المجموع : 51
أتذكر أطلالاً تعفَّتْ وأرسُما
أتذكر أطلالاً تعفَّتْ وأرسُما / بذاتِ الفضا في الجزعِ مِنْ أَيمن الحمى
منازل أحباب بها نزلَ الهوى / فلم يُبقِ إلاَّ مدنف القلب مغرما
عرفنا الهوى من أين يأتي لأهله / بها والغرام العامريّ من الدمى
لئنْ أصبحت تلك المنازل باللوى / قصارى أمانيَّ الهوى فلطالما
وقفتُ عليها والهوى يستفزُّني / فأرسلتُ فيها الدمع فذًّا وتوأما
كأَنِّي على الجرعاء أوقفت عبرة / جرت بربوعِ المالكيَّة عَنْدَما
وما أسأر البين المشتُّ بقيَّةً / من الدمعِ إلاَّ كانَ ممتزجاً دما
فأصبحتُ أستسقي السحاب لأجلها / وما بلّ وبل السحب من مثلها ظما
خليليَّ إنَّ الحبَّ ما تعرفانه / خليليَّ لو شاهدتما لعلمتما
قفا بي على رسم لميَّة دارس / لكي تعلما من لوعَتي ما جهلتما
وإنْ لم تساعدني الجفونُ على البكا / بآثار ميٍّ فاسعداني أنتما
بعيشكما إنْ تبصراني برامة / فلنْ تبصرا إلاَّ فؤاداً متيَّما
وممَّا شجاني في الدجنة بارق / بكيت له من لوعتي فتبسَّما
سرى موهناً والليل كالفرع فاحم / فقلتُ أهذا ثغر سعدى توهما
وأورى حشا الظلماء كالوجد في الحشا / وكالقلب يا ظمياء لمَّا تضرَّما
وشوَّقني ثغراً ظمئتُ لوردِه / وهل أَشتكي إلاَّ إلى ورده الظما
شربتُ الحميَّا واللمى منه مرَّةً / فلم أدرِ ما فرق الحميَّا من اللمى
وعيشاً سلبناه بأسنمة النقا / وما كانَ ذاكَ العيش إلاَّ منمنما
رعى اللهُ أحباباً رعينا عهودهم / وعهداً وصلناه ولكن تصرَّما
وغانية من آل يعرب حكَّمَت / هواها بقلبي ضلَّةً فتحكما
أَحَلَّتْ مهاة الأبرق الفرد في الهوى / دماً كانَ من قبل الغرام مُحرَّما
وفي ذلك الوادي سوالب أنفسٍ / رمينَ بأحداق السوانح أسهما
وكم من فؤادٍ قد جرحن ولم نجد / لما جرحت سود النواظر مرهما
أرى البيض لا يرعين عهداً لعاشقٍ / وإن أوثق الصبُّ العهود وأبرما
وفي الناسِ مَن إنْ تبتليه وَجَدته / وقد كانَ شهداً في المذاقة علقما
وإنِّي نظرتُ الناس نظرة عارفٍ / وأبصرتهم خَلقاً وخُلقاً وميسما
فما أبصرتْ عيني كمحمود ماجداً / ولا كشهاب الدين بالعلم معلما
من السَّادة الغرّ الميامين ينتمي / إلى خيرِ خلق الله فرعاً ومنتمى
ولمَّا تعالى بالفضائل رفعة / تخيلته يبغي العروج إلى السما
هو الصارم الماضي على كلِّ ملحد / من الله لم يفلل ولن يتثلَّما
سل الفضلَ منه واسأل البرَّ تغتدي / بأفضل ما حدثت عن من تقدَّما
لقد ضاق صدر الهوى عن كتم فضله / فأظهره إذ كانَ سرًّا مكتما
بدت معجزات الحقّ حين ظهوره / فأعجز فيها المبطلين وأفحما
إذا المطْعن المقدام شامَ يَراعَه / لما ظنَّه إلاَّ وشيجاً مقوَّما
وينشق من ظلماء ليلِ مداده / صباح هدًى لا يترك الليل مظلما
له الكتب ما أبقت من الغيّ باقياً / ولا تركت أمراً من الدين مبهما
وما هو إلاَّ رحمة الله للورى / به ينقذ الله الأنام من العمى
فلو حققت عين الحقيقة ذاته / لقلنا هو النور الذي قد تجسما
كريمٌ فما أعطى ليُمدح بالندى / ولكنه يعطي الجزيلَ تكرّما
مواطر أيديه المواطر دونها / تهاطل إحساناً وتمطرُ أنعما
وهيهات يحكيك السحاب وإن همى / نوالاً وفيض البحر علماً وإن ظمى
نراك بعين النقد أفضل من نرى / ولم نرَ أندى منك كفًّا وأَكرما
وأقسمت لو أثريتَ أَو نلت ثروةً / لما تركت جدواك في الأرض معدما
علومك ما حِيزتْ لشخصٍ جميعها / فهل كانَ ذاكَ العلم منك تعلما
حويت علوم الدِّين علماً بأسرها / وأصبحت للعلم اللَّدُنيّ ملهما
تُشيِّد دين الله بالعلم والتقى / ولو لم يشيِّده علاك تهدّما
حميت حدود الله عن متجاوزٍ / فلم نخشَ من خرقٍ وأنتَ لها حمَى
وإنَّ الذي أعطاكَ ما أنتَ أهله / أنالَكَ شأناً لا يزال معظَّما
فنلْ أجرَ هذا الصَّوم واهنأ بعيده / ورمْ مجدعاً أنفَ الحسود ومرغما
وإنِّي منى أدعُ لمجدك بالبقا / دعوتُ لنفسي أن أعزَّ وأكرما
فلا زلت فخر المسلمين وعزّها / ألا فليفاخر فيك من كانَ مسلما
ألا إنَّ هذا الفؤادَ اضطرمْ
ألا إنَّ هذا الفؤادَ اضطرمْ / فهلْ من خمودٍ لهذا الضَّرَمْ
وفي كلِّ جارحةٍ لوعةٌ / تثور وفي كل عضوٍ ألَمْ
وأيقَظَ وَجْدِيَ برقٌ يلوح / وقد نام عن أعينٍ لَم تَنَمْ
ولما سرى موهِناً في الدجى / بكيت له عن جوىً وابتسمْ
وباحت دموعي بسرّي المصون / وسرّ الصبابة لا يَنْكتِمْ
فللّه برق أثار الغرام / وللَّه دمع جرى وانسجم
تصامَمْتُ عن عاذلي في الهوى / وما بي ودينِ الهوى من صمم
فمَنْ مُنصفي من غرامٍ ظلوم / ومن منصفي من حَبيب ظَلَمْ
فلا سَلِمَ الصَّبرُ من مغرم / إذا ذكر الحي في ذي سَلَم
أعَلِّلُ نفسي بنيل المنى / وما لي إلي نيلها مقتحم
ومن لي بعزم الجريّ الأبيّ / فلا ينثني عزمه إن عزم
وإنِّي على شغفي بالخمول / أروم من الدهر ما لم يُرَم
وقد شَيَّبتني صروف الزمان / وصرف الزمان يشيب اللمم
فما لي أقمت بأرض العراق / ولولا خمولي بها لم أقم
وكنت ترحَّلْتُ عن موطنٍ / إذا كنت في غيره لم أُضَم
إلى قائد عسكر المسلمين / ومقدامهم في الحروب الدهم
عليّ الرضا مشرفيّ القضا / وغيث العطاء غياث الأمم
قريب النوال مجيب السؤال / منيع المنال رفيع الهمم
جَزيل الثواب مجيد الضّراب / شديد العقاب إذا ما انتقم
أذَلَّ الطغاة وأردى الكماة / وساق الصناديد سوق الغنم
إذا حارب الأُمَم الفاجرين / تصدَّعَ من شعبها ما التأم
بسيف مبيد ورأي سديد / وعزم شديد وأنفٍ أشم
حسام الدولة عبد المجيد / مليك الملوك وسيف خذم
يقدّ به الهام ممَّن عَصاه / وَيَفلق في شفرتيه القمم
وإن هالتِ الحرب يوم النزال / تصدّى لأهوالها واقتحم
وحسبك أنَّ المليك اصطفاه / وولاّه دفع الأهمَّ الأهم
فكان إذا استخون الغادرين / رأى من عليّ وفيّ الذمم
ففي مثل صدق عليّ الرضا / تَبَلَّج صُبحُ الرّضا وابتسم
فقرّبه من علاهُ المليكُ / فكان المبجَّلَ والمحتشم
وفي عدل هذا المليك العظيم / نجاة الرعية من كلِّ غم
إذا أبْعَدَته ملوك الزمان / تُقَبّلُ منه مكان القدم
به اعتصمت من جميع الخطوب / وفي مثل دولته المعتصم
بصنعٍ أجاد وفضلٍ أعاد / وقرنٍ أباد وأنفٍ رغم
وتلك المواهب بين الملوك / مواهب كانت له في القدم
تلوذ برأفته الخائفون / فتأمن من كلِّ أمرٍ مهم
ومن كانَ باباً لنيل المراد / فلا شك في بابه المزدحم
مناهله شرعة الواردين / بحيث النوال وحيث الكرم
صوارمه نقمة تُتَّقى / وأنظاره نعمة تُغْتَنَم
وقد خلق الله كلتيهما / لحتف دنا أو لرزقٍ قسم
أعاد إلى الملك شرخ الشباب / وعهد الشبيبة بعد الهرم
رقاها ببيض السيوف الحداد / فما برح الداء حتَّى انحسم
فأينع في روضها ما ذوى / وشيّد من ركنها ما انهدم
حمى حوزة الدِّين في صارم / إذا صُرم الموت فيه انصرم
فتهدي الأنام لسلطانه / بحسن الثناء وطيب الكلم
دعاء لدولته يستجاب / وعهد لخدمته يلتزم
وفيتَ له يا عليّ الرضا / وهل ينفع الغادرين الندم
وقمت لدولته قائماً / لكربٍ ألمَّ وخطبٍ هجم
وللَّه دَرُّك من صادق / إذا مُيّز الصدق والمتهم
ولاحت خفايا صدور الرجال / وأصبح أمرهُمُ قد عُلم
ألا لا برحت سرور الوجود / بمن أوجد الخلق بعد العدم
عليك نعيد الثناء الجميل / وفيك البداية والمختتم
وقد نظم العبد فيك القريض / فصِلْ من قبولٍ لها من نَظَم
يَؤُمُّ جنابَ عليّ الجناب / ومن حقّ حضرته أن تُؤَم
تلوح معاليه للناظرين / ولا مثلَ نارٍ بأعلى علم
فأنطقَ بالمدح حتَّى العُجُم / وأسمع بالصيت حتَّى الأصم
محبَّتُه أُغرزت في القلوب / وشكرانه ساغ في كل فم
لقد شملتنا له نعمة / وقد أوجب الله شكر النعم
فيا ليتني كنت في ظِلّهِ / وكنت أكون كبعض الخدم
أفوز بباب عليّ الجناب / فأروي محاسن تلك الشيم
وأنْشِدُه الشعر عن أخرسٍ / يترجم عنه لسان القلم
هَل عَرَفْتَ الديار من آل نُعمى
هَل عَرَفْتَ الديار من آل نُعمى / ومحلاًّ عفى لبين ألمَّا
تُنكِر العين بعد معرفةٍ من / ها طلولاً كأنَّما كنَّ رقما
فسقى الأرسم الدوارسَ دمعٌ / لم يغادر من أرسُم الدار رسما
قد ذكرنا بها العصور الخوالي / عهد هندٍ ودار سعدى وسلمى
ووقوفي على المنازل ممَّا / خضب الطرف بالنجيع وأدمى
وأذاعت سرَّ الهوى عبراتٌ / هي لا تستطيع للحب كتما
يوم هاجت بالإدكار قلوباً / أصبحت من صوارم البين كلمى
أين أيَّامنا وتلك التصابي / صرمتها أيدي الحوادث صرما
