المجموع : 163
أوجز مديحك فالمقام عظيم
أوجز مديحك فالمقام عظيم / من دونه المنثور والمنظوم
من كانَ في سور الكتاب مديحه / ماذا تساور فكرةٌ وتروم
جبريل راوي نصّه الأحلى وفي / ورق الجنان كتابه مرقوم
قل يا محمد تفصح الأكوان عن / حمدٍ كأنَّ مزاجه تسنيم
بدرٌ تألَّق فالطريق محجَّة / لذوي الهداية والصراط قويم
حرست بمولدِه السماء من الذي / أصغى زماناً فالنجوم رجوم
وتشرَّفت أرضٌ بموطئِ نعلهِ / وسمت حصاها فالرجوم نجوم
وخبت بهِ نيران فارس آية / يدري بها من قبل إبراهيم
لو لم يكن في صلبِهِ ما بدَّلت / نيرانه فرجعنا وهي نعيم
وكفى لأمَّته بذاك بشارة / أن سوفَ تخمد في الجنان جحيم
هي آية أولى ووسطى تقتضي / في الحشر أخرى والشفيع كريم
ونبوَّةٌ شفت القلوب وبينت / إن الكتاب كما رأيت حكيم
يا صفوة الرسل الذي لولاه لم / يثبت على حدِّ المقام كليم
كلاَّ ولا سكن الجنان أبٌ ولم / ينهض إلى الروح المسيح رميم
الله قد صلَّى عليك فكلّ ذي / مجدٍ لمجدِك دأبه التسليم
ودعاكَ في الذكر اليتيم وإنما / أسنى الجواهر ما يقال يتيم
سبقت مناقبكَ السراة ومن سرى / فوقَ البراق فسبقه محتوم
أنتَ الإمام وربّ كلّ رسالة / يوم الفخار وراءك المأموم
أنتَ الختام لهم وأنتَ فخارهم / وبمسكِه فليفخر المختوم
أنت الغياث إذا الصحائف نشرت / وبدا جنا الجنَّات والزَّقوم
يوم الفرار من الصديق فما لذي / صحب سوى العرق الصبيب حميم
والخلق شاخصة لجاهِ مشفع / فرد الجلال لشأنهِ التعظيم
بمقامكَ المرفوع يخفض ذنبنا ال / منصوب إنَّ رجاءَنا المجزوم
يا أيُّها البحر المطهَّر إنَّنا / طلاَّب حوضكَ يوم تسعى الهيم
سادت بكَ الصلوات ما أسرى بنا / للصبحِ أشهب والظلام بهيم
هناءٌ محا ذاك العزاء المقدَّما
هناءٌ محا ذاك العزاء المقدَّما / فما عبس المحزون حتَّى تبسَّما
ثغور ابتسامٍ في ثغور مدامعٍ / شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما
نردّ مجاري الدمع والبشر واضح / كوابل غيثٍ في ضحى الشمس قد همى
سقى الغيث عنّا تربة الملك الذي / عهدنا سجاياه أبرّ وأكرما
ودامت يد النعمى على الملك الذي / تدانت له الدنيا وعزّ به الحمى
مليكان هذا قد هوى لضريحه / برغمي وهذا للأسرّة قد سما
ودوحة ملك شادويٍّ تكافأت / فغصن ذوَى منها وآخر قد نما
فقدنا لأعناق البرية مالكاً / وشمنا لأنواع الجميل متمما
إذا الأفضل الملك اعتبرت مقامه / وجدت زمان الملك قد عاد مثلما
أعاد معاني البيت حتَّى حسبته / بوزن الثنا والحمد بيتاً منظّما
وناداه ملك قد تقادم إرثه / فقام كما ترضى العلى وتقدَّما
تقابل منه مقلة الدهر سؤدداً / صميماً وتنضو الرأي عضباً مصمما
ويقسم فينا كل سهم من الندى / ويبعث للأعداء في الرّوع أسهما
كأنّ ديار الملك غاب إذا انقضى / به ضيغمٌ أنشابهُ الدهر ضيغما
كأنَّ عماد البيت غير مقوَّضٍ / وقد قمت يا أزكى الأنام وأحزما
نهضت فما قلنا سيادة معشر / تداعت ولا بنيان قومٍ تهدَّما
أما والذي أعطاك ما أنت أهله / لقد شاد من علياك ركناً معظّما
وقد أنشر الإسلام بالخلف الذي / تمكّن في عليائه وتحكما
فإن يك من أيوب نجمٌ قد أنقضى / فقد أطلعت أوصافك الغرّ أنجما
وإن تك أوقات المؤيد قد خلت / فقد جددت علياك وقتاً وموسما
عليه سلام الله ما ذرّ شارق / ورحمته ما شاء أن يترحما
هو الغيث ولى بالثناء مشيعاً / وأبقاك بحراً للمواهب منعما
لك الله ما أبهى وأبهرَ طلعةً / وأفضل أخلاقاً وأشرف منتمى
بك انبسطت فيك التهاني وأنشأت / ربيع الهنا حتَّى نسينا المحرّما
وباسمك في الدنيا استقرّت محاسنٌ / وبأسٌ كما يمضي القضاء محتما
وفضلٌ به الألفاظ للعجز أخرست / وعزٌ به قلب الحسود تكلما
أعدتَ حياة المقتربين وقد عفت / فأنت ابن أيوبٍ وإلاّ ابن مريما
وجددتَ يا نجل الفضائل والعلى / من الدين علماً أو من الجود معلما
يراعك يوم السلم ينهل ديمة / وسيفك يوم الحرب ينهل في الدّما
وذكر ندى كفيك يدني من الغنى / ولثم ثرى نعليك يروي من الظما
لك الملك إرثاً واكتساباً فقد غدا / كلا طرفيه في السيادة معلما
ومثلك إما للسرير منعماً / يثوب وإما للجواد مطهما
ولما عقدنا باسم علياك خنصراً / رأينا من التحقيق أن يتحتما
أيا ملكاً قد أنجد الناس عزمه / فأنجد مدح الناس فيه وأتهما
سبقت لك المدّاح قدماً وبادرت / يدا كلمي فاستلزمت منك ملزما
لياليَ أنشي في أبيك مدائحاً / وفيك فأروي مسند الفضل عنكما
وأغدو بأنواع الجميل مطوّقاً / فأسجع في أوصافه مترنما
وأستوضح العلياء فيك فراسة / بملكك لا أعطى عليها منجّما
فعشْ للورى واسلم سعيداً مهنئاً / فحظّ الورَى في أن تعيش وتسلما
وسر في أمان الله قدماً بفضله / أسرّ الورَى مسرًى وأيمن مقدما
أعدت زمان البشر والجود والثنا / إلى أن ملأت العين والأنف والفما
فديت محيًّا في مسائله ينمي
فديت محيًّا في مسائله ينمي / فخدّ إلى بدرٍ ولحظ إلى سهم
ولله قلب في الصبابة والجوى / أضلته أحداق الحسان على علم
وقفت على مغنى الأحبة نادباً / لما أبلت الأيام منه ومن جسمي
وقدّم دمعي قصة في رسومه / فوقّع فيها الوجد يجري على الرسم
فيا لك دمعاً من وليّ صبابة / سقى الأرض حتَّى ما تحنّ إلى الوسم
يقولون حاذر سقم جسمك في الهوى / ومن لي بجسم تلتقيه يد السقم
عشقت على خدّيك حرف عذارها / فلم يبق ذاك الحرف مني سوى الاسم
إذا فتن الألباب حسنك ساذجاً / فما حاجة الخدّ البديع إلى الرّقم
ألم يكفك اللحظ الذي صال وانتشى / فلم يخل في الحالين من صفة الإثم
ومبتسم فيه اللآلي يتيمة / وليس على أسلاكه ذلة اليتم
يصدّ بلا ذنب عن الصبّ ظلمه / لقد صحّ عندي أنه بادر الظلم
سقى المطر الغادي صبايَ وصبوتي / فما كنت إلا في ليالٍ وفي حلم
وحيى دياراً بالنقا ومرابعاً / بنيت بها هيف القدود على الضم
زمان على حكمي تولت هباته / ولكنها ولت فزالت على رغمي
وأمّلت من إنعام أحمد مسلياً / فناجيت وجه النجح من صحة الوهم
وراح رجائي يضرب الفأل موقناً / وقامت قوافي الشعر تنظر في النجم
إذا لم تجد قاضي القضاة ظماءها / فأيّ امرئٍ يروي بنائله الجمّ
إمام علي عن غاية المدح مجده / إلى أن حسبنا المدح فيه من الذمّ
فلم يكفه أن أذهب الفقر بالندى / عن الناس حتَّى أذهب الجهل بالعلم
ترى الوفد والسادات من حول شخصه / كما تشخص الأبصار للقمر التم
تقبل أطراف البساط ثغورهم / ويقصر ثغر الشهب عن طرف الكم
عجبت لمن يردي بهيبته العدَى / ويسطو سطاه كيف يوصف بالحلم
ومن يهمل الجاني ويحلم حلمه / على كلّ جانٍ كيف يوصف بالعزم
يدلّ لديه المخطئون بجرمهم / لما أظهروا من شيمة العفو بالجرم
ويدعو إليه المعتفين ثناؤهُ / كما يستدلّ الطالب الرّوض بالشمّ
له قلم مدّ البيان عنانه / وجال فقلنا فارس النثر والنظم
تعوّد أن ينشي فتنتج نشوة / إلى أن ظنناه قضيباً من الكرم
