المجموع : 24
بالأمس بادرني صد
بالأمس بادرني صد / يق حائر يستفهمُ
أجهنّم نار كما / زعم الهداة و علّموا
أم زمهرير قارس / قاس و كون مظلمُ
فأجببته ما الزمهر / ير و ما اللّظى المتضرّم
بجهنّم لكنّما / أن لا تحبّ جهنّم
يا صاحبي إنّ الخوا / ء هو العذاب الأعظم
القلب إلاّ بالمحـ / ـبّة منزل متردّم
هي للجراحة مرهم / هي للسعادة سلّم
هي في النجوم تألّق / هي في الحياة ترنّم
هي أنفس العشّاق في / غسق الدّجى تتبسّم
قال السماء كئيبة وتجهما
قال السماء كئيبة وتجهما / قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما
قال: الصبا ولى! فقلت له: ابتسم / لن يرجع الأسف الصبا المتصرما
قال: التي كانت سمائي في الهوى / صارت لنفسي في الغرام جهنما
خانت عهودي بعدما ملكتها / قلبي فكيف أطيق أن أتبسما
قلت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها / لقضيت عمرك كله متألما
قال: التجارة في صراع هائل / مثل المسافر كاد يقتله الظما
أو غادة مسلولة محتاجة / لدم و تنفث كلما لهثت دما !
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها / وشفائها فإذا ابتسمت فربما
أيكون غيرك مجرما. و تبيت في / وجل كأنك أنت صرت المجرما ؟
قال: العدى حولي علت صيحاتهم / أَأُسر و الأعداء حولي في الحمى ؟
قلت: ابتسم لم يطلبوك بذمهم / لو لم تكن منهم أجل و أعظما !
قال: المواسم قد بدت أعلامها / و تعرضت لي في الملابس و الدمى
و علي للأحباب فرض لازم / لكن كفي ليس تملك درهما
قلت: ابتسم يكفيك أنك لم تزل / حيا و لست من الأحبة معدما!
قال: الليالي جرعتني علقما / قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنما / طرح الكآبة جانبا و ترنما
أتُراك تغنم بالتبرم درهما / أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما ؟
يا صاح لا خطر على شفتيك أن / تتثلما و الوجه أن يتحطما
فاضحك فإن الشهب تضحك و الدجى / متلاطم و لذا نحب الأنجما !
قال: البشاشة ليس تسعد كائنا / يأتي إلى الدنيا و يذهب مرغما
قلت ابتسم مادام بينك و الردى / شبر فإنك بعد لن تتبسما
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما / وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها / لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا / أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً ؟ / أو من يثيبُ البلبل المترنما ؟
عُدَّ الكرامَ المحسنين وقِسهمُ / بهما تجد هذين منهم أكرما
ياصاحِ خُذ علم المحبة عنهما / إني وجدتُ الحبَّ علما قيما
لو لم تَفُحْ هذي وهذا ما شدا / عاشتْ مذممةً وعاش مذمما
فاعمل لإسعاد السِّوى وهنائهم / إن شئت تسعد في الحياة وتنعما
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا / لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
كم تشتكي و تقول إنّك معدم
كم تشتكي و تقول إنّك معدم / و الأرض ملكك و السما و الأنجم
و لك الحقول وزهرها و أريجها / و نسيمها و البلبل المترنّم
و الماء حولك فضّة رقراقة / و الشمس فوقك عسجد يتضرّم
و النور يبني في السّفوح و في الذّرى / دورا مزخرفة و حينا يهدم
فكأنّه الفنّان فيها عابثا / آياته قدّام من يتعلّم
و كأنّه لصفائه و سنائه / نهر تعوم به الطّيور الحوّم
هشّت لك الدّنيا فما لك واجما / و تبسّمت فعلام لا تتبسّم
إن كنت مكتئبا لعزّ قد مضى / هيهات يرجعه إليك تندّم
أو كنت تشفق من حلول مصيبة / هيهات يمنع أن تحلّ تجهّم
أو كنت جاوزت الشّباب فلا تقل / شاخ الزّمان فإنّه لا يهرم
أنظر فما تطلّ من الثّرى / صور تكاد لحسنها تتكلّم
ما بين أشجار كأنّ غصونها / أيد تصفّق تارة و تسلّم
و عيون ماء دافقات في الثّرى / تشفي السقيم كأنّما هي زمزم
و مسارح فقتن النسيم جمالها / فسرى يدندن تارة و يهمهم
فكأنّه صبّ بباب حبيبة / متوسّل مستعطف مسترحم
و الجدول الجذلان يضحك لاهيا / و النرجس الولهان مغف يحلم
و على الصعيد ملاءه من سندس / و على الهضاب لكلّ حسن ميسم
فهنا مكان بالأريج معطّر / و هناك طود بالشّعاع مهمّم
صور و أيات تفيض بشاشة / حتّى كأنّ الله فيها يبسم
فامش بعقلك فوقها متفهّما / إنّ الملاحة ملك من يتفهّم
أتزور روحك جنّة فتفوقها / كيما تزورك بالظنون جهنّم ؟
و ترى الحقيقة هيكلا متجسّدا / فتعافها لوساوس تتوهّم
يا من يحنّ إلى غد في يومه / قد بعث ما تدري بما لا تعلم
قم بادر اللّذّات فواتها / ما كلّ يوم مثل هذا موسم
واشراب بسرّ حصن سرّ شبابه / وارو أحاديث المروءة عنهم
المعرضين عن الخنا فإذا علا / صوت يقول : " إلى المكارم " أقدموا
الفاعلين الخير لا لطماعة / في مغنم إنّ الجميل المغنّم
أنت الغنيّ إذا ظفرت بصاحب / منهم و عندك للعواطف منجم
