المجموع : 24
قَبَّلَ الأرض وناجاها هُياما
قَبَّلَ الأرض وناجاها هُياما / كشريدٍ عاد من منفى فَهاما
هام بالأم التي قد عقَّها / في ضلالٍ وغرورٍ وتعامى
وبكى مثل يتيم ضائع / لم يزل يذكر بؤسا وسقاما
ضل في الأوهام قبلا خاسرا / فتهاوى حين ظنَّوه تسامى
قال يا أمي كفاني أنني / لك أحيا ثم أفنى مُستهاما
أي روح غير روح منك لي / أو وجود غير معنى فيك داما
كل ما في الكون لا يشغلني / ولئن كان شباكا تترامى
عالم المجهولِ لم أغنمِ به / غيرَ أحلام أضَّلتني دواما
حينما عندك آيات كفت / نشوة العقل فتونا وُمداما
أنتِ بنت الشمس فهي جدَّةٌ / وكذا كنا شعاعا وضراما
ان عبدنا النور لم نأثم فما / كان غير الله نورا وسلاما
أو رجعت اليوم عبدا صاغرا / أتلقَّى عنك علما واحتكاما
فالأماني كلها في فسحة / لك أن ضاقت فما ضاقت نظاما
جَنَّتيِ أنت فان ضيعتها / حَّق أن أغدو في الذل حُطاما
واذا راعيتها في يقظة / لم تنم أصبحتُ للخلد لزاما
فاحتفت بي الأرض ثم ابتسمت / عن ربيع فاض بشرا وغراما
حلمت ولم أعلم أحلمىَ يقظةٌ
حلمت ولم أعلم أحلمىَ يقظةٌ / لروحيَ أم مالاح أضغاثُ أحلامِ
ولم أستطع تفسيره من تجاربي / ولا من مناجاتي لشهبٍ وأجرام
حلمت كأني في مجاهل غابة / مخاطرها خلفي وفوقي وقدامى
وكل أماني أن شوكاً أدوسه / وليس بصلٍ أو مخالبَ ضرغام
وليس حيالي غير نبت مُمرد / يردّد صيحات الوحوش لأوهامي
وغير خيالاتٍ وأشباح جنَّهِ / موسوسةٍ حتى تَعَّثر إقدامي
وقد أطبقَ الجو الثقيل كأنه / يحاول خنقي في تقننّ اجرام
يطل دمى الشوك العضوض مخاتلا / ويمسكه خوفي ويأسي وإحجامي
وهذي جموع للقرود صراخها / ينافس صرخات الرياح لإيلامي
وفي وحشتي فوجئت غير مؤمَّلٍ / بمسحة نور بدّدت كل إِظلامي
لعل ولىّ الله شربل قائدي / يطيب ما حولى وجسمي والهامي
تخيلته يمضى أمامي مباركا / فتنتفضُ الآياتُ من برهِ الهامي
فألفيت دُنيا غير غابٍ خشيته / مُرنقَّةً بالنور وِالعطر للظامي
تُغرد فيها الراقصات ملائكٌ / وفي كل ركن مُوحيات لأفهام
وأسرارها شتى ولكن تشرّبت / خوالجها أنداءُ عُشبٍ وآكامِ
تَضاحَك فيها الحسنُ وانجابَ شاعراً / خطيباً وكان النبعِ سمفوُن أنغام
وصار حنانُ الجو ينعش مهجتي / ويرعى تعلاتي رعاية أيتام
فقلت ولى الله سُّركض مُنقذي / فشكراً ولىَّ الله تعداد أيامي
وهل لك أن تُسدى لأمتى الهدى / وتنقذها من بؤسها الغامر الطامي
لأوثر هذا عن بقائَي سالما / وأهلي وأوطاني بضيمٍ وإعدام
فقال حرام أنَّ مثلك كادحا / يُضام ويُجزَى التيه ما بين ألغام
وأما بلاد تعبدُ العجل فاسقاً / فيركلها ركلاً مرارا بإحكام
وتنعم بالتضليلِ حتى كأنما / هَو أنٌ لها أن لا تعيش كأنعام
فما طاقتي أو عدل ربى وإن سما / لِيرَقىُ بها يوماً إلى عرشه السامي
أتاني كتاب الصديق العزيز
أتاني كتاب الصديق العزيز / عزيزاً كصاحبه المعلمِ
وليس التواضع إلا اعتزازاً / كما هبط اللحن للملهمِ
تنزه عن نزوةٍ للغرور / تَنُّزهَ باسمةِ الأنجم
وأشرق اخلاصُه بالحبورِ / حُبوري الذي صاغه عن فمي
فيا نعمةُ الحاج هذا وفائي / وفاؤك أحفظه في دمي