وفوّق منه الشرع سهم إصابة / فلا غَرْوَ إن أضحى به وافر السهم
إذا لاح بين الرفع والخفض شكله / رأيت القضايا كيف تنفذ بالجزم
إليك ثناها الفضل من كلّ وجهةٍ / وسار ثنا علياك في العرْب والعجم
لئن ظنّ ساعٍ أن ينالك في العلى / لقد حقّ عندي ذلك الظنّ بالرّجم
أيا ابن السراة المالئين فجاجها / ردًى وندًى يوم الكريهة والسّلم
دعوتك لا أدلي إليك بشافعٍ / ولا سببٍ إلا بسؤددك الضخم
وخفت على قصدي سواك من الورَى / فألفيته من جود كفك في اليمّ
وإني وذكري ما حويت من الثنا / كمن رام تعداد القطار التي تهمي
وماذا يقول اللفظ في النجم واصفاً / وحسبك أن الله أقسم بالنجم
ليهن بنو الآمال أنك قادم
ليهن بنو الآمال أنك قادم / لك السعد والإقبال عبدٌ وخادم
أرى العمر إلا يوم قربك باطلاً / كأنيَ بين الناس بعدك حالم
ويظمأ طرفي للقا وهو مدامعٌ / فيا لك ظامٍ وهو في الماء عائم
سقى الغيث عيساً للحجاز ركبتها / كما ركبت ظهر الرياح الغمائم
وحملتها عبء العلوم فمن رأى / قواعد شرع حملتها قوائم
ولما حللتَ البيتَ كاد مقامُه / للقياك يسعى فهو للسعي قائم
وأذكرته في الوفد وفد قديمه / لأنك للأموال في الجود هاشم
يطوف بك المعترّ بعد طوافه / ويلثم بعد الركن كفك لاثم
إلى أن ملأت الحجر بالبيت والورى / لهذا كراماتٌ وهذا مكارم
وعدتَ إلى أوطان يثرب غانماً / وفي كلّ أرضٍ من نداك مغانم
فعاد إلى علم المدينة مالكٌ / وعاد إلى جود البداوة حاتمُ
وكادت تبارينا دمشق بشجوها / إليك وقد تشجى الرّبى والمعالم
لئن أوحشتها منك ربوة سؤدد / لقد أوحشتها من نداك المقاسم
فوافيتها والعيش مقتبل الهنا / وعزمك مبرور وسرحك سالم
تشير لرؤياك الغصون بأنملٍ / وتفترّ من عجبٍ عليها الكمائم
وتهتزّ أعواد المنابر فرحةً / فهل رجعتْ للعهد وهي نواعم
وما هي إلا غابُ مجدٍ توطنت / مساكنه أشبالكم والضراغم
وعظتم وقد أحصيتمُ درجاتها / كما صدحت فوق الغصون الحمائم
إليك جلال الدين أصبحت العلى / وسلَّم أعراب الورَى والأعاجم
إذا ريم خير أو تعرّض حادث / روى نافع عن شيمتيك وعاصم
سبقت إلى الفضل السراة فما لهم / من الجهد إلا أن تعضّ الأباهم
وجُدتَ على داني الديار ونازح / كأن المداني للبعيد مساهم
فما فات رزق من تنبه للسرى / ومن يتمنى رزقه وهو نائم
لك القلم الراقي سحائب أنمل / تريك رياض الخطّ وهي بواسم
إذا هزّ في يوم الخطوب فعامل / وإن هزَّ في يوم الخطاب فعالم
علوتَ إلى أن جئتَ بالشهب منطقاً / يضيءُ به سارٍ وينهلّ شائم
وسكّنت من جور الزمان محرّكاً / لأنك بالأفعال في الفضل جازم
ونفّقت قولي وهو في الدهر كاسدٌ / وحققت ظني وهو في الخلق واهم
ونبهت من قدري الذي طال واعتلى / وأقدار قوم في التراب رمائم
وكم مدحة لي فيك عاجلها الغِنى / كما نثرت فوق العروس الدّراهم
قطعت بها أيدي وأرجل حاسدٍ / كما تتلوّى في الصعيد الأراقم
من اللاء تسري في دجى من مدادها / وتجلى كما تجلى النجوم العواتم
فخذها صناع اللفظ من متأخرٍ / مضى زمن عن مثلها متقادم
مشوّقة الميمات يحسن رشفها / فيحلف إلا أنهنَّ مباسم
علينا اجتهاد القول فيك وما على / أخي الجهد أن تقضى الحقوق اللوازم
لئن كلفتْ علياك فكرة مادحٍ / وفاء معانيها لحسنك ظالم
بكيت بأجفان المحبّ المتيم
بكيت بأجفان المحبّ المتيم / فدع ما بكت قبلاً جفون متمم
وهيج شوقي في الدجى صوت طائر / فقل في فصيح شاقه شوق أعجمي
ورُبَّ عذول لست أفهم قولهُ / وإن كنت عين السامع المتفهّم
فإن شاء فليسكت وإن شاء فليقم / إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم
مطيل يرجي أن تحلّ عقودنا / فيا عجباً من ناقض الحبل مبرَم
ويا حرباً مما غدوت بلحظه / قتيل الأسى ما بين نصل ولهذم
شهيداً ترى لي فوق وجنته دماً / روائحه للمسك واللون للدم
روائح يعبقن الملا فكأنها / لذكر علاء الدين في الطيب ينتمي
رئيس حوى فضل المكارم شخصه / كما حوت الألفاظ أحرفَ يعجم
روى الشعر أخبار الندى عن بنانه / ونص أحاديث التقى كل مسلم
وصحّت أسانيد السيادة والنهى / عن الأذن عن عين البصير عن الفم
لئن حاط مصراً والشآم برأيه / لقد حاط أوطان الحطيم وزمزم
كأنَّ فجاج الأرض مما تنوّرت / بأوصافه الحسنى منازل أنجم
له راحةٌ صلى الحيا خلف جودها / وأذعن فانظر للمصلّي المسلّم
عجبت لها في الجود تظلم ما لها / وتلك أمان الخائف المتظلّم
إذا خطّ فوق الطرس سهم يراعه / طربت لتخطيط الرداء المسهَّم
فأحسن بذاك الطرس في كلِّ ناظر / وأعصم بذيَّاك اليراع وأكرم
عدا السمر أن تحكي سطاه وبأسَه / فهنَّ متى ما يقرع السنّ تندم
ووفّر سعي البيض في حومة الوغى / فنام إذاً في جفنه كلّ مخدَم
لك الله ما أزكى وأشرف همةً / وأفصح رأياً في الزمان المجمجم
جمعت الندى والزهد والبأس والحجى / فجدْ وتورّع وامنع الضيم واحلم
وجزت بميدان العبادة غايةً / تذكرنا يوم السباق ابنَ أدهم
ولما شكونا من جمادى زماننا / فضلت على نوء الربيع المحرّم
وأنت الذي لو ملَّك البدر كفّه / لأنفقتَه في القاصدين كدرهم
إلى بابك الأعلى قصائد مادحٍ / تتيه على وشي الربيع المنمنم
ضربت إليك الرمل سعياً وربما / ضربنا عليك الرّمل عند المنجّم
وكنت إذا عين الزمان توسمت / وجدتك أقصى ناظر المتوسم
بقيتَ مدى الأيام تخدم بالهنا / وكل صناع اللفظ صائبة الرمي
يشيب وليد الشعر دون مرامها / ويرتدّ عن إدراكها فكر مُسْلم
تقدم حسن المدح حسن مكارم / لديك وكان الفضل للمتقدّم
قاضي القضاة بيمنى حكمه القلم
قاضي القضاة بيمنى حكمه القلم / يا ساريَ القصد هذا الباب والعلم
هذا اليراع الذي تجني الفخار به / يدُ الإمام التي معروفها أمَمُ
إن آلم الحكم فقد الذاهبين فقد / وافى الهناء فزال اللبس والألمُ
ولىّ عليّ ووافى بعد مشبهه / كالسّيل أقبل لما ولّت الدّيم
لا يبعد الله أيام العلاء فما / يقضي حقوق ثناها في الأنام فمُ
ويمنع الله بالراقي لرتبته / فقد تشابهت الأخلاق والشّيمُ
معْيي المماثل في علمٍ وفيض ندًى / فالسحب باكية والبحر ملتطمُ
وكاتم الصدقات الغرّ تكرمةً / للمرء لو كانَ عرف المسك يكتتم
وافى الشآم وما خلنا الغمام إذاً / بالشام ينشأ من مصرٍ وينسجم
آهاً لمصرٍ وقد شابت لفرقته / فليس ينكر أن يعزى لها هرم
تقاسمت بعد رؤياه الأسى ودرت / أن البلاد لها مثل الورَى قِسم
وأوحش الثغر من مرأى محاسنه / فما يكاد بوجه الدهر يبتسم
ينشي وينشد فيه الثغر من أسفٍ / بيتاً تكاد له الأحشاء تضطرم
يا من يعزّ علينا أن نفارقهم / وجْداننا كل شيء بعدكم عدم
يزهو الشآم بمن فارقت طلعته / وا حرّ قلباه ممن قلبه شبم
نعم الهدى ونجوم الليل حائرة / والمجتدى وزمان المحل محتدم
أقسمت بالمرسلات السمر في يده / لقد تهيّب منها الأبيض الخدِم
