المجموع : 14
سَقَتْني بما مَجّتْ شِفاهُ الأراقِمِ
سَقَتْني بما مَجّتْ شِفاهُ الأراقِمِ / وعاتَبَني فيها شِفارُ الصَّوارم
عَدَتنيَ عنها الحرْبُ يُصرَفُ نابُها / وصَلصَالُ رَعْدٍ في زئيرِ الضَّراغم
فكيْفَ بها نَجْدِيّةً حال دونَها / صَعاليكُ نجْدٍ في مُتون الصَّلادم
أتى دونَها نَأيُ المزارِ وبُعْدُهُ / وآسادُ أغْيالٍ وجِنُّ صَرائم
وأشْوَسُ غَيرانٌ عليها حُلاحِلٌ / طويلُ نجاد السيْفِ ماضي العزائم
ولو شِئْتُ لم تبْعُدْ عليّ خِيامُها / ولو طُنِّبَتْ بين النُّجومِ العواتم
وباتَ لها منّي على ظَهْرِ سابِحٍ / أشَمُّ أبيُّ الظُّلْمِ من آلِ ظالم
وأسْهَرَهَا جَرُّ الرّماحِ على الثرى / بأيدي فُتُوِّ الأزدِ صُفْرِ العمائم
فهَلْ تُبْلِغَنّيها الجيادُ كأنّها / أعِنّتُها من طولِ لَوكِ الشّكائم
منَ الأعْوَجيّاتِ التي ترزُقُ الغِنى / وتَضْمَنُ أقواتَ النُّسورِ القشاعم
من اللاّءِ هاجتْ للنّوى أرْيَحِيّتي / وهزّتْ إلى فُسْطاط مصرَ قَوادمي
فشيَّعتُ جيشَ النصرِ تشييعَ مُزْمعٍ / وَوَدّعْتُهُ توديعَ غيرِ مُصارم
وقد كدتُ لا ألوي على مَن تركتُهُ / ولكنْ عَداني ما ثنى من عَزائمي
ولو أنّني استأثرْتُ بالإذنِ وحدَهُ / لَسِرْتُ ولم أحْفِلْ بلومةِ لائم
طَرِبْتُ إلى يومٍ أُوَفّيه حَقَّهُ / لِيعْلَمَ أهلُ الشعرِ كيف مُقاومي
أصَبُّ إلى مِصْرٍ لِساعَةِ مَشْهَدٍ / يَعَضُّ لها غُيّابُها بالأباهم
فإنْ لم أُشاهِدْ يومَها مِلْءَ ناظري / أُشاهِدْهُ ملءَ السمْع ملء الحيازم
وقد صَوّرَتْ نفسي ليَ الفتحَ صورةً / وشامتْهُ لي من غيرِ نظرةِ شائم
كذاك إذا قام الدليلُ لذي النهى / على كوْنِ شيءٍ كان ضربةَ لازم
على أنّني قَضّيْتُ بعضَ مآربي / وأقرَرتُ عيني بالجيوش الخَضارم
وآنَسْتُ من أنصارِ دولةِ هاشمٍ / جَحاجِحَةً تَسْعَى لدولةِ هاشم
ويممت في طرق الجهاد سبيلهم / لأصلى كما يصلون لفح السمائم
وفارقتُهم لا مؤثِراً لفراقهم / ولا مستخفّاً بالحقوقِ اللوازم
فلِلّهِ ما ضَمَّ السُّرادِقُ والتقَتْ / عليه ظلالُ الخافقاتِ الحوائم
فثَمّ مصابيحُ الظّلام وشيعةُ ال / إمامِ وأُسْدُ المأزِقِ المُتَلاحم
وفي الجيش مَلآنٌ به الجيشُ باسطٌ / يَديهِ بقِسطاسٍ من العدل قائم
مُدبِّرُ حَربٍ لا بَخِيلٌ بنفسِهِ / عليها ولا مُستأثِرٌ بالغنائِم
ولا صارِفٌ راياتِهِ عن مُحارِبٍ / ولا مُمْسِكٌ معروفَهُ عن مُسالم
وللصّارخِ الملهوفِ أوّلُ ناصرٍ / وللمُتْرَفِ الجبّارِ أوّلُ قاصم
فلا عبْقَرِيٌّ كان أو هو كائِنٌ / فرَى فَريَهُ في المُعضِلاتِ العظائم
كذلك ما قاد الكتائبَ مثلُهُ / لإنصافِ مظلومٍ ولا قمعِ ظالم
ولم يتَجَمّعْ لامرىءٍ كان قبلَهُ / خِضابُ العَوالي واجتنابُ المآثم
رِضاكَ ابنَ وحيِ اللّهِ عنه فإنّهُ / رَعَى أولياءَ اللّهِ رعْيَ السوائم
إذا اختلفوا في الأمرِ ألّفَ بينهُم / طبيبٌ بأدواءِ النفوسِ السّقائم
فلا رأيُه في حالةٍ يَتْبَعُ الهوَى / ولا سَمْعُهُ مُستَوْقِفٌ للنّمائم
جَزَتْهُ جَوازي الخيرِ عنهُمْ فإنّهُ / سَقاهم بشُؤبوبٍ من العدِل ساجم
فقد سارَ فيهِمْ سيرةً لم يسِرْ بها / من النّاس إلاّ مثلُ كعبٍ وحاتم
أفاءَ عليهم ظِلَّ أيامكَ التي / زُهِينَ بأيّامِ العُلى والمكارم
وما غال جيشَ الشرْق قبلَكَ غائلٌ / ولاسِيّما بعدَ العَطايا الجسائم
وبعدَ صِلاتٍ ما رأى النّاسُ مثلَها / ولا حُدِّثوا في السالفِ المُتقادم
أولئك قوْمٌ يَعْلَمُ اللّهُ أنهم / قدِ اقتَسَموا الدّنيا اقتسامَ المغانم
فكم ألْفِ ألْفٍ قد غدَوا يطَأونها / بأقْدامِهِمْ وطءَ الحصَى بالمناسِم
ولو كنْتُ ممّن يَسْتريبُ عِيانَهُ / ويُدرِكُهُ فيما رَأى وَهْمُ واهم
لحدّثْتُ نفْسي أنّني كنتُ حالماً / وإن لمْ أكُنْ فيما رأيتُ بحالم
فلا يسْألَنّي مَن تخلَّفَ عَنهُمُ / فيَقْرَعَ في آرائِه سِنَّ نادم
لعَمْري همُ أنصارُ حقٍّ وكلُّهُمْ / من المجْدِ في بيتٍ رفيعِ الدعائم
لقد أظهروا من شكرِ نعمةِ ربِّهم / وقائِدِهم ما لسْتُ عنه بنائم
وإنّيَ قد حُمِّلْتُ منهم نَصائحاً / كرائمَ تُهْدى عن نفوسٍ كرائم
إليكَ أميرَ المؤمنينَ حَمَلْتُها / ودائعَ كالأموالِ تحتَ الخواتم
شَهِدْتُ بما أبْصَرتُه وعلِمْتُهُ / شهادَةَ بَرٍّ لا شَهَادَةَ آثِم
فقُمتُ بها عن ألسنِ القوم خُطبَةً / إذا ذُكِرَتْ لم تُخزِهم في المواسم
أصاخَت فقالت وقْعُ أجردَ شَيظمِ
أصاخَت فقالت وقْعُ أجردَ شَيظمِ / وشامَتْ فقالتْ لَمعُ أبيضَ مِخذَمِ
وما ذُعِرَتْ إلاّ لَجْرسِ حُلِيِّهَا / ولا لَمَحَتْ إلاّ بُرىً من مُخدَّم
ولا طَعِمَتْ إلاّ غِراراً منَ الكَرَى / حِذارَ كَلُوءِ العينِ غيرِ مُهَوِّم
حِذارَ فَتىً يَلْقَى الغَيورَ بحتْفِهِ / ويَمْرُقُ تحتَ الليلِ من جِلد أرقَم
وقالت هوَ اللْيثُ الطَّروقُ بذي الغضا / فليسَ حَفيفُ الغِيلِ إلاّ لِضَيغم
يَعِزُّ على الحسناءِ أن أطأ القَنا / وأعثِرَ في ذَيْلِ الخَميسِ العَرَمرَم
تَوَدُّ لوَ انّ الليْلَ كفْؤٌ لشَعْرِها / فيَسْتُرَ أوضاحَ الجَوادِ المُسَوَّم
ولم تَدرِ أنّي ألَبسُ الفَجَر والدُّجَى / وأسفِرُ للغَيْرانِ بعدَ تَلَثُّمي
وما كلُّ حَيٍّ قدْ طَرَقْتُ بهاجِعٍ / وما كلّ ليْلٍ قد سَرَيْتُ بمُظلِم
وكمْ كُرْبَةٍ كَشَّفْتُهَا بثَلاثَةٍ / من الصُّحبِ خَيفانٍ وماضٍ ولهذم
وما الفتكُ فتك الضارب الهامَ في الوغى / ولكنّهُ فَتْكُ العَميدِ المُتيَّم
وبينَ حَصَى الياقوتِ لَبّاتُ خائفٍ / حَبِيبٍ إليه لو تَوَسّدَ مِعْصَمي
جهلتُ الهوى حتى اختبرْتُ عذابَهُ / كما اختبرَ الرِّعْديد بأسَ المُصَمِّم
وقُدْتُ إلى نَفْسي منّيةَ نَفسِها / كما أُحِرقتْ في نارِها كَفُّ مُضْرِم
ومِمّا شَجَاني في العَلاقَةِ أنّني / شَرِبْتُ ذُعافاً قاتِلاً لَذَّ في فمي
رَمَيْتُ بسَهْمٍ لم يُصِبْ وأصابَني / فألقَيْتُ قَوْسي عن يَدَيَّ وأسهمُي
ألا إنّ جِسماً كانَ يَحْمِلُ هِمّتي / تَطاوَحَ في شدْقٍ من الدهرِ أضجَم
