المجموع : 9
نَعَم هذِهِ أَطلالُ سُلمى فَسَلِّمِ
نَعَم هذِهِ أَطلالُ سُلمى فَسَلِّمِ / وَأَرخِ بِها سَيلَ الشُؤونِ وَأَسجِمِ
وَقِف في مَغانيها وَعَفِّر بِتُربِها / صَحيفَةً حُرِّ الوَجهِ قَبلَ التَندُّمِ
فَثَمَّ مَقيلُ الوَجدِ لا بَل مُقامُهُ / وَثَمَّ هَوى نَفسِ المَشوقِ المُتَيَّمِ
وَمَسحَبُ أَذيالٍ لِغِزلانِ جيرَةٍ / سَقَوني سُلافَ الوَصلِ غَيرَ المُفَدَّمِ
غَضارَةُ عَيشٍ قد تَوَهَّمتُ أَنها / تَدوم فكان الأَمر غَيرَ التَوَهُّمِ
متى تَذكُرَ اهالي تَهِج بين أَضلُعي / عَقابيلُ وَجدٍ كالحريقِ المُضرَّمِ
أَقولُ لِصَحبي وَالمَراسيلُ تَرتَمي / بِنا سُهَّما تَرمي الفَيافي بِسُهَّمِ
أَلا عَوجَةٌ مِنكم على الربعِ رُبَّما / شَفَيتَ الذي بي أَو قَضَيتُ تَلَوُّمي
فَعاجوا فَغَطَّت ناظِرَ العَينِ عَبرَةٌ / فَلم أَتَبَيَّن شاخِصاً مِن مُهدَّمِ
أَجدَّ كما أَن لّا أَمُرَّ بِمَنزِلٍ / لِمَيَّةَ إِلّا أَمزُجُ الدَمع بِالدَمِ
وَلا أَستَبينَ البَرقَ يَفري وَميضُهُ / جَلابيبَ مَسدولٍ مِن الجُنحِ مُظلِمِ
بِجِزعِ اللِوى إِلّا أَبيتُ مُسَهَّداً / كأَنَّ شَراسيفي نُفِذنَ بِأَسهُمِ
سَهِرنا فَناموا وَاِرتَحَلنا فَخَيَّموا / عَناءٌ لِنَجدِيٍّ عَلاقَةُ مُتهِمِ
بَلى حينَ خادَعتُ اللَجاجَةَ بِالأَسى / وَمَنَّيتُها بِالظَنِّ صَبرَ المُرَجِّمِ
تَراءَت لِمَشغوفٍ بِها لِتُعيدَهُ / ظَلومَ الهَوى في دائِهِ المُتَقَدِّم
وَأَوحَت إِلى طَرفي بِإيماضِ طَرفِها / وَهَزَّت قَواماً كَالقَضيبِ المُنَعَّمِ
فَكُنتُ أُمَنّي النَفسَ جِدَّ مُمازِحٍ / فَعُدتُ بِما شاهَدتهُ جِدَّ مُغرَمِ
وقائِلَةٍ لي وَالرِكابُ مُناخَةٌ / وَقد رَقرَقَت دَمعَ الحَزينِ المُكَتَّمِ
إِلى كَم بِها تَرمي الفِجاجَ مُخاطِراً / وَلِلرِّزقِ أَسبابٌ بِدونِ التَجَشُّمِ
فَقُلتُ لَها مَهلاً فَإِنََ تَقَلقُلي / إِلى كَعبَةٍ يَهوي لها كلُّ مُعدِمِ
وَيَنتابُها قَومٌ كِرامٌ أَعِزَّةٌ / فَفيها اِبنُ عُكّازٍ وَفيها اِبنُ ضَيغَمِ
مَناسِكُ حجٍّ قد أُقيمَت فُروضُها / خَلا أَنَّ مَن يَسعى بها غير مُحرِمِ
بَناها عِمادُ الدينِ وَالفَضلِ قاسِمٌ / وَبَوَّأَها أَبناءَهُ قُل وَأَعظِمِ
هُمُ القَومُ لا الجاني عَلَيهِم بِسالِمٍ / وَلا جارُهُم لِلحادِثاتِ بِمُسلَمِ
إِذا نَزَلوا الأَرضَ الجَديبَ تَزَخرَفَت / وَإِن نازَلوا شَقيَ القَنا بِالتَحَطُّمِ
وَتَجهَلُ أَيديهِم عَلى المالِ في النَدى / وَتَحلُمُ عَمَّن ذَنبُهُ بِالتَكَلُّمِ
عَلى رِسلِكُم يا طالِبي المَجدِ فاتَكُم / إِلى غَلَواتِ المَجدِ جَريُ المُطَهَّمِ
أَغَرُّ عَلَيهِ لِلطّلاقَةِ ميسَمٌ / يَلوحُ لَها نورٌ بِدونِ تَوَسُّمِ
سَرى لِلعُلا وَهناً وَأَصبَحَ غَيرُهُ / وَهَيهاتَ سارٍ لِلعُلا مِن مُهَوِّمِ
فَتى طَلِباتٍ إِن تَباعَدنَ نالَها / بِجُردِ المَذاكي وَالوَشيجِ المُقَوَّمِ
وَعَزمَةِ سَبّاقٍ إِلى كُلِّ غايَةٍ / وَهِمَّةِ مِقدامٍ عَلى كلِّ مُعظَمِ
لَعَمري لِفَرعٍ بَين قَيسٍ وَحاجِبٍ / قَديماً وَلِلفَيّاضِ قاسِمُ يَنتَمي
لِفَرعٍ زَكا في مَغرِسِ الفَضلِ أَصلُهُ / وَفاحَ شَذاهُ بَينَ عُربٍ وَأَعجُمِ
إِلَيهِ مَصوناتُ المَعالي تَشَوَّفَت / تَشَوُّفَ ذي وَجدٍ إِلى الزَوجِ أَيِّمِ
وَلوعٌ بِكَسبِ بِكَسبِ الحَمدِ وَالمَجدِ هاجِرٌ / خِلالَ الدَنايا شيمَةً بِتَشَيُّمِ
إِذا ما اِنتَدى زُوّارُهُ وَضُيوفُهُ / تَبَدّى كَبَدرِ التِمِّ مِن بينِ أَنجُمِ
يُغادونَ مَغشِيَّ الرِواقَينِ باسِماً / قَبائِلُ شَتّى مِن فَصيحٍ وَأَعجَمِ
فَمِن مُعلِنٍ شُكراً وَمن طالِبٍ جداً / وَمن مُستَقيلٍ عَثرَةَ المُتَنَدِّمِ
أَبا الفَضلِ لَم يَفضُلكَ زَيدٌ وَحاتِمٌ / وَمَعنٌ إِذا قِسنا بِغَيرِ التَقَدُّمِ
لَئِن هُم أَبانوا في العُلا مَنهَجَ النَدى / لَكَم شِدتَ فيها مَعلَماً بَعدَ مَعلَمِ
تَرَحَّلتُ عَنكُم لا اِغتِباطاً بِغَيرِكُم / وَلا عَن مُقامٍ في حِماكُم مُذَمَّمِ
فَكُنتُ وَسَيري وَاِعتِياضي سِواكُمُ / كَبائِعِ دينارٍ بِمَغشوشٍ دِرهَمِ
فَجاءَكَ بي وُدٌّ قَديمٌ غَرَستَهُ / وَتابَعتَهُ سَقياً بِسَجلِ التَكَرُّمِ
إِلَيكَ رَحَلنا كُلَّ مَحبوكَةِ القَرا / أَمونِ السُرى بَينَ الجَديلِ وَشَدقَمِ
إِذا اِلتَحَفَت أُكمُ الفَيافي بِآلِها / وَنُشِّرَ فيها كَالمُلاءِ المُعَلَّمِ
تَزِفُّ كَهَدّاجِ يَؤُمُّ فِراخُهُ / تَنَكَّسُ مِن ريحٍ وَغَيمٍ مُخَيِّمِ
هَدى ما هَدى حَتّى إِذا اللَيلُ جَنَّةُ / وَخافَ اِرتِكامَ العارِضِ المُتَبَسِّمِ
تَنَفَّسَ مَزؤوداً وَخَفَّ كَأَنَّهُ / فُلَيتَهُ مَسنونِ الصَوائِدِ أَقطَمِ
طَوَيتُ بِأَيدها الفَلا مُتَعَسِّفاً / بِها مِيثَها وَالأَمعَزَ المُتَسَنَّمِ
لِأَحظى بِقُربٍ مِنكَ إِذ جُلُّ مُنيَتي / لِقاكَ وَأُهدي الشُكرَ غَيرَ مُجَمجِمِ
ثَناءٌ كَنَشرِ الرَوضِ راوَحهُ النَدى / وَغاداهُ مَعلولُ الصَبا المنُتَنَسَّمِ
وَصَلِّ إِلهي ما هَمي الوَدقُ أَو شَدا / عَلى الأَيكِ مِطرابٌ بِحُسنِ التَرَنُّمِ
عَلى المُصطَفى الهادي الأَمينِ وَآلهِ / وَأَصحابِهِ وَالتابِعينَ وَسَلِّمِ