وقائل أسرت مسراه قلت له / نعم المنام الذي أبصرتَ والحلم
لو لم تنم لم تحاول في العلى طرقاً / زلّت بنجم الثريَّا دونها القَدَم
كل الفصول ربيعٌ في منازله / وكل أشهرنا في بابه حرُمُ
يا واثق الظن في علياه عش أبداً / وأنت معتضدٌ بالسعد معتصم
ورُمْهُ إن طاشت الأيام أو بخلت / فالحلم والجود في ناديه مقتسم
هنالك الطود إلا أنه رجل / في كفِّه البحر إلا أنه كرم
حبر طباق المعالي فيه متضحٌ / فالمال مفترق والمجد ملتئم
وللجناس نصيب من مناقبِه / فالفضل والفصل والأحكام والحكم
ما يرفع الظن طرفاً في مكارمه / إلا وعزم الرجا بالنجح منجزم
لبشره وارتياح المكرمات به / مقدّمات عليها تنتج النعم
قالت مناقبه العليا وما أفكت / هذا التقّي النقّي الطاهر العَلم
أهلاً بمحتكم الآراء فاصلها / والقاصدون على جدواه تحتكم
كانَ الزمان لنا حرباً نخادعه / فاليوم أُلقيَ فيما بيننا السلم
وكان مغنى العلى عطلاً فقام به / ركنٌ تطوف به العليا وتستلم
يا حاكماً ما رصدنا نجم مقدمه / إلا انجلت عن ليالي قصدنا الظلم
حدوتَ لي أملاً من بعد ما عرفت / نفسي عن الناس إن ضنوا وإن كرموا
وكان منطقيَ العربيّ ممتنعاً / عن الأنام فلا عرب ولا عجم
مالي وللشعر في حيٍّ وفي زمنٍ / سيَّان فيه حسام الهند والجلم
حتَّى إذا أشرقت علياك عاطية / رأيت عقد القوافي كيف ينتظم
هدمتَ بيت الغنى مما تجود به / فاهنأ بأبيات مدحٍ ليس تنهدم
ما بعد علياك يحيي واصفٌ كَلِماً / وليت لو وسعت أوصافك الكلم
لا عطّلت منك دنيانا ولا فقدت / نسيم أنفاسك الأرواح والنسم
صيرني في كلِّ وادٍ أهيم
صيرني في كلِّ وادٍ أهيم / من حظّ قلبي منه هاءٌ وميم
مبخل يشبه ريم الفلا / وأطول شجوي من بخيل كريم
لم أنس في حبه كم ليلةٍ / خلّفني أرعى دجاها البهيم
نظرت في أنجمها نظرةً / فقال لي جسميَ أني سقيم
شوقاً لمن لست على حبّه / بصالح لكنّ قلبي كليم
بدر على غصنٍ جديد الحيا / فخلّ عرجون الهلال القديم
وأقسم بواو القسم الصدق من / صدغيه أن ليس له من قسيم
ولا تخلني سامعاً لومةً / أعوذ بالله السميع العليم
في شرعة البين وحكم الأسى / جفنٌ نزوحٌ وغرامٌ مقيم
وثابت الودّ لديغ الحشا / يأتي إلى الله بقلبٍ سليم
يا روضة تجني بألحاظها / فتجتني حرّ الشقا من نعيم
كن كيفما شئت وعن مهجتي / فلا تسل عن حال أهل الجحيم
ما الشمس إلا وجهك المجتلى / وما الحيا إلا ندى ابن العديم
كمال دين الله من غيثه / قد ألحق النائي بخصب المقيم
لا يسأل القاصد عن بابه / إلا سنا النشر وطيب الشميم
ماذا لقينا في حديث الثنا / من مجده المتّضح المستقيم
الناطق الواصف في خجلة / بالعجز والساكت عين الأثيم
ذو طلعة في البشر كم ناظرت / بدراً فأمسى خدّه كالّلطيم
وهمة في الفضل كم جاورت / غيثاً فولّى غيمه كالهزيم
قاضٍ قضى العدل ولكنه / قضى على المال قضاء الغريم
ما فطمت من كرم كفّه / من قبل ما أدرك سنّ الفطيم
جاء النهى يسأل ميلادَهُ / فبشّروه بغلامٍ حليم
لا عيب فيه غير نعمى يدٍ / يمشي شذا أنفاسها بالنسيم
من معشر سادوا وساسوا الورَى / ببأس قاسٍ وبجدْوَى رحيم
مثل النجوم الزهر كم مهتدٍ / بها من الناس وكم من رجيم
تطوّف الأشعار من حولهم / فائزةً ما سعيها بالذميم
وخير ما طاف لنسك العلى / بيتٌ نظيمٌ حول بيتٍ عظيم
يا عمر الخير لقد نبهت / منك المعالي طرف راعٍ حكيم
لا زلت ذا ذكرٍ كثير السُّرى / بكلّ أرض وندى لا يريم
كم عادنا منك ندًى مشهرٌ / لواحظ المدح وأمنٌ منيم
وكم رأيناك لمربى الثنا / أباً فجئناك بدرٍّ يتيم
ربّ عيشٍ نصبت كأس مدامِهْ
ربّ عيشٍ نصبت كأس مدامِهْ / ومليحٍ ضممت غصن قوامِهْ
تائه أقنع الهلال افتخاراً / أنه قد غدى مثال لثامه
عربيّ إلى كنانة معزا / هُ ولكن لحاظه من سهامه
ضائع العين كلّ سهران فيه / ضيعة القاف في حروف كلامه
هبّ في جامه كخمرةِ فيهِ / وسقاني فوهُ كخمرة جامِه
وجفاني بعد اللقاء فيا نا / ر فؤاد المحب بعد سلامه
ويح صبّ يخفي بكمّيه دمعاً / وهو كالزهر لاح في أكمامه
سحرته العيون سحر ابن محمو / د بنفث البيان من أقلامه
الرئيس الذي به غنيَ النا / س عن الغيث وارتقاء غمامه
وثقوا أن غدوا ضيوفاً لإبرا / هيمَ أن النجاح حول مقامهْ
لم يقيسوا الحيا بجدواه لكن / بشروه من الحيا بغلامهْ
أكمل العالمين فضلاً فما نس / أل ربَّ العباد غير دوامه
أيّ حرّ لو لم تفضّل ذووه / لكفتْه في الفضل نفس عصامهْ
وجوادٍ لو لم يعمّ سخاه / لحبا من صلاته وصيامه
وبليغ لو قام أهل المعاني / قال أسنى من قولهم في منامهْ
فاض فيض الغمام في الجود لا قص / د مديح الغنى ولا خوف ذامّهْ
وحمى الدين إذ سما فله الفض / ل على كلّ سامِ دهرِ وحامه
ما روى الناس في التواريخ قدماً / ما روَوْا للسّماح في أيامهْ
عدّ بالخنصر المقدم إذ أو / ضح وجه البيان من إبهامه
ودَرى المدح عجزه عنه لكن / خاف عنه الكتمان من آثامه
يا رئيساً نرجو به أدب الدّه / ر لأنَّا نراه من خُدَّامهْ
دم هنيئاً بألف صومٍ وفطرٍ / مسعد في اقتباله وانصرامهْ
من غدا طاهراً كطهرك فينا / كانَ كلّ الشهور شهر صيامهْ
أو غدا جائداً كجودك فينا / كانَ كل الأوقات أعياد عامهْ
فاز حرٌّ أمسيت مغزَى رجاه / وزمان أصبحت صدر منامهْ
بكيت ليلاً بوجدي وهي تبتسم
بكيت ليلاً بوجدي وهي تبتسم / حتَّى تقايس منثور ومنتظم
دمع يجاوب مسراه تبسمها / كالروض يضحك حيث الغيث ينسجم
لا كنتَ يا قلبُ كم تصبيك غانيةٌ / يعدي أخا اللحظ من ألحاظها السقم
أحسن بها ظبية بالسفح تمنعها / أسد الكماة لها من اسمها أجم
عدمت لبيَ من وجدٍ بها وكذا / جفنيَّ فالآن لا حلمٌ ولا حلُمُ
وأغيد لم أخف فيه الذنوبَ ولا / جرى على خده من عارضٍ قلمُ
يصان حتَّى كأن الخمر ما حرمت / إلا لكيلا تحاكي ريقه الشبمُ
ما اهتزّ كالغصن في أوراق بردته / إلا تساقط من أجفانيَ الغَيم
كانت غواية قلبي في محبّته / مجهولة السّبل لا هادٍ ولا علم
يسلو الشجيّ ولفظي كله غزل / ويستفيق وقلبي حشوه ألمُ
فالحبّ عندي وإن طال الملام به / كالجود عند ابن مصري مشرع أمَم
حتَّى إذا صغت في قاضي القضاة حُلا / مدحٍ تطهر فكرٌ بارعٌ وفمُ
أندى البرية والأنواء باخلة / وأسبق الخلق والسادات تزدحم
حبر تجاوز حدّ المدح من شرفٍ / كالصبح لا غرّة تحكى ولا رئم
لكنها نفحاتٌ من مدائحه / تكاد تحيى بها في رسمها الرّمم
مجوّد الهمّ للعلياء إذ عجزت / عنها السراة وقالوا إنها قسم
تصنّعوا ليحاكوا صنع سؤدده / يا شيب كم جهد ما قد يكتم الكتم
يمضي الزمان وما خابت لديه يدٌ / سعياً إلى المجد لا زلت به قدمُ
رام الأقاصيَ حتَّى حازها ومضى / تبارك الله ماذا تبلغ الهمَمُ
لا يطرد المحل إلا صوب نائِله / ولا يجول على أفكاره الندَمُ
في كلّ يوم ينادي جود راحتهِ / هذا فتيّ الندى لا ما ادّعى هرم