رفعوا لديهم لواء عاليا / و لهم لواء في العروبة معلم
إن حاز بعض النّاس سهما في العلى / فلهم ضروب لا تعدّ و أسهم
لا فضل لي إن رحت أعلن فضلهم / بقصائدي إنّ الضحى لا يكتم
لكنّني أخشى مقالة قائل / هذا الذي يثني عليهم منهم
أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم / لا تقبح الدّنيا و فيها أنت
تلك المنازل كيف حال مقيمها
تلك المنازل كيف حال مقيمها / أنّا قنعنا بعدها برسومها
تمشي على صور الطيور لحاظنا / نشوى كمن يصغى إلى ترنيمها
و نكاد نعشق في الأزاهير الدمى / أزهارها و نحسّ نفخ شميمها
نشتاقها في بؤسنا و نعيمنا / و نحبّها في بؤسها و نعيمها
لولا الخيال يعين أنفسنا لمّا / سكنت و لم يهدأ صراخ كلومها
و لكان شهد الأرض في أفواهنا / و هو اللّذيذ أمرّ من زقّمها
يا حاملا في نفسه و حديثه / أحلام أرزتها و لطف نسيمها
حدّث بنيها شيخهم و فتاهموا / عن ليث غابتها و ظبي صريمها
خبّرهم أنّ الكواكب لم تزل / تحنو على العشّاق بين كرومها
ما زال بلبلها يغنّي للربى / و السّحر تنفثه لواحظ ريمها
و الريح تلتقط الشّذى و تذيعه / من شيحها طورا و من قيصومها
و هضابها يلبسن عسجد شمسها / حينا و أحيانا لجين نجومها
و الفجر يرقص في السهول و في الذرى / متمهّلا فتهشّ بعد وجوهما
إن بدّلت منها التخوم فإنّها / ما بدّلت و الله غير تخومها
حدّثهم عن ليلها و نجومها / و عن الهوى في ليلها و نجومها
و عن الشّطوط الحالمات بعوده / للغائبين و رجعة لنعيمها
و عن الروابي الشاخصات إلى السما / ألعالقات رؤوسها بغيومها
فكأنّها سحب هوت من حالق / ورست على وجه الثّرى بهمومها
و عن الحياة جميلها و قبيحها / و عن النفوس صحيحها و سقيمها
و عن الألى ملكوا فلم يتورّعوا / عن سلب أعزلها و ظلم يتيمها
و عن الثعابين التي في أرضها / و عن الذئاب العصل خلف تخومها
ألجاهليّة آه من أصنامها / بوركت يا من جدّ في تحطيمها
و الطائفيّة أنت أوّل معول / في سورها ثابرعلى تهديمها
حتّى تعود وواحد أقنومها / و يحلّ روح الله في أقنومها
قل للشبيبة أن تبين وجودها / و تعزّ أنفسها بهون جسومها
كم ذا تشعّ و لا تضيء علومها / سرج الظلام إذن جليل علومها
يا واحد منها يحمّل نفسه / آلام عانيها وليل سليمها
إن أكرمتك نفوسنا في ليلة / فلكم قضيت العمر في تكريمها
ما عزّ من لم يصحب الخذما
ما عزّ من لم يصحب الخذما / فأحطم دواتك واكسر القلما
وارحم صباك الغضّ إنّهم / لا يحملون وتحمل الألما
كم ذا تناديهم وقد هجعوا / أحسبت أنّك تسمع الرّمما
ما قام في آذانهم صمم / وكأنّ في آذانهم صمما
القوم حاجتهم إلى همم / أو أنت مّمن يخلق الهمما؟
تاللّه لو كنت ((ابن ساعدة)) / أدبا ((وحاتم طيء)) كرما
وبذذت ((جالينوس)) حكمته / والعلم ((رسططا ليس)) والشّيما
وسبقت ((كولمبوس)) مكتشفا / وشأوت ((آديسون)) معتزما
فسلبت هذا البحر لؤلؤه / وحبوتهم إيّاه منتظما
وكشفت أسرار الوجود لهم / وجعلت كلّ مبعّد أمما
ما كنت فيهم غير متّهم / إني وجدت الحرّ متّهما
هانوا على الدّنيا فلا نعما / عرفتهم الدّنيا ولا نقما
فكأنّما في غيرها خلقوا / وكأنّما قد آثروا العدما
أو ما تراهم كلّما انتسبوا / نصلوا فلا عربا ولا عجنا
ليسوا ذوي خطر وقد زعموا / والغرب ذو خطلر وما زعما
متخاذلين على جهالتهم / إنّ القويّ يهون منقسما
فالبحر يعظم وهو مجتمع / وتراه أهون ما يرى ديما
والسّور ما ينفكّ ممتنعا / فإذا يناكر بعضه نهدما
والشّعب ليس بناهض أبدا / ما دام فيه الخلف محتكما
يا للأديب وما يكابده / في أمّة كلّ لا تشبه الأمما
إن باح لم تسلم كرامته / والإثم كلّ إن كتما
يبكي فتضحك منه لاهية / والجهل إن يبك الحجى ابتسما
جاءت وما شعر الوجود بها / ولسوف تمضي وهو ما علما
ضعفت فلا عجب إذا اهتضمت / اللّيث لولا بأسه اهتضما
فلقد رأيت الكون سنّته / كالبحر يأكل حوته البلما
لا يرحم المقدام ذا خور / أو يرحم الضّرغامه الغنما؟
يا صاحبي وهواك يجذبني / حتّى لأحسب بيننا رحما
ما ضرّنا والودّ ملتئم / أن لا يكون الشّمل ملتئما
النّاس تقرأ ما تسطّره / حبرا ويقرأه أخوك دما
فاستبق نفسا غير مرجعها / عضّ الأناسل بعدما ندما
ما أنت مبدلهم خلائقهم / حتّى تكون الأرض وهي سما
زارتك لم تهتك معانيها / غرّاء يهتك نورها الظّلما
سبقت يدي فيها هواجسهم / ونطقت لما استصحبوا البكما
فإذا تقاس إلى روائعهم / كانت روائعهم لها خدما
كالرّاح لم أر قبل سامعها / سكران جدّ السّكر محتشما
يخد القفار بها أخو لجب / ينسي القفار الأنيق الرسما
أقبسته شوقي فأضلعه / كأضالعي مملوءة ضرما
إنّ الكواكب في منازلها / لو شئت لاستنزلتها كلما
صوت سوريا الجميلة
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لا عب مثل النسيم
يا أخا الورقاء غنِّ / فالغنا شعر السماء