لِمِثلِ ذا الخَطبِ فَلتَبكِ العُيونُ دما
لِمِثلِ ذا الخَطبِ فَلتَبكِ العُيونُ دما / فَما يُماثِلُهُ خطبٌ وَإِن عَظُما
كانَت مَصائِبُنا من قَبلهِ جَلَلاً / فَالآنَ جُبَّ سنامُ المَجدِ وَاِنهَدَما
سَقى ثَرىً حَلَّهُ شَيخُ الهُدى سُحُبٌ / مِن واسِع العَفوِ يَهمي وَبَلُها ديما
شَيخٌ مَضى طاهِرَ الأخلاقِ مُتَّبِعا / طريقَةَ المُصطَفى بِاللَهِ مُعتَصِما
بَحرٌ مِن العِلمِ قَد فاضَت جداوِلهُ / لكنَّهُ سائِغٌ في ذَوقِ من طَعِما
تَنشَقُّ أَصدافهُ في البَحث عن دُرَرٍ / تَهدي إِلى الحَقِّ مَفهوماً وَمُلتَزِما
فكم قَواعِدِ فِقهٍ قد أَبانَ وَكم / أَشادَ رَسماً من العَليا قدِ اِنثُلَما
نَعى إِلَينا العُلا وَالبِرَّ مَصرَعهُ / وَالعِلمَ وَالفَضلَ وَالإِحسانَ وَالكَرَما
هذي الخِصالُ التي كانَت تُفَضِّلُهُ / على الرِجالِ فَأَضحى فيهِمُ علما
فَلَيتَ شِعري من لِلمُشكلاتِ إِذا / ما حَلَّ منها عَويصٌ يُبهِمُ الفَهِما
وَلِلعُلومِ التي تَخفى غَوامِضُها / على الفُحولِ من الأحبارِ وَالعُلما
من لِلأَرامِلِ وَالأَيتامِ إِن كَلَحَت / غُبرُ السِنينَ وَأَبدَت ناجِذاً خَذِما
لَو كُنتُ أَملِكُ إِذ حانَت مَنِيَّتهُ / دَفَعتُها عنهُ وَلكِن حُمَّ ما حُتما
فَقُل لِمَن غُرَّهُ في دَهرهِ مهلٌ / فَظَلَّ يَمري بِحالِ الصِحَّةِ النِعَما
لا تَستَطِل غَفوَةَ الأَيّامِ إِن لها / وَشكَ اِنتِباهٍ يُرى مَوجودُها عَدَما
إِنَّ الحَياةَ وَإِن طالَ السُرورُ بها / لا بُدَّ يَلقى الفَتى مِن مَسِّها أَلما
فَخُذ لِنُقلَتِك الآتي المَصيرُ لَها / زاداً فَما أَلحَقَ الباقي بِمَن قَدَما
لا بُدَّ مِن ساعَةٍ يُبكي عَلَيك وَلا / تَدري بِمَن قد بَكى أَوشَقَّ أَو لَطَما
ما تَرى الشَيخَ عَبد اللَهِ كَيفَ مَضى / وَكان عِقداً نَفسياً يَفضلُ القِيما
عِشنا به حِقبَةً في غِبطَةٍ فَاَتى / عَلَيهِ ما قد أَتى عاداً أَخا إِرَما
وَقَبلَهُ اِختَلَسَت ساماً وَإِخوَتَهُ / أَيدي المَنونِ وَأَفنَت بَعدَهُم أُمما
لَهفي عَلَيهِ وَلَهفَ المُسلِمينَ مَعي / لَو أَنَّ لَهفاً شَفى من لاهفٍ سَدَما
وَلَهفَ مَدرَسَةٍ بِالذِكرِ يَعمُرُها / وَمَسجدٍ كانَ فيهِ يَنثُرُ الحِكَما
اللَهُ أَكبَرُ كَم باكٍ وَباكِيَةٍ / وَحائِرٍ كاظِمٍ لِلغَيظِ قَد وَجَما
وَفَجعَةِ الدينِ وَالدُنيا لِمَصرَعِهِ / وَفَرحَةِ الناسِ وَالإِسلامِ لَو سَلِما
لكنَّهُ مَورِدٌ لا بُدَّ وارِدهُ / مَن يُعتَبَط شارِخاً أَو مَن وَهى هَرما
عَمري لَقَد غَرَّنا من دَهرِ خِدَعٌ / مِن حَيثُ لا يَعلَمُ المَخدوعُ أَو عَلِما
يَقودُنا نَحوَها التَسويفُ أَو طَمَعٌ / في مُضمَحِلٍّ قَليلٍ مُعقِبٍ نَدَما
وَالعُمرُ وَالعَيشُ في الدُنيا لهُ مَثَلٌ / كَالظِلِّ أَو مَن يَرى في نَومهِ حُلُما
كلٌّ يَزولُ سَريعاً لا ثَباتَ لهُ / فكُن لِوَقتكَ يا مِسكينُ مُغتَنِما
لَيسَ البُكاءُ وَإن طالَ العَناءُ بهِ / بِمُرجعٍ فائِتاً أَو مطفىءٍ ضَرَما
فَاللَهُ يُنزِلهُ عَفواً وَيَرحمهُ / فإنَّهُ جلَّ قَدراً أَرحمُ الرُحما
ثم الصَلاةُ على من في مُصيبَتِهِ / لنا العَزاءُ إِذا ما حادِثٌ عظُما
محمد خيرِ مَبعوثٍ وَشيعتهِ / وَصحبهِ ما أَضاءَ البَرقُ مُبتَسِما
إِن لَم تُعِنّي عَلى شَجوي فَلا تَلُمِ
إِن لَم تُعِنّي عَلى شَجوي فَلا تَلُمِ / سَمعي عَنِ العَذلِ لَو نادَيتَ في صَمَمِ
لا تَلحُني إِن عَصَيتُ العاذِلاتِ فَما / في الحبِّ عارٌ إِذا لَم يَدنُ لِلتُهَمِ
لِلَّهِ عَهدُ سُرورٍ كُنتُ أَحسَبُهُ / يَدومُ لي وَسِوى ذي العَرشِ لَم يَدُمِ
غضارَةٌ مِن بَهِيِّ العَيشِ مونِقَةٌ / مَرَّت كَطَيفِ خَيالٍ زارَ في الحُلُمِ
هَيهاتَ أَن تُرجِعَ الأَيّامُ ما أَخَذَت / فَدَع تَذَكُّرِ أَيّامِ الصِبا القُدُمِ
وَاِصرِف مَديحَكَ في أَزكى الوَرى نَسَباً / فَرعِ الهُداةِ قَريعِ العُربِ وَالعَجَمِ
مُحَسَّدِ الفَضلِ مَضروبٍ سُرادِقُهُ / عَلى أَشَمَّ عَظيمِ القَدرِ وَالهِمَمِ
أَغَرَّ أَزهَرَ وَضّاحِ الجَبينِ إِذا / ما اِلتَفَّتِ الخَيلُ بِالأَبطالِ وَالبُهُمِ
المُشتَري الحَمدِ أَغلى ما يُباعُ بهِ / وَالمُكرِمِ السُمرِ المَصقولَةِ الخُذُمِ
إِن فاخَروهُ فَمَغلوبٌ مُفاخِرُهُ / أَو قارَعوهُ تَرَدّوا حُلَّةَ النَدمِ
قَد كانَ في المَهدِ وَالعَليا تُرامِقُهُ / تَرنو إِلَيهِ بِعَينِ العاشِقِ السَدِمِ
حَتّى تَفَرَّعَ أَعلاها عَلى مَهَلٍ / في سَيرِهِ وَهوَ لَم يَبلُغ لدى الحُلُمِ
كُنوزُ فَضلٍ أَثارَتها مَكارِمُهُ / أَنسَت مَكارِمَ عَن مَعنٍ وَعن هَرِم
اللَهُ أَعلى سُعوداً في سَعادَتِهِ / فَكانَ أَشهَرَ مِن نارٍ على عَلمِ
مُستَحكِمُ الرَأيِ ماضٍ في عَزيمَتِهِ / كَالغَيثِ وَاللَيثِ للعافي وَلِلنِّقَمِ
مازالَ مُذ عَرفَ الأَيّامَ سيرَتُهُ / شَجىً لِأَعداهُ أَو نَصرٌ لِمُهتَضَمِ
ياِبنَ الذي قَد سما في المَجدِ مَنزِلَةً / أَعيَت مُلوكَ الوَرى مِن سائِرِ الأُمَمِ
لكُم عَلى الناسِ فَضلٌ لَيسَ يُنكِرُهُ / سِوى جحودٍ بِرَيبِ القَلبِ مُتَّهَمِ
أَو حاسِدٍ أَنضَجَت عَلياكَ مُهجَتَهُ / فَقَلبُهُ فيه مثلُ الجاحِمِ الضَرِمِ