يمّمْ حماه ودافع كلّ معضلةٍ / مهيبة الحرم تعلم أنه حرم
وأحسن ولاء أياديه فما سلفت / عزيمة بولاء النجم تلتزم
واسعد بمن حاطت الإسلام همته / حتَّى تغاير فيها العلم والعلَم
نعم الملاذ لمن أوْدَتْ به سنة / شهباء آثارها في عينه حُمَمُ
لو أنَّ للدّهر جزأً من محاسنهِ / لم يبق في الدهر لا ظلم ولا ظلم
قالت أياديه للقصّاد عن كثبٍ / ما أقرب المجد إلا أنها همَمُ
مما أناف به للمجد إنَّ له / عُرفاً يرى فرص الإحسان تغتنم
والمجد لا تنثني يوماً معالمه / إلا إذا راح مبنى المال ينهدمُ
وللسيادة معنًى ليس يدركه / من طالب الذكر إلا باحثٌ فهِمُ
فليت كل بخيل ينثني بطراً / فداء نعل فتى أودى به الكرم
تستشرف الأرض ما حلّت مواطنه / كأنما الوهد في آثاره أكم
لمعشرٍ هم لمن ولاهمُ نعمٌ / هنيئة ولمن عاداهمُ نقمُ
تفرق المجد في الأحياء من قدمٍ / والمجد في تغلب العلياء ملتئم
الطاعنين وحرّ الحرب ملتهب / والمطعمين وحرّ الجدب ملتهم
والشائدين على كيوانَ بيت عُلاً / تسعى النجوم بمغناه وتسْتَلم
من كلّ أروع سامٍ طرف سؤدده / أغرّ قد ناولته الراية البهمُ
مضوا وأحمد زاهي المجد مقتبل / كالروض أقبل لما ولّت الدّيم
يا مانحي منناً من بعدها مننٌ / ما شأنها منك لا عيٌّ ولا سأمُ
ومظهراً ليَ في دهر يمجمج بي / كأنما أنا حرفٌ فيه مدّغمُ
شكراً لفضلك ما غنّت مطوّقة / وما تتاوح غبّ الوابل السّلم
لله برّك ما أحلى تكتّمه / في الخلق لو كانَ عُرفُ المسك يكتتم
وافى وقد حذّر الحسّاد من حنقٍ / أن يبصروه فلما أبصروه عموا
وطالما كنت والأيام في رهجٍ / فاليوم ألقيَ فيما بيننا السّلم
وفتية أنت أحظى من رجايَ بها / يفنى الثراء وتبقى هذه الكلم
يا باغيَ المجد لا والله ما بلغت / معشار سعيك هذي العرب والعجم
وحسّدٍ خفقت أحشاؤهم حنقاً / كأنها بيد الأحزان تلطمُ
أستهكم بثناء فيك غاظهمُ / غيظ البزاذين لما عضت اللجم
أهواك للشيم اللاتي خصصت بها / إذا تخيرت الأفعال والشيم
ما زاد في قول واشٍ غير طيب ثناً / كندّ يعبق حيث الجمر يضطرم
حاشاك حاشاك أن تلقاك شائبةٌ / وأن تطرق في أفعالك التّهم
هم حدّثوني فما صدّقت ما نقلوا / وأوهموني فما حققت ما زعموا
فليهن مجدك إذ يعلو وقد سفلوا / وليهن رأيك إذ يزكوا وقد أثموا
أما الشآم فقد أغنيت قاصده / حتَّى اشتكتك الفلا والأينق الرّسم
لولاك للطائفين العاكفين به / لم يبق ركنٌ من النعمى وملتزم
خذها عروساً وبكراً بنت ليلتها / أسيلة الخدّ في عرنينها شمم
لولا أياديك ما ضمّت على أملٍ / يدٌ ولم ينفتح لي بالثناء فم
نوعاً من الشعر لا يدعى سواك له / إن المدائح كالعليا لها قيم
هوت إلى لثمه الأفواه مسرعة / كأنما كل ميم فيه مبتسم
فهنأ الله عافٍ أنت نجعته / وخائفاً بك في اللأواء يعتصم
ليشكرنّك مني الدّهرَ أربعةٌ / نفسٌ وروحٌ ولحمٌ نابتٌ ودم
رمى حشايَ ويا شوقي إلى الرامي
رمى حشايَ ويا شوقي إلى الرامي / لحظٌ برامة من ألحاظ آرام
رهنت في الحبّ نومي عند ناظره / لما اقترضت لجسمي منه أسقامي
أفدي الذي كنت عنه كاتماً شجني / حتَّى وشى نبت خدّيه بنمام
ممنّع الوصل كم حالمت من شغفٍ / عدايَ فيه وكم عاديت أحلامي
ظلمت خدّيه بالألحاظ أجرحها / وحسن خدّيه ظلاّم لظلاّم
وما لبست به من أدمعي خلعاً / إلا ووشيُ دمي فيها كأعلام
يا ليت شعري وقلبي فيه ممتحنٌ / ما ذا على عذّلي فيه ولوّامي
لا تخش من عاذلٍ قد جا يحاورني / يا سالبي في الهوى حلمي وأحلامي
وحقّ عينيك ما لي في محبتها / سمعٌ لعين ولا ذالٍ ولا لام
ولا لفكريَ من شمسٍ ومن قمر / سوى جبيني في صبحي وإظلامي
سقياً لمعهد أنسٍ كانَ يسند لي / بوجهه الطلق عن بشر ابن بسّام
حيث النسيم يجر الذّيل من طربٍ / والزهر يرقص من عجبٍ بأكمام
والنهر طرسٌ تخطّ الريح أسطره / والقطر يتبع ما خطّت بإعجام
والكأس في يد ساقيها مصوَّرة / تضيء من حول كسرى ضوء بهرام
قد أسرجت وعدت للهمّ ملجمة / فهي الكميت بإسراجٍ وإلجام
أنشى بها العيش ينمو من محاسنه / ما ليس يحصره الناشي ولا النامي
وأجتلي كأسها والشمس ما جُليت / ولا ترشف منها الشرق في جام
شهور وصلٍ كساعاتٍ قد انقرضت / بمن أحبّ وأعوامٌ كأيام
ولّت كأنيَ منها كنت في سنةٍ / ثمّ انبرت ليَ أيامٌ كأعوام
مقلقلاً بيد الأيام مضطرباً / كأنما استقسمت مني بأزلام
قد حرَّمت حالتي طيب الحياة بها / كأن طيبَ حياتي طيبُ إحرام
هي المقادير لا تنفكّ مقدمة / وللحجى خطراتٌ ذات إحجام
أما ولي حالةٌ عن مرةٍ نقلت / لأنقلنّ بها عن عزم همّام
ورُبّ شائمة عزمي ومرتحلي / إلى حمى مصر أشكو جفوة الشام
قالت وراءَك أطفالٌ فقلت لها / نعم ونعمى ابن فضل الله قدَّامي
لولا عليّ ابن فضل الله ما استبقت / سفائن العيس في لجِّ الفلا الطامي
لعاقد خنصر المدَّاح يوم ثنا / وموضح الجود فيهم بعد إبهام
ربّ السيادة في إرثٍ ومكتسبٍ / فيا لها ذات أنواعٍ وأقسام
سدْ يا عليّ بن يحيى كيف شئت فما / في فرعك المجتنى والأصل من ذام
وارفع إلى عمرٍ إسناد بيتك في / فضلٍ وفصلٍ وتقديمٍ وإقدام
بيت تسامى إلى الفاروق منصبه / فكاتبته العلى بالمنصب السامي
منظم طاب حتَّى تمّ مفخره / فكم إلى طيّب يعزى وتمّام
إسمٌ حروف المعالي فيه واضحة / وكلّ عالٍ سواكم حرف إدغام
لو طاولتكم نجوم الأفق ما بلغت / قوادم النسر منكم ترب أقدام
بأول الحال منكم أو بآخره / يراكم الله تأييداً لإسلام
إما بأرماح أقلامٍ لكم عرفت / لياقة الحدّ أو إرماح أقلام
تحمون سرى الهدى بدأً ومختتماً / وتنهضون بإنعام وإرغام
منكم عليٌّ نماه للعلى عمرٌ / فحبذا ثمرات المغرس النامي
ندبٌ سما وحمت ملكاً براعته / فداً له الناس من سامٍ ومن حام
محسّن الخلق والأخلاق تألفه / عقائل الفضل عن وجدٍ وتهيام
من أجل ما عقد المدّاح خنصرهم / عليه ميز من جلي نجا تام
لا عيب فيه سوى علياء حالته / عن صف ما شئت من عيٍّ وإفحام
تدري سرائر نجوانا عوارفه / إما بصائب فكرٍ أو بإلهام
لو أن للبحر جزأً من مكارمه / ألقى على الطرق درًّا موجه الطّامي
جارى حياه بحار الأرض يوم ندى / ويوم علم فروّى غلة الظامي
فالبحر يزبد من غيظٍ يخامره / والبرق يضحك من عجز الحيا الهامي
والعدل يغمض جفن السيف في دعةٍ / من بعد ما كانَ جفناً دمعه دامي
أما الملوك فقد أغنى ممالكها / تصميم منطقه عن حد صمصام
ذو اللفظ علّمت المصغي فصاحته / قولَ المدائح فيه ذات إحكام
فلو مزجتَ أباريق المدام به / ما رجّعت صوت فأفاءٍ وتمتام
يا فاضلاً لو رنت عين العماد له / لبات يخفق رعباً برقه الشامي
غطّى ثناك على عبد الرحيم فما / ترنو لأنجمهِ أبصار أفهام
وقد طوى نظمك الطائيّ منهزماً / لما برزت بأطراسٍ كأعلام
ليخبر الملك في يمناك عن قلمٍ / صان الأقاليم عن تخبير مستام
أشدّ من ألف في الكفّ يكرع من / نون وأمنع يوم الرّوع من لام