أبادلك الحب والعيدُ زاهٍ / ألسنا الى نوره ننتمى
وأقدر ما صُغتهُ للجمال / قرابينَ تسبح بالمغرم
ويُصغي إليها الآلهُ الطروب / فَيجبلها الروح في الآدمى
الأربعونَ صَدىَ فؤادي الدامي
الأربعونَ صَدىَ فؤادي الدامي / تمضى ولا تمضى بها آلامي
فِيمَ التجُّلدُ كالخُضابِ للمَّةٍ / نصلت وفيم السَّلم دون سلامِ
نفسي على حربٍ وبُعدُكَ كارثى / وعواطفي ثكلى عليك دوامى
ليست حروبُ الدهر في أَجرامه / أقسى وأفظعَ من عميقِ كلاَمى
في كل يوم بل بكل هنيهةٍ / هذا خيالك ما يزال أمامي
قلبي يحادُثه وأسمعُ صوَته / أدباً تَّنزهَ عن أذىً وخصام
مستغرقا فيما يقول كراهبٍ / مستغرقٍ بنوافح الإلهام
وجرت بلاغتهُ بحلو تسلسلٍ / كتسلسلِ الغدَران بالأنغامِ
وَحَوت وداعتهُ الترفع مثلما / حوت المرؤة عزّةَ المتسامى
يُدلى برائعة المعاني للنُّهى / وكأنَّها نَخبُ الشرابِ لظامى
إلاّ نُهاىَ فما يُبُّل ظَماؤه / وتردني الأحزانُ عن أوهامى
قد كنتَ لي مثلَ الجمال بما وَعَى / من فطنةٍ وعواطفٍ ومرامى
وُسمِّو أخلاقٍ وصحةِ بنيةٍ / عَّزت على الأرواح والأجسام
قد كنتَ لى الأملَ الجديد بحاضري / وبمقبلي فتبددت أعوامى
وحسبتُ في كف القضاء سعادي / فإذا الشقاء لديه فضلُ زمامي
يا للمصاب وقد تقَّنعَ ساخرا / بالحب والأمل العريض النامى
متظاهراً في الأصدقاء فَغَّرنا / هذا الشمولُ لبسمةِ الأّيام
حتى دُهِينا ذاهلينَ بخطبنا / في كل ما صُنَّاه من أحلام
وكأنّما تلك المواهبُ لم تكن / وكأنما الإنصاف جِدُّ حرِام
هذا طوافي حول قبركَ خاشعاً / أبكى كأنَّ الدمعَ من إحرامي
وأسيرُ فوق ثَرَاكَ لا مترفقاً / ورعاً فحسبُ بل الشهيدَ الدامى
أمشى كأنَّ جواهراً مبثوثةً / هذا الثرى فيردّني إقدامى
يا عقلُ لا تفكر فذاك ضلالةٌ / واخسأ وياعينَ الحبيب تَعامى
هذى عدالة عاَلمٍ مُتبجحٍ / بالشرّ بل عدل الآله السامى
هذا مآلُ الألمعية والهدَى / والنبلِ تحت جنادلٍ ورغام
هذى هي العقبىَ لأحلام الصبىَ / ونهايةُ الايمانِ والأحلام
كنا نُهيئُ كيف شئتَ معالماً / للعرس فانقلبت شهودَ حِمامِ
فلمت تركت الفاقديك تفجعوا / وهم الرجالُ عليك كالأيتامِ
لهفى بُنَّى وأنتَ بين نوابتٍ / نجمت عواطفَ لوعةٍ وغرام
رفَّت على ريح الغروب حزينةً / وتلهفت بمرارةٍ وأوام
ما كان أجدرَ منك بين جُموعنا / حّياً وأبعد منك عن نُّوامِ
غَدرَت بك الدنيا كأنَّك لم تكن / كنزاً لها بشبابهِ المقدام
أو أن لُطفك ما أمدَّ جمالها / بجماله وحنانه البسَّامِ
يا تاركي في لَوعةٍ لم يشفها / جَلدِى ولم يذهب بها إسلامي
دعني أزورك شاكياً ومُسائلاً / بل لاجئاص من لوعتي وضراميِ
على وعلك في التحادثِ نرتضى / بعضَ العزاءِ وأستقيه مُدامي
أي الحوادث جندلتك بِختلهَا / فُقتلتَ قتلَ الزهرِ في الأكمام
أي المظالم فرّقتك عن التي / قَدستَ للآباد لا الأعوام
أى الفواجع جُمِّعت في ليلةٍ / ظلماءَ قادتنا لدهر ظلام
حتى تنفستَ السموم مُسالما / ففقدتَ حين فقدُت كَّل سلامى
سأعيش ذكراك الحَّب وكلُّنا / ذاك المحُّب على مدى أيامى
وأجئ زائركَ الوفَّى كأنني / لم افتقدكَ ولم يكن إلمامي
