القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 20
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي / حَرَسَتْكِ آلِهة ُالطَّعامِ
نامي فإنْ لم تشبَعِي / مِنْ يَقْظةٍ فمِنَ المنامِ
نامي على زَبَدِ الوعود / يُدَافُ في عَسَل ِ الكلامِ
نامي تَزُرْكِ عرائسُ الأحلامِ / في جُنْحِ الظلامِ
تَتَنَوَّري قُرْصَ الرغيفِ / كَدَوْرةِ البدرِ التمامِ
وَتَرَيْ زرائِبَكِ الفِساحَ / مُبَلَّطَاتٍ بالرُّخَامِ
نامي تَصِحّي! نِعْمَ نَوْمُ / المرءِ في الكُرَبِ الجِسَامِ
نامي على حُمَةِ القَنَا / نامي على حَدِّ الحُسَام
نامي إلى يَوْمِ النشورِ / ويومَ يُؤْذَنُ بالقِيَامِ
نامي على المستنقعاتِ / تَمُوجُ باللُّجَج ِ الطَّوامِي
زَخَّارة ً بشذا الأقَاحِ / يَمدُّهُ نَفْحُ الخُزَامِ
نامي على نَغَمِ البَعُوضِ / كأنَّهُ سَجْعُ الحَمَامِ
نامي على هذي الطبيعةِ / لم تُحَلَّ به ميامي
نامي فقد أضفى العَرَاءُ / عليكِ أثوابَ الغرامِ
نامي على حُلُمِ الحواصدِ / عارياتٍ للحِزَامِ
متراقِصَاتٍ والسِّيَاط ُ / تَجِدُّ عَزْفَاً رْتِزَامِ
وتغازلي والنَّاعِمَات / الزاحفاتِ من الهوامِ
نامي على مَهْدِ الأذى / وتوسَّدِي خَدَّ الرَّغَامِ
وا;ستفرِشِي صُمَّ الحَصَى / وَتَلَحَّفي ظُلَلَ الغَمَامِ
نامي فقد أنهى مُجِيعُ / الشَّعْبِ أيَّامَ الصِّيَامِ
نامي فقد غنَّى إلهُ / الحَرْبِ ألْحَانَ السَّلامِ
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي / الفَجْرُ آذَنَ بانْصِرامِ
والشمسُ لنْ تُؤذيكِ بَعْدُ / بما تَوَهَّج من ضِرَامِ
والنورُ لَنْ يُعْمِي! جُفوناً / قد جُبِلْنَ على الظلامِ
نامي كعهدِكِ بالكَرَى / وبلُطْفِهِ من عَهْدِ حَامِ
نامي.. غَدٌ يسقيكِ من / عَسَلٍ وخَمْرٍ ألْفَ جَامِ
أجرَ الذليلِ وبردَ أفئدةٍ / إلى العليا ظَوَامِي
نامي وسيري في منامِكِ / ما استطعتِ إلى الأمامِ
نامي على تلك العِظَاتِ / الغُرِّ من ذاك الإمامِ
يُوصِيكِ أن لا تطعمي / من مالِ رَبِّكِ في حُطَامِ
يُوصِيكِ أنْ تَدَعي المبا / هِجَ واللذائذَ لِلئامِ
وتُعَوِّضِي عن كلِّ ذلكَ / بالسجودِ وبالقيامِ
نامي على الخُطَبِ الطِّوَالِ / من الغطارفةِ العِظَامِ
نامي يُسَاقَطْ رِزْقُكِ المو / عودُ فوقك بانتظامِ
نامي على تلكَ المباهجِ / لم تَدَعْ سَهْمَاً لِرَامِي
لم تُبْقِ من نُقلٍ يسرُّكِ / لم تَجِئْهُ .. ومن إدَامِ
بَنَتِ البيوتَ وَفَجَّرَتْ / جُرْدَ الصحارى والموامي
نامي تَطُفْ حُورُ الجِنَانِ / عليكِ منها بالمُدَامِ
نامي على البَرَصِ المُبَيَّضِ / من سوادِكِ والجُذَامِ
نامي فكَفُّ اللهِ تغسلُ / عنكِ أدرانَ السَّقَامِ
نامي فحِرْزُ المؤمنينَ / يَذُبُّ عنكِ على الدَّوَامِ
نامي فما الدُّنيا سوى جسرٍ! / على نَكَدٍ مُقَامِ
نامي ولا تتجادلي / القولُ ما قالتْ حَذَامِ
نامي على المجدِ القديمِ / وفوقَ كومٍ من عِظَامِ
تيهي بأشباهِ العصامِيّينَ! / منكِ على عِصَامِ
الرافعينَ الهَامَ من جُثَثٍ / فَرَشْتِ لَهُمْ وهَامِ
والواحمينَ ومن دمائِكِ / يرتوي شَرَهُ الوِحَامِ
نامي فنومُكِ خَيْرُ ما / حَمَلَ المُؤَرِّخُ من وِسَامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي / بُرِّئْتِ من عَيْبٍ وذَامِ
نامي فإنَّ الوحدةَ العصماءَ / تطلُبُ أنْ تنامي
نامي جِيَاعَ الشَّعْبِ نامي / النومُ مِن نِعَمِ السلام
تتوحَّدُ الأحزابُ فيه / ويُتَّقَى خَطَرُ الصِدامِ
تَهْدَا الجموعُ بهِ وتَستغني / الصُّفوفُ عَنِ انقسامِ
إنَّ الحماقةَ أنْ تَشُقِّي / بالنُهوضِ عصا الوئامِ
والطَّيْشُ أن لا تَلْجَئِي / مِن حاكِمِيكِ إلى احتكامِ
النفسُ كالفَرَسِ الجَمُوحِ / وعَقْلُها مثلُ اللجامِ
نامي فإنَّ صلاحَ أمرٍ / فاسدٍ في أن تنامي
والعُرْوَةُ الوثقى إذا استيقَظْ / تِ تُؤذِنُ بانفصام
نامي وإلا فالصُّفوفُ / تَؤُول منكِ إلى انقِسامِ
نامي فنومُكِ فِتْنَة ٌ / إيقاظُها شرُّ الأثامِ
هل غيرُ أنْ تَتَيَقَّظِي / فتُعَاوِدِي كَرَّ الخِصامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي / لا تقطعي رِزْقَ الأنامِ
لا تقطعي رزقَ المُتَاجِرِ / والمُهَنْدِسِ والمُحَامِي
نامي تُرِيحِي الحاكمينَ / من اشتباكٍ والتحَامِ
نامي تُوَقَّ بكِ الصَّحَافَةُ / من شُكُوكٍ واتِّهَامِ
يَحْمَدْ لكِ القانونُ صُنْ / عَ مُطَاوِعٍ سَلِسِ الخُطَامِ
خَلِّ الهُمَامَ! بنومِكِ / يَتَّقِي شَرَّ الهُمَامِ
وتَجَنَّبِي الشُّبُهَاتِ في / وَعْيٍ سَيُوصَمُ اجْتِرَامِ
نامي فجِلْدُكِ لا يُطِيقُ / إذا صَحَا وَقْعَ السِّهَامِ
نامي وخَلِّي الناهضينَ / لوحدِهِمْ هَدَفَ الرَّوَامِي
نامي وخَلِّي اللائمينَ / فما يُضِيرُكِ أن تُلامِي!
نامي فجدرانُ السُّجُونِ / تَعِجُّ بالموتِ الزُّؤَامِ
ولأنتِ أحوجُ بعدَ أتعابِ / الرُّضُوخِ إلى جِمَامِ
نامي يُرَحْ بمنامِكِ الزُّ / عَمَاءُ! من داءِ عُقَام
نامي فحقُّكِ لن يَضِيعَ / ولستِ غُفْلاً كالسَّوَامِ
إن الرُّعَاةَ! الساهرينَ / سيمنعونَكِ أنْ تُضَامِي
نامي على جَوْرٍ كما / حُمِلَ الرَّضِيعُ على الفِطَامِ
وَقَعي على البلوى كما / وَقَعَ الحُسامُ! على الحُسامِ
نامي على جَيْشٍ مِنَ / الآلامِ محتشدٍ لُهَامِ
أعطي القيادةَ للقضاءِ / وحَكِّمِيهِ في الزِّمَامِ
واستسلمي للحادثاتِ / المشفقاتِ على النِّيَامِ
إنَّ التيقظَ - لو علمتِ- / طليعةُ الموتِ الزؤامِ
والوَعْيُ سَيْفٌ يُبْتَلَى / يومَ التَّقَارُعِ انْثِلامِ
نامي شَذَاةَ الطُّهْرِ نامي / يا دُرَّةً بينَ الرُّكَامِ
يا نبتةَ البلوى ويا / ورداً ترعرعَ في اهتضامِ
يا حُرَّةً لم تَدْرِ ما / معنى اضطغانٍ وانتقامِ!
يا شُعْلَةَ النُّورِ التي / تُعْشِي العُيُونَ بلا اضطرامِ!
سُبحانَ رَبِّكِ صُورةً / تزهو على الصُّوَرِ الوِسَامِ
إذْ تَخْتَفِينَ بلا اهتمامٍ / أو تُسْفِرينَ بلا لِثَامِ
إذْ تَحْمِلِينَ الشرَّ صا / برةً مِنَ الهُوجِ الطَّغامِ
بُوركْتِ من شَفْعٍ فإنْ / نزلَ البلاءُ فمن تُؤَامِ
كم تصمُدِينَ على العِتَابِ / وتَسْخَرينَ من الملامِ!