تغاير الوصف في يوم العطاء به / والناس ما بين مطعانٍ ومطعام
وراثة لك يا ابن السابقين علاً / في بثِّ مكرمةٍ أو حسم آلام
كأنَّ أهل العلى جسمٌ ذووك له / هامٌ وأنت يمين العين في الهام
إن كنت في الوقت قد أوفيت آخرهم / فإنك العيد وافى آخر العام
شكراً لأوقات عدلٍ قد أنمت بها / عين الرّعايا فهم في طيب أحلام
وأنجمٍ خدمت علياك فهي إذاً / نعم الجواري التي تدعى بخدَّام
أبحت يا صاحب السرّ النوال وقد / منعت ما خيف من ظلمٍ وإظلام
وأنجدتنا على الأمداح منك لُهًى / إلى الورَى ذات إنجادٍ وإتهام
خذها منظمة الأسلاك معجزة / بالجوهر الفرد فيها كلّ نظّام
مصرية بين بيوت الفضل ما عرفت / فيها نسبة جزّار وحمَّام
أنت الذي أنقذتني من يدي عدمي / آلاؤه ومحت بالبرِّ إعدامي
فعش مع الدهر لا إبرام في سبب / لما نقضت ولا نقضٌ لإبرام
ودم لحمدٍ وآلاءٍ ملأت بها / جهاتيَ الستّ من جاهٍ وإنعام
فواضل عن يميني والشمال ومن / فوقي وتحتي ومن خلفي وقدّامي
يدافعني الغيران عن طيب لثمها
يدافعني الغيران عن طيب لثمها / فيقنعني لثم التذكر لاسمها
محجبة أبكي ليالي وصلها / بشهبي وحمري وهي تبكي بدهمها
بكيت بلوَّامي عليها وعذَّلي / ولا وصل إلا بين وهمي ووهمها
وصنو أبٍ قد صانَ نقطة خالها / فيا حرباً من خالها ثم عمّها
ويا عجباً حيث اللآلي يتيمة / بفيها وما يبدو بها ذلُّ يتمها
وحيث أرى من جفنها السهم قاتلاً / وما غرضي إلاَّ ملاقاة سهمها
بروحيَ من لا خارجٌ غير ردفها / ثقيلاً ومَن لا باردٌ غير ظلمها
أما وجراحي خدّها ثم أدمعي / لقد وقعت عين المحبّ بجرمها
ودرّ بكائي حين يبسم ثغرها / لقد لاح فرقٌ بين نثري ونظمها
نأى فنأى عنِّي الكرى وتغيبت / فلا طيب أحلامي ولا فضل حلمها
وأفردت بالآلام فيها وقاسمت / لواحظها ما بين سقمي وسقمها
كأنِّيَ ما نزَّهت طرفي ببيضةٍ / إليها ولا روَّيت قلبي بضمِّها
ولا ظنَّنا الواشون حرفاً مشدَّداً / لتوثيق جسمي في العناق وجسمها
يدايَ على الحسناءِ قفلٌ مؤكّدٌ / بآثارِ لثمٍ مثل آثار ختمها
زمان غوايات الصبابة والصبا / أغرّ بنعماها وألهو بنعمها
وليل شباب أيقظ الشيب مقلتي / لديه وكانت في غيابةِ حلمها
وطاوعت نصَّاحي ويا رُبَّ مأثم / قضيت على رغمِ النهى قبل رغمها
وما الشيب إلا كالحسام مجرَّداً / لتعجيل أدواء الضلال لجسمها
تباركَ من أردَى ضلالاً برحمةٍ / وزيَّن آفاق المعالي بنجمها
إمامٌ إذا عاينت سنة وجهه / حكمت على تلك الفخار بعلمها
تهلَّل إذ طارحته بمدائحِي / تهلّل وسميِّ البروق بوسمها
حفيٌّ بطلاَّب الفضائل والندى / فلله ما حيّ عيّها بعدَ عدمها
وفاصل أحكام القضاء بفطنةٍ / كأن سرار الشهب من فتح فهمها
إذا اخْتصمَ الأقوام ضاءَ بفكرةٍ / يقول ضياء الصبح لست بخصمها
ولا عيبَ فيه غير إسراف أنعمٍ / ترى عزمها في الجودِ غاية غنمها
يجانس بالفتوى الفتوَّة جائداً / ويعرب عن فصل الأمور بحزمها
إذا زعماء القوم همَّت بشأوهِ / فقد طلبت شأو النجوم بزعمها
فديناه ندباً زادَ في شأو بيته / إذا نقصت ذات البيوت بجرمها
وقاضي قضاة تعرب الخلق مدحه / فتعجز حتَّى عربها مثل عجمها
فيمدحه حتَّى النسيم بعرفه / وتصغي له حتَّى الجبال بصمّها
له همَّة إن شئت غالية الثنا / فشمها وإن شئت الفخار فشمّها
على حين مسودُّ المفارق حالك / فكيف إذا ضاءَ المشيب بفحمها
وأقلام رشدٍ يتبع الرشد خطّها / ويعمل أنواع الثناء برسمها
يقيم على العادين حدًّا بحدِّها / ويهدي إلى العافين عزًّا بعزمها
وتكتب في حالي نداها وسطوها / بدرياقها طوراً وطوراً بسمِّها
مسدَّدة المرمى مقسَّمة الحيا / فلا زالَ للإسلام وافر سهمها
بكفِّ كريمٍ يملأ العلم والقرى / لديه قلوب الطالبين بشحمها
فتى الدِّين والدُّنيا ينير ظلامها / بكوكبها العالي ويلوي بظلمها
سليل عماد الدِّين إنك بعده / مصاعد ما همَّ الزمان بلثمها
تطوف بمغناه وفود مقاصد / محمّلة جدوى يديه لهمِّها
لتمكين رَجواها وتأمين رَوْعها / وتأثيل نعماها وتفريج غمّها
فما الشهد أحلى من صنائع فضله / ولا المسك أذكى من تضوع كتمها
وما روضة بالحزنِ مخضلَّة الربى / مكاثرة زهر النجوم بنجمها
يجرُّ لديها عاطر الريح ذيلهُ / وتخطر فيها المزهرات بكمّها
بألطفَ من أخلاقِهِ عند شيمِها / وأعطر من أخباره عند شمّها
لجأت إليه والحياة مريرةٌ / فعرَّفني إحسانه حلوَ طعمها
وكنت على قصدِي من الناسِ خائفاً / فألقيته من راحتيه بيمّها
وما هوَ إلاَّ النجم جاورته فلا / مخافة من كلِّ العداة وكلمها
أتمَّت حلا مرآه حليَة حبره / فلا عدِمت منه العلى بدرَ تمّها
إلى مَ العشق واللاّئمة
إلى مَ العشق واللاّئمة / خواطري شاعرة هائمهْ
في كلِّ نادٍ أصبحت صبوتي / ناثرة ودمع عيني ناظمهْ
مفطَّر المهجة في حبِّ من / عيني من النوم بها صائمهْ
يسوم سعر الوصل من سامَهُ / لم ترع في الحبِّ لها سائمهْ
وأهيف كالرمح أعطافه / عادلة مع أنّها ظالمهْ
تلوم في ناعسِ أجفانِه / لائمةٌ عن صبوتي نائمهْ
كمثل ما لامت بها في التقى / في الجودِ بعض النيَّة الراغمهْ
أوفى الورَى علماً وأسماهمُ / إلى العلى عزماً وأبهى سِمهْ
ذو الأصل والفرع له نسبة / جليسة في دستها قائمهْ
فريد وقت بفريد الثنا / قد جليت أوقاته الباسمهْ
سبكيَّة التبر سبيكية / أوصافه في المدحِ في اللاّزمهْ
لله ما أغناه في حالتي / جدوى وفتوى للعلى قاسمهْ
كلتاهما للطالبي غوثة / في الفقه والجهل يدٌ حاسمهْ
أقلامنا في طرسِ إمداحه / تجرُّها جارية خادمهْ
دنيا وأخرى كلّمت ذاته / فحبذا المبدأ والخاتمهْ
أبا البقا هنأت طول البقا / بنعمة سابغة دائمهْ
وسؤدد مكّنت أسبابه / بعزمة عاملة عالمهْ
ووصلة زاكية بالرفا / وبالبنين ابْتدرت باسمهْ
رقت على زاهر أفق الهدى / زهراء في أنجمها الناجمهْ
عقيلة الأنصار حكَّامهم / لا برحت علياهمُ حاكمهْ
نبت عليٍّ بعلا قومها / تعيش أجسادهم فاطمهْ
رافعة في ظلِّهم بيتها / بكسرِ أعدائهم جازمهْ
مدمعٌ سائلٌ لغير رحيمِ
مدمعٌ سائلٌ لغير رحيمِ / وإعنائي من سائل محروم
ونثار من البكى مستفاض / في الهوى من لقاءِ ثغرٍ نظيم
صادَقَ الخدّ واسْتحمَّ به الجس / م فآهاً من الصديق الحميم
ليت شعري أهكذا كلّ صبّ / أم كذا حال حظِّيَ المقسوم
يجرح القلب وهو عدل عن الح / بِّ ويقضي الغرام وهو غريمي
حربي من مهفهف القدّ ألمى / أوقعَ القلب في العذابِ الأليم
قائم الخصر قاعد الردف أمري / فيهِ ما بين مقعدٍ ومقيم
وعدهُ مثل خصره من جفاءٍ / باطنيٌّ يقول بالمعدوم
لي على روض جدّه كلّ يومٍ / أدمعٌ مستهلَّةٌ كالغيوم
لا تلم عاشقاً بكى بعد روضٍ / كبكاء الوليد بعد نسيم
حطَّم الوجد ركن دمعي وطافت / لوعتي بين زمزمٍ والحطيم
ورمتني من العيونِ سهامٌ / ذات نصلٍ كما ترى مسموم
بين مرأى فمٍ وطرَّة شعرٍ / فهيَ لا شكّ بين سينٍ وميم