فهو في الغصن تئنّي / وهو في النجم بهاء
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
غنّنا حتّى نميلا / مثل أغصان الأراك
كم بنا صبا عليلا / لا يداويه سواك
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
أيّها المحزون هيّا / واسمع اليوم الكنار
ساجعا سجعا شجيّا / ذاكرا تلك الديار
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
ليتنا كنّا طيورا / حول عين أو غدير
نرشف الماء نميرا / نلقط الحبّ النثير
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
موطن نهوى سهوله / مثلما نهوى رباه
الصّبا فيه عليله / تتداوى بنداه
كم بدا البدر ضحوكا / راقصا فوق الكروم
واستوى اللّيل ممليكا / لابسا تاج النّجوم
صوت سوريا الجميلة / صوتك العذب الرخيم
ضاحك مثل الخميلة / لاعب مثل النسيم
تركت النّجم مثلك مستهاما
تركت النّجم مثلك مستهاما / فإن تسه سها أو نمت ناما
بنفسك لوعة لو في الغوادي / لصارت كلّ ماطرة جهاما
وفيك صبابة لو في جماد / لأشبه دمعك الجاري انسجاما
هوى بك في العظام له دبيب / أشابك وهو لم يبرح غلاما
يظنّ اللّيل يحوي فيك شخصا / وما يحوي الدّجى إلاّ عظاما
نفيت الغمض عن جفنيك يأتي / كأنّك واصل فيه الملاما
أتأرق ثمّ ترجو الطّيف يأتي / شكاك الطّيف لو ملك الكلاما
شجتك النّائحات بجنح ليل / فبت تساجل النّوح الحماما
لكدت تعلّم الطّير القوافي / وكدت تعلّم اللّيل الغراما
إذا ذكر الشّآم بكيت وجدا / وما تنفك تدّكر الشّآما
وكنت سلوته إلاّ قليلا / وكنت هجرته إلاّ لماما
رويدك أيّها اللاّحي رويدا / لك الويلات ليت سواك لاما
أأرقد والخطوب تطوف حولي / وأقعد بعدما الثقلان قاما
ويشقى موطني وأنام عنه / إذًا من يدفع الخطر الجساما
بلادي لا عرا شرٌّ بلادي / ولا بلغ العدى منها مراما
لبست اللّيل إشفاقا عليها / وإن شاءت لبست لها القتاما
وقفت لها البراع أذبّ عنها / فإن يكهم وقفت لها الحساما
سقى قُطرَ الشّآم القَطرُ عني / وحيا أهله الصّيد الكراما
دوت صياحهم في كلّ صقع / فكادت تنشر الموتى الرماما
وتطبع في المحيّا الجهم بشرا / وتغلق في فم الثّكلى ابتساما
فحوّلت القنوط إلى رجاء / وصيّرت الونى فينا اعتزاما
غدونا كلّما ذكروا طربنا / كأن بنا المعتّقة المداما
ولم أر كالضّمير الحرّ فخرا / ولم أر كالضّمير العبد ذاما
إذا غاب الذّليل النّفس عني / نظرت إلى الذي حمل الوساما
إذا جاب الكلام علّي عارا / هجرت النّطق أحسبه حراما
وأجفو القصر يلزمني هوانا / وأهوى العزّ يلزمني الحماما
رجال التّرك ما نبغي انتقاضا / لعمركم ولا نبغي انتقاما
ولكنّا نطالبكم بحقّ / ونكره من يريد لنا اهتضاما
حملنا نير ظلمكم قرونا / فأبلاها وأبلانا وداما
رعيتم أرضنا فتركتموها / إذا وقع الجراد رعى الرّغاما
فبات الذّئب يشكوكم عواء / وبات الظّبي يشكوكم بغاما
جريتم (بالهلال) إلى محاق / ولولا جهلكم بلغ التّماما
وكنتم كلّما زدنا ليانا / لنسير غوركم زدتم عراما
فما راقيتم فينا جوارا / ولا حفظت لنا يدكم ذماما
أثرتم بيننا الأحقاد حتّى / ليقتل بعضنا بعضا خصاما
وشاء اللّه كيدكم فبتنا / كمثل الماء والخمر التئاما
فجهلا تبعثون الرّسل فينا / نديف لنا مع الأري السّماما
سنرمقهم إذا طلعوا علينا / كأنّا نرمق الدّاء العقاما
فإنّ عرى سددناها وثاقا / نموت ولا نطيق لها انفصاما
خف التّركي يحلف بالمثاني / وخفه كلّما صلّى وصاما
ومن يستنزل الأتراك خيرا / كمن يستقبس الماء الضّراما
هم نزعوا لواء الملك منّا / ونازعنا طغامهم الطّعاما
وقالوا: نحن للإسلام سور / وإنّ بنا الخلافة (والإماما)
فهل في دين أحمد أن يجوروا / وهل في دين أحمد أن نضاما؟
إلى كم يحصرون الحكم فيهم / وكم ذا يبتغون بنا احتكاما
ألسنا نحن أكثرهم رجالا / إذا عدوا وأرفعهم مقاما
إذا طلعت ذكاء فليس تخفى / ولو حاكوا الظّلام لها لثاما
مخوّفنا المثقّفة العوالي / لقد هدّدت بالجمر النّعاما
سنوقدها تعير الشّمس نارا / ويعيي أمرها الجيش اللّهاما
وعلم المرء أنّ الموت آت / يهون عنده الموت الزّؤاما
يا ربّ ليل بلا سناء
يا ربّ ليل بلا سناء / كأنّما بدره يتيم
مشى به اليأس في الرّخاء / كأنّه النار و الهشيم
ليت الدّجى رقّ للمحبّ / أو ليت لي مهجة حجر
أقضّ هذا الفراش جنبي / كأنّ في مضجعي الإبر
هل بك يا نجم مثل كربي / أم أنت من طبعك السّهر
سهرت شوقا إلى ذكاء / أم عندك المقعد المقيم
أبكي و تصغي إلى البكاء / يا ربّ هل تعشق النجوم
قد نال فرط السّهاد منّي / و اشتاق طرفي إلى الهجوع
و قرّح الجفن ماء جفني / في الحبّ ما فاض من دموعي
و شاب رأسي من التّجنّي / ياليت ذا الشّيب في الولوع
لعلّ في سلوتي شفائي / هيهات . داء الهوى قديم
ما يحسب الناس في ردائي ؟ / في بردتي هيكل رميم !