يا ابن وُدّي إنَّ المودةَ عندي / أن أراني أُرمي بما أنت تُرمى
أفتروى وما تبلّ غليلاً / مهج يا هذيم بالوجد تظما
سلبت صحَّتي مراض جفون / ما كستني إلاَّ غراماً وسقما
حكمت بالهوى على دنف الق / لب وأمضت على المتيم حكما
وبنفسي عدل القوام ظلوم / ما اتّقى الله في دم طُلَّ ظلما
لا تلمني على هواه فلا أس / مع عَذلاً ولا أعي منك لوما
ظعن الظاعنون فاستمطر ال / دَمع فؤادي سحًّا عليهم وسجما
أعِدُ النفس منهم بالأماني / وأعدُّ الأيام يوماً فيوما
أنصِفونا من هجركم بوصول / أنا راضٍ منكم بحتّى ولمّا
وهبوا النوم أن يمرّ بجفني / فلعلّ الخيال يطرق نوما
رب ليل قطعته بمليح / أشْهَدَ البدر من محيَّاه تمَّا
وإذا وسوست شياطين همٍ / رجمتها شهب المدامة رجما
فكأنَّ الهلالَ نصفُ سوارٍ / والثريا كأنَّها قرط أسما
بِتُّ حتَّى انبلج الصبح منه / أرشف الراح من مراشف ألمى
ذاك عيش مضى ولهو تقضَّى / أبدل الجهل بالتصرم حلما
ذقت طعم الحياة حلواً ومراً / وبلوت الزمان حرباً وسلما
وتحنكت بالتجارب حتَّى / كشفت لي عن كلِّ أمرٍ معمَّى
قد تقلَّبتُ في البلاد طويلاً / وقتلت الخطوب عزماً وحزما
لم يطش لي سهم إذا أنا س / دَّدْتُ إلى غاية المطالب سهما
لي بآل النبيّ كلّ قصيدٍ / أسمعت بالفخار حتَّى الأصمّا
حجج تفحم المجادل فيها / وتردّ الحسَّاد صمًّا وبُكما
وإذا عاند المعاند يوماً / أرغمت أنفَ من يعاند رغما
سرَّني في الأشراف نجل عليّ / وهو عبد الرحمن فضلاً وفهما
علويٌّ يريك وجهاً حييًّا / وفؤاداً شهماً وأنفاً أشما
ناشئ بالتقى على صهوات ال / خيل عزًّا وفي المدارس علما
طائع خاشع تقيٌّ نقيٌّ / ينقضي دهره صلاة وصوما
بأبي الناسك الأبيَّ فلا يح / مل وِزراً ولا يُحَمَّل ضيما
كم رمى فكره دقيق المعاني / فأصاب المرمى البعيد وأصمى
لا ترى في الإنجاب أثقب زنداً / منه في صحبه وأبعد مرمى
عنصر طيب وأصل كريم / وجميل قد خصّ منهم وعمَّا
سادة أشرف الأنام نجاراً / ثم أذكى أباً وأطهر أمَّا
شَرَّفَ الله ذاتهم واجتباهم / واصطفاهم على البريّة قوما
لا يزالون يرفعون بيوتاً / للمعالي لا تقبل الدهر هدما
تستخفّ الجبالَ منهم حلومٌ / طالما استنزلت من الشمّ عصما
وإذا اعتلت العلاء بداءٍ / حسموا داءها على الفور حسما
وعلى سائر البرية فضلاً / سال سيل النوال منهم فطمَّا
قسموا العمر للعبادة قسماً / منذ عاشوا وللمكارم قسما
شربوا خمرة المحبَّة في الله / وفضّوا عنها من المسك ختما
وسرت من وجودهم نفحات / كنّ روح الوجود إن كانَ جسما
تنجلي فيهم الكروب إذا ما / لُحْنَ غُبراً أنّى يَلُحْنَ وَقُتْما
ما تجلّت وجوههم قط إلاَّ / وجَلَت ليل خطبها المدلهمّا
هِمَمٌ في بني النبيّ كفتنا / من جميع الأمور ما قد أهمّا
يا ابن من لا تشير إلاَّ إليه / أنمل العزّ إن أشار وأومى
يا عليّ الجناب وابن عليٍّ / طابق الاسم بالصفات المسمى
رضي الله عنكم من أناسٍ / شيّدوا للعلى مناراً وإسما
أوجبت مدحكم عليَّ أيادٍ / في زمان من حقّه أنْ يُذمّا
أبتغي الفوز بالثناء عليكم / وأراه فيما أحاول غنما
حيث أمحو وِزراً وأثبت أجراً / فائزاً بالمنى وأمحق إثما
والقوافي لولا جزيل عطاياك / شكتنا بفقدها الأهل يتما
قد تحلّت بكم فكنتم حلاها / وحلت في الأذواق نثراً ونظما
وإليكم غرّ المناقب تعزى / وإليكم جلّ المكارم تنمى
ما استطاع الإنكار منهنّ شيئاً / حاسدٌ عن محاسن الصبح أعمى
إذا المجدُ شادته القنا والصوارمُ
إذا المجدُ شادته القنا والصوارمُ / وقامت به بالمكرمات دعائمُ
فثمَّ المعالي والرياسة والعلى / نوالٌ وإقدامٌ ورمحٌ وصارم
وليس يسود المرءُ إلاَّ بنفسه / وإن نجبت فيه أُصولٌ أكارم
ولا حرَّ إلاَّ والزَّمان كما أرى / يحاربه طوراً وطوراً يسالم
شديدٌ على الأيام يقسو إذا قستْ / وإنْ عَبست أيَّامهُ فهو باسم
أخو الحزم يقظان البصيرة لم تنم / له أعينٌ والجاهل الغمر نائم
ذرّ اللَّوم إنِّي بالمعالي متيَّمٌ / وإن لامني فيها على الحبِّ لائم
تركت الهوى بعد المشيب لأهله / وراجعني حلم لسَلمى يصارم
وما أنْسَ لا أنسى زماناً قضيته / وعود الصبا ريَّان والعيش ناعم
أشيمُ به برق الثنايا وأصطلي / سنا نار كأس والحبيب ملائم
طروقاً إلى من كنتُ أهوى بليلةٍ / كأَنَّ دجاها عارض متراكم
بحيث المواضي والأَسنَّة شرَّعٌ / وموج المنايا حوله متلاطم
إذا زأرَ الليث الهزبر بحيّة / يجاوبه ريم من السرب باغم
واسمرَّ نفَّاث المنون سنانه / كما نفث السمَّ الزعاف الأَراقم
يسامرني إذ لا سمير اعتقلته / وجنح الدُّجى في مهلك البيد فاحم
وعانقني ما نمت عضب مهنَّد / من البيض لا البيض الحسان النواعم
ولي من رياض القول كلّ حديقة / زها ناظم فيها وأعْجَب ناظم
سقتها يد من ناصر فتفتَّحت / بنوَّار أزهار الكلام كمائم
تترجم عن إحسانه وجميله / فيا حسنَ ما أبدته تلك التراجم
بمتّخذ زرق الأَسنَّة سلَّماً / على المجد والسّحر العوالي سلالم
من العالم العلويّ نفساً وهمَّة / رفيع المباني والأنام دعائم
رزقت من النعماء أرفع سؤدد / من العزّ ما تنحطّ عنها النعائم
فأرغمت آنافاً وأكبتَّ حسَّداً / لأنف الأَعادي حدّ سيفك راغم
أبا فالح سُدْتَ الأُمور بحكمةٍ / وأنت خبيرٌ بالسِّياسة عالم
ورأي يريك الأمر قبل وقوعه / فما ريع ذو لبّ من الأَمر حازم
أمستعصمَ الملهوف ممَّا ينوبه / لك الله من شرّ النوائب عاصم
وترعاك من عين الإِله عناية / تصاحب من صاحبته وتسالم
فمن ناله منك الرضا هو رابحٌ / ومن فاته منك الرضا فهو نادم
رفعت منار المجد فيها وحلَّقت / خوافٍ إلى جوِّ العُلى وقوادم
إليك انتهى الفعل الجميل بأسره / وما تنتهي إلاَّ إليك المكارم
مكارم ترتاح النفوس لذكرها / وفيها الغنى يرجى ومنها الغنائم
غياث غوث كلَّما انهلَّ ساجم / تتابع في آثارها منك ساجم
يميزك الإِقدام والبأس والندى / وما تستوي أُسْدُ الشرى والبهائم
وما قَعَدت عمَّا أمرتَ قبيلةٌ / وأنت عليها بالمهنَّد قائم
وإنَّك لو دمَّرت قوماً بذنبهم / فإنَّك مأمورٌ وما أنتَ آثم
لقد أعرَبتْ عنك الصوارم والقنا / وقد أفصحت شكراً وهنَّ أعاجم
وقد ترجمت عن طول باعك في الوغى / وشاعت وذاعت عنك تلك التراجم
فيا لك من يشقى لديه عدوّه / لك السعد والإِقبال عبد وخادم
وكم لك ما بين الخميسين وقفة / وقد أحجمت عنها الأُسود الضراغم
وردت المنايا والسّيوف مناهل / وما لك في ذاك الورود مزاحم
تركت بها القتلى تمجّ دماؤها / وللطير منها والوحوش ولائم
فللأرض من تلك الدّماء مشارب / وللوحش من تلك اللّحوم مطاعم
بطشت بمن يبغي عليك بكيده / وأنت رؤوفٌ بالرعيَّة راحم
وأبقيت دار المفسدين بلاقعاً / خلا عالم منها وأقوت معالم
وأنصفْتَ بين الناس بالحكم عادلاً / فلا ثَمَّ مظلوم ولا ثَمَّ ظالم
يُمَدُّ عليها منك ظلٌّ مظلِّلٌ / إذا لفحتها بالخطوب سمايم
أعدت شباب الدهر بعد مشيبه / فعاد علينا عهده المتقادم
لئن ذكروا في الجود كعباً وحاتماً / فأنت لهذا العصر كعب وحاتم
وما بَرِحَتْ تنهلُّ جوداً ونائلاً / يمينُك لا ما تستهلّ الغمائم
ولله منها عارض سحّ ممطراً / دنانيرها من قطرها والدراهم
تطوّقني نعماك تترى بمثلها / بأحسن ممَّا طوّقته الحمائم
وكم لي بكم يا آل سعدون مدحة / من القول يستوفى بها الشكر ناظم
إذا أُنْشِدَتْ سرَّت نفوساً وطأطأت / رؤوساً ومالت من رجال عمائم
وإنِّي بكم يا آل سعدون شاعر / وها أنا في وادي ثنائك هائم
بطلعتك الغرَّاء موسم ثروتي / ولي منك في نيل الثراء مواسم
فأنت لعمري للمكارم فاتح / وأنت لعمري للأكارم حاتم
أتى ببراهينٍ غدا كلُّ جاحدٍ
أتى ببراهينٍ غدا كلُّ جاحدٍ / ببرهانه بين البرية مفحما
فألزمه بالحقّ والحقّ قوله / فأسْلَمَ من بعد الجحود وسلّما
فطوراً تراه للأمور مسدّداً / وطوراً تراه للعلوم معلّما
فلله ما صنّفت كل مصنّف / سرى منجداً في العالمين ومتهما
ومن مشكلات بالعلوم عرفتها / فأعربت عما كانَ فيهم معجما
وأبكيت أقلام البراعة والنهى / فأرضيت حد السيف حتَّى تبسما
وما نلت عما شان بالمجد خالياً / وما زلت بالعلم اللّدنيّ مفعما
تفرَّدت في علم وفهم وحكمة / فها أنت والعلياء أصبحت توأما
وإن جئتَنا في آخر الدهر رحمة / إذا عُدَّت الأمجاد كنت المقدما
وحسبك ما في الناس مثلك سيد / أنال مقلاًّ أو تكرّم معدما