ومن عَجَبٍ أنّي هَرمْتُ ولم أشِبْ / ومَن يَلَبسِ الهِجرَانَ والبَينَ يَهرَم
لعَلّ فنىً يقضي لُبانَةَ هالِكٍ / إذا كان لا يقضي لُبانَةَ مُغْرَم
وكم دونَ أرْوَى من كَميٍّ مُلأّمٍ / وشَعْبٍ شَتيتٍ بعدها لم يُلأّمْ
ألا ليْتَ شِعْري هل يروعُ خِيامَهَا / عِثارُ المَذاكي بالقَنَا المُتَحَطِّم
فلو أنّني أسطيعُ أثقَلْتُ خِدرَهَا / بما فوق راياتِ المُعِزِّ من الدّم
منَ اللاّءِ لا يَصْدُرْنَ إلاّ رَوِيّة / كأنّ عليها صِبْغَ خَمْرٍ وعَنْدَم
كأنّ قَنَاهَا المُلْدَ وهي خَوافِقٌ / قُدُودُ المَها في كلّ رَيْطٍ مُسَهَّم
لها العَذبَاتُ الحُمْرُ تَهْفُو كأنّهَا / حَواشي بروقٍ أو ذوائبُ أنجُم
إذا زَعْزَعَتْهُنَّ الرّياحُ تَزَعْزَعَتْ / مَواكِبُ مُرّانِ الوشيجِ المُقَوَّم
يُقَدّمُهَا للطّعْنِ كلّ شَمَرْدَلٍ / على كُلّ خَوّارِ العِنانِ مطَهَّم
كتائب تُزْجي كُلَّ بُهْمَةِ مَعْرَكٍ / أبيِّ الدّنَايا والفِرارِ غَشَمْشَم
فما يشهَدُونَ الحربَ غيرَ تَغَطْرسٍ / ولا يَضرِبونَ الهامَ غير تَجَهضُم
غَدَوْا ناكِسي أبصارِهم عن خَليفةٍ / عليمٍ بسّر اللّهِ غيرِ مُعَلَّم
وروحِ هُدىً في جسم نورٍ يُمِدُّهُ / شُعاعٌ من الأعلى الذي لم يُجَسَّم
ومُتّصِلٍ بينَ الإلهِ وبيْنَهُ / مُمَر من الأسْبابِ لم يَتَصَرَّم
إذا أنْتَ لم تَعْلَمْ حقيقَةَ فَضْلِهِ / فسائِلْ بهِ الوَحْيَ المُنَزَّلَ تَعْلم
على كلّ خَطٍّ من أسِرّةِ وجهِهِ / دِليلٌ لعينِ النّاظِرِ المُتَوَسِّم
فأُقسِمُ لو لم يأخُذِ النّاسُ وَصفَهُ / عنِ اللّهِ لم يُعْقَلْ ولم يُتَوَهَّم
مُقَلَّدُ مَضّاءٍ من الحقّ صارمٍ / ووارثُ مسطورٍ من الآي مُحكَم
ومِدْرَهُ غَيْبٍ لا مُعَنّى تَجَارِبٍ / ولابسُ حِلْمٍ لا مُعارُ تَحَلُّم
غَنيٌّ بما في الطْبعِ عن مُستَفادِهِ / لهُ كَرَمُ الأخْلاقِ دونَ التكرُّم
ودانٍ ولولا الفضْلُ رُدّ جَلالُهُ / إلى غَيرِ مَرْئِيٍّ وغيرِ مُكلَّم
إذا كان منْ أيّامِهِ لكَ شافِعٌ / إلى أمَلٍ فاخْصِمْ به الدهْر واقصِم
إذا أنْتَ لم تْعدَمْ رِضاهُ الذي بهِ / يفوز بنو الدنيا فلستَ بمُعْدِم
إذا لم تُكَرّمْكَ الطِّباعُ بُحبّهِ / فلستَ على ذي نُهْيَةٍ بمُكَرَّم
ألا إنّما الأقدارُ طَوْعُ بَنانِهِ / فحارِبْهُ تُحْرَبْ أو فسالِمْهُ تَسْلم
إمامُ هُدىً ما التفَّ ثوبُ نُبُوّةٍ / على ابن نبيٍّ منه باللّه أعْلم
ولا بَسَطَتْ أيدي العُفاةِ بَنانَها / إلى أرْيَحيٍّ منه أنْدى وأكرَم
ولا التَمَعَ التّاجُ المفصَّلُ نَظمُهُ / على مَلِكٍ منه أجَلَّ وأعْظَم
ففِيهِ لنفسٍ ما استدَلّتْ دلالةٌ / وعِلْمٌ لأخرى لم تُدَبِّرْ فتَعْلم
إذا جَمَحَ الأعداءُ رَدّ جِماحَهُمْ / إلى جَذَعٍ يُزجي الحوادثَ أزلم
فسارَ بهم سَيرَ الذَّلول براكِبٍ / وشَلَّهُمُ شَلّ الطّلِيحِ المُسَدَّم
وأحسبُهُ أوحى بأمْرٍ إلى الظُّبَى / ولو لم يكُنْ ما قلتُ لم تتبسَّم
إذا سارَ تحتَ النَّقْع جَلّى ظلامَهُ / ولو سارَ منه تحتَ أربَدَ أقْتَم
وإن ثَبَّتَ الأقدامَ قَرّتْ قرارَهَا / فكانَ الهِدانُ النِّكسُ أوّلَ مُقْدِم
وتضحكُ سِنُّ الحرْبِ وهي مَلِيّةٌ / لأبْطالها بالمأزِقِ المُتَجَهِّم
فيَغْدوُ عليها فارسٌ غيرُ دارعٍ / ويَرْدى إليها سابحٌ غيرُ مُلجَم
فلا الضّربُ فوقَ الهامِ هَبراً بقاتِلٍ / ولا الطعّنُ في الأحداق شزْراً بمؤلم
أهابَ فهم لا يَظفَرُونَ بخالِعٍ / وجادَ فهم لا يَظفَرُونَ بمُعْدِم
لقد رَتَعَتْ آمالُنَا من جَنَابِهِ / بِغَيرِ وَبِيِّ المَرتَعِ المُتَوَخِّم
بحْيثُ يكونُ الماءُ غيرَ مُكدَّرٍ / لوارِدِهِ والحوضُ غيرَ مُهدَّم
فَشِيموا لَهَاهُ من عطاءٍ ونائِلٍ / إذا شِيمَ نَوْءٌ من سِماكٍ ومِرزَم
ولا تسألوا عن جارِهِ إنّ جارَهُ / هو البَدرُ لا يُرْقَى إليهِ بسلُمَّ
لكَ الدّهْرُ والأيّامُ تجري صرُوفُها / بما شِئْتَ منْ حَتْفٍ ورِزْقٍ مقسَّم
وأنتَ بدأتَ الصّفْحَ عن كلّ مُذنبٍ / وأنْتَ سَنَنْتَ العفْوَ عن كلّ مجْرِم
وكُلُّ أنَاةٍ في مَواطِنِ سُؤدَدٍ / ولا كأناةٍ من قديرٍ مُحَكَّم
ومَن يَتَيَقّنْ أنّ للعَفْوِ مَوضِعاً / من السيْفِ يَصْفَحْ عن كثيرٍ ويَحلُم
وما الرّأيُ إلاّ بَعْدَ طولِ تَثَبُّتٍ / ولا الحَزْمُ إلاّ بَعدَ طولِ تَلَوُّم
رأيتُكَ مَن تَرْزُقْهُ يُرْزَقْ من الورى / دِراكاً ومَن تَحرِمْ من الناس يُحْرَم
ومَن لم تُؤيِّدْ مُلْكَهُ يَهْوِ عَرشُهُ / ومَنْ لم تُثَبِّتْ عِزَّه يَتَهَدَّم
لكَ البِدَراتُ النُّجْلُ من كل طَلقةٍ / عَرُوبٍ كوجهِ الضاحكِ المتبسِّم
كأسنِمَةِ الآبالِ أو كحُدُوجِهَا / فمِن زاهِقٍ عن نِسَعةٍ ومُزَمَّم
متى يَتَشَذّرْ تحتْهَا العُودُ يَتَّئِد / وإنْ يَتَدَافَعْ تحتها الزَّولُ يَدرِم
وكانتْ ملوكُ الأرض تبجَحُ بالقِرى / قِرى المَحضِ في اللأواء غيرِ مُصَرَّم
وتَفْخَرُ أن أعْطَتْ نَجائبَ صِرْمَةً / وما أثّ من بَرْكِ الحِواءِ المصتَّم
فقد تَهَبُ الدّنْيا وأنجُمُ سعْدِها / طوالِعُ شتّى من فُرادى وتَوأم
وما الجودُ جُوداً في سِواكَ حَقيقَةً / وما هو إلاّ كالحديثِ المُرَجَّم
فلو أنّهُ في النّفس لم يكُ غُصّةً / ولو أنّهُ في الطْبع لم يُتَجَشَّم
وجُودُكَ جُودٌ ليسَ بالمالِ وحدهُ / إذا نَهَضَتْ كفٌّ بأعباء مَغْرَم
ولكِنْ به بَدْءاً وبالعيشِ كلّهِ / حميداً على العِلاّتِ غيرَ مُذَمَّم
وبالمجْدِ إنّ المجدَ أجزلُ نائِلٍ / وبالعَفْوِ إنّ العفُوَ أكبرُ مَغنَم
فَمن مُخبري عن ذا العِيان الذي أرى / فإنّ يقيني فيه مثلُ تَوَهُّمي
خَلا منك عصْرٌ أوّلٌ كان مثلَما / نبا السمعُ عن بيْتٍ من الشِّعر أخرم
فأمّا اللّيالي الغابراتُ فأدركَتْ / مَآربَهَا من بهجةٍ وتكرُّم
وأمّا اللّيالي السالفاتُ فقَطّعَتْ / أنامِلَهَا من حَسرَةٍ وتَنَدُّم
ولا عَجَبٌ أن كُنْتَ خَيرَ مُتَوَّجٍ / فجَدُّكَ بالبَطحاءِ خيرُ مُعمَّم
