القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد زكي أبو شادي الكل
المجموع : 24
قَبَّلَ الأرض وناجاها هُياما
قَبَّلَ الأرض وناجاها هُياما / كشريدٍ عاد من منفى فَهاما
هام بالأم التي قد عقَّها / في ضلالٍ وغرورٍ وتعامى
وبكى مثل يتيم ضائع / لم يزل يذكر بؤسا وسقاما
ضل في الأوهام قبلا خاسرا / فتهاوى حين ظنَّوه تسامى
قال يا أمي كفاني أنني / لك أحيا ثم أفنى مُستهاما
أي روح غير روح منك لي / أو وجود غير معنى فيك داما
كل ما في الكون لا يشغلني / ولئن كان شباكا تترامى
عالم المجهولِ لم أغنمِ به / غيرَ أحلام أضَّلتني دواما
حينما عندك آيات كفت / نشوة العقل فتونا وُمداما
أنتِ بنت الشمس فهي جدَّةٌ / وكذا كنا شعاعا وضراما
ان عبدنا النور لم نأثم فما / كان غير الله نورا وسلاما
أو رجعت اليوم عبدا صاغرا / أتلقَّى عنك علما واحتكاما
فالأماني كلها في فسحة / لك أن ضاقت فما ضاقت نظاما
جَنَّتيِ أنت فان ضيعتها / حَّق أن أغدو في الذل حُطاما
واذا راعيتها في يقظة / لم تنم أصبحتُ للخلد لزاما
فاحتفت بي الأرض ثم ابتسمت / عن ربيع فاض بشرا وغراما
حلمت ولم أعلم أحلمىَ يقظةٌ
حلمت ولم أعلم أحلمىَ يقظةٌ / لروحيَ أم مالاح أضغاثُ أحلامِ
ولم أستطع تفسيره من تجاربي / ولا من مناجاتي لشهبٍ وأجرام
حلمت كأني في مجاهل غابة / مخاطرها خلفي وفوقي وقدامى
وكل أماني أن شوكاً أدوسه / وليس بصلٍ أو مخالبَ ضرغام
وليس حيالي غير نبت مُمرد / يردّد صيحات الوحوش لأوهامي
وغير خيالاتٍ وأشباح جنَّهِ / موسوسةٍ حتى تَعَّثر إقدامي
وقد أطبقَ الجو الثقيل كأنه / يحاول خنقي في تقننّ اجرام
يطل دمى الشوك العضوض مخاتلا / ويمسكه خوفي ويأسي وإحجامي
وهذي جموع للقرود صراخها / ينافس صرخات الرياح لإيلامي
وفي وحشتي فوجئت غير مؤمَّلٍ / بمسحة نور بدّدت كل إِظلامي
لعل ولىّ الله شربل قائدي / يطيب ما حولى وجسمي والهامي
تخيلته يمضى أمامي مباركا / فتنتفضُ الآياتُ من برهِ الهامي
فألفيت دُنيا غير غابٍ خشيته / مُرنقَّةً بالنور وِالعطر للظامي
تُغرد فيها الراقصات ملائكٌ / وفي كل ركن مُوحيات لأفهام
وأسرارها شتى ولكن تشرّبت / خوالجها أنداءُ عُشبٍ وآكامِ
تَضاحَك فيها الحسنُ وانجابَ شاعراً / خطيباً وكان النبعِ سمفوُن أنغام
وصار حنانُ الجو ينعش مهجتي / ويرعى تعلاتي رعاية أيتام
فقلت ولى الله سُّركض مُنقذي / فشكراً ولىَّ الله تعداد أيامي
وهل لك أن تُسدى لأمتى الهدى / وتنقذها من بؤسها الغامر الطامي
لأوثر هذا عن بقائَي سالما / وأهلي وأوطاني بضيمٍ وإعدام
فقال حرام أنَّ مثلك كادحا / يُضام ويُجزَى التيه ما بين ألغام
وأما بلاد تعبدُ العجل فاسقاً / فيركلها ركلاً مرارا بإحكام
وتنعم بالتضليلِ حتى كأنما / هَو أنٌ لها أن لا تعيش كأنعام
فما طاقتي أو عدل ربى وإن سما / لِيرَقىُ بها يوماً إلى عرشه السامي
أتاني كتاب الصديق العزيز
أتاني كتاب الصديق العزيز / عزيزاً كصاحبه المعلمِ
وليس التواضع إلا اعتزازاً / كما هبط اللحن للملهمِ
تنزه عن نزوةٍ للغرور / تَنُّزهَ باسمةِ الأنجم
وأشرق اخلاصُه بالحبورِ / حُبوري الذي صاغه عن فمي