سُبحانَ ربِّكِ صورةً / هي والخطوبُ على انسجامِ
نامي جياعَ الشعبِ نامي / النومُ أَرْعَى للذِّمَامِ
والنومُ أَدْعَى للنُزُولِ / على السَّكِينَةِ والنِّظَامِ
نامي فإنَّكِ في الشَّدائدِ / تَخْلُصِينَ من الزِّحَامِ
نامي جياعَ الشَّعْبِ لا / تُعْنَيْ بِسَقْطٍ من كلامي
نامي فما كانَ القَصِيدُ / سوى خُرَيْزٍ في نظامِ
نامي فقد حُبَّ العَمَاءُ / عَنِ المساوىء والتَّعَامِي
نامي فبئسَ مَطَامِعُ الوا / عِينَ! من سَيْفٍ كَهَامِ
نامي: إليكِ تحيّتِي / وعليكِ نائمةً سلامي
نامي جياعَ الشَّعْبِ نامي / حَرَسَتْكِ آلهةُ الطعامِ
ياشعب كم في القلب من لوعة
ياشعب كم في القلب من لوعة / عليك تغلي يا مهيج الغرام
شكوت عيشاً خلته وصمة / وحبذا عيشك لو كان دام
تزاحمت فيك أماني الورى / " والمورد العذب كثير الزحام "
هم نصبوا للصيد أشراكهم / فلم يجد بداً فطار الحمام
حنَّت قلوب لك شوَّقتها / يا معهد الشوق سقاك الغمام
إن نجحت فيك أمان لنا / فهى وإّلا فعليك السلام
تلبَّد لكن ما حكاه غمام
تلبَّد لكن ما حكاه غمام / وناح ولكن أين منه حمام
ألا ليت إحساسا وسلوى تجمعا / وكيف وهل يلفى سنى وظلام ؟
فمن أين للحساس قلب يريحه / ومن أين للقلب الغبيِّ غرام ؟
أكلُّ نسيم للأسى هبَّ زعزع / وكل ضباب للهموم قتام ؟
تطلَّب دقيقات الأمور تفز بها / وخل التي تنوي فتلك جسام
وعظ الشيخُ ولكنْ
وعظ الشيخُ ولكنْ / أذني فيها انصمامْ
كلُّ شغْلي يومَ / عيد الفِطْرِ كأس ومُدام
لِتنالَ الخمرٌ مني / ثأرَ أيامِ الصِيّام
مدةً غبت بها عن / وجهِ خمّار وجام
وبحسبي بعض ما / فرطّتُ في ذينِ أثام
أإن عنَّ في جنح الدجى بارق الحمى
أإن عنَّ في جنح الدجى بارق الحمى / طويت على الشوق الفؤاد المتيما
وباتت تعانيها ضلوعك جذوة / تضيئ إذا ما طارق الوجد أظلما
جهدت فلم تملك مع الحب مهجة / بها لم يصح الشوق إلا لتسقما
تود وفيه الحزم لو كانت بالحشا / ضنينا ويأبى الحب الا تكرما
سلوت الهوى فليردد النوم سالب / فجفني لم يخلق لكيلا يهوما
فما أنا من ريم الحمى بمكانه / تهون من قدري لديه ليكرما
ولا أنا ممن يقتفي الجهل كاشفاً / فؤادي مرمى للغواني مرجما
ومالي وسلسال بخد مرقرق / نصيبي منه لوعة تورث الظما
قلى لك يا ظبي الصريم وللهوى / فذاك زمان كان ثم تصرما
بمثل الذي راشت لحاظك للحشا / رماني زماني لا عفا الله عنكما
وما فيك يا عرش الشباب مزية / على الشيب الا السير فيك على عمى
سلمت وقد أسلمتني بيد الأسى / كأني إلى الموت اتخذتك سلما
خليلي هل كان السها قبل واجدا ً / خفوق الحشا أم من فؤادي تعلما ؟
وهل بحمام الأيك ما بي من الأسى / شكا فتغني واستراب فجمجما
أظنك ما رنمت إلا تجلداً / وإن قال أقوام سلا فترنما
وما ذاك من ظلم الطبيعة أن ترى / شجياً ولكن كي ترى الحزن مثلما
ولم تبكك الأزهار وجداً وانما / نثرت عليهن الجمان المنظما
فنح ينح القلب المعنى فانما / أقام علينا الليل بالحزن مأتما
وبح لي بأسرار الغرام فرحمة / بأهل الهوى غني مغن ونغما
ولا تحذر الشهب الدراري فلم يدع / لها برح الشهبين قلبا لتعلما
ومنك تعلمت القريض منمنماً / فحق بان أهديك شكري منمنما
فلا تبتئس أن آلمتك حوادث / فأن قصارى الحر ان يتالما
افي كل يوم للحواسد جولة / ارى مقدماً فيها الذي كان محجما
كأن لم أسر من مقولي في كتيبة / ولا حملت كفي اليراع المصمما
ولا كان لي البدر المعلى مسامراً / وان كنت أعلى منه قدراً واكراما
رمق الأُفقَ طرفُه فترامى
رمق الأُفقَ طرفُه فترامى / ورأى الحق فوقه فتعامى
كلَّ يوم للحاكمين كؤوس / جرَّعوها الشعوب جاماً فجاما
كَذَب الخائفون ما الضيمُ منا / أيُّ شعب يُرضيه أن يستضاما!؟
إن حفِظتمْ على الصُّدور وساماً / فمن الشعب قد أضعتم وساما
آيتا العرب في ندىً وزِحام / طيِّبوا ذكركم وموتوا كراما
انا ذاك الحر العراقي إمّا / حَنَّ يستنهضُ العراقُ الشام
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي / لئن لم يحكِّمْ عقلَه الشعبُ يندمِ
هتفتُ وما أنفك أهتِف صارخاً / ولو حرّموا مسِّي ولو حلَّلوا دمي
ولو فتّشوا قلبي رأوا في صميمه / خلاصةَ هذا العالمِ المتألِّم
إذا تُرك الجُمهورُ يَمضي لشأنه / ويسلُك من أهوائه كلَّ مَخْرِم
وتنتابُهُ الأهواء من كلِّ جانبٍ / وترمي به شتى المهاوي فيرتمي
وتُنْشَر فيه كلَّ يوم دِعايةٌ / ويندسُّ فيها كلُ فكر مسمِّم
وتَقضي عليه فُرقة من مسدّر / وتُنْهكُه رجعيةٌ من معمَّم
ولم تلدِ الدنيا له من مؤدِّب / يهذب من عاداته ومقوِّم
فلا بد من عُقْبى تسوء ذوي النهى / وتَدمى بها سبابةُ المتندِّم
ولا بد أن يمشي العراقُ لعيشة / يشرَّفُ فيها أو لموت محتَّم
أقول لأوطانٍ تمشت جريئةً / يَمدُّ خطاها كلُّ أصيدَ ضيغم
وقرَّ بها مما تحاول أنها / رأت في اكتساب العزِّ أكبر مغنم
ألا شعلةٌ من هذه الروحِ تنجلى / على وطن ريانَ بالذُّل مُفْعَم
خذي كلَّ كذّاب فَسُلِّي لسانه / ومُرّي على ظُفر الدنيِّ فَقَلِّمي
ومُرِّي على هذي الهياكل أقبلت / عليها الجمْاهير الرُّعاع فحطِّمي
وإن كان لا يبقى على الحال هذه / سوى واحد من كل ألف فأنعم
فأحسنُ من هذي التماثيل ثُلّةٌ / تقوم على هذا البناء المرمَّم
فقد لعِبَت كفُّ التذبذب دورَها / به واستباحت منه كلَّ مُحرَّم
وقد ظهرت فيه المخازي جليةً / يضيق بها حتى مجالُ التكلُّم
وقد صيحَ نهباً بالبلادِ ومُزِّقت / بظفُرٍ وداسوها بخُفٍّ و مَنْسِم
وإني وإن لم يبق قول لقائل / ولم يتركِ الأقوامُ من متردمِّ
فلا بدَّ أن أُبكيكَ فيما أقصُّه / عليك من الوضع الغريب المذمَّم
ألا إن هذا الشَعبَ شعبٌ تواثَبَتََْ / عليهَ صروفُ الدهر من كل مَجْثم
مقيمٌ على البْلوى لِزاماً إذا انبرت / له نكبةٌ عظمى تَهون بأعظم
يجور عليه الحكمُ من متآمرٍ / وتمشي به الأهواءُ من متزعِّم
مساكينُ أمثالُ المطايا تسخَّرتْ / على غيرِ هدْيٍ منهمُ وتَفَهُّم
فلا الحكمُ بالحكم الصحيح المتمَّمِ / ولا الشعبُ بالشعب الرزين المعلَّم
تَحَدَّتْهُ أصنافُ الرزايا فضيَّقَت / عليه ولا تضييقَ فقر مخيِّم
فقد أُتخمت شمُّ " البُنوك " وأشرقت / بأموال نّهابٍ فصيحٍ وأعجم
تُنُوهِبْنَ من أقوات طاوٍ ضلوعَه / على الجْوع أو من دمع ثكلى وأيِّم
يُباع لتسديد الضرائب مِلْحَفٌ / وباقي رِتاج أو حصير مثلَّم
وما رفع الدُّستورُ حيفاً وإنما / أتونا به للنَّهْب ألطفَ سَلَم
ستارٌ بديعُ النسجِ حيكَ ليختفي / بها الشعبُ مقتولاً تضرَّجَ بالدم
به وجدت كفُّ المظالم مَكْمَناً / تحوم عليه أنَّةُ المتظلِّم
نلوذ به من صَوْلة الظلم كالذي / يفرِ من الرَّمضاءِ بالنار يحتمي
بضوء الدساتير استنارت ممالكٌ / تخبَّطُ في ليل من الجْهل مظلم
وها نحن في عصر من النور نشتكي / غَوايةَ دُستور من الغِش مبهم
هنالك في قَصْرٍ أُعدت قِبابه / لتدخينِ بطّالين هوجٍ ونُوّم
تُصَبُّ على الشعب الرزايا وإنما / يَصُبُّونها فيه بشكل منظَّم
مضت هَدرَاً تلك الدماءُ ونُصِّبَتْ / ضِخامُ الكراسي فوق هَامٍ محطَّم
ولما استَتَمَّ الامرُ وارتدَّ معشَرٌ / خلاءَ اكُفٍّ من نِهاب مقسَّم
ورُدَّت على الأعقاب زَحفاً معاشرٌ / تُحاولُ عَودْاً من حِطامٍ مركَّم
بدا الشر مخلوعَ القِناع وكُشِّفَت / نوايا صدورٍ قُنِّعت بالتكتُّم
وبان لنا الوضعُ الذي ينعَتُونَه / مضيئاً بشكل العابس المتجهِّم
يا "سواسبولُ " سلامُ
يا "سواسبولُ " سلامُ / لا يَنَلْ مجدّكِ ذامُ
لا عرا السيفَ حساماً / ذَرِبَ الحدِّ انثِلام
لا يَنَلْ منكِ بما / أوذيْتِ في اللهِ اهتضام
لكِ فيما يُنقِذُ العالَمَ / رَوْحٌ وجِمام
في الضَّحايا الغُرِّ من آلِكِ / للحقِّ دِعام
كلُّ شِبْرٍ فوقَهُ مِن / جُثَثِ القتلى وِسام
يذهبُ الدَّهرُ ويبقى / من تفانيكِ نِظام
الحِفاظُ المرُّ ما انتِ / عليهِ والذِّمام
والحِفاظُ المُرُّ – أُغرمْتِ به - / موتٌ زُؤام
يا " سواسبولُ " سَقاكِ / الدَّمُ
أعَلَى الذَّبْحِ استباقٌ ؟ / أعلى الموتِ ازدحام ؟
أهيَ سوقٌ لمبارةِ / الَّلذاذاتِ تُقام؟
ألرَّدى والمجدُ والأشلاءُ / والصُلْبُ رُكام
قلعةٌ شرقيَّةٌ في / كُرْبَةِ الأرض ابتِسام
يَهرَمُ الدَّهرُ فانْ عَنَّتْ / له فهوَ غُلام
شامخٌ ممَّا أتى / أبناؤها الصيِّدُ الكِرام
يا " سواسبولُ " سلامُ / وانحناءٌ واحتشام
ما عسى يَبلُغُ – مِن / هذا الذي جئتِ – كلام
وعلى أرضِكِ آياتٌ / بلِيغاتٌ " عِظام"
هيَ في السَّلْمِ حياةٌ / وهيَ في الموتِ احترام
حولَ أسوارِكِ مِن أطياف ِ / " أنصارٍ " زِحام
مُنْهَكاتٌ فقعودٌ / مِن وَجيْبٍ وقِيام
نُثِرَتْ كَرْهاً / سُجَّداً حولَكِ هام
يا " سواسبولُ " ووجهُ / الدَّهرِ يَصْحُو ويُغام
وسنا البدرِ انتكاساتٌ / فنَقْصٌ وتَمام
ومنَ السُقْمِ علاجٌ / ومنَ البُرْْءِ سَقام
يا مناراً يُرشِدُ العالَمَ / والدُّنيا ظَلام
مرَّ عامٌ كلُّ يومٍ / منهُ في التأريخ عام
كلُّ آنٍ يَسألُ العالمُ : / ماذا يا عِصام؟
كيفَ " خَرْكوفُ " وهلْ بَعْدُ / عِتابٌ أو مَلام؟
كيفَ " رُستوفُ " لها ب " الأسودِ " / الطَّامي اعتصام
وهَلِ القَفْقاسُ – كالعهدِ / جيادٌ وَسوام
وأغانيُّ وأرباضٌ / وكَرٌّ واقتحام
لبنيهِ والذُّرى الشُمِّ / على الموتِ اعتِمام
صهوةُ الأدهمِ / والفارسُ يُزهَى والحُسام
زُبُرُ " الفولاذِ " قدْ أفرغَها / قيْنٌ هُمام
أُمةٌ لا صَدْعَ فيها / لا ارتجاعٌ لا انقسام
إنَّهُ " الايمانُ " إيثارٌ / وعدلٌ ووئام
مُثُلٌ زالَ بها جُوعٌ / وجهلٌ واحتكِام
هكذا تُنْبتُ أرضٌ / هيَ بالحقِّ اقتسام
يَملِكُ الزَّارِعُ ما يزرَعُ / لا عَبداً يُسام
صرَّحَ الشرُّ وجَلَّى / وانجّلى عنهُ الّلِثام
وبدا الغدرُ شَتِيمَ الوجهِ / يعلُوهُ القَتام
وَخُمَ المرتَعُ بالباغي / وحَلَّ الاِنتقام
جَرَتِ الفُلْكُ مُلِحَّاتٍ / وحانَ الارِتطام
دُوْنَكِ الغارِبَ جُبِّيهِ / فقد جُبَّ السَّنام
بَيَّتَ الجاني على " الفَعْلَةِ " / فالصَّفْحُ أثام
واستوى الحالُ فمعنى / أن يَعِفّوا أنْ يُضاموا
فالدمُ الغالي حَلالٌ / وتحاشيهِ حَرام
بَرَّرَ " الفَجْرَةَ " واستامَ / الخَنا جيشٌ لُهام
فالقُرى والشِّيبُ والرّضَّعُ / للنَّارِ طعام
أهيَ ذي القُوَّةُ / يعتَزُّ بها هُجْنٌ طَغام
أيُّ سُخْرِيَّةِ أهواءِ / أُناسٌ أمْ هَوام؟
الحْديدُ الضَّخْمُ يَختارُ / أحَرْبٌ أمْ سلام؟
والخَنا والنُبْلُ يقضي / فيهما هذا الحُطام؟
ما لهذا الوحشِ مِن / ناهٍ ؟ وللخيلِ لجام
فَسلُوا المعطاشَ للدَّمَّ / أمَا بُلَّ الأُوام؟
وسلُوا الحُبلى لَقاحَ / الشَّرِّ هلْ بعدُ وِحام؟
بشِعَ الفنُّ وذابتْ / صُوَرُ الرّفْق الوِسام
وانبرى أشنعَ ما / خَطَّ وشَطَّ الاِجترام
جَمَدَ الطفلُ على الثَّدي / فهلْ هذا انسجام؟
وهَلِ البَتْرُ ابتداعٌ / وهَلِ السَّمْلُ التزام؟
وهل الحِيطانُ بالأحياءِ / تُبنى وتُقام؟
فِكْرةٌ مِنَ وحْيِ أهلِ / الكَهْفِ إذ مَلّوا فناموا
يا سواسبولُ : سلامُ / وهيامٌ غرام
وتسابيحٌ تَغنَّى / بكِ ما غَنى حَمام
يا سواسبولُ : سيَنْجابُ / مِن الشَّرِّ قَتام
وستستيقِظُ أجيالٌ / على الذُلِّ نِيام
وسيَنْجَرُّ على شوكِ / الجْماهيرِ عُرام
يا سواسبولُ : مصيرُ الـ / ـبَغْيِ ما دَوّى رَغام
وحديدٌ صُبَّ في مُسـ / ـتَنْقَعِ العُهْرِ كهام
يا سواسبولُ : سلامُ / لا يَنَلْ مجدَكِ ذام
أيَّ لُطفٍ قد أرتنا
أيَّ لُطفٍ قد أرتنا / رشحةٌ من قلمكْ
كرماً كان عظيماً / منك ذكرى خَدَمِك
من شيخ دَيْرِيَ فَتْوى
من شيخ دَيْرِيَ فَتْوى / عندي وعهدٌ قديمُ
أن لا تَحِلَّ مُدامٌ / حتى يَحِلَّ النديم
ألا قُوَّةٌ تسطيعُ دفع المَظالِمِ
ألا قُوَّةٌ تسطيعُ دفع المَظالِمِ / وإنعاشَ مخلوقٍ على الذُّلِّ نائِمِ
ألا أعينٌ تُلقي على الشَّعْبِ هاوياً / إلى حَمْأةِ الإدقاعِ نظرةَ راحم
وهَلْ ما يرجِّي المُصلحونَ يَرونهُ / مواجَهَةً أمْ تلكَ أضغاثُ حالم
تعالَتْ يدُ الاقطاعِ حتَّى تعطَّلَتْ / عنِ البتِّ في احكامِها يدُ حاكم
وحتَّى استبدَّتْ بالسَّوادِ زعانِفٌ / إلى نَفْعِها تستاقُهُ كالبهائم
إذا رُمْتُ أوصافاً تليقُ بحالةٍ / تعرَّفْتُها ضاقَتْ بطونُ المعاجم
ألام نستحي منْ أنْ يُقالَ بلادُهُمْ / عليها مِنَ الإذلالِ ضربةُ لازم
هي الأرضُ لم يَخْصُصُ لها اللهُ مالكاً / يُصَرَّفُها مُسْتَهْتَراً في الجرائم
ولم يَبْغِ منها أنْ يكونَ نَتاجُها / شَقاوةَ مظلومٍ ونعمةَ ظالم
عجِبتُ لخلْقٍ في المَغارِمِ رازِحٍ / يُقدِّمُ ما تجني يداهُ لغانم
وأنكا من هذا التغابُنِ قُرْحَةً / غباوةُ مَخْدومٍ وفِطنةُ خادم
وكمْ مِن خُمولٍ لاحَ في وجه متْرفٍ / وكمْ من نبوغٍ شعَّ في عينِ عادِم
لو اطَّلَعتْ عيناكَ أبصرتَ مأْتَماً / أُقيمَ على الأحياءِ قبلَ المآتم
وإلاّ فما هذا الشَّقاءُ مُسَيْطِراً / لهُ في جباهِ القومِ مثلُ المياسم
إذا أقبلََ " الشيخُ المُطاعُ "وخَلْفَهُ / منَ الزارعين الأرضَ مِثْلُ السَّوائم!