على بحبي واندماجي أشتفى / بعضَ الشفاءِ ويهتدى لوَّامى
وأنالُ ثأرى من زمانٍ فاجرٍ / فَلذَاك أكرمُ لي من استسلامي
أهل الحميةِ والحميةُ أنتمو
أهل الحميةِ والحميةُ أنتمو / لا تفعلوا فعلاً يلوثه الدمُ
هيهاتَ للعربِ الكرامِ برشدِهِم / أَن يستبيحوا ما يهون ويُذمَمُ
الخائفون اللاجئون إليكمو / زحفت عليهم في الجنانِ جهنمُ
وفدوا عليكم تحت راية حُبِّهم / وولائهم متبتلين وَأحرمُوا
جعلوا بكم آمالهم وتطلعوا / لحنانكم من بَعدِ ما قد أعَدمُوا
وتسابقوا ليدّعموا لفخاركم / مُلكاً ولو فيه الأشُّم المدعَمُ
أيقالُ أنتم خاذلوهم بعدَما / أنسوا إليكم صادقين وأسلموا
أيقالث قد أخَذ البرئُ بظلكِّم / ظُلماً بما صنعَ الخبيثُ المجرمُ
ما هذهِ شيمُ العروبةِ بل نرى / شيمَ العروبةَ كُلَّها يُستلهمُ
إن يجزع الاردن فهو بحزنه / مرآةُ أحزانٍ طفحنَ تُعمَّمُ
والحزنُ بالصبر الجميل مقامُه / أسمى من الحزن الذي يتجهَّمُ
شَقيت فلسطينُ العزيزةُ حقبةً / وبكلِّ جُرحٍ غائرٍ منها فَمُ
لا ترجموَها من جريرةِ مُذنبٍ / والمحسنون جموعُها لم يأثموا
جَادُوا بلا من بكلِّ يتيمةٍ / في الفكرِ حين تعَّذبوا وتيتموا
جادوا بما غَذَّى القلوب نبيلةً / وَهُمُ الجياعُ ونُبلهم لا يُهزمَ
سَكنوا العراءَ مع الصخور فروِّعَت / خجلاً وأشفقت الصخورُ عليهمو
هم بِضعةٌ منا فإن لم نَحمهم / فالعارُ يومَ مصابهم أن يرجَموا
أبا جرير برغمي أن تَخَّط يدي
أبا جرير برغمي أن تَخَّط يدي / هذا العزاءَ ويبكى عاثراً قلمي
وما أجاملُ في شعري بتعزيتي / فإنَّ حُزَنك من حُزني ومن أَلَميِ
إنَّا جميعاً حيارى ركبُ قافلةٍ / تمشى من العدم الأقصى إلى العدمِ
كل له دورُهُ والكل تجربةٌ / تلهو الحياةُ بها في الصحو والحلمِ
لا شئَ يبقى سوى الذكرى اذا بقيت / وكم مضت اَممٌ لَهفى على أمم
قد سَخَّرتَنا الأماني وهي ساخرةٌ / وأطلقتنا ولم نُطلق من اللُّجمِ
خُذ دمعتي يا صديقي بعضَ تأسيةٍ / وامزج بها دمعك الوافي ولا تَلم
هذي الحياةُ وهذا الموتُ ما افترقا / كالتوأمينِ بحظ الناسِ كُلِّهم
كأنما هذه الأعشابُ إخوتُنا / وعمرها عمرنا في الطولِ واِلقدم
والعقلُ ما كان إلاَّ ضيف صُحبتنا / هذا الوجودَ ولم يُفصم عن الرَّقمِ
اسخر صديقي إذن مهما بكيتَ دماً / كما بكيتُ بسخري إذ بذلتُ دمى
إسخر وأنتَ زعيمُ السخر في أدبٍ / حي تَنزَّهَ عن موتٍ وعن هَرَم
اسخر إلى أن يدورَ الكونُ دورته / على الحياةِ فنمضي بَعدُ في الظلم
شعراءَ مصر ولا أقول جميعكم
شعراءَ مصر ولا أقول جميعكم / ما بالكم صرتم نكايةَ أهلكم
هل أذنبت مصر الرؤوم فخيركم / في صمتهِ والذلَ مَيسمُ جُلِّكم
يا ناصرينَ الظلمَ دون تَوَّرعٍ / متقلبين على تنوع شكلكم
لم تدَّعونَ الفن في أفعالكم / والفن قد خنقته وصمةُ فِعلكم
عَّم الفسادُ وأنتمو أعوانُهُ / فإليهِ مرجعُ حَوِلكم أو طوِلكم
قاطعتموني واستبحتم سقوَتي / وكأنني ما كنت منَشدَ قَولكم
بل لم أزل أشدو بتغريدٍ لكم / أنيَّ تنَّزهَ عن حقارة ذُلكم
فيمَ التشُّدق بالسموِّ بشعرِكم / وهو التبيعُ لمن هوى من قَبلكم
لا تحسبوا الكتَّابَ أحقرَ منكمو / فَمثالهم مُستلهمٌ من مِثلكم
