المجموع : 45
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ
الوِرْدُ يَبْسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ / والسَّيفُ يَلمَعُ والصَّدى يَتضَرَّمُ
بَخِلَ الغَيُورُ بِماءِ لِينَةَ فاحْتَمى / بِشَبا أسِنِّتِهِ الغَديرُ المُفْعَمُ
والرَّوضُ ألبَسَهُ الرَّبيعُ وشَائِعاً / عُنِيَ السِّماكُ بِوَشْيِها والمِرْزَمُ
تُثْني رُباهُ على الغَمامِ إذا غَدا / عافِي النَّسيمِ بِسِرِّها يتكَلَّمُ
حَيْثُ الغُصونُ هَفا بِها ولَعُ الصَّبا / وخَلا الحَمامُ بِشَجْوِهِ يترَنَّمُ
وأُميلُ مِنْ طَرَبٍ إلَيهِ مَسامِعاً / يَشكو لَجاجَتَها إليَّ اللُّوَّمُ
فَبكى ولَم أرَ عَبْرَةً مَسْفوحَةً / أكذاكَ يَبْخَلُ بالدُّموعِ المُغْرَمُ
ولَقَد بَكَيْتُ فلَو رأيتَ مَدامِعي / لعَلِمْتَ أيُّ الباكِيَيْنِ مُتَيَّمُ
شَتّانَ ما وَجْدي ووَجْدُ حَمامَةٍ / تُبْدي الصَّبابَةَ في الحَنينِ وأكْتُمُ
وأزورُ إذْ ظَعَنَ الخَليطُ مَنازِلاً / نَحِلَتْ بِهِنَّ كما نَحِلْتُ الأرْسُمُ
كَمْ وَقْفَةٍ مَيْلاءَ في أثْنائِها / شَوْقٌ إِلى طَلَلٍ بِرامَةَ يُرْزِمُ
عَطَفَتْ رَكائِبُنا إِلى عَرَصاتِهِ / وعلى الجُنَينَةِ نَهْجُهُنَّ المُعْلَمُ
وذَكَرْتُ عَصْراً أسْرَعَتْ خُطُواتُهُ / والعَيْشُ أخْضَرُ والحَوادِثُ نُوَّمُ
فَوَدِدْتُ أنَّ شَبيبتي ودَّعْتُها / وأقامَ ذاكَ العَصْرُ لا يتَصَرَّمُ
لفَظَتْ أحِبَّتَنا البلادُ فَمُعْرِقٌ / تُدمي جَوانحَهُ الهُمومُ ومُشْئِمُ
أزُهَيرُ إنَّ أخاكَ في طلَبِ العُلا / أدْنى صَحابَتِهِ الحُسامُ المِخْذَمُ
خاضَتْ بهِ ثُغَرَ الفَيافي والدُّجَى / خُوصٌ نَماهُنَّ الجَديلُ وشَدْقَمُ
يَجْتابُ أرْدِيَةَ الظّلامِ بِمَهْمَهٍ / يَنْسى الصَّهيلَ بهِ الحِصانُ الأدْهَمُ
ويَضيقُ ذَرْعُ المُهْرِ أن لا يَنْجَلي / لَيلٌ بأذْيالِ الصَّباحِ يُلَثَّمُ
ولَهُ إِلى الغَرْبِ التِفاتَةُ وامِقٍ / يُمْري تَذَكُّرُهُ الدُّموعَ فتَسْجُمُ
وكأنَّهُ مِمَّا يُميلُ بِطَرْفِهِ / قِبَلَ المَغارِبِ بالثُّريَّا مُلْجَمُ
عَتَقَتْ علَيَّ ألِيَّةٌ سَيُبِرُّها / هَمٌّ بِمُعْتَرَكِ النُّجومِ مُخَيِّمُ
والليلُ يوطِئُ مَن تُؤرِّقُهُ المُنى / خَدّاً بأيدي الأرْحَبِيَّةِ يُلطَمُ
لَتُشارِفَنَّ بيَ المَوامي أيْنُقٌ / هُنَّ الحَنِيُّ ورَكْبُهُنَّ الأسْهُمُ
وأُفارِقَنَّ عِصابَةً مِنْ عامِرٍ / يَضْوَى بِصُحبَتِها الكَريمُ ويَسْقَمُ
فسَدَ الزَّمانُ فليسَ يأمَنُ ظُلْمَهُ / أهْلُ النُّهى وبَنوهُ مِنهُ أظْلَمُ
أينَ التَفَتَّ رأيتَ مِنهُمْ أوْجُهاً / يشقى بهنَّ النّاظِرُ المُتَوسِّمُ
وأضَرُّهُمْ لكَ حينَ يُعضِلُ حادِثٌ / بالمَرْءِ مَنْ هوَ في الصّداقَةِ أقْدَمُ
ومَتى أسَأْتَ إليهِمُ وخَبِرتَهُمْ / أُلْفِيتَ بعدَ إساءَةٍ لا تَندَمُ
نَبَذوا الوَفاءَ معَ الحَياءِ وراءَهُمْ / فهُمُ بِحَيْثُ يَكونُ هذا الدِّرْهَمُ
وعَذَرْتُ كُلَّ مُكاشِحٍ أُبْلَى بِهِ / فبَليَّتي مِمَّنْ أُصاحِبُ أعْظَمُ
مَذِقُ الوِدادِ فَوَجْهُهُ مُتَهلِّلٌ / لِمكيدَةٍ وضَميرُهُ مُتَجَهِّمُ
يُبدي الهَوى ويَسُورُ إنْ عَرَضَتْ لهُ / فُرَصٌ عليَّ كَما يَسورُ الأرْقَمُ
ويَرومُ نَيلَ المَكْرُماتِ ودونَها / أمَدٌ بهِ انْتَعَلَ النَّجيعَ المَنْسِمُ
فزَجَرْتُ مَن جَلَبَ الجِيادَ إِلى مَدًى / يَعْنو لِحاسِرِ أهْلِهِ المُسْتَلئِمُ
ورَحِمْتُ كُلَّ فَضيلَةٍ مَغْصوبَةٍ / حتّى القَريضَ إذا ادَّعاهُ المُفْحَمُ
ولَوِ اسْتَطَعْتُ رَدَدْتُ مَن يَعْيَى بهِ / عنهُ مَخافَةَ أنْ يُلَجْلِجَهُ فَمُ
لا تُخْلِدَنَّ إِلى الصّديقِ فإنّهُ / بِكَ مِنْ عَدوِّكَ في المَضَرَّةِ أعْلَمُ
يَلقاكَ والعسَلُ المُصَفَّى يُجْتَنَى / مِن قَولِهِ ومنَ الفَعالِ العَلْقَمُ
هذا ورُبَّ مُشاحِنٍ عَلِقَتْ بهِ / شَمْطاءُ تُلْقِحُها الضَّغائِنُ مُتْئِمُ
فحَلُمْتُ عنهُ وباتَ يَشْرَبُ غَيظَهُ / جُرَعاً ولُزَّ بمِنخَرَيهِ المَرْغَمُ
وأنا المَليءُ بِما يَكُفُّ جِماحَهُ / ويَرُدُّ غَرْبَ الجَهلِ وهْوَ مُثَلَّمُ
فلقد صَحِبْتُ أُزَيهِرَ بنَ مُحَلِّمٍ / حيثُ السّيوفُ يَبُلُّ غُلَّتَها الدَّمُ
والخَيْلُ شُعْثٌ والرِّماحُ شوارِعٌ / والنّقْعُ أكْدَرُ والخَميسُ عَرَمْرَمُ
فرأيتُهُ يَسَعُ العُداةَ بِعَفْوِهِ / وتُجيرُ قُدْرَتُهُ عَليهِ فَيَحْلُمُ
ويَوَدُّ كلُّ بَريءِ قَومٍ أنَّهُ / مِمّا يَمُنُّ بهِ عليْهِمْ مُجرِمُ
وأفَدْتُ مِنْ أخلاقِهِ ونَوالِهِ / مِنَحاً يَضِنُّ بها السَّحابُ المُرْهِمُ
وإذا أغامَ الخَطْبُ جابَ ضَبابَهُ / شَمْسُ الضُّحى وسَطا عَليهِ الضَّيْغَمُ
ومَتى بَدا واللّيلُ ألْمَى رَدَّهُ / بِالبِشْرِ فهْوَ إذا تبلَّجَ أرْثَمُ
مَلِكٌ يُكِلُّ غَداةَ يُطلَبُ شَأوُهُ / مُقَلاً يُصافِحُها العَجاجُ الأقتَمُ
بشَمائِلٍ مُزِجَ الشِّماسُ بِلينِها / كالماءِ أُشْرِبَهُ السِّنانُ اللَّهْذَمُ
ومَناقِبٍ لا تُرتَقَى هَضَباتُها / نَطَقَ الفَصيحُ بفَضْلِها والأعْجَمُ
إنْ لُحْنَ والشُّهْبُ الثّواقِبُ في الدُّجى / لمْ يَدْرِ سارٍ أيُّهُنَّ الأنْجُمُ
يا بْنَ الإِلى سَحَبوا الرِّماحَ إِلى الوغَى / ولدَيْهِ يَغْدرُ بالبَنانِ المِعْصَمُ
يتَسرَّعونَ إِلى الوغَى فجِيادُهُمْ / تُزْجَى عَوابِسَ والسُّيوفُ تَبَسُّمُ
وإذا الزَّمانُ دَجا أضاؤوا فاكْتَسى / فضَلاتِ نُورِهِمُ الزّمانُ المُظلِمُ
أوْضَحْتَ طُرْقَ المَجْدِ وهْيَ خَفِيّةٌ / فبَدا لِطالِبهِ الطَّريقُ المُبهَمُ
وغَمَرْتَ بالكَرَمِ المُلوكَ فكُلُّهُمْ / لمّا شَرَعْتَ لهُ الندىً يتكرَّمُ
وبَسَطْتَ كفّاً بالمَواهِبِ ثَرَّةً / سَدِكَ الغَنيُّ بِسَيْبِها والمُعْدَمُ
ومَدَدْتَ لِلعافينَ ظِلاً وارِفاً / يتوشَّحُ الضّاحِي بهِ والمُعتِمُ
كلُّ الفَضائِلِ مِن خِلالِكَ يُقْتَنى / ولدَيْكَ يُجْمَعُ فَذُّها والتَّوأَمُ
ولِمِثْلِها أعْدَدْتُ كُلَّ قصيدَةٍ / نَفَرَتْ فَآنَسَها الجَوادُ المُنعِمُ
والشِّعْرُ صَعْبٌ مُرتَقاهُ وطالَما / شمَّ الإباءَ بِمارِنٍ لا يُخْطَمُ
والمَدْحُ يَسهُلُ في عُلاكَ مَرامُهُ / فنَداكَ يُمْليهِ عليَّ وأنْظِمُ
ولَرُبَّما غَطَّ البِكارُ وإنّما / رفَعَ الهَديرَ بهِ الفَنيقُ المُقْرَمُ
هَفا بِهوادي الخَيلِ والليْلُ أسْحَمُ