مِنَ المُزهَقي الأرواح يَصلي وجوهَهُمْ / مَهَبُّ أعاصيرٍ ولفحُ سمائم
قِياماً على أعتابهِ يُمطِرونها / خُنوعاً وذُلّاً بالشّفاهِ اللواثم
رأيتَ مثالاً ثَمَّ لابنِ ملائكٍ / تَنَزَّلَ مِن عَليْائهِ وابنِ آدم!
حَنايا مِنَ الأكواخِ تُلقي ظِلالَها / على مِثْلِ جُبٍ باهتِ النُور قاتم
تلوَّتْ سِياطٌ فوقَ ظهرِ مكرَّمٍ / مِن اللُؤمِ مأخوذٍ بسوطِ الألائم
وباتَتْ بطونٌ ساغِباتٌ على طَوىً / وأُتخِمَت الأخرى بِطيبِ المطاعم
أهذي رعايا أُمَّةٍ قد تهيَّأتْ / لِتسْقَبْلَ الدُّنيا بعزمِ المُهاجم!؟
أهذا سوادٌ يُبتغىَ لِمُلِمَّةٍ / ونحتاجُهُ في المأزِق المتلاحِم ؟
أهذي النفوسُ الخاوياتُ ضَراعةً / نُباهي بها الأقرانَ يومَ التَّصادم؟
أمِنْ ساعِدٍ رِخوٍ هَزيلٍ وكاهلٍ / عجوزٍ نُريدُ المُلْكَ ثَبْتَ الدَّعائم!
مِنَ الظلْمِ أنَّا نَطْلُبُ العزمَ صادقاً / من الشعبِ منقوضَ القُوى والعزائم
وأنْ نَنْشُدَ الاخلاصَ في تضحياتهِ / ونحنُ تركناهُ ضحيَّةَ غاشم
وأنْ نبتغي رِكضاً حَثيثاً لِغايةٍ / نُحاوِلُها مِن راسِفٍ في أداهم
لنا حاجةٌ عندَ السَّوادِ عظيمةٌ / سنفقِدُها يومَ اشتدادِ الملاحِم
هُناِلكَ لا تُجدي فتيلاً عِصابةٌ / إذا جَدَّ خطبٌ فهي أوَّلُ راجم
وإنَّ سواداً يحمِلُ الجَوْرَ مُكْرَهاً / فقيرٌ لِهادٍ بَينِ النُصْحِ حازِم
يَشُنُّ على الاقطاعِ حرباً مُبيدةً / ولا يَختشي في الحقِّ لَوْمَةَ لائم
يَمُدُّ يداً تُعطي الضّعافَ حُقوقَهُمْ / ويَسْطو بأخرى باطشاً غيرَ راحم
ويجتَثُّ إقطاعاً أقَرَّتْ جُذُورَهُ / سياسةُ تفريقٍ وحَوْزُ مغانم
سياسةُ إفقارٍ وتجويعُ أُمَّةٍ / وتَسليطُ أفرادٍ جُناةٍ غَواشم
لقد قُلْتُ لو أصغى إلى القولِ سامعٌ / وما هوَ مِّني بالظُنونِ الرّواجم
ألا إنَّ وضعاً لا يكونُ رفاهُهُ / مُشاعاً على أفرادهِ غيرُ دائم
أمبترِداتٌ بالخُمورِ تثلَّجَتْ / وبالماءِ يَغلي بالعُطورِ الفواغِم
ومُفترِشاتٌ فضلةً في زرائبٍ / يُوَسّدُها ما حولَها مِن رَكائم
أمِنْ كدحِ آلافٍ تفيضُ تَعاسةً / يُمَتَّعُ فردٌ بالنعيمِ المُلازِم
وما أنا بالهيَّابِ ثورةَ طامعٍ / ولكنْ جِماعُ الأمرِ ثورةُ ناقم!
فما الجوعُ بالأمرِ اليسيرِ احتمالُهُ / ولا الظُلْمُ بالمرعى الهنيءِ لِطاعِم
نَذيرَكَ مِن خَلْقٍ أُطيلَ امتهانُه / وإنْ باتَ في شكلِ الضَّعيفِ المُسالم
بلادٌ تردَّتْ في مهاوٍ سحيقةٍ / وناءتْ بأحمالٍ ثِقالٍ قواصِم
تَبيتُ على وعدٍ قريبٍ بفتنةٍ / وتُضحي على قَرْنٍ من الشرِّ ناجم
ولو عُولِجَ الاقطاعُ حُمَّ شِفاؤها / ومَنْ لي بطَبٍّ بّينِ الحِذْقِ حاسم؟
ولم أرَ فيما ندَّعي مِن حضارةٍ / وما يَعتري أوضاعَنا مِن تلاؤم
وها إن هذا الشَّعْبَ يَطوي جَناحَهُ / على خَطَرٍ من سَورةِ اليأس داهم
غداً يستفيقُ الحالمونَ إذا مَشَتْ / رواعدُ من غضبابتهِ كالزمازم
ذهب الناس من
ذهب الناس من / الدنيا بِمُلْكٍ ونعيمِ
وذهبنا نحن بالأشعارِ / والذوقِ السليم
ءألا إنما تَبغي العُلى والمكارمُ
ءألا إنما تَبغي العُلى والمكارمُ / من الله أن يَبْقى لهنَّ " مُزاحمُ "
فتى الدولةِ الغراءِ تَعْلَمُ أنَّهُ / عليها إذا نام الخليّونَ قائم
وذو الحكْمِ مرهوباً على المُلكِ ساهرٌ / وفيما يصونُ الحكْمَ والمُلْكَ حازم
وذو الخُلُقِ الضّافي يَخالُ مرّفهاً / وفي الصدر أمواجُ الأسى تتلاطم
يَبِيتُ على شوكِ القَتادَ وَينْطوي / على مَضَضِ حتى تُرَدَّ المظالم
عليمٌ بآدابِ السياسةِ تَنْجلي / لِفِطْنَتِهَ أسرارُها والطلاسم
ضمينٌ إذا ما الجوُّ غامَ بطاريءٍ / جليلٍ ؛ بأن تَنْزاحَ عنه الغمائم
على وجهِهِ سِيماءُ أصيدَ أشوسٍ / وفيه من النفس الطَّموحِ علائم
جَهيرٌ يرى الأقوامُ عندَ احتدامِهِ / إذا أغضبوهُ كيْفَ تدأى الضَراغم
وفي العنفِ فَهوّ الأبْلَقُ الفرد مَنْعَةً / وفي اللِّينِ فهو المصحبُ المتفاهم
لقد مارس الأيامَ ذو خبرةٍ بها / ذكيٌّ لحالاتِ الزمان ِ مُلائم
وما هو إن خيرٌ تحداهُ طائشٌ / ولا هو إن خيرٌ تعدّاهُ نادم
ومرتقبٌ للشرِ والشرُّ غائبٌ / و مسْتَحْقِرٌ للشرّ والشرُّ قادم
على ثقةٍ أنَّ الحياةَ تَراوُحٌ / نسائمُها جوّالةٌ والسمائم
وماشٍ إلى قلبِ الحقودِ بِحيلةٍ / يُداوي بها حتى تُسَلَّ السّخائم
وقد عَلِمَ الأقوامُ أنَّ مُزاحماً / من الشعبِ مخدومٌ وللشّعبِ خادم
ولما اعتلى دَسْتَ الوزارة وُطّدَتْ / بهمتِهِ آساسُها والدعائم
عفيفُ يدٍ لا يَحْسَبُ الحُكمَ مَغْنّما / ولو شاء لم تَعْسُر عليه المغانم
ترفعَّ عن طرْقِ الدنايا فمالَه / سوى المجدِ والقلبِ الجريءِ سلالم
لقد سرّني أنَّ الزّمانَ الذي سطا / عليكَ بحربٍ عاد وَهْوَ مُسالم
وأن ظروفاً ضايَقَتْكَ عوابساً / أتتك تُرَجِّي العفْوَ وَهْيَ بواسم
وقد أيقَنَتْ إذ قاوَمَتْكَ كوارثٌ / بأنَّكَ لا تُسطاعُ حينَ تُقاوم
وَجَدْتُك خشن المسّ تأبى انحلالةً / وتَنْحَلُّ في البلوى الجلودُ النواعم
تلقيت يَقْظانَ الفؤادِ حوادثاً / يُرَوَّعُ منها في التَّخَيُّلِ حالم
وقد كنتَ نادَمْتَ الكثيرَ فلم تَجد / على حينَ عَضَّتْ كُرْبةٌ مَنْ تُنادِم
وقد كانتِ الزلفى إليكَ تَزاحُماً / فأصْبَحَ في الزُّلفْى عليكَ التزاحُمُ
ولم تُلْفِ لما استيقظ الخطبُ واحداً / من َ المانحيكَ الوُدَّ والخَطْبُ نائم
وأنت عَضَدْتَ الملك يَومَ بدا له / يُهدِّدُهُ قَرْنٌ من الشرّ ناجم
تكفَّلْتَهُ مُسْتَعْصِماً بك لائذاً / وليس له إلاكَ واللهُ عاصم
ولم أرَ أقوى منكَ جأشاً وقد عدَتْ / عليكَ العوادي جمةً تتراكم
وأُفرِدتَ مِثْل السيفِ لا مِنْ مُساعِدٍ / سوى ثِقةٍ بالنفس أنَّكَ صارم
ولمّا أبَىَ إلا التَّبلُّجَ ناصعٌ / من الحق لم تقدِرْ عليهِ النمائم
ولم يجدِ الواشون للكيدِ مَطْمَعاً / لديكَ ولم يَخْدِشْ مساعيك واصم
خرجْتَ خروجَ البدر غطَّتْ غمامةٌ / عليه وسرُّ المجدِ أنَّكَ سالم
فللتُرْبِ أفواهٌ رمتْكَ بباطلٍ / ولا سَلِمَتْ أشداقُها والغلاصم
وحُوشيِتَ عن أيّ اجترامٍ وإنّما / تُدَبَّرُ من خَلْفِ الستارِ الجرائم
وصَقْرٍ تحامَتْهُ الصقورُ وراعها / من النظر الغضبانِ موتٌ مُداهم
لقد أحكمت منه الخوافي خؤولةً / ومتت إلى الأعمام منه القوادم
فتى " الحلةِ " الفَيْحاءِ شَدَّتْ عُروقَهُ / بناتُ الفراتِ المنجِباتُ الكرائم
فجئن بأوفى من تُحلُّ له الحُبا / وأمتنَ مَنْ شُدَّتْ عليهِ الحيازم
وطيد الحجى لم تستجدّ له الرُّقَى / صغيراً ولم تَعْلَقْ عليه التمائم
وداهية أعلى العراقَ بمجلسٍ / تصافِحُهُ فيه دُهاةٌ أعاظم
يمثل شعباً يستعدُّ لنهضةٍ / يُرَدُّ عليها مجدُهُ المتقادم
وألطفُ ميزاتِ السياسيِّ أنّه / أديبٌ بأسرارِ البلاغةِ عالم
يؤّيدهُ ذهْنٌ خصيبٌ ومنطقٌ / متينٌ كهُدابِ الدِمَقْسِ وناعم
ورنانةٍ في المحْفِلِ الضَّخْمِ فذّةٍ / تَناقَلُها عن أصغريهِ التراجم
بعيدة مرمى مستفيضٍ بيانُها / يجيْ بها عفواً فتَدْوي العواصم
ومحتملٍ للحقِ مستأنسٍ به / يُرَجّيهِ مظلومٌ ويَخشَاهُ ظالم
يَسُدُّ طريقَ الخَصْمِ حتى يردَّهُ / إلى واضحٍ منْ حُكمِهِ وَهْوَ راغم
وقد أرضت المظلوم والظلمُ مُغْضَبٌ / مواقِفُهُ المستعلياتُ الحواسم
وإنَّ بلاداً أنجبتْكَ سعيدةٌ / وشعباً تَسامَى عِزُّهُ بك غانم
لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألما
لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألما / على فِلسْطينَ مسودّاً لها علما
ساءت نهاريَ يقظاناً فجائعُها / وسئن ليليَ إذ صُوِّرْنَ لي حلما
رمتُ السكوتَ حداداً يوم مَصْرَعِها / فلو تُرِكتُ وشاني ما فتحت فما
أكلما عصفت بالشعب عاصفةٌ / هوجاءُ نستصرخُ القرطاسَ والقلما
هل أنقَذ الشام كُتابٌ بما كتبوا / أو شاعرٌ صانَ بغداداً بما نظما
فما لقلبيَ جياشاً بعاطفةٍ / لو كان يصدقُ فيها لاستفاضَ دما
حسب العواطف تعبيراً ومنقصةً / أنْ ليس تضمنُ لا بُرءاً ولا سقما
ما سرني ومَضاءُ السيفِ يُعوزوني / أني ملكتُ لساناً نافثاً ضَرما
دم يفور على الأعقاب فائرُهُ / مهانةٌ ارتضي كفواً له الكلما
فاضت جروحُ فِلَسْطينٍ مذكرةً / جرحاً بأنْدَلُسٍ للآن ما التأما
وما يقصِّر عن حزن به جدة / حزن تجدده الذكرى إذا قَدُما
يا أُمةً غرها الإِقبالُ ناسيةً / أن الزمانَ طوى من قبلها أمما
ماشت عواطفَها في الحكم فارتطمت / مثلَ الزجاجِ بحد الصخرة ارتطما
وأسرعت في خطاها فوق طاقتها / فأصبحت وهي تشكو الأيْنَ والسأما