الحوت حينَ تسبحونَ لعرضِهِ / قلبَ السفينةَ عابثاً من حولكم
يا للدعارِة والهوانِ فَعرضُكم / أَمسىَ الرهينَ لِجبنكم ولجهلكم
وإذا شُتمتُ فَشتمىِ في غُربَتي / شرفٌ أتية به آيةُ فضلكم
دعوني من الدنيا من الأرض والسما
دعوني من الدنيا من الأرض والسما / فإني خلقت اليوم كونا مجسّما
وأسكنت فيه من شواعر مهجتي / ثوائر لا ترضى النفاق الملثما
ولا عالما فيه الغنيمة سبة / وفيه أرى المجد المعلى مهدما
سأهرق من اسرى دمائي تحررا / وأبدلها من نخوتي الحس والدما
سأبدع لي ناموس خلد محتم / فقد سئمت نفسي الفناء المحتما
وأسخر من أوضاع من قد تفردوا / بهدي الورى حتى لقد نشروا العمى
وكم صيروا الإيمان والكفر لعبة / وكم حللوا ما كان قبلا محرما
وعادوا إلى تحريمه ثم حللوا / دواليك حتى ضجت الأرض والسما
سأنبذهم نبذا لقاء جنونهم / فإن جنوني صار أحجى وأحكما
وأمشي على كل الذي هتفوا به / وما ملكوا منه جنانا ولا فما
وأكسر أغلال التقاليد كلها / ولا أرتضي غير التحرر مغنما
فما حدني عقل عتي ولا رؤى / تساورني حتى وإن كن أسلما
تخليت عقل عتي ولا رؤى / تساورني حتى وإن كن أسلما
فألفيت في الأحلام ظل حقيقتي / ووحيا يناجيني وإن عد مبهما
كانت بدايتها ختام زعيم
كانت بدايتها ختام زعيم / ونهاية الإجلال والتكريم
من كان رمز كفاحنا وفخارنا / أمسى أثيما بل وايّ أثيم
قالوا تخلّص من مديحك أمسه / هيهات لست وإن هوى بلئيم
ماضيه ماضي أمتي فأمانتي / وكرامتي ذكراه بالتعظيم
والآن أذرف مدمعي لرثائه / حيّا فما ألقاه غير رميم
وأعاف ذكر زنيمة غالى بها / فهوى من العلياء أيّ زنيم
إذن مصر عادت تقتفي مجدها الأسمى
إذن مصر عادت تقتفي مجدها الأسمى / فيا قبلي طيري لها واشبعي لثما
ويا فرحتي لا تكتفي بفريدة / من الشعر بل كوني لها الأمل الجما
ورفي حواليها رؤى تستعيدها / فنونا من الإلهام تكسبها الحزما
شأى الشعر وحي السيف في وثباته / كما اسكن المجد المرفرف والنجما
وبشّر بالأحلام حتى تفتقت / لنشوتها الأحلام أضعافها نغمى
وأنجب فيها للحياة معانيا / ضخاما تعالت لا تحد وقد تنمى
فيا معزف الأرباب جلجل مرحبا / بمصر وبارك أنت وثبتها العظمى
إذا الحكم للجمهور اصبح رائدا / أبى الحق أن يلقى به العار والظلما
وما العدل إلا للمساواة وحدها / فإن هي ضاعت صار ما دونها إثما
فيا أمة النيل المبارك حاذري / وقد نلت ما تهوين أن تخلقي الضيما
ولا تقبلي التفريق في أي مظهر / فمن يقبل التفريق يستأهل الرجما
وما كانت الآثار أبقى على البلى / من العدل لو آثرته مجدك الضخما
أعيذك من وهم يصير عقيدة / فكم أمة هانت بإعزازها الوهما
أعيذ جمالا والزعيم محمدا / بحذقهما من حد مطلبك الأسمى
قد انتزعا من قبل حظّك عنوة / وما برحا والدهر كالطائش الأعمى
تجبّر واشتعلى فرداه صاغرا / وقد كان كالمحموم سكران بالحمى
وها أنت بالعهد الجديد طليقة / ومنجبة أعلام نهضتك الشما
ففي كل شبر من ثراك خميلة / وقد كانت الويلات تغتاله قضما
وفي كل مرأى من سمائك كوكب / يبل بنور منه لوعة من يظما
وفي كل ركن من ربوعك ملجأ / تلوذ به خير المواهب أو تحمى