هَفا بِهوادي الخَيلِ والليْلُ أسْحَمُ / نَبيلُ حَواشي لَبَّةِ الزَّوْرِ ضَيْغَمُ
وأدْنى رَفيقَيْهِ من الصَّحْبِ مَارِنٌ / يُباريهِ فَيْنانُ السَّبيبَةِ أدْهَمُ
إذا ما الدُّجى ألْقَتْ علَيهِ رِداءَها / بَدا الفَجْرُ مِنْ أطْرافِه يتَبَسَّمُ
رَمَيْتُ بهِ الدّارَ التي في عِراصِها / عِتاقُ المَذاكي والخَميسُ العَرَمْرَمُ
فزُرْتُ وحاشا المَجْدِ جُؤْذَرَ رَمْلَةٍ / حَبا دونَهُ رَطْبُ الغِرارَيْنِ مِخْذَمُ
وما نِلْتُ إلا نَظْرَةً منْ ورائِها / عَفافي وذَيَّاكَ الحَديثُ المُكَتَّمُ
ولو شِئْتُ إِرهاقَ الحُلِيِّ أجَارَني / مُسَوَّرُهُ منْ جَرْسِها والمُخَدَّمُ
ولكنَّنِي أصْدَى وفي الوِرْدِ نُغْبَةٌ / وأكْرِمُ عِرْضي والظُّنونُ تُرَجَّمُ
وبِيدٍ على بِيدٍ طَوَيْتُ ولَيلةٍ / سَرَيْتُ وتَحْتَ الرَّحْل وجْناءُ عَيْهَمُ
فقَدَّتْ أَدِيمَ الأرضِ تَخْتَلِسُ الخُطا / مُحاذَرَةً أنْ يَلْثُمَ التُّربَ مَنْسِمُ
وتَكْرَعُ في مثْلِ السّماءِ تألّقَتْ / منَ الحَبَبِ الطّافي بحِضْنَيْهِ أنْجُمُ
وتَسْبِقُ خُوصاً لَو مَرَرْنَ على القَطا / لمَا رِيعَ بالتَّسْهيد وهْوَ مُهَوِّمُ
وتَلْمَعُ منْ أخفافِهنَّ على الثَّرى / نَظائِرُ مِرآةٍ يُضَرِّجُها الدَّمُ
إذا غَرَّدَ الحادي تَخايَلْنَ في البُرى / ونَحْنُ على أكْوارِها نَتَرنَّمُ
ولَمَّا بَدا التَّاجُ المُطِلُّ تَشاوَسَتْ / إلَيْهِ القَوافي والمَطِيُّ المُخَرَّمُ
وقلْتُ أريحُوها فبَعْدَ لِقائِهِ / حَرَامٌ عليْهِنَّ القَطيعُ المُحَرَّمُ
ومُقْتَدِريّ منْ ذُؤابَةِ هاشِمٍ / بهِ يَصْغُرُ الخَطْبُ المُلِمُّ ويَعْظُمُ
إذا حدَّثَتْ عنهُ الأباطِحُ منْ مِنًى / أصاخَ إليْهنَّ الحَطيمُ وزَمزَمُ
تَزَعْزَعُ أعوادُ المَنابِرِ باسْمِهِ / فتَحْسَبُها منْ هِزَّةٍ تتكلَّمُ
أطلَّ على أعدائِهِ بكَتائِبٍ / أظلَّ حِفافَيْها الوَشيجُ المُقَوَّمُ
ومَوضونَةٍ قدْ لاحَكَ السَّردُ نَسْجَهَا / حَكَتْ سَلَخاً ألقاهُ بالقاعِ أرقَمُ
وخَيْلٍ سَليماتِ الرَّوادِفِ والقَنا / تُقَصَّدُ في لَبّاتِها وتُحَطّمُ
يَسيرُ على آثارِها الذِّئْبُ عافِياً / وأفْتَخُ يَجْتابُ الأهابيَّ قَشْعَمُ
إليْكَ أميرَ المؤمِنينَ زَجَرْتُها / طلائِحَ يَنْميهَا الجَديلُ وشَدْقَمُ
وإنِّي لنَظَّارٌ إِلى جانِبِ العُلا / ولا يَطَّبيني الجانِبُ المُتَجهِّمُ
ولَولاكَ لمْ أُكْرِهْ على الشِّعْرِ خاطِراً / بِذِكرِكَ يُغْرَى بَل بمَجدِكَ يُغْرَمُ
فلا حُمِلَتْ إلا إليْكَ مَدائِحٌ / ولا استُمْطِرَتْ إلاّ بِواديكَ أنْعُمُ
لكَ الخَيرُ هلْ في لَفْتةٍ منْ مُتيَّمِ
لكَ الخَيرُ هلْ في لَفْتةٍ منْ مُتيَّمِ / مَجالٌ لعَتْبٍ أو مَقالٌ لِلُوَّمِ
وما نظَري شَطْرَ الدِّيارِ بنافِعٍ / وأيُّ فَصيحٍ يَرتَجي نَفْعَ أعجَمِ
كأنّ ارْتِجازَ السُّحْبِ واهيَةَ الكُلى / جَلا في حواشيهِنَّ عنْ متْنِ أرْقَمِ
وما مَنَحَتْها العَيْنُ إذ عَثَرَتْ بِها / سوى نَظْرَةٍ رَوعاءَ منْ مُتَوَهِّمِ
وفي الرَّكْبِ إذ مِلْنا إِلى الرّبْعِ زاجِرٌ / يُقوِّمُ أعناقَ المَطِيِّ المُخَزَّمِ
ويعلمُ أن الشوقَ أهدى فما لَهُ / يُشيرُ بأطرافِ القَطيعِ المُحَرَّمِ
وهَلْ يَستَفيقُ الوَجْدُ إلا بِوَقْفَةٍ / مَتى يَستَجِرْ فيها بدَمْعِكَ يَسْجُمِ
بمَغْنىً أَلِفْناهُ وفي العَيشِ غِرَّةٌ / وعَصْرُ الشّبابِ الغَضِّ لمْ يتَصرَّمِ
ذَكَرْتُ بهِ أيَّامَ وصْلٍ كأنَّنِي / عَلِقْتُ بها ذَيلَ الخَيالِ المُسَلِّمِ
وبالهَضَباتِ الحُمْرِ منْ أيْمَنِ الحِمى / ظِباءٌ بألْحاظِ الجَآذِرِ تَرتَمي
وتُومي إلَينا بالبَنانِ وقد أبَتْ / مَحاجِرُها أنْ لا يُخَضَّبَ بالدَّمِ
ودُونيَ لولا أنّ للحُبِّ رَوْعَةً / يَدٌ ضَمِنَتْ رِيَّ الحُسامِ المُصَمِّمِ
إذا اسْتَمْطَرَ العافونَ منْ نَفَحاتِها / تَثَنَّتْ إلَيْهنَّ الغَمائِمُ تَنْتَمي
وإنْ مَدَّ عَبدُ اللهِ للفَخْرِ باعَها / أُريحَتْ إلَيْها بَسْطَةُ المُتَحكِّمِ
بِحادِثِ عِزٍّ في ذُؤابَةِ عامِرٍ / أُضيفَ إِلى عادِيِّهِ المُتقَدِّمِ
منَ القَوم لا المُزْجي إلَيهمْ رَجاءَهُ / بِمُكْدٍ ولا المُثني عَلَيْهمْ بمُفْحَمِ
همُ يَمنعونَ الجارَ والخَطْبُ فاغِرٌ / إذا رَمَزَتْ إحدى اللّيالي بِمُعْظَمِ
فيَرْحَلُ عَنهُمْ والمُحَيَّا بِمائِهِ / يُلاعِبُ ظِلَّ الفائِزِ المُتَغَنِّمِ
أتاهم وأحْداثُ الزَّمانِ سَفيهَةٌ / وعادَ وفيها شِيمَةُ المُتَحلِّمِ
وخَفَّتْ عليهِ وطْأَةُ الدّهْرِ فيهِمُ / عشيّةَ ألقى عِندهُمْ ثِقْلَ مَغرَمِ
حلَفْتُ بأشباهِ الأهِلَّةِ في البُرى / رَثى كُلُّ دامٍ منْ ذُراها لِمَنسِمِ
فَلَيْنَ بأيديهِنَّ ناصِيَةَ الفَلا / وعِفْنَ السُّرى في مَخْرِمٍ بَعْدَ مَخرِمِ
إذا راعَها غَولُ الطّريقِ هَفَتْ بِها / أغاريدُ حادٍ خَلْفَها مُتَرَنِّمِ
يُمارِينَ بالرُّكْبانِ وهْماً كأنّهُ / يُحاذِرُ صِلاًّ آخِذاً بالمُخَطَّمِ
فَزُرْنَ بِنا البَيتَ الحَرامَ وخُلِّيَتْ / تَرودُ بمُسْتَنِّ الحَطيمِ وزَمزَمِ
لَجِئْتَ مَجيءَ البَدرِ مَدَّ رِواقَهُ / على أفُقٍ وحْفِ الدائِرِ مُظْلِمِ
وزُرْتَ كما زارَ الرّبيعُ مُطَبِّقاً / نَداهُ فأحْيا كُلَّ مُثْرٍ ومُعْدِمِ
برأْيٍ تَمشَّى المُشْكِلاتُ خِلالَهُ / على حَدِّ مَصقولِ الغِرارَيْنِ مِخْذَمِ
وعَزْمٍ إذا ما الحَرْبُ حَطّتْ لِثامَها / يُلَوِّي أنابيبَ الوَشيجِ المُقَوَّمِ
فأيّامُكَ الخُضْرُ الحَواشي كأنّها / منَ الحُسْنِ تَفْويفُ الرِّداءِ المُسَهَّمِ
وأنتَ إذا أوغَلْتَ في طَلَبِ العُلا / كقَادِحِ زَندٍ تحتَهُ يَدُ مُضْرِمِ
وحَسْبُ المُباري أنْ تَلُفَّ عَجاجَةً / على المُنتَضى منْ طَرْفِهِ المُتَوسِّمِ
ورُبَّ حَسودٍ باتَ يَطوي على الجَوى / حَشًى باكِياً عن ناظِرٍ مُتَبَسِّمِ
لكَ الشَّرفُ الضَّخْمُ الذي في ظِلالِهِ / مُعَرَّسُ حَمْدٍ في مَباءَةِ مُنْعِمِ
ومَجْدٌ مُعَمٌّ في كِنانةَ مُخْوَلٌ / تَنوسُ حَوالَيْهِ ذَوائِبُ أنْجُمِ
وها أنا أرجو منْ زَمانِكَ رُتْبةً / لها غارِبٌ في المَجْدِ لمْ يُتَسَنَّمِ
وعندي ثَناءٌ وهْو أرجى وَسيلةٍ / إليكَ كتَفْصيلِ الجُمانِ المُنَظَّمِ
وكَمْ منْ لِسانٍ يَنظِمُ الشِّعْرَ فَلَّهُ / شَبا كَلِمي والصّارِمُ العَضْبُ في فَمي
وقد مَرَّ عَصْرٌ لم أفُزْ فيهِ بالمُنى / فما لِيَ إلا زَفرَةُ المُتَندِّمِ