وكم نثرت نثراً بلاغتك الَّتي / أردت بها دُرَّ المعالي منظما
وقد أخرستني من علاك فصاحة / ألست تراني أخرس النطق أبكما
ألا مَنْ مبلغٌ عنّي سلامي
ألا مَنْ مبلغٌ عنّي سلامي / رئيساً في العراق على النّظام
تحية مخلصٍ بالوُدّ يُبدي / صبابةَ ذي فؤاد مستهام
ويبلغه على البعد اشتياقاً / من الداعي إلى الشَّهم الهمام
لقد طلعت فائله علينا / طلوع البدر في جنح الظلام
سنشكره على ما كانَ منه / كشكر الروض آثار الغمام
وما أسداه من كرم السجايا / وفاءٌ بالمودة والذمام
زهت في ناصر أبيات شعر / أتَتْ فالمدح من حُرِّ الكلام
لقد أثنى الرئيسُ بها عليه / ثناءً باحترام واحتشام
تُسَرُّ بها لعمري أولياءٌ / وتعقد عنه السنة الخصام
وإنَّ الفضل يعرفه ذووه / به امتاز الكرام عن اللئام
رآه مدحت الدنيا حُساماً / وقد يغنيه عن حمل الحسام
فقدَّمه المشيرُ ليوم بُؤسٍ / يقدُّ من الخوارج كل هام
فيا لله من والٍ مشيرٍ / عظيم الشأن عالي القدر سامي
لئن باهَتْ به الزوراء أرْبَتْ / بهمته على حلب وشام
إذ انتظم العراقُ به فأضحى / يفاخرُ غيرَه بالانتظام
ودمَّر بالصوارم مفسديها / وأوْرَدهم بها وِرْدَ الحمام
ومدَّ إلى الحَسا كفًّا فطالت / ونال بطولها صعب المرام
رمى من بالعراق عُصاةَ نجدٍ / وزيرٌ ما رمى مرماه رامي
وأدّى خِدمة عَظُمَتْ وجَلَّتْ / بهمته لسلطان الأنام
بدا والصُّبحُ غارَ على الظَّلامِ
بدا والصُّبحُ غارَ على الظَّلامِ / وعِقدُ النَّجم محلول النظامِ
فحيَّا بالرُّضاب وبالحميّا / فأحيا بالرّضاب وبالمدامِ
إذا ما الشيخ في الكأس احتساها / غدا في الحال أنشط من غلام
لئِنْ عَلَّلْتَني يا صاحِ يوماً / بأحبابي فَعَلّلْني بجام
دَعا عنِّي الملامة في التصابي / فقد رَوَّعتُماني بالملام
ألا يا صاحبيَّ وبي غرام / أعيناني على داءِ الغرام
ويا ريح الصَّبا النجديّ بلِّغْ / سُليْمى يا صَبا نجد سلامي
ومن لي بالكرى يوماً لعلي / أرى طيفَ المليحة بالمنام
وما أنسى لها في الركب قولي / وقد نظرت لأجفان دوامي
نحولي ما بخصرك من نحولٍ / وسقمي ما بطرفك من سقام
سقى الأثلاث في سلع سيولاً / فقد جَلَبَتْ حمائِمها حمامي
بكيتُ وما بكت في الدَّوح وُرْقٌ / تظنّ هيامها أبداً هيامي
ولو كانَ الهوى من غير دمع / قَضَينا بالغرام على الحمام
أداوي مهجةً يا سعد جرحى / رماها من رماة الحسن رام
رمين قلوبنا غزلانُ سلع / فما أخطأتَ هاتيك المرامي
فبتّ جريح ألفاظ مراضٍ / ورُحتُ طعين ذياك القوام
قدود البيض لا سمر العوالي / ولحظ السرب لا حد الحسام
كتمتُ الحبَّ متّهماً عليه / وما لي طاقة بالإكتتام
وكيفَ أطيقُ والعبرات منّي / تعبّر عن فؤاد مستهام
وما نقص اشتياق الصَّبِّ شيئاً / على وجه حكى بدر التمام
يَدِبُّ هواك يا سلمى بروحي / دبيبَ الصَّرخدية في العظام
وفيتُ بعهد من نقضت عهودي / وما لوفاء ميّ من دوام
فليتَ المالكيّة حين صَدَّت / رَعَيْتُ ذمامها وَرَعَتْ ذمامي
صَبَرتُ على الحوادث صَبْرَ حُرٍّ / يَرى بالصَّبرِ إبلاغ المرامي
وقلتُ معلِّلاً نفسي ولكن / مقالي كانَ أصدق من حذام
سأحمدْ عند محمود السجايا / عواقبَ أمرِ أخطار عظام
وأستغني به عمَّا سواه / كما يغني الركام عن الجهام
وأرجو أن تُظَفِّرَني سريعاً / عنايَتُه بغايات المرام
لقد دَرَّتْ سحائبه إلى أنْ / زهَتْ فيهنّ أزهار الكلام
فحَدِّثْ عن مكارمه فإنِّي / لتعْجِبُني أحاديثُ الكرام
إذا ما جئتني بحديث جودٍ / لقرم جوده كالغيث هامي
فما حَدَّثتُ إلاَّ عن أشمّ / ولا أخبرت إلاَّ عن همام
ذكاءٌ فيه أروى من زنادٍ / وكفٌّ منه أندى من غمام
وآراءٌّ إذا نَفَذَتْ لأمرٍ / فهنّ اليوم أنفَذُ من سهام
يرى فعل الجميل عليه فرضاً / كمفترض الصَّلاة مع الصّيام
وقامَ له على الأعناق شكر / فلا يُقضى إلى يوم القيام
سريع الجود إنْ يُدْعَ لحسنى / وها هو ذا بطيء الانتقام
أياديه حَطَمْنَ المال جوداً / فما أبْقَتْ يَداه من حطام
على أبوابه الآمال منّا / قدْ ازدحمت لنا أيَّ ازدحام
تخيَّرْ ما تشاء وسَله تعطى / من ابن المصطفى خير الأنام
تيقَّنْ أن أمرك سوف يقضى / إذا ما شِمْتَ منه سنا ابتسام
أخو الهمم الَّتي تحكي المواضي / وتفتك فتك خواض القتام
تسامى مجده فعلاً محلاً / وإنَّ مَحَلَّ أهلِ المجد سامي
جميلك قاطن في كلّ أرضٍ / وذكرك سار جوّان الموامي
طميتَ وأنتَ يوم الجود بحر / وبحرك لا يزال الدهر طامي
ومن جدواك كم قد سال سيلٌ / فروّى سيلُ جودك كل ظامي
لقد أوليتني نِعَماً جساماً / فما أهداك للنعم الجسام
دَعاك لأمره المولى عليٌّ / فكنتَ وأنتَ في أعلى مقام
وعُدْتَ لديه يا عين المعالي / برأيك ناظراً أمر النظام
فتمّ لجيشه المنصور أمر / وإنَّ الأمر يحسن بالتمام
ضَحِكَ البرقُ فأبكاني دَما
ضَحِكَ البرقُ فأبكاني دَما / وجرى دمعي له وانسجَما
وأهاجَ الوجد في إيماضه / كَبِداً حرّى وقلباً مغرما
ما أرى دائيَ إلاَّ لَوعَةً / من حشاً تُورى ومن دمعٍ همى
من سناً لاح ومن برق أضا / ما بكى الوامق إلاَّ ابتسما
فكأنَّ البرقَ في جنح الدجى / ألْبَسَ الظلماء بُرداً مُعْلما
باح في الحبّ بأسرار الهوى / وأبى سرُّ الهوى أنْ يكتما
يا أخلاّئي وهل من وقفةٍ / بعدكم بالجزع من ذاك الحمى
أنشدُ الدار الَّتي كنتم بها / ناشداً أطلالها والأرسما
يا دياراً بالغضا أعهدها / مَرْبَضَ الأسْدِ ومحراب الدمى
سَوَّلَتْ للدمع أن يجري بها / وقضت للوجد أنْ يضطرما
أينَ سكانُك لا كانَ النوى / أعْرَقَ البين بهم أم أشأما
كانَ عهدي بظباء المنحنى / تصرَعُ الظبيةُ فيه الضيغما
وبنفسي بين أسراب المها / ظالمٌ لم يَعْفُ عمَّن ظلما
إنَّ في أحداق هاتيك الظبا / صحةً تورث جسمي سقما
ومليح بابليٍّ طرفه / ساحرِ المقلة معسول اللمى
حرَّم الله دمي وهو يرى / أنَّه حلَّ له ما حرما
كم أراشت أسهماً ألحاظُه / يا له في الحبّ من رامٍ رمى
أشتهي عَذْبَ ثناياه الَّتي / جَرَّعَتْني في هواه العلقما
وصلت أيامه وانقَرضَت / أفكانت ليت شعري حلما
علِّلاني بعسى أو ربَّما / فعسى تغني عسى أو ربَّما
حار حكم الحبّ في الحبّ فما / أنْصَفَ المظلومَ ممن ظلما
ليتَه يعدل في الحكم بنا / عدل داود إذا ما حكما
أيَّد الله به الدِّين امرؤ / كانَ للدين به مُستَعْصَما
ذو مزايا ترتضى أطلعها / منه في أفق المعالي أنجما
بلغ الرشد كمالاً وحجى / قبل أن يبلغ فيها الحلما
ومباني المجد في أفعاله / قد بناهنّ البناءَ المحكما
ناشئ في طاعة الله فتىً / لم يزل برًّا رؤوفاً منعما
قد علا بالفضل فيمن قد علا / وسما بالعلم فيمن قد سما
كم وكم فيمن تولّى أمْرَه / أعيَنٍ قَرَّتْ وأنفٍ أرغما
رجل لو ملك الدنيا لما / تركت أيديه شخصاً معدما
فإذا جاد فما وبل الحيا / وذا جادل خصماً أفحما
بُسِطَتْ أيديه بالجود فما / تركت مما اقتناه درهما
أظهرَ الحقَّ بياناً وجلا / من ظلام الشك ليلاً مظلما
سيّد من هاشم إذ ينتمي / لرسول الله أعلى منتمى
واعظٌ إنْ وعظ الناس اهتدت / لسبيل الرشد من بعد العمى
كلّما ألقى إلينا كلِماً / لفظت من فيه كانت حِكما
تكشف الران عن القلب وما / تركت في الدِّين أمراً مبهما
قوله الفصل وفي أحكامه / ما يريك الحكم أمراً مبرما
إن قضى بالدين أمراً ومضى / أذعَنَ الآبي له واستسلما
يحسم الداء من الجهل وكم / حًسِم الجهل به فانحسما
نجم العلم به إذ نجما / ونمى الفضل به منذ نمى
وبدين الله في أقرانِه / لم أجدُ أثْبَتَ منه قدما
يدفع الباطل بالحق الَّذي / يُفلقُ الهامَ ويبري القمما
واكتفى بالسمر عن بيض الظبا / أغْمدَ السيف وأجرى القلما
وُجدَ الفضلُ به مفتتحاً / لا أرى في فقده مختتما
علماء الدّين أعلام الهدى / كلُّ فرد كانَ منهم علما
إنَّما أنتَ لعمري واحد / ما رأينا لك فينا توأما
أنتَ أندى الناس إنْ تثرى ندى / يا غماماً سحَّ يا بحراً طمى
إنَّ أيامَك أعيادُ المنى / حيث كانت للأماني موسما
سيّدي أنتَ وها أنت لنا ال / عروة الوثقى الَّتي لن تفصما
نظم الشعر لكم داعيكمُ / فتَقبَّلْ فيك ما قد نظما
ذاكراً من أنْعَم الله لكم / نِعَماً تُسدي إلينا النعما
اليوم أصبحَ فيك الوقتُ منتظماً
اليوم أصبحَ فيك الوقتُ منتظماً / وهوَّنَ الله أمراً كانَ قد عَظُما
أمست عمانُ وأنت الشهم سيدها / لا يُستباح لها في الحادثات حمى
مدت إليها يد الجاني فما ظفرت / إلاَّ بما أعقب الخسران والندما