وفي كل ذهن من بنيك بواعث / لينجب حين الأمس قد ألف العقما
وفي كل قلب نشوة علويّة / فصار إذا يأتم بالخير مؤتما
تبدّلت الأيام حتى كأنّما / بنعمتها لما تزل حولنا حلما
كأن بنانا للمسيح لمسنها / فبدّدن عنها الذعر والحزن والسقما
فيا مصر عضي بالنواجذ حرة / على ما كسبت اليوم واغتنمي اليوما
وهيا أعدي للغد المرتجى على / تبز بإعجاز لها كل ما تما
إخاء وتنظيما وعلما وهمة / وفنا تهز الغافلين أو الصما
ولا تشتكي من لاعج اليتم بعدما / أزلت بهذا النصر من دمك اليتما
ألا في سبيل المجد ما قد غنمته / وها هو قد أضحى لكل الورى غنما
فإنك للأقوام أمثولة الهدى / وما خص شعبا يستفيق ولا قوما
تبارك ربي حين ينصف أمة / تعاف ذليل العيش والياس والنوما
وتدرك أن الفهم من رأس مالها / وهل يقدر الإنسان إن طلق الفهما
ولا تستطيب الموت طوعا لمارد / وتصفعه إن ثار واستمرا اللؤما
ولا ترتضي يوما مساومة له / فمن ساوم الطغيان مقترف جرما
وخان تراثا للجدود مقدسا / كما خان عهدا لا يكيّف أو يسمى
عزيز على مثلي البعاد وقد زهت / منائرك الزهراء تستقيل السلما
عزيز وفي قلبي حنان مؤرق / وحسبي على رغمي مفارقتي الأما
إذا جئت هذا اليوم أزجي تهانئي / فمن قلب محروم تهلّل إذ يدمى
ولكن نفس الحر نفسٌ عجيبةٌ / تعيش على الأضداد مهما تكن غرما
وقد ترفض الشهد السلاف لوهمة / وتعشق موت النبل إذ تكرع السما
فإن لم أزل رهن التزمت ثائرا / فطوعك قلبي المستعز بما ضما
أرشد الله أمة الإسلام
أرشد الله أمة الإسلام / إن تدم في عبادة الأصنام
كلما هزّها الصلاح لخير / نبذته بحجّة الإسلام
أي معنى لكل هذي الدعاوى / غير معنى الدمار والألغام
بثها الجهل والحماقة بثا / في طريق الإصلاح والإقدام
لست أدري والله أيهما أنكى / أبطش المستعمر المتعامى
أو بنوها اللصوص من أوغلوا / ظلما وباهوا بالعسف والإجرام
أم ملوك لها صعاليك في الخل / قِ مفاليك في نهى الحكام
لست عبد الألقاب سيان عِن / دي ملك خس أم رئيس حرامي
ربما كان مالك العرش فَر / داً وادعا مثل أصدق الخدام
والذي عده الجماهير منهم / طاغيا ناهبا حقوق الأنام
ما أباح الإسلام صولة جَب / بار ولا دعوة لغير السلام
ما أباح الإسلام أن يجعل الد / دينُ ستارا للكيد أو للخصام
ما أباح الإسلام وهو ضياء ال / فكر تصويره نصير الظلام
ما أباح الإسلام وهو إمام ال / عقل إلا الحجى وعيش التسامي
ما أباح الإسلام من ناصر ال / علم حياة للجهل والأوهام
ما أباح الإسلام من قدس ال / مرأة حسبانها من الأنعام
ما أباح الإسلام من حرر ال / الإنسان ذل الجباه والأفهام
ما أباح الإسلام داعي التآ / خي عنجهيات أهله الأقزام
ما أباح الإسلام وصمة أه / ليهِ بضيم العبيد والأغنام
ما أباح الإسلام هدم ترا / ثٍ شيّدته عباقر الأحلام
بل أباح الإسلام أن يشنق ال / هدامُ جهرا وشيعة الهدام
أبا البلاد الذي تسمو البلاد به
أبا البلاد الذي تسمو البلاد به / جاها وحلما وتصريفا وأحكاما
بوركت من ظالم للنفس يرهقها / كيما يكافح أشرارا وظلاما
إن التقشف لما بت تؤثره / أضحى غنى وغدا نورا وإلهاما