وليسَ لآمالي سِواكَ فإنّها / تُهيبُ بأقوامٍ عنِ المَجْدِ نُوَّمِ
بَقيتَ لمَجْدٍ يتَّقِي دونَهُ العِدا / تَناوُشَ رَقَّاصِ الأنابيبِ لَهْذَمِ
ولا بَرِحَتْ فيكَ الأمانِيُّ غَضَّةً / تَرِفُّ على إنعامِكَ المُتَقَسِّمِ
جُهْدُ الصّبابةِ أن أكون مَلومَا
جُهْدُ الصّبابةِ أن أكون مَلومَا / والوَجْدُ يُظهِرُ سِرّيَ المَكتوما
يا صاحِبَيَّ تَرَفّقا بمُتَيَّمٍ / نَزَفَ الصّبابَةُ دمعَهُ المَسْجوما
وأضاءَ بَرْقٌ كادَ يَسلُبُهُ الكَرى / فتَقَصّيا نَظَراً إليهِ وشيما
وتعلّما أني أُجيلُ وراءَهُ / طَرْفاً يُثيرُ على الفؤادِ هُموما
لولا أميمةُ ما طَرِبْتُ لِبارِقٍ / ضَرِمِ الزِّنادِ ولا انتَشَقْتُ نَسيما
فَقِفا بَحيثُ مَحا مَساحِبَ ذَيْلِها / نَكْباءُ غادَرَتِ الدّيارَ رُسوما
والنُّؤْيُ أنْحَلَهُ البِلى فكأنّها / أهْدَتْ إلَيهِ سِوارَها المَفْصوما
لا زالَ مُرتَجِزُ الغَمامِ برَبْعِها / غَدَقاً وخَفّاقُ النّسيمِ سَقيما
ما أنسَ ولا أنسَ الوَداعَ وقَولَها / والثّغْرُ يَجلو اللّؤلُؤَ المَنظوما
لا تَقْرَبِ البَكريّ إنّ وراءَهُ / مِنْ أُسْرَتَيْهِ جَحاجِحاً وقُروما
فخَرَتْ عليّ الوائِليّةُ ضلّةً / كُفّي وَغاكِ فقَدْ أصَبْتِ كَريما
إنْ تَفخَري ببَني أبيكِ فإنّ لي / منْ فَرْعِ خِنْدِفَ ذِرْوَةً وصَميما
حَدَبَتْ عليّ قَبائلٌ مُضَريّةٌ / طَلَعَتْ عليكِ أهِلّةً ونُجوما
آتاهُمُ اللهُ النّبُوّةَ والهُدى / والمُلكَ مُرتَفِعَ البِناءِ عظيما
وسَما بإبراهيمَ ناصِرِ دينِهِ / شَرَفُ الخليلِ أبيهِ إبراهيما
مُتَهَلِّلٌ يَحمي حَقيقةَ عامِرٍ / بالسّيفِ عَضْباً والنَّوالِ جَسيما
ويهُزُّهُ نَغمُ الثّناءِ كأنّهُ / مُتَسَمِّعٌ هَزَجَ الغِناءِ رَخيما
والجارُ يأمَنُ في ذَراهُ كأنَّما / عَقَدَتْ مَكارِمُهُ عليهِ تَميما
يَغدو لِحالِيَةِ الرّبيعِ مُجاوِراً / ولصَوْبِ غاديَةِ الغَمامِ نَديما
ولهُ ذِمامُ أبيهِ حَزْنٍ إنْ جَرَتْ / ريحُ الشِّتاءِ على السّوامِ عَقيما
ولفارِسِ الهَرّارِ فيهِ شَمائِلٌ / لَقِحَتْ بِها الحَرْبُ العَوانُ قديما
مِن مَعْشَرٍ بيضِ الوُجوهِ توشّحوا / شِيَماً خُلِقْنَ منَ العُلا وحُلوما
إنْ أقدَموا بَرزوا إليكَ صَوارِماً / أو أنعَموا مَطَروا عليْكَ غُيوما
تَلقى الكُماةَ الصّيدَ حَولَ بُيوتِهِمْ / والخَيلُ صافِنَةً تَلوكُ شَكيما
وكَتيبَةٍ منْ سِرِّ جَوثَةَ فَخمَةٍ / كالأُسْدِ تَملأُ مِسمَعَيْكَ نَئيما
زَخَرَتْ بهمْ أمُّ البَنين فأقبَلوا / كالمَشْرَفيّةِ نَجدَةً وعَزيما
وإذا العُمومَةُ لمْ تُشَجْ بِخؤولَةٍ / خَرَجَ النّسيبُ بها أغَرَّ بَهيما
ومُرَنَّحينَ مِنَ النُّعاسِ بَعَثْتُهُمْ / والعينُ تَكسِرُ جَفنَها تَهْويما
فسَرَتْ بهِمْ ذُلُلُ المَطيّ لَواغِباً / تَهفو إِلى آلِ المُسَيّبِ هيما
قَومٌ إذا طَرَقَ الزّمانُ بِحلدِثٍ / لم يُلْفَ مارِنُ جارِهِمْ مَخْطوما
يتهلّلونَ إِلى العُفاةِ بأوْجُهٍ / رَقّتْ وقَدْ غَلُظَ الزّمانُ أديما
يا سيّدَ العَرَبِ الإِلى زيدوا بهِ / شَرَفاً بمَيسَمِ عزّةٍ مَرْموقا
نشأَتْ قَناتُكَ في فُروعِ هَوازِنٍ / ريّا المَعاقِدَ لا تُسِرُّ وُصوما
ولِحاسِديكَ وأنت مُقتَبَلُ الصِّبا / كَمَدٌ يَكادُ يُصَدِّعُ الحَيْزوما
لا عُذْرَ للقَيْسيِّ يَضرِبُ طَوْقُهُ / طَرَفَ اللَّبانِ ولا يَسود فَطيما
مَنْ أغْفَلَ الحَزْمَ أدْمى كَفَّهُ نَدَما
مَنْ أغْفَلَ الحَزْمَ أدْمى كَفَّهُ نَدَما / واسْتَضْحَكَ النّصْرَ مَنْ أبْكى السّيوفَ دَما
فالرّأيُ يُدْرِكُ ما يَعْيَى الحُسامُ بهِ / إذا الزّمانُ بِذَيلِ الفِتْنَةِ الْتَثَما
هابَ العِدا غَمَراتِ المَوْتِ إذْ بَصُروا / بالأُسْدِ تَنْزِلُ مِنْ سُمْرِ القَنا أجَما
والخَيْلُ عابِسَةٌ يَعْتادُها مَرَحٌ / إذا امتَطاها نِظامُ الدّينِ مُبْتَسِما
في ساعَةٍ تَذَرُ الأرْماحَ راعِفةً / والمَشْرَفيَّ على الأرواحِ مُحْتَكِما
رَطْبُ الغِرارَيْنِ مأمونٌ على بَطَلٍ / يَخشى زَماناً على الأحرارِ مُتَّهَما
تَلوحُ غُرَّتُهُ والجُرْدُ نافِضَةٌ / على جَبينِ الضُّحى منْ نَقْعِها قَتَما
وللسّهامِ حَفيفٌ في مَسامِعِهمْ / كالنّحْلِ ألْقَيْتَ في أبْياتِهِ الضَّرَما
إذا اسْتَطارَتْ طِلاعَ الأُفْقِ أرْدَفَها / بالبيضِ عُوِّضْنَ عن أغْمادِها القِمَما
لمْ تَطْلُعِ الشّمسُ إلا استُقْبِلَتْ بِعَمىً / ولا بَدا النّجْمُ إلا اسْتَشْعَرَ الصّمَما
توقّفوا كارْتِدادِ الجَفْنِ وانصَرَفوا / كما طَرَدْتَ حِذارَ الغارَةِ النَّعَما
والأعْوَجِيّةُ كادَتْ مِنْ تَغَيُّظِها / على فَوارِسِها أنْ تَلْفِظَ اللُّجُما
منْ كُلِّ طِرْفٍ يَبُذُّ الطّرْفَ مُلتَهِباً / في حُضْرِهِ ولِشَأْوِ الرّيحِ مُلْتَهِما
رَدْعُ النّجيعِ مُبينٌ في حَوافِرِها / مِمّا يَطَأْنَ بِمُسْتَنِّ الرّدى بُهَما
كأنّ كُلَّ بَنانٍ منْ ولائِدِهِمْ / أهْدى إلَيْهِنّ إذْ نَجَّيْنَهُمْ عَنَما
باضَ النَّعامُ على هاماتِهمْ وهُمْ / أشْباهُهُ والوَغى يَستَرْجِفُ اللِّمَما
فَباتَ أرْحَبُهمْ في كُلِّ نائِبَةٍ / ذَرْعاً تَضيقُ عليهِ الأرضُ مُنْهَزما
وما التَفَتَّ احتِقاراً نحوَهُ وبِهِ / نَجلاءُ يَلْوي لَها حَيْزومَهُ ألَما
ولو أمَلْتَ إليه السّوطَ غادَرَهُ / شِلْواً بمُعتَرَكِ الأبطالِ مُقْتَسَما
وعُصبَةٍ مُلِئَتْ غَيظاً صُدورُهُمُ / منْ مُخفِرٍ ذِمّةً أو قاطِعٍ رَحِما
واستَوْطَؤوا ثَبَجَ البَغْضاءِ واجتَذَبوا / حَبْلاً أُمِرَّ على الشّحْناءِ فانْجذَما
والشَّعبُ إنْ دَبّ في تَفريقِهِ إحَنٌ / فلن يَعودَ طَوالَ الدّهرِ مُلْتَئِما
وأنتَ أبعَدُ في فَضْلٍ ومَكْرُمةٍ / شأوأُ وأثْبَتُ منهمْ في الوَغى قدَمَا
وخَيْرُهُمْ حَسَباً ضخْماً وأغْزَرُهُمْ / سَيْباً وأضفى على مُسْتَرْفِدٍ نِعَما
تَعْفو وتَصْفَحُ عنْ عِزٍّ ومَقدِرَةٍ / ولا نَراكَ وقيذَ الحِلْمِ مُنْتَقِما
إذا أذابَ شَرارُ الحِقْدِ عاطفَةً / هَزَزْتَ للعَفْو عِطْفَيْ سُؤدَدٍ كَرَما
فوَدَّ كُلُّ بَريءٍ مُذْ عُرِفْتَ بهِ / دون البَريّةِ أنْ يَلْقاكَ مُجْتَرِما
ومِنْ مَساعيكَ فَتْحٌ إذ سَلَلْتَ لهُ / رَأياً فَلَلتَ به الصّمْصامَةَ الخَذِما
أضحى بهِ الدِّينُ مُفْتَرّاً مَباسِمُهُ / والمُلْكُ بعدَ شَتاتِ الشّملِ مُنتَظِما