قد طال يا ليل فيك صبري / و أشبهت ساعك القرونا
فقل لهذي النجوم تسري / أو إسأل الصّبح أن يبينا
و إن تشأ أن تكون قبري / فكن كما شئت أن تكونا
في سكون إلى البلاء / قد يألف العلّة السّقيم
من كان في قبضة الهواء / هان على نفسه النّسيم !
قرّب بين الضّنى و جسمي / ما أبعد النّوم عن جفوني
يا ليل فيك الرّقاد خصمي / يا ليل ما فيك من معين
سوى شج همّه كهمّي / ينشد و اللّيل في سكون !
أيمرح البوم في الخلاء / و تمسك البلبل الهموم ؟
هذا ضلال من القضاء / فلا تلمني إذا ألوم
سا سيّد المنشدين طرّا / و صاحب المنطق المبين
لو كنت بوما أو كنت نسرا / ما بتّ في أسرك المهين
خلقت لما خلقت حرّا / فزجّك الحسن في السّجون
و أطلق البوم في الفضاء / زعم الورى أنّه دميم
و أنّه غير ذي رواء / و لا له صوت الرّخيم !
تيّمك الروض فيه حتّى / تخذت باحاته مقاما
رأيت فيه النعيم بحتا / و لم تر عنده الأناما
مدّوا الأحابيل فيه شتّى / أقلّها يجلب الحماما
لو كنت كالبوم في الجفاء / ما صادك المنظر الوسيم
أصبحت تبكي من الشّقاء / ليضحك الآسر المضيم !
و المرء وحش فإن ترقّى / أصبح شرا من الوحوش
فخفه حرّا و خفه رقّا / و خفه ملكا على العروش
فالشرّ في الناس كان خلقا / و أيّ طير بغير ريش ؟
ما قام فيهم أخو وفاء / يحفظ عهدا و لا رحيم
فكلّ مستضعف مرائي / و كلّ ذي قوّة غشوم !
إن كان للوحش من نيوب / فالناس أنيابهم حديد
ما كان و الله للحروب / لولا بنو آدم وجود
لو امّحى عالم الخطوب / لقام منهم لها معيد
قد نسبوا الظلم للسماء / و كلّهم جائر ظلوم
لم يخل منه أخو الثّراء / و لا الفتى البائس العديم
أعجب ما في بني التراب / قتالهم فوقه عليه
قد صيّر و الأرض كالكتاب / و انحشروا بين دفّتيه
و استعجلوا الموت بالعذاب / و كلّهم صائر إليه
ما خاب داع إلى العداء / و لم يفز ناصح حكيم
ما رغب الناس في الفناء / لكنّما ضاعت الحلوم !!
لو لم يك الظلم في الطّبائع / ما استنصر العاجز العداله
لو عدلت فيهم الشرائع / ما استحدثوا للقتال آله
عجبت للقاتل المدافع / جزاؤه الموت لا محاله
لكنّما سافكو الدماء / يوم الوغى قادة قروم
و هكذا المجرم الدائي / في عرفهم فاتح عظيم !
أقبح من هذه الضّلاله / أن يحكم الواحد الألوفا
و يدّعي الفضل و النّباله / من يسلب العامل الرّغيفا
يا قوم ما هذه الجهالة / قد حان أن تنصفوا الضّعيفا
فراقبوا ذمّة الإخاء / و لتنس أحقادها الخصوم !
لا تتبعوا سنّة البقاء / فإنّها سنّة ظلوم !