ولم تَلبَسِ التّيجانَ للجِهَةِ الّتي / أرادَ بها الأملاكُ من كلّ جَهْضَم
ولا لاتّقادٍ مِن سَناهَا عَقَدْتَها / ولكن لأمْرٍ ما وغْيبٍ مُكتَّم
إذا كان أمْنٌ يَشْمَلُ الأرضَ كلَّها / فلا بُدّ فيها من دليلٍ مُقَدَّم
وأشْهَدُ أنّ الدّينَ أنْتَ مَنارُهُ / وعُرْوَتُهُ الوُثْقَى التي لم تُفَصَّم
وللّهِ سَيْفٌ ليسَ يَكْهَمُ حَدُّهُ / على أنّه إن لم تَقَلَّدْهُ يَكْهَم
وللَوحْيِ بُرهانٌ ألَدٌّ خِصامُهُ / ولكنّهُ إن لم تُؤيّدْهُ يُخْصَم
وللدّهْرِ سَجْلٌ من حَياةٍ ومن رَدىً / ولكنّهُ من بَطْنِ كَفّيكَ يَنهَمي
فلا تَتَكَلّفْ للخميسِ من العِدى / خَميساً ولكِنْ رُعْهُ باسمِكَ يُهزَم
ومُضْرَمَةِ الأنفاسِ جَمْرٌ وطيسُها / شَرَنْبَثَةِ الكَفّينِ فاغرةِ الفَم
ضَرُوسٍ لها أبْناءُ صدْقٍ تَحُثُّهَا / فمِنْ خادِرٍ وَرْدٍ وأشْجَعَ أيْهَم
رَدَدْتَ رِماحَيْهَا بأوّلِ لحظَةٍ / وزعْزَعْتَ رُكْنَيْها بأوّلِ مَقْدَم
وأرْعَنَ يحْمُوم كأنّ أديمَهُ / إذا شُرِعَتْ أرماحُهُ ظَهرُ شَيهَم
هَريتُ شُدوق الأُسْدِ يُطوَى عجاجه / على عَنْقَفيرٍ يأكلُ الناسَ صَيلَم
فأركانُهُ مِن يذْبُلِ وعَمَايَةٍ / وأعلامُهُ مِن أعفُرٍ ويَلَملَم
إذا أخذَتْ أعلامُه صَدْرَ مِقْنَبٍ / رأيتَ شَرَورَى تحتَ نخلٍ مكَمَّم
أُسِفَّ عليهِ المِسكُ والنَّقْعُ مثلما / أُسِفَّ نَؤورٌ فوقَ جِلْدٍ مُوَشَّم
يسيرُ رُوَيْداً في الوَغى وحَديدُهُ / يسيلُ ذُعافاً وهْوَ غَيرُ مُسَمَّم
فما تَنْطِقُ الأرماحُ غيرَ تَصَلْصُلٍ / ولا تَرْجِعُ الأبْطالُ غيرَ تَغَمْغُم
فيَملأ سَمْعاً من رواعِدَ رُجَّفٍ / ويملأ عَيْناً من بوارِقَ ضُرَّم
غِطَمٌّ خِضَمُّ المَوج أورَقُ جَحفَلٌ / لُهامٌ كمِرْداةِ الصّفيحِ المُلَملَم
كأنّ عليه اليَمَّ باليَمِّ تَنْكَفي / غَوارِبُهُ واللّيْلَ بالليلِ يَرتَمي
فلا راجِعٌ باللأمِ غيرَ مُبتَّكٍ / ولا بحَبيكِ البَيضِ غيرَ مُهَدَّم
ولا بنَواصي الخيلِ غيرَ خضِيبَةٍ / ولا بحَديدِ الهِندِ غيرَ مُثَلَّم
رفعْتَ على هامِ العدى منه قَسْطَلاً / خَضَبْتَ مَشيبَ الفجرِ منه بعِظلِم
وغادَرْتَ صِبغاً من نجيعِ دمائِهم / على ظُفُرِ النّصْلِ الذي لم يُقَلَّم
لديكَ جنُودُ اللّهِ منْها رُجُومُهُ / فمن مارِجٍ نارٍ وكِسْفٍ مُضَرَّم
تقودُهُمُ في الجيش والجيشُ مَنسَكٌ / وكُلٌّ حَجيجٌ مِن مُحِلٍّ ومُحْرِم
كما سار في الأنصار جَدُّكَ من مِنىً / وقادَ الحواريّينَ عيسى بنُ مريم
فلا مُهْجَةٌ في الأرضِ منكَ مَنيعَةٌ / ولو قطَرَتْ من رِيقِ أرقطَ أرقَم
ولو أنّها نِيطَتْ بمِخْلَبِ قَسْوَرٍ / ولو أنها باتَتْ على رَوْقِ أعصَم
لقد أعذَرَتْ فيكَ الليالي وأنْذَرَتْ / فقُلْ للخطوبِ استَأخِري أو تقدَّمي
قُصاراك مَلْكُ الأرضِ لا ما يَرَوْنَهُ / من الحظّ فيها والنَّصِيبِ المُقَسَّم
ولا بدّ من تلكَ التي تجمعُ الوَرى / على لاحِبٍ يَهْدي إلى الحَقّ أقوَم
فقد سئِمَتْ بِيضُ الظُّبى من جفُوُنها / وكانتْ متى تألَفْ سِوَى الهام تَسْأم
وقد غَضِبَتْ للدّينِ باسطَ كَفّهِ / إليهِنّ في الآفاقِ كالمُتَظَلِّم
وللعَرَبِ العَرْباءِ ذَلّتْ خدُودُهَا / وللفَترَةِ العَمْياءِ في الزّمَنِ العَمي
وللعِزّ في مِصرٍ يُرَدُّ سَريرُهُ / إلى ناعِبٍ بالبَينِ يَنْعِقُ أسْحَم
وللمُلْكِ في بغدادَ أن رُدّ حُكمُهُ / إلى عَضُدٍ في غَيرِ كَفٍّ ومِعْصَم
إلى شِلْوِ مَيْتٍ في ثيابِ خليفةٍ / وبضع لحام في إهاب مورم
فإن يكن العبد اللئيم نجاره / فما هو من أهْلِ العِراقِ بألأم
سَوامٌ رِتاعٌ بينَ جَهْلٍ وحَيرَةٍ / ومُلْكٌ مُضاعٌ بينَ تُرْكٍ ودَيْلَم
كأنْ قد كشَفْتَ الأمرَ عن شُبُهاتِهِ / فلم يُضْطَهَدْ حَقٌّ ولم يُتَهَضّم
وفاضَ دماً مَدُّ الفُراتِ ولم يَجُزْ / لِوارِدِهِ طُهْرٌ بغَيرِ تَيَمُّم
فلا حَمَلَتْ فُرسانَ حرْبٍ جِيادُهَا / إذا لم تَزُرْهُمْ من كُمَيتٍ وأدهَم
ولا عَذُبَ الماءُ القَراحُ لِشارِبٍ / وفي الأرضِ مَرْوانِيّةٌ غيرُ أيِّم
ألا إنّ يوْماً هاشميّاً أظَلَّهُمْ / يُطيِرُ فَراشَ الهامِ عن كل مِجثم
كيوْمِ يَزيدٍ والسّبايا طَريدةٌ / على كلّ مَوّارِ المِلاطِ عَشَمْشَم
وقد غَصّتِ البَيْداءُ بالعِيسِ فوقَها / كرائِمُ أبناءِ النّبيّ المكَرَّم
ذُعِرْنَ بأبناءِ الضّبابِ وأعْوَجٍ / فأبْكَينَ أبناءَ الجَديلِ وشَدْقَم
يَشُلّونَها في كُلّ غاربِ دَوسَرٍ / عليهِ الوَلايا بالخِشاشِ مُخَزَّم
فما في حَريمٍ بعدَهَا منْ تَحَرُّجٍ / ولا هَتْكُ سِترٍ بعدَها بمحَرَّم
فإنْ يَتَخَرّمْ خيرُ سبطَيْ مَحمّدٍ / فإنّ وليّ الثّارِ لم يَتَخَرَّم
ألا سائِلُوا عنهُ البَتْولَ فتُخبَرُوا / أكانَتْ لهُ أُمّاً وكان لها ابنَم
ألا إن وتراً فيهم غير ضائع / وطلاب وتر منكم غير نوم
فلمْ يَبقَ للمِقدارِ إلاَّ تَعِلّةٌ / لديكَ مَداها فاحسِمِ الدّاءَ يُحسَم
ولم يبْقَ منهُمْ غيرُ فَقْعٍ بقَرقَرٍ / أذَلَّ من العَفْرِ الذّلِيلِ وأرغَم
سيُوفٌ كأغمادِ السّيوفِ ودولَةٌ / تَثَنّى دلالاً كالقضيب المُنَعَّم
فتَمْشونُ في وَشيِ الدّروعِ سوابغاً / ويمَشونَ في وَشيِ الُبرودِ المُنَمنَم
وإنّا وإيّاهُمْ كَمَارِنِ نَبْعَةٍ / تَهَضّمَ نَجمْاً من يَراعٍ مُهَضَّم
وما عاثَ فيهِمْ مِقْوَلٌ مثلُ مِقوَلي / ولا لاحَ فيهم مِيسَمٌ مثلُ مِيسَمي
وأولى بلَوْمٍ من أُمَيّةَ كُلّها / وإن جَلّ أمْرٌ من مَلامٍ ولُوَّم
أُناسٌ هُمُ الدّاءُ الدّفينُ الذي سَرَى / إلى رِمَمٍ بالطَّفِّ منكم وأعظُم
هُمُ قَدَحُوا تِلكَ الزّنادَ التي وَرَتْ / ولو لمْ تُشَبَّ النّارُ لم تَتَضَرّم
وهُم رَشّحُوا تَيْماً لإرْثِ نَبيّهِمْ / وما كانَ تَيْمِيٌّ إليهِ بمُنتَم
على أيّ حُكْمِ اللّهِ إذ يأفكونَهُ / أُحِلَّ لهم تقديمُ غيرِ المُقدَّم
وفي أيّ دِينِ الوَحيِ والمُصْطَفَى لَهُ / سَقَوْا آلَهُ ممزوجَ صابٍ بعَلقَم
