بدُعاءٍ أَو هَمَى بفوائدٍ / فبُورِكَ مَنْ ما زَال يَحْمي كما يَهْمِي
تقوَّس تقويسَ الهِلالِ تهجُّداً / وذاك هلالٌ يَفْضَحُ البدرَ في التمِّ
إِذا ما شياطينُ الضَّلالِ تمرَّدت / جِدَالاً فمِنْ أَقواله كَوْكَبُ الرَّجْمِ
تكادُ لديْه العربُ والفخرُ فَخْرُها / تُقِرُّ به أَنَّ المفاخرَ في العُجْمِ
أَبُو الدَّهر عمراً واعْتِزَاماً ومنصِباً / فلا ذاقَ منه دهرُه فَجْعَةَ اليُتْم
أَتيتُ له مُسْتَشْفِعاً بدُعائِه / يُقِيلُ به جُرْمِي ويَشْفَعُ في إِثمِي
ويمَّمْتُ يمّاً حُزْتُ في اليَمِّ قَبْلَهُ / إِليه فمِنْ يمٍّ وَصَلْتُ إِلى يَمِّ
وفارَقْتُ مَالا يُسْتَطاعُ فِراقُه / فيالكَ عَدْلاً لاَحَ في صُورَةِ الظُّلْمِ
وخلَّفتُ إِخواناً كِرَاماً ومَعْشَراً / إِذا مَرِضُوا دَاوَوْا سقيمَهمُ باسمي
فهل عِندَكُم أَنِّ نزلتُ بِبَلْدَةٍ / هي الثغرُ إِلاَّ أَنه بَاردُ الظَّلْم
ترى أَهُله كسبَ المحامِد في النُّهى / وحَوْزَ العُلى في البِرِّ والغُنمْ في الغُرْمِ
شَكْرتكُمُ يا أَهْلَ اسْكندريَّةٍ / لأَنَّكُمُ أَنأَى الأَنامِ عن الذَّمِّ
فإِن أَنا واصَلْتُ المقامَ فعن رِضىً / وإِنْ أَنا أَزْمَعْتُ الرَحيلَ فَعَنْ رَغْمي
سأَحبوكُم رِقَّ القوافي فإِنَّني / بغير اخْتِلاقٍ مَالِكُ النَّثْرِ والنَّظْمِ
تقنَّعتُ لكِنْ بالحبيبِ المعَّمَّمِ
تقنَّعتُ لكِنْ بالحبيبِ المعَّمَّمِ / وفَارَقْتُ لكِنْ كلَّ عَيْشٍ مُذَمَّمِ
وبَاتَتْ يَدِي في طاعةِ الحُبِّ والهَوى / وِشاحاً لخَصْرٍ أَو سِواراً لِمعْصَمِ
وأَثْريتُ من دينار خَدٍّ مَلكْتُه / وأَحسنُ وَجهٍ بعدَه مثلُ دِرْهمِ
يزيدُ احْمِراراً كُلَّمَا زدْتُ صُفْرَةً / كأَنَّ به ما كان فِيَّ مِنَ الدَّم
توقَّد ذاك الخدُّ فاخضَرَّ نُضْرَةً / فأَبْعدتُ مِنْهُ جَنَّةً فِي جَهَنَّمِ
وفيه خَطُّ مِسْكٍ لاَحَ في طِرْس وجنة / لها الوردُ يُعزَى والبَنَفْسَجُ يَنْتمِي
وما زالَ سُقْمِي قبل يومِ وصالِه / يَنمُّ بعشْقي للعِذَارِ المُنَمْمَمِ
وبتُ اشتياقاً إِذْ تَلَثَّم فَوْقَهُ / وما بُغْيَتي إِلا بَلْثم الملثَّم
ولا عجباً إِنْ مِتُّ فيه صَبابَةً / فما النَّفْسُ إِلا بعْضُ مَغْرَم مُغْرَمِ
بنفْسِيَ من قبَّلتُه وَرَشَفْته / فقال الْهَوى فُزْ بالحطيمِ وزَمزمَ
وجرَّدتُ قلبي من ثياب هُمُومِه / فطافَ به والقلبُ في زِيِّ مُحرِم
وعَطِّر لفْظِي في الحَديثِ سُلوكُه / على قُبلةٍ قد كان أَوْدَعَها فَمي
سَعِدْتُ ببدر خَدُّه بُرجُ عَقْرَب / فكذَّب عندي قولَ كُلِّ مُنجِّم
إِليك فما بَدْرُ المقنَّعِ طالعاً / بأَسحرَ من أَلحاظِ بدرِي المعمَّم
وأُقْسِمُ ما وجهُ الصَّباحِ إِذا بَدا / بأَوضحَ مِنّي حُجَّةً عند لُوَّمي
ولا سيّما لمّا مررتُ بمنزلٍ / كفضلةِ صبرٍ في فؤَادٍ متيَّم
وما بان لي إِلاَّ بعُودِ أَراكةِ / تعلَّق في أَطرافِه ضَوْءُ مَبْسِمِ
وقَفْتُ به أَعتاضُ عن لَثْمِ مَبْسِم / شهِيٍّ لقلبي لَثْمَ آثَارِ مَنْسِمِ
ودِمْنةُ من أَهواهُ في الحُسْنِ دُميَةٌ / وتصديقُ قولِي أَنَّها لم تكَلَّم
بكَيْتُ بكِلتَا مُقْلتيَّ كأَنَّني / مُتمِّمُ مل قد فَاتَ عَيْنيْ مُتمّمِ
ولم يَرَ طَرْفِي قطُّ شَمْلاً مبدَّداً / فقابَلَهُ إِلاَّ بدمعٍ مُنظَّم
تَبَسَّم ذاكَ الثَّغْرُ عَنْ ثَغْرِ دَمْعَةٍ / وَرُبَّ قُطوبٍ كَامِنٍ في التَّبسُّمِ
ولم يُسْل قَلْبِي أَو فَمي عن غَزَالةٍ / وعن غَزَلي إِلا مديحُ المُعظَّم
هو الْملِكُ المُعْطِي الممالِكَ عُنْوةً / بمَجدٍ صميمٍ أَو بجِدٍ مُصَمِّم
إِذا حَازَ مُلْكاً ثم أَطْلَقَ ربَّه / سليماً فقد فازَ الطليقُ بِمَغْنَمِ
تَخِرُّ لديه رهْبَةً مِنْهُ سجَّدا / ملُوك البَرايَا من فَصِيحٍ وأَعجم
إِذا خرَّ منهم ساجدٌ كَانَ شأْنُه / كما قِيل قِدْماً لليَدَيْنِ وللفَمِ
سَلاَمُ الذي يأْتيه منهم سجوده / لأَبلجَ هطَّالِ اليمينين مُنْعِم
ففي أَرضه من لَثْمِه إِثْرُ مَبْسمٍ / وفي وجهه من تُرْبِهَا إِثرُ مَيْسَمِ
غدا بأْسُه يحمي حِمَاه وقد غَدَا / به الدّهر منه يَسْتَعِد ويَحْتَمِي
فلو ذَكَرَتْه الطيرُ أَو سمَّت اسمَه / لما راعَها في جوِّها بأْسُ قَشْعَمِ
أَخو فَتكاتٍ لا تزالُ سُيُوفُه / تَخُطَّ سطورَ النَصر في جَبْهَةِ الْكَمِي
فقد أُرْسِلتْ حتْفاً إِلى كلِّ كافرِ / كما أُرْسِلتْ فَتْحاً إِلى كُل مُسْلِم
وأَصبح يُعْدى السيفَ تَصميمُ عزمِه / فمنْ ذَا يُسَمَّى بالحُسامِ المُصَمِّم
وأَسهمه في صَدِّ كلِّ مُدرّع / فما الدِّرعُ منها غيرُ بُرْدٍ مُسهَّمِ
إِذا صاد غِزْلاَنَ الفَلاَ كُلُّ أَصْيَدٍ / فمولاهُمُ من صَيْدهِ كُلُّ ضَيْغَم
ومَنْ إِن تَحلَّتْ خيلُهم كَانَ طَرْفُه / محلَّى بما أَجرى عليه من الدّمِ
ومن عدَّ رَكْضَ الخَيْلِ نَوْعَ استراحةٍ / وعدَّ لِبَاس الدِّرْعِ بَعْضَ تَنَعُّم
فأَعطرُ طيبٍ عنده نَقْعُ مَعْرَكٍ / وأَوْطَا مِهادٍ عندهُ ظَهْرُ شَيْظَم
وكَمْ عابِدٍ من قبلهِ لابن مريمٍ / رآه فَأَضْحَى كافراً بابْنِ مريم
له الجُرْدُ لا تَدْرِي سِوى الكرِّ وحْدَه / وإِن كان كرّاً بين نَصْلٍ ولَهْذَم
تَصامَمُ عنه إِذ يقولُ لها قِفي / وتَسْمَعُ منه إِذْ يقولُ لها اقْدمِي
وكَمْ قلعةٍ فوقَ السماءِ أَساسُها / وعامِرُها من أَسلافِ عاد وجُرْهُم