فَاللَهُ يُعليكَ وَالأَقدارُ تَخفِضُهُ / تَعلو وَيَنحَطُّ في ذُلٍّ وَفي عَدَمِ
أَبوكَ مَن نَعشَ اللَهُ الأَنامَ به / مِن عَثرَةِ الهَرجِ لا مِن عَثرَةِ القَدَمِ
عَبدُ العَزيزِ الذي كانَت إِمامتُهُ / لِلدّينِ عِزّاً وَلِلدّنيا وَلِلحُرَمِ
وَأَنتَ تَتلوهُ مُستَنّاً بِسُنَّتِهِ / أَكرِم بِها سُنَناً مَحمودَةَ الشِيَمِ
مَكارِمٌ لَم تَكُن تُعزى إِلى أَحدٍ / إِلّا إِلَيكُم فَأَنتُم صَفوَةُ الكَرمِ
فَكَم رَفَعتُم جُدوداً قَبلُ عاثِرَةً / وَكم غَمَرتُم بَني الحاجاتِ بِالنِعَمِ
وَقَبلَكُم كانَ نَجدٌ وَالحِجازُ لَقىً / لِلعابِثينَ بهِ لحماً عَلى وَضمِ
سَمَوتَ لِلمَجدِ لَمّا نامَ طالِبُهُ / وَالمَجدُ صَعبٌ عَلى الهَيّالَةِ البَرمِ
رَأى أَبوكَ الذي حقٌّ فِراسَتُهُ / فيكَ الصلاحِ لِرَعي الدينِ وَالذِمَمِ
فَقُمتُ مُضطَلِعاً بِالأَمرِ مُتَّخِذاً / نَهجَ الهُدى مَسلَكاً بِالسَيفِ وَالقَلمِ
تَظَلُّ مِن بَذلكَ الأَقلامُ حافِيَةً / وَالسَيفُ يَقضي عَلى الأَعداءِ بِاليُتمِ
جوداً وَحِلماً وَعَفواً عِندَ مَقدِرَةٍ / وَصِدقَ بَأسٍ إِذا نارُ الوَطيسِ حمى
مَحامِدٌ شَحَذَت أَفكارَ مادِحِكُم / فَحَبَّروهُ بِمَنثورٍ وَمُنتَظِمِ
أَنتُم طِرازُ المَعالي بَعد بُهمَتِها / إِنَّ البُدورِ لَتجلو غَيهَبَ الظُلمِ
إِلَيكَها مِثلَ نظمِ الدُرِّ فَصَّلَهُ / شَذرٌ من التِبر لم يُسبَك عَلى فَحمِ
تَختالُ بَينَ الوَرى تيهاً بِمَدحِكُمُ / بِرِفعَةِ القَدرِ يَعلو المَدحِ في القِيَمِ
ثُمَّ الصَلاةُ عَلى المُختارِ سَيِّدِنا / وَآلهِ الغُرِّ وَالأصحابِ كُلِّهمِ
تُرى من حَنيني كان شَجوُ الحَمائِمِ
تُرى من حَنيني كان شَجوُ الحَمائِمِ / وَمن أَدمُعي كان اِستِقاءُ الغَمائِم
فَلا غَروَ أَن أَنطَقتُ بِالشَجوِ صامِتاً / وَأَبكَيتُ حَتّى راتِعاتِ السَوائِمِ
فَقَد جَلَّ هذا الخَطب حتى تَدَكدَكَت / لِمَوقِعِهِ شُمُّ الجِبالِ المَعالِمِ
وَحتى هوى بَدرُ الدُجُنَّةِ وَاِكتَسَب / له ظُلمَةً زُهرُ النُجومِ العَوائِمِ
لعمركَ ما يَومٌ قضى فيهِ قاسِمٌ / على الناسِ إِلّا مِثلُ يَومِ التَزاحم
مَضى هضبَةُ الدُنيا وَبدرُ دُجائِها / وَفارِسُها المَشهورُ عِندَ التَصادُمِ
أَجل إِنه وَاللَهِ ما مات وحدهُ / وَلكنَّه موتُ العُلى وَالمَكارِمِ
وَإِلّا فما بالي أَرى البيضَ وَالقَنا / وَجُردَ المَذاكي بَعدهُ في مَآتمِ
وَما بالُ أَبناءِ السَبيلِ كأنما / بهِم لَوَّحَت هيفُ الرِياحِ السَمائِمِ
يُبَكّونَ مَغشِيَّ الرُواقَينِ ماجِداً / أَبِيّاً على الأَعداءِ صَعبَ الشَكائِمِ
أَخا الحَربِ لا يُلفى لَها مُتَخَشِّعا / إِذا ما أَتَت بِالمُعضِلِ المُتَفاقِمِ
وَلكِنَّهُ يَغشى لَهيبَ شُواظِها / إِذا حادَ عنها كلُّ أَصيَدَ غاشِمِ
حَلَفتُ بِمَن حجَّ المُبَلّونَ بَيتَهُ / يَؤمونَهُ من نازِحاتِ المَخارمِ
عَلى أَنه لَو كان أَزهَقَ نَفسهُ / من الناسِ مَرهوبُ الشَذا وَالمَناقِمِ
لَصَبَّحَهُ أَبناؤُهُ بِجحافِلٍ / لها زَجَلٌ كَالعارِضِ المُتَراكمِ
وَجاسوا خِلالَ الدارِ منه بِفِتيَةٍ / على المَوتِ أَمضى من شِفارِ الصَوارِمِ
وَلكنَّهُ المِقدارُ وَاللَهِ غالِبٌ / وَنَرضى بِما يَقضي به خَيرُ حاكِمِ
وَهَيَّجتَ لي يا اِبنَ الأَكارِمِ حَسرَةً / تُرَدَّدُ ما بَينَ الحَشا وَالحَيازِمِ
فَلا تَحسَبَنّي غافِلاً أَو مُضَيِّعاً / أَياديكُمُ اللاتي كَصوبِ الغَمائِمِ
وَلكِن لِأَمرٍ يَجدَعُ الأَنفَ رَبُّهُ / وَيُغضي وَفي الأَحشاءِ وَخزُ اللهاذمِ
وَفيكَ لنا لا زِلتَ منهُ بَقِيَّةٌ / شَجاً لِلأَعادي مَغنَماً لِلمُسالِمِ
فَيا عابِدَ الرَحمنِ يا خيرَ من جَرَت / به الجُردُ بينَ المَأزقِ المُتَلاطمِ
وَيا خيرَ مَقصودٍ أَناخَ بِبابهِ / رَذايا سِفارٍ دامِياتِ المَناسمِ
لكُم مِنِّيَ الودُّ الذي لا يَشوبهُ / مَدى العُمرِ تَدليسُ المُداجي المُكاتمِ
وَصلِّ إلهَ العالَمينَ مُسَلِّماً / على المُصطَفى من عَبدِ شَمسٍ وَهاشمِ
أَجَل إِنهُ رَبعُ الحَبيبِ فَسَلِّم
أَجَل إِنهُ رَبعُ الحَبيبِ فَسَلِّم / وَقِف نَتَبَيَّن ظاعِناً مِن مُخَيِّمِ
مَعاهِدُ حَلَّ الحُسنُ فيها نِطاقَهُ / وَقُرَّةُ عَينِ الناعِمِ المُتَغَنِّمِ
عَهِدت بِها بيضاً أَوانِسَ كَالدُمى / غَرائِرَ مَلهىً لِلمُحِبِّ المُتَيَّمِ
عَوابِثَ بِالأَلبابِ مِن غَيرِ ريبَةٍ / نَوافِرَ بِالأَبدانِ عَن كُلِّ مَأثَمِ
وَقَفنا جُنوحاً بِالرُبوعِ فَواجِمٌ / وَآخَرُ قَد أَدمى الأَصابِعَ بِالفَمِ
فَقُلتُ لِصَحبي رَفِّعوا العيسَ وَالطِموا / بِأَخفافِها ظَهرَ الصَعيدِ المُرَكَّمِ
بَحائِبُ لَولا أَن عَرَفنا فُحولَها / لَقُلنا لِهَيقٍ خاضِبِ الساقِ أَصلَمِ
طَوَينا بِها حَزنَ الفَلا وَسُهولَهُ / وَقَد خَضَّبَتهُ مِن ظِلافٍ وَمَنسِمِ
إِذا ما أَدَرنا كَأسَ ذِكرِكَ بَينَنا / يَكَدنَ يَطِرنَ بَينَ نَسرٍ وَمِرزَمِ
يُرِدنَ المَكانَ الخِصبَ وَالمُلِكَ الذي / إِلَيهِ بَنو الآمالِ بِالقَصدِ تَرتَمي
إِمامَ بَني الدُنيا الذي شَهِدَت لَهُ / عَلى رَغمِها أَملاكُها بِالتَقَدُّمِ