فما نَقَموا أنّ الصّنيعَةَ لم تكُنْ / ولكنّها منهم شَناشِنُ أخْزَمْ
وتاللّهِ ما للّهِ بادَرَ فَوتَهَا / ذَوُو إفكِهم من مُهْوَإٍ أو مُنَقَّم
ولكِنّ أمراً كانَ أُبْرِمَ بَيْنَهُمْ / وإن قالَ قوْمٌ فَلتَةٌ غيرُ مُبْرَم
بأسْيافِ ذاكَ البَغْي أوّلَ سَلَّهَا / أُصِيبَ عليٌّ لا بسيْفِ ابنِ ملجم
وبالحِقْدِ حِقْدِ الجاهِلِيّةِ إنّهُ / إلى الآنَ لم يَظْعَنْ ولم يَتَصَرَّم
وبالثّارِ في بَدْرٍ أُرِيقَتْ دِماؤكُمْ / وقِيدَ إليكُمْ كلّ أجْردَ صِلدِم
ويَأبَى لكُم من أن يُطَلّ نَجِيعُها / فُتُوٌّ غِضابٌ مِنْ كمِيٍّ ومُعْلِم
يَرِيعُونَ في الهَيجا إلى ذي حَفيظَةٍ / طويلِ نِجادِ السيْفِ أبلَجَ خِضرم
قلِيلِ لِقاءِ البِيضِ إلاّ منَ الظُّبَى / قليلِ شَرابِ الكَأسِ إلاّ منَ الدّم
فطَوْراً تَرَاهُ مُؤدَماً غيرَ مُبْشَرٍ / وطوْراً تَراهُ مُبْشَراً غيرَ مُؤدَم
وكُنتُمْ إذا ما لم تُثَلَّمْ شِفارُكمْ / عِلمنا بأنّ الهامَ غيرُ مُثَلَّم
سبقْتُمْ إلى المَجْدِ القديمِ بأسْرِهِ / وبُؤتُمْ بِعادِيٍّ على الدّهرِ أقدَم
وليسَ كما أبْقَتْ ضُبَيْعَةُ أضْجَمٍ / وليسَ كما شادَتْ قبائلُ جُرْهُم
ولكِنّ طَوداً لم يُحَلْحَلْ رَسِيُّهُ / وفارعَةً قَعْساء لم تُتَسَنَّم
إذا ما بِناءٌ شادَهُ اللّهُ وَحْدَهُ / تَهَدّمَتِ الدّنْيا ولمْ يَتَهَدّم
فمُكْبِرُكُمْ للّهِ أوّلٌ مُكْبِرٍ / ومُعْظِمُكُمْ للّهِ أوّلُ مُعْظِم
تَمُدّونَ منْ أيْدٍ تَغَيَّمُ بالنّدَى / إذا ما سَماءُ القوْمِ لم تَتَغَيّم
ألا إنّكُمْ مُزْنٌ من العُرْفِ فائِضٌ / يُرَدُّ إلى بحْرٍ من القُدْسِ مُفْعَم
كأنّكُمُ لا تَحْسَبُونَ أكُفّكُم / تُفيضُ على العافي إذا لم يُحَكَّم
فلا صَفَدٌ منكُمْ إذا لم يكُنْ غِنىً / ولا مِنّةٌ طَوْلٌ إذا لم تُتَمَّمَ
بِكُمْ عَزّ ما بَينَ البَقيعِ ويَثرِبٍ / ونُسِّك ما بَينَ الحَطيمِ وزمزم
فلا بَرِحَتْ تَترَى عليكمُ من الوَرى / صَلاةُ مُصَلٍّ أو سَلامُ مُسَلِّم
لئن كانَ لي عن وُدّكُم مُتأخَّرٌ / فما ليَ في التّوحِيدِ من مُتَقَدَّم
مدَحْتُكُمُ عِلْماً بما أنَا قائِلٌ / إذا كان غَيري زاعِماً كُلًّ مَزْعَم
ولو أنّني أجري إلى حيْثُ لا مدى / من القوْلِ لم أحْرَجْ ولم أتَأثّم
لكم جامعُ النُّطْقِ المُفَرَّقِ في الورى / فمِن بينِ مشْرُوحٍ وآخَرَ مُبْهَم
وفي النّاسِ عِلْمٌ لا يَظُنّونَ غَيرَهُ / وذلكَ عُنْوانُ الصّحيفِ المُختَّم
إذا كانَتِ الألْبابُ يَقْصُرُ شَأوُهَا / فظُلْمٌ لِسِرِّ اللّهِ إنْ لم يُكتَّم
إذا كانَ تَفْريقُ اللُّغاتِ لِعِلّةٍ / فلا بُدّ فيها من وَسيطٍ مُتَرجِم
وآيَةُ هذا أن دَحَا اللّهُ أرْضَهُ / ولكنّهَا لم تُرْسَ من غيرِ مَعلَم
ولم يُؤتَ مَرْءٌ حِكمَةَ القولِ كلَّها / إذا هُوَ لم يَفْهَمْ ولم يَتَفَهّم
لكَ الفَضْلُ حتى منك لي كلُّ نعمَةٍ / وكُلُّ هُدىً ما كُلّ هادٍ بمُنْعِم
وإنّي وإنْ شَطّ المَزارُ لَراجِعٌ / إلى وُدّ قلْبٍ في ذراك مُخَيِّم
بأنْصَحَ من جَيبِ المحِبّ على النّوَى / وأطْهَرَ من ثَوبِ الحَرامِ المُهَيْنِم
وضِعْفُ الذي جَمجَمْتُ غيرَ مُصَرِّح / من الشكْرِ ما صَرّحْتُ غير مجَمجِم
وأُقْسِمُ أني فيكَ وحدي لَشيعَةٌ / وكنْتُ أبَرَّ القائِلينَ بمُقْسَم
ولولا قَطِينٌ في قَصِيٍّ منَ النّوَى / لما كان لي في الزّابِ من مُتَلَوَّم
وفي ذَمَلانِ العِيسِ كِلْتَا مَآربي / إذا أرْقَلَتْ بي من أَمُونٍ وعَيْهَم
فمنها إذا عَدّتْكَ شِيعَةُ رِحْلَتي / ومنها إذا أمّتْكَ شِيعَةُ مَقدَمي
وأينَ تكونُ الأرحَبِيّةُ في السُّرَى / وشَدْوِي على كِيرانِها وترَنُّمي
إذا لم أُجاوِزْ فَدْفَداً بعْدَ فَدْفَدٍ / إليكَ وأطْوي مَخْرِماً بعد مَخْرِم
وخَيرُ ازديارٍ غِبُّهُ وعلى النّوَى / يُحَجُّ إلى البيْتِ العَتيقِ المُحَرَّم
وعِنْدي على نأيِ المَزارِ وبُعْدِهِ / قصائِدُ تَشْرَى كالجُمانِ المُنظَّم
إذا أشْأمَتْ كانَتْ لُبانَةَ مُعْرِقٍ / وإن أعْرَقَتْ كانَتْ لُبانَةَ مُشئم
تَطَاوَلُ عن أقْدارِ قَوْمٍ جلالَةً / وتَصْغُرُ عن قَدْرِ الإمام المعظَّم
وأيَّ قَوافي الشعرِ فيكَ أحُوكُهَا / وما تركَ التّنزيلُ من مُتَرَدَّم
ولوْ أنّ عُمْري بالِغٌ فيكَ هِمّتي / لَثَقّفْتُ بَيتاً ألفَ عامٍ مُجَرَّم
أُسيءُ ظُنوني بالثّناءِ وأنتَحي / لِذَمّ ثنائي وهو غيرُ مذمّم
كمَنْ لامَ نَفْساً وهي غَيرُ ملُومَةٍ / وأُفْحِمَ ظَنّاً وهو ليس بمُفحم
ولمّا تَلَقّتْكَ المَواسِمُ آنِفاً / تَرَبّصْتُ حتى جئتُ فَرداً بمَوسم
لِيَعلَمَ أهْلُ الشّرْقِ والغَرْبِ أنّني / بنفسيَ لا بالوفدِ كان تَقَدُّمي
أما والمَذاكي يَلُكْنَ الشُّكُمْ
أما والمَذاكي يَلُكْنَ الشُّكُمْ / وضَرْبِ القَوانسِ فوقَ البُهَمْ
وَوَقْعِ الصِّعادِ وحَرِّ الجِلادِ / إذا ما الدّماءُ خَضَبْنَ اللِّمَمْ
يميناً لأنْتَ مَلِيكُ المُلُوكِ / فمَن شاءَ خَصّ ومَن شاء عَمّ
وإنّي لأعْجَبُ من خَلّتَي / نِ جُودِ يَدَيكَ وبُخْلِ الأُمَم
فَعانٍ يُرجّي لديكَ الفَكاكَ / وعافٍ يَشيمُ لديك الدِّيَم
فمن أين ساروا فأنتَ السّبيلُ / ومن أينَ ضَلّوا فأنْتَ العَلمَ
ويَأبَى لك الذَمَّ طِيبُ النِّجارِ / وطِيبُ الخِلالِ وطِيبُ الشِّيَم
خُلِقْتَ شِهاباً يُضيءُ الخُطوبَ / ولستَ شِهاباً يُضيءُ الظُّلَم
فلو كنْتَ حيثُ نجومُ السماء / لما كانَ في الأرض رِزقٌ قُسِم
كَرُمْتَ فكنْتَ شَجىً للكِرامِ / فلم تَترُكِ القَطْرَ حتى لَؤُم
فأشبَهَكَ البَحْرُ إن قِيلَ ذا / غِطَمٌّ وهَذا جَوادٌ خِضَمّ
وأخطَأكَ الشّبْهُ إنْ قِيلَ ذا / أُجاجٌ وهذا فُراتٌ شَبِم
إذا لم يكُنْ مَنْهَلاً للوُرُودِ / فلا خَيرَ في مَوجِهِ المُلتَطِم
رأيتُكَ سيْفَ بَني هَاشِمٍ / وخَيرُ السّيوفِ اليَماني الخَذِم
فلوْ كنْتَ حارَبتَ جُندَ القَضاء / وأنْتَ على سابِحٍ لانهَزَم
ولو أنّ دَهرَكَ شخصٌ تَراهُ / لِتَسْطو بهِ فاتِكاً ما سَلِم