فيا نعمةُ الحاج هذا وفائي / وفاؤك أحفظه في دمي
أبادلك الحب والعيدُ زاهٍ / ألسنا الى نوره ننتمى
وأقدر ما صُغتهُ للجمال / قرابينَ تسبح بالمغرم
ويُصغي إليها الآلهُ الطروب / فَيجبلها الروح في الآدمى
الأربعونَ صَدىَ فؤادي الدامي
الأربعونَ صَدىَ فؤادي الدامي / تمضى ولا تمضى بها آلامي
فِيمَ التجُّلدُ كالخُضابِ للمَّةٍ / نصلت وفيم السَّلم دون سلامِ
نفسي على حربٍ وبُعدُكَ كارثى / وعواطفي ثكلى عليك دوامى
ليست حروبُ الدهر في أَجرامه / أقسى وأفظعَ من عميقِ كلاَمى
في كل يوم بل بكل هنيهةٍ / هذا خيالك ما يزال أمامي
قلبي يحادُثه وأسمعُ صوَته / أدباً تَّنزهَ عن أذىً وخصام
مستغرقا فيما يقول كراهبٍ / مستغرقٍ بنوافح الإلهام
وجرت بلاغتهُ بحلو تسلسلٍ / كتسلسلِ الغدَران بالأنغامِ
وَحَوت وداعتهُ الترفع مثلما / حوت المرؤة عزّةَ المتسامى
يُدلى برائعة المعاني للنُّهى / وكأنَّها نَخبُ الشرابِ لظامى
إلاّ نُهاىَ فما يُبُّل ظَماؤه / وتردني الأحزانُ عن أوهامى
قد كنتَ لي مثلَ الجمال بما وَعَى / من فطنةٍ وعواطفٍ ومرامى
وُسمِّو أخلاقٍ وصحةِ بنيةٍ / عَّزت على الأرواح والأجسام
قد كنتَ لى الأملَ الجديد بحاضري / وبمقبلي فتبددت أعوامى
وحسبتُ في كف القضاء سعادي / فإذا الشقاء لديه فضلُ زمامي
يا للمصاب وقد تقَّنعَ ساخرا / بالحب والأمل العريض النامى
متظاهراً في الأصدقاء فَغَّرنا / هذا الشمولُ لبسمةِ الأّيام
حتى دُهِينا ذاهلينَ بخطبنا / في كل ما صُنَّاه من أحلام
وكأنّما تلك المواهبُ لم تكن / وكأنما الإنصاف جِدُّ حرِام
هذا طوافي حول قبركَ خاشعاً / أبكى كأنَّ الدمعَ من إحرامي
وأسيرُ فوق ثَرَاكَ لا مترفقاً / ورعاً فحسبُ بل الشهيدَ الدامى
أمشى كأنَّ جواهراً مبثوثةً / هذا الثرى فيردّني إقدامى
يا عقلُ لا تفكر فذاك ضلالةٌ / واخسأ وياعينَ الحبيب تَعامى
هذى عدالة عاَلمٍ مُتبجحٍ / بالشرّ بل عدل الآله السامى
هذا مآلُ الألمعية والهدَى / والنبلِ تحت جنادلٍ ورغام
هذى هي العقبىَ لأحلام الصبىَ / ونهايةُ الايمانِ والأحلام
كنا نُهيئُ كيف شئتَ معالماً / للعرس فانقلبت شهودَ حِمامِ
فلمت تركت الفاقديك تفجعوا / وهم الرجالُ عليك كالأيتامِ
لهفى بُنَّى وأنتَ بين نوابتٍ / نجمت عواطفَ لوعةٍ وغرام
رفَّت على ريح الغروب حزينةً / وتلهفت بمرارةٍ وأوام
ما كان أجدرَ منك بين جُموعنا / حّياً وأبعد منك عن نُّوامِ
غَدرَت بك الدنيا كأنَّك لم تكن / كنزاً لها بشبابهِ المقدام
أو أن لُطفك ما أمدَّ جمالها / بجماله وحنانه البسَّامِ
يا تاركي في لَوعةٍ لم يشفها / جَلدِى ولم يذهب بها إسلامي
دعني أزورك شاكياً ومُسائلاً / بل لاجئاص من لوعتي وضراميِ
على وعلك في التحادثِ نرتضى / بعضَ العزاءِ وأستقيه مُدامي
أي الحوادث جندلتك بِختلهَا / فُقتلتَ قتلَ الزهرِ في الأكمام
أي المظالم فرّقتك عن التي / قَدستَ للآباد لا الأعوام
أى الفواجع جُمِّعت في ليلةٍ / ظلماءَ قادتنا لدهر ظلام
حتى تنفستَ السموم مُسالما / ففقدتَ حين فقدُت كَّل سلامى
سأعيش ذكراك الحَّب وكلُّنا / ذاك المحُّب على مدى أيامى
وأجئ زائركَ الوفَّى كأنني / لم افتقدكَ ولم يكن إلمامي