ماذا جنيت عليهم أيّها القلم
ماذا جنيت عليهم أيّها القلم / و الله ما فيك إلاّ النّصح و الحكم
إنّي ليحزنني أن يسجنوك وهم / لولاك في الأرض لم تثبت لهم قدم
خلقت حرّرا كموج البحر مندفعا / فما القيود و ما الأصفاد و اللّجم ؟
إن يحسبوا الطائر المحكّى في القفص / فليس يحبس منه الصوت و النّغم
الله في أمّة جار الزمان بها / يفنى الزمان و لا يفنى لها ألم
كأنّما خصّها بالذّلّ بارئها / أو أقسم الدهر لا يعلو لها علم
مهضومة الحقّ لا ذنب جنته سوى / أنّ الحقوق لديها ليس تنهضم
مرّت عليها سنون كلّها نقم / ما كان أسعدها لو أنّها نعم ؟
عدّوا شكايتها ظلما و ما ظلمت / و إنّما ظلموها بالذي زعموا
ما ضرّهم أنّها باتت تسائلهم / أين المواثيق أين العهد و القسم ؟
أما كفى أنّ في آذانهم صمما / حتّى أرادوا بأن ينتابها الصّمم ؟
كأنّما سئموا أن لا يزال بها / روح على الدّه لم يظفر بها السّأم
فقيّدوها لعلّ القيد يكتها / و عزّ أن يسكت المظلوم لو علموا
و أرهقوا الصّحف و الأقلام في زمن / يكاد يعبد فيه الطرس و القلم
أن يمنعوا الصحف فينا بثّ لوعتنا / فكلّنا صحف في مصر ترتسم
إنّا لقوم لنا مجد سنذكره / ما دام فينا لسان ناطق و فم
كيف السبيل إلى سلوان رفعتنا / و هي التي تتمنّى بعضها الأمم ؟
يأبى لنا العزّ أن نرضى المذلّة في / عصر رأينا به العبدان تحترم
للموت أجمل من عيش على مضض / إنّ الحياة بلا حريّة عدم
ما زلت أنّ أحسب الحبّ زايلني
ما زلت أنّ أحسب الحبّ زايلني / حتّى نظرت إليها و هي تبتسم
فاهتزّ قلبي كما تهتزّ نابتةٌ / في القفر مرّ عليها النّور و النسم
يا حبّها لا تخف شيبا و لا هرما / فليس يقوى عليك الشيب و الهرم
أشقى البريّة نفسا صاحب الهمم
أشقى البريّة نفسا صاحب الهمم / و أتعس الخلق حظّا صاحب القلم
عاف الزّمان بني الدنيا و قيّده / و الطير يحبس منها جيّد النغم
و حكّمت يده الأقلام في دمه / فلم تصنه و لم يعدل إلى حكم
فيا له عاشقا طاب الحمام له / إن المحبّ لمجنون فلا تلم
لكلّ ذي همّة في دهره أمل / و كلّ ذي أمل في الدهر ذو ألم
ويل اللّيالي لقد قلّدنني ذربا / أدنى إلى مهجتي من مهجة الخصم
ما حدّثتني نفسي أن أحطّمه / إلاّ خشيت ععلى نفسي من الندم
فكلّما قلت زهدي طارد كلفي / رجعت و الوجد فيه طارد سأمي
يأبى الشّقاء الذي يدعونه أدبا / أن يضحك الطرس إلاّ إن سفكت دمي
لقد صحبت شبابي و اليراع معا / أودى شبابي فهل أبقي على قلم
كأنّما الشعرات البيض طالعة / في مفرقي أنجم أشرقن في الظلم
تضاحك الشيب في رأسي فعرّض بي / ذو الشّيب عند الغواني موضع التهم
فكلّ بيضاء عند الغيد فاحمة / و كلّ بيضاء عندي ثغر مبتسم
قل للتي ضحكت من لمّتي عجبا / هل كان ثمّ شباب غير منصرم
أصبحت أنحل من طيف و أحير من / ضيف و أسهر من راع على غنم
و ليلة بتّ أجني من كوكبها / عقدا كأنّي أنال الشّهب من أمم
لا ذاق جفني الكرى تنال يدي / ما لا يفوز به غيري من الحلم
ليس الوقوف على الأطلال من خلقي / و لا البكاء على ما فات من شيمي
لكنّ ( مصرا ) و ما نفسي بناسبه / مليكة الشّرق ذات النيل و الهرم
صرفت شطر الصّبا فيها فما خشيت / نفسي العثار º و لا نفسي من الوصم
في فتنة كالنّجوم الزهر أوجههم / ما فيهم غير مطبوع على الكرم
لا يقبضون مع اللّاواء أيديهم / و قلّما جاد ذو وفر مع الأزم
حسبي من الوجد همّ ما يخامرني / إلاّ و أشرقني بالبادر الشيم
في ذمّة الغرب مشتاق ينازعه / شوق إلى مهبط الآيات و الحكم
نا تغرب الشمس إلاّ أدمعي شفق / تنسى العيون لديه حمرة العنم
و ما سرت نسمات نحوها سحرا / إلاّ وددت لو أنّي كنت في النّسم
ما حال تلك المغاني بعد عاشقها / فانّني بعدها للهمّ و السّقم
جاد الكنانة عنّي وابل غدق / و إن يك النّيل يغنيها عن الديّم
الشرق تاج و مصر منه درّته / و الشرق جيش و مصر حامل العلم
هيهات تطرّف فيها عين زائرها / بغير ذي أدب أو غير ذي شمم
أحنى على الحرّ من أمّ على ولد / فالحرّ في مصر كالورقاء في الحرك
ما زلت و الدهر تنبو عن يدي يده / حتّى نبت ضلّة عن أرضها قدمي
أصبحت في معشر تقذي العيون بهم / شرّ من الدّاء في الأحشاء و التّخم
ما عزّ قدر الأديب الحرّ بينهم / إلاّ كما عزّ قدر الحيّ في الرّمم
من كلّ فظّ يريك القرد محتشما / و يضحك القرد منه غير محتشم
إذا بصرت به لا فاته كدر / رأيت أسمج خلق الله كلّهم
من الأعارب لكن حين أنشده / جواهر الشّعر ألقاه من العجم
ما إن تحرّكه همّا و لا طربا / كأنّما أنا أتلوها على صنم
لا عيب في منطقي لكن به صمم / إنّ الصوادح خرس عند ذي الصّمم
حجبت عن كلّ معدوم النّهى درري / إنّي أضنّ على الأنعام بالنعم
قوم أرى الجهل فيهم لا يزال فتى / في عنفوان الصّبا و العلم كالهرم
الأربعون لو انّها تتكلّم
الأربعون لو انّها تتكلّم / لروت لنا قصص العظائم عنكم
و لحدّثتنا اليوم عن أعشاشكم / طرتم بأجنحة المنى إذ طرتم
يوم الفراق كظمتم آلامكم / و أخفّ من ألم الفراق جهنّم
و بكى الأحبّة حولكم و جفونكم / تعصي البكا حزن الجبابر أبكم
أيد تودّع موطنا و عشيرة / و مطامح خلف البحار تسلّم
ضاقت على أحلامهم تلك القرى / فاخترتم الدنيا الوساع لتحلموا
و غزوتم الآفاق لا زاد لكم / إلاّ الصّبا المتوثّب المتضرّم
كاللّيث ليس سلاح في السّرى / مخالبه التي لا تلثم
تتخيّلون البحر شقّ لتعبروا / و انداح بين الشّاطئين لتسلموا
و الدّرّ مخبوءا لكم في قاعة / كي تخرجوه و تغنموا ما شئتم
و الموج 'ذ يطغى و يهدر حولكم / جوقا لطرد همومكم يترنّم
و إذا النجموم تألّقت تحت الدجى / خلتم لأجلكم تضيء الأنجم
و حسبتم شمّ الجبال سلالما / نصبت لكم كي تصعدوا فصعدتم
و الشمس منجم عسجد متكشّف / لذوي الطموح و أنتم أنتم هم
و لكم تلثّمت الحقائق بالرؤى / كالأرض يغشاها السراب الموهم
لتطلّ من أرواحنا أشواقها / فنطوف حول خدورها و نحوّم
لم تقنعوا كالخاملين بأنّكم / لكم شراب في الحياة و مطعم
لو أن تكون حياتكم كحياتهم / عبثا يموت به الوقار و يعدم
و تأففا في اللّيل و هو منوّر / و تبرّماا في الصّبح و هو تبسّم
لو أن يكون ترثكم كتراثهم / قصر عفا أو هيكل متردّم
و حديث أسلاف قد التحفوا الفنا / فهم سواء فقي القياس و جرهم
من يقترب من أمس يبعد عن غد / و يعش مع الموتى و يصبح منهم !