ما غرّك البذخ الضافي إلى أجل / إن النزاهة قد أولتك ما داما
هيهات يبلغ ما بلغت منتقص / أنت الذي جعل الأيام أياما
أنت الذي عفوه من نبل شيمته / مهما أسيء ويلقى الطعن بساما
أنت الذي قد تسامى حول عفته / شعب وأبدع في الحرمان إنعاما
أنت الذي ما ادعى يؤما لهمته / باسا وأشبعنا حزما وإقداما
أنت الذي نطقت تلك الجراح به / حثا لمن خاف أو من خاب إحجاما
أنت الذي لا الرئاسات التي ازدهرت / خانته يوما ولا أضغاث من ناما
أنت الذي كل ما يعنيه واجبه / دينا ودنيا وتحقيقا وأحلاما
أنت الذي يرهب الطاغوت حكمته / وإن يحاصره أسيافا وألغاما
أنت الذي قد حمته من كرامته / فيالق حين يحمي السيف أصناما
أنت الذي أينما قد حل موكبه / حل التقى والهدى برا وإسلاما
حامى عن النيل والسودان شاهده / فأين من بزّه لو عنهما حامى
فخر لمصر على الأدهار سيرته / إن الوداعة أسمت كل من سامى
يا من له بيته غنيان مملكة / ورمزه الحق إحسانا وإحكاما
ومن له العدل نبراس وأوّله / أن يمحو العدل أتراحا واسقاما
وأن يزيل جهالات مضلّلة / ويهزم الجمع مهما عم إجراما
وأن يبدد عريا لا مجال له / والقطن ينشر أثوابا وأعلاما
أزجي إليك تحايا الشعر أنغاما / ووصفه الحر مثالا ورساما
ترفع عن معاداة الكريم
ترفع عن معاداة الكريم / وعن بذل الصداقة للئيم
كلا الأمرين منقصة وأسمى / نقاء العيش من معنى الخصيم
فإن فرض العداء عليك فرضا / فلذ بمكارم الخلق الكريم
أحب إلي أن أشقى بخلقي / عن الإسفاف في وهم النعيم
ومن يحسب جنوني في اعتزازي / فما هو بالحصيف ولا الحكيم
ففي نفسي عوالم لم تخنّي / وما ضاعت مع الليل البهيم
فإن من الألوهة في اعتزالي / نصيري أو دليلي أو نديمي
يرف الشعر لي في كل شيء / رفيف الشدو في الصمت المقيم
وقد شملت فنون تأملاتي / فنون الكون في سحر عميم
وايسرها خرير الماء حولي / وتغريد الطيور مع النسيم
وبسمات المروج ملوحات / بنشوى الزهر والنبت الجميم
وأنات السواقي وهي أشجى / وأبلغ من دموع لليتيم
وموج البحر مصطفق عتي / كجبار يصفق للخديم
وألوان الرمال على الروابي / جواهر للغنيّ وللعديم
ورش الماء للشلال حتى / ليقهره كشيطان رجيم
وجيش النحل حولي في فتوح / هي القبلات للزهر الوسيم
وأنداء الحقول مشعشعات / بخمر في تجليها الحميم
وأسراب السوائم وهي ترعى / كحاكمة على ملك عظيم
ولمحات النجوم وراء سحب / كستر الجود من كف الكريم
ووحي الشمس وهي تمج حلما / تنوع في النثير وفي النظيم
فهذي كلها من بعض صحبي / وكنزي حين عيرني خصيمي
وأما غيرها فأجل شأنا / ولم يدركه تقدير العليم
يا رذاذ الربيع يا معلن اليقظة
يا رذاذ الربيع يا معلن اليقظة / للنبت وهو نشوان حالم
يرقص الحب في يديك عطورا / ويرفّ الخيال نجوى عوالم
قبلات نثرتها فوق خديّ / كأني نجوت من سيف ظالم
مرحبا بالصديق لم ينس أحزاني / ومنها الظمآن مثل البراعم
ظمأ الشوق للملاحة والدف / ء وللنور بعد تعذيب ناقم
سقسقت حولك العصافير بالفرحت / شعرا كأنما أنت حاكم
ألمعيّ الإيقاع في كل ما تحكي / غناء وإن يكن جد ناعم
خلجات الفؤاد من بعض ما / فيه ومن بعضه سميع وفاهم
لغة أو رسالة لم تميّز / أو تكيف لباحث أو لعالم