على بحبي واندماجي أشتفى / بعضَ الشفاءِ ويهتدى لوَّامى
وأنالُ ثأرى من زمانٍ فاجرٍ / فَلذَاك أكرمُ لي من استسلامي
أهل الحميةِ والحميةُ أنتمو
أهل الحميةِ والحميةُ أنتمو / لا تفعلوا فعلاً يلوثه الدمُ
هيهاتَ للعربِ الكرامِ برشدِهِم / أَن يستبيحوا ما يهون ويُذمَمُ
الخائفون اللاجئون إليكمو / زحفت عليهم في الجنانِ جهنمُ
وفدوا عليكم تحت راية حُبِّهم / وولائهم متبتلين وَأحرمُوا
جعلوا بكم آمالهم وتطلعوا / لحنانكم من بَعدِ ما قد أعَدمُوا
وتسابقوا ليدّعموا لفخاركم / مُلكاً ولو فيه الأشُّم المدعَمُ
أيقالُ أنتم خاذلوهم بعدَما / أنسوا إليكم صادقين وأسلموا
أيقالث قد أخَذ البرئُ بظلكِّم / ظُلماً بما صنعَ الخبيثُ المجرمُ
ما هذهِ شيمُ العروبةِ بل نرى / شيمَ العروبةَ كُلَّها يُستلهمُ
إن يجزع الاردن فهو بحزنه / مرآةُ أحزانٍ طفحنَ تُعمَّمُ
والحزنُ بالصبر الجميل مقامُه / أسمى من الحزن الذي يتجهَّمُ
شَقيت فلسطينُ العزيزةُ حقبةً / وبكلِّ جُرحٍ غائرٍ منها فَمُ
لا ترجموَها من جريرةِ مُذنبٍ / والمحسنون جموعُها لم يأثموا
جَادُوا بلا من بكلِّ يتيمةٍ / في الفكرِ حين تعَّذبوا وتيتموا
جادوا بما غَذَّى القلوب نبيلةً / وَهُمُ الجياعُ ونُبلهم لا يُهزمَ
سَكنوا العراءَ مع الصخور فروِّعَت / خجلاً وأشفقت الصخورُ عليهمو
هم بِضعةٌ منا فإن لم نَحمهم / فالعارُ يومَ مصابهم أن يرجَموا
أبا جرير برغمي أن تَخَّط يدي
أبا جرير برغمي أن تَخَّط يدي / هذا العزاءَ ويبكى عاثراً قلمي
وما أجاملُ في شعري بتعزيتي / فإنَّ حُزَنك من حُزني ومن أَلَميِ
إنَّا جميعاً حيارى ركبُ قافلةٍ / تمشى من العدم الأقصى إلى العدمِ
كل له دورُهُ والكل تجربةٌ / تلهو الحياةُ بها في الصحو والحلمِ
لا شئَ يبقى سوى الذكرى اذا بقيت / وكم مضت اَممٌ لَهفى على أمم
قد سَخَّرتَنا الأماني وهي ساخرةٌ / وأطلقتنا ولم نُطلق من اللُّجمِ
خُذ دمعتي يا صديقي بعضَ تأسيةٍ / وامزج بها دمعك الوافي ولا تَلم
هذي الحياةُ وهذا الموتُ ما افترقا / كالتوأمينِ بحظ الناسِ كُلِّهم
كأنما هذه الأعشابُ إخوتُنا / وعمرها عمرنا في الطولِ واِلقدم
والعقلُ ما كان إلاَّ ضيف صُحبتنا / هذا الوجودَ ولم يُفصم عن الرَّقمِ
اسخر صديقي إذن مهما بكيتَ دماً / كما بكيتُ بسخري إذ بذلتُ دمى
إسخر وأنتَ زعيمُ السخر في أدبٍ / حي تَنزَّهَ عن موتٍ وعن هَرَم
اسخر إلى أن يدورَ الكونُ دورته / على الحياةِ فنمضي بَعدُ في الظلم
شعراءَ مصر ولا أقول جميعكم
شعراءَ مصر ولا أقول جميعكم / ما بالكم صرتم نكايةَ أهلكم
هل أذنبت مصر الرؤوم فخيركم / في صمتهِ والذلَ مَيسمُ جُلِّكم
يا ناصرينَ الظلمَ دون تَوَّرعٍ / متقلبين على تنوع شكلكم
لم تدَّعونَ الفن في أفعالكم / والفن قد خنقته وصمةُ فِعلكم
عَّم الفسادُ وأنتمو أعوانُهُ / فإليهِ مرجعُ حَوِلكم أو طوِلكم
قاطعتموني واستبحتم سقوَتي / وكأنني ما كنت منَشدَ قَولكم
بل لم أزل أشدو بتغريدٍ لكم / أنيَّ تنَّزهَ عن حقارة ذُلكم
فيمَ التشُّدق بالسموِّ بشعرِكم / وهو التبيعُ لمن هوى من قَبلكم