هُوَ المَلِكُ الحامي حِمى الدينِ بِالتُقى / وَسُمرِ العَوالي رُكِّبَت كُلَّ لَهذمِ
لَهُ هَزَّةٌ في الجودِ تُغني عُفاتَهُ / وَأُخرى بِها حَتفُ الكَمِيِّ المُعَلَّمِ
لَهُ سَلَفٌ يَعلو المَنابِرَ ذِكرُهُم / وَيَنحَطُّ عَنهُ قَدرُ كُلِّ مُعَظَّمِ
هُمُ أَوضَحوا لِلنّاسِ نَهجَ نَبِيِّهِم / بِمُحكَمِ آياتٍ وَشَفرَةِ مِخذَمِ
لُيوثٌ إِذا لاقَوا بُدورٌ إِذا اِنتَدَوا / غُيوثٌ إِذا أَعطوا جِبالٌ لِمُحتَمِ
وَإِن وَعَدوا أَوفَوا وَإِن قَدَروا عَفَوا / وَإِن حَكَّموهُم أَقسَطوا في المُحَكَّمِ
يَصونونَ بِالأَموالِ أَعراضَ مَجدِهِم / إِذا ضَنَّ بِالأَموالِ كُلُّ مُذَمَّمِ
وَهُم يُرخِصونَ الروحَ في حَومَةِ الوَغى / إِذا كَعَّ عَنها كُلُّ لَيثٍ غَشَمشَمِ
أولئِكَ أَوتادُ البِلادِ وَنورُها / صَنائِعُهُم فيها مَواقِعُ أَنجُم
مَضَوا وَهُمُ لِلنّاسِ في الدينِ قادَةٌ / مَفاتيحُ لِلخَيراتِ في كُلِّ مَوسمِ
فَلَمّا غَشانا بَعدَهُم لَيلُ فِتنَةٍ / بِهِ عَمَّ نَهبُ المالِ وَالسَفكُ لِلدَّمِ
أَغاثَ إلهُ العالَمينَ عِبادَهُ / بِمَن شادَ رُكنَ الدينِ بَعدَ التَثَلُّمِ
إِمامُ الهُدى عَبدُ العَزيزِ بنُ فَيصَلٍ / سِمامُ العِدى بَحرُ النَدى وَالتَكَرُّمِ
هُمامٌ أَقادَتهُ القَنا وَسُيوفُهُ / وَهِمّاتُهُ أَن يَمتَطي كُلَّ مَعظَمِ
هُوَ القائِدُ الجُردَ العَناجيجَ شَزَّباً / وَكُلَّ فَتىً يَحمي الحَقيقَةَ ضَيغَمِ
جَحافِلُ يَغشى الطَيرَ في الجَوِّ نَقعُها / وَيُزعِجنَ وَحشَ الأَرضِ مِن كُلِّ مَجثَمِ
فَأَمَّنَها بِاللَهِ مِن أَرضِ جِلَّقٍ / إِلى عَدَنٍ مُستَسلِماً كُلُّ مُجرِمِ
فَلا مُتهِمٌ يَخشى ظُلامَةَ مُنجِدٍ / وَلا مُنجِدٌ يَخشى ظُلامَةَ مُتهِمِ
فَما أَعظَمَ النُغمى عَلَينا بِمُلكِهِ / وَلكِنَّ بَعضَ الناسِ عَن رُشدِهِ عَمي
لَكَ الفَضلُ لَو تُرغِم أُنوفَ معاشِرٍ / سَرَوا في دُجىً مِن حالِكِ الجَهلِ مُظلِمِ
يَعيبونَ بِالشَيءِ الذي يَأخذونَهُ / فَوا عَجَباً مِن ظالِمٍ مُتَظَلِّمِ
تَنَزَّهتَ عَن فِعلِ المُلوكِ الذينَ هُم / دُعوا أُمراءَ المُؤمِنينَ بِمَحكَمِ
فَلا شارِباً خَمراً وَلا سامِعاً غِنىً / إِذا نُقِرَت أَوتارُهُ لِلتَرَنُّمِ
وَلا قَولَ مَأمونٍ نَحَلتَ وَلا الذي / أَتى بَعدَهُ في عَصرِهِ المُتَقَدِّمِ
وَكُلُّهُمُ يُدعى خَليفَةَ وَقتِهِ / وَطاعَتُهُ فَرضٌ عَلى كُلِّ مُسلِمِ
وَلكِن نَصَرتَ الحَقَّ جُهدَكَ وَاِعتَلَت / بِكَ السُنَّةُ الغَرّاءُ في كُلِّ مَعلَمِ
فَأَصبَحَتِ الدُنيا وَريفاً ظِلالُها / عَروساً تُباهي كُلَّ بِكرٍ وَأَيِّمِ
وَأَلَّفتَ شَملَ المُسلِمينَ وَقَد غَدَوا / أَيادي سَبا ما بَينَ فَذٍّ وَتَوأَمِ
عَفَوتَ عَنِ الجاني وَأَرضَيتَ مُحسِناً / وَعُدتَ بِإِفضالٍ عَلى كُلِّ مُعدِم
فَلَو أَنَّهُم أَعطوا المُنى في حَياتِهِم / وَقَوكَ الرَدى مِنهُم بِكُلِّ مُطَهَّمِ
فَلَولاكَ لَم تَحلُ الحَياةُ وَلم يَكُن / إِلَيهِم لَذيذاً كُلُّ شَربٍ وَمَطعَمِ
بَنَيتَ بُيوتَ المَجدِ بِالبيضِ وَالقَنا / وَسُدتَ بَني الدُنيا بِفَضلِ التَكَرُّمِ
وَما الجودُ إِلّا صورَةٌ أَنتَ روحُها / وَلَولاكَ أَضحى كَالرَميمِ المُرَمَّمِ
وَطابَ لِأَهلِ المَكَّتَينِ مَقامُهُم / وَقَبلَكَ كانوا بَينَ ذُلٍّ وَمَغرَمِ
يَسومونَهُمُ أَعرابُهُم وَوُلاتُهُم / مِنَ الخَسفِ سَومَ المُستَهانِ المُهَضَّمِ
فَأَضحَوا وَهُم عَن ذا وَذاكَ بِنَجوَةٍ / مُحِلُّهُمُ في أَمنِهِ مِثلُ مَحرِمِ
فَسَمعاً بَني الإِسلامِ سَمعاً فَما لَكُم / رَشادٌ سِوى في طاعَةِ المُتَيَّمِ
أَديموا عِبادَ اللَهِ تَحديقَ ناظِرٍ / بِعَينَي فُؤادٍ لا بِعَينِ التَوَهُّمِ
وَقوموا فُرادى ثُمَّ مَثنى وَفَكِّروا / إِذا ما عَزَمتُم فِكرَةَ المُتَفَهِّمِ
إِذا لَم يَكُن عَقلٌ مَعَ المَرءِ يَهتَدي / بِه رَبُّهُ في الحادِثِ المُتَغيهِمِ
وَيَنظُرُ في عُقبى العَواقِبِ عارِفاً / مَصادِرَهُ في المَورِدِ المُتَقَحَّمِ
وَلا يَحمَدُ المَرقى إِذا ما تَصَعَّبَت / مَسالِكُهُ عِندَ النُزولِ فَيَندَمِ
فَإِنَّ الفَتى كُلَّ الفَتى مَن إِذا رَأى / لهُ فُرصَةً أَهوى لها غَيرَ محجِمِ
فَإِن خافَ بِالإِقدامِ إيقاظَ فِتنَةٍ / تُغِصُّ بريقٍ أَو تَجيءُ بِمُؤلِمِ
تَرَقَّب وَقتَ الإِقتِدار فَرُبَّما / يُغاثُ بِيَومٍ لِلمُعادينَ أَشأَمِ
فَما كَلَّفَ اللَهُ اِمرءاً غَيرَ وُسعِهِ / كَما جاءَ نَصّاً في الكِتابِ المُعَظَّمِ
وَما العَقلُ إِلّا ما أَفادَ تَفَكُّراً / بِمُستَقبَلٍ أَو عِبرَةً بِالمُقَدَّمِ
لَكُم زائِدٌ عَنكُم بِسَيفٍ وَمُنصَلٍ / وَرَأيٍ كَمَصقولِ الجُزازِ المُصَمِّمِ
قِفي رَأيِهِ إِصلاحُ ما قَد جَهِلتُمُ / وَفي سَيفِهِ سُمٌّ يَدافُ بِعَلقَمِ
أَلَيسَ الذي قَد قَعقَعَ البيضَ بِالقَنا / وَخَضَّبَها مِن كُلِّ هامٍ وَلَهذَمِ
وَأَنعَلَ جُردَ الخَيلِ هامَ عِداتِهِ / كَأَنَّ حَواميها خُضِبنَ بِعَندَمِ
دَعوا اللَيثَ لا تَستَغضِبوهُ فَرُبَّما / يَهيجُ بِدَهيا تَقصِمُ الظَهرَ صَيلَم
فَما هُوَ إِلّا ما عَلِمتُم وَما جَرى / بِأَسماعِكُم لا بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