وغرَّها رونقٌ الزهراء مكبرة / أن الليالي عليها تخلع الظُّلَما
كانت كحالمةٍ حتى اذا انتبهتْ / عضّتْ نواجذَها من حرقةٍ ندما
سيُلحقون فلسطيناً بأندلسٍ / ويَعْطفون عليها البيتَ والحرما
ويسلبونَك بغداداً وجلقةً / ويتركونِك لا لحماً ولا وضما
جزاء ما اصطنعت كفاك من نعمٍ / بيضاء عند أناسٍ تجحد النعما
يا أمةً لخصوم ضدها احتكمت / كيف ارتضيتِ خصيماً ظالماً حكما
بالمِدفع استشهدي إن كنت ناطقةً / أو رُمْتِ أن تسمعي من يشتكي الصمما
وبالمظالمِ رُدي عنك مظلمةً / أولا فأحقر ما في الكون مَنْ ظُلِما
سلي الحوادثَ والتأريخَ هل عرفا / حقا ورأياً بغير القوةِ احتُرما
لا تطلُبي من يد الجبار مرحمةً / ضعي على هامةٍ جبارةٍ قدما
باسم النظامات لاقت حتفَها أممٌ / للفوضوية تشكو تلْكم النظما
لا تجمع العدلَ والتسليحَ أنظمةٌ / الا كما جمعوا الجزارَ والغنما
من حيث دارتْ قلوبُ الثائرين رأتْ / من السياسةِ قلباً بارداً شبما
أقسمتُ بالقوة المعتزِّ جانبُها / ولست أعظمَ منها واجداً قسماً
إن التسامح في الاسلام ما حصدت / منه العروبة الا الشوكَ والألما
حلتْ لها نجدة الأغيار فاندفعت / لهم تزجي حقوقاً جمةً ودما
في حين لم تعرف الأقوامُ قاطبةً / عند التزاحم الا الصارمَ الخذما
أعطت يداً لغريبٍ بات يقطعُها / وكان يلثَمُها لو أنه لُطِما
أفنيتِ نفسَكِ فيما ازددتِ مِن كرم / ألا تكفّين عن أعدائك الكرما
لابَّد من شيمٍ غُرٍّ فان جلبت / هلكاً فلابد أن تستأصلي الشيما
فيا فِلَسْطينُ إن نَعْدمْكِ زاهرةً / فلستِ أولَّ حقٍ غيلةً هُضِما
سُورٌ من الوَحْدةِ العصماءِ راعَهُمُ / فاستحدثوا ثُغْرَةً جوفاءَ فانثلما
هزّت رزاياكِ أوتاراً لناهضةٍ / في الشرق فاهتَجْنَ منها الشجوَ لا النغما
ثار الشبابُ ومن مثلُ الشباب اذا / ريعَ الحمى وشُواظُ الغَيْرَةِ احتدما
يأبى دمٌ عربيٌ في عروقِهِمُ / أنْ يُصبِحَ العربيُّ الحرُّ مهتضما
في كل ضاحيةٍ منهم مظاهرةٌ / موحدين بها الأعلامَ والكلما
أفدي الذينَ إذا ما أزمةٌ أزَمَتْ / في الشرق حُزناً عليها قصَّروا اللِمَما
ووحدَّتْ منهُمُ الأديانَ فارقةً / والأمرَ مختلفاً والرأيَ مُقتَسمَا
لا يأبهون بارهابٍ إذا احتدَموا / ولا بِمَصْرَعِهِمْ إن شعبُهم سَلِما
يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ
يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ / بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام
بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً / علمُ الحساب وتفخر الأرقام
بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم / تتعطَّرُ الارَضونَ والأيام
بك يُبعَث " الجيلُ " المحتَّمُ بعثُه / وبك " القيامةُ " للطُغاة تُقام
وبك العُتاة سيُحشَرون وجوهُهُم / سودٌ وحَشْوُ أُنوفهم إرغام
صفاً إلى صفٍّ طغاماً لم تذُقْ / ما يجرَعون من الهَوان طَغام
ويُحاصَرون فلا " وراءُ " يحتوي / ذَنباً ولا شُرطاً يحوز " امام"
وسيسألون مَن الذين تسخَّروا / هذي الجموعَ كأنها أنعام
ومَن استُبيح على يَديهم حقُّها / هدراً وديست حرمةٌ وذِمام
ومَن الذين عَدَوا عليه فشوَّهوا / وجهَ الحياة فكدَّروا وأَغاموا
خَلَصَ النعيمُ لهم فهم من رقةٍ / وغضارةٍ بيضُ الوجوه وِسام
وصفا لهم فلَكُ الصِبا فتلألؤا / فيه كما تَتَلألأ الأجرام
يتدلَّلون على الزمان كما اشتَهت / شهواتُها قُبُّ البطون وِحام
ومَداس أرجلهم ونَهْبُ نِعالهم / شَعبٌ مهيضُ الجانِحين مُضام
يُمسي ويُصبح يستظلُّ بِخِدنه / بَقَر الزَريب ويرتَعي ويَنام
سيُحاسَبون فان عَرتْهم سَكْتَةٌ / من خيفةٍ فستنطِقُ الآثام
سيُنكِّسُ المتذبذبون رقابَهم / حتى كأنّ رؤوسَهم أقدام
يومَ الشهيد ! وما الخيالُ بسادر / بئسَ الخيالُ تقودُه الأوهام
الشعر – يا يومَ الشهِيد – تجارِبٌ / وبلاؤُها لا لؤلؤٌ ونِظام
كَذِباً يُخيَّل أن بارقة المُنى / تنجابُ منها وحشةٌ وظَلام
أو أنَّ بالنَّزْر اليسير من الدما / سيُبَلُّ من عطَش الطُغاة أُوام
أو أنَّ مَتعوباً ستَسْعى نحوه / عما قريبٍ راحةٌ وجِمام
حُسبانُ ذلك للشهيد خِيانةٌ / وِلما تفَجّرَ من دمٍ إجرام
ولَتلك مَدعاة سيُنصَرُ عندها / عارُ النُكوص ويُخذَلُ الإِقدام
ولَذاك إِيهام يضلِّلُ أُمةً / وسلاحُ كل مضلِّلٍ إيهام
عَظُمت محاولةٌ وجَلَّ مرامُ / أفباليَسير من العَناء تُرام
يومَ الشهيد ! طريقُ كل مناضلٍ / وَعرٌ ولا نُصُبٌ ولا اعلام
في كل مُنعَطَفٍ تَلوحُ بلية / وبكُلِّ مُفتَرقٍ يدِبُّ حِمام
وحياضُ مَوت تلتقى جَنَباتُها / وعلى الحياضِ من الوُفود زِحام
وقِباحُ أشباح لمُرتَعِدي الحَشَا / بَرمٌ بها ولمُحرِبين هُيام
بك بعد مُحتَدِمِ النضالِ سينجَلي / مما ابتدأتَ من النِضالِ ختام
سيُجازُ شَهرٌ بالعَناء وآخَرٌ / ويُخاضُ عامٌ بالدماء وعام
ستطيرُ في أفقِ الكفاح سَواعدٌ / وتَطيحُ في سُوح الكرامة هام
ستَشور من رَهَج اللُهاث عجاجةٌ / ويَهُبُّ من وَهَجِ الشَّكاة قَتام
سيُعالَجُ الباغي بنَضْحٍ من دَمٍ / حتى تُسَكَّنَ شَهوةٌ وعُرام
لابُدَّ من نارٍ يروح وَقودُها / منّا ومنه غارِبٌ وسَنام
وتُنير منها الخابطينَ دُروبَهم / من بعدِ ذلك جذوةٌ وضِرام
اذ ذاك يًُصبحُ بعد طُول مَتاهةٍ / بيد الشُعوب مقادةٌ وزِمام
تبّاً لدولةِ عاجزينَ تَوهَّموا / أن " الحكومةَ " بالسِياط تُدام
والوَيْلُ للماضينَ في أحلامِهم / إن فرَّ عن " حُلمٍ " يَروع منَام
وإذا تفجَّرَت الصدورُ بغيظها / حَنَقاً كما تتفجّر الألغام
وإذا بهم عَصْفاً أكيلاً يرتمي / وإذا بما ركنوا إليه رُكام
وإذا بما جَمَعَ الغُواةُ خُشارةٌ / " وإذا عصارةُ كلِّ ذاك أثام "
يومَ الشهيدِ ! لَسوف تُعقِبُ في غدٍ / يوماً تَحارُ بكُنهه الأَفهام
ولسوف نَجهل ما يِقلُّ بصلبه / قَدَرٌ وما تَتَمخَّضُ الأيّام
ولسوفَ يُصبحُ ما نحارُ بكُنْهه / إن حانَ حِينٌ واستتم تمام
امراً كما قالَ البديهةَ قائلٌ : / " النورُ نورٌ والظَلامُ ظلام "
اني لَيخنُقُني الأسَى ويهُّزُّني / ما لاحَ طفلٌ يحتَبي وغُلام
علماً بأن دِماءَهم ليست لهم / وبأنها للجائعينَ طَعام
للناس بعد اليَومِ مِيلادُ الفَتى / ومَماتُه ورَضاعةٌ وفِطام
يوم الشهيد ! بكل جارحةٍ مشَى / داءٌ تَعاوَرَه الزمان عُقام
تَعِبَ الأساةُ به وجافَى أهلَه / يأساً نِطاسيٌّ به عَلاّم
وتَعَسَّر الابلالُ حتى تَنتَفى / منه الجذورُ وتُقطَعَ الأَجذام
يوم الشهيد! بك النُّفوس تفتَّحت / وَعياً كما تَتَفَتَّحُ الأكمام
كادَ الضعيف يشُكُّ في إيمانه / والصبرُ كاد يَشَلُّه استسلام
طاح البلاءُ بخائرٍ في مَعرَكٍ / أشِبٍ تطيشُ بهَوله الأحلام
وانجاب عن مترددينَ طِلاؤُهم / وانزاحَ عن متربصِّينَ لِثام
وأعضَّ قوم بالسكوت وأفصَحَتْ / عن غير ما عُرِفَت به أقوام
وتمسكَّ المتثبِّتون بجاحمٍ / جَمَراتُه تُشوى بها الأقدام
وتراكم الصبرُ الجميلُ بساحة / من حولها تتراكمُ الآلام
شعب يُجاعُ وتُستَدرُّ ضروعُه ! / ولقد تُمارُ لتُحلَبَ الأغنام
وأُمِدَّ للمستهترين عنانُهم / في المُخزِيات فأرْتَعوا وأساموا
وَتَعَطَّلَ الدستورُ عن أحكامه / من فَرطِ ما ألوَى به الحُكَام
فالوعيُ بَغىٌ والتحرُّرُ سُبَّةٌ / والهَمْسُ جُرْمٌ والكلامُ حَرام
ومُدافِعٌ عما يَدينُ مُخرِّبٌ / ومطالِبٌ بحقوقِه هدّام
ومشَى بأصلاب الجُموع يَهُزُّها / الجَهَلُ والإِدقاعُ والأسقام
وهَوَت كرامتٌ تولَّت أمرها / خِططٌ تولَّى امَرها إحكام
فكرامةٌ يُهزَى بها وكرامةٌ / يُرثى لها وكرامةٌ تُستام
وانصاعَ يغزُو اهلَه وديارَه / جيشٌ من المتعطلِّين لُهام
وتَصافَقَت حُجَزٌ على مُتحرِّرٍ / ومفكرٍ فتحطَّمت أقلام
ولكلِّ مُحتَطِبِ الخنا مَداحةٌ / ولكل مُمتدِح النثا شَتّام
ومعاتَبٍ والسَوط يُلهب ظهرهُ / ومعذَّبٍ بجراحه ويُلام
مما أشاعَ البَغيُ من إرهابه / فيها استُطيبَ الخَوفُ والإِحجام
ومطارَدون تعجَّلوا أيّامَهم / ومشرَّدون من المذلّةِ هاموا
ومشكِّكون وقد تعاصَت محنةٌ / صَلُّوا على شَرفِ الخلاص وصاموا
ولقد تَر تَرْقَ في العُيون تساؤلُ / وعلى الشِفاه تحيَّر استِفهام
أعفا القَطينُ فما به مُتَنَفَّسٌ / وَخلا العَرينُ فما به ضِرغام؟
أفوعدُ مُرتقِبِ " القيامةِ " خُلَّبٌ / وبريقُ منتظِر " النُشور " جَهام ؟
أو يكثُرُ الأبطالُ حين سِلاحُهم / بين الجْموع قَصيدةٌ وكَلام؟