لا تحسبوا الكتَّابَ أحقرَ منكمو / فَمثالهم مُستلهمٌ من مِثلكم
الحوت حينَ تسبحونَ لعرضِهِ / قلبَ السفينةَ عابثاً من حولكم
يا للدعارِة والهوانِ فَعرضُكم / أَمسىَ الرهينَ لِجبنكم ولجهلكم
وإذا شُتمتُ فَشتمىِ في غُربَتي / شرفٌ أتية به آيةُ فضلكم
دعوني من الدنيا من الأرض والسما
دعوني من الدنيا من الأرض والسما / فإني خلقت اليوم كونا مجسّما
وأسكنت فيه من شواعر مهجتي / ثوائر لا ترضى النفاق الملثما
ولا عالما فيه الغنيمة سبة / وفيه أرى المجد المعلى مهدما
سأهرق من اسرى دمائي تحررا / وأبدلها من نخوتي الحس والدما
سأبدع لي ناموس خلد محتم / فقد سئمت نفسي الفناء المحتما
وأسخر من أوضاع من قد تفردوا / بهدي الورى حتى لقد نشروا العمى
وكم صيروا الإيمان والكفر لعبة / وكم حللوا ما كان قبلا محرما
وعادوا إلى تحريمه ثم حللوا / دواليك حتى ضجت الأرض والسما
سأنبذهم نبذا لقاء جنونهم / فإن جنوني صار أحجى وأحكما
وأمشي على كل الذي هتفوا به / وما ملكوا منه جنانا ولا فما
وأكسر أغلال التقاليد كلها / ولا أرتضي غير التحرر مغنما
فما حدني عقل عتي ولا رؤى / تساورني حتى وإن كن أسلما
تخليت عقل عتي ولا رؤى / تساورني حتى وإن كن أسلما
فألفيت في الأحلام ظل حقيقتي / ووحيا يناجيني وإن عد مبهما
كانت بدايتها ختام زعيم
كانت بدايتها ختام زعيم / ونهاية الإجلال والتكريم
من كان رمز كفاحنا وفخارنا / أمسى أثيما بل وايّ أثيم
قالوا تخلّص من مديحك أمسه / هيهات لست وإن هوى بلئيم
ماضيه ماضي أمتي فأمانتي / وكرامتي ذكراه بالتعظيم
والآن أذرف مدمعي لرثائه / حيّا فما ألقاه غير رميم
وأعاف ذكر زنيمة غالى بها / فهوى من العلياء أيّ زنيم
إذن مصر عادت تقتفي مجدها الأسمى
إذن مصر عادت تقتفي مجدها الأسمى / فيا قبلي طيري لها واشبعي لثما
ويا فرحتي لا تكتفي بفريدة / من الشعر بل كوني لها الأمل الجما
ورفي حواليها رؤى تستعيدها / فنونا من الإلهام تكسبها الحزما
شأى الشعر وحي السيف في وثباته / كما اسكن المجد المرفرف والنجما
وبشّر بالأحلام حتى تفتقت / لنشوتها الأحلام أضعافها نغمى
وأنجب فيها للحياة معانيا / ضخاما تعالت لا تحد وقد تنمى
فيا معزف الأرباب جلجل مرحبا / بمصر وبارك أنت وثبتها العظمى
إذا الحكم للجمهور اصبح رائدا / أبى الحق أن يلقى به العار والظلما
وما العدل إلا للمساواة وحدها / فإن هي ضاعت صار ما دونها إثما
فيا أمة النيل المبارك حاذري / وقد نلت ما تهوين أن تخلقي الضيما
ولا تقبلي التفريق في أي مظهر / فمن يقبل التفريق يستأهل الرجما
وما كانت الآثار أبقى على البلى / من العدل لو آثرته مجدك الضخما
أعيذك من وهم يصير عقيدة / فكم أمة هانت بإعزازها الوهما
أعيذ جمالا والزعيم محمدا / بحذقهما من حد مطلبك الأسمى
قد انتزعا من قبل حظّك عنوة / وما برحا والدهر كالطائش الأعمى
تجبّر واشتعلى فرداه صاغرا / وقد كان كالمحموم سكران بالحمى
وها أنت بالعهد الجديد طليقة / ومنجبة أعلام نهضتك الشما
ففي كل شبر من ثراك خميلة / وقد كانت الويلات تغتاله قضما
وفي كل مرأى من سمائك كوكب / يبل بنور منه لوعة من يظما
وفي كل ركن من ربوعك ملجأ / تلوذ به خير المواهب أو تحمى