فأشْرَقَ العَدْلُ والأيامُ داجِيةٌ / بَثّتْ يَدُ الظُّلْمِ في أرجائِها الظُّلَما
وقد رَمى بِكَ ركْنُ الدينِ مُعضلةً / يَهابُ كلُّ كَميٍّ دونَها قُحَما
فقُمْتُ بالخَطْبِ مَرْهوباً عَواقِبُهُ / للعَزْمِ مُحتَضِناً للحَزْمِ مُلتَزِما
كالبَحرِ مُتَلْطِماً والفَجْرِ مُبتَسِماً / والليثِ مُعتَزِماً والغَيثِ مُنسَجما
كَفَتْهُ كُتْبُكَ أن تُزْجى كتائِبُهُ / وأُلْهِمَ السّيفُ أن يَستنْجِدَ القَلَما
تَلْقى الشّدائِدَ في نَيْلِ العُلا وَلَها / يُعالِجُ الهَمَّ مَنْ يَستنْهِضُ الهِمَما
وإنْ أرابَكَ منْ دَهْرٍ تَكَدّرُهُ / كُنتُ المُصَفّى على أحْداثِهِ شِيَما
فابْسُطْ إِلى أمَدٍ تَسْمو إليهِ يَداً / تَكفي المُؤمِّلَ أنْ يَستَمْطِرَ الدِّيَما
ولا تُبَلْ سَخَطَ الأعداءِ إنّهمُ / يَرضَوْنَ منكَ بأن تَرضى بهِمْ خَدَما
وسَلْ بيَ المَجْدَ تعلمْ أيَّ ذي حَسَبٍ / في بُردَتَيَّ إذا ما حادِثٌ هَجَما
يُلينُ للخِلِّ في عزٍّ عَريكَتَهُ / مَحْضَ الهَوى ولهُ العُتْبى إذا ظُلِما
منْ مَعشَرٍ لا يُناجي الضّيمُ جارَهُمُ / نِضْوَ الهُمومِ غَضيضَ الطّرْفِ مُهْتَضَما
فصِحّةُ الوُدِّ تَأبى وهْيَ ظاهِرةٌ / أن تُخفيَ الحالُ في أيّامكُمْ سَقَما
والدّهْرُ يعلَمُ أنِّي لا أذِلُّ لهُ / فكيفَ أفتَحُ بالشّكوى إليكَ فما
مَنِ الرَّكْبُ يا بْنَ العامِريِّ أمامي
مَنِ الرَّكْبُ يا بْنَ العامِريِّ أمامي / أهُمْ سِرُّ صُبْحٍ في ضَميرِ ظَلامِ
يُشَيّعُهُمْ قَلْبُ المَشوقِ وربّما / يُقادُ إِلى ما ساءَهُ بزِمامِ
وقدْ بَخِلَتْ سُعْدى فلا الطّيْفُ طارِقٌ / وليسَ بمَرْدودٍ إليّ سَلامي
منَ الهِيفِ تَستَعدي على لَحْظِها المَها / وتَسلُبُ خُوطَ البانِ حُسْنَ قَوامِ
وكمْ ظَمَأٍ تحتَ الضّلوعِ أُجِنُّهُ / إِلى رَشَفاتٍ من وَراءِ لِثامِ
وما ذُقْتُ فاهَا غَيرَ أنّي مُكَرِّرٌ / أحاديثَ يَرْويها فُروعُ بَشامِ
هَوىً حالَ صَرْفُ الدّهْرِ بيني وبَيْنَهُ / أقُدُّ لهُ الأنْفاسَ وهْيَ دَوامِ
وغادَرَني نِضْوَ الهُمومِ يُثيرُها / غِناءُ حَمامٍ أو بُكاءُ غَمامِ
وأشْتاقُ أيّامَ العَقيقِ وأنْثَني / بأربَعَةٍ مِنْ ذِكْرِهِنّ سِجامِ
وهلْ أتناسى العَيْشَ غَضّاً كأنّهُ / أُعيرَ اخضِراراً في عِذارِ غُلامِ
بأرْضٍ كأنّ الرّوْضَ في جَنَباتِها / يجُرُّ ذُيولَ العَصْبِ فوقَ أَكامِ
إذا صَفَحَتْ غُدْرانَهُ الرّيحُ خِلْتَها / تُدَرِّجُ أثْراً في غِرارِ حُسامِ
ونامَ حَوالَيْها العَرارُ كأنّها / تُديرُ على النُّوارِ كأْسَ مُدامِ
سَبَقْنا بِها رَيْبَ الزّمانِ إِلى المُنى / وقَدْ لَقِحَتْ أسْماعُنا بمَلامِ
ومنْ أرْيَحيّاتي إذا اقْتادَني الهَوى / أفُضُّ وإنْ ساءَ العَذولُ لِجامي
وما زالَتِ الأيّامُ تُغْري بِنا النّوى / وتَسْحَبُ ذَيْلَيْ شِرَّةٍ وعُرامِ
أراها على سُعْدى غَيارى كأنّما / بِها مابِنا من صَبْوَةٍ وغَرامِ
فَيا لَيْتَها إذا جاذَبَتْني وِصالَها / تَرَكْنَ هَواها أو حَمَلْنَ سَقامي
لَعَمْرُ المَعالي حَلفَةً أُمَوِيّةً / لَسَدَّ علَيَّ الدّهْرُ كُلَّ مَرامِ
أما في لئامِ النّاسِ مَندوحَةٌ لهُ / فحَتّامَ لا يَحْتاجُ غَيْرَ كِرامِ
لأَدَّرِعَنَّ اللّيلَ يَلْمَعُ صُبْحُهُ / تَحَدُّرَ راحٍ منْ خِلالِ فِدامِ
على أرْحَبيّاتٍ مَرَقْنَ منَ الدُّجى / وقد لَغِبَ الحادي مُروقَ سِهامِ
حَوامِلَ للحاجاتِ تُلقى رِحالُها / إِلى ماجِدٍ رَحْبِ الفِناءِ هُمامِ
أغَرُّ كِلابي عَلَيْهِ مَهابَةٌ / تُغَضُّ له الأبْصارُ وهْيَ سَوامي
منَ القَوْمِ لمْ يَسْتَقْدِحِ المَجْدُ زَنْدَهُ / لدى الفَخْرِ إلاّ أوْقَدوا بِضِرامِ
وأعلاهُمُ في قُلّةِ المَجْدِ مَرْقَباً / أخو نِعَمٍ في المُعْتَفينَ جِسامِ
مُحَجَّبُ أطرافِ الرِّواقَيْنِ بالقَنا / إذا ادّرَعَ الخَيْلانِ ظِلَّ قَتامِ
ولمْ تَعثُرا إلا بأشْلاءِ غِلْمَةٍ / تُرَوّي غَليلَ المَشْرَفيِّ وهامِ
نُطالِعُ منْ أقْلامِهِ وحُسامِهِ / مَقَرَّ حَياةٍ في مَدَبِّ حِمامِ
ويَخْبُرُ أهواءَ النّفوسِ بنَظْرَةٍ / تَفُضُّ لها الأسرارُ كلَّ خِتامِ
وتَنْضَحُ كفّاهُ نَجيعاً ونائِلاً / تدَفُّقَ نائي الحَجْرَتَيْنِ رُكامِ
بحِلْمٍ إذا الخَطْبُ استُطيرَتْ لهُ الحُبا / رَماهُ برُكْنَيْ يَذْبُلٍ وشَمامِ
وخُلْقٍ كما هَبّتْ شَمالٌ مَريضَةٌ / على زَهَراتِ الرّوْضِ غِبَّ رِهامِ
وعِرْضٍ كمَتْنِ الهِنْدُوانيِّ ناصِعٌ / تَذُبُّ المَعالي دونَهُ وتُحامي
صَقيلُ الحَواشي مَسْرَحُ الحَمْدِ عندَهُ / رَحيبٌ وما فيهِ مُعَرَّسُ ذامِ
فللهِ مَجْدٌ أعْجَزَ النّجْمَ شأوُهُ / أحَلَّكَ أعْلى ذِرْوَةٍ وسَنامِ
وهبّتْ بكَ الآمالُ بعدَ ضَياعِها / لَدى مَعْشَرٍ عنْ رَعْيِهِنَّ نِيامِ
فَدونَكَ مما يَنظِمُ الفِكْرُ شُرَّداً / سَلَبْنَ حَصى المَرْجانِ كُلَّ نِظامِ
تَسيرُ بشُكْرٍ غائِرِ الذِّكْرِ مُنْجِدٍ / يُناجي لِسانَيْ مُعْرِقٍ وشَآمي
ويَهْوى مُلوكُ الأرضِ أن يُمْدَحوا بِها / وما كُلُّ سَمْعٍ يرتَضيهِ كَلامي
ألَمْ يَعلَموا أني تبوّأْتُ مَنزِلاً / يُطَنِّبُ فوقَ النَّيِّرَيْنِ خِيامي
وقد كُنتُ لا أرضى وبي لاعِجُ الصّدى / سِوى مَنْهَلٍ عَذْبِ الشريعَةِ طامِ
ولَمَّا اسْتَقرّتْ في ذراكَ بِنا النّوى / وقد كَرُمَ المَثْوى نَقَعْتُ أُوامي
على عَذَبِ الجَرْعاءِ منْ أيْمَنِ الحِمى
على عَذَبِ الجَرْعاءِ منْ أيْمَنِ الحِمى / مَرادُ الظِّباءِ الأُدْمِ أو مَلْعَبُ الدُّمى
رَعابيبُ يُحمى سِرْبُهُنَّ بغِلْمَةٍ / يَشُمُّ بِهِمْ أنْفُ المُكاشِحِ مَرْغَما
غَيارَى إذا أرْخى الظّلامُ سُدولَهُ / سَرَوْا في ضَميرِ الليلِ سِراً مُكَتَّما
يَبيتونَ أيْقاظاً على حين هَوّمَتْ / كَواكِبُ يَغْشَيْنَ المَغارِبَ نُوَّما
طَرَقْتُهُمُ والبيضُ بالسُّمرِ تَحْتَمي / فخُضْتُ إليهنَّ الوَشيجَ المُقَوَّما
وبكادَ يُريني أوّلُ الفجْرِ غُرَّةً / على أخْرَياتِ الليلِ في وَجْهِ أدْهَما
وكمْ شَنَبٍ في ثغْرِهِ لم أُبَلْ بِهِ / ففي شَفَةِ الظَّلْماءِ منْ دُونِهِ لَمى
فبِتْنَ على ذُعْرٍ يُقَلِّبْنَ في الدُّجى / بِزُجٍّ على دُعْجٍ قِسِيّاً وأسْهُمما
وغازَلْتُ إحداهُنَّ حتى بكَتْ دَماً / مَدامِعُنا للصُّبْحِ حينَ تبسَّما
وضاقَ عِناقٌ يَسْلُبُ الجيدَ عِقْدَهُ / ولم يحْتَضِنْ منّا الوِشاحانِ مأثَما