من بعد ما هاج شراً من مكانته / وكاد يوقد في أطرافها ضرما
تمسكاً بحبال الشمس من طمع / ومورداً من سراب لا يبلّ ظما
فلم يُوَفَّقْ إلى نجح يؤمِّله / والمرء إنْ فقد التوفيق أو عدما
لم يهده الرأي إلاَّ للضلال ولا / يزيده عدم التوفيق غير عمى
أضلَّ مسعاه تركي في غوايته / كأنه اختار عن وجدانه العدما
نصحته وبذلتَ النصح تنذره / مستعملاً بالنذير السيف والقلما
فما ارعوى لك عن وهم توهمه / كأنَّ في أُذْنِه عن ناصح صمما
أرادَ في زعمه أنْ يستطيل على / عمان قهراً فلم يظفر بما زعما
وكان غايته الحرمان يومئذٍ / ولو أطاعك واسترضاك ما حرما
خيَّرته قبل هذا اليوم في نعم / ولم يكن ثمَّ ممن يشكر النعما
وجاء يطلب مُلكاً منك ليس له / فقيل خصمان في إرثِ العُلى اختصما
حتَّى إذا كانَ لا يصغي إلى حكم / حكمتما الصارم الهندي بينكما
قضى لك السيف فيما قد قضى ومضى / فيا له حَككَمٌ عدلٌ إذا حكما
وما تجاوزت الإنصاف شفرته / وما أضلَّ بمظلوم وإن ظُلِما
وقالت الناس باديها وحاضرها / ما جار سالم في حكم ولا ظلما
أنزلَته من منيعات الحصون ولو / تركت تركي رهين الحصن مات ظما
أراد مستعصماً فيه ومعتصماً / وما رأى في منيع الحصن معتصما
ولم يجد سلَّما يرقى السماء به / ولو رمى نفسه في البحر لالتُقما
وإنَّه قبل إعطاء الأمان له / ما استشعر الموت حتَّى استشعر الندما
وغرَّه مَن دعاه في خيانته / فجاءها عقبات الموت واقتحما
أذقته العفو حُلواً عن جنايته / وكان عفوك عمَّن قد جنى كراما
عفَوْت عنه ولكن عفوَ مقتدرٍ / والعفو أقرب للتقوى كما عُلما
وما هتكت وأيم الله حرمته / وكان عندك حتَّى زال محترما
وربما لامك اللّوام عن سَفَهٍ / وقد يلومك بين الناس من لؤما
أما وربِّك لو أربى طغى وبغى / وما عفا مثلما تعفو بل انتقما
رحمته ولو استولى عليك لما / أبقى عليك ولم يلحق بمن رحما
أراد ربُّك أنْ تعفو بقدرته / ليظهر الفضل والتمييز بينكما
والله يَعْلَمُ والدنيا بأجمعها / لو نال من سالمٍ تركي لما سلما
لا زال يولي جميلاً من صنائعه / وهكذا كرم الشهم الَّذي كرما
من سيّدٍ بالغٍ رشد الشيوخ نُهىً / رضيع ثدي المعالي قبل أن فطما
تبارك الله ما أبهى سناه فتىً / كالنجم يهدي سبيل الرشد مذ نجما
الثابت الجأش في سِلْم ومعترك / في موطن الفخر قد أرسى له قدما
الباسم الثغر والهيجاء عابسة / والسيف يقطر من هام الكماة دما
فمن صدور العوالي ما يرى وصباً / ومن نفوس المعالي ما شفى سقما
تساهما هو والجد السعيد بما / حازاه من كرم الأخلاق واقتسما
ويا له ولد أعنيه من ولدٍ / أحيى له ذكره الماضي وإنْ قدما
تحفُّه من عمان سادةٌ نجبٌ / تسمو لهم في سماوات العلاء سما
يحمون سيّدهم من كلّ نازلة / بفيصل يغلق الهامات والقمما
ولم يكن غيره الحامي لحوزتها / إذا ادلهمّ من الأخطار ما دهما
تبيت لا كملوك الهند تكلأها / ترعى الأسود وهم يرعونها غنما
لولا وجودك هذا الداء ما حسما / وذلك الصدع لولا أنت ما التأما
لطف من الله فيك الله أظهره / من بعد ما كانَ سر اللطف مكتتما
وافت إلينا فوافت بالسرور كما / ندعو من الله فيها فاغرين فما
سرَّت بها البصرة الفيحاء وابتهجت / منها النفوس وأنف الصند قد رغما
بشارة عمَّت الدنيا مسرّتها / واهتز منها العلى والمجد وابتسما
قد يَسَّرَ الله أمراً أنت فعله / وإن لله في تقديره حِكَما
لا زلت بالجود والإحسان مبتدراً / كالغيث حيث همى والبحر حيث طمى
فمن مزاياك ما تكسو النجوم سناً / ومن عطاياك ما قد يخجل الديما
ولم أزل كلماتي فيك أنظمها / كما تتابع قطر المزن وانسجما
أترى في الوجود مثلَكَ عالمْ
أترى في الوجود مثلَكَ عالمْ / يردُ الناسُ بحرَه المتلاطمْ
أنت من أشرف العوالم ذاتاً / إنما هذه الرجال عوالم
أظهر الله فيك للناس سرًّا / ما لذاك السرّ الربوبيّ كاتم
ولك الله ما برحت صراطاً / مستقيماً وعارضاً متراكم
كل ظامٍ على مناهل ما أو / تيت من فضل ربك حايم
تتلقى الأفهام منك وما تن / طق إلاَّ بالحق والحقّ ناجم
كلمات كأنهن سيوف / أين من فضلك السيوف الصوارم
يا قوام الدِّين الحنيفيّ وال / دين لعمري بمثل ذاتك قائم
إنَّما أنتَ رحمة الله في الأر / ض على أُمَّةٍ لها الله راحم
أنتَ للحقّ واليقين صباح / راح يجلو ليلاً من الشك فاحم
شهد الله أنَّها معجزات / لم تسلّم بالحق من لا يسالم
حجج تفحم المجادل بالباطل / والجاحد الألدّ المخاصم
وضعت للورى موازين بالق / سط وفيها لا زال دفع المظالم
طاوَلَتْ هذه السماء بأيدٍ / قصّرت دونها يدا كل ظالم
قد رأينا ولليالي صروف / قطبت وجهها وثغرك باسم
لا تبالي إذا حكمْتَ بأمر الل / ه والعدل بالذي أنت حاكم
آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر / آتٍ بالحقّ ماضي العزائم
وإذا ما أمرتَ لله أمراً / لست تخشى في الله لومة لائم
لك جدُّ الكلام والكلم الطيّ / ب يؤتي كل امرئٍ ما يلائم
نَبَّهَتْ من أرَدْتَ من سِنة الغ / فلة فاستيقظ الَّذي كانَ نائم
رجع المجرم الَّذي اقترف الذن / ب منيباً فيها وأصبحَ نادم
أعرَبتْ عن بلاغةٍ لك أقلا / م فِصاحُ الإعراب وهي أعاجم
غرّدت ما جرت بأيديك في / الطرس شبيهاً تغريدها بالحمائم
نافثات وهي الجداول للفضل / بقلب العدى سموم الأراقم
اتَّبعنا بالحق ملّة إبراهيم حني / فاً والحقُّ بالحقِّ قائم
واتَّخَذْناه قبلةً وإماماً / ومشيد البيت الرفيع الدعائم
أنت لا غيرك الإمام لقوم / سلكوا في الندى سبيل المكارم
نشروا ذكر ما طوته الليالي / قبل هذا من عهد كعب وحاتم
كتبوا فوق جبهة الدهر أنّ / الدهر عبدٌ لهم رقيق وخادم
زهدوا في الدنى فما راقهم في / ها نفيس من الغنى والغنائم
دَرَّ دَرُّ الندى أعاد أكُفًّا / من أناسٍ أعداؤهن الدراهم
بأبي سادة الأنام جميعاً / وهُداة الأنام أبناء هاشم
من ليوث ضراغم وغيوث / وبحور سواهم وخضارم
قال منهم للمكرمات قؤول / هكذا هكذا تكون المكارم
يتعدى جميل فعلهم الناس / وإنْ كانَ ذلك الفعل لازم
طهْر الله ذاتهم واصطفاهم / قبل ما يُنتَجون من صلب آدم
دائم الفخر خالد الذكر ما غير / فخارٍ لكم مدى الدهر دائم
واردٌ شرعة العلوم الَّتي ليس / عليها إذا وَرَدْتِّ مزاحم
لم ينلها سواك نعمة مولى / أنت فيها تحلّ طوق النعايم
طالما حَثْحَثَ النياق حثيثاً / راغبٌ في بديع فضلك هائم
قد وفدنا على كريم إذا استُج / دي جادت يمينه بالكرائم
ووقفنا بموقف العلم والتد / ريس والفضل والندى والمكارم
وشهدنا معالم المجد فيها / قد تعالت فيا لها من معالم
ثم شِمْنا برق المكارم قد لا / ح سناه من بين تلك المباسم
ولثمنا يدي عظيم قريب / من عظيم تعدَّه للعظائم
كَشَفَتْ غمَّةَ النوائب عنا / ثم نابت لنا مناب الغمائم
لم تزل تتبع الجميل جميلاً / فهي إذ ذاك ساجم إثر ساجم
هذه سيّدي عريضة داعيك / وكانت عن الوداد تراجم
كلّما أثبتت مديحك فيها / كانَ إثباتها لمحو المآثم
أطلُبُ العفو في مديحك والغف / ران والصفح عن جميع الجرائم
فتقبّل مني وما زال قِدماً / ناثراً في مديحك العبد ناظم
بقوافٍ على عداك عَوادٍ / يا فدتك العدى ووجهك سالم
بارقٌ لاح فأبكاني ابتساما
بارقٌ لاح فأبكاني ابتساما / نبَّه الشَّوقُ من الصبِّ وناما
ولمن أشكو على برح الهوى / كبداً حرَّى وقلباً مستهاما
ويح قلبٍ لَعِبَ الوجد به / ورمته أعين الغيد سهاما
دنف لولا تباريح الجوى / وما شكا من صحَّة الوجد سقاما
ما بكى إلاَّ جرتْ أدمُعُه / فوق خدَّيه سفوحاً وانسجاما
وبما يسفح من عبرته / بلَّ كمّيه وما بلَّ أواما
ففؤادي والجوى في صبوتي / لا يَمَلاَّن جدالاً وخصاما
ليتَ من قد حرموا طيب الكرى / أذنوا يوماً لعيني أن تناما
مَنَعونا أن نراهم يقظة / ما عليهم لو رأيناهم مناما
قَسَماً بالحبِّ واللّوم وإنْ / كنتُ لا أسمع في الحبِّ ملاما
والعيون البابليَّات الَّتي / ما أحلَّت من دمي إلاَّ حراما
وفؤادٌ كلَّما قلت استفق / يا فؤادي مرَّةً زادَ هياما
إنَّ لي فيكم ومنكم لوعةً / أنْحَلَتْ بل أوْهَنَتْ منِّي العظاما
وعليكم عبرتي مهراقة / كلَّما ناوحت في الأَيك حماما
ومتى يذكرُكم لي ذاكرٌ / قعدَ القلب لذكراكم وقاما
يا خليليَّ ومن لي أنْ أرى / بعد ذلك الصَّدع للشَّمل التئاما
أحسِب العامَ لديكم ساعةً / وأرى بَعْدَكم السَّاعة عاما