وفي كل ذهن من بنيك بواعث / لينجب حين الأمس قد ألف العقما
وفي كل قلب نشوة علويّة / فصار إذا يأتم بالخير مؤتما
تبدّلت الأيام حتى كأنّما / بنعمتها لما تزل حولنا حلما
كأن بنانا للمسيح لمسنها / فبدّدن عنها الذعر والحزن والسقما
فيا مصر عضي بالنواجذ حرة / على ما كسبت اليوم واغتنمي اليوما
وهيا أعدي للغد المرتجى على / تبز بإعجاز لها كل ما تما
إخاء وتنظيما وعلما وهمة / وفنا تهز الغافلين أو الصما
ولا تشتكي من لاعج اليتم بعدما / أزلت بهذا النصر من دمك اليتما
ألا في سبيل المجد ما قد غنمته / وها هو قد أضحى لكل الورى غنما
فإنك للأقوام أمثولة الهدى / وما خص شعبا يستفيق ولا قوما
تبارك ربي حين ينصف أمة / تعاف ذليل العيش والياس والنوما
وتدرك أن الفهم من رأس مالها / وهل يقدر الإنسان إن طلق الفهما
ولا تستطيب الموت طوعا لمارد / وتصفعه إن ثار واستمرا اللؤما
ولا ترتضي يوما مساومة له / فمن ساوم الطغيان مقترف جرما
وخان تراثا للجدود مقدسا / كما خان عهدا لا يكيّف أو يسمى
عزيز على مثلي البعاد وقد زهت / منائرك الزهراء تستقيل السلما
عزيز وفي قلبي حنان مؤرق / وحسبي على رغمي مفارقتي الأما
إذا جئت هذا اليوم أزجي تهانئي / فمن قلب محروم تهلّل إذ يدمى
ولكن نفس الحر نفسٌ عجيبةٌ / تعيش على الأضداد مهما تكن غرما
وقد ترفض الشهد السلاف لوهمة / وتعشق موت النبل إذ تكرع السما
فإن لم أزل رهن التزمت ثائرا / فطوعك قلبي المستعز بما ضما
أرشد الله أمة الإسلام
أرشد الله أمة الإسلام / إن تدم في عبادة الأصنام
كلما هزّها الصلاح لخير / نبذته بحجّة الإسلام
أي معنى لكل هذي الدعاوى / غير معنى الدمار والألغام
بثها الجهل والحماقة بثا / في طريق الإصلاح والإقدام
لست أدري والله أيهما أنكى / أبطش المستعمر المتعامى
أو بنوها اللصوص من أوغلوا / ظلما وباهوا بالعسف والإجرام
أم ملوك لها صعاليك في الخل / قِ مفاليك في نهى الحكام
لست عبد الألقاب سيان عِن / دي ملك خس أم رئيس حرامي
ربما كان مالك العرش فَر / داً وادعا مثل أصدق الخدام
والذي عده الجماهير منهم / طاغيا ناهبا حقوق الأنام
ما أباح الإسلام صولة جَب / بار ولا دعوة لغير السلام
ما أباح الإسلام أن يجعل الد / دينُ ستارا للكيد أو للخصام
ما أباح الإسلام وهو ضياء ال / فكر تصويره نصير الظلام
ما أباح الإسلام وهو إمام ال / عقل إلا الحجى وعيش التسامي
ما أباح الإسلام من ناصر ال / علم حياة للجهل والأوهام
ما أباح الإسلام من قدس ال / مرأة حسبانها من الأنعام
ما أباح الإسلام من حرر ال / الإنسان ذل الجباه والأفهام
ما أباح الإسلام داعي التآ / خي عنجهيات أهله الأقزام
ما أباح الإسلام وصمة أه / ليهِ بضيم العبيد والأغنام
ما أباح الإسلام هدم ترا / ثٍ شيّدته عباقر الأحلام
بل أباح الإسلام أن يشنق ال / هدامُ جهرا وشيعة الهدام
أبا البلاد الذي تسمو البلاد به
أبا البلاد الذي تسمو البلاد به / جاها وحلما وتصريفا وأحكاما
بوركت من ظالم للنفس يرهقها / كيما يكافح أشرارا وظلاما
إن التقشف لما بت تؤثره / أضحى غنى وغدا نورا وإلهاما
ما غرّك البذخ الضافي إلى أجل / إن النزاهة قد أولتك ما داما