فَوا عَجَبا حتى الصّباحُ يَروعُني / لهُ الوَيْلُ كم يَشْجو الفؤادَ المُتَيَّما
ولو قابَلَتْهُ بالذّوائِبِ راجَعَتْ / بِها اللّيلَ مُلْتَفَّ الغَدائِرِ أسْحَما
وإنْ كُفَّ عنّا ضَوْؤُهُ باتَ حَلْيُها / ينُمُّ علينا جَرْسُهُ إنْ ترنَّما
ولسنا نُبالي الحَلْيَ إنّ فَصيحَهُ / بحيثُ يُرى منْ قِلّةِ النُّطْقِ أعْجَما
فما شاعَ بالأسْرارِ منها مُسَوَّرٌ / ولم نتَّهِمْ أيضاً عليها المُخَدَّما
إذا ما سَرَتْ لمْ يُمكِن القُلْبَ مَنطِقٌ / ولا حاوَلَ الخَلْخالُ أنْ يتكلَّما
ولكنْ وَشى بي نَشْرُها إذْ توَشَّحَتْ / لديَّ جُمانَ الرَّشْحِ فذّاً وتَوْأَما
لئِنْ كَثُرَ الواشُونَ فالوُدُّ بَينَنا / على عُقَبِ الأيامِ لن يتصرَّما
وأبْرَحُ ما ألْقاهُ في الحُبِّ رائِعٌ / منَ الشّيبِ بالفَوْدَيْنِ منّي تضرّما
أقَبْلَ بلوغِ الأرْبعينَ تَسومُني / صُروفُ الليالي أن أشيبَ وأهْرَما
وتُسْحِبُني ذَيلَ الخَصاصةِ والعُلا / تُحَمِّلُني عِبْءَ السّيادةِ مُعْدِما
وأهتَزُّ عندَ المَكْرُماتِ فَشيمَةٌ / لنا ساعَةَ الضّرّاءِ أن تتكرَّما
وأرْضى بحَظٍّ في الثّراءِ مؤَخَّرٍ / إذا كانَ بَيتي في العَلاءِ مُقَدَّما
وتألَفُ نَفسي عِزَّها وهْيَ حُرَّةٌ / تَرى الكِبْرَ غُنْماً والضّراعَةَ مَغْرَما
وقد لامَني مَنْ لو تأمَّلْتُ قَوْلَهُ / علمتُ يَقيناً أنهُ كان ألْوَما
يُعَيِّرني أني صَدَدْتُ عنِ الوَرى / ولمْ أمْتَدِحْ منهمْ لَئيماً مُذَمَّما
روَيْدَكَ إنّي أبْتَغي إرْثَ مَعْشَري / وهَمُّكَ أنْ تُعْطَى لَبوساً ومَطعَما
فَواللهِ لا عَتَّبْتُ بابَكَ أخْمَصي / فذَرْني وجُرَّ الأتْحَمِيَّ المُسَهَّما
أأنْحو طَريقاً للطّماعَةِ مَجْهَلاً / وأتْرُكُ نَهْجاً للقَناعَةِ مَعْلَما
وقد شبّهَتْني إذ وُلِدْتُ قَوابِلي / منَ الأُسْدِ مَجْدولَ الذِّراعَيْنِ ضَيْغَما
ولو شِئْتُ إدراكَ الغِنى بالْتِماسِهِ / زَجَرْتُ على الأيْنِ المَطِيِّ المُخَرَّما
أكَلِّفُهُ الإسْآدَ حتى يَمَلَّهُ / ويَرْعُفُ في المَسْرى سَناماً ومَنْسِما
فلا عاشَ مَنْ يَرْضى بأسْآرِ عِيشَةٍ / تَبرَّضَها إلا ذَليلاً مُهَضَّما
ولِي نَظْرَةٌ شَطْرَ المَعالِي وهِمَّةٌ / أبَتْ أن تَزورَ الجانِبَ المُتَجهِّما
وأقرَعُ أبوابَ الملُوكِ بوالِدٍ / حَوى بأبي سُفْيانَ أشْرَفَ مُنْتَمى
ولولا ابنُ مَنصورٍ لما شِمْتُ بارِقاً / لجَدْوى ولم أفْتَحْ بمَسْأَلةٍ فَما
يَعُدُّ إِلى دودانَ بِيضاً غَطارِفاً / تَفرَّعَ رَوْقَيْ عِيصِهِمْ وتَسَنَّما
وفي مَزْيَدٍ منْ بَعْدِ رَيّانَ مَفْخَرٌ / لَوى عَنْ مَداهُ ساعِدَ النّجْمِ أجْذَما
فأكْرِمْ بآباءٍ هُمُ في اشْتِهارِهمْ / بُدورٌ وأبناءٍ يُعالُونَ أنْجُما
وأنتَ ابْنُهُمْ والفَرْعُ يُشْبِهُ أصْلَهُ / تُحامي وَراءَ المَجْدِ أن يُتَقَسَّما
تَروضُ مَصاعيبَ الأمورِ وتَمْتَطي / غَوارِبَ منْ دَهْرٍ أبى أن يُخَطّما
وتَسْمو إِلى شأوٍ ثَنى كُلَّ طالِبٍ / على ظَلَعٍ يَمْشي وقد كان مِرْجَما
وتَنْهَلُّ منْ كِلْتا يَدَيْكَ غَمائِمٌ / يظَلُّ عليْهِنَّ الأمانيُّ حُوَّما
فَجارُكَ لا يَخشى الأذى وتَخالُهُ / منَ الأمْنِ في أنْضادِ يَذْبُلَ أعْصَما
وعافِيكَ في رَوْضٍ توسَّد زَهْرَهُ / يُناجي غَديراً في حواشيهِ مُفْعَما
ويَمْتارُ نُعْمى لا تُغِبُّ ويجْتَلي / مُحيّا يَروقُ النّاظِرَ المتَوَسِّما
وإنْ ألقَتِ الحَرْبُ العَوانُ قِناعَها / وطارَتْ فِراخٌ كُنَّ في الهامِ جُثَّما
بيَوْمٍ مَريضِ الشّمسِ جَوْنٍ إهابُهُ / تظنُّ الضُّحى لَيْلاً منَ النّقْعِ أقْتَما
ضَرَبْتَ بسَيْفٍ لم يَخُنْكَ غِرارُهُ / يَرُدُّ شَباهُ جانِبَ القِرْنِ أثْلَما
ورأيٍ كَفاكَ المَشْرَفيَّ وسَلَّهُ / وسُمْرَ العَوالي والخَميسَ العَرَمْرَما
بَلَغْتَ المَدى فارْفُقْ بنَفْسِكَ تَسْتَرِحْ / فليس عَليها بَعْدَهُ أن تُجَشَّما
وحَسْبُ الفَتى أن فاقَ في الجودِ حاتِماً / وفي بأسِهِ عَمْراً وفي الرّأيِ أكْثَما
فهُنِّئَتِ الأيامُ منكَ بِماجِدٍ / أضاءَ بهِ الدّهْرُ الذي كان مُظلِما
لهُ هَيْبَةٌ فيها التّواضُعُ كامِنٌ / وعِزٌّ بذَيْلِ الكِبْرِياءِ تَلَثّما
وزارَكَ عِيدٌ ناشَ ذيلَكَ سَعْدُهُ / وألْقَى عَصاهُ في ذَراكَ وخَيّما
فصَيِّرْ أعادِيكَ الأضاحِيَّ إذ لَوَوْا / طُلىً يَسْتَزِرْنَ المَشْرَفيَّ المُصَمِّما
وسَقِّ الثّرى للنُّسْكِ منْ نَعَمٍ دَماً / ورَوِّ الظُّبا للمُلْكِ منْ بُهَمٍ دَما
ولا تَصْطَنِعْ إلا الكِرامَ فإنّهُمْ / يُجازونَ بالنَّعْماءِ مَنْ كان مُنْعِما
ومَنْ يتّخِذْ عندَ اللئامِ صَنيعَةً / تَجدْهُ على آثارِها مُتَنَدِّما
وأيُّ فَتىً من عَبْدِ شَمْسٍ غَمَرْتَهُ / بِسَيْبٍ كَشُؤْبوبِ الغَمامِ إذا هَمى
فأهْدى إليكَ الشِّعْرَ حُلْواً مَذاقُهُ / تَضُمُّ قوافِيهِ الجُمانَ المُنَظَّما
ومَنْ يترقَّبْ في رَجائِكَ ثَرْوَةً / فإني لمْ أخْدِمْكَ إلا لأُخْدَما
سَرى طَيْفُها والليلُ رقَّ ظَلامُهْ
سَرى طَيْفُها والليلُ رقَّ ظَلامُهْ / وقدْ حُطَّ عن وَجْهِ الصّباحِ لِثامُهُ
وهبّتْ عصافيرُ اللِّوَى فتكلّمَتْ / وجاوَبَها فوقَ الأراكِ حَمامُهُ
وكنتُ وأصْحابي نَشاوَى منَ الكَرى / ونِضْوي على الوَعْساءِ مُلْقىً خِطامُهُ
أُجاذِبُ ذِكْرى العامِريّةِ نَعسَةً / بحيثُ الرُّقادُ الحُلْوُ صَعْبٌ مَرامُهُ
فَما راعَني إلا الخَيالُ وعَتْبُهُ / وفَجْرٌ نَضا بُرْدَ الظّلامِ ابتِسامُهُ
وشُهْبٌ تَهاوَتْ للغُروبِ كأنّما / يُذابُ على الأفقِ النُّضارُ وَسامُهُ
كأنّ ظَلامَ الليلِ والنّجمُ جانِحٌ / إِلى الغَرْبِ غِمْدٌ والصّباحُ حُسامُهُ
فقُلْتُ لصَحْبي إذْ وَشى الدّمْعُ بالهَوى / وأظْهَرَ ما تُخْفي الضّلوعُ انْسِجامُهُ
دَعوا ناظِري يَطْفو ويَرْسُبُ في دَمٍ / فلَولاهُ ما ألْوى بقَلْبي غَرامُهُ
ولا تَعْذُلوني فالهَوى يَغْلِبُ الفَتى / ولا يَنْثَني عنهُ للَوْمٍ يُلامُهُ
لَعَزَّ على حَيٍّ بنَعْمانَ نازِلٍ / مَطافُ أخيهمْ بالحِمى ومُقامُهُ
يَهيمُ بمَكْحولِ المَدامِعِ شادِنٍ / يَهيجُ زَئيرَ العامِريِّ بُغامُهُ
ويَخْضَعُ في كَعبٍ لغَيرانَ يحْتَمي / بِجارٍ خُزَيْميِّ الإباءِ سَوامُهُ
ولو زَبّنَتْهُ الحربُ طارَتْ أُفَيْرِخٌ / مَجاثِمُها تحتَ المَغافِرِ هامُهُ
أيَخْشى العِدا والدّهْرُ قُوِّمَ دَرْؤُهُ / بعُثْمانَ مَرْمِيّاً إليهِ زِمامُهُ