لم يدمْ عيشٌ لنا في ظلِّكم / أيّ عيش قبله كانَ فداما
حيث سالمنا على القرب النوى / وأخذنا العهد منها والذماما
ورضعنا من أفاويق الطلا / وكرهنا بعد عامين الفطاما
أترى أنَّ الهوى ذاك الهوى / والندامى بعدنا تلك الندامى
كلَّما هبَّت صبا قلتُ لها / بلِّغيهم يا صبا نجد السَّلاما
وبنفسي ظالمٌ لا يتَّقي / حوبة المضنى ولا يخشى أثاما
ما قضى حقًّا لمفتون به / ربَّما يقضي وما يقضي مراما
لو ترشَّفتُ لماه لم أجد / في الحشا ناراً ولو هبَّت ضراما
ولأطفأت لظى نار الجوى / ولعفت الماء عذباً والمداما
شدَّ ما مرَّ جفاً مستعذب / من عذابي فيه ما كانَ غراما
لا سُقيتنَّ الحيا من إِبلٍ / تقطع البيد بطاحاً وآكاما
قذفتها بالنوى أيدي السّرى / في مواميها عراقاً وشآما
ورمتها أسهم البين فمن / مُهَجٍ تُرمى وعيسٍ تترامى
وقد بلونا النَّاس في أحوالها / وعرفناهم كراماً ولئاما
وشربناهم نميراً سائغاً / وزعافاً وأكلناهم طعاما
فمحالٌ أن ترى عينٌ رأت / كحسام الدِّين للدِّين حساما
إنْ تجرِّده على الدهر يدٌ / فَلَقَتْ من خطبه هاماً فهاما
من سيوف الله لا تبصر في / حدِّه الماضي فلولاً وانثلاما
جوهر أودَعَهُ الله به / لم يكن يقبل في النَّاس انقساما
نظرت عيناي منه أروعاً / طيب العنصر والقرم الهماما
من كرامٍ سادةٍ لم يُخلَقوا / بين أشراف الورى إلاَّ كراما
رقَّ حتَّى خِلْتَه من رقَّة / أرج الشِّيح وأنفاس الخزامى
أو كما هبَّت صبا في روضةٍ / تنبت الرند صباحاً والثماما
ثابتُ الفكرة في آرائه / يظهر الصّبح كما يخفي الظَّلاما
وإذا ما قوَّم المعوجّ في / رأيه العالي من الأَمر استقاما
يوم تعرى البيض من أغمادها / وبه يكسي الفريقين القتاما
في نهارٍ مثل مسودّ الدُّجى / تلبس الشَّمس من النَّقع لثاما
وإذا ما أشرق النَّادي به / أشرق النَّادي به بدراً تماما
لم يضِمه من زمان طارق / عزّ جاراً وجواراً أنْ يضاما
قد وَجدنا عهده في ودّه ال / عروة الوثقى فقلنا لا انفصاما
شمل النَّاس فأغنى بِرُّه / وكذا البحر إذا البحر تطامى
بأبي أنتَ وأُمي ماجد / في سماوات المعالي يتسامى
شيّد الفضل وأعلى قدرهُ / بعد أنْ أصبحَ أطلالاً رماما
وكفت يمناهُ بالويلِ ندًى / فكفتنا الغيث سقياً والغماما
حاكمٌ بالعدل علويُّ الثنا / عن عليٍّ قام بالحكم مقاما
إنَّما البصرة في أيَّامه / أعجبت من سارَ عنها أو أقاما
أفصحت عن أخرسٍ فيك له / من قريض النثر نثراً ونظاما
عربيَّات القوافي غررٌ / نصبت قلة المجد خياما
شاعرٌ يهوى معاليك وفي / كلِّ وادٍ من مديح فيك هاما
يا حسام الدِّين يا هذا الَّذي / أشكر اليوم أياديه الجساما
فتفضَّل وتقبَّل كلّ ما / جمعت فيك من الحقِّ كلاما
وثناء طيِّباً طابَ بكم / ينعشُ الرُّوح افتتاحاً وختاما
أرى في لفظِ هذا الشَّهم معنًى
أرى في لفظِ هذا الشَّهم معنًى / يُنبئُ عَن مدى عِلْمٍ عظيم
ومهما زدته نظراً بفكري / رأيتُ نهاه قِسطاس العلوم
متى يَشْتَفي هذا الفؤاد المتَيَّمُ
متى يَشْتَفي هذا الفؤاد المتَيَّمُ / ويقضي لباناتِ الهوى فيك مُغْرَمُ
أبيتُ أُداري الوجد فيك صبابة / وأسهر ليلي والخليُّون نوَّمُ
أُجيب دواعي الشَّوق حيث دعونني / وإن أكثَرَتْ لومي على الحبِّ لوَّمُ
وأُهرقُ من عينيَّ ماء مدامعٍ / وفي القلب منِّي لوعة تتضرَّمُ
وأشكو إليك الشَّوق لو كنتَ سامعاً / ومن لي بمشكوٍّ يرقُّ ويرحمُ
إلامَ أُذيعُ الوجد عندك أمره / وأُظهر ما أخفي عليكم وأكتمُ
أُعلِّلُ نفسي في تدانيك ضلّة / وأبني المباني في هواك وأهدمُ
ولي حسرة ما تنقضي وتلهُّفُ / ومن مرسِلاتِ الدَّمع فذٌّ وتوْأَمُ
وللصَّبّ آياتٌ تَدلُّ على الهوى / تُصرِّح أحياناً به وتجمجمُ
وليلٍ أُقاسيه كأَنَّ نجومه / غرانيقُ في مَوجٍ من اليمِّ عُوَّمُ
بمعترك بين الأَضالع والحشا / ينازلني للهمّ جيشٌ عرمرمُ
كأَنَّ بصدري من تباريح ما أرى / صُدورَ العوالي والقنا المتحطّمُ
أمَضَّ بأَحشائي غرامٌ مبرِّحٌ / وأعضلَني داءٌ من الوجدِ مؤلمُ
عَدَتْك العوادي إنَّما هي زفرة / تطيش باًحناء الضُّلوع وتحلمُ
لقد بَرَّحَتْ بي وهي في بُرَحائها / سواجع في أفنانها تترنَّمُ
تعيد علينا ما مضى من صبابةٍ / وتملي أحاديث الغرام فنفهمُ
ولم أنسَ لا أنسى الدِّيار الَّتي عَفَتْ / طلول لها تشجي المشوق وأَرسُمُ
وقوفاً عليها الرَّكب يقضُون حقَّها / كأَنَّهم طيرٌ على الماءِ حوَّمُ
تَذَكَّرنا ما كانَ في وَمَن الصّبا / وإنْ طالَ فيه عَهْدُها المتَقَدّمُ
وعَيشاً قضيناه نعيماً ولذَّةً / هو العيش إلاَّ أنَّه يتصرَّمُ
خليليَّ ما لي كلَّما عنَّ ذكرهم / وجيء بأخبارِ الأَناشيد عنهمُ
أُكفكفُ من عيني بوادرَ عَبرة / وأبكي لبرقٍ شِمْتُه يتبسَّمُ
رعى الله جيراناً مُنيتُ بحبّهم / أحَلُّوا دمي في الحبّ وهو محرّم
رَعَيْتُ بهم رَوض المحبّة يانعاً / وحكّمْتُهم في مُهجتي فتحكّموا
ألا من مجيري يا لقومي ومسعدي / على ظالمٍ في حكمه يتظلّم
هم أعوَزوني الصَّبرَ بعد فراقهم / وسار فؤادي حيث ساروا ويمّموا
بنفسي الظعون السائرات كأنَّها / بدورٌ تداعَتْ للمغيب وأنجُمُ
إذا زُحزحت عنها اللئام عشيةُ / أضاءَ بها جنحٌ من اللَّيل مظلمُ
أيزعمُ واشي الحبّ أني سلوتهم / ألا ساء واشي الحبّ ما يتوهم
خلا عَصرُنا هذا من النَّاس فارتقب / أناساً سواهم تحسنُ الظنّ فيهم
وما بعد سلمان النقيب من امرئٍ / ببغداد من يُعزى إليه التكرُّم
بذي طلعَةٍ تنبيك سيماؤها العلى / ويَصدُق فيها القايف المتوسّم
عليه وقارٌ ظاهرٌ وسكينةٌ / يُمثّلُ رضوى دونَها ويَلَمْلَم
من السادة الغُرِّ الميامين سيّد / أعزُّ بني الدنيا وأندى وأكرمُ
وما هو إلاَّ من ذؤابة هاشم / هو الرأس فيهمْ والرئيس المقدم
تُناخُ لديه للمطامع أنْيُقٌ / إذا حَثحَثَ الركبُ المطيَّ ويمَّموا
فما دون هذا الشهم للوفد مقنع / ولا بعده في البرّ للناس مغنم
لنا من أياديه وشاملُ فضله / مواهبُ تَتْرى من لدنه وأنْعُم
تَصَدَّر في دَسْتِ النقابة سيّداً / وما لسواه في الصدور التقدم
نَهُزُّ معاليه لكلِّ مُلمَّةٍ / كما هُزَّ للطَّعنِ الوشيجُ المقَوَّم
وما زال كالسيف المهنَّد يُنتضى / عُرا كلِّ خطبٍ في غراريه تُفْصَم
تمسَّكتُ بالحبل الَّذي منه لم يَرِمْ / بحادثةِ الدنيا ولا يتصرم
وفي كل يوم من أياديه نعمة / مكارمُ تُسْتَوفى ورزقٌ يقسَّم
فلِلفضلِ في أيَّامه البيض موسمٌ / وللجودِ منه والمكارم موسم
بطلعتِه نستطلع الشمسَ في الضحى / ويَنجابُ من ليل الخطوب التجهُّم
وذي همةٍ أمضى من السَّيف حدُّها / لأظفار أحداثِ الزمان تقلّم
تطير بذكراه القوافي وارداً / فتنجدُ في أقصى البلاد وتُتْهم
أبا مصطفى لم أر مدحَك لامرئ / من النَّاس ألا قال هذا مُسَلَّم
لتهنا قريشٌ حيث كنتَ زعيمَها / تُبَجَّل في أشرافها وتُعظَّم
ومن كانَ عبد القادر الشيخ جدّه / فماذا يقول المفصِحُ المتكلم
وكم نعمةٍ أوْلَيْتَني فشكرتُها / ولو لم يَفُه منِّي لسان ولا فم
فما ساغ لي إلاَّ بفضلك مشربٌ / ولا لَذّ لي إلاَّ بظلِّك مطعم
لكلّ امرئٍ حظٌّ لديك قوافياً / بأوصافك الحسنى تصاغُ وتنظمُ
إذا أفصَحَتْ عن كنه ذاتك غادرت / حَسودَك في إعرابها وهو أبكم
ومنك ثرائي حيث كنتُ وثروتي / وما زال يَثرى في نوالك معدم
رأيتُ بك الدنيا كما شئت طلقة / وعيشي لولا شهدُ جودك علقم
خَدَمْتُك بالمدح الَّذي أنت أهْلُه / ومثلك يا مولايَ بالمدح يُخدم
أرى الشعر إلاَّ فيك ينقص قدره / وديناره في غير مَدْحَك درهم
ونثني عليك الخير في كل ساعةٍ / ونبتدئ الذكرَ الجميلَ ونختم
هاتها حمراءَ تحكي العَنْدَما
هاتها حمراءَ تحكي العَنْدَما / واسقنيها من يَدَيْ عَذْبِ اللّمَى
وانتهزها فُرْصةً قد أمكَنَتْ / فاغتنمها واتَّخذها مغنما
وانتهبها لذَّةً إنْ تنقضِ / يا نَديمي أعْقَبَتْك الندما
وأَعِدْ لي من شبابي ما مضى / بعجوز لم تلاق الهرما
حبَّذا أُختُ عروس زُوِّجَتْ / وهب بكرُ الدَّن من ماءِ السَّما
أخْبَرت عن نار كسرى ما رَوَتْ / من أعاصير الأُلى ما قدما
لطُفَتْ حتَّى كأَنْ لم نرها / فتخيَّلْنا الوجودَ العدما
في رياضٍ أخَذَتْ زُخْرُفها / وبكى الغيثُ لها وابتسما
يوم أُنسٍ نشر السحب به / في نواحي الجوّ بُرداً معلما
حجب الشمس فأبْرَزْنا لنا / شمسَ راح والحباب الأَنجما