هيهات يبلغ ما بلغت منتقص / أنت الذي جعل الأيام أياما
أنت الذي عفوه من نبل شيمته / مهما أسيء ويلقى الطعن بساما
أنت الذي قد تسامى حول عفته / شعب وأبدع في الحرمان إنعاما
أنت الذي ما ادعى يؤما لهمته / باسا وأشبعنا حزما وإقداما
أنت الذي نطقت تلك الجراح به / حثا لمن خاف أو من خاب إحجاما
أنت الذي لا الرئاسات التي ازدهرت / خانته يوما ولا أضغاث من ناما
أنت الذي كل ما يعنيه واجبه / دينا ودنيا وتحقيقا وأحلاما
أنت الذي يرهب الطاغوت حكمته / وإن يحاصره أسيافا وألغاما
أنت الذي قد حمته من كرامته / فيالق حين يحمي السيف أصناما
أنت الذي أينما قد حل موكبه / حل التقى والهدى برا وإسلاما
حامى عن النيل والسودان شاهده / فأين من بزّه لو عنهما حامى
فخر لمصر على الأدهار سيرته / إن الوداعة أسمت كل من سامى
يا من له بيته غنيان مملكة / ورمزه الحق إحسانا وإحكاما
ومن له العدل نبراس وأوّله / أن يمحو العدل أتراحا واسقاما
وأن يزيل جهالات مضلّلة / ويهزم الجمع مهما عم إجراما
وأن يبدد عريا لا مجال له / والقطن ينشر أثوابا وأعلاما
أزجي إليك تحايا الشعر أنغاما / ووصفه الحر مثالا ورساما
ترفع عن معاداة الكريم
ترفع عن معاداة الكريم / وعن بذل الصداقة للئيم
كلا الأمرين منقصة وأسمى / نقاء العيش من معنى الخصيم
فإن فرض العداء عليك فرضا / فلذ بمكارم الخلق الكريم
أحب إلي أن أشقى بخلقي / عن الإسفاف في وهم النعيم
ومن يحسب جنوني في اعتزازي / فما هو بالحصيف ولا الحكيم
ففي نفسي عوالم لم تخنّي / وما ضاعت مع الليل البهيم
فإن من الألوهة في اعتزالي / نصيري أو دليلي أو نديمي
يرف الشعر لي في كل شيء / رفيف الشدو في الصمت المقيم
وقد شملت فنون تأملاتي / فنون الكون في سحر عميم
وايسرها خرير الماء حولي / وتغريد الطيور مع النسيم
وبسمات المروج ملوحات / بنشوى الزهر والنبت الجميم
وأنات السواقي وهي أشجى / وأبلغ من دموع لليتيم
وموج البحر مصطفق عتي / كجبار يصفق للخديم
وألوان الرمال على الروابي / جواهر للغنيّ وللعديم
ورش الماء للشلال حتى / ليقهره كشيطان رجيم
وجيش النحل حولي في فتوح / هي القبلات للزهر الوسيم
وأنداء الحقول مشعشعات / بخمر في تجليها الحميم
وأسراب السوائم وهي ترعى / كحاكمة على ملك عظيم
ولمحات النجوم وراء سحب / كستر الجود من كف الكريم
ووحي الشمس وهي تمج حلما / تنوع في النثير وفي النظيم
فهذي كلها من بعض صحبي / وكنزي حين عيرني خصيمي
وأما غيرها فأجل شأنا / ولم يدركه تقدير العليم
يا رذاذ الربيع يا معلن اليقظة
يا رذاذ الربيع يا معلن اليقظة / للنبت وهو نشوان حالم
يرقص الحب في يديك عطورا / ويرفّ الخيال نجوى عوالم
قبلات نثرتها فوق خديّ / كأني نجوت من سيف ظالم
مرحبا بالصديق لم ينس أحزاني / ومنها الظمآن مثل البراعم
ظمأ الشوق للملاحة والدف / ء وللنور بعد تعذيب ناقم
سقسقت حولك العصافير بالفرحت / شعرا كأنما أنت حاكم
ألمعيّ الإيقاع في كل ما تحكي / غناء وإن يكن جد ناعم
خلجات الفؤاد من بعض ما / فيه ومن بعضه سميع وفاهم
لغة أو رسالة لم تميّز / أو تكيف لباحث أو لعالم