يا لها من سهامِ لحظٍ كستني / برد سقمٍ محرَّر التسهيم
وفمٌ بارد المراشف لكن / كبدي منه في سواءِ الجحيم
برخيمِ الألفاظ صير حظِّي / مثل حظّ الأسماء بالترخيم
ودجى طرَّة تسلَّمت القل / ب فأمسى منها بليلِ السليم
ذات صدغٍ دنا له مسك خالٍ / فحسبناه نقطة تحت جيم
ورقيم من العذار ثناني / ساهراً طول ليلتي بالرقيم
خطَّ ريحانه على ماءِ خدٍّ / كادَ يجري في نضرةٍ ونعيم
ما تذكّرت ذا وهذاك إلاَّ / بتُّ بين المشروب والمشموم
ربَّ ليلٍ قد همت فيه بظبيٍ / قربه لي أشهى من التَّهويم
باللّمى والطلا سعى فسقاني / من كلا الساعيين بالخرطوم
حيث وجه الزمان عندِيَ هشّ / ونبات الشباب غير هشيم
يا زمان الصبا سقتك الغوادِي / أينَ كأسي وروضتي ونديمي
عن جمالِ الوجوه قصّر شجوي / وثنائي يهوى جمال العلوم
سيدٌ وابن سيدٍ هامَ حمدِي / فيهما بالكريمِ وابن الكريم
وإمامٌ محرابُ أفكاره الطر / س وكلُّ الأنام مثل الأميم
بشِّروا بيته الذي طالَ قدراً / بغلامٍ في العالمين عليم
ذو كلامٍ تجمَّع الجوهر الفا / خر فيهِ وذلّ قدر اليتيم
أينَ عبد الحميد من نثرِهِ الجز / ل الذي قد كساه ثوب الذميم
أينَ نظم السعيد منه ومن قوَّ / ةِ ما خطَّه ابن العديم
ذاك خطّ أغضى ابن مقلةَ عنه / يوم فخرٍ إغضاء غير حليم
زاحف بين أسطرٍ وطروسٍ / لسطا عسكرين زنجٍ وروم
صغت من حلاك يا ابن عليٍّ / طوق مجدٍ على الفخارِ مقيم
وأدارت يمناكَ لي كأس درجٍ / كلن فيها المزاج مع تنسيم
يلتقيها لفظ المصلِّين عجباً / ويمدُّون راحة التَّسليم
ليسَ فيها عيبٌ سوى أنّني بال / عجز عنها شكوت شكوى الظليم
حين ولَّى زمان لفظي وجفَّت / أيكتي وانْثنى هبوب نسيمي
ورأيت الألفاظ أولاد فكرٍ / نفَّرتها عنِّي وجوه همومي
فغدا الفكر في التغابن عجزاً / وهيَ عنه في غاية التحريم
نقَّصت قوَّتي عن المدحِ فاصْفح / في نظامي عن خجلة التتميم
واكْتم السرّ عن معائب فاهت / فسروري في سرِّها المكتوم
ربع لعزَّة صامتٌ لا يفهم
ربع لعزَّة صامتٌ لا يفهم / وقلوبنا في رسمِهِ تتكلَّم
لو لم تعف حماه غرّ سحائبٍ / تهمى لعفَّته مدامع تسجم
وعلى البكى فلقد يروق كأنما / قطع الغمام عليه برد معلم
ما أنسَ كم ليل عليه قطعته / بالوصلِ تعذرني عليه اللّوم
حيث الجرَّة فيه شكل سبيكة / قد جرَّبت فالبدر منها درهم
وضجيعتي جود بحكمِ جفائها / ولقائها يشقي المحبّ وينعم
حوراء إلاَّ أنها قد أسكنت / قلبي الذي تبلّته وهو جهنم
لو لم تكن روضاً لما كانت إذا / هطلت غيوث مدامعي تتبسَّم
يا قلب هذا شعرها وجفونها / فاصْبر إذا زحفَ السواد الأعظم
ما الشمس أشرف بهجة منها ولا / صوب السحائب من عليّ أكرم
بحرٌ تعلمنا المديح صفاته / فعقوده منه عليه تنظّم
متيقّظ الآراء تحسب أنه / كلُّ الأمور لديه غيباً يُعلم
ومسدَّد الحركات ينهلّ الندى / وتخيِّم العلياء حيث يخيّم
جزل العطا والبأس حينَ خبرته / كالسيفِ حينَ يروق ثمَّ يصمم
تجني فيحلم بعد ما جاورته / حتَّى تظنّ لديه أنك تحلم
رفق كما انْحلّت خيوط غمامةٍ / فإذا سطا نزلَ القضاء المبرم
نطقَ الزمان به وكلٍّ مفاخر / كلمٌ على لسنِ الزمان مجمجم
انظر لحبوته وأنعمه تجد / من جانبي رضوى سيولاً تفعم
لا عيب فيه سوى تسلّط جوده / فالمال من نفحاته يتظلم
لله ما بلغت مساعيه وما / جمعت من المجد الذي لا يرغم
كرم تصلي السحب خلف صلاته / لكنها للعجز عنه تسلم
وثناً يقيد بالمدائح ذكره / فتراه ينجد في البلاد ويتهم
عبق الشذا تحكيه زهر كمائم / في الروض إلا أنها تتكلم
وفضائل لذّت وعزّ مرامها / فكأنها شهدٌ يذاق وعلقم
من كلّ ساجعة السطور كأنما / همزاتها وُرْقٌ بها تترنم
وقصيدة غرّاء تعلم أنه / قد غادر الشعراء ما يُتردم
وتواضع كالشمس دانٍ ضوءها / والقدر أرفع أن ينال ويكرم
يممه يا راجيه تلقَ خلاله / تسدى بها حلل الثناء وترقم
يرجى فيعطي فوقَ كلّ رغيبة / وتطيش ألباب الرجال فيحلم
وإذا دعى الداعي نزال وجدتهُ / بالرأيِ يطعن واليراع فيهزم
قلمٌ له في كلِّ يومٍ كريهة / أنباء يجري في جوانبها الدّم
نادى سواد النفس لما أفصحت / كلماته أنا عبد من يتفهّم
وجرت بحكمته يدٌ من تحتِها / أبداً يدٌ من فوقها أبداً فم
يا ابن الذين لهم سناً بهر الورَى / وعلاً نبجّل ذكرها ونعظم
شرفٌ ولكن بالهلالِ متوَّج / فوقَ السماء وبالسماك مخيم
يفدِي ربيع نداك مثرٍ كفّه / أبداً جمادى أو نداه محرَّم
قرم تعيّس للمديحِ إذا شدا / فكأنه عند المديح مذمم
أنت الذي لجأت إليه مدائحي / أيام لا وزرٌ ولا مستعصم
أغنيتني عمَّن إذا مدح امرؤ / لم يفرحوا وإذا هجا لم يألموا
خذها إليك بديهة عربيّة / ما نالَ غايتها زياد الأعجم
شابَ الوليد لعجزِهِ عن مثلها / وارْتدَّ عن نظم القوافي مسلم
قوامك تحت شعرك يا أُمامه
قوامك تحت شعرك يا أُمامه / لحسنك حاملٌ علمَ الإمامهْ
أما وصراط فرقٍ مستقيمٍ / لقد قامت عليَّ به القيامهْ
بروحي منك قدًّا هزَّ رمحاً / فسلَّ الجفن أيضاً حسامهْ
وخدّ شاهدٌ بدمي وإلا / بأن وراه من ريق مدامهْ
يشفّ من الإضاءة عن رحيقٍ / تخال الخال من مسكٍ ختامهْ
تأخر يا غلام وخلّ خالاً / ينادمني على خدِّ الغلامهْ
لشامته يقول إذا أديرت / عليّ مدام ريقته بشامهْ
ألذّ بظلمها لي حيث لذّت / به فأفرّ من كشف الظلامهْ
إلى أسد لها نسبٌ ولكن / محاسنها إلى آرام رامهْ
أطعت بها الغواية والتصابي / وعاصيت النَّصيحة والملامهْ
وقلت لعاذلي لا كيد يمشي / لمثلك في هوايَ ولا كرامهْ
زمان اللهو مبرور الليالي / ووجه الأنس وضَّاح الغمامهْ
ورب حمامة سجعت فهاجت / خفايا مهجةٍ لي مستهامهْ
فما ورق الحمامة حين أبدت / خفا شجني سوى زرق اليمامهْ
لقد حاكيتها وجداً وحيداً / عليه لحية النعمى وسامهْ
فما يبلى جوايَ ولا أنادي / عليّ لي ولا طوق الحمامَهْ
سقى دنيا عليّ كما سقاني / فواصل كفّه صوب الغمامهْ
وزير ما ترى الفضل بن يحيى / سواه ولا الحسين ولا قدامهْ
عيان الفضل دع خبر ابن قيس / ورأس الجود دع كعب بن مامهْ
تعالى الله ما أندى حياه / لدى رجوَى وما أوفى ذمامهْ
بدا ويدُ الزّمان قد استطالت / فأخمد ظلمه ومحا ظلامهْ
ووفى الملك ما شرطت عليه / تكاليف الكفالة والزّعامهْ
وداعي الجود يروي عن رباحٍ / وداعي اليأس يروي عن أُسامهْ
وكأس الحمد في يمناه يملا / بممزوج اللّطافه والشهامهْ
وملك صلاح دين الله يزهو / بأفضل فاضل فيه إقامهْ
فأمَّا أصله فإلى قريشٍ / وأمَّا سرّه فإلى كتامهْ
له قلم تقسّم ريقتاه / شهاد فم المحاول أو سمامهْ
مكين في الندى والبأس إما / لهامٍ في المصالح أو لهامهْ
وما الّلامات تحمي الجيش إلا / إذا ما خطَّ فوق الطرس لامهْ
وما الروض النضير له نظير / إذا أدراجه مزجت كلامهْ
وما الدّرّ اليتيم ربيب بيت / إذا لم يعتمد يوماً نظامهْ