معْ مليح قد قضى الحسن له / أن يرى الظلم إذا ما حكما
لو رآه عاذل يعذلني / في هواه عاد فيه مغرما
أشتكي الظلمَ وهذا ظالمي / يا لقومي من حبيبٍ ظلما
ورماني عامداً من لحظه / أيَّ سهم ذلك اللحظ روى
ما اتّقى الله بأحشائي ولا / راقبَ المأثم فيما أثما
حرَّمَ الوَصْلَ على مغرمه / ليتَه حَلَّلَ ما قد حرَّما
يا مليحاً أنا في طاعتِهِ / وأُعاصي في هواه اللّوَّما
منك أشكو ما أُقاسيه ومِن / سُقم أجفانك أشكو السقما
وسواء فيك مسلوب الحشا / باح بأسرار الهوى أو كتما
يا لقومي من مشيرٍ بدمي / من دم طُلّ بألحاظ الدُّمى
كم وكم في الحبِّ لا في معرك / صَرَع الظبيُ الأَغنُّ الضيغما
وفنون لشجون أطلَقَتْ / عَبرة الصّبّ من الوجد دما
لستُ أنسى ليلةً باتت بها / أعينُ الواشين عنَّا نوَّما
وسهرناها كما شاءَ الهوى / نتعاطى الكأسَ من خمر اللّمى
تلك أعراسُ زمان سَلَفَتْ / فأقِم يوماً عليها مأتما
لم أزلْ من بعدها أرجو لها / عَوْدَة تبري بقلبي الأَلما
مقرناً قولي عسى في ربَّما / وعسى تُغني عسى أو ربَّما
ينعم الدهر علينا مرَّةً / فنرى شمل المنى منتظما
ما رأتْ عَيني أمراً حيثُ رأتْ / مثل إبراهيم برًّا منعما
عَلَويٌّ قد علا أعلى العُلى / وعلى أعلى السّماكين سما
مذ رأيناهُ رأينا ماجداً / وعرفناهُ عرفنا الكرما
فهو كالغيث إذا الغيث همى / وهو كالبحر إذا البحر طمى
باسطٌ للجود منه راحَةً / ساجَلَتْ يومَ العطاءِ الدِّيما
أشرف العالم أُمًّا وأَباً / ثمَّ أوفاهم وأندى كرما
هو من أشرفِ قومٍ نسباً / خير من تلقاه فيهم منعما
سيِّد إنْ يعتزِ أم ينتمِ / فإلى خير النبيِّين انتمى
لودَعيٌّ لم تدع آراؤه / من أُمور الرأي أمراً مبهما
قسماً بالفخر في عليائه / أوَتبغي فوق هذا قسما
إنَّه للفَردُ في أقرانه / كانَ والمجد تليد التوأما
سالكٌ ما سلكتْ آباؤه / بمعاليه السبيلَ الأَقوما
نَشَرَتْ أَيمانُه ما ملكت / لنظام الحمد حتَّى نظما
أنا في مدحي له خادمه / إنَّ مَن يخدم علاه خدما
وقليلٌ ولو أنِّي ناظم / لعلاه في القريض الأَنجما
شِيَمٌ ممدوحة في ذاته / فتأَمَّل فيه تلك الشِّيما
فتراه للندى حينئذٍ / مُسْبَغاً في كلِّ يومٍ نعما
هو ترياق من الدهر الَّذي / كانَ في اللأواء صِلاًّ صَيْلما
فإذا ما حارَبَتْ أيَّامه / حادث الأيام ألقى السلما
نتَّقي ما نتَّقي من بأسه / وإذ أقْدَمَ خطبٌ أحجما
لا بلغتُ إرباً إنْ لم أكنْ / ناقلاً إلاَّ إليه قدما
إنَّما البصرة في أيَّامه / أبْصَرَتْ أعيُنُها بعدَ العَمى
جعل الله لها في ظلِّه / خيرَ ظلٍّ منه بل خير حمى
مكرماً من أَمَّهُ مسترفداً / راحماً من جاءهُ مسترحما
فجزاه الله عنها خير ما / جُوزي المنعم عمَّا أنعما
مَدَحْتُ ابنَ الفَدَّاغ نظمي
مَدَحْتُ ابنَ الفَدَّاغ نظمي / فخابَ في مَدْحِه النظامُ
وجئتهُ والنهار ولَّى / وكادَ أن يهجمَ الظَّلام
فساءهُ عندها مجيئي / كأَنَّما جاءهُ الحِمام
أقمتُ في دارِه طويلاً / فلا كلام ولا سلام
وضارَ عمداً يصُدُّ عنِّي / أهكذا تفعلُ الكرام
لمَّا رأيناهُ وهُوَ مُغضٍ / وما بدا منه لي ابتسام
مَزَّقْتُ إذ قمتُ صحف شعري / وسرَّني منهمُ القيام
ومن يكنْ وجههُ عَبوساً / عليَّ إكرامه حرام
ولا أرجّي ندى بخيلٍ / لوَ انَّ في كفِّه الغمام
فكان كالبحر وهو ملحٌ / لم يُرْوَ من مائه أوام
رأى لساني إذنْ كليلاً / وما دَرى أنَّه حسام
ولا أُداري ولا أُماري / وليسَ في ذمَّتي الأثام
فلا تلمني على فعالي / عليك في ذلك الملام
أفي الطلل الحديثِ أو القديم
أفي الطلل الحديثِ أو القديم / بلوغُ مرامِ صَبٍّ مَرومِ
وقفتُ على رسوم دارسات / وما يغني الوقوف على الرسوم
ألا سُقِيَتْ منازلُ آل سلمى / بذي سَلمَ ورامة والغميم
وحيّ حيَّ أحباب تناءت / بقلب سار عن جسد مقيم
خذي يا ريح أنفاسي إليهم / وإنْ كانت أحرّ من السُّموم
أُكفكفُ بعدهم دمعاً كريماً / جرى من لوعة الوجد اللَّئيم
رعى الله الأَحبَّة كيف مرَّت / لياليهم بمنعرج الصَّريم
قَضَيْتُ نعيم عيشٍ مرَّ فيها / فسَلني إنْ جهلتَ عن النعيم
وكم غصنٍ هصرتُ بها رطيباً / جَنيّ الزهر مخضرّ الأَديم
بحيث نزوّج ابنَ المزن لما / عقدت حبابه بنتَ الكروم
إلى بعد الغميم وعهد سلع / نجاة من هموم أو غموم
سقتها هذه العبرات صوباً / تنوف به على الغيث العميم
كأنِّي حين أسقيها دموعي / سقاني البين كأساً من حميم
تلوم لجهلها لمياءُ وجدي / وأين الَّلائمون من الملوم
سألتكِ إنْ رأيتِ اللَّوم يجدي / حليفَ الوجد حينئذٍ فلومي
أما وحشاشة في القلب تزكو / غراماً يا أُميمَة كالغريم
لقد عَدِمَ التصبُّر فيك قلبي / ومن يبغي الثراءَ من العديم
وها أنا بَعْدَ من أهوى عليلٌ / شفائي منه معتلّ النسيم
وكم دنفٍ بكاظمة سقيمٍ / ولكنْ من هوى طرف سقيم
وليثٍ دون ذاك الحيّ يرمي / فيصرَعُ في سهام لحاظ ريم
وأَحباب أُقاسي ما أُقاسي / عَذاباً من عذابهم الأَليم
هُمُ نقضوا العهود وهم أصَرّوا / بصدِّهم على الحنث العظيم
وذكري بعدهم جنَّات عيش / رماني في لظى نار الجحيم
وفي دار السلام تركت قومي / وما أنا من هواهم بالسَّليم
ولي في البصرة الفيحاء قوم / أصولُ بهم على الخطب الجسيم
جرى من صدر إبراهيم فيها / على الدُّنيا ينابيع العلوم
من الأَشراف من أعلى قريش / بهم شَرَفٌ لزمزم والحطيم
إذا عُدَّت قرومُ بني مَعَدٍّ / فأوَّلُ ما يُعَدُّ من القُروم
عماد الدِّين قام اليوم فينا / بأمرِ الله والدين القويم
وفرعٍ من رسول الله دَلَّتْ / أطايبُه على طيب الأُروم
ونجمٍ في سماء المجد يهدي / إلى نهج الصراط المستقيم
شهاب ثاقب لا زال يذكو / فيقذف كلّ شيطانٍ رجيم
يعيد ظلام ليل الشَّكِّ صبحاً / إذا ما كانَ كاللَّيل البهيم
يزيد عقولنا بدقيق فَهمٍ / غذاءً للعقول وللفهوم
ونرجع في الكلام إلى خبيرٍ / بكشف دقائق المعنى عليم
تكادُ حلاوة الأَلفاظ منه / تعيد الرُّوح في الجسم الرَّميم
وروضٌ من رياض الفضل ضاهى / بزهر كلامه زهر النُّجوم
يقصّر بالبلاغة باعَ قسٍّ / ويقصُرُ عنه قيس بن الخطيم
وإنَّكَ إنْ نظرتَ إلى علاه / نظرتَ إلى جبالٍ من حلوم
إذا ذكرتْ مناقبه انتشينا / وكانت كالمدامة للنديم
لقد كرمَتْ له خِيمٌ وجَلَّتْ / وخيمُ الأَكرمين أجلّ خيم
وهل في السَّادة الأَنجاب إلاَّ / كريمٌ قد تفرَّع من كريم
يفوقُ الدّرّ في نَثْرٍ ونَظْمٍ / إذا ما قيس في الدُّرِّ النظيم
وأينَ المسكُ من نفحاتِ شيخٍ / يفوقُ نوافج المسك الشميم
ولم يبرح يقابِلُ سائليه / بحسن الخلق والطبع الحليم
تنال بفضله عِلماً وحكماً / وتعلم فضل لقمان الحكيم
فحاز مكارم الأَخلاق طراً / وحاشاه من الخلق الذميم
زفَفْتُ إلى علاك بنات فكري / فكانت مُنيَة الكفو الكريم
أغارُ من اللّئام على القوافي / فلا يَحظى بها حظّ اللَّئيم
أُمانعُ عن قوافيَّ الأَداني / ممانعةَ الغيورِ على الحريم
جلا في الكأسِ جاليَة الهمومِ
جلا في الكأسِ جاليَة الهمومِ / وقامَ يمِيسُ بالقَدِّ القَويمِ
يحضُّ على مسرَّات النَّدامى / ويأمُرُ في مُصافاة النَّديم
وقد فرش الربيعُ لنا بساطاً / من الأزهار مختلف الرقوم
بحيث الأُفق مغبرّ الحواشي / ووجه الأرض مخضر الأديم
هنالك تطلعُ الأقمار فيها / شموس الراح في اللَّيل البهيم
كأنَّ حَبابها نُظِمَت نجوماً / رَجَمتْ بها شياطين الهموم
وأرشفني لماه العذب ألمى / مراشفه شفاء للسقيم
وأعذب ما أرى فيه عذابي / فما أشكو الظلامة من ظلوم
وأحبابٌ كما أهوى كرامٌ / تنادمني على بنت الكروم
ويسعدنا على اللذات عودٌ / يكرِّرُ نغمة الصوت الرخيم
يخصّ بما يعمّ أخا التصابي / فيشجي بالخصوص وبالعموم
فيالك لوعة في الحبّ باحت / بما في مضمر القلب الكتوم
وما أهرقت من دمع كريم / جرى من لوعة الوجد اللئيم
أُلام على هواك وليت شعري / فما للاّئمين من الملوم
وما سالتْ دموعُ العين إلاَّ / لما في القلب من حرّ السُّموم
وهل ينجو من الزفرات صبٌّ / رَمَتْهُ بالغرام لحاظُ ريم
وقد حان الوداع وحانَ فيه / رحيلُ الصَّبر عن وجدٍ مقيم
إلاَّ لله من زَمَنٍ قَضَيْنا / به اللّذّات في العصر القديم
وقد كانت تُدارُ عليَّ راحٌ / تُعيدُ الرُّوح في الجَسَدِ الرَّميم
أخَذْتُ بكأسها وطربت فيها / فسَلْني كيف شئتَ عن النعيم
بحيث الشمس طالعة مدامي / وبَدْرُ التّمِّ يومئذٍ نديمي