إنما فهفمها لمن أشعروا الكون / جمالا وأشعروا قلب راحم
غطست فيه حين بعثرت
غطست فيه حين بعثرت / ورشته كالضياء المنغّم
أو رذاذا من الحبور تراءى / قطرات فصار معنى تجسم
أتملاه في مزيج الأحاسيس / قريرا بفرحة لم تترجم
المرائي التي حيالي بعض من / سناها وبعضه ليس يفهم
وأنا واقف أراقب كالمشدوه إحسا / سها العجيب المنعّم
وكأني منها على البعد ألتذّ / بما لذّها وبالوهم أنعم
سقسقات كأن أوتار قلبي / عزفتها لها حنانا تبسم
فاستثارت حناجرا ناعمات / لاعبات بكل شعر يتمتم
إعبثي أيها العصافير بالماء / فأنت الأطفال تلهو وتغنم
لا تفرّي منّي فما ذاك يرضيني / وروحي بك الحفيّ المتيّم
لحظاتٌ كهذي هي من عمري / وليست أعوام عمر تصرّم
هتف العابثون بالسلم للسلم
هتف العابثون بالسلم للسلم / كأن السلام هذا الكلام
وأطاروا الرصاص يردى به الخلق / وقالوا الحمام هذا الحمام
قال لي ناصحي الصديق ابن / صباغ تأمل فللطغاة ابتسام
يرهقون الشعوب قتلا / وتعذيبا ويشكون أنها لا تنام
والشقاء الشقاء في قومهم / شب وأضحى أخف منه الضرام
هرب الطير حينما عجز / الخلق ومات النبات بل والرغام
رب عيش أخف منه الحمام / هو عيش يفر منه الحمام
حييت يا يوم العلم
حييت يا يوم العلم / يا من تألق بالشمم
يا مستعزا بالنجوم / تبسمت لمن ابتسم
يا من تدفق بالحياة / كأنها السيل العرم
يا من يذكرنا بأنواع / البطولة والكرم
كيف الشجاعة والنظام / تآلفا بأسا أتم
كيف السماحة بالنفوس / أخص ما يبني الأمم
كيف التحرر والإخاء / هما ذراعا من حكم
يا من ترفرف فيه آمال / تغذي من حلم
يا من تسير به المواكب / كالقصائد والنغم
يا من حديث شعاره / فوق المواعظ والقلم
يا من تنال رموزه من / كل جبّار ظلم
يا من به التاريخ يشمخ / فوق مبناه الأشم
يا من تضمخب الدموع / وبالدماء بلا ندم
يا من حبته التضحيات / بكل مجد يغتنم
يا من تساوت فيه / أفراح البرية والألم
يا من تقدس كل ما / فيه ونور والتأم
أشرق على الدنيا / شعار غد أبي لم ينم
يسمو به الإنسان فوق / صغاره فوق العدم
ويرى الحقيقة كنزه / والسلم اشرف مغتنم
لا أن ينال لترهات هن / نعمة من وهم
ما اجدر الإنسان باستع / لائه فوق الرمم
إن التنازع والحروب مماته / مهما اعتصم
والموت لا يحيي ولا يجدي / ولو سكن الهرم
فدم المذكر للأمم وانشر / عظاتك يا علم
لي قلة في الأصدقاء حسبتهم
لي قلة في الأصدقاء حسبتهم / فوق الجواهر للبخيل المعدم
لم ينظروا يوما إلي بريبة / بل بجلوني كالنبي الملهم
منهم قبست أشعتي وإليهمو / عادت مفاخرها وعدت إليهم
دار الزمان ولم يدورا حوله / وتجمعوا حولي وحول تألمي
خلقوا لي الأفراح من صلب الأسى / حتى كأن الكارثات تنعمي
لا منهمو من باع كنز مودتي / وكأنه قد باع عرضي أو دمي
تخذ النفاق طعامه وشرابه / والكيد مهنته وبارك مأتمي
ومضى يمن علي بعد نكاية / ما للنكاية غير فرط تبسمي
إني امرؤ أحيا لأن عقيدتي / تحيا ولست بمن يدنس مرقمي
ولأنني فوق الظنون ومبدئي / ما كان للراضين أو للوم
وإذا طعنت من الذي أحببته / فعليّ وزري لا عرفت تندمي
دنيا سأقطعها بغير ترحم / منها ولم أبخل لها بترحمي