فاذا اسحترَّ الخطبُ واحتَدمَ الأذى / ذابوا فلا بطلٌ ولا مِقدم
أفلا تكون مغارةٌ ؟ أو ما انتَهى / ما قَعْقَعَ الإِسراجُ والإِلجام؟
أعلى ضمير المخلصينَ غِشاوة / وعلى فَم المتحرِّرين لجام؟
حتى إذا قَذفَ الحمى بحُماتِه / ورَمَت بأشبالٍ لها الآجام
وتنافَسَ " الفادون" لم يتمنَّنوا / فضلاً ولم يُبطرْهُمُ الانعام
وجدوا عتاباً للبلاد فأعتَبوا / وملامةً لشبابها " فألاموا "
ومَشوا إليها يدعَمون صفوفَها / بصُدورهم اذ عزَّهن دِعام
حَمَلوا الرصاص عَلى الصدور وأوغلوا / فعلى الصدور من الدِماء وِسام
تابَ الغَويُّ وثاب كل مشكِّكٍ / إنَّ الحمى من فوقه قَوّام
نَكِروا النفوسَ وفجَّروا اعراقَها / صَمْتاً فلا صَخَبٌ ولا إرزام
وأبَوا سِجامَ الدمع شيمةَ نائحٍ / فلهم دماءٌ يغتلينَ سِجام
ناموا وقد صانُوا الحمى ومعاشِرٌ / تَركوا الحِمى للطارئات وناموا
يومَ الشهيد : وكلُّ يوم قادمٌ / ستُريهِ كيف الجودُ والاكرام
دالَ الزمانُ وبُدلتْ نُظُمٌ به / ولكل عصرٍ دولةٌ ونِظام
ومَضَى الحُداةُ " بحاتِمٍ " وبرهَطِه / وتبدَّلَت لمكارِمٍ أحكام
فهُمُ وقد حَلَبوا الصَريحَ أماجدٌ / وهُمُ وقد عقَروا الجَزور كرام
وهمُ لأنَّ الضيفَ ينزِلُ ساحَهم / للفقر في ساحاتِهم إلمام
وأتى زَمانٌ من مكارِمِ أهلِه / السَجْنُ والتشريدُ والإِعدام
والسَوط يحترِشُ الظهورَ ووقعُه / في سَمع محترِسٍ به أنغام
وكأنَّه " للمستغيث" إغاثةٌ / وكأنَّه " للجائعين " إدام
جيل يرى أنَّ الضيافَة والقِرى / للطارئات الصبرُ والآلام
يَقرونَ جائعةَ البلاد نفوسَهم / فلها لحومٌ منهُمُ وعظام
ويُرونَ ضيفَهُمُ الكرامةَ تُزدَرى / والحقَّ يُغصَب والديارَ تُضام
يتقامَرون على المنايا بينَهم / حُمْراً فلا الأيسارُ والأزلام
لاهُمَّ عفَوكَ لا الشجونُ قليلةٌ / عندي ولا أنا أخرسٌ تَمتام
قلبٌ يذوبُ أسىً وشعرٌ كلُّه / ضَرَمٌ وبيتٌ كلُّه آلام
أخنَى بوحشتِه على جيرانِه / وهَفَا به رعباً فطارَ حَمام
ويكادُ يشهَق بالعَويل بَلاطُه / ويَصيحُ بالألم الدفينِ رُخام
ودمٌ أريق على يَدَيَّ يهُزني / هَزَّ الذَبيح وقد عَلاه حُسام
وخبيئةٌ في الصدرِ نَفثُ دُخانها / حَرَجٌ وكَبْتُ أُوارها إيلام
لاهُم ْ ما قَدْرُ البيان إذا انزوى / عنه الضميرُ وعَقَّه الإِلهام
وإذا استَوَى فيه الثَّكولُ وغيرُهُ / والساهرونَ الليلَ والنُّوام
أكبرت شعري أنْ تُهينَ كريمَهُ / غُفْلٌ تضيق بها الرُّعاةُ سَوام
او عائشونَ على الهوامشِ مثلَما / يَنفي فُضولَ الصورةِ الرِسّام
والممتلونَ كأنَّهم كلُّ الدُّنى / والفارِغونَ كأنَّهم أصنام
والصادِعونَ بما يَرى مُستعمِرٌ / فهُمُ متى يأمرْهُمُ خُدّام
والمُولَعونَ بفاجراتِ مطامعٍ / فلهمْ قُعُودٌ عندَها وقِيام
ماذا يحطِّمُ شاعرٌ من صاغِرٍ / أخنى الهوانُ عليه فهو حُطام
لكنْ بمختلطينَ في نيِّاتهم / شُبُهاً فلا وَضَحٌ ولا إبهام
من كل هاوٍ بُرجُه وكأنَّة / قَمَرٌ على كَبِدِ السَماءِ تَمام
يؤذيهِ أنَّ الشمس تطلُعُ فوقَه / او لا يظلِّلَ وَجْنَتَيهِ غَمام
الليلُ عندَهمُ التَعِلَّةُ والمُنى / فاذا استطالَ فسَكرةٌ ومُدام
واذا النهارُ بدا فكلُّ حديثِهِمْ / عنه بكيفَ تفسَّرُ الأحلام
حتى إذا حَميَتْ وغىً وأدارها / كأساً " إياسٌ " مرةً و " عِصام "
وتلقَّفَتهمْ كالرَّحى أشداقُها / مَضْغاً هُمامٌ يَقتضيه هُمام
زَحَموا الصُّفوفَ " مشَيَّعين " كأنَّهم / بين المواكبِ قادةٌ أعلام
ومَشَوا على جثَثِ الضَّحايا مثلَما / يمشي بمقتنص النَّعَامِ نَعام
ثم استدارُوا ينفُخون بطُونَهم / نَفْخَ الطُّبول وأقعدوا وأقاموا
يومَ الشهيد : وما تزال كعهدِها / هُوجٌ تدنِّسُ أُمةً ولئام
قَصَروا عن العليا فلم يتناوَشوا / ما احتازَ منها فارعونَ جِسام
وتقطَّعتْ بالمَكْرُمات حِبالُهم / وبما ابْتَنتْ هِممٌ فهُنَّ رِمام
وعناهُمُ أخذُ الكِرامِ عِنانَها / من بعد ما داروا عليه وحاموا
وتجاهَلوا أنْ ليس تربُ مسامحٍ / بدمائه نَهّازةٌ غَنّام
وبأنَّ أُمّاتِ المآثرِ برزَةٌ / عملاقة وبأنهمْ أقزام
فهُمُ وقد ذَكَتِ الحزازةُ عندهم / " كوب " من الحقد الدفين وجام
يُسْقَونَ جذوتَها وفيما يجتلي / تِربُ النّدي لأُوارِها إضرام
حتى إذا ألقى الكريمُ بوجهه / فتمايَزَ الإشراقُ والإِظلام
وتَضَوَّرتْ جُوعاً فلم تَرَ عنده / ما تأكُّلُ الأوغارُ والأوغام
ومشى الفَعال لهم صَريحاً لم يَشُبْ / آياتِه عَيٌّ ولا إعجام
وتَخارَسوا وعَموا فملءُ عُيونِهِمْ / رَمَدٌ وملُّ حُلوقِهم إفحام
لجأوا إلى " الأنساب " لو جَلَّى لهم / " نَسَب " ولو صَدَقَتْ لهم أرحام
وتنابَزُوا بالجاهلية شجَها / من قبل نورُ " الفكر " و " الإسلام "
فأولاءِ أعرابٌ ! فكل مُحَرَّمٍ / حِلٌّ لهم! وأولئِكمْ أعجام
وأولاءِ " أغمارٌ " فلا رأسٌ ولا / كَعبٌ ولا خَلفٌ ولا قُدام
وأولاءِ " أشرارٌ " لأنّ شعارهم / بين الشُعوب محبَّةٌ وسلام
وكأنَّ " أرحاماً " تُرَصُّ ! فريضةٌ / وكأنَّ " أفخاذاً " تُلَزُّ لِزام
وكأنَّ من لم يَحوِ تلكِ وهذه / وإنْ استقامَ بهيمةٌ وسَوام
نُكرٌ لو استَعلى لما استَعْلَت يَدٌ / بالعُروة الوثْقى لها استِعصام
ولما تمَايزَتِ النُّفوسُ بخَيرها / وبشرِّها ولما استَتَبَّ نِظام
لزَكا " ابولَهَبٍ " وكانُ مُرجَّماً / ودَنَا " صُهَيبُ " وإنه لامام
قَبَليَّةٌ يلجا إليها مُقْعَدٌ / لا الحزمُ يُنجده ولا الإعزام
وبها تَسَتَّرَ عن صَغارةِ نفسِهِ / خَزيانَ يأكُلُ زادهُ ويَنام
بل قد تَفَيَّأ ظِلَّها من حِطّةٍ / نسَبٌ يَسومُ رخيصَه المستام
من كل مُعدٍ في الصَغارِ كأنَّه / جَرَبٌ تُخاف شُذاتُه وجُذام
" سلمانُ " أشرف من أبيكمْ كعبُهُ / " وعِصامُ " ما عَرَفَ الجدودَ عِصام
ومحمدٌ رَفَعتْ رسالةُ ربَّه / كَفّاهُ لا الأخوالُ والأعمام
ولقد يُذِلُّ مُسوَّداً أعقابُه / ولقد يسودُ عشيرةً حَجّامُ
أأُخَيَّ : لو سمِع النداءَ رُغامُ / ولو استجابَ إلى الصريخِ حِمام
مني عليك تحيةٌ وسلامُ / ولذكرِك الإجلالُ والإِعظام
واللهِ لولا طائفٌ من سَلوةٍ / ولُمامةٌ من مُسْكةٍ تَعتام
ورسالةٌ ندعو لها وأداؤُها / فرضٌ ورَعْيُ حقوقِها إلزام
وَبنّيةٌ للسالكين طريقَهم / والقادمينْ على الطريق تُقام
ودعاةُ حقٍ يخرُجون سواهُمُ / عارٌ إذا لزِموا البيوتَ وذام
لعكفتُ حولَك لا أريمُ ولم يكن / الا بحيث أقمتَ انتَ مُقام
يا نائماً والموتُ ملءُ جُفونِه / أعلمتَ من فارقتَ كيف ينام؟
وملاءَماً بيد المَنون جِراحَه / جُرح المُقيم عليكَ لا يلتام
قد كنتَ تقدِرُ ان تُظلَّكَّ بهجةٌ / ونَضارةٌ لا ظُلمةٌ ورَغام
أو أنْ يرِفَّ عليك في رَيْعانِهِ / هذا الربيعُ – كوَجهِك – البسام
لو شئتَ أعطتكَ الحياةُ زِمامَها / ولها على كَفِّ الشَباب زِمام
لِتَضمَّك الغُدرانُ في أحضانها / وتُقِلَّك الهَضَباتُ والآكام
وشقيقُك القَمرُ المُدِلُّ بلُطفه / نَشوانُ يَصحو تارةً ويُغام
لو شئتَ عن شرفٍ اردتَ فصِدْتَهُ / بَدَلاً لكانت صبوةٌ وغَرام
ولجئتَ مُقتَنصَ الشباب ولارتمَتْ / من حولك الظَبيَاتُ والآرام
لوشئتَ ؟ لكن شاءَ مجدُك غيرَها / فتلقَّفَتْك من الثرى أكوام
رَدّ البكاءَ عليكَ أنك قائدٌ / ولو استبدَّ بك الثَرى وإمام
تمشي الجُمُوعُ على هُداك كما هَدى / الضُلاّلَ برقٌ في الظَلام يُشام
لو غَيْرُ ذلك أطاحَ رأسَك لارتَمى / بِشِراك نعلِكَ طائحاً " هَمّام "
ولما استَقَلَّ برأس " مُرةَ " خِنصِرٌ / لكَ واستقادَ بوجهه إبهام
قد كانَ يَعطِفُني عليك مَلامُ / ان لو ذخرتُكَ أيها الصِمصام
ان لو سلمتَ فلا شبايَ مُزنَّدٌ / أسفاً ولا حَدَيّ عليك كَهام
لو لم تُجبني من رفاتك هَمةٌ / صبراً جميلاً ايُّها اللُّوام
ما كنتَ " نحاماً " بنفسِك للورى / افأنت بي من أجلهم نَحام
نحنُ الضَحايا : للشعوب فَقاره / ولكل ما يبني الشعوبَ قِوام
هذي القُبورُ قنابرٌ مَبثوثة / لمكابرٍ وحَفيرُها ألغام
ما كانَ جيلٌ تستقيمُ قناتُه / الا ومَوتٌ يستقيمُ زُوآم
فالثُكْلُ والعَيْشُ السَويُّ سَويةٌ / ودَمُ الضحايا والحياةُ تُؤام
يومَ الشهيد! ونعمتِ الأيامُ / لو تستِتمُّ أخوّةٌ ووِئام
لو يَرْعَوي المتنابذونَ وكلُّهم / بهمُومِهم وشُعورهم أرحام
ولو التَقى من بعدِ طُولِ تَفَرُّقٍ / الشَيخُ والقِسيّسُ والحَاخام
ولو اتفقنا كيف يهتِفُ هاتِفٌ / فينا وكَيفَ تُحرَرُ الأعلام!