فلَوْ ناوَلَ الأقْمارَ أطْرافَ ذِمّةٍ / إذاً لوَقاهُنَّ المَحاقَ ذِمامُهُ
إذا سارَ في الأرضِ الفَضاءِ بجَحْفَلٍ / ثَنى الشّمْسَ حَيْرى في السّماءِ قَتامُهُ
ومدَّ سَحاباً منْ قَناً وقِسيُّهُ / رُعودُ المَنايا والبُروقُ سِهامُهُ
يَحوطُ أقاليمَ البِلادِ بكَفّهِ / يَراعٌ على أرْبابِهِنَّ احْتِكامُهُ
ويَنْحَلُ منْ نَحْلٍ وأفعَى مَشابِهاً / فيُحْيي ويُرْدي أرْيُهُ وسِمامُهُ
إليكَ ابْنَ خَيْرِ القَرْيَتَيْنِ طَوى الفَلا / برَحْلي غُرَيْريٌّ تَفَرّى خِدامُهُ
ولَسْتُ أَشيمُ البَرْقَ يَتْبَعُهُ الحَيا / إذا مَنَّ بالسُّقْيا عليَّ غَمامُهُ
وألْوي عِنانَ الطّرْفِ عنهُ إذا دَعا / سِوايَ إِلى الرِّيِّ الذّليلِ أُوامُهُ
فأمْطَيْتَني جَوْنَ الإهابِ مُطَهَّماً / يُلاثُ على السِّيدِ الأزَلِّ حِزامُهُ
ويمْرَحُ في ثِنْيِ العِذارِ كأنّهُ / تَسَرْبَلَ لَيلاً والثُّريّا لِجامُهُ
نأى بجانِبِهِ والصُّبْحُ مُبْتَسِمُ
نأى بجانِبِهِ والصُّبْحُ مُبْتَسِمُ / طَيْفٌ تبلّجَ عنهُ مَوْهِناً حُلُمُ
فانْصاعَ يَتْبَعُهُ قَلبٌ لهُ شَجَنٌ / وضاعَ منْ بَعْدِهِ جِسمٌ بهِ سَقَمُ
قد كُنتُ آنَسُ بالأنوارِ آوِنةً / فما وَفَتْ وكَفَتْني غَدْرَها الظُّلَمُ
خاضَتْ دُجى الليلِ سَلْمى وهْيَ تَخْفِرُها / والدّارُ لا صَقَبٌ مِنّا ولا أَمَمُ
تَطوي الفَلا وجَناحُ الليلِ مُنتَشِرٌ / إليَّ حَيثُ يُنَهّي سَيلَهُ إضَمُ
والرَّكْبُ بالقاعِ يَسْري في عُيونِهمُ / كَرىً يَدِبُّ على آثارِهِ السّأَمُ
فناعِسٌ عُقَبُ المَسْرى تَهُبُّ بهِ / ومائِلُ لنواحي الرَّحْلِ مُلْتَزِمُ
وبي من الشّوقِ ما أعْصي الغَيورَ بهِ / كما يُطيعُ هَوايَ المَدْمَعُ السّجِمُ
وحَنّةٌ بِتُّ أسْتَبكي الخَليَّ بها / وقد بَدا منْ حِفافَيْ تُوضِحٍ عَلَمُ
أصْبو إلَيهِ وقد جَرَّ الرّبيعُ بهِ / ذُيولَهُ وتولّتْ وَشْيَهُ الدِّيَمُ
وما بيَ الرّبْعُ لكنْ مَنْ يَحِلُّ بهِ / وإنّما لسُلَيْمى يُكْرَمُ السَّلَمُ
والدّهْرُ يُغري نَواها بي وعَنْ كَثَبٍ / منْ صَرْفِها بأبي عُثْمانَ أنْتَقِمُ
أغَرُّ يَستَمْطِرُ العافونَ راحَتَهُ / فيَسْتَهِلُّ كِفاءَ المُنْيَةِ النِّعَمُ
إذا بَدا اخْتَلَسَ الأبْصارُ نَظرَتَها / إليهِ منْ هَيْبةٍ في طَيّها كَرَمُ
واسْتَنْفَضَ القَلْبَ طَرْفٌ في لَواحِظِهِ / تيهُ المُلوكِ وأنْفٌ كلُّهُ شَمَمُ
ذو راحةٍ ألِفَتْها في سَماحَتِها / مَكارِمٌ تتقاضاهُ بِها الشِّيَمُ
يمُدُّ للمَجْدِ باعاً ما بهِ قِصَرٌ / ولا تَخونُ خُطاهُ نحوَهُ القَدَمُ
ويَنْتَضي كأبيهِ في مَقاصِدِهِ / عَزْماً يُفَلُّ بهِ الصّمْصامَةُ الخَذِمُ
لمّا اقْشعرَّ أديمُ الفِتْنَةِ اعْتَرَكَتْ / فيها المغاويرُ والأرْواحُ تُخْتَرَمُ
فكَفَّ منْ غَرْبِها لمّا اسْتَقامَ بهِ / زَيْغُ الخُطوبِ وأجْلى العارِضُ الهَزِمُ
بالخَيْلِ مُسْتَبِقاتٍ في أعِنَّتِها / فُرْسانُها الأُسْدُ والخَطّيّةُ الأجَمُ
أنِسْنَ بالحَرْبِ حتى كادَ يحْفِزُها / حُبُّ اللّقاءِ إذا ما قَعْقَعَ اللُّجُمُ
فما تُمَدُّ إِلى غَيْرِ الدُّعاءِ يَدٌ / وليسَ يُفْتَحُ إلا بالثّناءِ فَمُ
تَعْساً لشِرْذِمَةٍ دبّوا الضّرَاءَ لهُ / أدْمى الشّحيحَةَ من أيْديهِمُ النّدَمُ
وغادَرَ ابْنَ عَديٍّ في المَكَرِّ لَقًى / يَجري على مُلْتَقى الأوداجِ منهُ دَمُ
فاسْلَمْ ولا تَصْطَنِعْ إلا أخَا ثِقَةٍ / نَدْباً إذا نُفِضَتْ للحادِثِ اللِّمَمُ
يُغْضي حَياءً وفي جِلبابِهِ أسَدٌ / أكْدَتْ مَباغِيهِ فهْوَ المُحْرَجُ الضَّرِمُ
واسْعَدْ بيومِكَ فالإقبالُ مُؤْتَنَفٌ / والشّمْلُ مُجتمِعٌ والشّعبُ مُلْتَئِمُ
قد سَنّتِ الفُرْسُ للنّيروزِ ما طَفِقَتْ / تَجري إليهِ على آثارِها الأُمَمُ
وكمْ تطلّبْتُ ما أُهدي فما اقْتَصَرَتْ / على الذي بَلَغَتْهُ الطّاقةُ الهِمَمُ
وإنّ في كَلِماتِ العُرْبِ شاردَةً / أداءَ ما شَرَطَتْهُ قَبْلَنا العَجَمُ
فأرْعِ سَمعَكَ شِعْراً كادَ من طَرَبٍ / إِلى مَعاليكَ قبلَ النَّظْمِ يَنتَظِمُ
إنّ الهَدايا وخَيْرُ القولِ أصْدقُهُ / تَفْنى بَقِيتَ وتَبْقى هذهِ الكَلِمُ
بَكَتْ شَجْوَها وَهْناً وكِدْتُ أهيمُ
بَكَتْ شَجْوَها وَهْناً وكِدْتُ أهيمُ / حَمائِمُ وُرْقٌ صَوْتُهُنَّ رَخيمُ
تَجاوَبْنَ إذْ حَطَّ الصّباحُ لِثامَهُ / ورَقَّ منَ اللّيلِ البَهيمِ أديمُ
فأذْرَيْتُ أسْرابَ الدّموعِ وشفّني / جوىً بينَ أثناءِ الضّلوعِ أليمُ
وأوْمَضَ لي بَرْقا سَحابٍ ومَبْسِمٍ / فلمْ أدْرِ أيَّ البارِقَيْنِ أشيمُ
يَطولُ سُهادي إن تَناعَسَ بارِبقٌ / ويُلوي بصَبْري أنْ يهُبَّ نَسيمُ
وكيفَ أرَجّي أنْ أصِحَّ وكُلُّ ما / رَماني بهِ صَرْفُ الزّمانِ سَقيمُ
شَمالٌ كتَرْنيقِ النُّعاسِ ومُقْلَةٌ / بِها اقْتَنَصَ الأُسْدَ الضّراغِمَ ريمُ
وهلْ واجِدٌ يَمْتاحُ عَبْرَتَهُ النّوى / ويَسْلُبُهُ الشّوْقُ الرُّقادَ مُليمُ
فلا تَعذُليني يا بْنَةَ القَوْمِ إنني / وإن هَمَّ دَهْري بالسّفاهِ حَليمُ
أضُمُّ جُفوني دونَ بارِقَةِ المُنى / وأحْمَدُ مُرَّ العَيْشِ وهْوَ ذَميمُ
وأسْتَفُّ تُرْبَ الأرضِ إنْ عَضّني الطّوى / ويُجْزِئُ عنْ لَسِّ الغُمَيْرِ هَشيمُ
ولا أشْتكي الأيامَ إنّ اعْتِداءَها / على عَبْدِ شَمْسٍ يا أمَيْمَ قَديمُ
وتَقْطَعُ عنْ حَيَّيْ نِزارٍ علائِقي / صُروف الليالي والخُطوبُ تَضيمُ
وألْوي إِلى الأترِ جيدي فلا الندى / قَليلٌ ولا أمُّ الوَفاءِ عَقيمُ
لَهُمْ أنْفُسٌ والحَرْبُ فاغِرَةٌ فَماً / بمُعْتَرَكِ المَوْتِ الزّؤامِ تُقيمُ
وأوْجُهُهُمْ والسُّخْطُ يُبْدي قُطوبَها / كأوْجُهِ أُسْدٍ كلُّهُنَّ شَتيمُ
وهُنّ بُدورٌ حينَ يُشْرِقْنَ في الدُّجى / فلا فارَقَتْها نَضْرَةٌ ونَعيمُ
وقد دَبَّ في كُتّابِهِمْ نَشْوَةُ الغِنى / وكُلُّهمُ جَعْدُ اليَدَيْنِ لَئيمُ
إذا زارَهُمْ خِلٌّ مُقِلٌّ لَوَوْا بهِ / مَناخِرَ لمْ يَعْطِسْ بهِنَّ كَريمُ
ولولا أخونا منْ بَجيلَةَ لمْ يكُنْ / لهُمْ حَسَبٌ عندَ الفَخارِ صَميمُ
هوَ الغُرّةُ البَيضاءُ في جَبَهاتِهِمْ / وكلُّهُمُ جَوْنُ الإهابِ بَهيمُ
فلَيْتَ المَطايا كُنَّ حَسْرى وظُلَّعاً / ولمْ يتّبِعْنَ الرَّعْيَ وهْوَ وَخيمُ
بكلِّ مَقيلٍ مجّتِ الشّمسُ ريقَها / عليهِ وكَشْحُ الظِّلِ فيهِ هَضيمُ