علاء الدِّين ما أشهى للثمِي / ثرى قدميكَ أجعلهُ لثامهْ
أتيتُ الشام بعد سنين جدبٍ / فكان العام حين أغثت عامهْ
وواليت الندى مالاً وجاهاً / إلى أن جانس الكرم الكرامهْ
وعدتَ عزيز مصرَ وكلّ مصرٍ / سعيداً في الترحُّل والإقامهْ
وقالوا سارَ قلبكَ يوم سارت / ركائبه فقلت مع السَّلامهْ
ففي دارِ البوار الآن شخصي / وقلبي الآن في دار المُقامهْ
إليكَ أبو الخلائف من قريشٍ / سؤال سامه أملي وحامهْ
أذكّر جودك الوعد المبدَّا / وقد أخمدت من سغبي ضرامهْ
جعلت الجسم منِّي بيت لحمٍ / وزدت وظائفي أيضاً قمامهْ
وما أدري أتوقيعي بمصرٍ / وإلاَّ بالشآمِ فلن أُسامهْ
إلى التوقيع قد طرب اسْتماعي / وحارَ دقيق فكرِي في العلامهْ
تفهَّمه قلبي الشجيّ فهاما
تفهَّمه قلبي الشجيّ فهاما / ولم يره طرف الغبيّ فلاما
وعرفني بالحبِّ في خدِّ عارض / بدا ألِفاً ثم اسْتدارَ فلاما
بروحيَ رشيق المقلتين إذا رنا / رمى في فؤاد المستهام سهاما
جعلتُ دموع العينِ جاريةً له / وصيرت قلبي في هواه غلاما
من الغيدِ حسبي ورد خدَّيه نزهة / وريقته يا حسرتاه مداما
يقولُ حلالٌ خمر ريقي وليتهُ / سقاني بهِ كأساً وكانَ حراما
لئن تمَّ عشقي في ملاحتهِ لقد / تعشَّقت بدراً في الملاح تماما
وعذَّبني ذاك المليح بنارِهِ / فكانَ عذاب القلب فيهِ غراما
ووالله لا أصغيت فيهِ لعاذلٍ / ولو ذابَ جسمي لوعةً وسقاما
فأزداد في الحبِّ انْتساباً لعامرٍ / إلى أن أزيد العاذلين ملاما
يقولون أعدتك السقامَ جفونه / فقلتُ ومن أعدى الجفون سقاما
ومن مزجَ الغصن الرطيب بعطفه / فكانَ مزاج المعطفين قواما
تناوحت العشَّاق إذا ماسَ قدّه / فيا لك غصناً في الهوى وحماما
إذا خاطبتي في هواهُ عواذلي / مضيتُ على حالي وقلت سلاما
كما خاطبَ العذَّال جود محمدٍ / فأعرض عنهم واسْتهلَّ غماما
رئيسٌ على التحقيق قالت صفاته / لنقَّاده ذا ما يخالط ذاما
سمونا لمدحِ المفضَّلين وإنما / لأمثالهِ في الفضلِ لن يُتسامى
وآلت معانينا إلى مسكِ ذكره / فكانت لذكرِ الأكرمين ختاما
أخو العلم والتقى تقدَّم فيهما / فكانَ امرأً للمتَّقين إماما
يقضون للملكِ النهار فإن دجى / مسا الليل باتوا سجَّداً وقياما
وأضحى لسرِّ الملك صدراً قد انْتقى / له مستقرًّا في الورَى ومقاما
سقى الغيث مثوى الصاحب الشرف الذي / عهدنا به عهد النوال ركاما
وغرّ المعالي أخجلت كلّ سالفٍ / من القومِ كانوا للأمور قواما
تنادِي نظام الملك أسلاكَ فضله / إليكَ فما كلّ النظام نظاما
لنعم الفتى أبقى لروضِ نباته / شميماً وأوهى الدَّهر منه شماما
ونعم سبيل المكرمات محمد / إذا ما ذكرنا ناسلاً وإذا ما
بدا مثل ما يبدو الصباح فخاره / فزيّل من ظلم الزمان ظلاما
وعالَ بإذن الله أبناء آدم / وحام بآفاقِ الفخار وساما
بليغ الندَى والنطق تلقاه فيهما / فريداً وتلقى المكرمات نواما
له قلمٌ إن ماسَ كانَ لمعتفٍ / حياةً وإلا للعدوِّ حماما
يمجّ شهاداً تارةً لوليِّه / ووقتاً لشانيه يمجّ سماما
قرين الفتاوى والفتوَّة لم يذق / بليل مداد بين ذاكَ مناما
تسهَّد في حفظ المماليك جفنهُ / وفي كلِّ جفنٍ قد أنام حساما
بكفّ كريم الرَّاحتين مؤمَّل / فيا لك برقاً في الندَى وغماما
ويا لكَ في النطق البليغ قدامة / وفي طيرانِ الذكرِ عنهُ قداما
شكوتُ لهُ ظلم الزمان وإنَّما / إلى سيدٍّ برٍّ شكوتُ غلاما
فردَّ الزمان الجهمَ عنِّيَ خاضعاً / فتى ليسَ غيم الظنّ فيهِ جهاما
وجدَّد من جدواه ما لا نسيتهُ / ولم يبقَ من عند الزمان مراما
وألبسني بيضاء ردّ ضياؤها / لدى حاسدٍ حتَّى اسْتحال ضراما
أمدُّ يدي في كلِّ يومٍ لذيلِها / فآخذ من جورِ الشتاء ذماما
ومذ علقت منها بناني بعروةٍ / شدَدت لطرفِ القول فيه حزاما
فلا زالَ ممدوحاً إذا ما وصفته / زحمت المعاني المائلات زحاما
أولد مع فقدِ الصبا جوهر الثنا / يتيماً وأولاد الشيوخ يتامى
قدوم كما حيى قدوم غمام
قدوم كما حيى قدوم غمام / وعوْد إلى الأوطانِ عوْد حسام
فهذا على الروَّاد أكرم حاتم / وهذا على الإسلام خير محامي
لك الله من سارٍ إلى أربٍ سُرى / هلالٍ إلى أن غارَ بدر تمام
دعاكَ إلى أرضِ الحطيم تذكّر / وغيرك مشغول الهوى بحطام
فلله وفر من حلالٍ بذلتَه / على بلدٍ زاكي المحلِّ حرام
وما هيَ إلاَّ همَّةٌ تغلبيَّةٌ / تروم من العلياء كلّ مرام
حوَت أمد الدنيا من المجدِ وانْبرت / تشقّ إلى الأخرى صنوف زحام
وما ضرَّ ركباً كنت نجعة أهله / تعذّرُ زادٍ أو صروفُ غمام
فوالله ما برق البشاشة خلّبٌ / لديك ولا غيم الندَى بجهام
يطوف بك الحجَّاج في كلِّ منزلٍ / إذا ذعرتهم سحبه بفطام
كأنهمُ قبل الوصول تعجَّلوا / طواقهمُ في كعبةٍ ومقام
إذا ذكروا الركنَ اليمانيَّ يمَّموا / مواهب ركنٍ للعفاة شآم
كريم الثنا يجدِي الركاب كأنه / لنفحته قد حلَّ دار سلام
لقد ظفرت منكم قسيّ ظهورها / لدى عرض البيدا بخيرِ سهام
وأحسن بها حيث الزمان يروعها / نشاطاً كأن النصل ثنيَ زمام
تمدُّ جناحيْ ظلّها في هجيرةٍ / فتحسبها في البيد خيط نعام
إذا خلعت وجه الفلا بمناسمٍ / تفاءل حادِيها بنيل مرام
إلى أن أتت أرض المقام كأنها / من البشر فيها بشّرت بمقام
ويمّم هاتيك المناسم أروعٌ / تهمّ على أعطافه بسلام
إذا هو ولَّى قبلة البيت وجهَهُ / فيا فضل محرابٍ وفضل إمام
حلفت بما ضمَّ المحصَّب والصفا / وبالبدن في لبَّاتهنَّ دوامي
لطابت على علياه طيبة دوره / غدت لمساعي حجّه كختام
وجئت جلال المصطفى منك قائماً / بشرعته الغرّاء خير قيام
وعدت إلى الأوطانِ مقتبل الهنا / يمدّ إليك السعي رأس غلام
وشرفت أرضاً قد وطئت كأنما / وهادُ الشرى منها فروع أكام
وتشرح أرض الشام فيك غرامها / بضعفِ نسيم أو حنين حمام
وما أرقت حتَّى سريت كأنما / مقامكَ فيها كانَ طيف منام
بقيت على أولادِ آدم منعماً / وعن كلِّ سام قد علوت وحام
أعيذ ريم الترك بالرّوم
أعيذ ريم الترك بالرّوم / والصدغ مع فيه بحاميم
ميم فمٍ يسكرني ذكره / فيا لها سكرة خرطوم
وحاء صدغ قد تأملتها / فيا لها بالخال من جيم
وناعس الأجفان ما همّ في / هواه لي جفنٌ بتهويم
كلم قلبي وسماعي فما / ألذّ في الحالين تكليمي
يا سقمي من سقم أجفانه / زدني ويا لائمتي لومي
تسنمي سمعي ثم اجعلي / مزاج ذكراه بتسنيم
قبلة ذاك الوجه في مثلها / صلاة أشجاني وتسليمي
وخدّه المشرق قد صحّ في / عذراه المعوجّ تقويمي
ما عمل في الحبّ خاف على / كتاب حسنٍ فيه مرقوم
قد رسم الحسن عليه فما / أقرأه إلا بمرسوم
كم لثمة لي فيه قد عجّلت / سكري بمشمولٍ ومشموم
وضمّة للقدّ كم قابلتْ / منصوب أشواقي بمضموم
حتَّى إذا الشيب تلثمته / ودّعت مضمومي وملثومي
وعارض الباسم لما نأى / منثور أجفاني بمنظوم
يا زمن الوصل سقاك الحيا / ودمع أشواقي بمركوم