وَقائِعُ لا ما كانَ بِالشِعبِ نِدُّها / وَلا يَومُ ذي قارٍ وَلا يَومُ مَلهَمِ
يُحَدِّثُ عَنها شاهِدٌ وَمُبَلِّغٌ / وَيَنقُلُها مُستَأخرٌ عَن مُقَدَّمِ
لَها أَخواتٌ عِندَهُ إِن تَصَعَّرَت / خُدودٌ بِتَسويلِ الغَرورِ المُرَجِّمِ
جَوادٌ بِما يَحوي بخيلٌ بِعِرضِهِ / وَإِن ضَرَّسَتهُ الحَربُ لَم يَتَأَلَّمِ
أَخوها وَما أَوفَت عَلى العَشرِ سِنُّهُ / يَحُشُّ لَظاها بِالوَشيجِ المُقَوَّمِ
إِلَيكَ إِمامَ المُسلِمينَ زَفَفتُها / لَها بِكَ فَخرٌ بَينَ عُربٍ وَأَعجُمِ
إِذا أُنشِدَت في مَحفِلٍ قالَ رَبُّهُ / أَعِدها بِصَوتِ المُطرِبِ المُتَرَنِّمِ
يَقولُ أُناسٌ إِنَّما جاءَ مادِحاً / لِيَحظى بِسَجلٍ مِن نَداكَ المُقَسَّمِ
وَما عَلِمَ الحُسّادُ أَنّي بِمَدحِكُم / شَرُفتُ وَعِندي ذاكَ أَكبَرُ مَغنَمِ
وَكَم رامَهُ مِنّي مُلوكٌ تَقَدَّموا / وَقَبلَكَ ما عَرَّضتُ وَجهي لِمُنعِمِ
وَكَم جَأجَاوا بي لِلوُرودِ فَلَم أَكُن / لِأَشرَبَ مِن ماءٍ وَبٍ مُتَوَخِّمِ
وَلَولاكَ أَمضَيتُ الرِكابَ مُبادِلاً / عَلَيهِنَّ أَو سُفنٍ عَلى البَحرِ عوَّمِ
وَصَلِّ عَلى المُختارِ رَبّي وَآلِهِ / وَأَصحابِهِ وَالتابِعينَ وَسَلِّم
أَفادَكَ مَجدَ الدَهرِ صِدقُ العَزائِمِ
أَفادَكَ مَجدَ الدَهرِ صِدقُ العَزائِمِ / وَبَلَّغَكَ العَليا شِفارُ الصَوارِمِ
وَما المَجدُ إِلّا الشَرعُ وَالعَفوُ وَالنَدى / فَإِن لَم يُفِد شَيئاً فَضَربُ الجَماجِمِ
وَما بَلَغَ العَلياءِ إِلّا سَمَيذَعٌ / إِذا هَمَّ لَم يَسمَع مَقالَةَ لائِمِ
وَذاكَ إِمامُ المُسلِمينَ اِبنُ فَيصَلٍ / سِمامُ المُعادي رَحمَةٌ لِلمُسالِمِ
مَليكٌ تحاماهُ المُلوكُ مَهابَةً / وَتَرهَبُهُ غُلبُ الأُسودِ الضَراغِمِ
سَما لِلعُلا بِالسَيفِ وَالضَيفِ وَالنَدى / وَقَهرِ الأَعادي وَاِجتِنابِ المَحارِمِ
فَشَتّان ما بَينَ الذي جلَّ سَعيُهُ / لِكَسبِ المَعالي وَالذي لِلدَراهِمِ
فَلَو كانَ يَرقى المَجدَ في الأُفق رَبُّهُ / تَبَجَّحَ مَجداً فَوقَ هامِ النَعائِمِ
فَكَم دَوَّخَ الأَعداء شَرقاً وَمَغرِباً / وَداسَ حِماهُم بِالعِتاقِ الصَلادِم
سَليلُ مُلوكٍ جَدَّدوا الدينَ بَعدَما / هَوى عَرشُهُ مِن عالِياتِ الدَعائِمِ
فَسارَ مَسيرَ الشَمسِ في الأَرضِ ذِكرُهُم / بِنَصرِ الهُدى بِالمَشرَ في وَاللَهاذِمِ
فَلِلَّهِ كَم شادوا مِنَ الدُنيا دارِساً / وَكم خَلَّدوا مِن سابِقاتِ المَكارِمِ
وَكنتُ لَهُم نِعمَ الخَليفَةُ بَعدَما / قَضوا وَاِستَكَنّوا في بُطونِ الرَواجِمِ
فَلَو مُكِّنوا أَثنَوا عَلَيكَ وَأَعلَنت / بِشُكرِكَ مِنهُم بالِياتُ الرَمائِمِ
وَكنتَ إِذا الأَمر الصَعيبُ تَخازَرَت / بهِ الأُسدُ في يَومٍ من النَقعِ قاتِمِ
وَضَلَّ بهِ السِرحانُ يَرقُصُ مائِداً / وَتَحمَدُهُ سُغبُ النُسورِ القَشاعِمِ
رَكوباً لِأَثباجِ الخُطوبِ إِذا التَوَت / تَيَمَّمتَ كُبراها بِهِمَّةِ حازِمِ
وَجُردٍ كَأَمثالِ السَراحينِ لاحَها / تَجاوُزُ غيطانِ الفَلا وَالمَخارِمِ
عَلَيهِنَّ فِتيانٌ إِذا اِحتَدَمَ الوَغى / تَساقَوا حِياضَ المَوتِ وِردَ الحَوائِم
رَقى بِالهُوَينا فَاِمتَطى صَهوَةَ العُلا / وَأَعيَت مُلوكاً حاوَلوا بِالسَلالِم
عَفُوٌّ إِذا ما العَفوُ كانَ حَزامَةً / وَلَيثٌ غَضوبٌ عِندَ جَهلِ المُخاصِمِ
أَلَم تَرَ قَوماً غَرَّهُم مِنهُ حِلمُهُ / فَظَنّوا ظُنوناً مِثلَ أَضغاثِ حالِمِ
تَمَنَّوا سَفاهاً أَن يَضُرَّكَ كَيدُهُم / وَمِن دونِ ما رامواهُ حَزُّ الغَلاصِمِ
مُنىً أَسلَمَتهُم لِلهَوانِ وَلِلرَّدى / وَأَلقَتهُمُ في قَعرِ ضَرّاءِ جاحِمِ
وَلَمّا أَبَوا إِلّا الشِقاقَ رَمَيتَهُم / بِأَرعَنَ جَوّاسٍ خِلالَ المَخارِمِ
فَأَضحَوا وَهُم ما بَينَ ثاوٍ مُجَندَلٍ / وَآخرَ مَصفودٍ بِسُمرِ الأَداهِمِ
وَقَد خَسِروا وَالدُنيا مَع الدينِ وَاِشتَرَو / بِعِزِّ التُقى المَحمودِ ذُلَّ المَآثِمِ
وَلمّا رَأوا مِنكَ الصَرامَةَ أَدبَروا / يَظُنّونَ رَحبَ الأَرضِ حَلقَةَ خاتِمِ
وَلاذوا بِعُبّادِ الصَليبِ تَخَيُّراً / فَما اِنقَلَبوا إِلّا بِسوءِ الخَواتِمِ
يُساقونَ قَهراً بِالهَوانِ أَذِلَّةً / يَعَضّونَ مِن غَيظٍ رُؤوسَ الأَباهِمِ
يَوَدّونَ قَبلَ اليَومِ جِدّاً لَو اِنَّهُم / تَساقَوا كُؤوساً مِن سمامِ الأَراقِمِ
وَلَم يَبلُغوا اليَومَ الذي نَظَروا به / وجوهَ المَنايا كالِحاتِ المَباسِمِ
وَيَومَ اِعتَزَوا لِلدّينِ رَحَّبتُمُ بِهِم / كَتَرحيبِ مَشغوفٍ بِأَفضَلِ قادِم
وَواسَيتُموهُم بَعدَ فَقرٍ وَعَيلَةٍ / وَأَلَّفتُموهُم بَعد طولِ تَصادُمِ
فَمِنهُم أُناسٌ صَدَّقوا ما اِعتَزَوا بِه / أولئِك إِخوانُ الصَفا وَالتَراحُمِ
هُمُ صَدَقا اللَه الذي عاهَدوا بِهِ / إِمامَهُمُ فِعلَ التَقِيِّ المُلازِمِ
وَمِنهُمُ أُناسٌ خالَفوا ما اِعتَزَوا بهِ / وَباعو الهُدى بِالموبِقات العَظائِم
فَهلّا أَفاد القَومَ ما قد فَعَلتُمُ / بِآبائِهِم في الغابِرِ المُتَقادِمِ
وَأَنت بِهِم مِن قَبلِ وَقتِ اِنتِسابِهِم / إلى الدينِ تَرميهِم بِأُمِّ القَواصِم