رقى سلَّماً للعِزِّ أَوصَلهُ لها / فقد نالَ أَسبابَ السماءِ بِسُلَّمِ
أَتاها وكانت ذَاتَ قصرٍ مشيّدٍ / فأَضحت لديه ذَاتَ سُورٍ مُهدَّم
ولم يبق من أَبطالها غيرُ أَعزبٍ / ولم يَبْقَ من نِسْوانِها غَيْرَ أَيِّم
لَكَ اللهُ مَلْكاً لا تزالُ يمينهُ / تجودُ بشَهْدٍ أَو تجودُ بعَلْقَمِ
فتَهمِي على العادين طوراً بأَبْؤُسٍ / وتهْمِي على العافِين طَوراً بأَنعُم
تَجُودُ إِذا ضَنَّ الغَمَامُ بقَطْرِه / فتُغنِي البرَايا عن سُؤَالِ مذمَّم
لقد جُدْتَ حتى عُدْتَ مُوجِدَ وَاجِد / لما يُرْتجى بل عُدْتَ مُعْدِمَ مُعْدِم
أَرى الكَرَم الفيَّاضَ منك سَجيةً / وكم من كريمٍ جودُه عن تَكرُّمِ
أَيا مَلِكاً أَرْجُو نَدَاهُ وإِنَّني / لامُلُ إِقْدَامي به وتَقَدُّمِي
رأَيْتُكَ بحراً طَبَّقَ الأَرضَ مَدُّه / فلم يَبْقَ عندي رُخْصَةٌ في التَّيَمم
وجئْتُكَ أَرجو منك كَبْتاً لحسّدِي / كما أَنَّ قَلْبِي فيكَ خَالَفَ لُوَّمِي
سَيخْدُمُ مِنك الشمسَ مني عُطَارِدٌ / ويُبْدي كلامِي في سَمائِكَ أَنْجُمِي
ويُغْنيكَ لَفْظِي عن حُسَامٍ مُجرَّد / وتُغْنِيك كُتْبي عن خميسٍ عَرَمْرَم
فخُذْها فقد جاءَتك من مُتَأَخِّرٍ / مُجِيد وليس الفَضْلُ للمتقدِّمِ
نَفْسٌ تَحِنُّ إِلى مَهَا
نَفْسٌ تَحِنُّ إِلى مَهَا / تَحْكِي لها آلامها
ويَزِيدُها أَلَماً إِذا / هَويتْ بها إِلْمامَها
بأَبي ليالِيها الَّتي / قد خِلْتُها أَيّامَها
كم سَاعَةٍ منها بَكَتْ / عَيْني عَلَيْهَا عَامَها
حَسْبُ اللَّيالي أَنْ أَمُو / تَ بمن سَهِرْتُ ونَامَها
فقيامَتي قامت ولَيْ / سَ سِوَى الحبيبِ أَقامها
يا مُسْقِمِي بِلَواحِظٍ / أَهْدَتْ إِليّ سَقَامَها
عيني رأَت إِلْفاكُمَا / نَظَرَتْ بخدّكَ لاَمَها
فأَخذْتُ رقَّتهَا ضَنىً / وأَخَذْتَ أَنت قَوَامَها
تشكو جُفُونِي من دمو / عِي ريِّها وأُوَامَهَا
ما خاض طَيْفُكَ لُجّةً / للدمعِ لكِنْ عَامَها
قل للَّوَائِم لا سَمِعْ / تُ على الحبيبِ مَلاَمَهَا
قد ذقْتُ من نارِ المرا / شِفِ بَرْدَها وسَلامَهَا
ولَثَمْتُ فوق لِوَى / الثَّنيّة بالِّلوَى بَسَّامَها
وكذاكَ قُلْ للدّارِ لا / أَخْلَى الفِراقُ مُقَامَها
أَجْرَتْ عليَّ نجومُ أَر / ضِك في الهوى أَحْكَامَها
لو كَانت الأَوطانُ طا / ئِفةً لكُنت إِمَامَهَا
دامت عليك سحائبٌ / ما أَنْ تَملَّ دوامَها
تَهْمي كمِثل يَدٍ تُفِيضُ / على الوَرى أَنْعَامَها
مَلْثُومةٌ ليستْ تَحُ / طُّ من الشِفاهِ لِثامَها
تشكو من الأَفْواهِ / كَثْرَتَها بِها وزِحامَها
عبدُ الرحيم لما أَنا / م به الأَنامَ أَقامها
قد وفَّرتْ للعالمي / ن من النَّوالِ سِهَامَها
وكذا البريَّةُ سدَّدتْ / في المدحِ فيه سِهامَها
مولىً عَلاَ رُتَباً عَلَتْ / فَهَوتْ له إِذْ رَامَهَا
وغلت على من سَامَها / وعَلت على مَنْ شَامَها
تَاهَتْ به الدنيا فَتَ / وّه ظُلْمهَا وظَلامَها
وصَبَتْ إِليه وزارَةٌ / أَلْقَتْ إِليه زِمَامَها
ولقد أَطاب زَمانَها / حتى أَطالَ زِمَامَهَا
مُذْ سارَ فيها عَزْمُهُ / وَقَفَتْ عليه غَرامَها
قد أَرضَعَتْهُ المكرما / تُ فما أَحبَّ فِطامَها
وزكَتْ له نفسٌ فما / جَلبت إِليه أَثامها
بل صيّرته للدِّيا / نَةِ للأَنامِ إِمَامَها
علاَّمَها عمَّالَها / صوّامها قَوَّامَها
هذِي هي النَّفسُ التي / أَضحَى الأَجلُّ عِصامَها
وبكفِّه القلمُ الَّذي / يَسْقِي العُدَاةَ حِمامَها
إِن خطَّ حطَّم رُمْحَها / أَوصَالَ فلَّ حُسَامَها
وله البريَّةُ كلُّها / قد أَسجَدَتْ أَقلامَها
ولقد أَبانَ كلامَ حا / مِلِه بِأَنَّ كَلاَمَها
يا مَنْ إِذا أَولى امْرَأً / مِنَناً عليه أَدامها
شُكراُ لأَنْعُمِك التي / أَولَيتَ مِنك جِسَامَها
قد عُدْتَنِي فأَعدتَ لي / رُوحاً تَراكَ قِوَامَها
وردَدْتُ فَارطها وقَدْ / نَثَرَ السَّقَامُ نِظَامَها
وَرَفَعْت قَدْرِي بين / حُسّادٍ عَكَسْت مَرامَها
كم نعمةٍ لله قد / أَصبحت أَنْت تَمَامَهَا
يا ذا الَّذِي يُطْرِبُه كُلَّما
يا ذا الَّذِي يُطْرِبُه كُلَّما / قيل له إِنَّ فُلاناً سَقِيمْ
ثُمَّ إِذا قيل له إِنَّهُ / عادَ سلِيماً عادَ مِثلَ السَّلِيم
يا ضُحْكَةً يَبْكي على نَفْسِهِ / ويا حدِيثاُ ذِكْرُهُ في القَدِيمْ
أَنت من الداءِ فدَايَ فلا / تحْردِ فقولي واضِحٌ مستقيمْ
أَبي كإِبراهيمَ في نُسْكِه / وبشَّروهُ بغلامٍ حليمْ
وهْوَ أَنا فافْهمْ ولا بدّ أَنْ / أُفْدَى وحاشَاك بكبشٍ عظيم
سُعودُك ردّت ما ادّعاه المُنَجِّم
سُعودُك ردّت ما ادّعاه المُنَجِّم / وقد كذَّبَتْه في الذي كَانَ يَزْعُمُ
يبشّر بالريح العقيمِ وإِنها / كما قال عمّا قَالَهُ بِكَ تعْقُمُ
ويُقْسمُ أَنَّ الأَمْر لابدَّ كائِنٌ / وبالأَمرِ قد أَحنَثْتَه حِينَ يُقْسِمُ
وجُودُك أَمْنٌ للوجودِ من الذي / عن الريح يَحْكي أَوْ بِه النَجمُ يَحْكُم
وقد قِيلَ أَحْكامُ النجومِ على الوَرى / وأَنت على أَحكَامِهَا تَتَحكَّم
وما بَرِحَتْ حبّاً تودّ لو أَنَّها / لناديك تَهْوى أَو لتُرْبِك تلثم
وأَنتَ الَّذي وهْي الَّتي في سمائِها / تُشِيرُ إِليها من بعيدٍ فَتَفْهَم
ويَلدغ فيها من يعاديك عقْربٌ / ويَفْرِسُ فيها مَنْ يُدانِيك ضَيْغَمُ
وتَحْنِي لك القوسَ التي من بروجها / فَترْمِي بها الأَعداءَ والشُهْبُ أَسْهُمُ