إلى جَعْفَرٍ يَتَنَاهَى المديحُ / وفِيهِ تُثِيرُ القَوافي الحِكَم
فَسَلْ ظَمِىءَ التُّرْبِ عن نَيلِهِ / وحَسبُكَ مِنْ عالِمٍ ما عَلِم
هو استنّ للرّيحِ هذا الهُبوبَ / وَرَشّحَ ذا العارِضَ المُرتكِم
فما هَمَتِ المُزْنُ حتى هَمى / ولا ابْتَسَمَ البَرْقُ حتى ابتَسَم
وليسَ رِشاءٌ وإنْ مُدّ مِن / رشاءٍ ولا وَذَمٌ مِن وَذَم
ولا كلّ مُزْنٍ إذا ما هَمَى / بمُزْنٍ ولا كُلّ يَمٍّ بَيمّ
ولا كلّ ما في أكُفٍّ نَدىً / ولا كلّ ما في أُنوفٍ شَمَم
فأُقسِمُ لو أنّ عَصْرَ الشّبابِ / كأيّامِهِ لأمِنّا الهَرَم
هو الواهِبُ المُقرَباتِ الجيادَ / صَواهِلَ واليَعمَلاتِ الرُّسُم
إلى كلّ عَضْبٍ رقيقِ الفِرِنْدِ / ومُطّرِدِ الكَعْبِ لَدْنٍ أصَمّ
ومسرودَةٍ مثلِ نِسْجِ السّرابِ / تَرَقْرَقُ فوقَ الكَمِيِّ العَمَم
وبَيْضَةِ خِدْرٍ تجُرُّ الذّيول / كما أتلَعَ الخِشْفُ لمّا بَغَم
وبَدْرَةِ ألفٍ يَمانِيّةٍ / يُحَيّى الوفودُ بها بَدْرَ تَمّ
ولم أرَ أنْفَذَ من كُتْبِهِ / إذا جُعِلَ السّيْفُ حيثُ القَلَم
لَعَمْري لقد مَزَعَتْ خَيلُهُ / وأنعُلُهُنّ خُدودُ الأكَم
فما فارَقَ البِشْرَ لمّا اكْفَهَرّ / ولا نَسِيَ العَفْوَ لمّا انْتَقَمْ
فلوْ أبْصَرَتْ وائِلٌ يومَهُ / لمّا عَدّدَتْ فارساً من جُشَمْ
غَداةَ رَمَى المعشَرَ المَارقينَ / بصَمّاءَ تُوقَصُ منها القِمَم
وذي لَجَبٍ يَرتَدي بالقَنَا / ويَعْثُرُ في العِثْيَرِ المُدْلَهِمّ
وباتُوا يُرِيحُونَ كُومَ اللّقاحِ / فصَبّحَهَا وهيَ بَرْكٌ جُثَم
فأضْحَى بحيْثُ الرُّغاءُ الزّئِيرُ / وحالَتْ بحيْثُ الخيامُ الأجَم
وأعطَى القبيلَ سَوامَ القتيلِ / بما فِيهِ من وَبَرٍ أو نَعَم
فلو ناقَةٌ عندَ ذاكَ انْثَنَتْ / لِتُرْوي فصِيلاً لَجَادَتْ بدَم
فمَنْ حاتمٌ ثَكَلوا حاتِماً / ومَنْ هَرِمٌ حيثُ عدّوا هَرِم
إذا هوَ أعْطى البَعيرَ الفَريدَ / بُرمّتِهِ ظُنّ أنْ قد كَرُم
وأنْتَ رأيْتُكَ تُعطْى الألوفَ / فَتَنْهَبُ نَهْباً ولا تَقْتَسِم
وكان إذا ما قَرَى بَكْرَةً / تَفَرّدَ بالجُودِ فيما زَعَم
وأنْتَ تَجُودُ بمِثلِ البِكارِ / من التّبْرِ في مثِلها مِنْ أدَم
إذا عَرَبٌ لم تكُنْ في الصّمي / مِ ممّنْ نَمَتْكَ فتلك العَجَم
فلْو نُسِبَتْ يَمَنٌ كُلّها / إليكَ لقلْنَا لها لا جَرَم
بحَيْثُ الأكُفُّ طِوالٌ إلى / مَآرِبِهَا والعَرانِينُ شُمّ
وإنّكَ مِنْ مَعْشَرٍ طِفْلُهُمْ / يُتَوَّجُ قبلَ بلوغِ الحُلُم
ويسمو إلى المجدِ قبلَ الفِطامِ / فكيْفَ يكونُ إذا ما فُطِم
مُلُوكُ المُلوِك وأبنْاؤهَا / وفوْقَ الهَوادي تكونُ القِمَم
تَشَيّعَ فيكُمْ لِساني ومَنْ / تَشَيّعَ في قَولِهِ لم يُلَمْ
فَلَسْتُ أُبالي بأيٍّ بَدَأتُ / بفخْري بكمْ أو بمدْحي لكم
فإنْ طَفِقَتْ والِهٌ بيْنَنَا / تَحِنُّ حَنيناً فتلك الرّحِم
هل اللؤلؤ الرّطْبُ إلاّ الّذي / نظَمْتُ لكُمْ عِقدَهُ فانتظَم
قَوافٍ لسُؤدَدكمْ تُقْتَنَى / وتحْتَ سُرادِقِكم تَزْدَحِم
قُصِرنَ عليكُمْ كأنّ الشّآمَ / وأرضَ العِراقِ عليها حَرُم
تَكَنّفْتُمُوني فلَمْ أُضْطَهَدْ / وأعْزَزْتُمُوني فلمْ أُهْتَضَم
ففي ناظري عن سِواكم عَمىً / وفي أُذُني عن سواكمْ صَمَم
فشَمْلي بشَمْلِكُمُ جامِعٌ / وشَعْبي بشَعْبِكُمُ مُلْتَئِم
فلا انْفَصَمَتْ عُرْوَةٌ بَيْنَنَا / إذا ما العُرَى جَعلتْ تَنفصِم
أبا أحْمَدٍ دعوةً حُرّةً / لِحُرِّ المَواثِيقِ حُرّ الذّمَم
حَمِدتُ لقاءَكَ حَمْدَ الرّبيع / وشِمْتُ نَوالَكَ شَيْمَ الدّيَم
وما الغَيثُ أوْلى بأنْ يَستَهِلّ / وما الغْيثُ أولى بأن يَنسجِم
ومن حَقّ غَيرِيَ أن يَجْتَدي / ومن حَقّ مثليَ أن يحتَكِم
وأنْتَ مَلِيٌّ بدُرّ الفِعالِ / وإنّي مَلِيٌّ بدُرّ الكَلمِ
وحَسْبُكَ منْ هِبْرِزِيٍّ لَهُ / على كُلّ عُضْوٍ لسانٌ وفَم
ولم أرَ مثْلَ جَزيلِ الثّنَاء / مُكافَأةً لجَزيلِ النِّعَم
خَرِسْتُ ولي مَنطِقُ العالَمينَ / فقَلّ الفصيحُ جميلُ البَكَم
فلوْ أنّ حَدّي كَهامٌ نَبَا / ولو أنّ ذِهْني كليلٌ سَئِم
أذُمّ إليكَ اعتْوِارَ الخُطوبِ / وصرْفَ الحوادثِ فيما أذُمّ
وممّا أعانَ عليّ الزّمَانَ / عَفافُ يَدي وعُلُوُّ الهِمَم
فلا بالعَجُولِ ولا بالمَلُولِ / ولا بالسَّؤولِ ولا المُغْتَنِم
وإنّي وإنْ تَرَني قابضاً / جَناحي إليّ كَظِيماً وَجِم
أُقَلّلُ مِنْ هَفَواتِ المَزَارِ / وأُبْدي الغِناءَ وأُخفي العَدَم
فإنّي من العَرَبِ الأكرمينَ / وفي أوّلِ الدّهْرِ ضاعَ الكَرَم
يا خَيرَ مُلتَحِفٍ بالمجدِ والكَرَمِ
يا خَيرَ مُلتَحِفٍ بالمجدِ والكَرَمِ / وأفضَلَ النّاسِ من عُرْبٍ ومن عجَمِ
يا ابنَ السَّدَى والنّدى والمعْلُواتِ مَعاً / والحِلمِ والعلمِ والآدابِ والحِكَم
لو كُنْتُ أُعْطَى المُنى فيما أُؤمّلُهُ / حَملْتُ عنك الذي حُمّلتَ من ألم
وكنْتُ أعْتَدُّهُ يَداً ظفِرْتَ بَها / من الأيادي وقِسْماً أوفر القِسَم
حتى تَرُوحَ مُعافَى الجسمِ سالِمَهُ / وتسْتَبِلَّ إلى العَلْياءِ والكرم
اللّهُ يَعْلَمُ أني مُذْ سمِعتُ بما / عَراكَ لم أغْتمِضْ وجْداً ولم أنَم
فعِند ذا أنا مَدفوعُ إلى قَلَقٍ / ومَرّةً أنا مَصْرُوفٌ إلى سَدَم
أَدْعو وطَوْراً أُجِيلُ الوَجْهَ مبتهِلاً / على صَعِيدِ الثّرى في حِندُس الظُّلَم
وكيف لا كيف أن يخطُو السقامُ إلى / مَنْ في يديْهِ شِفاءُ الضُّرّ والسَّقَم
إلى الهُمامِ الذي لم تَرْنُ مقلتُهُ / إلاّ إلى الهِمَمِ العُظمى من الهِمم
أجْرى الكِرمِ إلى غاياتِ مَكرُمَةٍ / أجَلْ وأمْضَاهُمُ طُرّاً حُسامَ فم
إيهاً لعاً لك يا ابنَ الصِّيدِ من ألَمٍ / ولا لَعاً لأناسٍ مُظلِمي الشِّيَم
قوْمٌ تَعَرَّوا من الآدابِ واتّشَحوا / مَرادِيَ اللؤمِ والإخلافِ للذِّمَم
مِنْ كلّ أنْحَلَ في معقولِهِ خَوَصٌ / صَفْرٍ من الظُّرْفِ مسلوبٍ من الفَهَم
كأنّهُ صَنَمٌ من بعْدِ فِطْنَتِهِ / وما التنفُّسُ معهودٌ من الصّنم