تصَرَّمتِ الصّبابة والتصابي / وصارَمني الهوى ظبيُ الصَّريم
ومفريَّة الفدافد والفيافي / لها في البيد إجفالُ الظَّليم
سريت بها أقدُّ السَّيرَ قدًّا / بضربِ الوخد منها والرَّسيم
إذا مرَّتْ على أرضٍ فَرَتْها / مرور العاصفات على هشيم
وقفتُ على رسوم دارسات / وما يُغني الوقوفُ على الرُّسوم
أُكفْكفُ عبرة الملهوف فيها / وتحتَ أضالعي نار الجحيم
أُطوِّفُ في البلاد وأنتحيها / وإنْ شَطَّتْ إلى حرٍّ كريم
لئنْ سَعِدَتْ به الكوماءُ يوماً / حسمت نحوس أيَّام حسوم
أُنيخت في رحاب بني عليٍّ / نياقي لا بمنعرج الغميم
وأغناني عن الدُّنيا جميعاً / ندى سلمان ذي القلبِ السَّليم
وما زالت مطايانا سراعاً / إلى نادي الكريمِ ابنِ الكريم
رعيت النَّدى به غضًّا نضيراً / فما أدنو إلى المرعى الوَخيم
أقبِّل منه راحة أريحيٍّ / تَصوبُ بصيّب الغيثِ العميم
وإنِّي والهموم إذا اعترتني / وجَدْتُ به النجاة من الغموم
ويحمي المنتمين إلى عُلاه / مُحاماة الغيورِ عن الحريم
إذا ذُكِرتْ مناقبُه بنادٍ / تَضَوَّعَ عن شذا مسكٍ شميم
يروقُ نَضارةً ويَروقُ ظرفاً / أرقَّ إذا نَظَرْتَ من النَّسيم
وما يُبديه من شَرَفٍ ومجدٍ / يَدُلُّ به على شَرَفِ الأُروم
وما برحت مكارمُه ترينا / وُجُوه السَّعد بالزَّمن المشوم
وتَطْلُعُ من مَعاليه فتزهو / مناقبُ أَشْهَتْ زَهر النجوم
ولِمْ لا يرتقي دَرَج المعالي / بما يُعطاه من شيمٍ وخِيم
بوار الخصم في بأسٍ شديد / ونيلُ البرِّ من بَرٍّ رحيم
له فينا وإنْ رَغِمَتْ أُنوف / يدا موسى بن عمران الكليم
أَنوءُ بشكرها وأَفوزُ منها / بما يوفي الثراءَ إلى العديم
وذو الحظّ العظيم فتًى بَرَتْهُ / يَدُ الباري على خلقٍ عظيم
وفيه منعة لا زالَ فيها / امتناع الحادثات من الهجوم
ويدرك فكره من كلِّ معنى / يدقّ على المكالم والفهوم
هو القرم الَّذي افتخرت وباهت / به الأَشرافُ أشراف القروم
تحومُ على مناهله العطاشى / وثمَّةَ مَنْهلٌ عَذْبٌ لِهيمِ
وتصدُرُ عن موارد راحتيه / وقد بلغ المرام من المروم
لعبد القادر الجيلي يُنمى / وقطب الغوث والنبأ العظيم
إلى من تفرج الكربات فيه / وينجي المستغيث من الهموم
إلى بيت النُّبوَّة منتماهم / رفيع دعائم الحسب الصميم
هُداةُ العالمين ومقتداهم / إلى نهج الصراط المستقيم
رياض محاسن وحياض فضل / تَدفَّقُ بالمكارم والعلوم
وما أدري إذا طاشتْ رجال / رجالٌ أمْ جبال من حلوم
نظمتُ بمدحهم غُرَرَ القوافي / فما امتازت عن الدّرّ النظيم
على مثله تجري الدُّموعُ السَّواجمُ
على مثله تجري الدُّموعُ السَّواجمُ / وتبكي ديارٌ أُخْلِيَتْ ومعالمُ
ومن بعده لم يبقَ في النَّاس مطمع / لأُنسٍ ولا في هذه النَّاس عالم
لتقضِ المنايا كيف شاءَت فقد وهتْ / قوى الصَّبر وانحلَّت لديها العزائم
وشُقَّتْ قلوبٌ لا جيوبُ وأُدْمِيَتْ / جوانح قد شُدَّت عليها الحيازم
تيقَّظ فيها للنوائب نائم / ووافى إلى حرب الزَّمان مسالم
وكنَّا بما نلهو على حين غفلةٍ / أَمِنَّا هجوم الموت والموت هاجم
وما ذرفت عينايَ إلاَّ لحادثٍ / ألمَّ بنا فاستعظمته العظائم
وفلَّ قضاء الله شفرة صارم / أُقارع أعدائي به وأُصارم
وسكَّن فعلاً ماضياً من غراره / وما دخلت يوماً عليه الجوازم
وأَصْبَحْتُ لا درعٌ يقيني سهامها / ولا في يميني مرهف الحدّ صارم
غداة رأتْ عيني الأَمين محمَّداً / صريعَ المنايا والمنايا هواجم
وقد مِيطَ عَن ذاك الجناب الَّذي أرى / مآزرُ لَمْ تَعْلَق بهنَّ المآثم
وقد خَلَعَتْ منه المعالي فؤادها / وإنسانُ عين المجد بالدَّمع عائم
وعهدي به ما لان قطّ لشدَّةٍ / ولا أَخَذَتْ منه الأُمورُ العظائم
على هذه الدُّنيا العَفا بعد سيِّدٍ / به العيش حتَّى فارقَ العيش ناعم
تكدَّر ذاك المنهل العذب صفوه / فلا حام ظمآناً على الماء حائم
لتبكِ عليه اليوم أبناءُ هاشم / إذا ما بَكَتْ أبناءهَا الغرّ هاشم
تَفَرَّعَ عنها مُنْجِبٌ وابنُ منجبٍ / غَذَتْهُ لبانَ العِزِّ منها الفواطمُ
فقام بأَمر الله غير مداهن / لأمر ولَمْ يقعد عن الحقّ قائم
ولا يتَّقي في الله لومة لائم / ولم يثْنِه عن طاعة الله لائم
ويقدم للأَمر الَّذي يعد الرَّدى / وقد أَحْجَمَتْ عنه الأُسودُ الضراغم
ويرضيه ما يرضى به الله وحده / وإنْ غَضِبَ القوم الطغاة وخاصموا
فرُحنا نواري في الثرى قَمر الدُّجى / فلا فجَّ إلاَّ وهو أسْوَدُ فاحم
ونحثو على الضرغام أكرمَ تربةٍ / ثوى في ثراها الأَنجبون الأَكارم
وطافت به أملاكها وتنزلَتْ / من الملأ الأَعلى عليه عوالم
وقلنا لقد غاضَ الوفاء وأَقْلَعَتْ / بوابل منهلّ القطار الغمائم
وهل تبلُغ الآمال ما مُنِيَتْ به / وقد فُجِعَتْ بالأَكرمين المكارم
هنالك لم تُحبَس لعَينيَّ عبرةٌ / عليه ولم تثبت لصبر قوائم
ومن عجبٍ نبكيه وهو منعم / ونعبس ممَّا قد دهى وهو باسم
سقاك الحيا المنهلُّ كلَّ عشيَّةٍ / وحيَّاك منه العارض المتراكم
نأَيْتَ فودَّعْنا الفضائل كلَّها / فيا نائياً بالله هلْ أنتَ قادم
ويا صخرة الوادي الَّتي قد تصدَّعَتْ / وكانَ لعمري يتَّقيها المزاحم
لئنْ كانَ أُنسي فيك أُنساً ملازماً / فحُزني عليك اليوم حزن ملازم
بمن أَتَسلَّى عنك والنَّاس كلُّها / وحاشاك إلاَّ من عرفت بهائم
بمن أتَّقي حرَّ الزَّمان وبرْده / ويعصمني ممَّا سوى الله عاصم
وفيمن تراني أستظلُّ بظلِّه / إذا نَفَحَتْ تشوي الوجوهَ سمائم
قَضَيتُ بك الأَيَّام إلاَّ قلائلاً / وإنِّي على ما فاتني منك نادم
أُشَنِّفُ سمعي منك باللؤلؤ الَّذي / يَروقُ ولم ينظِمْه في السِّلْكِ ناظِمُ
برغميَ فارقتُ الذين أُحبّهم / ولي فيهمُ قلبٌ من الوجد هائم
وقاطَعَني لا عن تقالٍ مقاطعٌ / وصارمني لا عن جفاءٍ مصارم
وضاقت عليَّ الأرض حتَّى كأَنَّها / من الضِّيق حتَّى يأذن الله خاتم
لقد كُسِفَتْ تلك الشُّموس وأُغْمِدَتْ / ببطن الثَّرى تلك السُّيوف الصَّوارم
وكم ليلةٍ من بعده قد سَهِرْتُها / أُسامِرُ ذكراه بها وأُنادم
وأذكر عهد الودّ بيني وبينه / وهيهات يُنسى عهدهُ المتقادم
وقد كنتُ أهوى أن أكونَ له الفدا / فألقى الرَّدى من دونه وهو سالم
ولكنْ أراد الله إنفاذَ أَمرهِ / ليحكم فينا بالجهالة حاكم
وتبقى أُمورُ الدِّين من بعده سدًى / ويُرغم أَنف الفضل للنقض راغم
تبيت القوافي بالرّثاء وغيره / تنوح كما ناحتْ عليه الحمائم
تقلّص ذاك الظلّ عنَّا ولم يدمْ / علينا وما شيء سوى الله دائم
فيا مُرَّ ما لاقيتُ منه بفقده / على أنَّه الحلوُ اللَّذيذُ الملائم
ويا واعظاً حيًّا وميتاً وكلُّه / مواعظ تشفي أنفساً ومكارم
خرجتَ من الدُّنيا إلى الله لائذاً / برحمته والله للعبد راحم
وأَعرَضْتَ عن دنياكَ حزماً وعفَّةً / وما اغترَّ في الدُّنيا الدنيَّة حازم
وما عَرَفَ القومُ الذين نبذتهم / وراءَكَ ما مقدار ما أنتَ عالم
فوالهفي إنْ كانَ يجدي تلهُّفي / على عَرَبِيٍّ ضيَّعَته الأَعاجم
وقد أعوزَتْني بعده بلّة الصَّدى / فمن لي ببحرٍ موجُهُ متلاطم
ونَكَّسْتُ رأسي للزَّمان وخطبه / فلا وُضعت فوقَ الرُّؤوس العمائم
وما زالَ قولي غير راضٍ وإنَّما / لِشدَّة ما تعدو الخطوب الأَداهم
لكلِّ اجتماع لا أباً لك فرقة / وكلُّ بناءٍ سوفَ يلقاه هادم
يعيد عليَّ العيدُ حزناً مجدّداً / وما هذه الأَعياد إلاَّ مآتم
أبى الله إلاَّ إنْ تَعُزَّ وتُكْرَما
أبى الله إلاَّ إنْ تَعُزَّ وتُكْرَما / وأنَّك لم تَبْرَحْ عزيزاً مكرّما
تذلّ لك الأَبطال وهي عزيزةٌ / إذا استخدمت يمناكَ للبأس مخدما
ويا رُبَّ يومٍ مثل وجهك مشرقاً / لبست به ثوباً من النَّقع مظلما
وأبزغت من بيض السُّيوف أَهِلَّةً / وأطْلَعْتَ من زُرقِ الأَسنَّة أنجما
وقد ركبَتْ أُسْد الشّرى في عراصِه / من الخيل عُقباناً على الموت حوّما
ولمَّا رأيتُ الموتَ قَطَّبَ وجهه / وأَلفاك منه ضاحكاً متبسّما
سَلَبْتَ به الأَرواح قهراً وطالما / كَسَوْتَ بقاع الأرض ثوباً معندما
أرى البصرة الفيحاء لولاك أصبَحَتْ / طلولاً عَفَتْ بالمفسدين وأرسما
وقالوا وما في القول شكٌّ لسامع / وإنْ جَدَعَ الصّدقُ الأُنوفَ وأَرغما
حماها سليمان الزهير بسيفه / منيع الحمى لا يستباح له حمى
تحفّ به من أهلِ نجدٍ عصابة / يرون المنايا لا أباً لك مغنما
رماهم بعين العزِّ شيخٌ مُقدَّمٌ / عليهمْ وما اختاروه إلاَّ مقدّما