وبمِن يقودُ الزاحفيينَ أخالدٌ / ومحمدٌ ام أحمدٌ وهِشام ؟
هي امةٌ خافَ الطُغاة شَذاتَها / فسعَوا بها فاذا بها أقسام
واذا بها والذلُ فوق رءوسها / قُبَبٌ له مَضروبةٌ وخِيام
يحتازُها والجوعُ ينهَشُ لحمَها ! / باسم " الرغيف " معرَّةٌ وصِدام
زانَ العروبةَ هذا المُفرَدُ العَلَمُ
زانَ العروبةَ هذا المُفرَدُ العَلَمُ / وقد تُخلَّدُ في أفرادِها الأُمَمُ
وقد تَسيلُ دماء جَمَّة هَدَراً / وقد يُقَدَّرُ من دون الدماءِ دَم
حَظٌّ من الموتِ محسودٌ خُصِصتَ به / والموتُ كالعيش مابين الورى قَسَم
لولا سموُّ مفاداةٍ لما احتَفَلتْ / هذي المحافلُ فياضاً بها الألم
لو كانَ غُنْمٌ لها ما هكذا ازدَحَمتْ / هذي الجموعُ التي للغُرْمِ تَزدَحِم
إن تَنْتَفِضْ لا تجد كفٌّ لها سَعَةٌ / أو تَنقلْ لا تجِدْ أرضاً لها قَدَم
يا أيُّها السادةُ الأحرارُ كلُّكم / للشَعب ان أعوزَتْه خِدمةٌ خَدَم
هذي الضحيةُ في تبجيلها عِظَةٌ / ان الذي خَدَمَ الأوطانَ محتشِم
ان البلادَ بمرصاد ومن سَفهٍ / ان تحسبوا الناسَ طراً لعبةً لكُم
إن تنصُروها فان الشَعبَ منتصرٌ / أو تخذلِوها فان الشعبَ منتقم
أو تُحتَقَرْ " وسيوف الهند مُغمَدةٌ / فقد نَظَرتُم إليها والسيوفُ دَم"
حسبُ الظنينِ بوجدانٍ محاكمةٌ / بها تُزيَّفُ أو تُستَوضحُ التُهم
حسب الفتى بيد التاريخِ مُحصيةً / ماقد جَنَتهُ يدٌ أو ما ادعاه فَم
فاستغنِموا اللذَّةَ العُظمى مُخلَّدةً / في السعي فاللذةُ الدنيا هي الألَم
تبقى من الشهوة العمياء سوأتُها / للمشتهينَ ويفنَى الحرصُ والنَهَم
هل ابنُ سَعدونَ يُعفيني ويَعذِرُني / وهو الكريم نَماه مَعشَرٌ كَرُموا
لم تأتِني من بليغِ القولِ قافيةٌ / إلا وأبلغُ منها عندَه شِيمَ
من كل مرهوبةٍ صَعْبٌ تَقَحمَّها / كأنها البَحْرُ هَوْلاً حين يَقتَحم
عبءٌ على الشعر ان تحصى بساحتِه / على الرجالِ مَساعيهم إذا عَظُموا
وفي المفُاداةِ للأوطان مُعجِزةٌ / بها البَيانُ وان جوَّدتُ يصطدم
عسى مُعَلَّقةٌ غرّاءُ ثامنةٌ / تُحصي مآثَركَ الغَرّا وتَنتظِم
يا منظراً يَشتهِي فيه العَمى بَصَرٌ / ويانَعِيّاً عليه ُ يُحمَدُ الصَمَم
بات العراقُ عليه وهو مُرتجفٌ / بأسره لأمانٍ وهي تنهدِم
في ذمة الله حزنُ الشعب حينَ رأى / وديعةَ الله عند الشعب تُستَلم
مألومةٌ غيرُ مشكورٍ لها سَهرٌ / على الحقوقِ ولا مَرعيّةٌ ذِمَم
هل رايةُ الوطنِ المفجوعِ عالمةٌ / على مَن اشتملتْ والمِدفَع الضَخِم
ان الذي فيكَ شعبٌّ هدَّ جانبَه / وأمةٌ قد أُضيعَتْ أيُّها العَلَم
ان الذي فيك مرهوبٌ إذا احترَبوا / يومَ الخصامِ ومرضيُّ اذا احتكَمُوا
أن الذي فيكَ حتى خصمهُ شغِفٌ / به وحتى من الأعداء مُحترم
غُرُّ الفِعال إلى العَلْيا دلائلُه / حتى المماتِ عليه دلهُ الكَرَم
مُستَأثِر بخِيار الخَصلتينِ إذا / خَيَّرتَه بين ما يُردى وما يَصيم
زَها الوجودُ بذاك الوجهِ مفتخراً / واليوم يفخَر إذ يحظَى به العَدَم
يا نبعةً عولجتْ دهراً فما انحطَمَتْ / ما كنتَ لولا يدُ الاقدار تَنحطِم
ما ناشَ كفَّك من تياره بللٌ / لّما تحدّاك موجُ الموت يلتَطِم
أبقيتَها حُرَّةً تمشي أناملها / يَمدُّهنَّ النُهى والنُبْلُ والهِمَم
حتى اذا ما انتهت من حَشدِها جُمَلاً / أخفُّ من وقعهنَّ الصارمُ الخذِم
فيهنَّ يشكو إلى الأملاكِ طاهرةً / روحٌ من البَشَر الأدنَينَ مُهتضَم
رميتَ نفسَك في احضانِه فَرحاً / وجلَّلَ الشعبَ يومٌ حزنُه عَمَم
براءةٌ لكَ عندَ الموسِعِيك أذىً / تُبينُ مالك من حقٍّ وما لَهُم
نَمْ هادئاً غيرَ مأسوفٍ على زَمنٍ / يشقى بريءٌ ويَهنَا فيه متَّهَم
قد أخجلَ الظالمينَ الناسَ مُحتشِمٌ / من نفسِه في سبيلِ الناسِ ينتقم
أبا عليٍ سلامٌ كيف أنتَ؟ وهلْ / علِمتَ من بعدِك الأقوامُ كيفَ هم ؟
تَولَّتِ الأربعونَ السودُ تاركةً / جَفناً قريحاً وقلباً شفَّه الوَرَم
ولو تقضَّتْ عليهم مثلها عَدَدا / من السنين لما مَلّوُا وما سَئِموا
يُسلي التقادمُ عن ثُكْلٍ وعندهُمُ / ثُكْل عليه يُعينُ الجِدَّةَ القِدَم
جُرْحٌ تَذُرُّ عليه غيرَ راحمةٍ / كفُّ السياسةِ مِلْحاً كيفَ يلتئم
تأبَى ليومِكَ ان تنسَى ظَلامتَه / مظالِمٌ خَصمُنا فيها هو الحَكَم
يُغري بتهييجه نقضٌ يجدُّ إذا / ما كاد حبلٌ من الآمال ينبرِم
باسم ابنِ سَعدونَ فَاضتْ حرقةٌ طُويَتْ / دَهْراً وأعلَنَ شجوٌ كانَ يكتَتِم
بالحزنِ يَفتتحُ الأقوالَ قائلُها / وبالسياسةِ والأجحافِ يَختَتم
للثُكلِ ثُمَّ لأسبابٍ له اجتَمَعتْ / ملءَ النواظر دمعٌ والقلوبُ دَم
وحسبُ ابناءِ هذا الشَعبِ موجدةٌ / أن يَستَغِلّوا به البَلوْى ويَغتَنِموا
ماذا أقولُ فؤادي ملؤُه ضَرَمٌ / وهل تُوفِّي شُعوري حفَّه الكَلِم
حراجةٌ بالأديبِ الحرِّ موقفُه / حيثُ الصراحةُ بالارهابِ تَصطدم
بين الشعورِ وخَنقٌ مُسكِتٌ رَحِمٌ / في الرافدين فلا كُنّا ولا الرَحِم
هذي المناصبُ ان كانتْ بها نِعَمٌ / للناس فهْيَ على آدابِنا نِقَم
للشاعرينَ قُلوبٌ في تململها / هي البَراكينُ إذ تَهتاجُها الحِمَم
لواعجٌ هي إنْ أبديتَها شَرَرٌ / يُصلي اللسانَ وانْ اخفيتَها سَقَم
رسائلٌ لي مع الآهاتِ أبعثها / إذ لا اللسانُ يؤدّيها ولا القَلَم
فليشهَدِ الناسُ طراً إنني خَجِلٌ / وليشهَدِ الناسُ طراً إنني بَرِم
وليسمعِ الناسُ شكوىَ من له اجتمعتْ / غضاضةُ العيشِ والأرهاقُ والبِكَم
أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ
أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ / بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ
فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةً / وليس كآخَرَ يَسترحِم
يصيحُ على المُدْقِعينَ الجياع / أريقوا دماءكُمُ تُطعَموا
ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعين / أهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا
أتعلَمُ أنَّ رِقابَ الطُغاة / أثقَلَها الغُنْمُ والمأثَم
وأنّ بطونَ العُتاةِ التي / مِن السُحتِ تَهضِمُ ما تهضم
وأنَ البغيَّ الذي يدعي / من المجد ما لم تَحُزْ " مريم "
ستَنْهَدُّ إن فارَ هذا الدمُ / وصوَّتَ هذا الفمُ الأعجم
فيا لكَ مِن مَرهمٍ ما اهتدَى / إليه الأُساة وما رهَّموا
ويا لكَ من بَلسمٍ يُشتَفى / به حينَ لا يُرتجى بَلسم
ويا لكَ من مَبسِمٍ عابسٍ / ثغور الأماني به تَبسِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد / تظَلُّ عن الثأر تستفهِم
أتعلمُ أنّ جِراحَ الشهيد / مِن الجُوعِ تَهضِمُ ما تَلهم
تَمُصُّ دماً ثُم تبغي دماً / وتبقى تُلِحُ وتستطعِم
فقُلْ للمُقيمِ على ذُلّهِ / هجيناً يُسخَّرُ أو يُلجَم
تَقَحَّمْ لُعِنْتَ أزيزَ الرَّصاص / وَجرِّبْ من الحظّ ما يُقسَم
وخُضْها كما خاضَها الأسبقون / وَثنِّ بما افتتحَ الأقدم
فإِمَّا إلى حيثُ تبدو الحياة / لِعينيْكَ مَكْرُمةً تُغْنَم
وإمَّا إلى جَدَثٍ لم يكُن / ليفضُلَه بيتُكَ المُظلِم
تَقَحَّمْ لُعِنْتَ فما تَرتجي / مِن العيش عن وِرده تُحرَم
أأوجعُ مِن أنَّك المُزدرى / وأقتلُ مِن أنَّك المُعدِم
تقحَّمْ فمَنْ ذا يَخوضُ المَنون / إذا عافَها الأنكدُ الأشأم
تقحَّمْ فمَنْ ذا يلومُ البطين / إذا كان مِثلُكَ لا يَقْحَم
يقولون مَن هم أولاءِ الرَّعاعُ / فأفهِمْهُمُ بدَمٍ مَنْ هُم
وأفهِمْهُمُ بدمٍ أنَّهمْ / عَبيدُكَ إنْ تَدْعُهمْ يَخدُموا