إنما فهفمها لمن أشعروا الكون / جمالا وأشعروا قلب راحم
غطست فيه حين بعثرت
غطست فيه حين بعثرت / ورشته كالضياء المنغّم
أو رذاذا من الحبور تراءى / قطرات فصار معنى تجسم
أتملاه في مزيج الأحاسيس / قريرا بفرحة لم تترجم
المرائي التي حيالي بعض من / سناها وبعضه ليس يفهم
وأنا واقف أراقب كالمشدوه إحسا / سها العجيب المنعّم
وكأني منها على البعد ألتذّ / بما لذّها وبالوهم أنعم
سقسقات كأن أوتار قلبي / عزفتها لها حنانا تبسم
فاستثارت حناجرا ناعمات / لاعبات بكل شعر يتمتم
إعبثي أيها العصافير بالماء / فأنت الأطفال تلهو وتغنم
لا تفرّي منّي فما ذاك يرضيني / وروحي بك الحفيّ المتيّم
لحظاتٌ كهذي هي من عمري / وليست أعوام عمر تصرّم
هتف العابثون بالسلم للسلم
هتف العابثون بالسلم للسلم / كأن السلام هذا الكلام
وأطاروا الرصاص يردى به الخلق / وقالوا الحمام هذا الحمام
قال لي ناصحي الصديق ابن / صباغ تأمل فللطغاة ابتسام
يرهقون الشعوب قتلا / وتعذيبا ويشكون أنها لا تنام
والشقاء الشقاء في قومهم / شب وأضحى أخف منه الضرام
هرب الطير حينما عجز / الخلق ومات النبات بل والرغام
رب عيش أخف منه الحمام / هو عيش يفر منه الحمام
حييت يا يوم العلم
حييت يا يوم العلم / يا من تألق بالشمم
يا مستعزا بالنجوم / تبسمت لمن ابتسم
يا من تدفق بالحياة / كأنها السيل العرم
يا من يذكرنا بأنواع / البطولة والكرم
كيف الشجاعة والنظام / تآلفا بأسا أتم
كيف السماحة بالنفوس / أخص ما يبني الأمم
كيف التحرر والإخاء / هما ذراعا من حكم
يا من ترفرف فيه آمال / تغذي من حلم
يا من تسير به المواكب / كالقصائد والنغم
يا من حديث شعاره / فوق المواعظ والقلم
يا من تنال رموزه من / كل جبّار ظلم
يا من به التاريخ يشمخ / فوق مبناه الأشم
يا من تضمخب الدموع / وبالدماء بلا ندم
يا من حبته التضحيات / بكل مجد يغتنم
يا من تساوت فيه / أفراح البرية والألم
يا من تقدس كل ما / فيه ونور والتأم
أشرق على الدنيا / شعار غد أبي لم ينم
يسمو به الإنسان فوق / صغاره فوق العدم
ويرى الحقيقة كنزه / والسلم اشرف مغتنم
لا أن ينال لترهات هن / نعمة من وهم
ما اجدر الإنسان باستع / لائه فوق الرمم
إن التنازع والحروب مماته / مهما اعتصم
والموت لا يحيي ولا يجدي / ولو سكن الهرم
فدم المذكر للأمم وانشر / عظاتك يا علم
لي قلة في الأصدقاء حسبتهم
لي قلة في الأصدقاء حسبتهم / فوق الجواهر للبخيل المعدم
لم ينظروا يوما إلي بريبة / بل بجلوني كالنبي الملهم
منهم قبست أشعتي وإليهمو / عادت مفاخرها وعدت إليهم
دار الزمان ولم يدورا حوله / وتجمعوا حولي وحول تألمي
خلقوا لي الأفراح من صلب الأسى / حتى كأن الكارثات تنعمي
لا منهمو من باع كنز مودتي / وكأنه قد باع عرضي أو دمي
تخذ النفاق طعامه وشرابه / والكيد مهنته وبارك مأتمي
ومضى يمن علي بعد نكاية / ما للنكاية غير فرط تبسمي
إني امرؤ أحيا لأن عقيدتي / تحيا ولست بمن يدنس مرقمي
ولأنني فوق الظنون ومبدئي / ما كان للراضين أو للوم
وإذا طعنت من الذي أحببته / فعليّ وزري لا عرفت تندمي