لا زلْتَ تسحبُ أذيالَ النّدى كرَماً / في نعمةٍ غيرِ مُزجاةٍ من النِّعَم
ما نمْنَمَ الرّوْض أو حاكَتْ وشائعَهُ / أيدي السحابِ الغوادي الغُرِّ بالدِّيَم
تَظَلّمَ مِنّا الحِبٌّ والحُبُّ ظالِمُ
تَظَلّمَ مِنّا الحِبٌّ والحُبُّ ظالِمُ / فهل بينَ ظَلاّمَينِ قاضٍ وحاكمُ
وفي البَينِ حَرْفٌ مُعجَمٌ قد قرأتُهُ / على خدّهَا لو أنّني منه سالم
وقد كانَ فيما أثّر المِسكُ فوقَهُ / دلِيلٌ ومن خَلْفِ الحِدادِ المآتم
لَياليَ لا آوي إلى غَيرِ ساجِعٍ / ببَينِكِ حتى كلُّ شيءٍ حَمائم
ولمّا التَقَتْ ألحاظُنا ووُشاتُنا / وأعلَنَ سِرُّ الوَشيِ ما الوَشيُ كاتم
تأوّهَ إنْسِيٌّ منَ الخِدْرِ ناشِجٌ / فأسْعَدَ وَحْشيٌّ من السِّدْرِ باغم
وقالت قَطاً سارٍ سمعتُ حَفيفَهُ / فقلتُ قلوبُ العاشِقينَ الحوائم
سَلُوا بانَةَ الوادي أأسماءُ بانَةٌ / بجَرعائِهِ أمْ عانِكٌ مُتَراكم
وما عَذُبَ المِسواكُ إلاّ لأنّهُ / يُقبّلُهَا دُوني وإنّي لَراغِم
وقلتُ له صِفْ لي جَنى رَشَفاتِها / فألثَمَني فاها بما هو زاعم
إذا خُلّةٌ بانَتْ لَهَوْنا بذِكْرِهَا / وإنْ أقفَرَتْ دارٌ كَفَتنا المَعالم
وقد يَستفِيقُ الشوْقُ بعد لَجاجِهِ / وتَعْدَى على البُهم العِتاقِ الرواسم
خليليّ هُبّا فانصُراها على الدّجى / كتائبَ حتى يَهزِمَ الليْلَ هازم
وحتى أرى الجَوزاءَ تنثُر عِقدَهَا / وتَسقُطُ من كفّ الثريّا الخواتم
وتغْدُو على يحيَى الوُفودُ ببابِهِ / كما ابْتَدَرَتْ أُمَّ الحَطيم المَواسم
فتى المُلْكِ يُغْنِيهِ عن السيْفِ رأيُهُ / ويَكفِيهِ من قَودِ الجيوش العَزائم
فلا جُودَ إلاّ بالجَزيلِ لآمِلٍ / ولا عَفْوَ إلاّ أن تَجِلّ الجَرائم
أخو الحْربِ وابنُ الحرْبِ جرّ نجادَه / إليها وما قُدّتْ عليه التّمائم
أُمَثّلُهُ في ناظِرٍ غَيرِ ناظِري / كأنّيَ فيما قد أرى منه حالم
وليس كما قالوا المنيّةُ كاسمِها / ولكنّها في كفّهِ اليومَ صارم
ويَعدِلُ في شَرْقِ البِلادِ وغَربها / على أنّهُ للبِيضِ والسُّمْرِ ظالم
تَشَكَّينَ أن لاقَينَ منه تَقَصُّداً / فأينَ الذي يَلقَى الليوثُ الضراغم
ولو أنّ هذا الأخرسَ الحيَّ ناطِقٌ / لَصَلّتْ عليكَ المُقْرَباتُ الصَّلادم
وما تِلكَ أوضاحٌ عليها وإن بَدَتْ / ولكنّما حَيّتْكَ عنها المَباسم
تمشّتْ شموسٌ طَلْقَةٌ في جُلودهَا / وضَمّتْ على هُوجِ الرياح الشكائم
تُعرِّضُها للطّعْنِ حتى كأنّها / لها مِنْ عِداهَا أضلُعٌ وحَيازم
وتطعنهم لم تَعْدُ نحراً ولَبّةً / كأنّكَ في عِقْدٍ من الدُّرّ ناظم
وكم جَحفلٍ مَجْرٍ قرعتَ صَفاتَهُ / بصاعقَةٍ يَصْلى بها وهي جاحم
أتَتْكَ به الآسادُ تُبْدي زئيرَهَا / فطارَتْ به عن جانبَيكَ القشاعم
أتَوكَ فما خَرّوا إلى البِيض سُجّداً / ولكنّما كانَتْ تَخِرُّ الجماجم
ولو حاربتْكَ الشمسُ دونَ لقائِهم / لأعْجَلَها جُنْدٌ من اللّهِ هازم
سبقْتَ المَنَايا واقعاً بنفوسِهِم / كما وقعَتْ قبلَ الخوافي القوادم
تَقودُ الكُماةَ المُعْلِمينَ إلى الوَغَى / لهمْ فوقَ أصْواتِ الحديدِ هَماهم
غَدَوْا في الدّروعِ السابغاتِ كأنّما / تُديرُ عُيوناً فوقهُنّ الأراقم
فليسَ لهم إلاّ الدّماءَ مَشَارِبٌ / وليسَ لهمْ إلاّ النفوسَ مطاعم
يَوَدّونَ لوْ صِيغتْ لهم من حِفاظهمْ / وإقدامهم تلكَ السّيوفُ الصّوارِمُ
ولوْ طَعَنَتْ قبلَ الرّماحِ أكُفُّهُمْ / ولوْ سَبَقَتْ قبل الأكفّ المَعاصمُ
رأى بكَ ليثُ الغابِ كيفَ اختضابُه / من العَلَقِ المُحمَرِّ والنّقعُ قاتِمُ
وجرّأتَهُ شِبْلاً صغيراً على الطُّلَى / فهل يشكرَنّ اليوْمَ وهوَ ضُبارِمُ
وعلّمتَهُ حتى إذا ما تمَهّرَتْ / بهِ السِّنُّ قلْتَ اذهبْ فإنّك عالم
ستَفخَرُ أنّ الدّهْرَ ممّنْ أجَرْتَهُ / وأنّ حَيَاةَ الخلْقِ ممّا تُسالم
وأنّكَ عن حَقّ الخلافةِ ذائدٌ / وأنّك عن ثَغْرِ الخلافَةِ باسم
وأنّكَ فُتَّ السابقينَ كأنّما / مَساعِيك في سُوقِ الرّجالِ أداهم
مَرَيْتَ سِجالاً من عِقابٍ ونائلٍ / كأنّكَ للأعمارِ والرّزقِ قاسم
وأمّنْتَ من سُبْلِ العُفاةِ فجدَّعتْ / إليك أُنوفَ البِيدِ وهي رواغم
وأدْنَيْتَها بالإذْنِ حتى كأنّمَا / تَخَطّتْ إليكَ السيْفَ والسيْفُ قائم
وتنْظُرُ عُلْواً أينَ منكَ وُفودُها / كأنّكَ يومَ الركْبِ للبرقِ شائِم
فلا تَخذُلِ البَدْرَ المُنيرَ الّذي بهِ / سَرَوا فله حَقٌّ على الجودِ لازم
أيأخُذُ منه الفَجرُ والفَجرُ ساطِعٌ / ويثبُتُ فيهِ الليلُ والليلُ فاحم
علوتَ فلولا التاجُ فوقك شكَّكتْ / تميمُ بنُ مُرٍّ فيكَ أنّك دارم
وجُدْتَ فلوْلا أنْ تَشَرّفَ طَيّءٌ / لقد قال بعضُ القوم إنّكَ حاتم
لك البيتُ بيتُ الفخرِ أنْتَ عَمودُهُ / وليس له إلاّ الرّماحَ دعائِم
أنافَ به أنْ ليس فوقكَ بالِغٌ / وشيّدَهُ أنْ ليسَ خلفَكَ هادم
وما كانتِ الدّنْيا لتحمِلَ أهلَهَا / ولكنّكُم فيها البحورُ الخَضارم
فمَهْلاً فقد أخرستمُونَا كأنّما / صَنائعُكُمْ عُرْبٌ ونحنُ أعاجِم
فلا زالَ مُنهَلٌّ من المجدِ ساكبٌ / عليكَ ومُرفَضٌّ من العزّ ساجِمُ
فثَمّ زَمانٌ كالشّبيبَةِ مُذْهَبٌ / وثَمّ لَيالٍ كالقدودِ نواعِمُ
وللّهِ دَرُّ البَينِ لولا خليفَةٌ / تخلّفني عنكم وحَبْلٌ مُداوِمُ
ودَرُّ القُصورِ البِيضِ يَعمُرُ مُلكَها / ملوكُ بني الدّنيا وهنّ الكَرائِمُ
وأنتَ بها فارْدُدْ تحيّةَ بعضنا / إذا قَبّلتْ كَفّيكَ عنّا الغمائمُ
ولوْ أنّني في مُلْحَدٍ ودَعَوتَني / لقامَتْ تُفَدّيكَ العِظامُ الرمائم
تحَمّلْتَ بالآمالِ إذ أنتَ راحِلٌ / وأقْبَلْتَ بالآلاءِ إذ أنْتَ قادم
مَددتَ يداً تَهمي على المُزنِ مِن عَلٍ / فهل لك بحرٌ فوقها مُتلاطِم
هو الحوضُ حوض اللّهِ من يكُ وارداً / لقد صَدَرتْ عنهُ الغيوثُ السّواجم
فإن كان هذا فِعْلُ كفّيكَ باللُّهى / لقد أصْبَحَتْ كَلاًّ عليكَ المكارم
ثَوَتْ مُضَرُ الحمراءُ تحتَ طِرافِها