فماذا بدا فيما عَدا لَو تَعَقَّلوا / وَلكِن جُسومٌ في حُلومِ البَهائِمِ
إِمامَ الهُدى تَبرا الكُلومُ على المَدى / وَتَبقى حَزازاتُ النُفوسِ الكَواتِمِ
فَلا تَأمَنِ الضِدَّ الذي قَد وَتَرتَهُ / وَلَو أَنَّهُ أَبدى بَشاشَة باسِمِ
قِفي صَدرِهِ مِمّا فَعَلت تَحَرُّجٌ / وَفي قَلبِهِ مِثلُ التِهابِ الضَرائِمِ
فَكَم عاهَدوا عَهداً وَهم يَنقُضونَهُ / وَكَم حَلَفوا بِاللَهِ حَلفَةَ آثِمِ
فَلا زِلتَ مَنصوراً عَلَيهِم وَغَيرِهِم / وَحيدَ الثَنا في عُربِها وَالأَعاجِم
وَصلِّ إلهَ العالَمينَ مُسَلِّماً / عَلى المُصطَفى المُختارِ مِن آلِ هاشِمِ
وَأَصحابِهِ الغُرِّ الكِرامِ وَآلِهِ / هُداةِ الهُداةِ الطَيِّبينَ الأَكارِمِ
أَمِن أَجلِ أَن بانَ الخَليط المُلائِمُ
أَمِن أَجلِ أَن بانَ الخَليط المُلائِمُ / دَعاكَ الهَوى وَاِستَجهَلتكَ المَعالمُ
فَخَفِّض عَليكَ الهَمَّ تَحظَ بِراحَةٍ / فَما نالَ خَفضَ العَيشِ إِلّا المُسالمُ
وَدَع عَنكَ تَسويفَ الأَماني فَإِنَّها / خَوادِعُ لا يُصغي إِلَيهِنَّ حازِم
وَأَدنِ لِقَطعِ هَوجاءَ ضامِراً / فَما العِزُّ إِلّا أَن تَخُبَّ الرَواسِمُ
إِذا ما أَحسَّت نَبأَةً مِن مُحَدِّثٍ / تَقولُ أَعارَتها الجَناحَ النَعائِم
نَزورُ فَتىً أَحيا المَكارِمَ بَعدَما / مَضى زَمَنٌ وَهيَ العِظامُ الرَمائِمُ
سُعودَ بَني الدُنيا سَليلَ إِمامِها / مَليكاً تَرَبَّتهُ المُلوكُ الأَعاظِم
فَتىً أَريحِيَّ النَفسِ يَهتَزُّ لِلنَدّى / وَيَعلَمُ أَنَّ البَخلَ لِلمَجدِ هادِمُ
فَتىً كانَ يُعطي السَيفَ في الرَوعِ حَقَّهُ / إِذا لَم يَكُن إِلّا السُيوفَ مَعاصِم
فَتىً لَم يَبِت لَيلاً يُسامِرُ مِزهَراً / وَلا تَتَصاباهُ الحِسانُ النَواعِم
وَلكِنَّهُ بِالمَجدِ صَبٌّ مُوَلَّعٌ / يَرومُ أُموراً دونَهُنَّ مَقاحِمُ
فَتىً أَورَثَتهُ المَجدَ آباؤُهُ الأولى / وَبَذلُ النَدى وَالمُرهَفاتُ الصَوارِمُ
فَهُنَّ مَفاتيحُ العُلى وَعِمادُها / إِذا سَجَدَت يَوماً لهُنَّ الجَاجِمُ
أَلَيسَ مِن القَومِ الذي طارَ ذِكرُهُم / بِبَذلِ اللُهى وَالبَأسِ وَالجَوُّ قاتِمُ
إِذا سُئِلوا المَعروفَ كانَت أَكُفُّهُم / سَحائِبَ لكِن وَبلُهُنَّ الدَراهِمُ
وَإِن غَضِبوا فَالمَوتُ بَعضُ عِقابِهِم / وَتُستَلُّ مِنهُ بِالخُضوعِ السَخائِمُ
لَكَ المُلكُ إِرثاً مِن أَبيكَ وَمَكسَباً / وَهل تَلِدُ الأشبالَ إِلّا الضَراغِمُ
أَلَيسَ أَبوكَ العَبقَرِيُّ بنُ فَيصلٍ / هُماماً تَرَبَّتهُ العُلى وَهيَ رائِمُ
لَبِسنا به الأَيّامَ رَهواً عُبابُها / وَهَبذَت رُخاءً وَهيَ سَخمٌ سَمائِمُ
لَه نَفَحاتٌ مِن عِقابٍ وَنائِلٍ / بِها يَسعدُ المَولى وَيَشقى المُقاوِم
حَليمٌ إِذا ما كانَ لِلحِلم مَوضِعٌ / وَلِلجاهِل المَغرورِ داءٌ مُلازِم
عَفُوٌّ عَن الجاني إِذا جاءَ تائِباً / وَإِن عَظُمَت مِنهُ إِلَيهِ الجرائِم
وَكَم لكُمُ يَوما أَغَرَّ مُحَجَّلاً / به العَربُ اِنقادت لكُم وَالأَعاجِمُ
جَعَلتُم رِياضَ المَجدِ للنّاسِ مَوسِماً / فَحَجّوا وَما زالَت تُحَجُّ المَكارِم
يَروحونَ تَشكو عيسُهُم ثِقل رِفدِهِم / مَغانِمُ مِنكُم وَهيَ فيهِم مَغارِمُ
وَلِعتُم بِأَخذِ المَجدِ مِن مُستَقَرِّهِ / وَلو كَظَمتهُ في لَهاها الأَراقِمُ
فِداكُم رِجالٌ دونَ أَعناقِ مالهِم / مَغاليقُ أَقفالٍ عَلَيها خَواتِمُ
إِمامَ الهُدى إِنَّ السَعادَةَ لاحَظَت / سُعوداً وَلم تُعقَد عَلَيهِ التَمائِمُ
تَباشَرَتِ الدُنيا به حينَ بَشَّرَت / قَوابلهُ وَاستَقبَلَتهُ المَغانِمُ
فَمَهما تُرَشِّحهُ لِأَمرٍ فَإنَّهُ / مَليءٌ بِما يُرضيكَ وَالسِنُّ باسِمُ
وَيَكفيكَ مِنه أَنَّهُ لَم يَكُن له / مِنَ الناسِ في الأَرضِ العَريضَةِ لائِم
تَوَشَّحَ بِالمَجدِ الصَميمِ وَشَمَّرَت / بهِ لِاِبتِناءِ المَكرُماتِ العَزائِم
تَلاقَت عَليهِ مِن نِزارٍ ويَعرُبٍ / بُيوتٌ لها هامُ المُلوكِ دَعائِم
فَكَم فَلَقوا مِن هامَةٍ تَحتَ قَونَسٍ / وَكَم طَعَنوا حَيثُ اللها وَالغَلاصِمُ
وَما المَجدُ إِلّا هِمَّةٌ وَوِراثَة / وَقد جُمِعا فيه وَذو الضِغنِ راغِمُ
وَأزكى صلاةٍ مع سَلامٍ على الذي / به شَرُفَت بينَ العَوالم هاشِمُ
محمدٍ الهادي الشَفيعِ وَآلهِ / وَأَصحابه ما جَبَّرَ الشِعرَ ناظِمُ
قُدومٌ حَكى وَشيَ الرَبيعِ المُنَمنا
قُدومٌ حَكى وَشيَ الرَبيعِ المُنَمنا / وَأُرِّجَ أَوجُ الكَونِ لَمّا تَنَسَّما
وأَشرَقَتِ الدُنيا ضِياءً وَأُلبِسَت / مِنَ الحُسنِ بُرداً بِالسَعادَةِ مُعلَما
وَعاوَدَ نَجداً ما مَضى مِن شَبابِها / وَراجَعَها مِن حُسنِها ما تَقَدَّما
سِراجُ هُدىً عَمَّ الحِجازَ بِنورِهِ / وَأَشرَقَ ما ضَمَّ الحَطيمَ وَزَمزَما
فَلِلَّهِ كَم حَقٍّ أَقامَ وَباطِلٍ / أَزالَ وَكَم جودٍ أَفاضَ وَأَسجَما
وَفي مَسجِِ المُختارِ طالَ مُقامُهُ / وَصَلّى عَلَيهِ مِن قَريبٍ وَسَلَّما
وَأَوضَحَ مِن مِنهاجِهِ كُلَّ دارِسٍ / وَجَدَّدَ مِن آثارِهِ ما تَثَلَّما
مَهابِطُ وَحيٍ قُدِّسَت مِن مَآثِمٍ / وَمِن بِدَعٍ كانَت إِلى الشَرِّ سُلَّما
وَطابَ لِأَهلِها المُقامُ بِطيبَةٍ / وَقَد شُرِّدوا مِنها فُرادى وَتَوءَما