ولو شئتَ كانَتْ من هِباتِك إِنما / لَك الشمسُ دينارٌ لك البدرُ دِرْهَمُ
وما اجتَمَعَتْ إِلا لنَظْمِ قصيدةٍ / وأَنْتَ الذي علَّمْتَنَا كيفَ تَنْظِم
نُهنِّيك بالشهر المرجَّبِ إِنَّه / يُرجَّب فينا كاسْمِه ويُعَظَّم
وبالبرءِ من بعد البِشارة إِنَّه / لجسمك بُرْءٌ بعدَه ليس يَسْقُم
ونشهد أَن الشَّهرَ شَهْرٌ مبارَكٌ / عليك وأَن الْبُرْءَ بُرْءٌ متمَّمُ
وأَنَّكَ منها بِالهلالِ متوّجٌ / وأَنَّكَ منها بالثريا مُختَّمُ
وأَنك في الحالَيْن تعلُو وترتقي / وأَنَّك في الحَاليْن تَبقَى وتَسْلَم
وأَنَّك في البأْساءِ تُخْشى وتُتَّقى / وأَنك في السّراءِ تُعطي وتُنْعِمُ
فما يُبْرمُ المقدارُ ما أَنت ناقضٌ / ولا يَنْقُضُ المقدارُ ما أَنت مُبْرِم
تقوَّضُ أَطنابُ الزمان ترحُّلاً / وملكُكَ من بَعْد الزَّمان مُخَيَّم
ويُطْوى سجِلُّ الأَرضِ من قبلِ طيِّه / وتنهدِمُ الدنيا وما يُتَهدَّمُ
فبعداً لعبّادِ النُّجوم أَما دَرَوْا / بأَنك أَقوى بالأَنام وأَقْوَمُ
وما خَدَمُوا الأَفلاكَ إِلاَّ لأَنها / بأَمرِك تَجْري أَو لأَمْرِك تَخْدُمُ
أَراد ملوكُ الأَرض سَعْدَك واشْتَهوا / تعلُّمَه والسعْد لا يُتعلَّم
ملكتَ أَقاليمَ المُلوكِ وإِنَّما / سَهِرتَ وأَملاكَ الأَقاليم نَوَّم
تسلَّمها الأَملاك حقّاً وإِنَّما / لجيشك منها أَسْلَموا ما تسلَّموا
طلعتَ عليهم بالصَّباحِ من الظُّبى / يُحيط بِه لَيْلٌ من النَقْعِ مُظْلِم
فساءَ صَبَاحُ المنْذّرِين لأَنه / صباحٌ به زُرْقُ الأَسنةِ أَنجمُ
وجيشٌ به أُسْد الكريهة غُضَّبٌ / وإِن شئتَ عِقبانُ المنيةِ حُوَّم
يَعفُّون عن كسبِ المغانِم في الوْغَى / فليس لهم إِلاَّ الفوارسُ مَغْنَمُ
إِذا قاتلوا كانوا سكوتاً شجاعةً / ولكن ظُبَاهُم في الطَّلى تتكلَّم
بإِقدامِهم نالوا الحياةَ ورُبَّمَا / يُؤخِّرُ آجالَ الرِّجَالِ التَّقَدُّمُ
وأَنت الذي هذَّبْتهم فتهذَّبوا / وأَنت الذي فَهَّمتَهمْ فتَفهموا
وإِنَّهم يومَ الوغى بك أَقْدَمُوا / وأَعداؤُهم يَوْمَ الوغى بك أَحْجَموا
ضربت بهم قَوماً نياماً جهالةً / فلا نائمٌ إِلاَّ وأَيْقَظَهُ الدَّم
أَلِفت دِيارَ الكفرِ غزواً فقد غَدا / جوادُك إِذ يأْتي إِليها يُحَمْحَمُ
إِذا ما عصى عاصٍ عليك فإِنما / بحافرِه ما بين عينيه مَوسِم
تُقادُ لك الأَبْطالُ قبل لقائِهم / لأَنَّهمُ من نَقْع جَيْشِك قد عَمُوا
وما يعصمُ الكفارَ عنك حصونُهم / ولا شيءَ بعد الله غيرُك يَعْصِم
شَنَنْتَ بها الغاراتِ حتى نباتِها / وأَعْشَابَها مِنْ حُمرَةِ الدَّمِ عَنْدمُ
فكم قد أُقيمتْ جُمْعَةٌ ناصريَّةٌ / بها ومصلِّيها الخميسُ العَرَمْرمُ
وكم بِيعةٍ قد أَصبحت وهْي جامعٌ / وكم كافرٍ أَضحى بها وهْو مُسْلم
وكلُّ مكان أَنت فيه مباركٌ / وفي كلِّ يومٍ فيه عِيدٌ ومَوْسِمُ
تغايرتِ الأَقطارُ فيك فواحدٌ / لبعدِك يبكي أَو لقُربكَ يَبْسِمُ
ولا شك في أَن الديارَ كأَهلِها / كما قيل تَشْقى في الزمانِ وتَنْعَمُ
ينافسُ فيك النيلَ باناس غيرةً / ويحسُد لبناناً عليك المُقَطَّم
ولا بَرِحَتْ مصرٌ أَحقَّ بيوسُفِ / من الشامِ لكنَّ الحظوظَ تُقسَّم
وربَّ مليحٍ لا يُحَب وضِدُّه / يُقبَّلُ منه العيْن والخدُّ والفَمُ
هو الجَدُّ خذه إِن أَردت مسلِّما / ولا تطلبِ التعليلَ فالأَمرُ مُبْهَمُ
بمصرٍ كما بي من جَوىً وصبابة / كلانا مُعَنًّى بالأَحبَّة مُغْرَمُ
أَغارَ على قلبي حبيبٌ مقنَّعٌ / وحُكِّم في قَتْلي حبيبٌ معمَّم
وما قاتِلي إِلاَّ عِذارٌ وَوَجْنَةٌ / وما سالبي إِلاَّ سِوارٌ ومِعْصَمُ
أَرِقُّ لخَدٍّ ربُّه لا يَرقُّ لِي / وأَرحَمُ خِصْراً ربُّه ليس يَرحَمُ
فيا ناصرَ الدين الذِي بِحُسَامِه / ونائِلِه الفياضِ يسْلُو المتيَّم
لمدحك أَخَّرتُ النسيبَ تهيُّباً / وعندُهمُ أَنَّ النَّسيبَ يُقدَّم
قدمتَ بالنصر وبالمَغْنمِ
قدمتَ بالنصر وبالمَغْنمِ / كذاك قدومُ الملكِ الأَكرمِ
ورُحْتَ بالنَّارِ إِلى ظالمٍ / وعُدْتَ بالنُّورِ إِلى مُظْلِم
يا سَطْوةَ اللهِ على كَافِر / ونعمةَ اللهِ على مُسْلِمِ
يا قاتِلَ الكُفْرِ وأَحْزابِه / بالسَّيْفِ والدَّينار والدِّرْهَمِ
قميصُك الموروثُ عن يُوسُفٍ / ما جاءَ إِلاَّ صادِقاً في الدَّم
أَغثتَ تِبْنين وخلَّصْتَها / فريسةً من ما ضِغَى ضَيْغَمِ
والكفْرُ كالغُلِّ بها مُحدِقٌ / لا كسِوارٍ كان في مِعْصَمِ
كم كافرٍ كان بها مُغْرَماً / والسَيْف يُطِفي حُرقَ المُغْرم
ورام تِبْنِين فَقُلْنا له / لو لَمْ ينمْ عقْلُك لم تَحْلُمْ
فجاءَه المولى العزيزُ الذي / يُكْلاَ به الدينُ ولم يُكْلَمِ
عن بأْسِه لا يحْتَمي مَعْقِلٌ / والفقرُ إِن ينزلْ به يَحْتَمِ
يقول من يَسْمَعُ فعلاً له / في الحرْبِ هذا وأَبيكَ الكَمِي
فردَّها سالمةً منهمُ / من بَعدِ ما قيل لها سلِّمي
ما انْهزمت وانهزموا دُونَها / متى غَزَوا حصناً وَلَمْ يُهْزَمِ
سَروْا من خَوْفِ نجومِ القَنا / ما اكْتَحلُوا في الليلِ بالأَنْجُمِ
في أَدْهَمِيِّ ليلٍ وقيدٍ ومَنْ / خُيِّر لم يختر سِوَى الأَسْلَمِ
ما راكبٌ ليلاً على أَدْهَمٍ / كداخلٍ سِجْناً على أَدْهَمِ
ما هذه الرَّمْيَةُ معهودةٌ / بالقَوْسِ إِذ تَرْمِي عن الأَسْهُم
هي التي في يوم بَدْرٍ جَرَتْ / لمَّا رَمَى اللهُ بِها مَن رُمِي