بصيرٌ بتدبير الأُمور وعارف / عليمٌ فما يحتاج أن يتَعَلَّما
أَأَبناءُ نجدٍ أَنْتُم جمرة الوغى / إذا اضطرمت نار الحروب تضرُّما
وفي العام ما شيَّدتموها مبانياً / من المجد يأبى الله أن تتهدَّما
وما هي إلاَّ وقعةٌ طارَ صيتها / وأَنْجَدَ في شرق البلاد وأَتْهما
رفَعْتُمْ بها شأن المنيب وخضتُمُ / مع النَّقع بحراً بالصَّناديد قد طمى
غداةَ دَعاكم أَمْرُهُ فأجبْتُمُ / على الفور منكم طاعةً وتكرُّما
وجرَّدكم لعمري فيها صوارماً / إذا وَصَلَتْ جمع العدوِّ تصرّما
ومن لم يجرِّد سيوفاً على العدى / نبا سيفُه في كفِّه وتثلَّما
وإنَّ الَّذي يختار للحرب غيركم / وقد ظنَّ أنْ يُغنيه عنكم توهّما
كمن راحَ يختار الضَّلال على الهُدى / وعُوِّض عن عين البصيرة بالعمى
ومن قالَ تعليلاً لعلَّ وربَّما / فماذا عسى تغني لهلَّ وربَّما
عليكم إذا طاش الرِّجال سكينة / تُزَلْزِلُ رَضوى أو تبيد يَلَمْلَما
ولمَّا لَقِيتُم من أَرَدْتُم لقاءهُ / رَمَيْتم به الأَهوال أبْعَدَ مُرتمى
صبرتم لها صبر الكرام ضراغماً / وأَقْحَمْتموها المرهفات تقحّما
وأُوْرَدْتموها شرعةَ الموت منهلاً / تذيقُهمُ طعمَ المنيَّة علقما
وما خابَ راجيكم ليومٍ عَصَبْصَبٍ / يريه الرَّدى يوماً من الروع أَيْوما
وجرَّدكُم للضَّرب سيفاً مهنَّداً / وهزَّكم للطعنِ رمحاً مقوّما
ومن ظنَّ أنَّ العزَّ في غير بأسكم / وهي عِزُّه في زعمه وتندّما
وما العزّ إلاَّ فيكم وعليكم / وما ينتمي إلاَّ إليكم إذا انتمى
إذا ما قَعَدْتُم في الأُمور وقُمْتُمْ / عليها حُمِدْتُم قاعدين وقوّما
وما سُمِعت منكم قديماً وحادثاً / رواية من يروي الحديث تَوَهُّما
وإنْ قلتُمْ قولاً صدقتم وما انثنى / بكم عزمكم إنْ رام شيئاً وصمَّما
ولما أتاكم بالأَمان عدوّكم / وعاهدتموه أنْ يَعودَ ويَسْلَما
وَفَيْتم له بالعهد لم تعبَأُوا بمن / أشارَ إلى الغدر الكمين مجمجما
ولو مدّ من نأيَته عنكم يداً / لعاد بحدّ السَّيف أَجْدَعَ أجْذما
وفيما مضى يا قوم أكبر عبرة / ومن حقِّه إذ ذاك أن يتَرَسَّما
أيَحْسَبُ أنَّ الحال تُكْتَمُ دونكم / وهيهات أَنَّ الأَمرَ قد كانَ مبهما
فأَظْهَرَ مستوراً وأَبْرَزَ خافياً / وأَعرَب عمَّا في الضمير وتَرْجَما
أَمتَّخِذَ البيض الصَّوارم للعلى / طريقاً وسُمر الخطّ للمجد سلّما
نصرت بها هذا المنيب تَفَضُّلاً / وأَجرَيْتَ ما أَجرَيْتَ منك تكرما
على غلمة في النَّاس لله درُّه / تصرَّف فيها همَّة وتقدّما
تأثَّل في أبطاله ورجاله / فلم يُغْنِ سِحْرٌ غابَ عنه مكتما
وقلَّبَها ظهراً لبطن فلم يجد / نظيرك من قاد الخميس العرمرما
هنالك ولى الأَمر من كانَ أهلَهُ / فبُجِّلَ في كلِّ النُّفوس وعُظِّما
وطال على تلك البغاة ببأسه / وحكَّم فيهم سيفه فتحكما
وقد يُدركُ الباغي النجاة إذا مضى / ولكن رأى التسليم للأَمر أسْلَما
وما سبق الوالي المنيب بمثلها / وفاقَ ولاة الأَمْر ممَّن تقدّما
سليمان ما أبقيت في القوس منزعاً / ولا تركت يُمناك للبذل درهما
كشفت دجاها بالصَّوارم والقنا / وقد كانَ يُلْفى حالك اللَّون أسحما
فأَصْبَحْتَ في تاج الفخار متوَّجاً / وفي عِمَّة المجد الأَثيل معمّما
إليك أبا داود نزجي ركائباً / ضَوامِرَ قد غُودرن جلداً وأَعظما
رمتنا فكنَّا بالسّرى عن قسيّها / وقد بريت من شدَّة السَّير أسهما
فأكرمْتَ مثوانا ولم ترَ أعينٌ / من النَّاس أندى منك كفًّا وأكرما
لأحظى إذا شاهدت وجهك بالمنى / وأَشكر لله من نعماك أنعما
وأُهدي إلى علياك ما أَستَقِلُّهُ / ولو أَنَّني أَهْدَيْتُ دُرًّا منظما
فحبُّك في قلبي وذكراك في فمي / أَلذُّ من الماء الزُّلال على الظَّما
قَدِمْتَ قدومَ الغادياتِ السَّواجمِ
قَدِمْتَ قدومَ الغادياتِ السَّواجمِ / فبُرِكْتَ من دانٍ إلَينا وقادم
طلعتَ طلوعَ البدرِ في غاسق الدُّجى / على حالك من غيهب اللَّيل فاحم
وأَقبَلْتَ إقبالَ السَّعادةِ كلّها / بأَبلجَ وضَّاحِ الأَسارير باسم
تحفُّ بك الآمال من كلّ جانب / ويحجُبُك الفرسان من كلّ صارم
فلم تُبْقِ ريقاً ماحلاً ما سقته / فأَخْصَبَ في خفضٍ من العيش ناعم
متى شئتَ غادَرْتَ البلاد كأَنَّما / سَقَتْها الغوادي ساجماً بعد ساجم
وإن قُلتَ لم تترك مقالاً لقائل / ولا تختشي في الله لومة لائم
أتيتَ أَتيَّ الغيثِ والغيثُ دونه / إذا انهلَّ في أعلامها والمعالم
وجئتَ بأَبطال الرِّجال تقودُها / أَماثِيلَ سيل العارض المتراكم
إذا ائْتَمَرَتْ يوماً بأَمرِكَ بادَرَتْ / إلى أَمرك العالي بدار الضراغم
تَشُكُّ صدور الدَّارعين رماحها / فهل كانت الخطيّ سلكاً لناظم
أَعاريبُ ما دانَتْ لسكنى مدينةٍ / ولا دَنَّسَتْ أَخلاقَها بالأَعاجم
مطاعينُ في الهيجا مغاويرُ في الوغى / وقائِعُهمْ معلومةٌ في الملاحم
ولم يَغْنَموا غير الفخار غَنيمةً / وما الفخر إلاَّ من أجلِّ المقاسم
لقد زُرْتَ مَنْ لو شكَّ أنْ لا تَزورَهُ / رأى عزَّه الموجودَ أضغاثَ حالم
تَشرَّفَ قومٌ أكرَموكَ بِرَغْمهم / ومُيِّزتَ فيما بينهم بالعلائم
لئنْ عدَّدوا تَوفيقَك القومَ نعمةً / فأَنت بحمْد الله فوقَ النعائم
لهم بك فخرٌ ما بقيتَ لهم به / ولا فخر إلاَّ منك يوماً بدائم
وقمتَ بأَمرٍ لا يقومُ بمثله / سواك وما كلٌّ عليه بقائم
وقد نُبتَ فينا بعد عيسى وبندر / منابَ الغوادي واللّيوث الضياغم
وما هدم الله البناءَ الَّذي بهم / وأنْتَ لهُمْ بَيتٌ رفيع الدعائم
وما أخْلَفَتْ تلك النجومُ بصيّبٍ / من المُزنِ مرجوٍّ بتلك المواسم
فقد صُلْتَ حتَّى خافك الحتف نفسُهُ / وما استعْصمَ المفراق منك بعاصم
وبارَزْتَ حتَّى لم تجد من مبارزٍ / وصادَمْتَ حتَّى لم تجد من مصادم
وأَرْغَمْتَ آناف الخطوب فأَدبَرَتْ / بذلَّةِ مرغومٍ لعزَّةِ راغم
فلم نرَ من صرف الزَّمان محارباً / تنازله الأَرزاء غير مسالم
إذا كنتَ للمظلوم في الدَّهر ناصراً / فما صالَ هذا الدَّهر صولة ظالم
بَسَطْتُمْ يداً في بطنها نَيْلُ نائل / وفي ظهرها طول المدى لثم لاثم
نشَرتُمْ بها أخبارَ كعب وحاتم / وقد طُوِيَتْ أخبارُ كعب وحاتم
نزلتم على الشمّ الرعاف منازلاً / غواربَ أعلام العُلى والمناسم
رَقِيتُم بأطراف المعالي معالياً / من المجد ما لا تُرقى بالسَّلالم
مَغانيكُمُ للوافدين مغانمٌ / فأَكرِمْ بهاتيك المغاني المغانم
أرى النَّاس أَفواجاً إلى ضَوْءِ نارِكم / حِثاث المطايا عاليات العزائم
فمِنْ مُعْتَفٍ يرجو سماحةَ سيِّدٍ / ومن ضارعٍ يرجو تعَطُّفَ راحم
نَعَمْ هذه للطارقين بيوتكم / بيوت المعالي والندى والمكارم
غياثٌ لملهوفٍ وأمنٌ لخائفٍ / ومأوًى لمأمونٍ ووِرْدٌ لحائم
منازل لم ينزل بها غير ماجد / كريم السَّجايا من قروم أكارم
وقد سُدْتُم السَّادات بأساً ونائلاً / بفضلٍ وإحسانٍ ورمحٍ وصارم
فلا تحفِلُوا من بعد هذا بقاعدٍ / كما لم تبالوا إنْ قَعَدْتُم بقائم
فلا يَحْسَبَنْ من لم ترعه سيوفكم / إطاعتكم عن ريبةٍ حكمَ حاكم
فلم تكُ إلاَّ طاعةً وتَفَضُّلاً / على من لكم من مثله ألف خادم
فكان رضاه ما رضيتم لحزمه / وليس الَّذي يأبى رضاكم بحازم
فلو قارعتكم منه يوماً قوارعٌ / لأَصبَحَ منكم قارعاً سنَّ نادم
رَأَتْ عينُه من بأسكم بعض رؤية / فكانت له إذ ذاك إيقاظ نائم
إذ استعظمت ما قد رأت وأراعها / جلال عظيم في الأُمور العظائم
وما قد رأى الرَّاؤون آل محمَّد / نظيراً لكم في عصرها المتقادم
وجوهٌ كما لاحَ الصَّباحُ مضيئة / وأيدٍ ولكن فوقَ أيدي الغمائم
وبيضٌ حِدادٌ جُرِّدَتْ بأكُفِّكم / فأَغْمَدْتُموها في الحشا والجماجم
تنوح على القتلى غداة صليلها / نواحَ حِمامٍ لا نواح الحمائم
إذا ابتَسَمَتْ والقرمُ تدمى كلومُهُ / بكَتْ بدمٍ قانٍ بتلك المباسم
حَمَيْتَ بها أرضَ العراق وأهلَهُ / وسوَّرْتُموها بالقنا والصَّوارم
فَدَتْكَ ملوكٌ لا يُرَجّى نوالها / وما لاحَ منها برق جود لشايم
قد اجتنبت هذي الملوك الَّتي ترى / مطامع راجيها اجتناب المحارم
أما والَّذي أعطاكَ ما أنتَ أَهْلُهُ / وولاّك في الدُّنيا رقاب العوالم
لوَ انِّي اسْتَغْنَيْتُ عن سائر الورى / فَوِرْدي إذَنْ من بحريَ المتلاطم
فما قلتُ بيتاً في سواك ولا جرى / به قلمي يوماً بمدح ابن آدم
فعش سالماً واسلمْ لنا ولغيرنا / فما المجد إلاَّ ما سَلِمتَ بسالم