ثَوَتْ مُضَرُ الحمراءُ تحتَ طِرافِها / وقالتْ نِزارٌ يا ربيعةُ ألجِمي
وقَدّمَ بَكْراً سعيُها قبل تغلبٍ / وقالا لشَيبانٍ جميعاً تَقَدَّمي
لكم فارعٌ لم يَبلُغ النجمُ ظِلَّهُ / وشاهِقَةٌ قَعْساءُ لم تُتَسَنّم
نَظَرْتُ كما جَلّتْ عُقابٌ على إرَمْ
نَظَرْتُ كما جَلّتْ عُقابٌ على إرَمْ / وإنّي لَفرَدٌ مثل ما انفرَدَ الزَّلَمْ
بمَرْقَبَةٍ مثلَ السِّنانِ تَقَدّمَتْ / خياشِيمُهُ واستُرْدِفَ العاملُ الأصَمّ
فلا قُلّةٌ شَهْبَاءُ إلاّ رَبَأتُهَا / ولا عَلَمٌ إلاّ رقَأتُ ذُرَى العَلَم
فقلتُ أدارُ المالِكِيّةِ ما أرى / بأسفَلِ ذا الوادي أم الطَّلْحُ والسلَم
وأكذَبَني طَرْفي فخَفّضْتُ كَلْكَلاً / وأطْرَقْتُ إطراقَ الشجاع ولم أرِم
فلمّا أجَنّ الشمسَ رَيبٌ من الدُّجى / ولفَّ سوامَ الحَيّ سَيْلٌ من العَتَم
عرفْتُ دِيارَ الحَيّ بالنّارِ للقِرَى / تُشَبُّ وبالأنجوجِ يُذكَى ويَضْطرَم
وأرعَيْتُها سَمْعي وقد راعَني لها / صَهِيلُ المَذاكي قبلَ قَرقرةِ النَّعَم
فلمّا رأيتُ الأفقَ قد سارَ سِيرَةً / مجوسِيّةً واسحنْكَكَ اللوح وادلهمّ
ولم يَبْقَ إلاّ سامِرُ الليلِ هادِرٌ / من البُزلِ أو غِرّيدُ سِرْبٍ من البَهَم
طرقْتُ فتاةَ الحيّ إذ نامَ أهلُهَا / وقد قامَ ليلُ العاشقينَ على قَدَم
فقالتْ أحَقّاً كلما جئتَ طارقاً / هتكتَ حجابَ المَجْدِ عن ظبية الحرَم
فسكّنْتُ من إرْعادِهَا وهْيَ هَونَةٌ / ضَعيفةُ طَيّ الخَصرِ في لحظِها سَقَم
أضُمُّ عليْهَا أضْلُعي وكأنّهَا / من الذُّعْرِ نَشْوَى أو تطَرّقَها لَمَم
أمِيلُ بها مَيْلَ النّزيفَةِ مُسْنِداً / إلى الصّدرِ منها ناعمَ الصّدر قد نجَم
ولم أنْسَها تَثني يدَي بمُطَرَّفٍ / لطيفٍ على المِسْواك مُختضِبٍ بدَم
فبِتُّ أُداري النفسَ عمّا يُريبُهَا / ونامَ القَطا من طُولِ لَيلي ولم أنَم
ولم أنسَ منها نَظرةً حينَ ودَّعَتْ / وقد مُلِئَتْ دَلوُ الصّباح إلى الوَذَم
أُنازِعُها باللَحْظِ سِرّاً كأنّمَا / تعلّمَ منها اللحظُ ما نَسيَ القَلَم
وقدْ أحْكَمَ الغَيرانُ في سوءِ ظَنّهِ / فما شَكّ في قَتلي وإن كان قد حَلُم
فباتَ بقلْبٍ قد تَوَغّرَ خِلْبُهُ / عليّ وشُبّتْ نارُهُ ليَ واحْتَدَم
وأقبَلَ يَسْتافُ الثّرَى من مَدارِجي / ومَسْحَبِ أذيالي على الرُّغْلِ واليَنَم
فما راعَهُ إلاّ مكانُ تَوكّؤي / على سِيَةِ القوسِ المُغَشّاةِ بالأدَم
ومَسقطُ قِدْح من قِداحي على الثّرَى / ومُنْقَدُّ ذَيْلٍ من ذُيولي على الأكَم
وقد صَدّقَتْ ما ظنَّ نَفحَةَ عازِبٍ / من الرّوضِ دَلّتْهُ على الطارقِ المُلِمّ
يُطيفُ بأطنابِ القِبابِ مُسَهَّداً / فيَنشَقُ ريحَ اللّيثِ والليثُ في الأجَم
لَدَى بِنْتِ قَيْلٍ قد أجارَتْ عميدَها / فكَفّتْ عميدَ الحّي عنْهُ وإن رُغم
وتَقْنى حَياءً أن يُلِمّ بخِدْرِهَا / فتَنْفِيه عنّا هيبةُ المجدِ والكرَم
فبِتْنا نُناجي أُمّهاتِ ضمِيرِهِ / وقد مَلّ من رَجمِ الظنونِ وقد سَئِم
هَتكتُ سُجوفَ الخِدرِ وهو بمَرصَدٍ / فلمّا تَعَارَفْنَا هممتُ به وهَمّ
فبادَرْتُ سَيفي حينَ بادَرَ سيْفَهُ / فثارَ إلى ماضٍ وثُرتُ إلى خَذِم
ونَبّهَ أقصَى الحيّ أنّي وتَرتُهُم / وقد علّ صَدُر السيفِ من ماجِدٍ عَمَم
فما أسْرَجُوا حتى تَعَثّرْتُ بالقَنَا / ولا ألجَموا حتى مَرَقْتُ من الخِيَم
ومِن بَينِ بُرْدَيَّ اللذينِ تراهُما / رقيقُ حواشي النفس والطبْع والشّيَم
يَسيرُ على نَهْجِ ابنِ عَمْرٍو فيَقْتَدي / بأروَعَ مجْموعٍ على فَضْلِهِ الأُمَم
إيهاً لكِ النُّعْمَى عليّ فأنْعِمي
إيهاً لكِ النُّعْمَى عليّ فأنْعِمي / وبَرِئْتِ من حَرَجِ السلامِ فسلّمي
للّهِ مَوْقِفُ عاشِقٍ ومُعَشَّقٍ / من ظالمٍ منّا ومن مَتظَلِّم
بادرتُ مَوطِىءَ نَعلِهِ حتى إذا / عَفّرْتُ خدّي في الثرى المتنسِّم
اعتَلّ من وَجَناتِهِ فأجالَ في / صحنِ العقيقِ جداولاً من عَندَم
أجرى على ذهَبِيّها عَصْبِيَّهَا / ودَنَا لسَفكِ دَمي بوَردٍ من دَم
يا ذا البَديهَةِ في المقالِ أما كَفَتْ
يا ذا البَديهَةِ في المقالِ أما كَفَتْ / بَدَهَاتُ هذا النّقضِ والإبرام
حُكْمٌ يُجَلّي غيبَ كلّ مُلِمّةٍ / كالشمس تَكشِفُ جِنحَ كلّ ظلامِ
ولذا تَراكَ عيونُنا وقلوبُنا / مثلَ الشّهابِ على سَواءِ الهام
ما أكثرَ الأسْماءَ حِينَ أعُدُّهَا / من ماجِدٍ وسَمَيْذَعٍ وهُمام
فإذا رجَعتَ إلى الحَقيقِ فإنّما / إيّاكَ تَعْني ألسُنُ الأقْوام
فاتُرك لأهلِ الشِّعرِ معنىً واحداً / ممّا تُثيرُ هَواجِسُ الأوهام
فلأنْتَ والصِّيدُ الذين نَمَيتَهُم / من كلّ رَحبِ الباعِ أبلَجَ سام
أهلُ الأصَالَةِ والنّباهةِ والفَصا / حةِ والنُّهَى والفَهْمِ والإفْهام
تمشي البلاغَةُ خلفَكم وأمامَكم / ويَطيبُ ما تَطَؤونَ بالأقدام
وتكادُ تُعشِبُ أرْضُكم بكلامِكم / لو أنّ أرضاً أعشَبَتْ بكلام
من أينَ أُنِكرُ فضْلَكم ولو انّني / كأبي عُبادَةَ أو أبي تّمام
صغائر افعال الملوك عظائم
صغائر افعال الملوك عظائم / وأعراسها في الناكثين مآتِمُ
هو الملك ما أدراك ما الملك دونه / تمرّ حلاوات وتحلو علاقم
ولولا ركوب الليل لم يبلغ الضحى / ولولا الرزايا لم تصحَّ المكارم
بلى ربما ساد امرئ من يسوده / وقام بأمر القوم من لا يقاوم
ولكن يبين الصبح من حالك الدجى / ويغرفُ من نزر المياه الخضارم
ويخشى الفتى من بأسه قبل باسه / وقد تتقى قبل العضاض الأراقم
وما كل من هزّ السيوف مُضاربٌ / ولا كلُّ من لاقى الكماة مصادم
وكل امرئ كان المعزّ إمامَهُ / يضيم ولا يهدي له الضيمَ ضائمُ
فقل لبني العبّاس ردّوا مظالما / فقد آن منكم أن تردّ المظالم
وإلا فردوا للمعز وسالموا / فأسلم أعداء المعزّ المسالم
وما ينقضي حلي الخواتم منكم / وليس لمقطوع اليدين خواتم
لبستم ثياب الملك وهي عمائم / وكيف على الأقزام تلوى العمائم
ألم تأتكم أنباؤه وسماته / على أوجه الأيّام منها مياسم