وقد أَتت في الذِّكر مذكورةً / ثابتةَ الأَحكامِ في المُحْكَمِ
إِنَّكَ طوفانٌ على من طَغى / تَعُودُ بالرَّي على مَنْ ظَمِي
موردُك الشَّامُ على هَوْلِه / به احتَمى المورِدُ من زَمْزِم
فالموقِف الأَعظمُ فرَّجْتَه / فكُنْتَ أَصْل المجلسِ الأَعْظَمِ
لا عِدَمَ الإِسْلامُ عُثْمَانَه / مُصْطَلِمَ الدَّاهيةِ الصَّيْلَمِ
شِنْشِنةٌ تُعْرَفُ من يُوسُفٍ / في الحَرْبِ لا تُعْرَفُ من أَخْزَم
ثم انْثَنَى من حَرْبِه ظافِراً / والسَّيفُ لم يُثْلَبْ ولم يُثْلَمِ
وجاءَ لما جاءَنا بالحيا / وعاد لما عاد بالأَنعُمِ
مَقْدَمُه صارَ جُمَادَى به / كمثلِ ذِي الحِجَّةِ ذَا مَوْسِم
يا مقلتي قد كنتِ مُشتاقةً / أَرْضاً تَطاها خيلُه فالْثَم
وأَنتَ يا عابثَ حظِّي إِذا / رأَيتَه مبتسِماً فابْسِمِ
تربُ مواطيهِ على مَفْرِقي / وجَلَّ أَن أَجعَلهُ في فمي
يا أَجودَ العالَمَ يا موجَد / الموجد بل يا مُعدِم المُعدِم
جُدْ صِلْ تَرْفَّعْ أَوْلِ جَاهِدْ أَقِم / أَبْقِ تطوّلْ عِشْ تخلَّد دُمِ
يقدر ما أَهلَكْتَ من كافرٍ / أَو فكما أَحيَيْتَ من مُسْلِمِ
أَرى طِبَّ جالينوسَ للجسمِ وحده
أَرى طِبَّ جالينوسَ للجسمِ وحده / وطبُّ أَبي عمرانَ للعقل والجِسْمِ
فلو أَنَّه طَبَّ الزمانَ بعلْمِه / لأَبْرأَه من داءِ الجهالَةِ بالْعِلْمِ
ولو كان بدرُ التِّم مَنْ يستطبه / لتَّم له ما يدَّعيه من التِّم
وداوَاه يوم التِّم من كَلَفٍ به / وأَبرأَه يومَ السِّرارِ من السُّقْم
نسيتُ في أَسماءَ حتَّى اسمِي
نسيتُ في أَسماءَ حتَّى اسمِي / وصحَّحتْ سُقمِي لاَ جِسْمي
وواصلَتْ قطْعي ولا تَعجَبا / للقطْعِ إِن جاءَ من النَّجْم
وأَصمَت القلبَ كِنَانيةٌ / بناظرٍ إِن شئتَ أَو سَهْمِ
تُصمي ولا ترمِي وكمْ نابلٍ / بنبلهِ يَرمِي ولا يُصْمي
قد جعلَت حُبِّي خَضَاب الحشا / فهْوَ كَما في كَفِّها يُنْمي
ما هو في الكَفِّ كَحِنَّائِها / بل هُو فوق الخدِّ كالْوَشْم
لها فمٌ وهْوَ لها خَاتَمٌ / جعلْتُ فيه فصَّه لَثْمي
تختِّم عيني بتقبيلِها / وتُوثِق العِطْفَين بالضَّمِّ
فالجسمُ والعينانِ من لَثْمها / والضَّمُّ تحتَ القُفْلِ والختْمِ
فلا ترى العينُ سِواها وهَل / عمّا أَقولُ البدرُ في التِّم
يا قلبُ لا تعزِم على سلْوةٍ / فلستَ عندي من أُولي العَزْم
أَنَا الَّذي أَعلمُ أَنِّي الَّذي / أَضلَّه الحبُّ على عِلْم
أَصابَ أَهلُ العشقِ بالعشق ما / أَصابَ أَهلُ الفهم بالْفَهمِ
ينعمُ بي من ظِلْتُ أَشْقَى به / كأَنَّني النَّفس معَ الْجِسْم
ظلمتُ عيني حينَ أَسهرْتُها / لأَعيُنٍ نامت على ظُلْمِ
ونلتُ في نَوْمِي وفي يقْظَتي / رؤْيايَ في نوْمي وفي حُلْمي
أَكلتَ ورْد الخَدِّ لثماً له / وليسَ كلُّ الورْدِ للشَّمِّ
عذَّبْتِني يا أُختَ بدرِ الدُّجى / أَسكرتِ عقْلي يا ابنة الكَرْم
وشاعَ حبِّي فيكِ مِن طيبِه / هلْ يقدر المسكُ علَى الكَتْم
ودائعٌ لي كنتُ أَودعْتُها / عندَك بيْنَ الثَّغرِ والظَلْمِ
ثغرٌ هو المسكِرُ في فِعله / لكنَّه السكَّرُ في الطَّعمِ
يسدُّ تقبيليَ تفليجَه / حتى يُرى متَّسِق النَّظمِ
عيشٌ أَتى لكن على مُنيتي / ثُمَّ مَضى لكن عَلَى رَغْمي
والهمُّ راسٍ بعده راسِخٌ / كأَنَّني أَوْدَعْتُه حِلْمِي
فكل ما يَروِي الصَّدى مُعطِشي / وكل ما يَجْلُوا القَذى يُعمي
وكلُّ دمعٍ ليَ جدَّدْتُه / حُزْناً على أَيامِكَ القِدْم
وراحَتي بل تَعبي أَنَّنِي / أَبكِي على الرَّسم على الرَّسْمِ
والدَّهرُ لي خَصْمٌ ولا بدَّ أَنْ / يَصْطَلِحَ الخصْمُ مَع الخصْمِ
بحكم مولىً لم يَزل حُكْمُه / يُنزلُ لي دهْرِي على حُكْمي
الفاضِلُ المفضَلُ والحاكِم ال / محكَمُ والمعدِمُ لِلْعُدْمِ
تأْتِي ملوكُ الأَرضِ أَبوابَه / لترتَوِي مِنْ عِلمه الجمِّ
تكادُ تَنسى حاجَها عِنْدما / تُبصِره من فَخْرهِ الفَخْم
أَجلُّهم يَعْنُو له سَاجداً / مقبِّلاً للأَرضِ لا الكَمِّ
سيادةٌ أَنوارُها لم تَزل / تشْتَام مِنْ آبائِه الشُّمِّ
وهمَّةٌ عاليةٌ قد عَلَت / حتى يرَاها النَّجْمُ كالنَّجْمِ
وهيبةٌ من لم يكن مُجرِماً / كأَنَّه مِنها أَخُو جُرْم
وديمةُ كلِّ وليٍّ له / عليه منْهاالوسْمُ كالوشْمِ
ورقَّةٌ في الجسمِ سَيفيَّةٌ / دلَّت على سؤدُدِه الضَّخْمِ
سحابَتا راحَتِه في الشِّتا / والصَّيف كلٌّ منهما تَهْمِي
يا عجباً للطِّرسِ في كَفِّه / وكيفَ لا يبتَلُّ باليَمِّ
ردَّ الرَّدى منه بأَقلامِه / وجمَّ من إِنعامِه الجَمِّ
ما تبلغُ الأَرماحُ في الحربِ ما / تبلغُ أَقلامُكَ في السَّلْم
فأَنتَ لا زلتَ بها عصمةً / للملكِ أَو مُسْتَنْزَل العُصْمِ
وكلُّ ما ينويه مستقبَلاً / يمضِي ولكن مِنْه بالحزْمِ
فاتَتْ معاليكَ عقولَ الوَرى / حتَّى اسْتَعانَ العقْلُ بالوَهْمِ
وقصَّر الوُصَّافُ في فَرضِه / من مَدْحهِ يَخْشَى من الإِثْمِ
وكلُّ فَدْمٍ سادَ في عَصْرِه / ما أَقبحَ السُّؤْدُدَ مَعَ العَظْمِ
وأَشتَكِي من زَمَنٍ جائرٍ / أَشْرفَ في ظُلْمِي وفي غَشْمي
يُمَالِئُ الأَعداءَ حتَّى رأَوْا / ما أَمَّلوُا في زمن الهضْمِ
وكثَّروا ذمِّي وساداتُهم / تقِلُّ عن حَمدِي وعَنْ ذَمِّي
من كلِّ باغٍ حاسدٍ لا يَني / عندَك في ثَلْبِي وفي ثَلْمِي
أَنتَ الَّذي صيَّرتَهم حُسَّدِي / بأَنعُمٍ قد زِدْن في حَجْمِي