سأرْحَلُ عنهمْ والمُحَيّا بمائِهِ / وعِرْضيَ منْ مَسِّ الهوانِ سَليمُ
فإن جَهلوا فَضْلي عليهمْ فإنّني / بتَمْزيقِ أعْراضِ اللِّئامِ عَليمُ
أُتيحَتْ لِداءٍ في الفؤادِ عُضالِ
أُتيحَتْ لِداءٍ في الفؤادِ عُضالِ / رُباً بالظِّباءِ العاطِلاتِ حَوالِ
تُذيلُ دُموعَ العَيْنِ وهْيَ مَصونَةٌ / وأُرْخِصُها في الحُبِّ وهْيَ غَوالِ
سواجِمُ تَكْفيها الحَيا وانْهمالَهُ / إذا انْحَلَّ في وُطْفِ الغَمامِ عَزالي
ولوْلاكِ يا ذاتَ الوِشاحَيْنِ لمْ تَكُنْ / موَشَّحةً منْ أدْمُعي بِلآلي
وأغْضَيْتُ عَيْني عنْ مَهاها فلَمْ أُبَلْ / لَدَيْها بعَيْني جُؤذَرٍ وغَزالِ
ولكنَّني أرضَي الغِوايَةَ في الهَوى / وأحْمِلُ فيه ما جَناهُ ضَلالي
وَقَتْكِ الرّدى بيضٌ حِسانٌ وُجوهُها / ومُثْرِيَةٌ منْ نَضْرَةٍ وجَمالِ
طَلَعْنَ بُدوراً في دُجىً من ذَوائِبٍ / ومِسْنَ غُصوناً في مُتونِ رِمالِ
أرى نَظَراتِ الصَّبِّ يَعْثُرْنَ دونَها / بأعْرافِ جُرْدٍ أو رؤوسِ عَوالِ
عَرَضْنَ عليَّ الوَصْلَ والقَلبُ كلُّهُ / لدَيْكِ فأنّى يَبتغينَ وِصالي
وهُنَّ مِلاحٌ غيرَ أنّ نَواظِراً / تُديرينَها زلّتْ بهِنَّ نِعالي
ولولاكِ ما بِعْتُ العِراقَ وأهْلَهُ / بِوادي الحِمى والمَنْدَليَّ بِضالِ
فَما لِنِساءِ الحَيِّ يُضْمِرْنَ غَيْرَةً / سَبَتْها العَوالي ما لَهُنَّ وما لي
ولو خالَفَتْني في مُتابعةِ الهَوى / يَميني ما واصَلْتُها بِشمالي
وفيكِ صُدودٌ منْ دَلالٍ أظنّهُ / علي ما حَكى الواشي صُدودَ مَلالِ
قَنِعْتُ بطَيْفٍ منْ خَيالِكِ طارِقٍ / وأيُّ خَيالٍ يَهْتَدي لخَيالِ
فلا تُنْكِري سَيْري إلَيْكِ على الوَجى / رَكائِبَ لا يُنْعَلْنَ غيرَ ظِلالِ
إذا زُجِرَتْ منهُنَّ وَجْناءُ خِلْتَها / وقد مسّها الإعياءُ ذاتَ عِقالِ
وخَوْضي إلَيْكِ اللّيلَ أرْكَبُ هَوْلَهُ / وإنْ بَعُدَ المَسْرى فلَسْتُ أبالي
ولا تَقْبَلي قَولَ العَذولِ فتَنْدَمي / إذا قَطَعَتْ عنكِ الوُشاةُ حِبالي
سَلي ابْنَيْ نِزارٍ عنْ جُدودي بَعْدَما / سمِعْتِ ببأْسي إذْ هزَزْتُ نِصالي
هلِ اشتَمَلتْ فيهِمْ صَحيفةُ ناسِبٍ / على مِثْلِ عمّي يا أُمَيْمَ وخالي
فهَلْ مَلْثَمُ اللّبّاتِ رُمْحي إذا دَعا / مَصاليتُ يَغْشَوْنَ المِصاعَ نَزالِ
فلا تُلْزِميني ذَنْبَ دَهْرٍ يَسومُني / على غِلَظِ الأيّامِ رِقّة حالِ
وتَمْشي الهُوَيْنى بَيْنَ جَنْبَيَّ هِمّةٌ / تَذُمُّ زَماناً ضاقَ فيهِ مَجالي
وعندَ بَنيهِ حينَ تُخْشى بَناتُهُ / قُلوبُ نِساءٍ في جُسومِ رِجالِ
ولا تُنْكِري ما أشْتَكي منْ خَصاصَةٍ / عَرَفْتُ بها البأساءَ منذُ لَيالِ
فبالتّلَعاتِ الحُوِّ منْ أرْضِ كُوفَنٍ / مَبارِكُ لا تُدْمي صُدورَ جِمالي
يَحوطُ حِماها غِلْمَةٌ أُمويّةٌ / بخَطّيَّةٍ مُلْسِ المُتونِ طِوالِ
وكُلِّ رَميضِ الشّفْرَتَيْنِ مُهَنّدٍ / كأنّ بغَرْبَيْهِ مَدَبَّ نِمالِ
ضَرَبْنَ بألْحِيهِنَّ والريحُ قَرّةٌ / على قُلَّتَيْ أرْوَنْدَ غِبَّ كَلالِ
فما رَعَتِ القُرْبى قُرَيْشٌ ولا اتّقَتْ / عِتابي ولمْ يَكْسِفْ لذلك بالي
وأكْرَمَ مَثْواها وأمْجَدَها القِرَى / بَنو خَلَفٍ حتى حَطَطْتُ رِحالي
وفازوا بحَمْدي إذْ ظَفِرْتُ بودِّهمْ / فلمْ أتعرَّضْ بعْدَهُ لنَوالِ
مَغاويرُ منْ أبناءِ بَهْرامَ ذادَةٌ / بهِمْ تُلْقَحُ الهَيْجاءُ بعدَ حِيالِ
يهَشّونَ للعافي كأنّ وُوجوهَهُمْ / صُدورُ سُيوفٍ حُودِثَتْ بصِقالِ
فصاحَبْتُ منهمْ كلَّ قَرْمٍ حَوى العُلا / بمَلثومَةٍ في الجودِ ذاتِ سِجالِ
وبذَّ الحَيا إذْ جادَ والليثَ إذ سَطا / على القِرْنِ في أُكْرومَةٍ وصِيالِ
يَرى بسِنانِ الزاعبيّةِ كَوْكَباً / فيَطْعَنُ حتى ينثني كهِلالِ
ولا يتخطّى مَقْتلاً فكأنّه / لدى الطّعنِ يعشو نَحوَهُ بذُبالِ
رَعى حُرُماتِ المَجْدِ فيَّ تكرُّماً / وقد شدّ عَزمي للمَسيرِ قِبالي
وأيقَنَ أني لا ألوذُ بباخِلٍ / يُضَيِّعُ عِرْضاً في صِيانَةِ مالِ
وكُنتُ خَفيفَ المَنكِبَيْنِ فأُكْرِها / على مِنَنِ طُوِّقْتُهُنَّ ثِقالِ
وحُزْتُ ندىً ما شانَهُ بمِطالِهِ / وحازَ ثَناءً لمْ يَشِنْهُ مِطالي
فسُقْتُ إليهِ الشُّكْرَ بعدَ سؤالِهِ / وساقَ إليَّ العُرْفَ قَبلَ سؤالي
خُدَعُ المُنى وخواطِرُ الأوهامِ
خُدَعُ المُنى وخواطِرُ الأوهامِ / أضْغاثُ كاذِبَةٍ منَ الأحْلامِ
نَهْوى البقاءَ وليسَ فيهِ طائِلٌ / والمرْءُ نَهْبُ حَوادثِ الأيّامِ
يحوي رَغائِبَ مالِهِ وُرّاثُهُ / منْ بَعْدِهِ ويَبوءُ بالآثامِ
والعيشُ أوَّلُهُ عَقيدُ مشقّةٍ / وأذىً وآخِرُهُ مَقيلُ حِمامِ
والعُمْرُ لوْ جازَ المَدى لتبرّمَ ال / أرواحُ منه بصُحْبَةِ الأجسامِ
بَينا الفَتى قَلِقاً بهِ نِيّاتُهُ / ألْقى مَراسيَهُ بِدارِ مُقامِ
وهَوى كزَيْدِ بْنِ الحُسَينِ إِلى الثّرى / غِبَّ الثّراءِ مُحالِفَ الإعْدامِ
في مِعْوَزٍ سمَلٍ مَشى فيهِ البِلى / والقَبْرُ بئْسَ مُعرَّسُ الأقْوامِ
نُضِدَتْ عليهِ بَنيّةٌ منْ رَمْسِهِ / كالغِمْدِ مُشْتَمِلاً على الصّمصامِ
وأصابَهُ رَيْبُ المنيّةِ إذ رَمى / طُوِيَتْ على شَلَلٍ يَمينُ الرّامي
لو قارَعَ الناسُ المَنونَ لردَّها / عنهُ السّيوفُ فَوالِقاً لِلْهامِ
تَدْمى أغِرَّتُها بأيدي غِلْمَةٍ / قُرَشيّةٍ بيضِ الوُجوهِ كِرامِ
يطَؤونَ أذْيالَ الدروعِ بمأْقِطٍ / حرَجٍ يَفيءُ عليهِ ظلُّ قَتامِ
وتُضيءُ في هَبَواتِهِ صَفحاتُهُمْ / كالفَجْرِ يخْطِرُ في رِداءِ ظَلامِ
والمالُ جمٌّ والحِمى متَمَنِّعٌ / والمَجْدُ أتْلَعُ والعُروقُ نَوامِ
رُمِيَتْ بثالِثَةِ الأثافي هاشِمٌ / فبَكَتْ بأربَعَةٍ عليهِ سِجامِ
ولعَبْدِ شَمْسٍ والتّجَلُّدُ خِيمُها / عَيْنٌ مُؤَرّقَةٌ وجَفْنٌ دامِ
وهُمُ الأُسودُ الغُلْبُ حولَ ضَريحِهِ / يَبكونَهُ بنَواظِرِ الآرامِ
فتضاءَلَتْ كُوَرُ الجِبالِ لِفَقْدِهِ / غُبْرَ الفِجاجِ خَواشِعَ الأعْلامِ
ولِقُلَّتَيْ أرْوَنْدَ رَنّةُ ثاكِلِ / حرّانَ حينَ ثَوى أبو الأيْتامِ
فُجِعوا بِتاجِ الدين حتى عَضّهُمْ / زَمَنٌ ألَحَّ بشِرَّةٍ وعُرامِ
لمّا نَعَتْهُ المَكْرُماتُ إِلى العُلا / لبِسَ الحِدادَ شَريعَةُ الإسْلامِ
فمضى وقَدْ أصْحَبْتُهُ سيّارةً / كالرّوضِ يضْحَكُ منْ بُكاءِ غَمامِ
غرّاءَ منْ كَلمي إذا هيَ سُطِّرَتْ / ظَهَرتْ بها النّخَواتُ في الأقْلامِ