وأنَّك أشرفُ من خيرِهمْ / وكعبُك مِن خدهِ أكرم
أخي " جعفراً " يا رُواء الربيع / إلى عَفِنٍ باردٍ يُسلَم
ويا زَهرةً من رياض الخُلود / تَغوَّلها عاصفٌ مُرزِم
ويا قبَساً من لهيب الحياة / خَبا حين شبَّ له مَضْرَم
ويا طلعةَ البِشر اذ ينجلي / ويا ضِحكةَ الفجر إذ يَبسِم
لَثَمْتُ جراحكَ في " فتحةٍ " / هي المُصحَف الطُهرُ إذ يُلثَم
وقبَّلتُ صدرَك حيثُ الصَّميم / مِن القلب مُنْخَرقاً يُخرَم
وحيثُ تَلوذُ طيورُ المُنى / به فهىَ مُفزعَةً حُوَّم
وحيثُ استقرَّت صِفاتُ الرجال / وضَمَّ معادِنَها مَنجَم
وَرَّبتُّ خدّاً بماءِ الشباب / يرفُّ كما نوّر البُرعُم
ومَّسحتُ مِن خُصَلٍ تَدَّلي / عليه كما يَفعلُ المُغرم
وعلَّلتُ نفسي بذوب الصديد / كما علَّلتْ وارداً " زمزم "
ولقَّطتُ مِن زَبدٍ طافحٍ / بثَغرك شهداً هو العَلْقَم
وعوَّضتَ عن قُبلتي قُبلةً / عَصَرْتَ بها كلَّ ما يؤلِم
عَصَرْتَ بها الذكرياتِ التي / تقَضَّتْ كما يَحْلُمُ النُوَّم
أخي " جعفراً " إنّ رجعَ السنين / بَعْدَك عندي صَدىً مُبْهم
ثلاثونَ رُحْنا عليها معاً / نعذَّبُ حِيناً ونستنعِم
نُكافحُ دهراً ويستَسْلِمُ / ونُغلبُ طَوراً ونَسْتَسلِم
أخي " جعفراً " لا أقولُ الخَيال / وذو الثأرِ يَقْظانُ لا يَحلُم
ولكنْ بما أُلهِمَ الصابرون / وقد يقرأُ الغيبَ مُستَلهِم
أرى أُفُقاً بنجيع الدماءِ / تَنوّرَ واختفتِ الأنجُم
وحبلاً من الأرض يُرقى به / كما قذفَ الصاعدَ السُلَّم
إذا مدَّ كفّاً له ناكث / تصدَّى ليقطَعها مُبْرِم
تكوَّر من جُثَثٍ حوله / ضِخامٍ وأمجادُها أضخم
وكفّاً تُمدُّ وراء الحجاب / فترسُمُ في الأفْقِ ما ترسُم
وجيلاً يَروحُ وجيلاً يجيء / وناراً إزاءَهما تُضرَم
أُنبِّيكَ أنّ الحِمى مُلْهَبٌ / وواديه من ألمٍ مُفعَم
ويا وَيْحَ خانقةٍ مِن غدٍ / إذا نَفَّسَ الغدُ ما يَكظم
وأنّ الدماءَ التي طلَّها / مُدِّلٌّ بشُرطتهُ مُعرم
تَنَضَّحُ من صدرِك المُستطاب / نزيفاً إلى الله يَستظلِم
ستبقى طويلاً تَجُرُّ الدماء / ولَنْ يُبرِدَ الدمَ إلاّ الدم
وأنَّ الصدورَ التي فلَّها / وأبدعَ ! في فلِّها مُجْرم
ونَثَّرَ أضلاعها نَثْرةَ / شَتاتاً كما صُرّفَ الدرهم
ستَحْضُنُها من صُدور الشباب / قُساةٌ على الحقِ لا ترحم
أخي " جعفراً " إنّ عِلَم اليقين / أُنبِّيكَ إنْ كنتَ تستعلِم
صُرِعْتَ فحامتْ عليك القلوب / وخفَّ لك الملأُ الأعظَم
وسُدَّ الروُُاقُ فلا مَخرجٌ / وضاقَ الطريقُ فلا مَخرم
وأبلغَ عنك الجَنوبُ الشَّمال / وعزَّى بك المُعرِقَ المُشئِم
وشَقَّ على " الهاتفِ" الهاتفون / وضجَّ من الأسطُرِ المرِقَم
تعلَّمتَ كيف تَموتُ الرجال / وكيف يُقامُ لهمْ مأتَم
وكيف تُجرُّ إليك الجموعُ / كما انجرَّ للحَرمِ المُحرِم
ضحِكتُ وقد هَمْهَمَ السائلون / وشقَّ على السمعِ ما همهموا
يقولون مِتَّ وعند الأساةِ / غيرَ الذي زَعَموا مَزعَم
وأنتَ مُعافى كما نرتجي / وأنت عزيزٌ كما تعلَم
ضحِكتُ وقلتُ هنيئاً لهم / وما لفَّقوا عنك أو رجَّموا
فهم يبتغون دماً يشتفي / به الأرمدُ العينِ والأجذم
دماً يُكذِبُ المخلصونَ الأباة / به المارقينَ وما قسَّموا
وهم يبتغونَ دماً تلتقي / علية القُلوب وتستَلئم
إلى أنْ صَدَقْتَ لهمْ ظَنَّهم / فيا لكَ من غارِمٍ يَغنَم
فهمْ بك أولى فلَّما نَزَل / كَجِذْرٍ على عَددٍ يُقسم
وهم بك أولى وإن رُوِّعت / " عجوزٌ " على فِلذةٍ تلطِم
وتكفُرُ أنَ السما لم تعد / تُغيثُ حَريباً ولا تَرْحَم
وأُختٌ تشقُّ عليك الجيوب / فيغرَزُ في صدرها مِعصَم
تناشِدُ عنك بريقَ النُّجوم / لعلَّك مِن بينها تنجُم
وتَزْعُمُ أنَّك تأتي الصَّباحَ / وقد كذَّبَ القبرُ ما تَزْعُم
لِيَشْمَخْ بفقدِكَ أنفُ البلاد / وأنفي وأنفُهم مُرغم
أخي " جعفراً " بعُهود الاخاءِ / خالصةً بيننا أُقسِم
وبالدمع بَعدَكَ لا يَنثني / وبالحُزنِ بَعدَكَ لا يُهزم
وبالبيتِِ تَغمرُهُ وحشةٌ / كقبركَ يَسأل هل تقدَم
وبالصحب والأهلِ " يستغربون " / لأنَّك منحرفٌ عنهم
يميناً لتَنهَشُني الذكريات / عليك كما يَنهش الأرقم
إذا عادني شبحٌ مفرحٌ / تصدَّى له شبحٌ مؤلِم
وأنّي عُودٌ بكفِّ الرياحِ / يسأل منها متى يُقصَم
أخي " جعفراً " وشجونُ الأسي / ستَصرِم حبلي ولا تُصرَم
أزحْ عن حَشاك غُثاء الضمير / ولا تكتُمَنّي فلا أكتُم
فانْ كانَ عندكَ مِن مَعتَبٍ / فعندي أضعافُه مَنْدَم
وإن كنتَ فيما امتُحِنَّا به / وما مسَّّّنا قَدَرٌ محْكَم
تُخَرِّجُ عُذراً يُسلّي أخاً / فأنت المدِلُّ به المُنعِم
عصارةُ عُمرٍ بشتّى الصنُوف / مليءٍ كما شُحِنَ المُعْجم
به ما أُطيقُ دفاعاً به / وما هو لي مُخْرِسٌ مُلجِم
أسالتْ ثراك دموعُ الشباب / ونوَّر منك الضريحَ الدم
ياأيُّها الجيلُ الجديدُ سلامُ
ياأيُّها الجيلُ الجديدُ سلامُ / ألقت إليك بِثْقلِها الأعوامُ
ورمْت بكلكلِها عليك فوادحٌ / مما تجنّى " السادرون " جسام
ألْقْت إليك وأنتَ أشرفُ ناهضٍ / ثقلَيهمْا الآمال والآلام
فرمى لكَ الماضي الأليم بِوزْرِهِ / ورنا لكَ المستَقبلُ البسام
والحاضرُ المرتجّ بينهما شجاً / وتطُّلعاً تهفو به الأحلام
ألقى إليك" الخائنون" نَتاجَ ما / سدروا وشطوا وارتَعَوْا وأساموا
والمخلصون رجاؤهم أن تنجلى / كُرَبٌ وأن يِلد الصباحَ ظلام
ياأيُّها الجيلُ الجديدُ وطالما / لصقت بغير ذواتِها الأعلام
ولطالما اشتطّ الطغاةُ وأرجفوا / للمصلحين وأقعدوا وأقاموا
سَمَّوكَ " هدّاماً " لأنكَ تَجْتَوي / ما البغيُ سَنَّ وما جنى الإِجرام
ولانك استمت العدالةَ خطةً / من في يديه النقضُ والإِبرام
وغضِبت أن تجدَ الرعايا مَغْنَماً / بيدِ الرُّعاة كأنهم أنعام
وشجبت أنّ الحكم في قاموسِهِمْ / سوطٌ يشدُّ وشهوة وعُرام
هوّنْ عليكَ فكلُّ ذلكَ فِريةُُ / تَفْنى . ويَبْقى السعي والإِقْدام
وكذاك كلُّ " مخرّبٍ " لرذيلة / بانٍ وكلُّ " مُعَمِّرٍ " هدّام
وُلد الالمعيُ فالنجمُ واجمْ
وُلد الالمعيُ فالنجمُ واجمْ / باهتٌ من سُطوع هذا المُزاحمْ
أتُرى عالمَ السموات ينحطُّ / جلالاً عن واطئات العوالم
أم تظُن السماء في مهرجانٍ / لقريب من الملائك قادم
أم تُرى جاءت الشياطينُ تختصُّ / بروح مشكك متشائم
كيفما شاء فليكنْ إن فكراً / عبقرياً على المَجرة حائم
قال نجمٌ لآخرٍ : ليت أني / لثرى الكوفةِ المعطر لاثم
ولبيتٍ أناره عبقرىٌ / لم ينوَّر بمثله الأُفقُ خادم
ليت أني بريقُ عينيه أو أني / لنور القلب المشعِ مقاسم
أيها " الكوكبُ الجديدُ " تخيرْني / إذا ارتحت بسمةً في المباسم
ولقد قال ماردٌ يتلظى / في جحيمٍ على البرية ناقم :
أزعجتْ جوَّنا روائحُ من خبثٍ / وضَعفٍ على الثرى متراكم
لا أرى رسم بُرثُنٍ بين أظلافٍ / عجافٍ كثيرةٍ ومناسم
أفنسلُ المَلاك هذا وما كان / ملاك موكلاً بالجَرائم؟
أفهذا نسلُ الشياطينِ والشيطانُ / لم يَرْبُ في دُموع المآتم
إنَّ فيه أمراً عجيباً مخيفاً / ضعفَ مستَغشَمٍ وقسوةَ غاشم
لو ملكنا هذي اللُّحومَ لكانت / للذُباب المنحطِّ نِعمَ الولائم
وأُرانا نحتاج خَلقاً كهذا / عاصفاً ثائراً قويَّ الشكائم
فَلْنرجّف أعصابهَ وهو يقظانُ / ونزعجْ أحلامه وهو نائم
ولْنُوِّجْههُ قبْلةً لا يلقّى / عندها غيرَ حاقدٍ أو مخاصم
ولْنُثرْهُ ليملأ الكونَ عُنفاً / نفسٌ يُلهبُ المشاعر جاحم
أيها الماردُ العظيمُ تقبّلْ / ضَرَماً تستشيطُ منه الضرائم
وسأهديكَ ان تقبلتَ منى / مِعولاً من لظىً فإنك هادم!!