دنيا سأقطعها بغير ترحم / منها ولم أبخل لها بترحمي
يا من يعيش مشاغبا وحياته / خدع على خدع وجم توهم
لا تحسبني بعد غدرك وامقا / إن المحبة لا تكون لأرقم
إن كان أعماني تودد ماكر / متنفنّن أو ساحر مترنم
فالحق يأبى أن أضيع رحمتي / والعدل يأبى أن أضلل كالعمي
شربت فلسفتي من نبع آلامي
شربت فلسفتي من نبع آلامي / وقبلها عب منه قلبي الدامي
وما برحت أغني زاخرا أبدا / كأن آلام قلبي لسن آلامي
كأن دمعي أناشيد قد احتبست / حتى تراق على قدسي أنغام
أن المسيح قبيل الصلب من حرق / كما أعاني تباريحي وإعدامي
وإن حسدت كأن البؤس لي شرف / وكل أهل الغنى في البؤس خدامي
أنا الضعيف ولكني العتيّ على / نفسي إذا النفس لم تعبأ بأحكامي
إياك إياك يا نفسي مهادنة / للظلم أو فاقبعي في سجن ظلام
معنى الحياة ابتسام لا يفارقها / وإن أحيطت بجدب غير بسام
وهل أكون سوى رمز تضن به / على الفناء وإن أفنيت أعوامي
عابوا الحقيقة في شعري وما سكنت / سوى الحقيقة أسمى شعري السامي
ما سف يوما وإن بجهلة من جهلة / أن الحياة تعالت فوق أحلام
وأن وجدي وتفكيري وفلسفتي / ليست سوى مثل من فن رسام
ذاق الخلود بألوان مجنحة / فوق النجوم وفي ألوان آكام
كل الطبية معبود لمهجته / تشكلت حول أطياف وإلهام
تمتد خفاقة لا حد يحصرها / كخفق قلبي على إحساسي النامي
أنا ابنها لا ينال الدهر من أثري / ولم ينل قبل من نور وأجرام
كم من صغير تردى في حقارته / للناس وهو جليل شامخ سام
كالبذر أو قطرة للبحر شاردة / هي الوجود تناهت فوق أنسام
وعيتها في خيالي فهي فلسفتي / وإن تعز على بهم واصنام
تطير في فرحة نشوى ويرفعها / حب الحياة إلى غايات إقدام
كأنها صائد ردت حماسته / خوف الممات بأدغال وآجام
أغزو كما غزت الدنيا وإن فشلت / وإن تمزقت من غدر لأخصامي
حسبي التجارب في دنياي أفهمها / وإن تدق ولم تكشف لأفهام
حسبي شعوري بأن الكون أجمعه / يوما سيتلى ويجري فوق أقلام
حسبي على الرغم من هم ومن نصب / أني الطليق ولم أرضخ لإرغام
بشراك هذا العم عي
بشراك هذا العم عي / سى صار فينا العم سام
أنظر إلى عثنونه / فلقد تزايد واستقام
قد كان في حزم الشيو / خ فصار في زهو الغلام
من ذا يطاوله وه / ذي الناطحات له تقام
اليوم يملك كل شيء / حوله ملك الهيام
في موطن حر به / الأحرار خدام السلام
لا عيب فيه سوى سما / حته التي تغري اللئام
فيه المساواة العمي / مة ملة وله ذمام
فرص النهوض تكافأت / فيه كذرات الغمام
لا بدع إن جذب النجو / م إله واعتنق الدوام
واليوم يغنم فضل عي / سى الشامخ الحر الهمام
كم موقف للحق نذ / كره له عاما فعام
كم من نصائح بثها / كالنور يخترق الظلام
فتناوبوا أنخابه / بالحب لا وهج المدام
إن الكؤوس من الولا / ء أحب من راح وجام
اليوم يوم الصفو نغ / نمه وما الصفو حرام
متضاحكين مهللين / يهزّ نشوتنا الزحام
ولربما أصى النيا / م فلم يعد فينا نيام
أنا بينكم مهما نأي / ت إذا استبد بي السقام
شعري نظيري بل أعز / نهاي في شعري أقام
فتقبّلوه برغم عج / زي أيها الصحب الكرام
واستلهموا من شهرزاد / الحب قبل غنى الطعام
فاليوم عيسى كالرشيد / وحقّه حقّ الغرام