زيَّنْتني طفْلاً وخوَّلتْني / كهلاً فأَسمَيْت بذاكَ اسْمِي
ومِنْك أَرْجُو فَرَحاً عاجِلاً / إِن جَاءَ أَنْجانِي مِنَ الْغَمِّ
لا تقنَطنْ يا قلبُ في مِحْنَةٍ / فقد يكونُ الغُنْمِ في الْغُرْم
كم نقمةٍ في طيِّها نعمةٌ / ويوجَدُ التِّرياقُ في السُّمِّ
ما تمَّ إِلا الحظُّ فارقُب له / ولا تَقُل عقْلِي ولا حَزْمِي
إِنَّ أَبِي في خِطَّةٍ صَعبةٍ / يدخلُ من سُْمٍ إِلى سُقْمِ
حتَّمتُ أَنِّي ضَائِعٌ إِنْ جَرى / عليه حُكْمُ القَدْرِ في الجِسْمِ
وإِنَّ عُمرِي ما بِه لم يَزل / إِنْ زال عنِّي سِمَة اليُتْم
وليس لي غيرُك من بَعدِه / يحمِلُ من همِّيَ أَو غمِّي
وتدفعُ الأَعداءَ عن حوزَتي / وتمنعُ الأَعداءَ مِنْ شَتْمي
فليسَ ما تلبَسُه للبِلَى / وليس ما تَبْنِيه للهَدْم
يا ثالِثَ العُمَرينِ عِلْماً
يا ثالِثَ العُمَرينِ عِلْماً / أَنا ثالثُ الخصريْنِ سُقْماً
أأَكون عبدَكَ ثم يق / تُلني الهوَى جَوْراً وظُلْما
وأَظلُّ باسْمِك في الهوَى / وأَضِلُ من كَلَفِي بأَسْما
وتكونُ دِرْعِي ثُم تُن / فِذُ فيَّ بالأَلحاظِ سَهْما
فلِحُسْنِ خطِّك قد رشق / ت لها على الخدين وسما
في نظم ثغرك قد نظم / تُ لها علَى الثَّغرين نَظْما
والحقُّ أَنِّي قد حَسَم / تُ صبابَتي عن ظَبى حَسْمَى
وسَبرتُ عَزْمَ العِشْقِ فيه / فلم أَجِدْ لِلْعِشْقِ عَزْما
وفرغتُ منه تَسلِّياً / وشُغلتُ منكَ بِكُلِّ نُعمى
ووجدتُ وصفَ علاكَ أَح / لَى من مَراشِف كُلِّ أَلْمَى
أَنت الَّذِي قهر المما / لك كلَّها بأساً وحَزْما
أَنتَ الَّذي سَادَ الملو / كَ وسَاسَها رأْياً وحُكْما
أَنتَ الَّذِي نال السما / ءَ وحازها قدراً وعِظْما
أَنت الَّذِي أَفْنى عِدا / ه بِسَطوةٍ رغْماً وعزْماً
أَنْتَ الَّذِي حازَ النّجو / مَ جميعَها نَجْماً فنجماً
أَنتَ الَّذِي شقَّ العلو / مَ وخاضَها عِلْماً فَعِلْما
أَنتَ الَّذِي قد كادَ عُظْ / مُ جلالِه أَن لا يُسمَّى
دانَت لَك الدُّنْيا وأَص / بَح حربُها بيدَيْكَ سِلْما
وغَدا قريباً كلُّ من / تزَحٍ وصُغْرى كُلِّ عُظْمى
وغدوتَ في ذَا الدَّهرِ رو / حاً إِذ جعلتَ الدَّهر جِسْما
وعَلِمْتَ ما سيكون فِك / راً صائِباً وذَكاً وفَهْماً
وكفيتَ كلَّ مُهمَّةٍ / فكفاك ربُّك ما أَهمَّا
وأَريْتَنَا منكَ السحا / ئبَ ثرَّةً والبدرَ تِمَّا
كم مُعْجِزٍ لكَ باهرٍ / من لا يراهُ فَهْو أَعْمى
وأَنلْتَنا منك النوا / ل معجَّلا والعِزَّ ضَخْما
والوجْهَ طَلْقاً والعلا / ءَ مجسَّداً والفخْرَ فَخْماً
وادْخُل إِلى جنَّاتِه / فإِذا رأَيْتَ رأَيْتَ ثَمَّا
وانظر عِداه تجِدْهُمُ / صَرْعى به قَتْلاً وهَزْما
أَكلَتْهُم الدُّنيا فطا / بَ لها لحومُ القومِ طَعْمَا
وبها قد اهْتَضَمُوا فلا / يَستغْرِبِ المأكولُ هَضْماً
ما في عِداهُ جميعِهم / إِلا مُصابُ العقل مُصْمَى
عمَّوْا مُرادَهمُ فكا / ن الصَّفْعُ تَفْسيرَ المُعمَّى
أَصفيَّ دينِ الله يا / أَسْنَى الوَرى قدْراً وَأَسْمَى
يا من يُرينا القولَ جزْ / لاً مُحكَماً والأَمرَ جَزْما
قَدمت مِن شوقِي لأَن / أُفْنِي ثَرى قدمَيْكَ لَثْما
َسُرُّ قلباً قد تعذَّ / بَ بالفراقِ أَسىً وهَمَّا
وأُزيلُ غَمّاً قَدْ تَكَا / ثَفَ في نَواحِيهِ وَعَمَّا
وأَرى سحابَك لا جَها / ماً والمُحيَّا ليس جَهْماً
وأَرى بجلِّقَ إِذ أَتا / كَ المالُ مثلَ الماءِ جَمَّا
لم ينكَتِمْ شوقي إِليكَ / وهل يُطيق المسكُ كَتْما
إِني أُؤمِّل أَن أَكو / نَ أَجلَّ مَنْ وَالاَك قَسْما
وأُرى وَسيما حين تص / نَعُ لي من الإِنْعام وسْما
ولقد عَطِشتُ إِلى ندى / كفيكَ يا بحراً خِضَمّاً
وأَنا وليّكُم فَلِمْ / يُروى عدوُّكُم وأَظْمَا
شَربتُ شربَ الهيمِ
شَربتُ شربَ الهيمِ / من فمِ ذاكَ الرِّيم
فضَّ لثمِي الختمَ عن / رحيقهِ المختومِ
حتَّى سمعتُ بفمِي / التَّسليمَ من تَسْنِيم
كَمْ لي بِذَاكَ الرِّيم من / ريم بِغَيْرِ مِيمِ
يا عاذِلي في حُكْمه ال / محكَمِ بالحَكِيمِ
وقَدْ سَقَاني حَبي / بي بكَأسه حَميم
أَلْقَى سَفِيهَ عَذْلِه / بِعشْقِيَ الحليمِ
حاشايَ من عشقٍ خئو / نٍ أَو هوىً لئيم
يعذِلُني رخيمُه / في شادنٍ رَخيم
كالبدرِ لاَ حَاشَاه مِنْ / خَدٍّ لهَ مَلطوم
وأَيْنَ ذاك القَدُّ مِنْ / عُرجونِه القديم
كالظَّبْي لا حاشَاه مِنْ / فَمٍ له مَهْتُوم
قد غُمَّ بدرُ التِّم من / ه فهْو في الغُمُومِ
تلكَ الغُمُومُ هي ما / سمِّي بالْغُيومِ
يلدغُنِي عقرب ليْ / لِ صُدْغِه البِهيمِ
لِذاك قد لبستُ حُلْ / ىَ وجُهِه الوَسيمِ
حَلْى حُلاه في يمي / نِ قلبيَ السَّليم
أَنزلْتُه في خَاطري / مُجاوراً هُمومِي
وقد رقمتُ حُبَّه / في القلبِ وفي الصَّمِيمِ
فصار منه آمِناً / في ذَلِكَ الْحَرِيم
مستيْقِظاً لا نَائِماً / في الكهْف والرَّقِيم
لا تبعثِ الطَّيفَ فإِ / نّ الطَّيْفَ من خُصوم
يكادُ يَنْفي من مُحا / لِ جَهْلِه عُلومِي
فالطَّيفُ معنىً عند عش / قِي ليس بالمفْهومِ
وأَشعَرِيُّ الحبِّ لا / يقولُ بالمعدوم
والقلبُ لا يرْضَى من ال / غرامِ بالشَّميم
آهٍ لطرف ظالمٍ / في صُورة المظلومِ
وهْو الصَّحيحُ ولَقَدْ / تَراه كالسَّقيم
وآهِ من عصرٍ تو / لَّى ليسَ بالذَّميمِ
عصرِ شبابٍ طار بالنْ / عْمَةِ والنَّعِيم
واشتَعَل الشَّيبُ كمث / لِ النَّارِ في الهَشيم