وسلامٌ عليك يوم تُناوِي / لؤمَ أطماعِهمْ ويومَ تهاجم
بُشِّر ألمنجبُ " الحسين " بمولودٍ / عليه من الْخُلود علائم
سابح الذهن حالم بلشقاتِ / شريد العينين بين الغمائم
وانبرت عبقَرٌ تزجِّي من الجنّ / وفوداً مزهوةً بالمواسم
واتى الكونَ " ضيفهُ " بدويَّ الرعد / يلقاه لا بسجع الحمائِم
عالماً أنَّ صوت خَلْقٍ ضعفٍ / غيرُ كفءٍ لمثل هذي الغلاصِم
فارشاً دربَهُ بشوك من الفقرِ / وجمرٍ من ضِغنةٍ وسخائِم
قائلاً :هذه حدودي تخطا / ها عظامٌ إلى أمورٍ عظائِم
ربما يفُرشَ الطريقُ بنثر الزَهر / لكن للغانيات النَواعم
قُبَل الأمهات أجدرُ ما كانَتْ / بوجهٍ مُلوَّحٍ للسمائِم
يا صليباً عوداً تحدَّته أنيابُ / الرزايا فما استلانَ بعاجِم
ورأي المجدَ خيرَ ما كان مجداً / حينَ يُستَلُّ من شُدوق الأراقِم
شامخٌ أنتَ والحزازاتُ تنهارُو / باقٍ وتضمحلُّ الشتائِم
وحياةُ الابطالِ قد يُعْجِز الشاعرَ / تفسيُرها كحَلِّ الطَلاسم
ربَّما استضعَفَ القويُّ سَديدَ / الرأي يأتيه من ضعيفٍ مُسالِم
ايُّ نَفْس هذي التي لا تعُدُّ العمرَ / غُنْماً إلا بظِلِّ المَغارِم
تَطرَحُ الخفضَ تحت خُفِّ بَعيرٍ / وتَرى العيشَ ناعماً غيرَ ناعِم
وتَلََذُّ الهجيرَ تحسَب أنَّ الذلَّ / يجري من حيثُ تَجري النسائِم
وترى العزَ والرجولةَ وصفينِ / غريبَينِ عن مُقيمٍ ملازِم
كلُّ ما تشتهيهِ أن تَصحب الصارمَ / عَضْباً وأن تَخُبَّ الرواسِم
هكذا النابغونَ في العُدْمِ لم تُرضِعْهُمُ / الغُنْجَ عاطفاتٌ روائِم
ونبوغُ الرجال أرفعُ من أنْ / يحتويه قَصْرٌ رفيعُ الدَعائِم
إنما يَبعَث النبيَّ إلى العالَمِ / بَيتٌ مُهَفْهفُ النورِ قاتِم
" كندةٌ " أينَ ؟ لم تُبقِّ يَد الدهرِ / عليها ولا تَدُلُّ المَعالم ؟
لم تخلف كفُّ الليالي من الكوفَةِ / إلا مُحرَّقاتِ الركائِم
أحصيد دور الثقافة في الشرقِ / ألا يستينُ منهُنَّ قائِم؟
أين بيتُ الجبار باق على سمعِ / الليالي مما يَقول زمازِم؟
" جُعف " منسيَّةٌ افاض عليها الشعرُ / ما كانَ في " أُمَيٍّ " و " هاشم "
لست أدري " اكوفة " المتنبي / أنجبته أم أنجبته العواصِم
غير ان النُبوغَ يَذوي وينمو / بين جوٍّ نابٍ وجوٍّ ملائِم
" حَلبٌ " فتَّقَت أضاميمَ ذِهنٍ / كان من قبلُ " وردةً " في كمائِم
أيُّ بحر من البيان بامواجِ / المعاني فياضةً متلاطِم
كَذَبَ المدَّعونَ معنىً كريماً / في قوافٍ مُهلهلاتٍ ألائِم
وَهبِ اللفظَ سُلَّماً فمتى استحسنتِ / العينُ واهباتِ السلالم؟
حجةُ العاجزين عن منطق الافذاذِ / يُخفون عجزَهم بالمزاعِم
روعةُ الحرب قد خلَعتَ عليها / روعةً من نسيجك المتلاحِم
شعَّ بين السطور ومضُ سِنانٍ / ثم غَطَّت عليه لَمعةُ صارِم
ما "ابن حمدان " إذ يقودُ من الموتِ / جيوشاً تُزجَى لموتٍ مُداهِم
بالغ ما بلَغْتَ في وصفك الجيشَيْن / اذ يقدحانِ زندَ الملاحِم
إذ يضمُّ القلبُ الجناحَ فترتدّ / الخوافي مهيضةً والقوادِم
وفرِاخ الطُيور في قُلَل الاجيال / تَهدي لها الظنونَ الرواجِم
لك عند الجُرْدِ الاصائلِ دَيْنٌ / مستَحقُّ الأداءِ في النَسل لازِم
كم أغرٍّ " مُحَجَّلٍ " ودَّ لو يُهديكَ / ما في جَبينه والمعاصِم
واجتلينا شعرَ الطبيعة في شعرك / تَفْتَّر عن ثُغورٍ بواسِم
شِعْبُ " بَوّان " لا تخيُّلُ فنّانٍ / غَنٌّ عنه ولا ذِهنُ راسِم
متعهُ الشاعرِ المفكرِ يقظانَ / ومَسْرى خيالِه وهو حالِم
لا تعفَّيْتَ من " مَمَرٍّ " كريمٍ / خلَّدَتْكَ المُحسَّناتُ الكرائِم
ايه خصمَ الملوك حتى يُقيموا / لك أمثولةَ النظيرِ المُزاحِم
عَضُدُ الدولة استشارَك بالإعزازِ / واللُطف يا عدوَّ الأعاجِم
رُحتَ عنه وأنت خَوفَ اشتياقٍ / لسِواه على فُؤادِكَ خاتِم
إن ذلك الوَداعَ كان نذيراً / بحِمامٍ دلَّتْ عليه عَلائِم
فلتُحيِّ الاجيالُ مغناكَ بالريحانِ / وَلْتَلْتَثِمْهُ وهي جَواثِم
رَمْز قَوميةٍ بَنَتهُ البَوادي / مُشمخرَّ البِناء ثَبتَ الدعائم
بدويَّ المُناحِ أرهفَ منه الحسَّ / جوٌّ مُشَعْشَعٌ غيرُ غائِم
لدِمشقٍ يَدٌ على الشِعرِ بيضاءُ / بما زيَّنَتْ له من مَواسِم
وسلامٌ على النُبوغ ففيما / تَسْقُط الذكريات وهو يُقاوِم
وفّاك ما يُقْضَى من التكريمِ
وفّاك ما يُقْضَى من التكريمِ / بَلَدٌ يوفّي حقَّ كلِّ زعيمِ
البصرةُ الفيحاءُ ضاق خِناقُها / ومشتْ بقلبِ مقرّحٍ مكلوم
عَطَفَتْ على الذكرى الاليمةِ عطفةً / نمّت على شَجَنٍ هناك أليم
ياسين إنّ هضيمةً ما ذقتَهُ / غدراً ولم تكُ قبلُ بالمهضوم
ما كنتَ بالرجلِ الذي يمشى له / خَتَلاً كمِشيةِ قانصٍ لظليم
أسَفاً فكلُّ عظيمةٍ غلاّبةٌ / مغلوبةٌ بمقدَّرٍ محتوم
يكفيك فخراً أن تُكادَ بمثلها / مستورةً خَفيِتْ على التنجيم
جُبناً وعَجْزاً أنْ تُقابَل جَهرةً / شأنَ المُغارِمِ في اطّلاب غريم
هذا مقامٌ لا يليقُ بمثله / قولٌ فطيرُ الرأي غيرُ حكيم
فمن الحَراجةِ أن يُبَدِّلَ زِيَّهُ / من كان مرتدياً ثيابَ خصوم
خوفَ الغلو وليس من يُزْجي الثنا / لخصيمه في محنةٍ بمَلوم
قد كنتَ فذاً في الرجال نبوغُهم / وقفٌ على التبجيل والتعظيم
وجهادُهٌمْ خيرُ الجهاد لأمة / تُهدى إلى نَهْجٍ أغَرَّ قويم
وسياسة هي ملكُ شعبٍ قولُه / فصلٌ لرفضٍ كان أو تسليم
سايرتُ حكمكَ ناقماً لم ادّرعْ / حزبا ولم أزحَفْ بظلِّ زعيم
حاشا ولم أهتِفْ لغيرك داعيا / أو أن أخُصَّ سواك بالتقديم
لكن طموحٌ ليس يَرْضي أهلُهُ / أن تستمرَّ سياسةُ الترميم
كنا نرى المعوجّ من أوضاعنا / في حاجةٍ قصوى إلى التقويم
ونُحِسُّ أنّا بالغون أشُدَّنا / ومعلّلون تَعِلةَ المفطوم
ونرى شتاتَ جهودِنا وصفوفنا / ليست على شيءٍ من التنظيم
ووعودَ من يتحضّنون شؤوننا / ملأى من التخدير والتنويم
نبغي المزيدَ وتقتضينا ساسةٌ / أن نرتضي بنصيبنا المقسوم
ونراك جباراً يكونُ لفكره / في المعضلات مردُّ كلِّ جسيم
ولقد يكون العذرُ أنا طُمَّحٌ / ولقد تكون وأنت غيرُ ملوم
اما مُقامُك فهو غيرُ منازعٍ / ومدى حجاك فليس بالمكتوم
سايرتُ حكمَك ناقماً ووجدتُني / بازاء شهمٍ في الخصام حليم
رحبٍ بنقد خصومه متفتحٍ / بالبشر آونةً وبالتفهيم
يُعطيهِمُ نَصَفاً ويعلمُ أنّه / رجلٌ يَسوس وليس بالمعصوم
ياسين إن خسارةً أن يغتدي / ذاك الدماغُ الفذُّ محضّ رميم
وفجيعةٌ أن نبتغيك فلا تُرى / لجلاء جوٍّ بالبلاد مَغيم
يا درعَ مملكةٍ متينٍ نسجُها / وحسامَ مُلْكٍ ليس بالمثلوم
إن العراقَ وقد نُعيت موكِّلٌ / مما دهاه يمُقْعِدٍ ومقيم
إنا فقدنا يومَ فقدِك كوكبا / ما ان تعوِّضُ عنه غُرُّ نُجوم
لله طِبُّك في السياسة إنه / رَوْح الوَنَى ودواءُ كلّ سقيم
كم فترة دهتِ العراقَ عصيبةٍ / فرّجَتها بدهائك المعلوم
لله درُّك أيَّ زعزعِ عاصفٍ / فيما تدبّرُهُ وأيَّ نسيم
تعلوك سيماءُ الخليِّ جلادةً / ولقد تكونُ نموذجَ المهموم
كنتَ الحفيظَ على السياسة داعماً / ركنَ المُفاوضِ أيَّما تدعيم
قسطاسَ حكمٍ كان حلمُك وحده / نِعْمَ الضمانُ عن انزلاقِ حُلوم
فيما يولّد حرُّ رأيك تَتّقي / نزواتِ رأيٍ يستجدّ عقيم
كم موقفٍ معصوصبٍ متلابس / جَلّى وكم داءٍ به محسوم
كنت المضيءَ سبيلَ كلِّ عَميّةٍ / تَيَهْاءَ تعتورُ البلادَ بهيم
صُلبَ العقيدةِ لا يردُّك حادثٌ / في كل ما تَبْني عن التصميم
واذا البلادُ تفرّقت آراؤها / شِيعاً بلا نَهْجٍ لها مرسوم
أطلعتَ رأيك بينها فتطايحت / لك عن مكانِ السيدِ المخدوم
كنا إذا ضاق الخِناقُ وحَشْرَجَتْ / نَفْسٌ بغيظٍ حانقٍ مكظوم
وبدا لنا الدستورُ وهو مخلَّعٌ / عريانَ غيرَ تستُّرٍ مزعوم
لذنا بياسينٍ فكانت قوةٌ / جبارةٌ في وجه كلِّ غَشوم
واليومُ نخشى أن يَضيعَ توازُنٌ / في الكِفَّتَيْنِ وأنت غيرُ مقيم

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025