وَأَسبَلَ فيهِم مِن شَيِبِ جودِهِ / سِجالاً أَراشَت كُلَّ مَن كانَ مُعدِما
فَكَم مِن ضَعيفٍ مِن يَتيمٍ وَأَرمَلٍ / يُنادي إِذا ما جَنَّهُ اللَيلُ مُظلِما
إِلهي أَدِم نَصرَ الإِمامِ وَعِزَّهُ / وَأَيَّدَهُ بِالتَوفيقِ يا رافِعَ السَما
فَقَد كانَ لِلمُحتاجِ كَهفاً وَمَوئِلاً / وَقَد كانَ لِلطّاغي حُساماً مُصَدَّما
فَلَمّا اِستَقَرَّت بَعدَ ما أَلقَتِ العَصا / وَأُمِّنَتِ الأَسبالُ وَالشَرعُ حُكِّما
تَوَجَّهَ لِلدّارِ التي عَمَرَت بِهِ / على الطائِرِ المَيمونِ سارَ وَخَيَّما
فَلِلَهِ هذا المَجدُ كَيفَ تَفَرَّعَت / بَواسِقُهُ شَرقاً وَغَرباً وَمَشأَما
إِمامَ الهُدى إِنَّ المَدائِحَ فيكُمُ / فَخارٌ لِمُطريكُم وَلَو كانَ مُفحَما
أَلَستَ لِهذا الدينِ رُكناً وَلِلعُلا / مَناراً وَلِلأَيّامِ عيداً وَمَوسِما
فَيَوماكَ يَومٌ بِالمَواهِبِ ماطِرٌ / وَيَومٌ بِهِ الأَسيافُ يَرعُفنَ بِالدِما
فَكَم ناكِثٍ أَهوى لِسَيفِكَ ساجِداً / وَلَم يَكُ ذا طُهرٍ وَلا مُتَيِّما
وَإِنَّ أَميرَ المُؤمِنينَ لَكافِلٌ / لِباغي الهُدى التَعليمَ حَتّى يُفَهَّما
وَمَن لا يُرِد إِلّا الشِقاقَ فَإِنَّهُ / كَفيلٌ لَهُ أَن يَجعَلَ السَوطَ مخذَما
فَلا يَغتَرِر قَومٌ رَفَعتَ جُدودَهُم / وَأَولَيتَهُم مِن سَيبِ جَدواكَ أَنعُما
فَكَم شَرَقٍ بَعدَ الزُلالِ وَغُصَّةٍ / تُذيقُ العِدى مِن جُرعَةِ المَوتِ عَلقَما
وَمَن ثاوَرَ الأُسَدَ الضَواري جَعَلنَهُ / لِأَشبالِها تَحتَ الأَظافِرِ مَطعَما
وَمَن سَلَّ سَيفَ البَغيِ أَصبَحَ حَتفُهُ / بِشَفرَةِ ما قَد سَلَّ أَو سَهمِ ما رَمى
وَكَم قادِحٍ ناراً فَكانَ وَقودَها / إِذا حَسَّهُ مِنها شَواظٌ تَنَدَّما
عَفَوتَ عَنِ الجانينَ فَضلَ تَكَرُّمٍ / وَلا عَفوَ إِلّا أَن يَكونَ تَكَرُّما
سَجِيَّةُ مَطبوع عَلى الخَيرِ لَم يَبِت / يُلاحِظُ أَعجازَ الأُمورِ تَلَوُّما
أَناةً وَحِلماً وَاِنتِظاراً بِهِم غَداً / وَإِلّا فَلا وانٍ وَلا مُتَوَهِّما
كَذاكَ المَعالي لا يَرومُ بِناءَها / سِوى مَن يَعُدُّ الحَمدَ ذُخراً وَمَغنَما
وَإِنَّ النَدى إِن لَم يَكُن يَدفَعُ الأَذى / يَكُن وَضعُ حَدِّ السَيفِ في الأَمرِ أَحزَما
وَخَصَّكَ رَبُّ العَرشِ بِالمُلكِ مِنَّةً / وَمَن قَدَّمَ الرَحمنُ كانَ المُقَدَّما
أَمَدَّكَ بَعدَ اللَهِ قَلبٌ مُشَيِّعٌ / وَهِمَّةُ مِقدامٍ عَلى ما تَيَمَّما
وَيَومَ كَسَوتَ الجَوَّ فيهِ قَساطِلاً / أَعادَ النَهارَ المُشرِقَ النورِ مُظلِما
مَلَأتَ بهِ الأسماعَ رَعداً سَماؤُهُ / عَلى كُلِّ باغِ قَد طَغى تُمطِرُ الدِما
فَما تَنطِقُ الأَسيافُ إِلّا تَصَلصُلاً / وَلا تَنطِقُ الأَبطالُ إِلّا تَغَمغُما
وَكَم خَدَجَت فيهِ الجِيادُ مِهارَها / وَعادَ كُمَيتُ اللَونِ مِنها مُسَوَّما
وَلَم يَعرِفِ الناعي الحَميمُ حَميمَهُ / غَداةَ رَآهُ بِالغُبارِ مُلثَّما
فَإِن أَصحَروا فَالخَيلُ قَيدُ شَريدِهِم / وَإِن حَصَنوا ذابوا لُحوماً وَأَعظُما
أَقَمتَ بِهِ عَرشَ الهُدى بَعدَ ما هَوى / وَقَوَّمتَهُ بِالبيضِ حَتّى تَقَوَّما
أَلا في سَبيلِ اللَهِ نَفسٌ عَزيزَةٌ / سَمَحتَ بِها في المَأزِقِ الضَنكِ مُقدِما
إِمامُ هُدىً ما اِعتَمَّ بِالتاجِ مِثلُهُ / وَلا عُدَّ أَندى مِنهُ كَفّاً وَأَكرَما
وَلا قادَها جرداً إِلى حَومَةِ الوَغى / وَأَنعَلَها هامَ المُلوكِ المُعَظَّما
كَمِثلِكَ يا عَبدَ العَزيزِ بنَ فَيصَلٍ / وَإِن أَطنَبَ الشُعّارُ فيمَن تَقَدَّما
وَإِنَّ اِمرءًا لَم يَعتَقِد لَكَ بيعَةً / وَيُمسي بِأَمرِ اللَهِ راضٍ مُسَلِّما
لَفي حيرَةٍ مِن دينِهِ أَو مُعانِدٌ / وَبِئسَ لَعمري مَورِداً مُتَوَخِّماً
أَلَيسَ أَطيعوا اللَهَ ثُمَّ رَسولَهُ / كذاكَ وَلِيَّ الأَمرِ أَمراً مُحمدّاً
وَقَد حَضَّ خَيرُ المُرسَلينَ محمدٌ / عَلى قَتلِ مَن شَقَّ العَصا كَيفَما اِنتَمى
وَمَن لا يُفَكِّر في العَواقِبِ رُبَّما / هَوى في مَهاوي جَهلِهِ مُتَنَدِّما
وَإِنَّ سَراةَ المَجدِ مِن آلِ مُقرِنٍ / هُمُ لِلعُلا كانوا ذِماماً وَمَحرَماً
أَبَوا يَتَوَلّاها سِواهُم وَشَرَّعوا / دُوَينَ حِماها السَمهَرِيَّ المُقَوَّما
أَحَلَّتهُمُ دارَ العَدوِ رِماحُهُم / وَبَذلُهُمُ المالَ النَفيسَ المُفَخَّما
أولئِكَ من لا يُحسِنُ الطَعنَ غَيرُهُم / إِذا كانَ وَجهُ الكَونِ بِالنَقعِ أَقتَما
فَلا مَجدَ إِلّا مَجدُهُم كانَ قَبلَهُ / وَلا جودَ إِلّا مِن نَداهُم تَعَلَّما
وَصَلِّ إلهَ العالَمينَ مُسَلِّماً / عَلى خَيرِ مَن صَلّى وَصامَ وَأَحرَما
مُحمدٍ الهادي الأمينِ وَآلِهِ / وَأَصحابِهِ ما سَحَّ غَيثٌ وَما هَمى
مَنالُ العُلى إِلّا عَلَيكَ مُحَرَّمُ
مَنالُ العُلى إِلّا عَلَيكَ مُحَرَّمُ / وَكُلُّ مَديحٍ في سِواكَ يُذَمَّمُ
وَلا مَجدَ إِلّا قَد حَوَيتَ أَجَلَّهُ / وَلا فَضلَ إِلّا أَنتَ فيهِ المُقَدَّمُ
وَمَن يَعتَقِد غَيرَ الذي جاءَ نَصُّهُ / لَكُم في كِتابِ اللَهِ لا شَكَّ يَأثَمُ
أَلَستُم أَقمتُم مَيلَ نَهجِ مُحمدٍ / وَقَد كادَ يَعفو أَو يَبيدُ وَيَهرمُ