وحسنُ معانيه التي لو تجسّمت / غدت وهي من حسنٍ خرود نواعمك
وما هد أرض الروم منه وقلقلت / بنا ملكهم من خوفه والدعائم
فجاؤوه من شتى مقرٌّ ومرسلٌ / وفادٍ ومفديٌّ وراض وراغمُ
فألفوه لا الدنيا تميل به ولا / كرائم ما تحوي عليه كرائم
وأشجعهم في مجلس الملك ناطق / وأبينهم في هيبة الملك سالم
وأشجع من عين رأته فلم تَجُد / حشاشةُ نفس أمسكتها الحيازم
ولولا دفاع الأصر عن مهجاتهم / لخانتهمُ أقدامهم والقوائم
فما ظنُّكم ان أيقظ العرض سيفه / إذا كان هذا فعلَهُ وهو قائم
وقالوا بهم فاغمد حسامك جُنّة / فقلت لهم إن السيوف تمائم
وما ضرّ ذا حقّ أباطلُ خصمه / إذا كانت الأقدارُ عنه تُخاصم
وكل بناء أسس البغي أسه / يتاح له من كفّ بانيه هادم
بني الدولة الغراء شيموا سيوفكم / فإني لها الملكَ العراقيَّ شائم
وعزما فقد تعمى عيونُ صيرة / إذا لم يكن كحلَ العيون العزائمُ
فعن معصم الرأي المعزّيّ بطشُكم / وهل تبطش الراحات لولا المعاصم
ولولا هرقل لم يعد ساطعُ الهدى / ولا زال ليليٌّ من الكفر فاحم
فليس الورى منه ولا هو منهمُ / وإن جمعت بين الفروع الجرائم
وقد يدرك الشيئين مشتبهين من / جهات ومنها قائم البغي نائم
وليس من الآنس البهائم إن جرت / مع الإنس في معنى الحياة البهائم
أألله لا تنفكُّ هادمَ عسكر / كأن الذي عبّوا إليك الهزائم
بكلّ بلاد جرّ جيشُك ذيلَه / معالم من أحوالهم لا عوالم
كأن لم يروا فيها لغيرك رايةً / ولا سُمِعت فيها لجيش هماهم
وما من قليل سُدتَ أبناءَ هاشم / وإن كان منهم سادةٌ وأكارم
وفي الجسم أشياءٌ حسانٌ وإنّما / تُخَصُّ بحُسن اللثم منها المباسم
بمصرٍ صبابات إليك وطالما / صرمتَ ولهفي من حبيبٍ يصارم
فروِّ صداها من جيوشك إنّما / هي القلب مهجوراً وهنّ الضراغم
وناد فإن لم تسعَ نحوك أرجُلٌ / سعت طاعةً عنها إليك الجماجم
وما بعدت غايات طاغٍ مصارم / إذا امتُطِيت يوما إليه الصَّوارمُ
فيا ظالم الأموال كيف قدرت أن / تضاف إلى الإنصاف واسمك ظالم
غرُبت ولم تغرب وبنتَ ولم تَبِن / فكلّ ضميرٍ جاهلٍ بك عالمُ
كلّ بليغ في صفاتك أعجَمٌ / وكلُّ ملومٍ في نوالك لائم
فلو تقدر الألفاظ أكثر تَرجمت / ولكنّ هذا ما تُطِيقُ التراجِمُ
زهرُ الروض بنتُ دمعِ الغمام
زهرُ الروض بنتُ دمعِ الغمام / وبكاءُ الغمامِ لا من غَرَامِ
بل طباع رُكِّبنَ في الفلك الأث / رى ليروي القيعان في كل عام
كفكَفَ الغيمُ دمعَه فأرانا / زَهر الأقحوان والنَّمَّام
وغدا الروض ضاحكا كخرُود / صبّغتها بوادِرُ الإحتشام
عرجا صاحبيّ بالروض كخَرُود / صبَّغتها بوادِرُ الإحتشام
حبّذا يومنا ببستان لهوٍ / ونعيمٍ مؤكَّدِ الإنعَام
ونَدامى كأنهُم قُضُب الفضضة / قد فُصّلَت بحسن القَوام
بين أحداق نرجس ناعم اللمسِ / له مثلُ أعينِ النّوام
واقاحٍ وسوسَنٌ مسبطرُّ / يسطع المسكُ منه عند الشمام
وفتاة كأنّها حين تبدو / نور بدر السماء عند التَمام
تَدعُو أوتارها بصوتٍ شجيّ / فيحيينها بطيب السلام
إن تغنت جاوبنها برنينٍ / يدعُ للفتك أنفُسَ الصُّوَّام
أسمعتني لدعبلٍ وصريعٍ / وجميلٍ كلؤلؤ في نظام
فتصابيت ثم قلت لصحبي / حيّياني بقطرمين وجام
أنا عبدٌ متيّمٌ غير أنّي / واثق بالكريمِ نجلِ الكرام
بالفتى المستجار من نوَب الدّه / ر به والسميدَعِ القمقام
جاءكُم تهرع الوفودُ إليه / فيروّي جميعها بانسجام
جلّ شوقي إليك يا ناميَ الفر / ع لطيبِ الأصولِ أكرم نام
فعليك السلامُ ما ناح في وا / دي الأراك شجيُّ وُرقِ الحمام
وودادي مؤكَّدٌ لك والله / يميناً من أفضل الأقسَام
شكا ما شكوتُ الرُّمحُ والنصلُ والسهمُ
شكا ما شكوتُ الرُّمحُ والنصلُ والسهمُ / سلاحُكَ مجموعاً يُؤلفُهُ نظمُ
أخوكَ الذي تحنُو عليكَ ضُلُوعُهُ / وما عِندَهُ ممَّا علمتَ لهُ علمُ
سوى أن أحسسَّت ما بنفسكَ نفسُهُ / ودُونَكُما البيداءُ والأجبلُ الشُّمُّ
ألا هكذا فيسعدِ الصنوُ صِنوَهُ / فذا سيِّدٌ ندبٌ وذا سيدٌ قَرمُ
ولم يشكُ ذا حتى شكا ذاكَ قبلَهُ / وعاودَ ذا ممَّا تطرَّقَ ذا سُقمُ
ألا انظر إلى الأشياءِ كيفَ تنازَعَت / وكيفَ يدقُّ الفهمُ عنهنَّ والوهمُ
وما افترقا حتَّى يُقالَ تشابَهَا / بلِ امتزَجَ التركيبُ والدَّمُ واللحمُ
وما هو إلا شقَّةٌ منكَ إن شكا / شكوتَ على هذا جرى القدرُ الحتمُ
ولا عجبٌ من كونِ ذا واتفاقهِ / فروحاكما رُوحٌ وجسماكُمَا جِسمُ
إذا شِدتَ مَجداً شادَهُ وأتَمَّهُ / وَمِثلُكَ بانٍ لَيسَ يَخلِفُهُ هَدمُ
ألا بِكُمُ يَسمُو إلى العُلو من سما / وأنتُم نظامُ المُلكِ ما طَلَعَ النجمُ
بكم يُتأسَّى في العُلا وإليكُمُ / يُشَارُ وعنكُم يُؤخَذُ العَزمُ والحَزمُ
فلا بَرَقَت أيدي الحوادثِ بَينَكُم / ولا جازَ للدُّنيا على حُكمِكُم حَكمُ
قد رقَّ من نفسِ الصباح نسيمُ
قد رقَّ من نفسِ الصباح نسيمُ / إذهبَّ من سُكرِ المُدامِ نَدِيمُ
قُم فاسقنيها قهوةً مثمولَةً / قد لَذَّ مِنها مشرَبٌ وشميمُ
أمَّا كَأنَّ الدهرَ أرضِعَ ثَديَها / فكأنَّما كَفلَتهُ وهوَ يَتيم
نَحُلَت وأنحلَتِ الزُّجاجَ كَأنَّها / في صدرِ شارِبِها الهَوى المَكتُومُ
لا مَت على شُربِ المُدامِ عصابَةٌ / أدلي بعُذرٍ واضح وتَلُومُ
ما حقُّ مثلي أن يُحَرَّمَ شُربَها / أو تَعرِفُ الشُّعَرَاءُ ما التحريمُ
فَوَددتُ لَو أنَّ النُّجُوم أبَارِقٌ / والقَطرَ خَمرٌ والسَّحابَ كُرُومُ
حتى تكونَ مُباحةً موجودةً / تنفي الهُموم فلا يُرى مَهمُومُ
وينوبُ عن شربِ الزلالِ شرابها / كَرَماً فخيرُ الناسِ إبراهيمُ
يا فارسَ العُربِ الذي فخرَت به / أددٌ وغيضت يَعرُبٌ وتميمُ
لولاكَ لم ينتج مشايخُ يَعرُبٍ / ولقيلَ في اليمنِ الوَلُودِ عَقيمُ
فإذا مدحتُ بمدحة لسواكم / غير الأنامِ فإنني مَذمُومُ
كنتُ غُصناً بينَ الرياضِ رطيبا
كنتُ غُصناً بينَ الرياضِ رطيبا / مائِسَ العِطفِ من غِناء الحَمَامِ
صِرتُ أحكي عِداك في الذل إذ صر / تُ برغمِي أداسُ بالأقدام