وأَصْبحَتْ جَنَّةُ إِطرا / بِيَ كالصَّريمِ
ومُلكي أُزيلَ من / شيطانِيَ الرَّجِيم
فاليومَ لا إِلْفي ولاَ / كأْسي ولا نَديمِي
وكنتُ كالمخصومِ / ثُمَّ عُدت كالْمَعْصُوم
وخادِمُ الفاضل / بَرٌّ ليسَ بالأَثِيمِ
تُعدِّيه تقواه فتُنْ / جيه مِنَ الجَحيم
ذاكَ الكريمُ ابنُ الكري / مِ ابْنُ الكريمِ الخِيم
يدعُوهُ بالأَوَّابِ وال / أَوَّاهِ والْحَليم
المالِكُ الناسِكُ مح / يي دولةِ الْعُلوم
وعامرُ الدِّين وبا / ني رُكْنِه المهدوم
والواهِبُ الآلافِ لِلس / ائِلِ والمحْرُومِ
وأَوجدَ الجودَ يعمّم / بالنَّدى العمِيمِ
وأَعدَم الْعُدْمَ فما / في الخلْقِ مِنْ عَديم
وأَبرأَ الحالَ النحي / فَ بالنَّدى الجسيم
فجاءَنا المسيحُ مِن / هُ بيدِ الكَليم
تَخْفَى الملُوكُ صُغَّراً / لقدرِه العَظيمِ
كما عَنَتْ أَوْجُهُهَا / لوجْهِه الْكَرِيمِ
أَتَت إِلى مَوْرِدِهِ / مثلَ العِطاشِ الهيمِ
وسقَطَتْ على الخبي / رِ منْه والعَليمِ
يكفُّها بخوفِه / عن طَبْعِها الظَّلُومَ
ونِعمَةُ الظَّالمِ بالظَّ / المِ كالظَّليم
ويُنتج السَّعْدُ لَها / فِي مُلكِهِ العَظِيم
كما أَقامَتْ مِنْه في / نعيمِها المُقيمِ
لَوْ لَمْ يَرُمَّ مُلْكَها / لكان كالرَّمِيم
وكانَ كالمثلوبِ لو / لاَه وكالْمثلُوم
وكان لَو لَمْ يَدْعه / يُدَعّ كاليتيمِ
وكَمْ له من قَلمٍ / والٍ على إِقْليمِ
وذاكَ إِقليمٌ من ال / هندِ لأَقْصَى الرُّومِ
وذلِك الموقوفُ مِنْ / كِتَابه المرقُومِ
ولفظُه المنثورُ مث / لُ اللؤلؤِ المنظومِ
يا سيِّداً سِرُّ ندا / هُ ليسَ بالمكْتُومِ
يا مُسْهِرِي بِشكرِه / وجودُه مُنيمِي
أَشكُو وما أَشكو نَعَمْ / أَشْكُو إِلى رَحيمِ
أَشْكُو إِليك أَنْعُماً / قد مَلأَتْ حَيْزُومِي
قد أَثْقَلتْ ظهرِي وقدّ / تْ بالْحَيَا أَدِيمي
وصرتَ إِذ قصَّرتُ يا / محمودُ كالمَذْمُومِ
وربما أغرق مز / ن الغيث بالسجوم
وربَّما عادَتْ نجو / مُ الأُفْق كالرُّجُومِ
أَقلُّ ما يوليه تب / جيليَ مَعْ تَعْظيمِي
ووصْفُ تصنيفي ومن / ثوريَ مَعْ مَنْظومِي
ومنكَ تعليمي ومَا / عُلِّمت مَعْ تَفْهيمي
وعَمَّرْتُ دار طرا / زِي منكَ بالمَرقُوم
كذا مُوشَّحاتِي صر / نَ مِنْك كالطَّمِيمِ
وأَنْتَ إِنْ شَكَرْتَ فالشُّ / كْرُ إِليكَ يُومِي
ولي عِدىً أَنفاسُهم / كالسُّمِّ والسُّمُومِ
هُمْ عِلَّة الأَنْفُسِ / والأَرواحِ والجُسومِ
رفَعْتني عنْهم مَن / التُّخومِ للنُّجومِ
ورَكَدَتْ ريحُهمُ / عِنْدَك من نَسيمِ
أَقمْتَنِي فرجَعُوا / في المقْعَدِ المُقيمِ
وقد قَضى تأخيرُهم / ما شئتَ من تَقْديمِ
وصرتَ مخدومِي فصا / رَ كلُّهم خَديمِي
فاهْنَأ بعيدٍ قادمٍ / بأَسعدِ الْقُدومِ
أَتاكَ بالتكْميل لل / آمالِ والتَّتْمِيمِ
تُحيي به السُّنَّةَ من / أَبيكَ إِبْراهيم
وتنحرُ الأَعداءَ في / هِ بدالَ الْقُرومِ
وتعزمُ الهباتِ / والْغرْمُ على الرَّغيم
وتَجعلُ العارِضَ مِنْ / روضِيَ كالْحَميمِ
يا نعمةَ اللهِ علىَ / عبدِ الرَّحيمِ دُومِي
من فرَّ مِنْكَ فما يُلامُ
من فرَّ مِنْكَ فما يُلامُ / وطريدُ بأْسِكَ مَا ينَامُ
وجنابُ عِزِّك لا يُرا / عُ من الخطوبِ ولا يُرامُ
فرَّت لخوفِكَ غِلمةٌ / ولطَالما فَرَّ الْغُلامُ
خافُوا مَقَامَك ذا العظي / مَ فلم يكُن لهمُ مُقَامُ
وشديدُ بأْسِك لا يُق / ر على سُطاهُ ولا يُقَامُ
وهمُ الأُسودُ فما لَهُمْ / طاروا كما طار الحمام
ونعم لهم نعم فلم / شرَدُوا كما شَرَدَ النَّعامُ
سَخِرَتْ بهم أَوْهَامُهم / هُزْءاً وبالأَوهام هَامُوا
ومضَوْا وما سُلَّ الحسا / مُ فكيفَ لو سُلَّ الحُسامُ
لا ينفعونَ ولن يَضُرُّ / وا إِنْ مَضَوْا أَو إِن أَقَامُوا
ولو اهتدَوْا بَعْدَ الضَّلا / لَةِ لاستقالُوا واسْتَقَامُوا
ولئِن عفوتَ فإِنَّما / يعفُو عن الذَّنْبِ الكِرامُ
وإِن انْتَقَمتَ فإِنَّ أَيْ / سَرَ ما استحقُّوا الانتقامُ
ما دارهُم حَرمٌ ولا / في الشَّام صيدُهُم حَرامُ
يتنادمُون ومن نَدَا / مَتِهم يُقالُ لهم نُدامُ
وهمُ به سكْرَى ولي / سَ سوى الهُمومِ لهم مُدَامُ
وَلَوْ أَنَّهُمْ تحت الرَّجَا / مِ لما أَجنَّهمُ الرِّجامُ
أَوْ في الغمامِ لكان يُمْ / طِرُهُمْ بساحَتِكَ الغمامُ
سَتسُوقُهُمْ بِيَدِ الزَّما / نِ وفي أَنَامِلكِ الزَّمامُ
وتُقيِّد الأَجسامَ إِن / كُفِرت لك النَّعمُ الجِسامُ
قُمْ فاملِكْ الدنيا جَمِي / عاً فلقد آن القيامُ
وَرُمِ السماءِ تنلْ كَوَا / كِبَهَا فما يُعْيي المَرامُ
وشِمِ الحسامَ فما يَشَا / مُ الذلُّ إِن شِيَم الحُسامُ
واحْسِمْ به داءَ النِّقَا / قِ فإِنَّه الدَّاءُ العُقَامُ
وأَهِبْ تَجِئْك من العِدى / أَيدِ ولَبَّاتٌ وهَامُ
أَنت العظيمُ ولَيْسَ تَمْ / لأُ صدْرَك النُّوَبُ العِظامُ
ولأَنْتَ وحْدَك ليس يُنْ / جِي منك إِلا الانْهزَامُ
أَسمى الملوكِ فلا يُسا / مى المجدُ منك ولا يُسَامُ
تُغْني عن الجيش اللَّها / مِ لأَنك البَدرُ التَّمَامُ
لولاكَ تَنْظِم عِقدَ ه / ذَا الدَّهرِ لا نَحلَّ النِّظَامُ
ولَمَا بدا لَوْلاَكَ في / ثَغْرِ الزَّمانِ الإِبتسام
حُمِدَ الزمَانُ وقد ملك / تَ فلا يُذَمُّ ولا يُذَامُ
ونَهَضْتَ إِذْ قَعَدَ الملُو / كُ وقُمْتَ إِذْ نَامَ الأَنامُ
صَلَّت عَلْيكَ وخلفَك ال / أَملاكُ إِذْ أَنْتَ الإِمامُ