سَيَأتي قَتيلُ الطَفِّ في الحَشرِ شاهِداً / بِهذا وَحِجرٌ وَالمَقامُ وَزَمزَمُ
غَداةَ كَسَوتُم كَعبَةَ اللَهِ وَاِعتَلى / بِأَبطَحِها الدينُ القَويمُ المُعَظَّمُ
وَلَم يَبقَ فيها قُبَّةٌ أَو ذَريعَةٌ / إِلى الشِركِ إِلّا وَهيَ تُمحى وَتُهدَمُ
مَعالٍ مَتى تُذكَر تَصاغَرَ عِندَها / مَعالي مُلوكٍ أُخِّروا أَو تَقَدَّموا
فَلا مَجدَ إِلّا خَشيَةُ اللَهِ وَالتُقى / وَلا فَخرَ إِلّا الشَرعُ فيهِ المُقَدَّمُ
لِيَهنِكَ يا عَبدَ العَزيزِ بنَ فَيصَلٍ / مَغانِمُ تُدعى وَهيَ في الأَجرِ مَغنَمُ
إِذا شَقَّ أَمرَ المُسلِمينَ مُضَلِّلٌ / فَأَنتَ لَهُ المَوتُ الزُؤامُ المُحَتَّمُ
دَلَفتَ لَهُ قَبلَ الشُروقِ بِفَيلَقٍ / أَحَمَّ الرَحى فيهِ المَنايا تُقَسَّمُ
فَأَسقَيتَهُم سُمّاً زُعافاً يَشوبُهُ / بِأَفواهِهِم بِالمَوتِ صابٌ وَعَلقَمُ
تَظَلُّ بِهِ غُرثُ السِباعِ نَواهِلاً / وَعِقبانُهُ مِنها وُقوعٌ وَحُوَّمُ
كَما قَد جَرى يَوماً عَلى أَهلِ حائِلٍ / وَقَد صُرِفوا عَن مَنهَجِ الرُشدِ أَو عَموا
وَظَنّوا بِأَنَّ الدارَ كَالإِسمِ حائِلٌ / نَفورٌ عَنِ الأَزواجِ جَدّاءُ مُصرِم
فَأَنكَحتَها صُمَّ الرِماحِ فَأَصبَحَت / كِشافاً بُعيدَ الحَملِ بِالشَرِّ تُتئِمُ
فَكَم كاعِبٍ حَسناَ تَلطِمُ وَجهَها / وَأُخرى تَشُقُّ الجَيبَ بِالثُكلِ أَيِّمُ
وَكَم نَصَحوا لَو كانَ لِلنُّصحِ مَوضِعٌ / وَكَم عَذَلوا لَو كانَ فيهِم مُحَلَّمُ
وَلكِن أَبَوا إِلّا الشِقاقَ فَلَم يَكُن / لَهُم وَزَرٌ إِلّا حُسامٌ وَلَهذمُ
وَقالَ زَعيمُ القَومِ لا بَل شَقيُّهُم / إِلى اِبنِ طَلالٍ أَرسِلوا فَهوَ أَحزَمُ
فَلَمّا أَتاهُم زادَهُم مَع خَبالِهِم / خَبالاً وَعُقبى ما أَتَوهُ الَتَنَدُّمُ
وَظَنّوا بِأَنَّ اللَهَ يُخلِفُ وَعدَهُ / وَهَيهاتَ وَعدُ الصادِقِ الوَعدِ أَحكَمُ
وَقَد قالَ جُندي غالِبٌ لا مَحالَةٌ / بِذاكَ قَضائي في البَرِيَّةِ مُبرَمُ
أَطَلَّ عَلَيهِم واحِدٌ في كَمالِهِ / وَلكِنَّهُ في البَأسِ جَيشٌ عَرَمرَمُ
بِفِتيانِ صِدقٍ في اللِقاءِ أَعِزَّةٍ / لَهُم نَسَبٌ ما شابَهُ قَطُّ أَعجَمُ
عَلى ضُمَّرٍ بَينَ الوَجيهِ وَلاحِقٍ / تُعارِضُ ما أَبقى الجَديلُ وَشَدقَمُ
أُولاكَ بَنو الإِسلامِ حَيَّ هَلاً بِهِم / وَأَكرِم بِهِم أَكرِم بِهِم حَيثُ يُمَّموا
هُمُ عَرَفوا حَقَّ الإِلهِ وَرُسلِهِ / وَحَقَّ وُلاةِ المُسلِمينَ وَعَظَّموا
رَأَوا أَنَّهُ لا دينَ إِلّا بِطاعَةٍ / لِمَن هُوَ بِالديِ الحَنيفِيِّ قَيِّم
وَذاكَ أَميرُ المُؤمِنينَ بنُ فَيصَلٍ / إِمامُ الهُدى لِلمَكرُماتِ مُتَمِّمُ
فَلَمّا رَأوا حِزبَ الإِلهِ يَقودُهُ / إِلَيهِم رَبيطُ الجَأشِ في الهَولِ مُقدِمُ
تَوَلَّوا سِراعاً وَالسُيوفُ شَوارِعٌ / بِأَكتافِهِم وَالسَمهَرِيُّ تُحَطِّمُ
وَمَن قَد نَجا مِنهُم إِذا سَمِعَ النِدا / يُراعُ وَبِالأَمواتِ في اللَيلِ يَحلُمُ
إِلَيكَ إِمامَ المُسلِمينَ تَواهَقَت / بِها ضُمَّرٌ تَطوي المَهامِهَ عَيهَمُ
تَعومُ إِذا اِشتَدَّ الهَجيرُ كَأَنَّها / مَعَ الدَوِّ مُحمَرُّ الظَنابيبِ أَصلَمُ
تَذَكَّرُ أَفراخاً بِبَيداءَ حَردَةٍ / وَلِلرّيحِ نَئّآجٌ وَلِلغَيثِ مَسجَمُ
فَظَلَّ يُناجي النَفسَ أَينَ مَراحُهُ / وَلا عَلَمٌ يَهديهِ وَاللَيلُ مُظلِمُ
تُبَلِّغُكُم مِنّي أَلوكَةَ صادِقٍ / لَكُم مُخلِصٍ في الوُدِّ لا مُتَبَرِّمُ
فَحُبُّكُمُ عِندَ المَهَيمِنِ قُربَةٌ / وَنُصحُكُمُ فَرضٌ علَينا مُحَقَّمُ
وَمَن لا يَراهُ فَهوَ إِمّا مُغَفَّلٌ / وَإِمّا عَلى تَكذيبِهِ الوَحيَ مُقدِمُ
وَما أَنسَ لا أَنسَ بنَ سُلطانَ فَيصَلاً / لَهُ ما بَقي مِنّي الثَناءُ المُنَمنَمُ
أَخا الحَربِ إِن عَضَّت بِهِ الحَربُ لَم يَكُن / جَزوعاً وَلا مِن مَسِّها يَتَأَلَّمُ
وَزيرَ إِمامِ المُسلِمينَ الذي لهُ / مَشاهدُ فيها مَعطِسُ الفِسقِ يُرغَمُ
إِذا ناكِثٌ أَو مارِقٌ مَرَقَت بِهِ / عَنِ الدينِ نَفسٌ لِلشَّقاوَةِ تَرأَمُ
سَما مُشمَعِلّاً فَيصَلٌ نَحوَ دارِهِ / يَخوضُ بِحاراً بَعضُ خُلجانِها دَمُ
بِأَمرِ إِمامِ المُسلِمينَ وَرَأيِهِ / وَلا عِزَّ إِلّا بِالإِمامَةِ يُعصَمُ
وَإِخوانُهُ في اللَهِ لا تَنسَ فَضلَهُم / هُمُ نُصرَةُ الإِسلامِ وَاللَهُ يَعلَمُ
قَبائِلُ فيها مِن رِجالِ عُتَيبَةٍ / أُسودٌ إِذا حَميَ الوَطيسُ تَقَحَّموا
يَسومونَ في الهَيجا نُفوساً عَزيزَةً / وَلكِنَّها بِالقَتلِ في اللَهِ تُكرَمُ
وَفي الحَربِ مِن حَرب لُيوثٌ ضَراغِمٌ / أَشِدّا عَلى الباغينَ في اللَهِ رُحَّمُ
وَلَم أَترُكِ الباقينَ جَهلاً بِحَقِّهِم / وَلا أَنَّني في فَضلِهِم مُتَلَعثِمُ
وَلكِنَّما الأَسماءُ كانَت تَغُرُّني / وَلَم يَكُ عِندي مَن بِذاكَ يُفهِم
جُنودُ إِمامِ المُسلِمينَ الذي لَهُم / إِلى كُلِّ مَعروفٍ مِنَ الخَيرِ سُلَّمُ
وَصَلِّ إِلهي كُلَّما ناضَ بارِقٌ / وَما طَلَعَت شَمسٌ وَما لاحَ مِرزَمُ
عَلى سَيِّدِ الساداتِ نَفسي فِداؤُهُ / أُصَلّي عَلَيهِ مُدَّتي وَأُسلِمُ
كَذا آلِهِ الغُرِّ الكِرامِ وَصَحبِهِ / هُمُ صُفوَةُ الرَحمنِ مِنّا هُمُ هُمُ