يا من يعيش مشاغبا وحياته / خدع على خدع وجم توهم
لا تحسبني بعد غدرك وامقا / إن المحبة لا تكون لأرقم
إن كان أعماني تودد ماكر / متنفنّن أو ساحر مترنم
فالحق يأبى أن أضيع رحمتي / والعدل يأبى أن أضلل كالعمي
شربت فلسفتي من نبع آلامي
شربت فلسفتي من نبع آلامي / وقبلها عب منه قلبي الدامي
وما برحت أغني زاخرا أبدا / كأن آلام قلبي لسن آلامي
كأن دمعي أناشيد قد احتبست / حتى تراق على قدسي أنغام
أن المسيح قبيل الصلب من حرق / كما أعاني تباريحي وإعدامي
وإن حسدت كأن البؤس لي شرف / وكل أهل الغنى في البؤس خدامي
أنا الضعيف ولكني العتيّ على / نفسي إذا النفس لم تعبأ بأحكامي
إياك إياك يا نفسي مهادنة / للظلم أو فاقبعي في سجن ظلام
معنى الحياة ابتسام لا يفارقها / وإن أحيطت بجدب غير بسام
وهل أكون سوى رمز تضن به / على الفناء وإن أفنيت أعوامي
عابوا الحقيقة في شعري وما سكنت / سوى الحقيقة أسمى شعري السامي
ما سف يوما وإن بجهلة من جهلة / أن الحياة تعالت فوق أحلام
وأن وجدي وتفكيري وفلسفتي / ليست سوى مثل من فن رسام
ذاق الخلود بألوان مجنحة / فوق النجوم وفي ألوان آكام
كل الطبية معبود لمهجته / تشكلت حول أطياف وإلهام
تمتد خفاقة لا حد يحصرها / كخفق قلبي على إحساسي النامي
أنا ابنها لا ينال الدهر من أثري / ولم ينل قبل من نور وأجرام
كم من صغير تردى في حقارته / للناس وهو جليل شامخ سام
كالبذر أو قطرة للبحر شاردة / هي الوجود تناهت فوق أنسام
وعيتها في خيالي فهي فلسفتي / وإن تعز على بهم واصنام
تطير في فرحة نشوى ويرفعها / حب الحياة إلى غايات إقدام
كأنها صائد ردت حماسته / خوف الممات بأدغال وآجام
أغزو كما غزت الدنيا وإن فشلت / وإن تمزقت من غدر لأخصامي
حسبي التجارب في دنياي أفهمها / وإن تدق ولم تكشف لأفهام
حسبي شعوري بأن الكون أجمعه / يوما سيتلى ويجري فوق أقلام
حسبي على الرغم من هم ومن نصب / أني الطليق ولم أرضخ لإرغام
بشراك هذا العم عي
بشراك هذا العم عي / سى صار فينا العم سام
أنظر إلى عثنونه / فلقد تزايد واستقام
قد كان في حزم الشيو / خ فصار في زهو الغلام
من ذا يطاوله وه / ذي الناطحات له تقام
اليوم يملك كل شيء / حوله ملك الهيام
في موطن حر به / الأحرار خدام السلام
لا عيب فيه سوى سما / حته التي تغري اللئام
فيه المساواة العمي / مة ملة وله ذمام
فرص النهوض تكافأت / فيه كذرات الغمام
لا بدع إن جذب النجو / م إله واعتنق الدوام
واليوم يغنم فضل عي / سى الشامخ الحر الهمام
كم موقف للحق نذ / كره له عاما فعام
كم من نصائح بثها / كالنور يخترق الظلام
فتناوبوا أنخابه / بالحب لا وهج المدام
إن الكؤوس من الولا / ء أحب من راح وجام
اليوم يوم الصفو نغ / نمه وما الصفو حرام
متضاحكين مهللين / يهزّ نشوتنا الزحام
ولربما أصى النيا / م فلم يعد فينا نيام
أنا بينكم مهما نأي / ت إذا استبد بي السقام
شعري نظيري بل أعز / نهاي في شعري أقام
فتقبّلوه برغم عج / زي أيها الصحب الكرام
واستلهموا من شهرزاد / الحب قبل غنى الطعام
فاليوم عيسى كالرشيد / وحقّه حقّ الغرام

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025