يأَيها البَحْرُ الَّذي / أَرْوَى وبي وَحْدي أُوامُ
أَشكو جَفَاءً منك حَتَّى / لا السلامُ ولا الكلامُ
فعلامَ أَظمأُ ثُمَّ لا / أُسْقَى وقد سُقِيَ الأَنامُ
وأَرى الزمانُ ووجْهُهُ / جَهْمٌ وعارضُه جَهَامُ
صَحَّ الزمانَ من السَقَّا / مِ وصَحَّ لي مِنْه السَّقامُ
وَنَعَمْ سِوايَ له الوِصَا / لُ كما أَرَى ولي الغَرَامُ
إِنِّي بِعُرْوتِكَ اعْتَصَمْ / تُ وما لعُرْوَتِكَ انفِصَامُ
وبك اعْتَصَمْتُ وليس يُخ / ذَلُ من له مِنْكَ اعْتِصَامُ
فَمتَى أَرى ما تَرْتَجِي / ه وترْتَوِي هِمَمي الحُيام
ومتى أَراني قد وَصَلْ / تُ إِليك وانفرجَ الزِّحَامُ
وما زالَ ملكُكَ لا يزو / لُ ولا يُضَارُ ولا يُضَامُ
يبقى مُوَفيًّ لا انْصِرا / فٌ يَتَّقيه ولاَ انْصِرَامُ
ونزيلُ راحتِك النَّدى / وحليفُ دوليتِك الدَّوَامُ
حاشا لمجْدِكَ أَنْ يُضَامَا
حاشا لمجْدِكَ أَنْ يُضَامَا / ولرُكْنِ بأسِك أَن يُرَامَا
ولِطَرْفِ عِزِّكَ أَن يَغُضَّ / على المَذلَّةِ أَو ينَاما
ولِسَعْد جَدِّك أَن يُسا / مَ لمشْتَرِيه أَو يُسَامَى
أَنْتَ الذي حامَى وأَوْ / رَدَ في الكريهةِ حين حَامَا
أَنْتَ الَّذِي ما نَامَ أَو / سلَّ الحفيظةَ ثم نَاما
أَنْتَ الذِي صَغَّرْتَ أَمْ / لاكاً عَهِدْنَاهُمْ عِظَاماً
أَنْتَ الذِي خاض الحِمَا / م وأَين من خاضَ الحِمَامَا
أَنت الذِي مُلِئَتْ بِك الدُّ / نْيا اعْتِزَازاً واعْتِزَامَا
قَامت بك الدنيَا وقد / حَسُنَتْ لساكِنها مُقَامَا
وحَسَمْتَ مِنْها الدَّاءَ لما / جرَّدَتْ مِنْكَ الحُسامَا
قُدْتَ الجيوشَ فقد ملأ / تَ بها البَسيطةَ والأَكامَا
جاءُوا وراءَك يتَبْعَوُ / نك إِذ فَتَحْتَ بهم إِمَامَا
وركَضْتَها فوقَ النَّعا / ئِم شُزَّبا مِثْلَ النَّعاما
ولَكَمْ رأَيْتَ الصفَّ من / تظِماً فبدَّدْت النِّظَاما
ولكمْ تَخَاصَمَت الظُّبَا / فَفَصَلْتَ بالبأْسِ الخِصاما
وكَفَيْتَ لما أَنْ قَدِرْ / تَ وأَطْفَأَ الماءُ الضِراما
متهلِّلُ الْمَعْرُوف لاَ / جَهْماً نَدَاكَ ولاَ جَهامَا
وكَذَاك أَفْعالُ الكِرا / مِ فما تُرى إِلاَّ كِرامَا
عليكَ سلامُ اللهِ قَبْلَ سَلامي
عليكَ سلامُ اللهِ قَبْلَ سَلامي / وجازاك عنيِّ اللهُ قَبْلَ كلامي
تكَفَّلْتَ أَمْرِي واعْتَنيتَ بِقِصَّتِي / ونَوَّلْتَني بالفضلِ فَوقَ مَرامِي
وأَرْشَدْتَني بَعْدَ انْسِدَادِ مَذَاهِبي / وأَرْويتَني من بَعْدِ طُولِ أُوَامِي
وأَلبَسْتَني العزَّ الذي ذَلَّ بعدهُ / زمانِيَ حتى قُدتُه بِزِمَامِي
ورُبَّ عَدُوٍّ كان لي مِثلَ سيِّدٍ / فقد صارَ لي من ذِلَّةٍ كغُلامي
ولم يَبْقَ في نُعْمَاك إِلاَّ تَمامُها / وأَحسنُ نُعْمَى زُيِّنت بتَمامِ
مديحُك كَالمِسْكِ لا يُكْتَتَمْ
مديحُك كَالمِسْكِ لا يُكْتَتَمْ / به يُبْتَدَى وبه يُخْتَتمْ
وما بَرِحَ المَدْحُ بَعْد النَّسيبِ / وذا مَذْهبٌ شاعَ بَيْنَ الأُمَمْ
ومَدْحُكَ من قَبْلِ خَلْقِ النسيبِ / ونظْمِ القريض وخَلْق النَّسَمْ
صِفَاتُك قائمةٌ في النُّفوسِ / قديماً وثابتةٌ في القِدَمِ
على أَنَّ لي همةً في النسيبِ / ولكنَّ مدْحَك مِنْهُ أَهَمْ
وإِنَّ النسيبَ إِذا ما مُدِحتَ / يُقالُ ولكنَّه لا يَتِمْ
وإِن النسيبَ يَسُرُّ النفُوسَ / ويُذْكِي العقولَ ويُصْفِي الشِيَمْ
ولا سيما وَهْوَ مِنْ عَاشِقٍ / رماهُ الهوى وبَراهُ السَّقَمْ
ومحبوبةٍ فوق شَمْسِ الضُّحَى / فلا تَحْفِلَنَّ ببدرِ الظُّلَمْ
تعلَّقْتُه ناعسَ المقْلتينِ / يَنِمُّ على أَنَّه لم يَنَمْ
وهِمْتُ بِه أَسْمَر المرشَفَين / عليه اللَّمى وعليه اللِّمَمْ
فَبَرْقُ مُقبَّلهِ لا يَشَامُ / ووردةُ وجْنَتِه لاَ تُشَمْ
إِذا كَسَر الجفنَ مَن فَتْرَةٍ / فللجفنِ كسْرٌ وللصَبِّ ضَمْ
لجنسين منه كمالُ الجمالِ / فللعُرب عَيْنٌ وللتُّركِ فَمْ
وعمَّ الورى بالهوى خَالُه / ويا قَلَّ ما يوجدُ الخالُ عَمْ
وعِقُد مقبَّلِه كلُّه / يتيمٌ ولكن نراهُ ابْتَسَمْ
أَيا عاذِلي فيه لما رآهُ / لئن كنتَ أَعْمَى فإِني أَصَمْ
وَهبْكَ أَبا ذَرِّ هذَا الكلامِ / فَهَبْنِي أَبا جَهْلِ هذا الصَّنَمْ
وأَيْنَ العواذِلُ ممن هَويْتُ / ولو كُنَّ ثَمَّ لأَبْصرنْ ثَمْ
أُسِرُّ الغرامَ وَيْبدُو عَليَّ / وما انْكَتَم الشَّيْبُ تَحْتَ الكَتَمْ
على أَنَّنِي مُذْ عرفْتُ الهَوَى / جهلتُ النُّهى واستطبْتُ الأَلَمْ
وبِعْتُ الكَرَى واشتريتُ السُّهادَ / فما ذُقْتُ طَعم الكَرَى مُنْذُ كَم
وأَربعةٌ قطُّ لم تَفْتَرِقْ / هَوىً وجوىً وحياةٌ وهَمْ
ولا تعجَبَنْ لحياةِ الهمومِ / حياةُ الهُمُومِ بمَوْتِ الهِمَمْ
ويومٍ كَليلةِ صَدِّ الحبيب / يقالُ أَضاءَ وقلت ادْلَهَم
أَرى الْبَرْقَ في خَدِّه كالشحُّو / بِ والشمسَ في وجْهِهِ كالغَمَمْ
وما اسودَّ إِلا لأَنِّي به / قَبَرْتُ العُلاَ ودفَنْتُ الكَرمْ
ولكن أُعِيدَ بعَبْدِ الرحيمِ / وما زال بالجُودِ مُحيي الرِّمَمْ
ولولاه كنتُ نَبَذْتُ الدواةَ / ولولاه كنتُ كَسرتُ القَلَمْ
ولولا فريضةُ مَدْحِي له / لقلتُ بكم يُشْتَرى لي بكم
وعزَّ على العُرْبِ أَني حَفِظْ / تُ برغمِيَ بعْضَ لغاتِ العجم
كما مَجْمَجَ الدَّهرُ بي ناطقاً / كأَنيَ حَرْفٌ به مُدَّغَمْ
رضِيتُ رضيتُ بأَدْنَى الحضيضِ / وخلَّيتُ خلَّيْتُ أَعْلَى القِمَمْ