ليستْ لعارِفَةٍ أجازيهِ بها / لكنّها لوَشائِجِ الأرْحامِ
وأحَقُّ مُفْتَقَدٍ بها ذو سُؤْدَدٍ / آباؤُهُ منْ هاشِمٍ أعْمامي
ولوِ اسْتَطَعْتُ كَفَفْتُ عنهُ يَدَ الرّدى / بِشَباةِ رُمْحٍ أو غِرارِ حُسامِ
وبفِتْيَةٍ ألِفوا المِصاعَ كأنّهُمْ / أُسْدٌ منَ الأسَلاتِ في آجامِ
وإذا دُعوا لكَريهَةٍ لم ينظُروا ال / إسْراجَ واقْتَصَروا على الإلْجامِ
فهُمُ اللّيوثُ غَداةَ يُحتَضَرُ الوَغى / وهمُ الغُيوثُ عشيّةَ الإطْعامِ
وقُدورُهُمْ يَعِدُ القِرى إرْزامُها / والرَّعْدُ ليسَ يهُمُّ بالإرزامِ
وإذا اعتَزَوا أوْرى زِنادَهُمُ أبٌ / مُرُّ الحَفيظَةِ للحَقيقةِ حامِ
فالعمُّ أبْلَجُ منْ كِنانَةَ في الذّرا / والخالُ أرْوَعُ منْ بَني همّامِ
ليسوا منَ النَّفَرِ الذينَ أصولُهُمْ / خَبُثَتْ وليسَ لهُنَّ فرْعٌ نامِ
رَفعَتْهُمُ جِدَةٌ وجَدُّهمُ لَقىً / منْ لُؤْمِهِ بمَدارِجِ الأقْدامِ
لا زالَ تُرْضِعُهُ أفاوِيقَ الحَيا / وَطْفاءُ يُنْتِجُها الصَّبا لِتَمامِ
فتلفّعَتْ بحَبيّها قُلَلُ الرُّبا / وتلثّمَتْ منْ بَرْقِها بضِرامِ
وَمُشْتَمِلٍ على كَرَمٍ وَحَزْمٍ
وَمُشْتَمِلٍ على كَرَمٍ وَحَزْمٍ / شَباةُ يَراعِهِ ظُبَةُ الحُسامِ
زَجَرْتُ إِليهِ أَصْهَبَ داعِرِيَّاً / مُرَاحَاً سَوْطُهُ تَعِبَ الخِطامِ
فَمَتَّعَ ناظِرِي بِأَغَرَّ طَلْقٍ / بِهِ فَضَلاتُ بِشْرٍ وَابْتِسامِ
وَهَزَّتْهُ المَكارِمُ لابْنِ أَرْضٍ / نَزيعِ الدَّارِ مِنْ نَفَرٍ كِرامِ
فَراحَ كَأَنَّهُ ثَمِلٌ أُدِيرَتْ / عَليهِ الكَأْسُ تَرْعَفُ بِالمُدامِ
مَقيلُ النَّصْرِ في ظُلَلِ القَتامِ
مَقيلُ النَّصْرِ في ظُلَلِ القَتامِ / وَمَسْرَى العِزِّ في ظُبَةِ الحُسامِ
وَلي هِممٌ جَثَمْنَ على ضُلوعٍ / تُلَفُّ مِنَ الهُمومِ على كِلامِ
تَمُرُّ بِها الخُطوبُ وَهُنَّ شُوسٌ / فَتَقْرِفُها بِأَظْفارٍ دَوامِ
وَقَلْبي يَطْمئِنُّ بِهِ الْتِياحٌ / أَضُمُّ حَشايَ مِنْهُ عَلى ضِرامِ
وَلا أَصْبو إِلى رِيٍّ ذَليلٍ / إِذا صَادَفْتُ عِزِّي في أُوامِي
سَتُجْلَى غَمْرَةُ الحَدَثانِ عَنِّي / وَما مَلَكتْ عَلَيَّ يَدٌ زِمامِي
فَضَوءُ الصُّبْحِ مُرْتَقَبٌ لِسارٍ / تَرَدَّد بَيْنَ أَثْناءِ الظَّلامِ
لَوَيْتُ على الرُّمْحِ الرُدَيْنِيِّ مِعْصَما
لَوَيْتُ على الرُّمْحِ الرُدَيْنِيِّ مِعْصَما / وَزُرْتُ العِدا وَالحَرْبُ فاغِرَةٌ فَما
وَقَدْ زَعَمُوا أَنِّي أُلِينُ عَريكَتي / لَهُمْ إِذْ تَوَسَّدْتُ الخَمَاصَةَ مُعْدِما
أَمَا عَلِمُوا أَنِّي وَإِنْ كُنْتُ مُقْتِراً / أُرَوِّي مِنْ القِرْنِ الحُسامَ المُصَمِّما
وَيُشْرِقُ وَجْهي حِيْنَ يُنْسَبُ والِدي / وَتَلْقَى عليه لِلسِّيادَةِ مَيسِما
وَإِنْ ذَكَروا آباءَهُمْ فَوُجوهُهُمْ / تُشَبِّهُها قِطْعاً مِنَ اللَّيلِ مُظْلِما
وَلَلْفَقْرُ خَيْرٌ مِنْ أَبٍ ذي دَناءَةٍ / إذَا هُزَّ لِلْفَخْرِ ابْنهُ عادَ مُفْحَما
مَتى حُصِّلَت أَنْسابُ قَيْسٍ وَخِنْدِفٍ / فَلي مِنْ رَوابِيهنَّ أَشْرَفُ مُنْتَمى
وَإِنْ نُشِرَتْ عَنْها صَحيفَةُ ناسِبٍ / رَأَيْتَ بُدوراً مِنْ جُدودي وَأَنْجُما
لَهُمْ أَوْجُهٌ عِنْدَ الفَخارِ تَزينُها / عَرانِينُ ما شَمَّتْ هَواناً وَمَرْغَما
لِيَقْصِدْ مُسِرُّ الضِّغْنِ فينا بِذَرْعِهِ / وَلا يَسْتَثِرْ مِنا بِوادِيهِ ضَيْغَما
فَإنَّ المَنايا حينَ يُضْمِرْنَ غُلَّةً / لَيَلْعَقْنَ مِنْ أَطْرافِ أَرْماحِنا الدَّما
نِقَمِي تَتْبَعُها نِعَمي
نِقَمِي تَتْبَعُها نِعَمي / وَيَميني دَرَّةُ الدِّيَمِ
لَيْتَ شِعْري وَالمُنى خُدَعٌ / هَلْ أُرَوِّي صارِمي بِدَمِ
وَجِباهُ الصِّيدِ لاثِمَةٌ / ما تَمَسُّ الأَرْضُ مِنْ قَدَمي
تَقْتَفي الأَفْواهُ مَوْطِئَها / راعِياتٍ حُرْمَةَ الكَرَمِ
أَتَراهُ خَدَّ غَانِيَةٍ / مَدَّ لِلْتَقْبيلِ كُلَّ فَمِ
وَالعُلا إِرْثي وَلَسْتُ أَرَى / حاجِزاً عَنْها سِوى العَدَمِ
كَيفَ أَرْجُو أَنْ أَفُوزَ بِها / في زَمانٍ ضَاقَ عَنْ هِمَمِي
وَأَشْعَثَ مُنْقَدِّ القَميصِ تَلُفُّهُ
وَأَشْعَثَ مُنْقَدِّ القَميصِ تَلُفُّهُ / إِلى الدِّفءِ هَوْجاءُ الهُبوبِ عَقيمُ
دَعا وَالصَّبا تَثْني إِلى فيهِ صَوْتَهِ / وَيَفْري أَدِيْمَ اللَّيْلِ وَهْوَ بَهيمُ
فَجَاوَبَهُ مُسْتَشْرِفٌ لِطُروقِهِ / أَلُوفٌ بِتَأْنِيسِ الضُّيُوفِ عَليمُ
وَلاحَتْ لَهُ فَرْعاءُ تَهْدِرُ فَوْقها / قُدُورٌ لَهَا تَحتَ الظَّلامِ نَئيمُ
فقلتُ لَهُ أَبْشِرْ بِنارٍ عَتيْقةٍ / لَها مُوقِدٌ مَحْضُ النِّجارِ كَريمٌ
لَئِنْ سَفِهَتْ قِدْري عَلَيْكَ بِغلْيها / فَكَلْبي غَضِيضُ النَّاظِرَيْنِ حَليمُ
وَإِنَّ امْرأً لَمْ يَنْحَرِ الكُومَ لِلْقِرى / وَسادَ مَعَّداً جَدُّهُ لَلئيمُ
وَلَيْلَةٍ مِنْ لَيالي الدَّهْرِ صَالِحَةٍ
وَلَيْلَةٍ مِنْ لَيالي الدَّهْرِ صَالِحَةٍ / فَهُنَّ وَهْيَ الشِّفاهُ اللُّعْسُ وَالرَّثَم
جَعَلْتُ يُمنايَ فَيها طَوْقَ غَانِيَةٍ / حُوُرٌ مَدامِعُها في كَشْحِها هَضَمُ
فَارْفَضَّ شَمْلُ الكَرى وَالطَّلُ يُخْضِلُنا / سَقيطُهُ وَثُغُورُ الصُّبْحِ تَبْتَسِمُ
نَمْشِي بِمُنْعَرَجِ الوادِي عَلى وَجَلٍ / وَالنَّوْمُ مِنْ أَعْيُنِ الواشِينَ يَنْتَقِمُ
ثُمَّ افْتَرَقْنا وَبُرْدِي في مَعاطِفِهِ / تُقىً يُعانِقُ فيهِ العِفَّةَ الكَرَمُ
وَعَاذِلَةٍ وَالفَجْرُ في حِجْرِ أُمِهِ
وَعَاذِلَةٍ وَالفَجْرُ في حِجْرِ أُمِهِ / تَلُوُمُ وَمَا أَدْري عَلامَ تَلومُ
تُعَيّرُني أَنْ يَرْضَعَ الحَمْدُ نَائِلي / وَتَعْلَمُ مَا أَسْعَى لَهُ وَأَرُومُ
وَلَي هِممُ لا يُنكِرُ المَجْدُ أَنَّها / بِأَطْرارِ آفَاقِ السَّماءِ نُجُومُ
وَفِيها سُرُورُ النَّفْسِ وَاليُسْرُ جَاذِبٌ / بِضَبْعِي وَإِنْ أَعْسَرْتُ فَهْيَ هُمومُ
وَدُونَ المَعالي مُنْيَةٌ أَوْ مَنِيَّةٌ / وَكُلٌّ عَلى وِرْدِ المَنُونِ يَحُومُ
سَأَطْلُبُها وَالنَّقْعُ يَضْفُو رِداؤُهُ / وَجُرْدُ المَذاكي في الدِّماءِ تَعومُ
فَما أَرَبي إِلَّا سَريرٌ وَمِنْبَرٌ / وَذِكْرٌ عَلى مَرِّ الزَّمانِ يَدومُ
وَذِي سَفَهٍ أَلْقَيْتُ فَضْلَ خِطامِهِ
وَذِي سَفَهٍ أَلْقَيْتُ فَضْلَ خِطامِهِ / إِلَيْهِ وَكَمْ أَبْقى على جَهْلِهِ عِلْمي
فَلَمّا أَبَى إِلّا طِماحاً إِلى الخَنَى / تَجافَيْتُ عَنْهُ والتَفَتُّ إِلى حِلْمِي