و كرهتم أن تنقضي أيامكم / شكوى لمن يرثي و من لا يرحم
أو أن يبيت على احضيض مقامكم / و الدود يزحف فوقه و الأرقم
فنفرتم كالنحل ما من زهرة / فيها جنى إلاّ و فيها مغنم
في كلّ شطّ مارد في كلّ طود / قشعم في كلّ واد ضيغم
المجد مطلبكم و أنتم سهّد / و المجد حلمكم و أنتم نوّم
لا شيء صعب عندكم حتى الردى / ألصعب عند نفوسكم أن تحجموا
يا بضعة من أمّةهي أمّة / في ذاتها ولها طراز معلم
فيكم جميع صفاتها و خلالها / و الروض يحويه عطورا قمقم
إنّ الألى الجهاد عليكم / علكوا مداركهم و لم يستطعموا ...
طلبوا السلامة في القعود ففاقهم / درك الثراء و بعد ذا لم يسلموا
هؤلاء دود القزّ أحسن منهم / و أجلّ في نظر الحياة و أفهم !
قالوا كهول قد تصرّم عصرهم / ليت الشّباب من الكهول تعلّموا !
إن لم تشيدوا كالأوائل " تدمرا " / أو " بعلبك ّ " فإنّكم لم تهدموا
و لكم غد و جماله و بهاؤه / و لكم من الأمس النفيس القيّم
حدثت نفسي و القطار يخبّ بي / عجلان يخترق الدذجى و يدمدم
فسألها مستفهما لربما / سأل العليم سواه عمّا يعلم
ما أحسن الأيّام ؟ قالت : يومكم ! / و النّاس ؟ فابتدرت و قالت : أنتم
و الدور ؟ قالت : دوركم . و المال / قالت : إنّ أحسنه الذي أنفقتم
و الحسن ؟ قالت : كلّ ما أحببتم / و الأرض ؟ قالت : أينما استوطنتم
ما كان أكمل يومكم و أتمّه / لو لم يكن في مهد عيسى مأتم
و كذا الحياة قديمها وحديثها / ذكرى نسرّ بها و ذكرى تؤلم
لمني إذا حلت عن عهودي
لمني إذا حلت عن عهودي / و لا تلمني على هيامي
ما كنت أخشى من المنايا / فكيف أخشى من الملام ؟
قد نزل الحبّ في فؤادي / ضيفا و لكن على الدوام
فبات قلبي له طعاما / وبتّ أنأى عن الطعام
أعدى غرامي النجوم حتّى / أسهرها في الدجى غرامي
لو تعرف الشمس ما للهوى لم / تبن لطرف من السّقام
أصاب سهم الفراق قلبي / و أخطأت قلبه سهامي
و كان خوفي من التنائي / خوف كفيف من ( التّرام )
إن فراق الحبيب عندي / أشدّ وقعا من الحمام
لو يبعد البعد عن حبيبي / ما عنّ يوما لمستهام
أنا إمام الذين هاموا / و أيّ قوم بلا إمام
فليس قبلي و ليس بعدي / و لا ورائي ولا أمامي
سيّرت في فجر الحياة سفيتني
سيّرت في فجر الحياة سفيتني / و اخترت " قلبي " أن يكون إمامي
فجّرت على الأمواج قصرا من رؤى / ملء الفضا ملء المدى المترامي
و أقلّ منها البحر حين أقلّها / دنيا من الأضواء و الأنغام
و مشى الخيال على الحياة بسحره / فإذا الهوى في الماء و الأنسام
و إذا الرّمال أزاهر فوّاحة / و الشّطّ هيكل شاعر رسّام
و إذا العباب ملاعب و مراقص / و إذا أنا من صبوة لغرام
أتلقّف اللّذّات غير محاذر / و أعبّ في الزلاّت و الآثام
لا أكتفي و أخاف أكتفي / فكأنّما في الاكتفاء حمامي
و كأنّ هدبي أن تطول ضلالتي / و كأنّ ربّي أن يدوم أوامي
مرّت بي الأعوام تتلو بعضها / و أنا كأنّي لست في الأعوام
كالموج ضحكي كالضّياء ترنّحي / كالفجر زهوي كالخضمّ عرامي
حتى إذا هتف المشيب بلمّتي / ودنت يد الماحي إلى أحلامي
صرخ " الحجى " بي ساخطا متهكّما : / " هذا الغنيّ شرّى من الإعدام "
" أسلمتني للقلب و هو مضلّل / فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" يا صاحبي أطلقني من سجن الرؤى / أنا تائه ! أنا جائع ! أنا ظامي !"