فما أَنا من أَهل ذاكَ المَقَامِ / ولا أَنا من رَقْم ذاك القَلَمْ
وما ضيَّع اللهُ آلَ الحُسَيْنِ / إِذا رفع الدَّهْرُ آلَ الحَكَمْ
وما يُبْعِدُ الدهرُ لي مَطْلباً / وعبدُ الرحيم فِدَاهُ أُمَمْ
به سَوفَ أَدخُلُ دارَ السلامِ / ويُلْقِي الزمانُ إِليَّ السَّلم
يقولُ لدهرِيَ أَسكُنْ حِراً / فقال لي الدَّهرُ أُسكُنْ حَرَمْ
لقد شملَ الخلْقَ إِنْعامُه / فهم في النعيمِ وهَمْ في النِّعم
يسابقُ سُؤَّالَهُ بالعَطَا / فلا لا يُقَال كما لا نَعَمْ
فمن ذا الذي بعطاياهُ مَا / ومن ذا الذي بأَيادِيه لمْ
وإِنَّ الملوكَ به كالعَبيدِ / وإِنَّ الأُسوَد به كالغَنَمْ
تجيءُ الملوكُ إِلى بابِه / إِذا اختصموُا ليكونَ الحكَمْ
فيفصلُ مُشكِلَهم بالبيانِ / ويَحْكَم بينهمُ بالحِكَمْ
يرون مودَّتَهُ قُرْبةً / وطاعتَه فُرْصَةً تُغْتَنَمْ
ولا غَرْوَ أَنَّك مولىَ الأَنامِ / وأَثبتَهم في المعالي قَدَمْ
وأَنَّك أَوفاهُم بالعهودِ / وأنك أرعاهم للذمم
فخار أجل وطول أطل / وبأْسٌ أَشدُّ وعزمٌ أَشَمْ
ودولتُه ركنُها قائِمٌ / برغم العدوِّ الأَغثِّ الأَعَمْ
يعاديك كلُّ لئيمِ الأُصولِ / مباحِ الحريم مُشاعِ الحُرَم
له خَلوةٌ كلُّها تَنْقَضِي / برتْقِ الفُتُوقِ وسَدِّ الثُّلمْ
ويَحْلِفُ أَنِّي الحبيبُ النصيحُ / ويَكْذِبُ بل حاسِدٌ متَّهم
ينمُّ إِليكَ وطوْراً عليْكَ / فتمَّ له أَمْرُه حين نَمْ
يُرى في الخَلا حاملاً طاعِناً / ولكِنْ إِذا مَا رآكَ انْهَزَمْ
وباسْمِكَ قد حَلَّ فوق السَّما / ولولاكَ لَم يَسْمُ بل لم يُسَمْ
ويَكْفُر أَنعمَك السابغاتِ / فسوفَ تعودُ عليهِ نِقَمْ
ويمضغُه الدَّهرُ مَضْغَ الأَديم / ويَعْرُكُهُ النحسُ عرْك الأَدَم
وأَعْدِلُ عن ذا إِلى شُكْرِ من / أُقصِّر عنه لفرْطِ العِظَم
رددْتَ أَبي بعد أَن كانَ سَارَ / وكادت مَطيتُه أَن تُزَم
رددت إِرادتَه إِذْ أَرادَ / وثَبَّطْتَ عزْمَتَه إِذْ عَزمَ
نَهَيْتَ عزيمَته فانتهى / رسمتَ إِقامَته فارْتَسَمْ
وواللهِ ما بك من حاجةٍ / إِلى أَحدٍ من جميع الأُمَمْ
ولكنْ رَفَقْتَ له رحمةً / فلو سارَ لانحط أَو لانْحَطَم
وخِفْتَ على عِقْدنا الانتثار / لأَنَّ ببقياه كان انتَظَم
ولو كان فارقَ طوعاً نداكَ / لأَعقَبَه في الطريق الندم
نقعتَ به غُلَّتي والصَّدى / جمعتَ به كبدي والشَّبَمْ
جمعتَ به شَمْلَنا بل جَمَعْ / تَ سُقْيَا الغَمَامِ وكَشْفَ الغُمَم
وإِنّي لأَشْكرُ الصنيعَ / كشُكر الرياضِ لصُنْعِ الدِّيم
وفي النفس واحدةٌ أَحرقتْ / فؤَادِي فأَصبح فيها حَمَمْ
تقُولُ أَعاديَّ لولا أَبوكَ / لما كُنْتَ تدخلُ ذاكَ الحَرَمْ
وكنْتَ القصيَّ وكنتَ البعيد / وكنتَ من العالَم المُهتَضمْ
وإِنَّ الأَجلَّ يراك الأَقلَّ / ولو كُنْتَ مِمَّنْ رَقَى أَو رَقَمْ
وما زال فعلكَ منه يُذَامُ / وما زَال قَصدُك منه يُذَمْ
وما أَنت من جِنْسِ من يُصْطَفَى / ولا أَنتَ من نَوع ما يُحْترم
وليس لذاتِك ذاك القَبُولُ / وليس لنَفْسِك ذَاكَ القَدَمْ
ولكن أَبوكَ له خِدْمَةٌ / دخلْتَ بها في غِمارِ الخَدَم
وأَحسب أَنهمُ يكذون / وهل يَصدقُ الحاسدُ المتَّهمْ
وحاشا لمجدِك من أَن أُضام / بأَنّي إِلى غير ذاتِي أُضَمْ
وقد كَذَبُوا أَنت لِي واصِفٌ / بحسن الفِعالِ وحُسْن الفَهم
وكُتْبُك تشهد أَنِّي الحبيبُ / وأَنّي الأَخصُّ وأَنّي الأَعم
أَبي بِي سار اسمُه في البلاد / وجابَ الوِهادَ بها والأَكَمْ
وأَحْيَيْتُ أَسْلافِيَ الأَقدمين / فقاموا وهم يَنْفُضُون اللِّمَم
وهم وأَنا بِكَ حُزْنَا الفَخَارَ / وصارَتْ لنا في البَرَايَا قِيَمْ
بقيتَ ويَبْلى الزمانُ الجديد / وتبّاً لمذهبِ أَهَل القدم
فلا بُدَّ من أَن تمورَ السماءُ / ويَذْوِي بها كُلُّ نَجْم نَجَمْ
ويظهرُ في الفرقدين العَمى / كما بان في الهَرَمينِ الهَرَمْ
وليْسَ السماءُ كما قد رأَي / تَ بالشُّهْبِ إِلاَّ أَديمَ حَلَم
ونجمُك في كلِّ ذا لا هَوَى / وركنُك في كل ذَا لا انْهدَم
تدومُ ويُقْسَمُ فينا نَدَاك / فأَمّا عُلاَك فما يُقْتَسَم
وأَرْبَعَةٌ فيَّ ممَّا وَهَبْ / ت نَفْسٌ وروحٌ ولَحمٌ وَدَمْ
خصْرٌ نحيفٌ ولَمىً ذابِلٌ
خصْرٌ نحيفٌ ولَمىً ذابِلٌ / هَذا وهَذا يَشكُوانِ الظَما
وعند هذا موردٌ باردٌ / وتَحْتَ هذا مَوْجُ بَحْرٍ طَمَا
من رام رِيّاً بعد ذَا مِنْهُما / فحقُّه عِنديَ أَنْ يُرْحَما
لقد عذَّبَتْني بالغرامِ مليحةٌ
لقد عذَّبَتْني بالغرامِ مليحةٌ / وغَالِبُ ظَنِّي أَن يَكُونَ لِزَاما
وبرهانُ ما قد قلت أَن عذَابها / كما جاءَ في القرآن كَانَ غَرَما
إِنَّ الحبيبَ مَلالاً
إِنَّ الحبيبَ مَلالاً / قد صارَ يأْتي لِمَامَا
وعاد بالهجر والص / دِّ هائماً مستهاما
هذا فكم قلت فيه / أَما ترى ما ترامى
قد شاب شارُب من أُحبّ فجَاز لِي
قد شاب شارُب من أُحبّ فجَاز لِي / بل قد تَعيَّن أَن أَكون مُتَيَّما
ما زالَ مُنْتَهباً لأَلحاظِ الوَرَى / والآن فرَّ من المَشيبِ إِلى حِمَى
ظنوا ملاحَتَه ذَوتْ فجميعُهم / إِلاَّ أَنا قد عَادَ أَعْمى أَبْكَمَا
من كان مُفْتَناً بليلِ عِذاره / أَيصدّ عنه حينَ أَطْلَعَ أَنْجُمَا
ما شاب عن كِبَرٍ ولكن شَيْبهُ / من ماءِ ورد الريقِ مَع مِسْكِ اللَّمَى
لا يستوي شَيْبي وشيبُ مُعَذِّبي / هَذاكَ من ريٍّ وهَذَا مِنْ ظما