ما كنت إلا بارقاً أتعبت / عقباه من دمعي بمسجوم
أين سهام العيش مقسومة / وأين في الألفاظ تسهيمي
وأين أوطان الغنى والهنا / وأين إقدامي وتقديمي
وأين لا أين بلى أشرقت / نجوم سعدي قبل تنجيمي
نعم وهذا خادمي اليمن قد / أقبل إذ أقبل مخدومي
حلّ عليّ بجسمي خائف / فحلّ أمنٌ بعد تحريم
ويمم الشام فأغصانه / أناملٌ نحو الهنا تومي
وقلت إيهٍ يا رجائي إلى / ذي كرمٍ يلفى وتكريم
إلى حياً جاء إلى رائدٍ / فالآن تروى غلة الهيم
إلى عليّ الاسم والفعل وال / ألفاظ والرتبة والحيم
ذو كرم ما هو إلا القنا / مركوزة حول الأقاليم
ساع بتتويج ملوك الهدى / وباسط البرّ بتعميم
في راحة الجود تعبانة / بنائل في الخلق مقسوم
تمنى بليغ فهمَ الملك من / جدوى عليه خير مفهوم
دان لنا وهو بعلياء لا / يرقى إليها بالسلاليم
كأنما ألفاظه جنة / تجل عن لغو وتأثيم
كأنما طلعته نير بد / ر الدّجى منها كملطوم
لا عيب فيه غير نفس لها / في جمع مجد حرص منهوم
يقول رائيه لإمداحه / حومي على أفق العلى حومي
وفطّري أكباد أنداده / وعن سوى إمداده صومي
كل مسمى كرم حازه / بكافه والراء والميم
لولا ابن فضل الله ما استجمعت / فرائد الفضل لتنظيم
ينمي به المدح إلى أسرةٍ / ما دهر داعيهم بمذموم
عن عمر الفاروق يروونه / تراث تمجيد وتعظيم
ناهيك منهم بإمام مضى / وقائل بالعدل مأموم
مثل إمام عادل قبله / من درك الأدناس معصوم
يا ابن الأولى تخلق مدّاحهم / من مسك ذكراهم بمختوم
يا كاسراً بالرأي جيش العدى / تكسير ماضي الفعل مجزوم
يا صاحب السرّ وفي ذكره / للمسكِ سرٌّ غير مكتوم
عطفاً على ميتٍ من الفقر قد / أصبح في حالة مرحوم
منطبخ الأحشاء بالهمِّ لا / يزال في حلّة مغموم
قد أفسدت فاقته ذهنه / فهو معافى مثل محموم
راتبه مجهول أمرٍ وما / معلومه أيضاً بمعلوم
يسري برجليه سرى سائل / بسائلٍ للدَّمع محروم
وربَّما جاع على أنه / في همَّةٍ في زيِّ مطعوم
والبعد عن بابكم ظالم / وهذه قصة مظلوم
لا زلت ملثوم الثرى شائداً / أركان جدٍ غير مثلوم
في الصومِ والفطرِ أخا غبطةٍ / وموسم بالعزِّ موسوم
الحمد لله على إنعامه
الحمد لله على إنعامه / واصل للدين فضل حكَّامه
من والدٍ في العلى ومن ولدٍ / قد جاء عن علمه وأعلامه
لو لم يكن في علومه ملكاً / ما زيدَ تاجاً شعار أيامه
مراتب الشرع أو علائمه / قد توّجت باسمه وأقلامه
ليت العلائي تاج مصر رأى / ذا التاج في مصر وفي شامه
مكلَّل الوصف بالفرائد من / صاغة حلى القريض نظَّامه
وابن عليّ عالٍ لنجمٍ سما / فهو على الأفق تاج بهرامه
عربي محض العلى عمائمه / تيجان أخواله وأعمامه
ينفح عن راحتيه نشر ندى / كأنما الزهر حشو أكمامه
ذو البيت حجّ الرجا إليه ومن / عسفان دهر ميقات إحرامه
إلى حمى علمه وأنعمه / لكلِّ سامي الطلاّب مستامه
لطالب الجود ملء رغبته / وطالب العلم ملء أفهامه
وشائع الاسم عند خنصره / وسامع الفضل عند إبهامه
حسبك بين الأنصار تبصر من / دعا لنصر قديم إقدامه
عبية خير الورَى التي سلمت / من بيت ذي قولة ومن ذامه
أقلام أثباتهم كأنصلهم / حمى لدين الهدى وإسلامه
عليّ يا ذا الفقار من قلمٍ / يقدّ قد العادي بأرغامه
دمْ واحداً للعلوم يعجبه / من التصانيف أنس أحلامه
تسخو لنا بالعيان وابن دقي / ق العيد طيف يسخو بألمامه
مباركاً حيث كانَ حامله / عيون غيد فتور إسقامه
في كلِّ يومٍ له وليل دجى / سباق صوامه وإقدامه
كأن جنح الدجى يمدُّ يداً / من الثريَّا للمسِ أقدامه
نعم وهنئت دهر سيدنا / قاضي قضاة الزمان حكَّامه
مثلك في نسكه وسؤدده / مطهَّر في جميع أقسامه
أحكامه الزهر وهي واصلة / بالحق أيدي أسباب إعظامه
الله وهَّاب عبده شرفاً / وفره فيه قسم قسَّامه
وأسرة جانسوا إذا حكموا / إكراه عدل القضا بإكرامه
يا آل سبك الخلاص مجدهم / نطقتم الشعر بعد إفحامه
أحلامكم قد زكت وحاسدكم / بين كرى همِّه وأوهامه
نام وسرتم شتَّان حينئذ / ما بين أحلامكم وأحلامه
غايات قوم مبدا سريّكم / في رتب الفضل بيت أقوامه
يهدى له المدح في نفائسه / والذخر من درّه نجا تامه
وما عسى ذوي المديح تحمل من / طيبه في الثنا وتمامه
إلى سريٍّ فاق السراة وما / زيد نبات الفلا كقلاَّمه
ما الروض يروي شذا النسيم لنا / صحائحاً من حديث نمامه
أعبق من ذكره ولا عبق المس / ك المسمَّى أقلّ خدَّامه
ولا حيا السحب في تراكمها / بالودق تسخو طلال تسجامه
عن ابن عبَّاسها الدجون روت / والبرق يروي عن ابن بسَّامه
أسمح منه بما حوته يده / في يومهِ والسحاب في عامه
ولا بحار الطوفان طائفة / كالبحر في صدره وأكمامه
ولا ولا أو يعود قائلها / من بعد إفصاحه كتمتامه
خذها نباتيَّة المدائح من / جائد فكر القريض همامه
سابق مدَّاحكم وأجدرهم / بأن تبدا إعدام إعدامه
لا زالَ مهدِي اليتيم من درر ال / مدح يراكم ثمال أيتامه
سام وحام الثنا لكم صحفاً / وجاءَ في سامه وفي حامه
يفدي كرام الحمى منكم كرائمه
يفدي كرام الحمى منكم كرائمه / ويعبق الروض إن ولَّت كمائمه
يا آل تغلب لا يغلب تصبّركم / صرف الزمان ولا تذهب عظائمه
ليس النَّفائس ممَّا تأسفون بها / ولا التثبّت منقوض عزائمه
ولا تلوم ولو فاضت جفونكم / على المصاب الذي انْقضت حوائمه
فأكرم الدمع ما سحَّت بوادره / من الوفاء وما انْهلَّت سواجمه
إنا إلى الله من رزء براحلةٍ / بكى لها الحرم الأقصى وقادمُه
وبئر زمزم قد هاجت مدامعها / وبيت وائل قد ماجت دعائمه
إن لم تزاحم بأولاها لها نسباً / فقد غدت بمساعيها تزاحمه
قريبة كلّ عن أوصاف رتبتها / سجع الفتى وهو منشي القول ناظمه
وأوحشت صدر محراب بفقد حلاً / كأنها دمعة ممَّا تلازمه
ما خصَّ مأتم أهليها بل اتّفقت / في كلِّ بابٍ من التقوى مآتمه
فلو بكت سور القرآن من أسفٍ / لانْهلَّ جفن النسا ممَّا تكاتمه
ولو أطافت بنات النعش لابْتدرت / تنافس النَّعش فيها أو تساهمه
ولو درى القبر من وافاه لاحْتفرت / من السرور بلا كفّ معالمه
إن يغدُو روضاً فقد أرسى بجانبه / غيث الدُّموع وقد جادت غمائمه
وهبَّ من طيِّ مثواه نسيم ثناً / يودّ نشر الغوالي لو يُقاسمه
وزيد في الحورِ ذي حجبٍ ممنَّعة / يمسي ورضوان في الجنَّات خادمه
مضى لأخصب من أوطانه وقضى / فما على الدمع لو كفَّت سوائمه
هو الحمام الذي خفَّفْت قدرته / فكيفَ تنكر أمراً أنت عالمه
لا يفتأ الليل أن ترمى كواكبه / نبلاً ولا الصبح أن تنضى صوارمه
بينا الفتى رافع الآمال خافضها / إذ انْتحى من صروف الدهر حازمه
إن يمس ربعك قد راعت نواعيه / فطالما صدحت أنساً حمائمه
وإن يكن بيت صبري قد ألمَّ به / عديّ دهرٍ فقد سلاّه حاتمه
لا تجزعنَّ أبا العبَّاس من خطرٍ / عداك فالوقت باكي الفكر باسمه
وذاهب بات طرف الخير ذا سهرٍ / عليه وهو قرير الطرف نائمه
ما ضرَّه في مطاوي الأرض منزلةً / وأنت دافنه والله راحمه