و أراد " عقلي " أن يقود سفيتني / للشطّ في بحر الحياة الطامي
فطويت أعلام الهوى و هجرتها / و نسيت حتّى أنّها أعلامي !
و حسبت آلامي انتهت لمّا انتهى / فإذا النهاية أعظم الآلام
و إذا الطريق مخاوف ووساوس / و إذا أنا من هبوة لقتام
أبغي الثراء و لم يكن من مطلبي / و أرى الجمال بناظر متعام
و أشيّد مثل الناس مجدا زائفا / و أشدّ حول الروح ثوب رغام
فإذا أنا و الأرض ملكي و السما / قد صرت عبد الناس عبد حطامي
فتضايق القلب السجين و قال لي : / " يا أيّها الجاني قتلت هيامي ! "
" ألقفر بالأحلام روض ضاحك / فإذا تلاشت فالرياض مومي "
" أين العيون تذيبني حركاتها / و تموت في سكناتها آلامي "
" و أطلّ من أهدابهاا السكرى على / ظلّ و أنداء وزهر نام "
" لمّا عصاني أن أشبّ ضرامها / أعيا عليها أن تشبّ ضرامي "
" ألخمر ملء الجام لكن قد مضى / شوقى إلى الخمر التي في الجام "
" أسلمتني " للعقل " و هو مضلّل / فأضرّني و أضرّك استسلامي "
" أنظر ألست تراك في أوهامه / أشقى و أتعس منك في أوهامي ؟ "
" ألمال ! من ذا يشتريه كلّه / منّي بليل صبابة و غرام ؟ "
" يا صاحبي أطلقني من سجن النهى / أنا تائه ! أنا جائه ! أنا ظامي "
لا تسألوني اليوم عن قيثارتي / قيثارتي خشب بلا أنغام !
يا شاعرا غنّي فردّ لي الصّبا / فإذا مواكبه تسير أمامي
إنّا التقينا في الشباب و في الهوى / في حومتين الشعر و الإلهام
و سنلتقي و إن افترقنا في غد / في حبّ لبنان و حبّ الشام
و ستلتقي روحي وروحك بعدما / تفنى الهياكل في الإله السامي
أهلا بذي الأدب الصراح المصطفى / بالفاتح الرّوحيّ بالمقدام
بالشاعر الغرّيد في ألحانه / عبق الربيع و نضرة الأكمام
هو إن ذكرت الشعر من أمرئه / و إذا ذكرت المجد فهو عصامي
بات والكأس في الظلام
بات والكأس في الظلام / في حديث ولا كلام
هي في صمتها تضيء / وهو في صمته يضام
شاعر أنفق الصّبا / من غرام إلى غرام
ذاهل النفس بالرؤى / عن حطام وذي حطام
وعن الفقر والغنى / وعن الحرب والسلام
بالشفاه التي طفا / بين أهدابها الأوام
بالغواني تطيعه / والغواني لها احتكام
بالشّذى وهو فائح / والشذى وهو بالكمام
بالسحاب الذي يسحّ / وبالخادع الجهام
بالأغاريد والبلابل / والنور والخزام
حوله الكون في وغى / وهو والكون في وئام
ما له الآن وحده / ساكن العرق كالنيام
ساهر غير أنه / خادر الروح والعظام
صامت مثل كتبه / وكدنيا بلا أنام
أترى عضّه الطوى؟ / لا ففي بيته طعام
لم تزل كأسه لديه / وفي كأسه مدام
وله تضحك البروق / ويبكي الحبا السجام
وله ترتعي الكواكب / في مسرح الظّلام
وله تلبس الرّبى / برد النور والغمام
وله يعبق الشّذى / وله تعصر المدام
وله يلمع النّدى / وله يسجع الحمام
وله الغادة المليحة / والفارس الهمام
كلّها كلّها له / وعلى غيره حرام
وهو ساه كأنما / بسواها له مرام
وجهه غير وجهه / أم على وجهه لشام
كالتماثيل حوله / من نحاس ومن رخام
لا اكتئاب ولا رضّى / لا بكاء ولا ابتسام
ليله ما أمرّها / ليلة اليأس ألف عام
بقي الحسن إنما / مات في الشاعر الهيام
فإذا الكون عنده / جدث كلّه رمام
يا أيّها الشّرق التعيس انظر إلى الـ
يا أيّها الشّرق التعيس انظر إلى الـ / ـقوم الذين شددت أزرك فيهم
ما زلت تكلؤهم بطرف ساهر / يحيي الظلام و هم هجود نوّم
و الغرب يرنو خافا / أجدادهم و يودّ لو لم ينعموا
حتى إذا طرّت شواربهم و بات / من الشباب لهم طراز معلم
خرجوا عليك و أنت لا تدري و هم / لا يشعرون و لو دروا لتندّموا
يا طالما مثلوا لديك كأنّهم / أذد الشّرى فنسيت أنّك تحلم
ورجوت ما يرجوه كلّ أب لدى / أبنائه / أنّ العقوق مذمّم
و لطالما شدت القصور من المنى / خاب الرّجاء و ساء ما تتوهّم
ألهتهم الدّنيا فهذا بالطّلى / صبّ و هذا بالحسان متيّم
و الخمر فاتكة بناعم / ترف يكاد من النّسائم يسقم
قد أصبحوا وقفا على شهواتهم / يستسلمون لها و لا تستسلم
لم يفهموا معنى الحياة و كنهها / إنّ البليّة أنّهم لم يفهموا
فليقلعوا عن غيّهم إنّي أرى / خور الشيوخ بهم و لمّا يهرموا
قد قلّدوا الغربيّ في آفاقه / تقليده الشّرقيّ فيما يعصم
فتنتهم لغة الأعاجم إنّما / لغة الأعاجم منهم تتبرّم
أمسى الذي تهدى إليه لآليء / و كأنّما هو بالحجارة يرجم
لا تعذل الشعراء إن بخلوا به / إنّ القريض على الغبيّ محرّم
بتنا و بات الشّرق يمشي القهقرى / مع ذاك نحسب أنّنا نتقدّم
كمنجة ((الشوّا)) عليك السلام
كمنجة ((الشوّا)) عليك السلام / بهيكل الوحي وعرش الغرام
فيك التفت أرواح أهل الهوى / نجوى وشكوى وبكا وابتسام
وأودعت فيك الصّبا همسها / وخبّأ الأسرار فيك الظلام
وذاب فيك الحبّ ذوب الندى / في مبسم الورد وجفن الخزام
ردّي إلينا اليوم دنيا الرؤى / فإنّنا نشقى بدنيا الحطام
أجنحة الأشواق مقصوصة / أو موثقات والأماني رمام
قد انقضى العمر وأرواحنا / مفطومة بالحرص بئس الفطام
ننأى عن الحسن ونشتاقه / ونهجر الماء ونشكو الأوام
ويبعث الحقل إلينا الشّذى / ونحن لا ننشق إلاّ الرّغام
نسير والأضواء من حولنا / كأنّنا في هبوة أو قتام
والماء يجري حولنا كوثرا / ونحن نستسقي السحاب الجهام
ونسهر الليل لغير الهوى / ما تنفع اليقظة والقلب نام؟
حتى نسينا كيف لون الضحى / ولم نعد نذكر سجع الحمام
خير من اليقظة عندي الكرى / إن كانت الغبطة بنت المنام
خلنا الهوى ترجع أيّامه / لم يرجع الحبّ ولا المال دام
فيا فتى ((الشهباء)) يا شاعرا / قد رفع الفنّ لأسمى مقام
رجعت بالسحر وكان انطوى / وجئتنا بالوحي في غير جام
هذا عصير الوحي في آلة / خرساء يجري فتنا للأنام
فإن تجدنا حولها عكّفا / فالمنهل العذب كثير الزّحام
فدغدغ الأوتار لا تكترث / أنّ تذهب الفتنة بالاحتشام
سعادة الأنفس في نشوة / من صورة أو نغم أو مدام
وقل لمن يحذر أن يشتكي / ويحبس الدمع لئلاّ يلام
إسمع فهذا وتر نائح / وانظر فهذا خشب مستهام
نيويورك يا ذات البروج التي / سمت وطالت كي تمس الغمام
لن تبلغي واللّه باب السما / إلاّ بأوتار كنار الشآم
فاصغي إلى ألحانه لحظة / تحتقري كلّ صنوف الكلام
وتدركي أنّ قصور المنى / تبقى وتنهدّ قصور الرّجام
فرّحبي معْنا به واهتفي: / هذا أمير الفنّ هذا الإمام
صاحت الضفدع لما شاهدت
صاحت الضفدع لما شاهدت / حولها في الماء أظلال النجوم
يا رفاقي يا جنودي احتشدوا / عبر الأعداء في الليل التخوم
فاطردوهم واطردوا الليل معا / إنه مثلهم باغ أثيم
زعقة سار صداها في الدجى / فإذا الشطّ شخوص وجسوم
في أديم الماء من أصواتها / رعدة الحمى وفي الليل وجوم
مزّق الفجر جلابيب الدّجى / ومحا من صفحة الأرض الرسوم
فمشت في سربها مختالة / كمليك ظافر بين قروم
ثم قالت: لكم البشرى ولي / قد نجونا الآن من كيد عظيم
نحن لو لم نقهر الشّهب التي / هاجمتنا لأذاقتنا الحتوم
وأقامت بعدنا من أرضنا / في نعيم لم يجده في الغيوم
أيها التاريخ سجّل أننا / أمة قد غلبت حتى النجوم
ما وعظ الإنسان مثل الحمام
ما وعظ الإنسان مثل الحمام / فليتّعظ بالصّمت أهل الكلام
أفصح من كلّ فصيح بنا / هذا الذي أعياه ردّ السلام
إنّي أراه وهو صمته / أروع من جيش كبير لهام
نامت جفون سهرت للعلى / من قبل أن ينجاب جنح الظلام
وسكن الوّثاب في صدره / من قبل أن يدرك كلّ المرام
يا لهفة القوم على كوكب / لاح قليلا واختفى في الغمام
ولهفة الدّين على سيّد / كان يرّجى في الخطوب الجسام
وصاحب قد كان في صحبه / كالروض فيه أرج وابتسام
ما غاب عنّا وكأنّي به / يفصله عن صحبه ألف عام
من الذي يطفىء من بعده / في المهج الحرّى ذكي الضرام؟
من الذي يمسح دمع الأسى / وماسح الأدمع تحت الرغام؟
يا نائما مستغرقا في الكرى / خطبك قد أقلق حتى النيام
خبّر فإنّ القوم في حيرة / هل الرّدى فاتحه أم ختام
وهل صحيح أنّ كلّ المنى / يطحنها صرف الرّدى كالعظام ؟
وهل حقيق أنّ أهل العلى / والفضل بعد الموت مثل الطغام؟
أم بعد هذا يقظة حلوة / ينسى بها المرء الشقا والسّقام؟
ويصبح النابه في مأمن / من عنت المال وعيث الحسام؟
وتستوي الحالات في حالة / لا حيف فيها لا أذى لا انتقام؟
خبّر وحدّث كلّنا حائر / ذو الجهل منّا والأريب الهمام
لأيّما أمر يعيش الورى ؟ / لأيّما أمر يموت الأنام؟
وأين دار ليس فيها شقا / إن لمتكن هاتيك دار السلام؟
نم آمنا فالمرء بعد الردى / كالفكر لا يزرى به لا يضام